ما كنت أنتظر أن يثير انقراض "ديناصور" كل هذا الاهتمام في الحي..فأصبح الكل يؤرخ للأحداث كبيرها و صغيرها بموته..و أتذكر يوم قال لي أستاذي إنك ولدت بعد موت الديناصور بثلاثة أعوام و أربعة أشهر، كما هو مسجل في خانة الازدياد بالبطاقة المدرسية.. و كنت أتعجب من قوله، لأني علمت من صديق لي أن أباه قرأ في مجلة علمية، وهو الخبير بالعلم و المولع بالمعرفة، أن آخر الديناصورات على ظهر الأرض اختفت في حادثة انقراض كارثية ، في نهاية العصر الكريتاسي قبل 65 مليون سنة، فكيف لي أن أصدق قول أستاذي، و إن فعلت، فسيكون عمري إذن أربعة أشهر و ثلاثة أعوام و خمساً وستين مليون سنة أي بصيغة أخرى سأكون أكبر معمر، ليس في الحي فقط بل في الكون أجمع،و سأسجل في كتاب بل مجلد "جينينس" و سيكون أبي و جدي أصغر مني بملايين السنين، وهذا ما لم أستسغه و سيصعب علي استساغته مستقبلاً و إلى الأبد.. و أدخله في باب العجاب..إلا أن باب العجب بل العجائب لا يقف عند هذا الحد.. بل يظل مشرعاً على مصراعيه عندما يصل إلى سمعي أن جنازة أو مواراة جسد ال"ديناصور" كانت كبيرة جداً شارك فيها الكبار و الصغار من أهل الحي و الأحياء المجاورة وقد حضرها، كما روى بعض المشيعيين، بعضُ أهل حي "سانية الرمل" رغم العداء الذي كان بينهم و بين أهل حي "الباريو"،و قد قال البعض إن كثرة المشيعين لا ترجع إلى المكانة الإيجابية للديناصور لدى المشيعين بل كانت نتيجة حب استطلاع. و اللافت للسخرية و التعجب هو إجماع الكل أن جماعة من الديناصورات قد شاركت في الجنازة، و شوهد، و العهدة على من روى الخبر، التأثر واضحاً وجلياً على محيى الديناصورات التي رافقت الجنازة إلى مثواها الأخير وهي يبكي، لأن التأثر و البكاء خاصيتان إنسانيتان، فكيف استطاع الديناصور أن يتمثل القيم الإنسانية..أما ما عدا "الديناصورات" فالكل كان فرحاً و إن لم يظهر فرحته بشكل لافت. و قد سمع البعض زغرودة عالية كتلك التي تطلقها النساء عند رؤية هلال شهر شعبان أو رمضان، إلا أن مصدرها ظل مجهولاً لحد الآن..
هب أننا لم نسلم بالنظرية التي ساقها صديقي رواية عن أبيه، و هو المولع بالأحداث العلمية.. وأهل علم و ثقة، وهب أننا لم نؤمن بوجود العصر الكريتاسي، فهل يمكن أن ننكر وجود العصر الطباشيري.. حتى وإن صدقنا و آمنا بوجود العصر الطباشيري، فهل هذا كاف للاقتناع ببقاء "ديناصور" إلى يومنا هذا و بحينا.
عندئذ فقط فهمت لماذا كان جدي يقول : سأتأخر للعب "الضامة" مع مجموعة "ديناصورات" بعد صلاة العصر في "ساحة الفدان"
وعلمت فيما بعد أن صاحبنا كان يلقبه الضابط الاسباني ب" سوريس"، يوم كان يحارب إلى جانب جنود "فرانكو" و شك أصدقاؤه و معارفه، لما عاد من إسبانيا بعد انتهاء الحرب الأهلية، في اعتناقه الديانة المسيحية و أنه غير اسمه من إدريس إلى " سوريس" ، حتى أخبرهم صديقه عباس المعروف بلقب "تريناسوريس" أن الاسم اختصار ل"انكيلوسوريس"* ألصقه به الضابط الاسباني، بعد عراك جرى بينه وبين ثلاثة جنود إسبان وتغلبه عليهم جميعاً لما هموا في إحدى الأمسيات بإيقافه عن شرب الخمر و إخراجه بالقوة من الحانة. فانتهت مقاومته لهم بكسر رجل أحدهم و تهشيم رأس آخر وترك علامات زيارة على وجه الجندي الأخير، ولم تسلم مقاعد الحانة و كراسيه و زجاجه من كسور، دفع "فاتورتها" "الديناصور" بقضاء "عطلة استجمامية" بقبو المعسكر.
ومباشرة بعد عودته، شوهد وهو يتسلق مراكز عليا ، وهو الأمي، ويحضر الاجتماع مع علية القوم، و يحكى انه استدعي لافتتاح معرض للفن التشكيلي فبقي مسمراً أمام لوحة لامرأة عارية و مكتنزة إلى أن جره أحد مرافقيه بسرعة بعيداً عن اللوحة حتى لا تثير الانتباه. إلا أنه وُجد بعد إغلاق باب قاعة العرض جالساً أمام اللوحة يتمعن فيها، و الدموع تبلل خده.
بعد ثلاثة أيام من دفنه، أُخرج من قبره و نقل إلى مزبلة غير بعيدة من المقبرة و أضرمت النار بجسده. وعلقت لافتة كبيرة كتب عليها : " أصبحت البانجيا *،اليوم، بعد أن فقدت أحد أهم رموزها "الديناصور" تنعم بحياة أسعد وأهنأ".****** انكيلوسوريس أو الديناصور الدَّبَّابَه كما يسميه بعض العلماء هو ديناصور نباتي عاش في اواخر العصر الطباشيري و قد كان يمتلك قوة دفاعية هائله حيث أنه كان يستطيع التصدي لأي هجوم من اي ديناصور حتى ولو كان تي ريكس المرعب ( تريناسوريس ) إذ انه كان يمتلك ذيلاً قوياً يمكنه من التأرجح و الاصطدام بأي ديناصور و إلحاق اضرار بالغة به مهما كانت قوة خصمه و ايضاً كان له درع قوي يمكنه من تحمل اي هجمة. و يبلغ طوله: سبعة أمتار وارتفاعه 1.8 م أما وزنه فيصل إلى 4 أطنان.
* البانجيا: اسم للكتلة الكبيرة التي كانت تكون اليابسة قبل حوالي 230 مليون سنة.
تطوان 4 مارس 2007