إحْتِقَانٌ
... وأما هذه المرة، فلم يكن جمعا متآلفا كالعادة ولا مألوفا كما هو معتاد، بل كان شاذا متنافرا، مما جعله يبدو في عينيه لا يفتقد إلى حظ من الغرابة الملحوظة، ويبعث على إذكاء جذوة الفضول، وطرح أكثر من سؤال قبل محاولة الوصول إلى الإجابات الكامنة في جوف ذلك الجمع الطارئ ...
عم صمت في القاعة رهيب، وساد جو فيها كئيب، وأعين جاحظة متوثبة تستفهم البعيد بعد أن عي الجواب القريب، وألسن خرساء لا تجيب، ثم إن الحر اشتد بسبب الزحام الشديد وقيظ الأنفاس التي تكاد شمسها لا تغيب، ويوشك مسعى الصبر أن يفشل بعلتها ويخيب، وبها اقترب سواد الشعر من الفناء والرأس أسفر على المشيب، ومما زاد الزحام سخونة وتأججا ضرب الطاولة المستديرة بالأيدي والضرب عجيب، وقرع الأرض بالأرجل فتخطئ توقيعها أحيانا وحينا تصيب، وتارة يتفق الضرب والقرع معا وهو توقيع مريب، ويختلفان تارة وكأنهما عدوان أو حبيبان ورقيب ...
طال بهم الانتظار حتى يئسوا، وطغى عليهم القلق وعدم الرضا فعبسوا، وبذور الشك في يقينهم القديم غرسوا، وإذا بهم قد تأكدوا بأن ما وعدوا به من قبل كذب في كذب فاحترسوا، لكن بعد أن حصدوا أقوال من وعدوهم بلا أفعال ثم درسوا ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي