كلمة عن مقتل الحسين
كلمة عن مقتل الحسين
لروحك الطاهرة أغلى سلام يا ابن الغالي و حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد كانت حادثة مقتل الحسين من أبشع الحوادث التي يمكن أن نتصورها عبر التاريخ الإسلامي.
قيل في الكتب لقد بقيت البراري تنزف الدماء على مقتل الحسين، وكل ما رفع أحدهم حجراً وجد تحته دماً.
من قتل الحسين عليه السلام ليس يزيد وزبانيته فحسب
من قتله من تخلى عنه وانهزم من أبناء العراق.
تقول كتب التاريخ إن الحسين رضي الله عنه أراد السفر للكوفة فأوقفه أكثر من صحابي جليل ونصحوه بعدم الذهاب للعراق
حتى قال له أحدهم : لقد قتلوا أباك.
لكن الحسين أصر على الذهاب.
لماذا أصرَّ الحسين رضي الله عنه رغم نصيحة الصحابة له، ورغم أنه يعرف موقف الحسن رضي الله عنه حيث بايع معاوية و حقن دماء المسلمين وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن موقف الحديث فقال :" لعل الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين"
هل كان الحسين مخالفاً لموقف الحسن في اقباله على الحكم بينما أعرض عنه الحسن رضي الله عنه ؟
كثير ممن يتكلم عن الحسين تراه يخفي موقف الحسن رضي الله عنه من الحكم، رغم أنهما أخوة وسيدا شباب الجنة.
لا يمكننا أن نشك للحظة برجاحة عقل الحسين فلقد نهل الحكمة والعلم من نور النبوة.
لكن ما جرى هو ما شرحه الحسين بنفسه فقال للمعترضين على سفره خوفاً عليه: لقد وصلني حملي بعير.
حملي بعير من الرسائل المكتوبة من أهل العراق الذي خذلوا الحسين بعدها.
ماذا تحمل هذه الكتب؟
لا شك إنها تحمل مبايعة لحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتحثه على القبول بمبايعة المسلمين له، وتعلن له السمع والطاعة
خاصة أن والده علي بن أبي طالب كان قد نقل دار الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة
وحين بايع الحسن معاوية، ثبت للمسلمين إن الشام صارت دار الخلافة وإن دمشق هي عاصمة الخلافة الجديدة.
بذلك حدث حدث بالغ الأهمية من الوجهة السياسية
فانتقلت العاصمة من بلاد الرافدين إلى بلاد الشام
هذا الانتقال من إقليم إلى إقليم بحاجة لوقفة مطولة عند أبعاد التغيرات التي ستحصل بعدها، ودراسة التأثيرات النفسية على الحاشية المقربة والبعيدة والتي خسرت سياسياً عاصمة بين ليلة وضحاها، ولا شك أن لها لذة في محبي الحكم والخلافة من أهل العراق وإن ألبسوها اللبوس المقدس بخلافة حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لنا إذن أن نفكر بالأبعاد السياسية التي حملت أهل العراق على مراسلة الحسين للقبول بالخلافة، ونضعها موضع دراسة وتفكير.
لكنا ما يهمنا هو موقف الحسن رضي الله عنه من كل هذه الأحداث
لا شك إن الحسين كان يدرك أبعاد ذلك، لكنه حمل أمانة دقيقة في هذه اللحظة التاريخية، فكيف يرفض حمل مسؤولية الأمة وقد صارت الأغلبية معه.
فهذه العراق ترسل له مبايعة ، و جزيرة العرب تبايعه حتماً وكيف لا تبايع حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقي إقليم بلاد الشام الذي من غير المستبعد أن يبايع الحسين حتى ولو كان جند يزيد سيبطش بهم.
هذه الإحساس بالمسؤولية قد وضع الحسين في موقف خطير، فلولا الكتب تلو الكتب والرسائل تلو الرسائل لما كان الحسين قد أعلن قبوله للخلافة.
ومضت الأحداث المعروفة وصدق من قال له: قلوبهم معك وسيوفهم عليك"
و قد دخل في جيش زياد بن أبيه كثير ممن أرسل للحسين الرسائل التي تحضه على السفر للعراق حين اجتمع الجمعان، حيث رأي القوة المادية والغلبة الظاهرة في طرف جيش يزيد وزبانيته.
لقد قتل الحسين من كاتبه وراسله وخذله في ساحة المعركة ،قبل زياد بن أبيه ويزيد المجرم.
ربما يأخذ القلب العبرة لتو العبرة لقصة الحسين الحزينة
فمن من المسلمين لا يتمنى لو نصر الحسين فلعل حقبة راشدة أخرى تستمر.
لكنها سنة الله في الأرض وكان أمر الله حق في قبض الأنبياء، وكانت حكمة الله تقتضي أن لا يكون لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولد ذكر ، وإلا لكان قد قتل وكانت الفتنة أكبر مما هي عليه.
سيأتي نبي يهدي البشر، وسيمضي ويترك الأمانة بين البشر
فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها.
البشرية اختيار الله وإلا لكان مكن الأنبياء كلهم وجعلهم ملوكاً كداوود وسليمان ويوسف، لكنه أبقى الحكم والخلافة مدنية بشرية، لا نبوية ، فالحكم في النهاية لله عز وجل هو مدبر الأمور بحكمته وعزته.
الملك للبشر يملكون أموال الأمة وثرواتها ويملكون ألسنة الناس .
وملك قلوب الناس للأنبياء والصالحين والأولياء.
الحسين كان و سيبقى ولي المسلمين، وعلي بن أبي طالب عليه السلام ولي المسلمين ، و آل البيت لقيامة الساعة هم أولياء المسلمين .
وإن الحكمة البالغة التي يجب أن تقر في القلوب، إن أولياء الله هم الغالبون، وهم القادة والحاكم الحقيقيون للناس.
وإن مكانة الولي تعطى من إيمان الناس و زهدهم في تراب الدنيا الزائل، لكن كالما التراب الزائل يلمع في قلوبهم فحتماً سيكون الكرسي السياسي هو الملعب الذي تسفك فيه الدماء ، ويقتتل الطامعون على هذه الدنيا الزائلة.
ستبقى الولاية الدينية لآل البيت هي الولاية التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل بيته وذريته الطاهرين، وسيبقى الطامعون في الولاية السياسية يقتتلون حتى ولو رفعوا رايات الدين كذباً وبهتاناً.
طارق شفيق حقي
يوم عاشوراء