بكل ما تحمل من معانات وهموم قاسية سقطت الورقة الأخيرة من تقويم حفنة السنين التي قضاها في ركنه الهادئ خلف القضبان الذي مهد له العثور على بداية حلمه المنشود، وقبل أن يرى أضواء المدينة وأجوائها الساطعة خالجته فكرة البقاء 0 وبكل جرأة تقدم بطلبه إلى مدير السجن يسترحمه في تأجيل أطلاق سراحه إلى فترة أخرى 0
مئات من علامات الاستفهام والتعجب والاستغراب تدور في مخيلة المدير 00 التوسل إلى درجة الاستجداء !! ظاهرة غريبة ! لم يسمع بها من قبل ! 0
تمديد محكوميته بعض من سنين أخرى ، لا تضرهم بشيء ، وهي كذلك ضرورية له 00 لقد تطبع على الوحدة التي عاشها هناك ، وهي السبب في إلهامه للوصول إلى أشراقة مدن النور – حسب اعتقاده – 0
صحيحا ما يقال – رب ضارة نافعة – أو ربما تكرهون شيئا وهو خير لكم ـ0
المديات الواسعة والطرق المفتوحة التي راح يحلق فوقها وهو في مكانه الضيق قد أتاحت له الوصول إلى كشف الرموز التي تحتدم في رأسه لولوج الشفق المضيء نحو أشعة الشمس البيضاء وتحطيم آخر البوابات الموصدة 00 و ما هي إلا قفزة صغيرة تمكنه من إمساك قرص الشمس واحتواء ضوئها0
أجاب المحقق :
- أن ما تدينني به في سرقة المعرفة ليس أمراً شائنا ، فكل الذين سبقوني أخذوا ، وإلا لما وصلت المعرفة إلى يومنا هذا ، لقد كان هواة الخط يتحايلون على أخذ رسائل ( الآمدي ) التي كان يبعث بها إلى محبوبته من صناديق البريد لدراستها والتمتع بجمالها0
- ولكن شهود الإثبات شاهدوك 000
- أنهم كاذبون00 لقد لفقوا التهمة لي 0
كان مثار الاستغراب من قبل المحقق :
ـ لا بد وان يكون هناك شيء ما خطأ فيه ، بداية جنون ؟ أو انحراف عقائدي ؟ أو ما شابه ذلك ؟ فأن أفكاره الغريبة التي يحملها غير طبيعية !
أثار فيه الشك والريبة مما دعاه إلى عرضه على الجنة الطبية للكشف عن مدى قدراته العقلية 000
وكانت الدهشة اكبر حينما استلم الرد يؤكد سلامته 0
رفض المدير طلبه قائلا :
- خذ كيسك المملوء بالأوراق وأرحل 0
- لا تغضب ، أنهم سوف يلفقون لي تهمة أخرى 0وأعود