خاتمة الأحزان
... فكان آخر ما انساب برفق على مسمع منها، وجرى رطبا على اللسان بغير صخب، عذبا كالماء الزلال، قولهن لها: إنا لله وإنا إليه راجعون، ففاضت عيناها بالدمع، وهي جالسة تحيط بها السكينة من كل جانب، وينطق صمتها بالوقار، ومحياها مشرق بالطمأنينة والإيمان ...
ما أصابها من ابتلاء اليوم لم يكن الصبر عليه يسيرا، ولا بالأمر الهين على النفس تحمله، وكل ما لقيته منذ صباها، وعندما شبت، وحتى بعد أن صارت من قرينات النساء، لم يكن من قبيل تلك الحوادث التي تمر على استحياء مطرقة مرور الكرام، ولم يكن على شاكلة تلك المواقف التي سرعان ما يطويها النسيان ...
أما هي فلم تكن ممن يبتن حتى يدركهن الصبح، وهن يخطن من أحزانهن حللا يلبسنها قصد التباهي بها أمام غيرهن، ولم تكن ممن يتخذن من آلامهن حلية يتزين بها إثارة للأنظار، أو زخرفا يتباهين به رياء في حياتهن، ولكنها ظلت تقرأ كل مصيبة تصيبها بعين التأمل والتدبر، وترهف السمع إلى كل ما تعانيه بأذن البصيرة والفراسة والتفكر ...
انتبهت في خلوة مع نفسها، والقرآن الكريم محمول برفق بين يديها، إذ قرأت: ألا بذكر الله تطمئن القلوب؟.. فرفعت عينيها مستبشرة، والعبرات مسترسلة منهما، ثم قالت: بلى ...


د. أبو شامة المغربي

aghanime@hotmail.com