أبا فهر .... رحمك الله
( مهداة إلى روح العلامة محمود محمد شاكر
في ذكرى رحيله الثالثة عشرة )
( هو رأس المحققين لأنه أديب فنان )
المفكر الكبير عباس محمود العقاد
( وقف أبو فهر في ساحة العلم
و التحقيق و الأدب و الدفاع عن
الدين و اللغة في وجه المستشرقين
و المستغربين ، علم شامخ ، و
طود أشم ، تقطعت دونه أعناق
العتاق السبق ، و دنت عنه
خطا الجياد القرح )
حامد عبد الله العلي
كاتب كويتي
رحم الله فيك علامة العربية ، و محقق التراث ، و شاعر الفن ، و كاتب القضية .
رحم الله فيك الرجل الذي وهب تراث أمته كل حياته ، فوهبه تراثها خلوده .
رحم الله امرءاً كان القلم و الكتاب رفيقيه ، فبات أستاذاً لكل صاحب قلم و كتاب يعرف حقهما عليه .
و هل للزمن أن يمضي فيمضي به كبار الرجال .
و هل للزمن أن يمضي فتغيب به قامات الشموخ و الصدق و الإباء .
هل للزمن أن يمضي فتمضي به أعمال لا يقدر الدهر على إخفائها أو درسها .
خرجت جيلاً يذكر اسمك في كل محفل ، جيلاً به صغار و كبار ، شيب و شباب ، محققون و كتاب ، كلهم يرفعون الراية التي رفعت ، و يسلكون الطريق التي سلكت ، و يعملون للغاية التي لها سعيت .
لم تغب حقائق بذلت عمرك لأجلها ، و مبادئ سعيت سعيك لإظهارها ، و كتب بذلت جهدك لإخراجها ، و طلاب عملت عمرك على إذكاء عقولهم ، و مقالات أفرغت أياماً في إعدادها عن بال أمة ما زال أفراد منها يعرفون الحق ، و يقرون بالجميل .
القوس العذراء كانت رمزاً لحياتك و معركتك التي أفنيت حياتك تخوضها ، رمزاً للصراع الذي لم تقبل أن تخسر فيه ، رمزاً للمقايضة التي يتعرض لها كل كاتب حين يدخل عالم الأدب .
كانت قوس التراث التي بقيت تحميها و تحضنها بكلتا يديك كدرة مكنونة ، دافعاً عنها عاديات الزمن ، و غوائل الظنون .
غيرك فعلوا كفعل صاحبها ، لكنك جعلت منها درساً و عبرة لكل من يواجه المساومة ذاتها على دينه و لغته ، فنثرت فيها تباريح نفسك الجبارة العظيمة التي لم تغادر عالمنا لأنك نفثت منها في كل حاشية و كل تعليق و كل مقال .
ما زال للعربية جنود مخلصون ، يدفعون عنها يد المنون ، و عداوات الخصوم ، و رماح الاستشراق ، و نذالة الاستغراب ، و مكائد العلمانية ، و دسائس الحداثة .
ما زالت أجيال تتربى على ( المتنبي ) ، و تستنير ب( نمط صعب و نمط مخيف ) ، و تعرف البواطن من ( أباطيل و أسمار ) و تتلقى فصل الخطاب عن ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا )
ما زالت أجيال تأخذ كلماتك نبراساً و نوراً و هدى ، تأوي إلى مخطوطات أجدادها لتلقى فيها الدفء و الحنان ، و تخرج اللآلئ و الدرر التي بها نصنع نهضتنا لا بسواها .
قليل اليوم يعلمون أنك كنت مبرّزاً في أدب الغرب كما لم يبرّز به أبناؤه ، لكنك ارتضيت لنفسك طريق لغتك و تراثك ، فليخسأ العاوون و النابحون ، فلست و ليس المقتدون بك منعزلين عن هذا العالم و تصاريفه ، بل هم مرتضون لأنفسهم لغتهم ، معتزون بتراثهم ، مؤمنون بدينهم ، لا يرضون عن كل ذلك بديلاً .
رسالتك باقية بقاء السموات و الأرض ، لأنها اتباع لرسالة خالقها ، رسالة النور و الحق و الحياة ، رسالة الخير و العدل و الإخاء للبشرية جمعاء .رسالة الدين الذي جعله رب العالمين آخر رسالات السماء للأرض ، و آخر صلات الأرض بالسماء .
سلاماً ... و سلاماً ... و سلاماً