بسم الله الرحمن الرحيم
الرقيق خلال التاريخ و في الإسلام إلى وقتنا الحاضر
يأخذ كثير من باحثي الأجانب و من مثقفي اليوم الذين لم يطلعوا على نظام الإسلام أنه أباح الرق و أن في هذا هدماً لمبدأ الحرية المدنية – حسب زعمهم – و أنه نقطة ضعف في التشريع الإسلامي ، ما كان له أن يقع فيه كما أن البعض يتساءل لماذا لم يلغه تماماً و يسد هذا الباب و ينتهي منه كما بت في منع الخمر و الميسر و الربا ، و كان هذا هو الأجدر به و الأصلح لتلك الطبقة من البشر التي جعلتها الظروف القاهرة تحت وطأة الأسياد و عسفهم و جورهم 000
نقول لهم :
على رسلكم أيها الناس لا تسرحوا بخيالكم و لا تطلقوا الكلام على عواهنه و تريثوا فإن المسألة ليست بهذه البساطة التي يجنح إليها خيالكم فظننتم أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من جرة قلم و إصدار أمر بتحريمه و تنتهي المشكلة 0
إن الأمر ليس كذلك و ليست من السهولة كالتي تتصورون إذ أن تحريم الرق يختلف كل الاختلاف عن تحريم الخمر و الميسر و الربا ، فحين حرم الإسلام الخمر و الربا أو الميسر حرمه على الفرد المسلم و أمره بالامتناع عنه و لا يتوقف امتناعه على امتناع غيره و لا يتصل به بل عليه أن يلتزم و لو لم يلتزم غيره و ليس عليه أي ضرر في هذا بل هو الكاسب بالامتثال .
أما لماذا لم يبلغ نهائياً فإننا نقول :
إنه أبقى عليه كسلاح من أسلحة الحرب الدفاعية يماثل السلاح الذي يستعمله عدوهم عند الحاجة ، فالعالم كله كان يسترق أسرى الحرب و غير أسرى الحرب و لنأت على دراسة الموضوع بشيءٍ من التفصيل .
بداية علينا أن نضع في نظرنا نقطتين جوهريتين :
أولاهما :أن الظروف الاجتماعية و الاقتصادية التي كانت تحيط بالعالم في العصر الذي ظهر فيه الإسلام كانت تحتم على كل شارع حكيم أن يقر الرق في صورة ما و تجعل كل محاولة لإلغائه إلغاءً سريعاً محكوماً عليه بالإخفاء و الرفض .
ثانيهما : أن الإسلام لم يقر الرق إلا في صورة تؤدي هي نفسها إلى القضاء عليه بالتدريج ثم أن كل دارس للعصر الذي ظهر فيه الإسلام يعلم أن نظام الرق كان دعامة ترتكز عليها جميع نواحي الحياة الاقتصادية و تعتمد عليها جميع أنواع الإنتاج في مختلف أمم العالم .
فلم يكن من الإصلاح الاجتماعي في شيءٍ أن يحاول مشرع تحريمه تحريماً قاطعاً لأول وهلة بل و لا التفكير فيه لأن محاولة كهذه كان من شأنها أن تعرض أوامر المشرع للمخالفة و الامتهان و إذا ما أتيح لهذا المشرع من وسائل القوة ما يكفل به إرغام العالم على تنفيذ ما أمربه فإنه بذلك يعرض الحياة الاقتصادية و الاجتماعية لهزة عنيفة و يؤدي تشريعه أخيراً إلى أضرار بالغة لا تقل في سوء مغبتها عما تتعرض له حياتنا في العصر الحاضر إذا ما ألغي بشكل فجائي استعمال السيارات و المواصلات الحديثة أو بطل استخدام الكهرباء .
لذلك أقر الإسلام الرق و لكنه أقره في صورة تؤدي هي نفسها إلى القضاء عليها بالتدريج دون أن يحدث ذلك أي أثر سيء في نظام المجتمع الإنساني بل دون أن تشعر بتغيير في نظام الحياة .
وا لوسيلة التي ارتضاها لهذه الغاية من أحكم الوسائل و أبلغها أثراً و أحسنها نتيجة و هي تتلخص في مسلكين :
احدهما : تضييق الروافد التي كانت تمد الرق و تغذيه و تكفل بقاءه و استمراره بل و العمل على تجفيفها تجفيفاً كاملاً .
و ثانيهما : توسيع المصب أو المنفذ الذي يؤدي إلى العتق و التحرير ، و بذلك كفل الإسلام القضاء على الرق في صورة سليمة هادئة وأتاح للعالم فترة للانتقال يتخلص منها شيئاً فشيئاً من هذا النظام .
فأما بالنسبة للأمر الأول ( و هو تجفيف الروافد ) فإن روافد الرق في العصر الذي جاء فيه الإسلام كانت كثيرة أهمها :
1-رق الحرب بجميع أنواعها فكان الأسير في حرب أهلية أو خارجية بين القتل أو الاستراق .
2-رق القرصنة و الخطف و السبي فكان ضحايا هذه الاعتداءات يعاملون معاملة أسرى فيفرض عليهم الرق و يعتبرونها وسيلة مشروعة .
3-عجز المدين عن وفاء دينه في الموعد المحدد لدفعه .
4-رق الفقر و الحاجة فكان يباح للأب أن يبيع أولاده ذكورهم و إناثهم بما له من سلطة عليهم .
5-ارتكاب بعض الجرائم كالقتل و الزنا و السرقة فكان يحكم على مرتكب واحدة منها بالرق لمصلحة الدولة أو لمصلحة المجني عليه أو أسرته .. إلى غير ذلك من روافد ، نكتفي بما ذكرنا .
و كانت هذه الروافد تقذف كل يوم في تيار الرق آلافاً مؤلفة من الأنفس حتى كان عدد الرقيق يزيد على عدد الأحرار.
جاء الإسلام و روافد الرق بهذه الكثرة والغزارة و القوة فما الذي فعله الإسلام ؟
1-ضيق منبع الرق وألغى كل روافده و أنواعه إلا حالة واحدة أبقى عليها و لا تزال معمولاً بها بين الدول المتحاربة و هي ( أسرى الحرب ) فلا يجوز الاسترقاق إلا في حالة وقوع أسرى غير المسلمين في يد المسلمين و في حرب مشروعة دينياً .
و هذا التعديل الذي جاء به الإسلام في غاية الأهمية حيث ضيق المنبع و سد كثيراً من روافده إلا رافداً واحداً أبقى عليه مراعاة لظروف الحرب بين المسلمين و غيرهم .
و كان على الذين يفكرون و يعقلون أن يقدروا للإسلام هذه الخطوة الواسعة و يشكروه عليها في سبيل القضاء على الرق أو حصره في أضيق الحدود ، و هذا ما لم يفعله دين أو مصلح قبله .
ثم إن المتتبع لآيات القرآن الكريم لا يجد فيها نصاً يأمر بالاسترقاق أو يستحسنه و أن الآية الواردة في هذا الشأن قصرت التصرف في أسرى الحرب على المن أو الفداء و لم تذكر الاسترقاق
قال تعالى :( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد و إما فداء حتى تضع الحرب أوزارها )محمد .
و كان يمكن أن يقول أو استرقاقاً و لكنه تلافاها ليشير إلى كراهيته لها.
2-وسع المصب و دوائر التحرير فجعل اقتحام العقبة يوم القيامة – و هي السد الذي يحول بين المؤمن وبين الجنة – تحرير رقبة . قال تعالى : ( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة )
و كفارة القتل الخطأ مع الدية عتق رقبة و كفارة الإفطار في رمضان بالجماع مع القضاء عتق رقبة و كفارة الحنث في القسم بالله عتق رقبة ، و إذا مزح الرجل و قال لمملوكه أنت حر تحرر تشوفاً من الإسلام للحرية . قال صلى الله عليه وسلم : (ثلاث جدهن جد و هزلهن جد و ذكر منها العتق ..)
و إذا اشترك رجلان في ملك عبد و أعتق أحدهما نصيبه فيه أعتق العبد كله و تحمل لشريكه قيمة
نصيبه مسارعة للحرية و شرع وسيلة المكاتبة و هي (تعليق عتق العبد على معاوضة مالية يتم عتقه إذا دفع المال المطلوب لسيده و رغب الطرفين السيد و الرقيق فيها ) و دعا المسلمين إلى أن يعاونوا الرقيق في الوفاء بها حباً في الحرية و إحقاقا لها: قال تعالى ( و كاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً ...) بل لحبه الحرية و تخليص الأرقاء من رقهم جعل الدولة ملزمة بمساعدته و ذلك حين جعل في ميزانيتها من الزكاة جزءاً معلوماً لمساعدة هؤلاء المكاتبين و نص على ذلك في الآية الكريمة التي بينت أصناف المستحقين لها فقال تعالى (إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل ....) التوبة
أعود على الجواب عن السؤال الذي طرحناه في مقدمة البحث وهو :
لماذا لم يلغ الإسلام الرق نهائياً ؟
فأقول : إن هذا الأمر يتعلق بطرفين أو دولتين فتحريمه إما أن يصدر أمر إلهي لجميع البشر و يعملوا به حتى يقضى على الاسترقاق عالمياً – و هذا غير وارد لأن الإسلام ليس له سلطان على غير المسلمين – فتكون النتيجة أن يطبق المسلمون وحدهم ويعملوا به بينما غير المسلمين في حل منه فلا يسترق المسلمون و يطلقون سراح جميع الأسرى إما منّاً و إما فداءً بينما أسرى المسلمين في يد العدو يسترقونهم و يستذلونهم كيف شاؤوا...!
فمن الذي يقبل بهذه المعاملة ؟ و أية نفس تتحملها ؟ و كيف يقبل المسلمون على حرب يعلمون مسبقاً أن ليس لهم سيد ينقذهم إذا ما وقعوا في الأسر و أنهم سيتعرضون للمهانة و الاسترقاق بينما أسرى عدوهم سيحظون بالتكريم و الإشفاق .
إنها - بلا شك – تكون نقطة ضعف في الروح المعنوية و القتالية لجيش المسلمين بعيدة الأثر ...!
فلا بد إذاً في مثل هذه الظروف التي تتكرر أن يعمل الإسلام لها حساباً و أن يضع الدواء المناسب لها لا رغبة في الاسترقاق بل ليكون عندهم سلاح من نوع سلاحهم يدافع به الإسلام عن نفسه و يحمي جنوده .
و لذلك لم يأمر القرآن الكريم باتخاذه و إنما تركه للرسول صلى الله عليه و سلم الحاكم و القائد يتصرف به عند الحاجة و حسب ما تقضيه مصلحة المسلمين و هو ما يسمى ( السياسة الشرعية )
وقد أبقى الإسلام على هذه الجزئية وحدها من بين عوامل كثيرة كانت تدفع إلى الرق للحاجة إليها في المعاملة بالمثل مع عالم يبيح الاسترقاق بكل أنواعه و مختلف صوره , و لذا شرعه و أباحه و لم يغلق بابه .
ثم لماذا يعيبون الإسلام و لا يعيبون القانون الدولي العام ؟
لأن هذا الذي انتهى إليه الإسلام قبل أربعة عشر قرناً لم يخرج عنه القانون الدولي الخاص بمعاملة أسرى الحرب الآن ولم يأت بجديد .
فالدول المتحاربة اليوم تأسر كل دولة جنود عدوها ما تستطيع أسره ثم تضعهم في معسكرات و تقوم بين الدولتين محادثات بواسطة طرف ثالث محايد لتبادل الأسرى وقت الحرب و يظل الأسرى لدى الدولة المحاربة في صورة استرقاق أو ما هو أنكى لخدمة الدولة الآسرة حتى يتم الاتفاق على مبادلتهم أو إطلاق سراحهم .
و ما الحروب الحديثة ببعيدة عنا و آخرها حرب العراق و ما ( البنتاغون )إلا صورة منها حيث يعامل الأسرى بوحشية لا مثيل لها و كل من يشاهد قنوات التلفزة يعرف هذه الحقيقة و في وقت تدعي فيه أمريكا أنهم ديمقراطيون و عولميون و علمانيون ,
و لنتجه إلى الرد الموضوعي فنقول لهم :
إنكم لكي تحكموا على الإسلام يجب أن تعلموا أولاً كيف كان حال العالم بالنسبة (للرقيق)....؟لقد كان العالم كله يستبيح (الرق)و يستحسنه حتى فلاسفة اليونان و كبار مصلحيه مثل أفلاطون و أرسطو أباحوه و استحسنوه , بل كان الدينان (اليهودية و المسيحية) السابقان على الإسلام أباحا ذلك و باركاه فإذا كان هؤلاء الغربيون من(المسيحية و اليهود)يعيبون على الإسلام الرق فماذا يقولون عن دينهم....؟ فمما جاء في التوراة في العهد القديم في الإصحاح العشرين (تثنية الاشتراع) حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابتك و فتحت لك أبوابها فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير و يستبعد (و لن تجد في القرآن كله أو في سنة الرسول عليه الصلاة و السلام) شيئاً من هذا أي الأمر بالاسترقاق , كما جاء في التوراة .
و جاءت (المسيحية)فأقرته و باركته و لم تضع له حدوداً تؤدي إلى التقليل منه فقد أمر(بولس الرسول) العبيد بطاعة أسيادهم كما يطيعون السيد المسيح ، فيقول في رسالته إلى أهل (أفسوس) :
(أيها العبيد أطيعوا ساداتكم حسب الجسد بخوف و رعدة و بساطة قلوبكم كما (للمسيح) .
و بمثل هذا أوصى (بطرس الرسول) كما يقول الأستاذ (محمود العقاد)و أوجبها آباء الكنيسة ، لأن الرق كفارة عن ذنوب البشر يؤديها العبيد لما استحقوه من غضب السيد الأعظم(الذي هو الله) , و أضاف القديس (توما الاكويني)رأي الفلاسفة إلى رأي الرؤساء الدينيين فلم يعترض على الرق بل زكاه لأنه على رأي أستاذه (أرسطو)حالة من الحالات التي خلق الله عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية و ليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب , أما أستاذه (أفلاطون) فيقرر في(جمهوريته الفاضلة)حرمان العبيد من حق المواطنة و إجبارهم على الطاعة و الخضوع لأحرار سادتهم , و مما يثير العجب أنهم يطلقون على أفكاره و ما جاء به(جمهورية أفلاطون الفاضلة) ,و على هذا قامت (الحضارتان اليونانية و الرومانية)و قامت المجتمعات في شتى أنحاء الأرض...!
و جاء الإسلام و هذه الحالة قائمة و بتوسع و شراهة للاستعباد فلم يقرها على وضعها القائم و لم يلغها و لا يعني عدم وجود نص في القرآن بصراحة على إلغاء الرق .إن الرق ينبغي أن يستمر خصوصاً في صور الطرق المتعددة التي يسعى القرآن بموجبها إلغاء هذا الشر المستطير , فكتاب لا يمنح حقاً لملك أو نبي أن يفرض على الناس طاعته المطلقة لا يمكن أن يقدس (الرق)بأي معنى من معاني الكلمة .وأكبر ضمان للحرية الشخصية عند المسلم يكمن في الأمر القرآني بأنه حر لا في شخصه فحسب بل في التعبير عن رأيه حتى أن النبي الذي يتلقى الوحي الإلهي أمره الله بالشورى لئلا ينفرد برأيه الشخصي لكونه بشراً فقال تعالى :(و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) وإذا ما جاوزنا هذه المراحل التاريخية التي مر بها الرقيق و جئنا إلى العصر الحديث و إلى أواسط القرن العشرين نجد أن دول الغرب و لا سيما فرنسا(أم الحريات) كما يقال قد استعبد الرقيق و سبق به كل ما تقدم من معاملة الرقيق في أسوأ مظاهره خلال التاريخ فهذا المؤرخ الإنكليزي(لورد موجام)كتب تقريراً نشره سنة(1959)عما تفعله في البلاد التي تستعمرها في غرب أفريقيا يقول فيه: (في عصر الذرة و التقدم العلمي الكبير ما زال ملايين الأفريقيين يعيشون حياة قطعان الماشية عبيداً أذلاء لطائفة من المستعمرين و عملائهم فيملكهم السيد الأبيض جسماً و روحاً و يحرمهم من كل حقوق الإنسان و يعرضهم في سوق (الماشية و الأغنام ) ويذكر اللورد الإنكليزي في تقريره الذي نشرته الصحف أن الرجل يباع هناك ب(38جنيهاً) والمرأة ب(15جنيهاً) وأنه استطاع شراء عبد ب(27جنيهاً و عشر شلنات)ليطلق سراحه و يقول إن السخرة و تجارة الرقيق و سوق العبيد ما زالت قائمة تحت إشراف السلطات الفرنسية فقد ألغت فرنسا السخرة و تجارة الرقيق (اسماً) و أطلقت للتجارة العنان في ممارسة الاتجار بالسود في الصحراء, و يقول : سألت ضابطاً فرنسياً في (داكار) عن النخاسة فنفاها و لكنه اعترف بعد ذلك بوجودها بل باتساع نطاقها , و فهمت من حديثه أن هذه المدينة هي مفتاح هذه التجارة كلها و استأجرت صحفياً و دليلاً و عدداً من الجمال لأقوم بأكبر مغامرة في الصحراء ,مغامرة استمرت شهرين كاملين نفذت خلالهما إلى داخل الستار الحديدي الذي ضربه المستعمرون و السادة البيض حول مئات الألوف من السود (رجالاً و نساء و أطفالاً)حتى وصلت إلى (تومباكتو)التي تعتبر مفتاح الصحراء التي تضم سراً رهيباً لا يعرفه سوى (الأوربيون)فقط.
إن الحياة رخيصة جداً في معسكرات(الصحراء)و السيد الأبيض الأوروبي و عملاؤه لا يرحمون و لا يحجمون عن قتل أي كان يقترب من معسكراتهم محاولاً الاتصال بقطعان البشر المحجوزة وراء جدران المعسكر...!
و أضاف (اللورد )على ذلك قائلاً : و استطاع دليلي العثور على شاب حديث السن من السود الذين أطلق سراحهم من أحد المعسكرات بعد أن اشترى حريته بفضل أحد السياح ، و سألته عن الأسباب التي تحول دون الاتصال بالسلطات لإطلاق سراحهم فقال في ألم :
إن السلطات ألغت الرق رسمياً و لكنها ( للأسف الشديد)لا تزال تمارس علناً بالتعاون مع تجار الرقيق بقصد تسخير (الزنوج) في مشاريعها القائمة في قلب الصحراء , و أضاف الشاب : إن الوسيلة الوحيدة لإنقاذ العبيد من معسكرات السخرة هي أن يشتري حريته (بأربعين جنيهاً)لسيده فيطلق سراحه و لكنه يستبقي أسرته حتى يعمل ويجمع المبلغ الذي يشتري به أسرته ,و قد حدث هذا له شخصياً .
كان هذا حديث( سابا) الذي قدم لنا زميلاً له يسمى (زيداً)البالغ من العمر (44سنة)و إن كان يبدو عليه أنه في الخامسة و السبعين من شدة ما عاناه .
قال (علي)أحد الذين تم إطلاق سراحهم : إنه اشترى حريته بمبلغ(أربعين جنيهاً)و قلت له ما قلت لزميله السابق أن تجارة الرقيق الغيت منذ(65عاماً)و كان رده رد زميله أن هذا إجراء رسمي محض و لم ينفذ . و كان القصد منه تغطية ما يدبر لنا في الخفاء ..!و قال : إن العبد منا لا يحصل خلال عمله إلا على كميات ضئيلة من الطعام ,الأمر الذي يتسبب في موت الآلاف و تعريض عشرات الألوف للأمراض الخطيرة .و عقاب كل متمرد على هذا الظلم هو الضرب بالسياط و الطعن بالخناجر , و كشف صدره و ظهره فشاهدت ما أثار اشمئزازي و تقززي و سألته عن سبب ذلك فقال في مرارة لأنني تطاولت فشربت بعض اللبن المخصص لأسيادنا .
ثم ينتقل (اللورد)إلى الكتابة عما تلاقيه البنات و السيدات من السادة البيض الذين يستبيحون لأنفسهم الفتك بهن في وحشية دون مراعاة أي قدر من الإنسانية و الحياء...!
ثم يقول بعد أن يسرد الكثير من أمثال هذا في(بقعة واحدة) مما يسيطر عليه المستعمرون الفرنسيون و غيرهم .
هذه قصة من ألوف القصص لما يعانيه (الزنوج السود ) على أيدي المستعمرين من إذلال و سخرة واعتداء وحشي و حرمان من كافة حقوق الإنسان...!
قصة قطعان البشر التي تباع و تشترى في(إفريقيا)و إشراف سلطات الاستعمار...!
وهذا كله يحدث في هذا القرن و على بعد سنوات من سنواتنا و لا يزال .. و بعد أن أطلق الغربيون بالونات (الحريات)و حقوق الإنسان لتصم آذان البشر حتى لا يسمعوا (أين ضحاياهم) .
فهل الغربيون الذين تتطاول ألسنتهم على الإسلام بأنه أباح( الرق )و أن ذلك مناف للإنسانية ..الخ
هل يعرف الحياء طريقاً إلى نفوسهم ؟هل هم لا يعلمون هذا الذي يفعلونه في مستعمراتهم و في أوساطهم وبماذا يسمونه إذاً؟ إن هؤلاء لا يهمهم إلا أن يعيبوا الإسلام و كفى ؟ على حد المثل (رمتني بدائها و انسلت) ينظرون إلى القشة في عيون غيرهم ولا يحسون الخشبة التي تقلع عيونهم و مع هذا فنحن لا نقول لهم ذلك إلا ردعاً و إسكاتاً لثرثرتهم , ربما يستحون و يعقلون , لا تبريراً لما يدعونه على الإسلام بخطأ مثله.(1)
و الأنكى من هذا و الأشد مأساوية أن الغرب الغني لم يتورع عن المتاجرة بالإنسان الافريقي في النخاسة و نكبات إفريقيا المعاصرة مرجعها أيضاً كما كان في الماضي...الخ دول (الغرب الغنية).
يشاع أن (فيروس الإيدز)قد استنبط باستعمال(الهندسة الوراثية)في مختبرات وزارة الدفاع الأمريكية كأحد أساليب(الحرب البيولوجية)فلما أرادوا تجربته على الإنسان الافريقي فقدوا السيطرة عليه تماماً و قد لا يتوافر الدليل على صدق هذه الادعاءات و لكن هذا لا يمنع أن يكون المعنى الكامن وراءها صادقاً كل الصدق..!
و يؤيد ذلك أن لدى البشرية الآن الأدلة الدامغة على تورط الغرب الصناعي في تلويث القارة السوداء بالنفايات لتحقيق مكاسب مادية , وكثيراً ما كررت الصحف تساؤلات حول :هل تصبح (افريقيا)سلة
قمامات للدول الغنية ؟ وقد تزامنت هذه التسلاؤلات مع تكشف أبعاد الفضيحة التي تورطت فيها شركات ايطالية وبريطانية وألمانية ودول أوروبية أخرى المتمثلة في تفريغ شحنات النفايات السامة في (نيجيريا) (2)
وأما معاملة الإسلام للرقيق فدونك نماذج مما ورد في القرآن والحديث ومعاملة الصحابة لهم كي تقارن
بينها وبين معاملة فرنسا للرقيق ....؟
أوجب الإسلام على الموالي حسن معاملة عبيدهم و إمائهم وأوصى أن ينزلوهم منزلة أفراد أسرهم وقد وردت هذه الاحكام والوصايا في كثير من آيات الذكر الحكيم و أحاديث الرسول . فمن ذلك قوله تعالى:
(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجارالجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وماملكت أيمانكم )..."النساء 36 "
فقد قرن الله في هذه الآية وجوب الإحسان إلى ملك اليمين وهوالرقيق بوجوب عبادته وعدم الشرك به ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام :(إخوانكم خولكم (أي عبيدكم) جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم)
فوضع الرسول العبيد ومواليهم في مرتبة واحدة وجعل أولئك اخواناً لهؤلاء. ورتب على ذلك أنه لاينبغي أن يحرم أسيادهم عبيدهم شيئاً مما ينعمون به من المأكل والملبس والمشرب وما إلى ذلك
(1): انظر حقوق الإنسان لعبد الواحد وافي
(2): عن مجلة العربي الكويتية (النفايات السامة والصفقات المسبوقة ) بقلم سمير رضوان جمادى الأولى 1409ه يناير 1989م
و الملكية التي أشار إليها الحديث هي مجرد ولاية منحها الله الموالي على عبيدهم كما منحهم الولاية على أولادهم و القيام على شؤون زوجاتهم و أسرهم فهي وظيفة اجتماعية يجب عليهم حسن رعايتها و أدائها و يحاسبهم الله على أي تقصير فيها .
وفي هذا المعنى كذلك يقول عليه الصلاة و السلام (لايقل أحدكم عبدي و أمتي و ليقل فتاي و فتاتي) أي كما ينادي أولاده لئلا يجرح شعورهما .
و قد تعدت العناية بالرقيق إلى الصحابة فهذا علي بن أبي طالب يقول :إني لأستحي أن أستعبد إنساناً يقول (ربي الله). و من أحسن ما يروى عنه أنه أعطى غلامه دراهم ليشتري بها ثوبين متفاوتي القيمة فلما أحضرهما أعطى الرقيق أرقهما نسيجاً و أغلاهما قيمة و حفظ لنفسه الآخر و قال له : أنت أحق مني بأجودهما لأنك شاب و تميل نفسك للتجمل أما أنا فقد كبرت .
و قد وصف المستشرق (فان دنبرغ) معاملة الإسلام للرقيق في هذه العبارة :(لقد وضعت للرقيق في الإسلام قواعد كثيرة تدل على ما كان ينطوي عليه محمد و أتباعه من الشعور الإنساني النبيل.(1)
و بعد فهذا هو نظام الرق في الإسلام أتينا عليه باختصار شديد و لم نشأ أن نتطرق لتلك المعاملة الطيبة التي لقيها الرقيق في ظل النظام الإسلامي الرفيق كما لم نشأ أن نذكر الأرقاء الذين حررهم المسلمون ابتغاء وجه الله – و عددهم كثير – و ذلك لئلا يطول بنا البحث و اكتفينا بالرد الموضوعي.
و على كل حال فإن الإسلام يرحب بالحرية كل الحرية لكل البشر و يحرص عليها كل الحرص .
و الإنسان يولد حراً في نظر الإسلام و إن كانت ولادته من رقيق و ما أجمل قول عمر بن الخطاب في هذا الخصوص (متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
و لذلك رحبت الدول الإسلامية بالاتفاق الدولي لمنع الاتجار بالرقيق فلم يبق بين المسلمين في العالم رقيق من الأفراد أو الجماعات في أية صورة من الصور و بقي على الدول الغربية و من ينتمي إليها و يتباكى على الرقيق أن تنزع عن استعمار الشعوب و استعبادها و إذلالها لمجرد أنها ضعيفة أو أن لون بشرتها يخالف لون بشرة البيض و هو أبشع ما يكون في عالم الإنسان المعاصر...!
(1): تاريخ الإسلام .حسن ابراهيم ج1: 187- 191.
سوريا /القامشلي
فاكس /00963445588/ خاشع حقي العلواني
Posted via Mobile Device