أراجيز ابن سينا الطبية
***
كان الطب قد صيغ شعرا فيما يسمى بالأرجوزة، وهي قصيدة يكون وزنها متكون من تكرار لـ مستفعلن، وتشبه فى خفتها الأناشيد، ولنأخذ أراجيز ابن سينا مثالا: لابن سينا سبع أراجيز في الطب هي:
1- أرجوزة في التشريح مطلعها:
الحمد الله على تهذيبي وعاصمي من أمم تهذي بي
2- أرجوزة في تدبير الصحة مطلعها:
الحمد الله اللطيف الكافي الواحد الفرد الحكيم الشافي
3- أرجوزة في الوصايا الطبية 71 بيتا مطلعها:
أول يوم تنزل الشمس الحمل تشرب ماء فاترا على عجل
4- أرجوزة في المجربات الطبية في خمس وثلاثين ومائة بيت مطلعها:
بدأت باسم الله في النظم الحسن أذكر ما جربته طول الزمن
5- أرجوزة في الفصول التي فيها تناول الطعام مطلعها:
يقول راجي ربه ابن سينا ولم يزل بالله مستعينا
6- أرجوزة في حجر الذخيرة، وتسمى أيضا أرجوزة في الباه مطلعها:
يا سائلي عن وجع في الوسط ونقطة تأتي له لم تخطى
7- أما الأرجوزة السابعة أشهر الأراجيز وأطولها والمسماة بألفية ابن سينا في الطب ولو أنها تحتوي على ألف وثلاثمائة وعشرين بيتا وموضوعها حفظ الصحة ومطلعها:
الطب حفظ صحة برء مرض ومن سبب بدن عنه عرض
ونلاحظ أن ابن سينا ضمن المطلع أقسام الطب الخمسة: الأسباب (الإيتولوجيا) وعلم المرض (الباثولوجيا)، والأعراض (عنه عرض) والوقاية (حفظ الصحة) والعلاج (برء).
إذن الأمر لم يتوقف عند علمائنا العرب عند تأليف الكتب فحسب، ولو لم يؤلف ابن سينا إلا القانون فى الطب لكفاه
وما أدراكم ما قانونه فى الطب والذي قال عنه الطبيب الشهير William Osler بأنه أشهر كتاب طبي على الإطلاق،
ويعد هذا الكتاب فريدا من نوعه، إذ يمثل وثيقة تحوي كل علوم الطب منذ أقدم الأزمنة (كالطب الفرعوني والإغريقي والهندي) وحتى عصر ابن سينا.
وتميز هذا الكتاب بعرضه مواضيع الطب وفق خطة منهجية قريبة جدا لما تتبعه الكتب الطبية المدرسية الحديثة، خصوصا فيما يتعلق بطريقة سرد الأمراض من حيث التعرض لتصنيف الأمراض ثم ذكر أسبابها وأعراضها وعلاماتها وسرايتها، ثم ذِكْر علاجها وإنذارها. ويمكننا القول بأن حسن ترتيب كتاب القانون فضلا على شموليته جعلاه الأكثر انتشارا في الأوساط العلمية الطبية في كل من الشرق والغرب وذلك حتى أواخر القرن السابع عشر.
وضع ابن سينا هذا الكتاب ولما وجد أن همم الطلاب قاصرة عن تعلمه كاملا أراد أن ييسر الأمر عليهم فاختصره فى ألفيته، وقد وضعت عدة شروحات لهذه الأرجوزة، أشهرها التي وضعها العالم الفيلسوف ابن رشد، والذي توفي سنة 595هـ – 1198م. وترجمت هذه الأرجوزة إلى اللغتين اللاتينية والعبرية.
وقسّم ابن سينا أرجوزته إلى قسمين: الأول نظري، والثاني عملي، ولنأخذ مثلا جزءا من الأرجوزة يتحدث فيه عن الطفل في بطن أمه:
الطفـل يحفـظ ببطـن أمــــه*
كي لا يُصيبَ آفةً في جسمه
فاحتط على الحامل في معدتها*
كي لا ترى الفسادَ في شهوتها
ويُصلَحُ الـــدمُ ويُنْقــَى الفضْلُ*
ذاك الذي يكون منه الطفـــل
إن هاجها الدمُ فلا تَفْصِدْها*
بل بالبرود والتطافي اقصدهـــا
أو هــاجها خلط فلا تُسهلها*
بل بتلطف لـــه عامـلها
وهكذا نرى أن ابن سينا قام باختصار الطب فى زمانه (أو لنقل أساسياته) في قصيدة يحفظها الطلاب يتعلمون فيها أساسيات الطب ويدرسون شروحها وتطبيقاتها.
*****
د. أبو شامة المغربي