أبو حيان الغرناطي
نفحة من الأندلس
(في ذكرى ميلاده: آخر شوال 654هـ)
أحمد تمام
كنية "أبي حيان" يتنازعها اثنان من الأعلام الأفذاذ، كل منهما إمام في فنه، رأس في تخصصه، أما أحدهما فهو أبو حيان التوحيدي نابغة أهل المشرق في الأدب والفلسفة، حتى أطلق عليه أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، وأما الآخر فهو أبو حيان الغرناطي صاحب "البحر المحيط" في التفسير، وإمام عصره في النحو، والتفسير، والحديث، جاء من غرناطة إلى مصر واستقر بها، فأشاع فيها من علمه وفضله؛ وهو ما جعل الدنيا تقر بإمامته وأستاذيته.
المولد والنشأة
في إحدى ضواحي مدينة غرناطة الأندلسية ولد "أثير الدين محمد بن يوسف"، المعروف بأبي حيان في (آخر شوال 654هـ = 19 من نوفمبر 1256م)، وبها نشأ وتعلم، فكان مترددا على حلقات العلم المنتشرة في المساجد، وكانت غرناطة آنذاك كبرى حواضر العلم الأندلسية، بعد أن انحسرت دولة الإسلام وتقلصت أراضيها في الأندلس، فدرس الفقه والحديث، ومالت نفسه إلى النحو، واللغة، والقراءات، فأقبل على تعلمها بهمة عالية ورغبة شديدة، وتتلمذ على أبي جعفر بن الزبير، وابن أبي الأحوص، وأبي الحسن الأبذى، وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، ودرس الفقه والأصول والحديث والتفسير.
ولم يكتفِ أبو حيان بما حصل، بل طوف في بلاد الأندلس يقابل الشيوخ الأعلام، ويتتلمذ عليهم، فرحل إلى مالقة والمرية، ثم بدأت رحلته الكبرى إلى بلاد المشرق.
الرحلة إلى الشرق
خرج أبو حيان من موطنه إلى المشرق شابًا في الخامسة والعشرين من عمره، سنة (679هـ = 1280م) فنزل بجاية وتونس والإسكندرية، ثم رحل إلى مكة، وأدى بها فريضة الحج، ثم عاد إلى مصر، فدخلها في سنة (695هـ = 1295م).
وهذه الرحلة الطويلة قضاها في طلب الحديث، واللغة، والنحو، والقراءات، فلا يحل ببلدة إلا اتصل بشيوخها وتلقى عنهم، ولهذا كثرت شيوخه كثرة مفرطة.
ولم يشتهر أحد من النحاة بكثرة الشيوخ مثلما اشتهر أبي حيان، ويشير هو إلى ذلك بقوله: "وجملة الذين سمعت منهم أربعمائة شخص وخمسين، وأما الذين أجازوني فعالم كثير جدًا من أهل غرناطة ومالقة وسبتة وديار إفريقيا وديار والحجاز والعراق والشام"، وقد ذكر المقري في "نفح الطيب" شيوخ أبي حيان، والكتب التي درسها عليهم...
د. أبو شامة المغربي