** جنيــــة البحــــر **
ـ قصص ـ
للقاصة الجزائرية *جميلـة زنيــر *


بقلم الكاتبة / بنور عائشة ـ عائشة بنت المعمورة ـ



(( أجل هل تستطيــع أية امرأة في الدنيا أن تلدني؟ كلا ،أمـا أن تلد لي فنعم ،أولئك زوجاتي إن شئت زرعن الدنيا أطفالا ..))ص 43

(( ارتجف الرجل بعنف وغارت الحياة في عينيه فرفع يده المعروقة وأنزلها على وجهها بوحشية أرعفتها دما ثم قفز محموما فوق الأرض المتربة ليفتح الباب تحت نظراتها الباكية وينطلق هائما في ظلام الليل الموحش ..)) ص 59

_ جنيـــــــــة البحـــــــر * مجموعـة قصص للقاصــة جميلــة زنير ، الصادرة عن التبيين ( الجاحظية ) .
تحتـوي المجموعة خمسة عشر قصة تختلـف عن بعضها البعض وتصب في قالـب المعاناة والأحـــداث الاجتماعية القاهرة بأسلوب قصصي مشوق، ولغـة قوية وألفاظ ثرية تنم عن حالة من التجديد والإبداع الفكري والخيــالي الواقعي .
*جنية البحـر * هي أقـرب أسلوياً إلى الكاتب الروائي " شاكر الأنباري "و يتضـح ذلك عنــد قراءة أعمالهمـا المتميزة ، التي تحتويك دون ملل أو ضجـر .
ففي قصة " أوجاع امرأة خلعتها القبيلة " الكاتبة غاصت بإدراكهــا الواعي في حضور التحليـــــل الغارق بين الصراع النفسي الذي اختـزل بين الذكريات الطفولية والواقــع ، واتضح من خلال العبارات و الأفكار البعيـدة .. بلوحات فنية تتسم بنوع من الواقعية الاعترافية والبوح الموجع ،و إلى الدلالات الرمزية المتطابقة مع الحالــة الشعورية الكامنــة في اللاوعي،والتي كانـت تعيــق الانبساط الحسي في نفسيـة الكاتبة، و لم ترتكز على الحــواس لأن هذه الأخيرة كانت قاصرة عن الإدراكات الحسيـة البعيدة في عمقها ..
وقد استعملت اللغــة في خداع الآخر والتحايل عليه بموضوعيــة ترسمها في حقائــق تساهم في الرمزية المنطقية لتضليل الوعي المدرك لها ،و مكاشفة الخفايا المكبـــوتة عن طريــق اللغة أو ما تخفيه هذه اللغة التي استعملتهــا الكاتبة للغوص في أعماق الشخصية كما كان يعتمــد " فرويد " في تأويل الأحلام والأقوال و زلات اللســان أو القلم لفهم الأعماق النفسية الكامنــة في اللاشعور .
و لقـد ذهبت البيئة الطفوليــة عند الكاتبة في تفجير العبقرية الإبداعية والحاجة الاجتماعية للثورة عليهـا أو ترسيخها كسيرة ذاتية يشوبها الحنين، رافضــة إياها في أعماقهــا ومستسلمـة لهـا في تغيير مســارها، وكــان لا بد من التجديد الإيجابي للإدراك الجيد ..
يقـول العـالم النفساني " ريبـو " :
(( إن كــل صور الإبــداع مصحوبة بالعناصر الانفعاليــة)) و ما جــاء في قصـص *جنية البحــر * لم يكن انفعالاً كالغضب أو السخط، وإنما انفعالا نفســيا هــادئا ..متزنا .. وقدرة الخيال الإبداعي في التصـرف على صور التركيب واستحضـار الذكريـات وعودة هذه الصور الباطنيـة إلى ساحة الشعور إذ يقول العالم والفيلسوف الفرنسي " غاستون باشلار " :
(( الخيــال المبدع هــو ملكة تغيير الصور التي يقدمهــا الإدراك ، بل هي على وجه الخصوص الملكة التي نتحــرر بها من الصـــور الأولى والتي نستبدل بها الصــور )) .
قصــة " امرأة خلعتها القبيلة " تقف على مسرح الطفولــة وخبــايا الذاكرة ..موزعة على أهم الـرؤوس الأثرية للمدينة معاتبة إياهـا أحياناً ومستبشرة بهــا خـيراً أحيانا أخــــرى (( لماذا خلعتـك القبيلـة يا امرأة منفية خارج حدودها ؟)) ص 10
لتواصــل رحلتهــا إلى المقاربة في طقوس التعبد تعيد بــها التوازن النفســـــــــي إلى اضطــرابها الواضح وعرفان بالجميــل، إلى المدرسة التي حركت فيها جنون الإبــداع و علمتها طقــوس الكتابـة ((ردي على طفـــولتي فأنا ما تلقيـت حرفا خارج أسوارك لأني فيك حصـدت كل أنواع الشهادات التي صنعت فرحتي و حــريتي .)) ص14 .
إن لغـــة الكاتبــــــة الثرية، فيها قوة الإيحاء والوصف غير المبالـغ فيه و الذي أضفــى جمالية عالية أصبغــت بها ألوانها القصصية بعاطفة نستشفها مشتركة في النصوص .. رسائــل ود تتسم بالمعاناة وبتعابير بـارزة، ولم تمر أزمــة البلاد من خيــال الكاتبة بعمقهــا النفسـي و أثرها هكذا دون أن تسجل حضورهــا "حدث ذات ليلة و الأيدي السوداء "وللذاكــرة الشعبية بكل طقوسهـا نصيب من الكتابة في مختلــف القصص الأخرى ..


هامش :ـــــــ
الكاتبة الجزائريـة و القاصة " جميلة زنير " مارست الكتابة في مطلع السبعينات لها أوشام برية ـ قصص ـ بالإضافة إلى ممارستها التعليم كمهنة .
ــــ نشرت بمجلة "أنوثة"

ـ المادة مأخوذة من كتاب " قراءات سيكولوجية في روايات وقصص عربية " الطبعة الثانية للكاتبــة بنور عائشـة .
[/right][/center][/right][/center][/right][/center][/right]