جيل الفضائيات والأنترنيت
تراهم في الحدائق،في الساحات،يتدربون على رقصاتهم البهلوانية،ينفلتون بين السيارات،
خلف الشاحنات،ب "التروتينات"،بسراويلهم الفضفاضة،وقبعاتهم العجيبة،المثبتة على رؤوسهم بالشكل الذي يريدون،يعيشون حريتهم،يتمردون عن كل ما هو تقليدي،"الميتاليكا والراب" موسيقاهم،وشبكة الأنترنيت ملاذهم،يكملون فيها يومهم،عندما تسكن الشوارع، يتيهون في عالم رقمي لا متناهي،يفترقون في الشوارع ويلتقون أصدقاء وصديقات في برامج "الشات" عندما ينام أولياؤهم،يعمقون الهوة التي توجد بينهم وبين آبائهم،فيصعب التواصل ،ويستحيل التفاهم،ثم تبدأسياسة جر الحبل،التي غالبا ما تفضي إلى ما لا تحمد عقباه.
يحتدم الصراع بين الآباء والأبناء كما احتدم بين الآباء وآبائهم،لكن بشكل أعمق عندما
اطردت المستجدات التكنلوجية،وتنافس الناس في اقتنائها وإدخالها إلى البيوت،استحال التفاهم
عندما ابتعد الآباء عن أبنائهم، عندما لم يبالوا بمعاناتهم،عندما لم يتفهموا صراعهم النفسي،
في واقع يصعب على فهمهم،واقع لا ينصت باهتمام إلى تطلعاتهم،عندما لايجدون الجواب الشافي عند آبائهم لما يلاحظون من متناقضات في مجتمعهم،يستحيل التفاهم عندما يتمترس الآباء خلف جدار أفكار غير قابلة للتغيير،يحنون إلى طفولتهم و مراهقتهم،يستحيل التفاهم
بين جيل الفضائيات والأنترنيت وآبائهم بسبب عدم تفتح الآباء على مستجدات العصر،وعدم مسايرتهم للركب التكنلوجي الذي لا يهمل،آباء مثقلون بهموم ومشاغل يومية كثيرة،يكدون من أجل أبناء لا يعون أن آباءهم أشد الحرص على مستقبلهم .
لقد تعمقت الفجوة بين الآباء والأبناء اليوم أكثر من أي وقت مضى،ومرد ذلك إلى الطفرة
التكنلوجية الرقمية الذي عرفها العالم مؤخرا،طفرة هاجمت المجتمعات المحافظة في عقر
دارها،استسلمت هذه الأخيرة بغير محض إرادتها،اندحرت مقاومتها أمام سلاح الصورة وخداعها،طفرة يصعب على الأب والإبن أيضا مجاراة إيقاعها،وفضائيات أذابت الحدود والحواجز،فتشابهت عادات الشباب في العالم بأسره،في موسيقاه،في لباسه،في طموحاته،في كل شيء.ينطلق الجديد من المركز المتقدم في اتجاه المحيط المتخلف اجتماعيا واقتصاديا...يصدر الفيلم الهوليودي أو الشريط الغنائي أسبوع أو أسبوعين تتداوله ألسنة الشباب في جل مناطق العالم،شمالا وجنوبا ،شرقا وغربا،شباب ارتبط فيما بينه عبر شبكة عنكبوتية،أدمن عليها، وجد فيها ضالته،وجد فيها الحل والملاذ،وجد فيها ما يفتقده في مجتمعاته،تستقطبه،تحتضنه،حقائق أدركها بعض الآباء وأغفلها البعض.