النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: مشكلة الحضارة، في فكر مالك بن نبي

  1. #1 مشكلة الحضارة، في فكر مالك بن نبي 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    بقلم: زوهير بن أحمنه عبد السلام
    تحل علينا هذه الأيام ذكر ى رحيل المفكر الجزائري مالك بن نبي، هذا الرجل العملاق الذي يمكن وصفه أنه منجم من الأفكار و المشاريع لم يكتشف بعد، أو عل حد تعبير أستاذنا الدكتور عبد الفتاح المغربي:”بلدية أفكار”، ووفاء لهذا الرجل الذي كرس جهوده الفكرية والثقافية من أجل وضع مشروع حضاري سنني ينقل الأمة من مراحل التراوح المزمن، والغثائية الحضارية، نساهم بهذه الدراسة كمحاولة لتبسيط فكر الرجل، حول موضوع يعتبر بالنسبة لمالك بن نبي رأس الحربة في المأزق الحضاري للأمة ألا وهو موضوع :الحضارة؛ ولمعالجة الموضوع نضع التساؤلات الآتية، لنجيب عنها بحسب ما فهمناه من فكر الرجل.
    ما هو مفهوم الحضارة، وكيف حدده مالك بن نبي؟ وما عناصرها بحسبه؟ وهل حالة الغرب اليوم يُطلق عليها مُسمى الحضارة؟ ما هي مقومات أي حضارة؟ موقف المسلم اليوم مع حضارة العصر؟.
    كل هذه التساؤلات سوف نقدم لها بعض الإجابات جازمين أن مثل هذه المواضيع، لم يعد صوابا أن تُتَناول من قبل أقلام مفردة؛ أعني ضرورة تحرير القول في مثل هذه المواضيع من قبل مجموعات بحث أو مراكز بحث، أو ما شابه هذا من عمل جماعي مشترك. وسوف نسهم في هذا العمل معتمدين كلية على “الرؤية البنابية”-نسبة إلى مالك بن نبي-، وذلك من خلال مؤلفاته وبعض آثاره.
    أولا: مفهوم الحضارة
    1-الحضارة في اللغة: تدور أغلب المعاجم اللغوية الأصلية(1)على المعاني الآتية:
    أ-الحضور نقيض المغيب والغيبة، حضر يحضر حضورا حضارة، وكلمه بمحضر فلان وبحضرته، أي بمشهد منه.
    ب-بمعنى عنده: كنا بحضرة ماء، ورجل حاضر.
    ج-قرب الشيء: الحضرة: وتقول كنت بحضرة الدار.
    د-جاء أو أتى: حضرت الصلاة، أو حضر القاضي.
    هـ-الحضر خلاف البدو: والحضارة الإقامة في الحضر.
    و-الحاضرة: الحي العظيم.
    ز-الحاضر ضد المسافر.
    هذه جملة ما أورده أهل اللغة من مرادفات لفظية مرتبة بهذا الترتيب في معاجمهم، وإنه لبديهي أن ترتب معاني هذه الكلمة بهذا السياق فليس الأمر مجرد ترتيب كيفما اتفق، لكن هو ترتيب حسب دلالتها الحقيقية في اللسان العربي.
    ولقد لاحظ أحد الباحثين أن استعمال كلمة الحضارة بمعنى الإقامة في الحضر دون باقي الاستخدامات الأخرى”يمثل رغبة في البحث عن مقابل عربي للدلالات الراسخة في أذهانهم؛ أي أن رجوعهم كان رجوعا تسويغيا استظهاريا، ليس رجوعا للبحث عن حقيقة المفهوم باستنطاق اللغة العربية والاستماع إليها بكل دلالات مفاهيمها”(2).
    ففي لسان العرب جاء ترتيب كلمة ” الحضر كخلاف للبدو”(3) في الرتبة الخامسة،”وبالنظر إلى هذه الدلالات يلاحظ أن أولها وأعمّها وأكثرها تكرارا يشير إلى استخدام حضر بمعنى: شهد؛ أي الحضور كنقيض للمغيب، والحضارة بمعنى الشهادة”(4).
    2- الحضارة من حيث المضامين:إن أول معنى يذكر في جميع معاجم اللغة، هو حضر بمعنى شهد، وهو بهذا يعدُّ الأصل؛ فهو قرين لفظ حضر، ولكن أغلب من يكتب في هذا الموضوع ينطلق من مقابلة لفظ حضارة بمعنى سكنى الحضر أو عكس البداوة، ولا يمكن فهم ميل هؤلاء إلى هذا المعنى إلا بسببين هما:
    أ-الاعتماد على ابن خلدون في استعماله لهذا المصطلح، والذي يتوافق عنده مع جذور المفهوم الأوروبي( Civilisation) فإنه لا يخفى علينا أن جذر هذا المفهوم مشتق من مفهوم Civitasبمعنى مدنية، ومن ثمَّ فإن المشتق يحمل كثيرا من دلالات المشتق منه، “فالمقصود بهذا المفهوم في جوهره يدور حول نمط حياة المدنية بما يعكسه من قيم وسلوكيات ونظم…”(5)، ولمفهوم المدنية أيضا في الفكر الأوروبي دلالات متنوعة؛ ذلك بسبب التطور في الاستعمال(6) الذي صاحَبَ هذا المدلول.
    نعود إلى تأثير ابن خلدون في الكتَّاب المعاصرين في استعمالاتهم؛ لنقول أنه لا يمكن بحال تخطئة ابن خلدون في استعمال مصطلح حضارة؛ ذلك أنه استعمل هذا المفهوم بما يتسق وفكره الذي خطّه لنفسه في مقدمته؛ ولأنه لما تحدث عن الحضارة لم يعطها المفهوم الشامل والكلي لها؛ نعني المفهوم الذي يؤطر الحركة البشرية ويلقي عليها بصفات قيمية معينة، بل إنَّ حديثه يعني به تطور الدولة ومراحلها، و”هنا يلاحظ أيضا أن ابن خلدون لم يكن يقصد الدولة بمعناها المعاصر (شعبا وإقليما وحكومة)، وإنما كان يقصد ما يمكن أن يسمى العهود السياسية أو النظم السياسية أو عملية توارث السلطة أو توالي الأسر الحاكمة لذلك كان استخدامه لمفهوم الحضارة مقصورا فقط على إحدى دلالات هذا المفهوم وهي تلك المشتقة من الإقامة في الحضر بخلاف البادية”(7).
    فالحضارة [عند ابن خلدون؛ أي سكنى الحضر والمدن] هي نهاية العمران وخروجه إلى الفساد ونهاية الشر والبعد عن الخير(8)؛ ويعني غاية التطور وآخر أعمار الدولة وبداية السقوط، إذ لكل دورة حضارية بداية وقمة وانحدار، وهي قمة الشر والبعد عن طبائع الخير والفضيلة، وإن ابن خلدون “عندما تحدث عن الحضارة وكان يقصد بها مرحلة التحضر أو ظهور المدن وهي مرحلة من مراحل عمر الدولة التي تحدث عنها، ومن ثم لم يكن ابن خلدون يقصد فيما كتب مفهوم الحضارة بمعناها المعاصر المترجم عن لفظةCivilisation، ولم يقصد مفهوم الحضارة بمعناها اللغوي والقرآني الشامل، وإنما قصد فقط مجرد الاشتقاق من (حضر)؛ أي الصفة التي تطلق على النمط المعيشي لأهل المدن والحضر…”(9).
    وإن وجه”التلبيس هنا ليس نابعا من استخدام ابن خلدون بل نابعا من أن الباحثين العرب استنبطوا الدلالات المشتقة والمعاني من مفهوم (Civilisation)، بحيث مثَّلت هذه الدلالات أرضية أساسية لديهم وصورة ذهنية ذات ظلال معينة ماثلة في عقولهم، ومن ثم كان رجوعهم لابن خلدون أو للقواميس العربية القديمة والتركيز فقط على استخدام الحضارة بمعنى الإقامة في الحضر دون باقي الاستخدامات الأخرى، يمثل رغبة في البحث عن مقابل عربي للدلالات الراسخة في أذهانهم؛أي أن رجوعهم كان تسويغيا استظهاريا،ليس رجوعا للبحث عن حقيقة المفهوم باستنطاق اللغة العربية والاستماع إليها بكل دلالات مفاهيمها”(10).
    ب-اصطحاب الدلالة الراسخة في الأذهان للفظCivilisation في الاستعمال الغربي، والبحث لها عن مقابلات في القاموس اللغوي العربي، والملاحظ الدقيق يلاحظ تلك الترجمة المزدوجة للفظ اللاتيني، فهناك من ترجم اللفظ إلى “مدنية” ومنهم من ترجمها إلى”حضارة”، فمن ترجم Civilisation إلى حضارة، لاحظ الظلال المسيحية للحضارة الرومانية، يقول مالك بن نبي:”إن شبابنا لينظرون إلى [الحضارة](11) الغربية في يومها الراهن ويضربون صفحا عن أمسها الغابر، حين نبتت أولى بذورها وتلونت في تطورها ونموها ألوانا مختلفة، وما فتئت تتلون عبر السنين حتى استوت على لونها الحاضر فحسبناها نباتا جديدا…[وَ]…إن أكبر مصادر خطئنا في تقدير [الحضارة] الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة علوم وفنون وصناعات، وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ما كان لها أن توجد لولا صلات اجتماعية خاصة…وهل هذه العلاقات الخاصة في أصلها سوى الرابطة المسيحية التي أنتجت الحضارة الغربية…ولسوف نصل في النهاية-إلى الروابط الدينية الأولى التي بعثت الحضارة، وهذه حقيقة كل عصر وكل حضارة”(12)؛ ومن هنا يعدُّ فيلسوف الحضارة الأستاذ مالك أن الحالة الغربية اليوم هي حضارة، بالنظر إلى القيم الروحية التي تحملها.
    وهذا بخلاف السيد قطب الذي يعدها”مدنية”(13) وكذا الدكتور البوطي، فهما قد جعلا الحضارة تساوي الإسلام، ولما لم يلتفتا إلى المخزون المسيحي في أشياء الحضارة الغربية، ونظرا إليها كماديات عارية عن القيم الروحية المسيحية، اعتبرا حالة الغرب “مدنية” وربما نعتوها بالجاهلية وأحيانا بالضالة والكافرة، لا بالنظر إلى عقيدتها ولكن بالنظر إلى ما آلت إليه.
    فما هي مضامين مفهوم الحضارة كما يدلُّ عليه الاصطلاح العربي؟
    لقد سبق وأن أكدنا أن أول مصطلح يرادف”حضر” في المعاجم هو “شهد”، فالحضارة هي الشهود.
    ولكي نسند قولنا علينا أن نصدر القول من إلٍّ قوي ومتين، وليس ذلك إلا القرآن، فترى كيف جاء الاستعمال القرآني للفظ “حضر”؟.
    لقد ورد هذا اللفظ في القرآن في عدَّة مواضع منها:
    -قوله تعالى: ﴿إذا حضر أحدهم الموت﴾ [سورة البقرة، الآية:180].
    -وَقوله تعالى: ﴿إذا حضر القسمة أولوا القُربى﴾ [سورة النساء، الآية:08].
    -وقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ [سورة البقرة، الآية:185].
    وجميع هذه الدلالات تعطينا مفهوما واحدا هو الشهادة والحضور.
    وللشهادة في الاستعمال القرآني “دلالات أربع متكاملة فيما بينها تتحد لتؤدي معنى الحضارة أو الشهادة في الفهم الإسلامي، هذه المعاني أو الدلالات لا يمكن تجزئتها وإلا فقدت مضمونها ومعناها، فأي واحدة من هذه المعاني الأربعة تمثل جزءً من بناء مفهوم الحضارة، ومن ثم لا يمكن القول إن أيا منها يعبر عن مفهوم الحضارة، بل لابد من توافرها جميعا منظومة أو في نسق واحد حتى تعطي المفهوم كامل معانيه، وهذه الدلالات هي:
    -الشهادة بمعنى التوحيد و الإقرار بالعبودية لله، والاعتراف بتفرده سبحانه بالألوهية والربوبية، وهي محور العقيدة الإسلامية، وعليها يتحدد التزام الإنسان بمنهج الله أو الخروج عنه.
    -الشهادة بمعنى قول الحق وسلوك طريق العدل، أو الإظهار و التبيين، أو الإخبار المقرون بالعلم، أو الملاحظة و المراقبة، وتعد مدخلا من مداخل العلم ووسيلة من وسائل تحصيل المعرفة.
    -الشهادة بمعنى التضحية و الفداء وتقديم النفس في سبيل الله حفاظا على العقيدة ودفاعا عن تحرير الإنسان من عبادة العباد و إخراجه إلى عبادة الله وحده.
    -الشهادة وظيفة لهذه الأمة: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾”(14).
    3:الحضارة اصطلاحا: بناء على العناصر الأربعة السابقة يمكن أن نقول أن أحسن تعريف لـ “الحضارة” هو ما قاله الأستاذ مالك بن نبي أنها: “مجموعة الشروط المعنوية و المادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر جميع الضمانات الاجتماعية لكل فرد يعيش فيه”(15)، وهي: “نتاج فكرة جوهرية تطبع على المجتمع في مرحلة ما قبل التحضر الدفعة التي تدخل به التاريخ”(16)، وعلى هذا فهو يحدد جانبين للحضارة، يقول: “وبناء على تحديد مصطلح الحضارة نفصل جانبين:
    أ-الجانب المعنوي: “الشروط المعنوي”.
    ب- الجانب المادي: “الشروط المادية”، [ثم قال:] نجمع هذه الشروط المعنوية…في كلمة نسميها: الإرادة الحضارية: (Le Vouloir)، ونجمع الشروط المادية في كلمة نسميها: (Le Pouvoir)، وإذا تحقق أحد هذين الأمرين فقط في مجتمع فإن هذا المجتمع لا يستطيع أن يحقق الضمانات الاجتماعية لكل أفراده فلا بد من توفر الشرطين [معا]”(17).
    وهناك تعريف آخر لـ”الحضارة”يعتبر أكثر دقة ووضوحا يقول فيه صاحبه: “الحضارة: هي الحضور و الشهادة بجميع معانيها التي ينتج عنها نموذج إنساني، يستبطن قيم التوحيد والربوبية، وينطلق منها كبعد غيبي يتعلق بوحدانية خالق هذا الكون وواضع نواميسه، وسننه والمتحكم في تسييره”(18)(رغم أن نعتنا هذا التعريف بالدقة والوضوح -بالنظر إلى ما يقدمه الباحثون للحضارة كتعريف- غير أنه لا يسلم من نقد، ويبقى تعريف ابن نبي الأكثر شمولا والأكثر استيعابا لكل الحضارات البشرية، أما تعريف الدكتور نصر محمد عارف فهو مقصور على الحضارة الإسلامية).
    ثانيا: صناعة الحضارة
    يمكن أن نتساءل كيف تصنع الحضارات، وهل بالإمكان فعل ذلك؟.
    لقد تناول الأستاذ ابن نبي هذا الأمر بشكل دقيق لم يسبق إليه، حيث اعتبر أن التاريخ ليس عبارة عن أحداث متراكمة؛ بل هو بصمات المجتمعات الحية على صفحة الزمن؛ لذا فإن صناعة التاريخ بدل روايته فحسب هي مهمة الرجال الرساليين، وأن التاريخ ليس دقائق وثواني مهملة، بل إن التاريخ هو الصورة الحقيقية للمجتمعات، يقول ابن نبي:”إن الزمن نهر قديم يعبر العالم، ويروي في أربع وعشرين ساعة الرقعة التي تعيش فيها كل الشعوب، والحقل الذي يعمل به ولكن هذه الساعات التي تصبح تاريخا هنا وهناك قد تصير عدما إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها”(19).
    وقد قرر رحمه الله أن صناعة التاريخ تتم تبعا لتأثير طوائف أو عوالم اجتماعية أربعة:
    تأثير عالم الأشخاص، تأثير عالم الأفكار، تأثير عالم الأشياء، تأثير عالم شبكة العلاقات الاجتماعية(20)، “التي تعطي للجهد الإنساني فعاليته النموذجية القصوى”(21)، وعلى هذا أكد أن كل حقيقة لا تؤثر في هذه العوالم هي حقيقة ميتة لا تغني شيئا(22)، وعلى هذا فإن كل “…شعب يجب أن يصنع تاريخه بوسائله الخاصة، وبأيديه ذاتها، والتاريخ في أي مستوى من الحضارة يتم إنجازه، إنما يمثل النشاط المشترك للأشياء، والأشخاص والأفكار المتاحة في ذلك الحين بالذات؛ أي في نفس الأوان الذي يواكب عملية إنجازه”(23).
    فالحضارة تصنع بأيدي وسواعد وقوى الرجال الرساليين: المعرفية والروحية والسلوكية والعملية، وليس باستيراد أشياء الحضارة وتكديسها يقول ابن نبي:”إن علينا أن ندرك بأن تكديس منتجات الحضارة الغربية لا يأتي بالحضارة…فالحضارة هي التي تكون منتجاتها وليست المنتجات هي التي تكون حضارة، إذ من البديهي، أنَّ الأسباب هي التي تكوِّن النتائج وليس العكس؛ فالغلط منطقي ثم هو تاريخي لأننا لو حاولنا هذه المحاولة، فإننا سنبقى ألف سنة ونحن نكدِّس ثم لا نخرج بشيء”(24).
    والأمر لا يقف عند هذا الحد فإنَّه حتى أشياء الحضارة ليست حيادية فهي تحمل روح الحضارة التي خرجت من رحمها، ذلك أن الحضارة”لا تشترى من الخارج بعملة أجنبية غير موجودة في خزينتنا، فهناك قيم أخلاقية اجتماعية ثقافية لا تستورد وعلى المجتمع الذي يحتاجها أن يلدها”(25)، مثل الفعالية، والإحساس بقيمة الزمن، وتكريم الإنسان، والشعور بالأناقة.
    فالحضارة”هي نتيجة الجهد الذي يبذله كل يوم الشعب الذي يريد التحضر”(26)، ولعل الهزيمة النفسية التي نعيشها اليوم هي نتيجة انبهارنا بأشياء ومنتجات الحضارة، وظننا أننا لن نلحق بالركب حتى تَكون لدينا كل منتجات أو أشياء الحضارة، ولكن الحقيقة أن “…أزمة العالم الإسلامي منذ زمن طويل لم تكن أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار، وطالما لم يدرك هذا العالم تلك الحقيقة إدراكا واضحا، فسيظل داء الشبيبة العربية الإسلامية عضالا، بسبب تخلفها عن ركب العالم المتقدم”(27)، فصناعة الحضارة هي صناعة التاريخ، وخلاصته هو أن يعلم المربون والدعاة والمصلحون، ثم الشعوب عموما والشباب خصوصا”كيف تستطيع أن تكتشف طريقا تتصدر فيه موكب الإنسانية، لا أن يعلموها كيف تواكب الروس، أو الأمريكان في طرائقهم، أو كيف تتبعهم”(28).
    ثالثا: عناصر الحضارة
    قبل أن نحدد عناصر الحضارة الأساسية، لابد من التأكيد على أن الإنسان هو محور كل تغيير وهو الصانع للتاريخ، يقول ابن نبي”إن الحل الوحيد [لحل مشكلة الحضارة] منوط بتكوين الفرد الحامل لرسالته في التاريخ…”(29)، وهي سنة الله في خلقه، وهي القانون الإلهي الوارد في قوله تعالى:]إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم[[سورة: الرعد، جزء من الآية:11]، ويالها من كلمة طيبة نادى بها الأستاذ مالك بن نبي حين قال:”إنها لشرعة السماء: غير نفسك تغير التاريخ…”(30).
    إن الملاحظ الدقيق لحركة التاريخ ولسيَّر الحضارات فإنه يرى أنها تتوافق في قواعد كليه أساسية، صاغها مالك بن نبي على شكل معادلة اجتماعية بصيغة رياضية على النحو الآتي:


    إنسان+تراب+وقت(زمن)=حضارة(31)
    يقول رحمه الله في هذا الصدد:”إن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية:
    مشكلة الإنسان، ومشكلة التراب، ومشكلة الوقت، فلكي نقيم بناء حضارة لا يكون ذلك بأن نكدِّس المنتجات، وإنما بأن نحلَّ هذه المشكلات الثلاثة من أساسها”(32).
    وقد أوضح كيف يكون المدخل المفتاحي لحل المشكلات الثلاث السابقة فقال(33): ” مشكلة الحضارة لا تحلُّ باستيراد منتوجات حضارية موجودة لكنها تيتوجب حلّ ثلاث مشكلات جزئية:
    -مشكلة الإنسان وتحديد الشروط لانسحابه مع سير التاريخ،
    -مشكلة التراب وشروط استغلاله في العملية الاجتماعية،
    -مشكلة الوقت وبث معناه في روح المجتمع ونفسية الفرد”.
    وهنا يطرح السؤال هل تعمل هذه العناصر الثلاثة هكذا وحدها وبتلقائية؟.
    إن الجواب الأكيد هو:لا؛ بل “لابد من أن يركبها العامل الأخلاقي؛ أعني يحتم تماسكها، وبدون هذا العامل يوشك أن تتمخض العملية عن ((كومة)) لا شكل لها، متقلبة عاجزة عن أن تأخذ اتجاها أو تحتفظ به، أو تكون لها وجهة بدلا من أن تكون ((كلاًّ)) محددا في مبناه، وفيما يهدف إليه”(34). فعناصر الحضارة هي:الإنسان، التراب، الوقت، الفكرة (والتي عادة ما تكون دينية).
    1-مشكلة الإنسان: إن الاتفاق واقع بين جميع المدارس التغييرية المعاصرة الإسلامية وغير الإسلامية، من أن الإنسان هو محور كل فعل حضاري أو تاريخي، وأن أي محاولة تغييرية لا تجعل من الإنسان محورا لها هي قفزة في الفراغ، وأن حركة الوجود كلها ناجمة عن:”علاقة بين الله إلها وربا وخالقا، وبين الإنسان خليفة، والكون مسخَّرا وميدان لفعل العمران، والشهود الحضاري الإنساني…[فهي] علاقة مطلقة بين الإله الأزلي الخالق جل شأنه، وبين مطلقين: الإنسان في إنسانيته المتجدِّدة، والكون في استمراره حتى يرث الأرض ومن عليها”(35).
    فالعلاقة إذن ثلاثية؛ إله خالق، وإنسان مستخلف، وكون مسخر، فدور الإنسان إذن محوري، فهو مخلوق ليحقق أمر الله في هذا الكون من خلال مهمته الوجودية، وهي الاستخلاف في الأرض(36)عبر محاور ثلاثة، عبادةُ الله، وسيادة في هذا الوجود المحكم بسنن الله، وشهادة على الإنسان بمضمون إلهي عدل، هو ميراث النبوات: الإسلام بوحيه المعصوم؛ القرآن والصحيح من السنة المطهرة(37)، وإذا تتبعنا آيات القرآن الدالة على قيمة الإنسان ودوره في صناعة الحضارة أو تحقيق الاستخلاف ومنها قوله تعالى: ﴿ألم تروا أن الله سخَّر لكم ما في السموات و الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾، وقوله تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون﴾، نجدها تصب كلها في اتجاه واحد، هو بيان كون الخلافة بمضمونها الحضاري الشامل هي الوظيفة الوجودية للإنسان في الأرض، فهي خلافة ربانية(38) حقة “تحفظ التوازن الكوني، وتضمن استقرار الحياة، وتهيئ الاستمتاع بما فيها من متع مادية ومعنوية لا حدود لها، لكل من انظبط بقوانين الاستخلاف، والتزم بشروطه في فهمه وسلوكه وعمله ومواقفه، وحركته في الحياة”(39).
    2-مشكلة التراب: ليس المقصود بالتراب هنا التراب على حقيقته المادية البحتة كما فهمها خطئا الكثير من قراء مالك بن نبي-رحمه الله-، بل وحتى عند بعض الكتاب المعاصرين، وإنما كان رحمه الله يقصد بها الشروط المادية أو ما أطلق عله هو:”الإمكان الحضاري”، وهي المقدرات المادية في شكلها البسيط والتي حبى بها الله هذه الأمة، حيث يجب أن تتوفر الفعالية في الاستفادة منها، لكي لا يقع لها الإهدار.
    ولعل هذا الإمكان ليس هو من قبيل ما يفهم أن يكون في حجم أشياء الحضارة الغربية اليوم، بل هو ما كان على بساطته وأوليته؛ لكن لا بد أن تتدخل الفعالية في التعامل مع إمكاناتنا الحضارية وهي التي تبدو في الحياة اليومية لدى كل فرد منا سواء في نظام استفادة أسرته من المقدرات المادية المتاحة لها، أو في الحذاء الذي يقتنيه أو في قطعة الأرض التي يستثمرها أو في طريقة استعمال منحته أو أجرته وهكذا…يقول ابن نبي:”إن في استطاعة العالم العربي أن يعيد للتراب وظيفته الاقتصادية وذلك منذ اليوم، وبوسائله الموجودة بيده منذ الآن حتى في الميدان الفني…”(40)، فقيمة التراب بقيمة الإنسان الذي يستثمره ويتعامل معه، فتثمير”موارد الكون…يكون بحفظها وصيانتها، وتعهدها بالرعاية أن يصيبها التلف أو التشويه، أو يطالها العبث فتهدر في غير منفعة. إن موارد الكون هي ملك لله على وجه الحقيقة ﴿ولله ملك السماوات والأرض﴾”(41).
    وقد ظن أحدهم(42) أن مالكا بن نبي جانب الصواب في إعطاء هذا العنصر أكثر من قيمته وجعله عنصرا من عناصر الحياة؛ لأنه كان يحلل ليس وفق محدِّدات مالك التي أبانها في كتبه ولكن وفقا المحددات العقلية لمدرسة هذا الكاتب.
    ويعقب الأستاذ زكي الميلاد:”إن نقد غازي التوبة؛ فإنه نسي عنصرا أساسيا في نظرية ابن نبي وهو عنصر (المركب الحضاري) الذي ينظم العناصر الأخرى وينسقها، وهذا المركب الحضاري هو (الفكرة الحضارية) أو العقيدة، والتي تعني الإسلام، وهنا يرتفع إشكال الأستاذ غازي التوبة، وحول معادلة إنسان متوازن = حضارة، والمتوازن هو المسلم، إذن المسلم = الحضارة، هذا رأي مبسط جدا لا يستند على منهج ونظام كما تتطلب الحضارة”(43).
    ولقد حاول الأستاذ جودت سعيد أن يعالج هذه القضية بشيء من الشمول والدقة في كتابه القيم”الإنسان حين يكون كلا وحين يكون عدلا”(44)، وهو كتاب جدير بكل مسلم اقتناؤه ودراسته واستيعابه وتحويل ما فيه إلى موجه في حياته السلوكية اليومية، بل في جميع حياته بتنوع مناحيها.
    3-مشكلة الزمن(الوقت): لقد عبر مالك بن نبي عن قيمة الزمن في حياة الفرد والشعوب بشكل جد مفيد قال:”…إن الزمن نهر قديم يعبر العالم، ويروي في أربع وعشرين ساعة الرقعة التي تعيش فيها كل الشعوب، والحقل الذي يعمل به، ولكن هذه الساعات التي تصبح تاريخا هنا وهناك، قد تصير عدما إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها”(45).
    لهذا فهم يجعلون حياتهم تتحرك على محور الواجبات لا الحقوق فقط، يقول جودت سعيد: “…أسلوب البدء بالواجبات، وهو طريق الأنبياء ومن على منهجهم وأسلوب البدء بالمطالبة بالحقوق، وهو طريق الذين يرون حظهم في الدنيا فقط، ومن الفروق بين الطريقتين أن الإسلام يتوجه إلى تعليم الناس أن يؤدوا واجباتهم لا أن يطالبوا بحقوقهم، ولكي يكون الحق حقا ينبغي أن يبدأ الإنسان بأداء الواجب لا بالمطالبة بالحقوق، لذلك قال صلى الله عليه وسلم «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»(46)، فعلى صاحب العمل أن يؤدي واجبه نحو العامل، ويعطيه أجره ولا يترك له فرصة للمطالبة بحقه…[و إن] الحق لا يصل إليك إلا إذا أدى الآخر واجبه، فإذا بدأنا بطريق أداء الواجبات فستحقق حقوقنا، أما إذا لم نؤد واجباتنا، وانتظرنا حقوقنا، فإنها ستبتعد عنا كثيرا.ومن جهة أخرى فإن طريق المطالبة بالحقوق يؤدي إلى التنازع، أما طريق أداء الواجبات فإنه يؤدي إلى التقارب، فيؤثر بعضهم بعضا ويتسابقون في فعل الخيرات”(47).
    وفي هذا الصدد يقول مالك بن نبي:”نحن حينما نؤدي واجباتنا فإن حقوقنا ستأتي إلينا، إن لم تكن في الأرض فستنزل من السماء”، و يقول جودت سعيد:”إذا لم يتعلم الناس أداء واجباتهم، فمن أين سيحصل الآخرون على حقوقهم؟ من الذي سيؤدي الحقوق؟”.
    إن الذي يريد أن يرفع من شأن مفهوم الحياة عنده، ويسعى للآخرة سعيها عليه أن يدرك قيمة الزمن في الحياة وفي حركة التاريخ، فالزمن هو الحضارة، و إنَّ الدقيقة التي تهدر في العالم الإسلامي على جميع المحاور وفي جميع المستويات أفرادا وجماعات ومجتمعات، هي في الطرف الآخر، تاريخ وحضارة، إن الشعار الذي ترفعه حضارة الغرب هو:(الزمن هو الحياة)، فإن الشيء الذي يرفعه الإنسان المسلم هو(أرواح نعقبوا الوقت)، (وعندنا الوقت)، (وواش زَربك)، (ومازال الحال)، (وعندنا اللاطا-le temp-)…وهكذا….
    رُغم أن فلسفة الإسلام تمتد بقيمة الزمن إلى الآخرة، فالإنسان يحاسب على كل لحظة في حياته، فالحياة كدٌّ وَ جِدٌّ، والنفس إن لم تشغلها بالأعمال شغلتك باللهوات، قال الله تعالى: ﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه﴾، والكدح هو التعب والجد دون فتور وتقاعس؛ بل إن الإنسان يحاسب عن فترة عطاء حياته(48) في الآخرة، ولذا أمرنا الله أن تُقيد من كل لحظة فقال: ﴿ما من صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا﴾.
    إن فلسفة الزمن قد غابت كقيمة في حياة المسلمين، و أصبحت كما مهملا، لذا حرض ابن نبي الشعوب المسلمة على إدراك قيمة هذا العنصر حين قال:”إن وطنا متخلفا لا بد له أن يستثمر سائر ما فيه من طاقات يستثمر كافة عقوله وسواعده ودقائقه، وكل شبر من ترابه، فتلك هي العجلة الضخمة، التي يجب دفعها لإنشاء حركة اجتماعية و استمرار تلك الحركة”(49).
    رابعا: مقومات الحضارة
    إن نشوء الحضارات يخضع لنفس القانون، وبنفس العناصر، بيد أن جوهر الاختلاف يكمن في الدافع الحضاري أو الفكرة التي تجعل ذلك القانون ينتج حضارة ذات صبغة واتجاه معينين، و”بعيدا عن إضفاء أي قيمة حسنة على مفهوم الحضارة فقد تكون الحضارة بهذا المعنى سيئة أو مدمرة، أو غير مناسبة للحياة البشرية، وإنما هذا لا يمنع من إطلاق لفظ الحضارة عليها طالما تحققت الأبعاد التالية:
    1-وجود نسق عقيدي يحدد طبيعة العلاقة مع عالم الغيب ومفهوم الإله سلبا أو إيجابا.
    2-وجود بناء فكري سلوكي في المجتمع يشكل نمط القيم السائدة والأخلاقيات العامة والأعراف.
    3-وجود نمط مادي يشمل المبتكرات والآلات والمؤسسات والنظم والعمارة والفنون، وجميع الأبعاد المادية في الحياة.
    4-تحديد نمط العلاقة مع الكون ومسخراته وعالم أشيائه وقواعد التعامل مع هذه المسخرات وقيمها.
    5-تحديد نمط العلاقة مع الآخر، أي المجتمعات الإنسانية الأخرى وأسس التعامل معها وقواعده، وأسلوب إقناعها بهذا النموذج والهدف مع ذلك الإقناع.” (50) ، وأن تطبيق هذه الأبعاد على جهد أي أمة من الأمم، يجعلنا نخلع(51) عليها صفة الحضارة.
    خامسا: موقف المسلم المعاصر من حضارة الغرب!
    إن أول سؤال يطرح هل حالة الغرب اليوم تسمى حضارة؟.
    لقد بحث الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي في رسالتين هذا الموضوع بالمقابلة بين مسألتين: فكان الأول بعنوان:”نحن و الغرب”(52) ، والثاني بعنوان:”جوهر الحضارة الإسلامية”(53).
    وقد استفاد من المفكر الجزائري مالك بن نبي إذ قوم حضارة الغرب من خلال تعاملها مع الغيب، والإنسان، والكون، وطبق عليها ضمنا الأبعاد السابقة في الفقرة أعلاه، ثم عرض جوهر حضارة الإسلام من خلال نفس عناصر الثلاثية: الله، الإنسان، الكون.
    ونفس هذا السؤال أجاب عنه أحد الباحثين، حين قال:”الحضارة الأوروبية المعاصرة مثلا لها موقف محدد من هذه الأبعاد، فلها موقف من عالم الغيب والإله، ولها بناء فكري وقيم وسلوكيات معينة من التعامل مع المجتمعات البشرية الأخرى”(54).
    وقبل هؤلاء أجاب ابن نبي-رحمة الله عليه- عن هذا السؤال، بل وصنف كتبه كلها تحت عنوان:”مشكلات الحضارة” وتعمق في فهم حضارة أوروبا، ودرسها دراسة نقدية جوهرية، فهو جاء من وسط ثقافي آخر فلم يكن مقلدا ولا منبهرا ولا مستلبا، وغنما كان دارسا ناقدا، منصفا في حكمه، لذا قال:”إن هناك أنواعا من الجهل لا يمكن الإغضاء عنها في القرن العشرين، وهناك إضافات لهذا القرن وقيم خاصة به لا تستطيع طبقة مثقفة مسلمة أن تجهلها دون أن تشع بنفسها، فليس من الممكن أن نعيش بنفسية المنعزل الذي يجهل قيم الآخرين” بيد أن هذه الحضارة انتهت إلى نهايات إنسانية جد مأساوية، ولعله كما قال ابن نبي:”أما مشكلاتنا فهي نتائج لظروف وليست جوهرية جدا، لكن مشكلاتهم[الغرب] أساسية وجوهرية جدا”(55).
    فيبقى أمامنا الجواب عن السؤال التالي: ما هو دور المسلم اتجاه هذه الحضارة؟.
    يجيبنا الأستاذ مالك بن نبي، بقوله:”إذا أراد المسلم أن يسد هذا الفراغ في النفوس المتعطشة المنتظرة للمسوغات الجديدة…فيجب أولا أن يرفع من مستواه إلى مستوى الحضارة أو أعلى منها كي يرفع الحضارة بذلك إلى قداسة الوجود، إلى ربانية الوجود، ولا قداسة لهذا الوجود إلا بوجود الله.
    والمسلم إذا أتى بهذا لا بلسانه ولا بشطحاته الصوفية، وإنما بوصفه إنسانا معاصرا للناس شاهدا عليهم بالتقى والورع بنزاهة الشاهد الصادق، الصادق الخبير، الواعي لقيمة شهادته…إذا أتى المسلم هكذا في صورة المتحضر الذي اكتملت حضارته بالبعد الذي يضفيه الإسلام إلى الحضارة((وهو بعد السماء)) عندئذ ترتفع الحضارة كلّها إلى مستوى القداسة؛ أي إن الوجود الذي فقد القداسة في القرنين الأخيرين خصوصا في هذا القرن، تعود إليه قداسته؛ لأن القداسة من الله ومن الله وحده ولا شيء يعطي القداسة لهذا الوجود غير الله”(56).
    لقد رسم لنا الأستاذ مالك بن نبي صورة رمزية رائعة، لموقع المسلم من حضارة العصر، ليخلص إلى إرشاد المسلم إلى الدور الذي يجب عليه أن يقوم به إنقاذا لنفسه وللإنسانية جمعاء، قال:” هل ترون إلى أرض عطشى تنتظر الري من الماء؟ هل نستطيع ريها بماء يجري تحت مستواها؟ إن الإجابة ستكون بالطبع: لا باستثناء المجنون أو صاحب الشطحات الصوفية إذ يعتقد أن الماء سوف يطلع إليها، وإنما بالانحدار وذلك بحكم السنن الإلهية عن طريق الجاذبية، سنة الله تقتضي أن ينحدر إلى هذه الأرض إذا كان مستواها يخوله ذلك.
    إذن إذا أراد المسلم أن يقوم بدور الري بالنسبة للشعوب المتحضرة والمجتمع المتحضر، وأراد –بعبارة أوضح- أن يقدم المسوغات الجديدة التي تنتظرها تلك الأرواح، التي تتألم لفراغها وحيرتها وتيهها، إذا أراد المسلم ذلك فليرفع مستواه رفعا يستطيع معه فعلا القيام بهذا الدور، إذ بمقدار ما يرتفع إلى مستوى الحضارة بمقدار ما يصبح قادرا على تعميم ذلك الفصل الذي أعطاه الله له ؛ أعني دينه…إذ عندها فقط يصبح قادرا أيضا على بلوغ قمم الحقيقة الإسلامية، واكتشاف قيم الفضيلة الإسلامية، ومن ثمة ينزل إلى هضاب الحضارة المتعطشة، فيرويها بالحقيقة الإسلامية وبالهدى، وبذلك يضيف إليها بعدا جديدا؛ لأن الحضارة العلمانية، حضارة الصاروخ، حضارة الإلكترون اكتسبت هذه الأشياء، وضيعت بعدا آخر تشعر بفقدانه وهو بعد السماء.
    إن أوربة حققت المعجزات في عالم الاكتشافات وعالم العلوم…ولكنها فقدت في أعماق نفسها البعد الذي كان يروح عليها ويرفه عنها ويسندها في وقت المحن؛ لأنه يربطها بوجود الله”(57).
    سادسا: الخلاصة
    نصل في الختام إلى أن جوهر مفهوم الحضارة في الإسلام هو: الحضور و الشاهدة، فالحضارة إذن هي: حضور الإسلام معرفيا وروحيا وسلوكيا وعمرانيا في الكون. فالحضارة إذن هي مطلق الحضور و الشهود.
    ومن ثمة فإن الحضور مرحلة متقدمة في تجربة أي مجتمع، إذ أن كثيرا من المجتمعات الإنسانية تقتصر على مجرد الوجود دون الحضور(58)، ومن هنا لا يمكن أن نطلق على أمة مهما كان نتاجها الذهني والمادي معنى حضارة طالما وقفت عند مجرد الوجود.
    كما تبين لنا أنه وبعيدا عن إضفاء أي قيمة على مفهوم الحضارة فقد تكون هي حتما إما “حضارة تقوى” أو “حضارة فجور”(59)، أو حتى غير مناسبة للحياة البشرية عموما، وإنما هذا لا يمنع من إطلاق لفظ الحضارة عليها، طالما تحققت الأبعاد الخمسة التي أوردنها تفصيلا في ثنايا الموضوع، أو بشكل أكثر اختصارا: حضارة =إنسان+تراب+وقت+(الفكرة = الدفعة الحضارية).
    وأن كل حقيقة لا تؤثر في عناصر التاريخ حقيقة ميتة وفاشلة نعني:
    عالم الأفكار، وعالم الأشخاص، وعالم الأشياء، وشبكة العلاقات الاجتماعية، يقول ابن نبي:”كل تفكير في مشكلة الإنسان هو في النهاية تفكير في مشكلة الحضارة”(60).
    وختاما رحمة الله على الأستاذ المفكر الجزائري مالك بن نبي، ورحمة الله على من قال فيه:”أنا لا أقول فيه أنه ابنُ نبيٍ ولكنه ينهل من نفحات النبوة”، فرحمة الله عليه في الخالدين.
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: مشكلة الحضارة، في فكر مالك بن نبي 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    هوامش الدراسة
    (1)ابن منظور، لسان العرب، مادة: حضر، وَالقاموس المحيط، للفيروز آبادي نفس المادة.
    (2)ناصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية، دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، المنشور ضمن كتاب: بناء المفاهيم دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، لمجموعة من الباحثين،(سلسلة المفاهيم والمصطلحات:4)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1418هـ، 1998م، (1/284).
    (3) ابن منظور، لسان العرب، مادة: حضر، و َالقاموس المحيط، للفيروز آبادي نفس المادة.
    (4)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/285.
    (5)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/267.
    (6)يقسم لامبارد تطور المدنية في أوروبا إلى مراحل ثلاث:
    أ-مرحلة المدنية ما قبل الصناعية : مدن أساسها المحكمة أو الكاتدرائية أو الحصن أو السوق أو الميناء أو هذه الظواهر مجتمعة.
    ب-مرحلة المدن الصناعية : وهي التي صاحبت الثورة الصناعية حيث تطورت معها علاقاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
    ج-مرحلة المتروبوليتان : وهي مدنية تتميز بالاتساع الصناعي وازدياد الغنى فيها وانتشار نفوذها خارج نطاقها.
    (7)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/283.
    (8)ابن خلدون، المقدمة، دار القلم، بيروت، ط7، 1409هـ،1989م، ص:123،الفصل الرابع: في أن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الخضر.
    (9)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/282.
    (10)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/284.
    (11)لقد ترجم الأستاذ عبد الصبور شاهين المصطلح عن مالك بن نبي بـ:”المدنية”، وهو خطأ بيِّن بحيث أن المطلع على فكر مالك بن نبي يدرك بسهولة أن ابن نبي يضبط المصطلح بشكل ملفت للانتباه، و ومن الملفت للانتباه أنه في نفس الفقرة المترجمة نلحظ أنه فقد ترجم نفس المصطلح مرتين بالمدنية ومرة بالحضارة، ونحن نجزم أن بن نبي قصد الحضارة وليس المدنية.
    (12)مالك بن نبي،مشكلة الثقافة،تر:عبد الصبور شاهين،(سلسلة مشكلات الحضارة)،دار الفكر،دمشق،ط4،1404هـ، 1984م،ص:80-81.
    (13)كما هو مدون في جل كتبه خاصة منها:”معالم في الطريق”وَ”المستقبل لهذا الدين”وَ”نحو مجتمع إسلامي”،هذا الأخير دار حوله بين السيد ومالك حوار هادئ وعميق إذ قد عنونه قطب في البداية “نحو مجتمع إسلامي متمدن” ثم عدل عن ذلك.
    (14)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/285-286.
    (15)مالك بن نبي،المسلم في عالم الاقتصاد، دار الفكر، الجزائر، ط1،1992م، ص:61.
    (16)مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، دار الفكر، الجزائر، ط1،1992م،ص:41.
    (17)عبد اللطيف عبادة، صفحات مشرقة من فكر مالك بن نبي، دار الشهاب، باتنة، الجزائر، ط1، 1404هـ،1984م، ص:135، (من وصية مالك بن نبي).
    (18) د/نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/286.
    (19)الطيب برغوث، موقع المسألة الثقافية من إستراتيجية التجديد الحضاري عند مالك بن نبي،دار الينابيع للنشر والإعلام، الجزائر،ط1،1413هـ،1993م،(سلسلة لبنات في المسار الحضاري:01)،ص:03،(مقدمة:محمد السعيد مولاي).
    (20)مالك بن نبي،ميلاد مجتمع-شبكة العلاقات الاجتماعية-تر:عبد الصبور شاهين،دار الفكر،دمشق،ط:1974م،ص:23.
    (21)الطيب برغوث، موقع المسألة الثقافية ، ص:11.
    (22)مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ص:93.
    (23)مالك بن نبي،آفاق جزائرية،تر:الطيب الشريف،مكتبة النهضة الجزائرية، (د.ت)، ص:161.
    (24)مالك بن نبي، تأملات، دار الفكر، دمشق، ط:1978م، ص:167.
    (25)مالك بن نبي،بين الرشاد والتيه،دار الفكر،دمشق،ط1،1978م،ص:172.
    (26) مالك بن نبي، في مهب المعركة، دار الفكر، دمشق، ط:1981م، ص:120.
    (27)مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص:115.
    (28)مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص:116.
    (29)مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص:86.
    (30)مالك بن نبي،شروط النهضة، تر:عبد الصبور شاهين وَ عمر كامل مسقاوي، دار الفكر، دمشق، ط:1979م،ص:32
    (31)مالك بن نبي، شروط النهضة، ص:44.
    (32)مالك بن نبي، شروط النهضة، ص:45.
    (33)مالك بن نبي، تأملات، ص:199.
    (34) مالك بن نبي،فكرة الأفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونج،تر:عبد الصبور شاهين،دار الفكر،دمشق،ط:1405هـ، 1985م، ص:134.
    (35)أحمد العماري، نظرية الاستعداد في المواجهة الحضارية للاستعمار: المغرب نموذجا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، (نقلا من: تصدير الكتاب بقلم طه جابر فياض العلواني، ط1، 1417هـ، 1997م، ص: ك)
    (36)الطيب برغوث، منهج النبي صلى الله عليه وسلم حماية الدعوة والمحافظة على منجزاتها، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، ط1، 1416هـ، 1996م، ص:59.
    (37)الطيب برغوث، منهج النبي صلى الله عليه وسلم حماية الدعوة ، ص:81.
    (38)محمد باقر الصدر، خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، دار المنتظر، (د.ت)، ص:10.
    (39)الطيب برغوث، منهج النبي صلى الله عليه وسلم حماية الدعوة ، ص:89.
    (40)مالك بن نبي، المسلم في عالم الاقتصاد، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، ط:1979م، ص:107.
    (41)عبد المجيد النجار، موسوعة فقه التحضر، دار الغرب، بيروت، ط1، 1999م، 1/155.
    (42)غازي التوبة، الفكر الإسلامي المعاصر،دراسة وتقويم،دار العلم،بيروت،ط:1977م.
    (43)زكي أحمد الميلاد، مالك بن نبي ومشكلات الحضارة-دراسة تحليلية نقدية-، دار الصفوة، لبنان، ط1، 1413هـ، 1992م، ص:85.
    (44)جودت سعيد، الإنسان حين يكون كلا وحين يكون عدلا، المطبعة العربية، غرداية الجزائر، ط1، 1990.
    (45) الطيب برغوث، موقع المسألة الثقافية…، ص:03،(مقدمة:محمد السعيد مولاي).
    (46)أصل الحديث عند البخاري، والحديث بهذا اللفظ لابن ماجة، من حديث ابن عمر، كتاب: الرهون، باب: أجر الأجراء، حديث:2443، قال البويصري عقبه: الإسناد ضعيف.
    (47)جودت سعيد، لا إكراه في الدين، دراسات و أبحاث في الفكر الإسلامي، طبع بـ: مركز العلم والسلام للدراسات والنشر، سورية، ط1، 1418هـ، 1997م، ص:144.
    (48)إشارة إلى الحديث:”والله لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع:…..”.
    (49)مالك بن نبي، بين الرشاد والتيه، ص:172.
    (50)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/287.
    (51)خلع عليه، كساه، وأعطاه وصفا وصفة معينة.
    (52)إسماعيل راجي الفاروقي، نحن والغرب، الزيتونة للإعلام والنشر، الجزائر، (د.ت).
    (53) إسماعيل راجي الفاروقي، جوهر الحضارة الإسلامية، الزيتونة للإعلام والنشر، الجزائر، (د.ت).
    (54)نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة-المدنية ، 1/286.
    (55)عبد اللطيف عبادة، صفحات مشرقة من فكر مالك بن نبي، وصية مالك بن نبي المطبوعة بآخر الكتاب، ص:137.
    (56)مالك بن نبي،دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين،دار الفكر،سورية،ط1، 1412هـ،1991م.
    (57)مالك بن نبي، دور المسلم ورسالته، ص:39.
    (58) مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص:21.
    (59)إشارة إلى الآية: ﴿ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها﴾.
    (60) مالك بن نبي، فكرة الآفروآسيوية، ص:77.
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: مشكلة الحضارة، في فكر مالك بن نبي 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    موقع فيلسوف العصر المفكر مالك بن نبي رحمه الله

    http://www.binnabi.net/
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: مشكلة الحضارة، في فكر مالك بن نبي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    342
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رزاق الجزائري مشاهدة المشاركة
    موقع فيلسوف العصر المفكر مالك بن نبي رحمه الله

    http://www.binnabi.net/
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الاستاذ الفاضل رزاق جقيقة تدمي القلب أن يكون مثل هذا العملاق الذي تحشاه فرنسا وكانت تمنع من نشر كتبه في المكتبات الفرنسية لإنه يفضحها في وضوح أنهالر ويكشف أسرارها ويكشف ألاعيبها ومؤاماتها ضد شعب الجزائري والشعوب المغاربية لقد استطاع في كتبه أن يبيسن خطر الاستعمار الفرنسي على هذه الشعوب ..كما استطاع في كتابه شاهد على هذا القرن أن يصور لنا جمعية علمناء المسلمين ويصور الحالة النفسية لذلك الطفل الصغير اليهودي حينما سأله لماذا تضحك معي في غياب أمه قال اليهودي : لقد أوصتني أمي أن أبتسم مع من أعرف ولا أعرف من خلالها أدرك كيد اليهود في التلاعب بالعواطف يظهرون لك الود وهم أشد الخصام وهم العدو اللدود كما استطاع أن يصور لنا نساء الجزائر وعفتهن وكيف هربن من الاستعمار خوفا على شرفهن متحديات كل المخاطر وكذلك صبر المرأة الجزائرية وحبها في تعليم ابنائها ...كما وصف لنا الحالة النفسية للاستعمار في كتب أخرى وكيف يستغل العملاء في تنفيذ خططه الجهنمية مستعملا حيلا ...كما بين في كتاب أخر مشكل الحظارات والعالم العربي والإفريقي ومعاناته ومشاكله وكيف يجب أن يتخلص منها ..ولكن الحقيقة تقال أهمل هذ1 الكاتب في الجزائر عفوا العملاق الفذ النادر أقولها وأنا واثق فأهل المشرق والمغرب يعرفون قيمة الرجل ..ودعني أقول لك رزاق الفاضل لو كان فرنسي لكرمته فرنسا تكريما يليق بتكريم الرجال ولكن للأسف يكرم من لا يستجق التكريم...وأبيضت عيناه من الحزن من الألم من الضياع الأ يستحق الرجل التكريم ؟؟؟؟؟؟ أبوبكر إطلال فصيرة أردت من خلالها تبيان نزر قليل قليل من النبع من البحر ...شكرا لك ...
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: مشكلة الحضارة، في فكر مالك بن نبي 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الاستاذ الفاضل رزاق جقيقة تدمي القلب أن يكون مثل هذا العملاق الذي تحشاه فرنسا وكانت تمنع من نشر كتبه في المكتبات الفرنسية لإنه يفضحها في وضوح أنهالر ويكشف أسرارها ويكشف ألاعيبها ومؤاماتها ضد شعب الجزائري والشعوب المغاربية لقد استطاع في كتبه أن يبيسن خطر الاستعمار الفرنسي على هذه الشعوب ..كما استطاع في كتابه شاهد على هذا القرن أن يصور لنا جمعية علمناء المسلمين ويصور الحالة النفسية لذلك الطفل الصغير اليهودي حينما سأله لماذا تضحك معي في غياب أمه قال اليهودي : لقد أوصتني أمي أن أبتسم مع من أعرف ولا أعرف من خلالها أدرك كيد اليهود في التلاعب بالعواطف يظهرون لك الود وهم أشد الخصام وهم العدو اللدود كما استطاع أن يصور لنا نساء الجزائر وعفتهن وكيف هربن من الاستعمار خوفا على شرفهن متحديات كل المخاطر وكذلك صبر المرأة الجزائرية وحبها في تعليم ابنائها ...كما وصف لنا الحالة النفسية للاستعمار في كتب أخرى وكيف يستغل العملاء في تنفيذ خططه الجهنمية مستعملا حيلا ...كما بين في كتاب أخر مشكل الحظارات والعالم العربي والإفريقي ومعاناته ومشاكله وكيف يجب أن يتخلص منها ..ولكن الحقيقة تقال أهمل هذ1 الكاتب في الجزائر عفوا العملاق الفذ النادر أقولها وأنا واثق فأهل المشرق والمغرب يعرفون قيمة الرجل ..ودعني أقول لك رزاق الفاضل لو كان فرنسي لكرمته فرنسا تكريما يليق بتكريم الرجال ولكن للأسف يكرم من لا يستجق التكريم...وأبيضت عيناه من الحزن من الألم من الضياع الأ يستحق الرجل التكريم ؟؟؟؟؟؟ أبوبكر إطلال فصيرة أردت من خلالها تبيان نزر قليل قليل من النبع من البحر ...شكرا لك ...
    اخي الفاضل ابو زينب
    هكذا هو حالنا حال القطة التي تشتهي اولادها فالفيلسوف هو مدرسة حضارية قائمة بذاتها و اسم فيلسوف الحضارة استحقها عن جدارة في الغرب و في الشرق وهو من بين اكبر فلاسفة القرن الماضي بشهادة الغرب وصناع الحضارة ولقد اهمل مثلما اهمل غيره واهملت افكاره عند بني جلدته في حين استفاد منها غيرهم لقد فلسف الحضارة وفلسف صناعتها و درس نماذج الامم وقيم نجاحاتها وقاسها على فشلنا و كان مسبارا للافكار و قيمتها .كنت اجري بحثا عن الفيلسوف وجدت مواقع عنه حتى بالتركية و الفارسية و الروسية وهذا دلالة على قيمة الافكار و تقديرها .
    فيلسوف الحضارة سيظل عملاق لانه حقا كذلك و ستحكي اجيال كثيرة عنه يوما مثلما نحكي عن ابن سينا و ابن خلدون .
    تحياتي
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: ماذا قال ول ديورنت في كتاب قصة الحضارة عن الحضارة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29/09/2014, 11:21 PM
  2. ماذا قال ول ديورنت في كتاب قصة الحضارة عن الحضارة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29/09/2014, 10:47 PM
  3. أجمل المرثيات للشاعر مالك بن الريب.
    بواسطة د.فادي محمد سعيد في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 30/11/2009, 09:07 PM
  4. الاعتماد في نظائر الظاء والضاد لابن مالك
    بواسطة مريم احمد في المنتدى لسان الضاد
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 24/04/2007, 09:25 PM
  5. ندوة شهادات شخصية من معاصري مالك بن نبي
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06/06/2006, 12:52 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •