تعوّدنا أن من يحصل على الدكتوراه يكون قد زاد في اسمه حرفا، ولأن الزيادة في المبنى تؤدي إلى زيادة في المعنى فإن بعض حملة الدكتوراه تطرأ عليهم تغيرات كبحة وفخامة في الصوت للدلالة على المكانة الاجتماعية التي يعتقد أنه حققها، ورزانة مفتعلة إذا كان الشخص خفيف الظل قبل الدال، إضافة إلى حدة في البصر لالتقاط المكان الخالي في صدر المجلس وجرأة في الانقضاض عليه، ناهيك عن تعامل فيه بعض الجفوة مع الطلبة والزملاء القدامي الذين لم يرزقهم الله حرف الدال. كما أنه لا يكتفي برسم حرف الدال على بطاقة الأعمال - التي يطبع الكثير منها ويحرص على توزيعها بكثافة - وإنما يكتب كلمة (دكتور) كاملة وقد تكون أطول من اسمه الأصلي. وهي أعراض تشبه أعراض انفلونزا الخنازير من حيث عدم إمكانية حصولها لكل من ناله شيء من الداء أو الدال. لكن الذي حدث في اليابان جد مختلف، ويقدم مفهوما جديدا وأصيلا وحقيقيا لمعادن الرجال الذين يتجاهلون الدال والمناصب من أجل قضية أعظم من المظاهر.

عمال بدرجة الدكتوراه قد شمروا عن سواعدهم، تعلوهم غبرة (مستوردة)، ويتصبب العرق من جباههم وهم يعملون ساعات طوالا في الرطوبة والحر. لم يكن أحد منهم يفكر في وضعه الأكاديمي والوظيفي بقدر ما كان يفكر في نتيجة العمل الذي يقوم به ، وهل تتناسب مع أهميتها أم لا. يتسابقون على المتاعب، ويتنافسون في إنجاز المستحيل، ويجدون في نبرات أصواتهم التي أثخن فيها التعب نشوة تدفعهم إلى المزيد من العمل، فهم هنا عمال من أجل وطن أحبوه. فريق عمل يختلط فيهم الطبيب بالمدير العام بأستاذ ومدير الجامعة بالوزير الذي قاد فريق العمل كواحد منهم وقد ترك لقب المعالي خلفه لأن المستقبل الذي يصنعه يتطلب منه أن يكون مثالا ميدانيا يُقتدى لا موجها من فوق برج عاجي. رجال يعملون، وشعارهم أن الإنجازات تتحدث عن نفسها، وأن سمعة المملكة أمانة في أعناقهم.

لقد كان فريق وزارة التعليم العالي الذي خطط ونفذ جناح المملكة - باعتبارها ضيف شرف معرض طوكيو الدولي للكتاب الذي حضره أكثر من 1000 عارض جاءوا من 30 بلدا- على مستوى من المسؤولية؛ فقد عكست المشاركة صورة أكثر من رائعة وتركت في نفوس اليابانيين أثرا جميلا عن المملكة بقيادتها وشعبها وموروثها والحركة الفكرية فيها.

إن التمويل واستثمار الأموال في سمعة المملكة مطلوب ولكن الأهم منه هو كيفية إدارة ذلك التمويل. لقد ضربت وزارة التعليم العالي مثالا جميلا في التعريف بالمملكة في جانبها الفكري والثقافي والتعليمي، وهي تستحق الإشادة ويجب أن نقول وبوضوح شكرا للدكتور خالد العنقري الذي لازم فريق العمل حتى يوم الافتتاح وكان قريبا منهم إلى درجة تنسى معها أنه وزير، وشكرا للدكتور سالم المالك الذي يقف وفريقه الكفؤ خلف تلك المناسبات ويقتنصونها من فم الأسد في الوقت المناسب لتكون المملكة حاضرة في المحافل الثقافية الدولية بما يجب أن تكون عليه. أما الدكتور عصام بخاري فقد أبدع وزملاؤه في الملحقية الثقافية السعودية في اليابان وهم يقدمون على الأرض اليابانية إضافة إلى رعاية أبنائنا الطلبة نموذجا رائعا للمسؤولية التي تؤدى بما يجب أن تؤدى به من وطنية واحترافية وإخلاص في العمل.

ولو لم يكن لهذه التظاهرة الثقافية من نتاج سوى قاموس المصطلحات العلمية والهندسية باللغات اليابانية والعربية والإنجليزية الذي ألفته الملحقية الثقافية السعودية في اليابان لكان ذلك أكثر من كاف، ومع ذلك فإن النتائج المتوقعة كبيرة ومتواصلة في المجالات العلمية المختلفة.
المصدر