الولد الوحيد

... ثم إنهما خفضا له جناح الذل من الرحمة في وقت كانا ينتظران منه أن يبادر إلى ذلك، وقد أدركا من العمر مدركا، وبلغ منهما التقدم في السن مبلغا، لكنه أمات قلبه فقسا عليهما، ولم يوليهما من نفسه أدنى عناية، فظلا على الرغم مما لقياه من وحيدهما من جفاء وصدود وأذى، وما فاضت له ألما وأسى تلك الأعين الساهرة على راحته، وعلى الرغم مما تفطر له الفؤادان النابضان بحبه والزاخران بالحنو عليه من أثر العقوق والجحود، يجتهدان في إطفاء نيران ظلمه لهما وقسوته عليهما بماء صفحهما وعفوهما، وبددا ظلمة طيشه وعتمة أفعاله بنور حكمتهما ورويتهما ...
لم يفارقانه بروحهما لحظة واحدة منذ أن حل بينهما في المهد صبيا، ولم يبخلا عليه يوما بالدعاء الصالح له بالهداية والصلاح، وكم دأبا على إسداء النصح الجميل له تصريحا وتلميحا، فكان لهما في الصبر عليه شفاء، وفي رؤيته على مقربة منهما عزاء وترويحا ...
وكلما انفردا بالحديث بينهما في حال غيابه، أخذ كل منهما يفصح لزوجه عن مدى حبه لولده الوحيد وإشفاقه عليه، وما إن يبلغ به بوحه حد الختم، وقد اغرورقت عيناه بالدمع، حتى يقول: عسى أن يكون من المهتدين، فتقر به أعيننا ...

د. أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com