( ..مؤلف أول رواية تتناول تاريخ بدو سيناء .. )



الاديب المصري مسعد أبو فجر: لا أومن بالتصانيف التقليدية في الكتابة, فانا كتبت ما اعرف وما أحس






أنا ابن صحراء تعرضت لأكبر عملية انتهاك في التاريخ لوقوعها في براثن صراع العرب مع إسرائيل

كتابتي هي امتداد لرسومات أجدادي السينائيين التي رسموها منذ أكثر من ثلاثة ألاف عام




الروائي مسعد أبو فجر .

عاش البدو دائما يمتلكون ثقافتهم الشفهية المتوارثة ولكن أن تصدر رواية هي الأولى من نوعها تناقش واقع بدو سيناء فقد يكون لذلك وقع الصدمة - المفاجأة خاصة في بادية مثل بادية سيناء تعيش على إرث واسع وكبير من العادات والتقاليد والمحاذير ولكنه فعلها هذا الكاتب الشاب المغامر" مسعد ابو فجر " الذي لم يعبأ سوى بصوت الكاتب في داخله فأطلق العنان لقلمه الذي أستطاع ان ينسج من التفاصيل الصحراوية المعقدة لوحة فسيفسائية فكانت روايته الأولى " طلعة البدن "- الصادرة عن دار ميريت 2007 - معتمدا على ذاكرته الفوتوغرافية التي تحتفظ بالعديد من الصور - المشاهد التي يسترجعها بطريقة الفلاش باك ويصوغها بلهجته البدوية المحكية بكل بساطة ودون تعقيد متجاهلا البنية الروائية المتبعة عادة في الكتابة الروائية ليصبغ روايته برؤيته هو مرتكزا على مخزونه الواسع من تاريخ حافل بالأوجاع القومية والتاريخية والجغرافية لبدو سيناء الذين يعيشون بين كيانين معاديين لهم.

"العرب اليوم" التقت الروائي " مسعد أبو فجر " ومعه كان هذا الحوار:

* بدأت بالقصة ثم عرجت على الرواية فهل أنت مؤمن بالقول بان القصة تساقطت من معطف الرواية?

- لا أومن بالتصانيف التقليدية في الكتابة, هذه قصة وتلك رواية, فانا كتبت ما اعرف وما أحس, فان أردت أنت تصنيفه, صنفه فهذا شانك. أنا اكتب وحسب.. في كتابي الأول ظهرت نصوص سردية قصيرة, في كتابي الثاني ظهر نص سردي طويل, اقترح عليّ الناشر أن يسميه "رواية" فوافقت, فقط, لأني لم أكن مشغولا بالتصنيف..

* أنت صاحب أول رواية بدوية تتناول تاريخ منطقة حتى اليوم مجهولة على صفحات الأدب العربي هل تعتبر ذلك تميزا لروايتك?

- لن أتكلم عن هذا الكتاب الذي تسميه أنت رواية, فهذا متروك للآخرين, ولكني على العموم لست مشغولا بالمكان بقدر ما أنا مهموم بإنسان المكان وانعكاسات الظرف التاريخي والحضاري الذي مرت به الجغرافيا على المقيمين فيها. وتستطيع أن تقول أن كتابتي هي امتداد لرسومات أجدادي السينائيين, التي كانوا يرسمونها, منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام, على جدران بيوتهم المنحوتة بالأزميل في بطون جبال سيناء.

* طلعة البدن أول عبارة وضعت على الغلاف وهي عنوان الرواية وكان آخر مشهد من مشاهد روايتك أمام هذا الجبل الذي يحمل نفس الاسم فماذا قصدت من خلال ذلك هل تعمدت الربط فيما بين الاثنين العنوان والمكان?

- طلعة البدن هو احد الجبال الثانوية في سيناء, بمعنى انه لم يأخذ إبعادا ميثولوجية مثل جبال أخرى, ولكني أراه جبلا عبقريا, من حيث هامشيته, ومنظره الذي يبدو للناظر من بعيد, مثل جسد أنثوي يطلع من ثوبه. ثم إنني ابن لخطابين, الأول علني وهو ما تحاول المؤسسة الرسمية تسييده, باستخدام ألفاظ مثل أبناء الوادي وأبناء سيناء, ورغم هذا اللفظ الذي يوحي بالأخوة, إلا أن البيروقراطية المصرية تمارس تحته كل أشكال التمييز والإقصاء, ضد ناس ناضلوا وصمدوا على أرضهم أكثر من خمس عشرة سنة, اقترفوا آثاما.. (نعم).. ولكن من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.

وعلى الجانب الآخر, هناك خطاب ثانٍ, يتردد في أقسام الشرطة وفي مفارز امن الدولة والدواوين وبين السائقين في مواقف سيارات الأجرة, وهو خطاب سري يخفي نفسه كالجسد تحت الثوب, فأردت أن اخرج الجسد من ثوبه واطرحه عاريا..

* كتبت روايتك بأسلوبك أنت بعيدا عن البنية الروائية فجاءت مهلهلة إلى حد ما من هذه الناحية, لماذا تغافلت أو تجاهلت ذلك?

- لم أكن مشغولا بالبنية التقليدية في السرد, أنا من خلق بنيتي التي تتلكأ على أساليب السرد في الدواوين وفي حكايات الأمهات لابنائهن قبل النوم, ومن تحدثوا عن الخلخلة في البنية, هم مثل من يتوضأ للصلاة, انه يعد نفسه لاستقبال طقسا تعبدي. ولو دخلوا للكتاب بدون أن يعدوا أنفسهم لقراءة رواية, لاستمتعوا بالنص, ولكنهم أبوا إلا أن يدخلوا على الكتاب وفي رؤوسهم أنهم داخلون على رواية, حبكة وأحداث وشخصيات, وحين لم يجدوا ما دخلوا من اجله وصفوا النص بالمهلهل.. لقد أعجبني وصف لقارئة عادية من عرب .48 قالت تلك القارئة انه كتاب يشبه ما تبقى من عرب في فلسطين.. فرغم الشتات الظاهر على السطح إلا أن هناك هما وجدانيا يربط بينهم جميعا, حتى من كان منهم جنرالا في الجيش الإسرائيلي..

* اللغة في طلعة البدن لغة محكية بلسان بدوي تحمل العديد من التفاصيل والكلمات البدوية التي قد تقف حاجزا أمام قارئها فهل وضعت ذلك في الحسبان? أم جاء ذلك تعمدا منك?

- شخصيات الكتاب (عودة وربيع وبراك والآخرون) يتكلمون بلغتهم (بطريقتهم) ولم يكن من الممكن أن اجعلهم يتكلمون بلغة أخرى, وإلا لصرت كأني اكتب بعض المصطلحات الانكليزية على لسان شخصية تعمل بائعة بطاطا.. وعموما لو كتبت بلهجة مصرية مثلا, لما وجد القارئ أي صعوبة في فهمها.. لماذا? لان القارئ يعرف اللهجة المصرية.. وحينما كتبت بلهجة بدو سيناء لم يعرفها القارئ.. فالعيب عموما ليس في اللهجة, بل في درجة انتشارها, وعموما فالكثير من الكتاب العالميين, يستخدمون كلمات يبذل القارئ, الذي يتكلم لغة الكاتب, مجهودا لكي يفهمها, ومن هؤلاء الكتاب نيكوس كازانتزاكيس مثلا, فهو يستخدم مصطلحات مغرقة في محليتها وهامشيتها, وهذا الاستخدام قد يكون مفيدا, لأنه بوجه من وجوهه يضع هذه اللغة على المحك, فإما أن تعيش وإما أن تموت.

* تناقش الرواية العديد من المواضيع الإشكالية الخطيرة ومنها مسألة المواطنة والقومية والانتماء وأنت بذلك تضرب معولك بشدة في حقول ألغام متعددة قد تكون نتائجها دامية بالنسبة لك على المستوى الشخصي والإبداعي فماذا عن ذلك?

أنا اكتب ما اعرف, وما اعرفه أن العسكرتاريا العربية أساءت عميقا, لأشياء كثيرة في حياتنا, ومنها المصطلحات والكلمات العربية, فلم تعد كلمات مثل نضال ووطنية وقومية تثير في نفس سامعها غير السخرية, نتيجة استخدام أبواق البيروقراطيات العربية لهذه الكلمات في غير موضعها.

والبيروقراطيات العربية, تُصدر عبر وسائل إعلامها, مفاهيم بدائية للانتماء والمواطنة, الانتماء في عصرنا لم يعد انتماء عرقيا, فالانتماء العرقي قد يجوز في قبيلة, ولكنه أبدا لن يجوز لدولة, فانا انتمي لمجتمع يوفر لي الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية, ويوفر لابنتي تعليما جيدا وغذاء صحيا, وكل هذا عجزت عن فهمه البيروقراطيات العربية, لذا وجدت نفسها خارج التاريخ.

* تتحدث كثيرا عن الحدود في روايتك فهل تمثل الحدود بصفة عامة هاجسا مقلقا بالنسبة لك?.

- تعرف إنني بدوي, قبل أي شيء آخر, والحدود هي مقتلة البدوي, هذا على الجانب الوجداني, أما على الجانب السياسي, فسيناء كانت تجد في الشرق (فلسطين) رئتها التي تتنفس بها, أما الآن وقد فصلت هذه الرئة عن الجسد السينائي, بفعل صناعي هو الحدود التي تطوقها الجنازير المغناطيسية والأسلاك الشائكة, فان سيناء صارت كمن يصّاعد إلى السماء. لمّا كنا نعتصم على الحدود, في ابريل الماضي, فتح الأولاد فتحة في الشبكة, التي تفصل سيناء عن فلسطين, كان الصغار يلجون منها مثل القطط, يلمسون تراب فلسطين ثم يعودون.

* أنت تنتمي بطبيعتك لبيئة بدوية تحكمها عادات وتقاليد يرى بعض ممن قرأوا روايتك منهم انك تمردت على عاداتهم وتقاليدهم بجرأة لم تخلو من تحطيم لتابو الجنس المباشر والفج, كونك تسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية دون اللعب على محور اللغة المبطنة للوصول إلى مبتغاك فاستسهلت اللغة المباشرة التي يراها البعض - كما طالعت بالعديد من مواقع الانترنت - لغة صادمة?

ليس من طبع الفنان أن يتوقف عند حدود الأدب, نعم قد يكون الكاتب كائنا أخلاقيا, ولكن ليس بالمعنى العادي لكلمة أخلاق, إنما بالمعنى الفلسفي للكلمة. أما ما تسميه كلمات فجة في سؤالك, فانا لا اعتبره كذلك, فالحكايات الشعبية التي تروى في الدواوين والأشعار الشعبية فيها كلمات واضحة وضوح ما كتبت, اعتقد انك تقصد السائد من الأخلاق, أن كنت فهمت سؤالك على الوجه الصحيح, فالأعراف والقوانين السائدة تعتبر التهريب مثلا من المهن المعيبة, بينما أنا سمعت فلكلورا من الجليل الأعلى تمدح فيه إحدى البنات خالها:

يا شايلين مهرب خالي قايدكوا

أبو فرد وباروده..

وفي الأخير تقول لخالها:

يا خالي قرب العيد بدي منك عيديه..

فهذه البنت لم تعترف بالأخلاق والقوانين السائدة, بل غاصت عميقا لتمتدح فعلا حقيقيا يمارسه الكثير من سكان الحدود, رغم أن السائد يُجرم مرتكبيه ويعتبرهم من الخارجين على القانون, فالأعراف والقوانين في الأخير تضعها الطبقة المسيطرة, كما تقول قوانين الجدل الماركسي..

نقلا عن موقع العرب اليوم .




وإليكم فصل من الرواية :


لسان توماس، مثل الجرس على مؤخرة البغلة، لا يكف عن الحركة. وبالرغم من كلامه الذي لا يتوقف، وهذه صفة من لا يكتمون سرا، فقد كنت أحس أن ثمة سرًا لفه توماس بعناية، قبل أن يدسه في رأسه. يخرج أحيانا، يغيب أياما قبل أن يعود، ماذا يفعل حين يغيب.. وأين يغيب..؟ لا شك أنه يخبر عساف، ولكن بماذا يخبره؟ ثم ما موقع توماس من رفاقه، الذين لا يتركون فرصة إلا ويرسمون النجمة الخماسية، على حجر أو في مصب وادي.

ولكي أعرف، ماذا يفعل توماس ورفاقه، استخدمت تكتيكا مصريا، عرفته حين قرأت، واحدة من قصائد عبد الرحمن الأبنودي، التي وجدتها في جريدة مطبقه، وملقاة في غرفتي في المدينة الجامعية:

...

قعدت معاه

وشربت معاه الشاي

قول اديته سجارة

وجرجرته في القول

....

هيرد يقول ايه

ما انا بديلوه القول مقفول..

...

فشل هذا التكتيك، رغم أنني نفذت، خطوة خطوة، ما كتب الأبنودي، فاضطررت لاستخدام تكتيك آخر. كان توماس واقفا، يطبخ العدس ويوزع النكات، بينما عودة يُقطع العجين، لعساف الجالس جوار الصاج يخبز، وقفتُ جواره، وقلت إني أعرف خبر لو ساعدتني في تسويقه، لكسبنا الآف الدولارات. نظر إليّ توماس، سأل: وما هو الخبر؟

قلت: لقد كان جدي، هو دليل د. فاوست، وأخذ مبلغا من المال، كان هائلا بمقاييس تلك الأيام، نظير أن يكون دليله في العام الذي يليه. ولأن فاوست لم يأت، وجدي، كما لابد أنك تعرف، نبيل من نبلاء الصحراء، فقد أورث أبي، الموضوع في صورة، وصية، مما جعل أبي يوصيني قبل أن يموت: خذنا مال من رجل اسمه التكتور فاوست، والمال (أمانة) يا وليدي يا ربيع، كلناه في بطونا، قبل ما نشتغل الشغل اللي خذنا المال قباله، إن جاك اللي يسعلك وين دق الرجل الثابوت، أثراه مدقوق ف المطرح الفلاني.. إلى هنا ورأيت العصافير تتقافز من عيني توماس، وهو يسأل: هل تعرف المكان بالضبط.؟ أي اعرفنه. رديت.

توماس ورفاقه يقولون، أن لقاء د. فاوست الأول مع الشيطان، تم في مكان ما من سيناء عام 1927. اتفق د. فاوست مع الشيطان، أن يلتقيا في العام التالي، إلا أن فاوست مات قبل الميعاد بأيام. ولكنه، وقبل أن يموت، لم ينس أن يوصي رفاقه، أن يذهبوا ليقابلوا الشيطان، في نفس المكان.

لم يقدر رفاقه، على تحديد مكان اللقاء بالضبط، فتبرع توماس بالبحث عنه. لذا وما أن وصلنا المكان، الذي اخترته، حتى شرع توماس، في رسم النجمة الخماسية، ثم قاس 216 مترا من الجبل، وأجرى بعض العمليات الحسابية، ليتأكد أن الشمس تتقاطع عمودية على النجمة، ثم دهن ستة أوتاد باللون الأصفر. زرع واحدا منها في قلب النجمة، والخمس المتبقيات، على روؤس أضلاعها، ثم عدنا إلى الكامب.

غبنا أسبوعا كاملا، كان توماس أثناءه يجلس ع الماسينجر بالساعات، قبل أن نعود، توماس ورفاقه وأنا دليلهم، إلى مكان الأوتاد. صعدت أراقبهم من فوق الجبل بالمنظار الليلي، وهو الوحيد من عدتي الذي ينتمي لعدة الصحراء. لم استطع أن أركب مارادونا، ولم أهتم بأن يكون عندي كلاشينكوف. فقد عرفت وظائفي التي لن أقدر على أداء غيرها: دليل سياح أو بائع متجول أو مدرس للتاريخ الذي تعده الحكومة ليدرسه الأولاد.

بدأوا صلاتهم، بإيقاد النيران في منتصف النجمة، ثم أشعل توماس عددا هائلا من الشموع، في اللحظة التي بدأ الكل في نزع ما يلبسه فوق السرة. أخذ توماس في ترتيل تمائم يستحضر بها الشيطان، بينما دخان الطرينة يصّاعد، حان ميعاد الرقص. كانت الطرينة قد لعبت بالروؤس، فشبك الرفاق أيديهم، وصاروا يلفون حول النجمة الخماسية، وهم يرقصون، إلى أن تمكن الإعياء منهم؛ فتساقطوا واحدا وراء الآخر.

ألحت عليّ صورة أبي كما لم تلح من قبل، كانت لحيته ترتجف، والعروق الزرقاء نافرة في يديه وهو يشوح: ما بتعرف رب ولا لك دين ولا ملة، ربك هن الدراهم ما غيرهن.. ما تغِير لا علي عرض ولا علي أرض.. ثم يوجه الكلام لأمي التي انقضت تدافع عني: أثراه وده يسوي الغنايم.. كود منشانه لقى ع الجامعة، لا وحياة هاللحية.. غير المصرية اللي وده يجيني كتفها ع كتفه .. ولا شي.. هم هم هم هم .. يا ريتني بولته ف شجرة.

وبدلا من أن أعود كتفي ع كتف مصرية، وفق تعبير أبي، عدتُ بإجازة في التاريخ.. ظل أبي يسأل: ليش ما تشغلك الحكومة، يا ولد يا ربيع، والا ورقتك اللي جيت بهي نصابة؟.. ما هي نصابة، بس ما فيه وظايف ف مصر. مصر بطولها وعرظها ما فيها وظيفة لك. قال ساخرا ثم طبق شهادتي ووضعها في جيبه. يوم السوق كان واقفا أمام كشك، الرجل الذي يكتب العرائض، قدام قسم الشرطة، دلى يده بها من شباك الكشك: انت يا استاذ اقرا لي بالله هالورقة. نظر فيها كاتب العرائض وقال: هذي شهادة من جامعة القاهرة. واش بتقول هالشهادة؟. حاملها حاصل ع الليسانس في التاريخ. يعني الحكومة تشغل اللي هي معه والا ما تشغله؟. تشغله. سعيدا عاد أبي، ولكن ظل السؤال يقرع رأسه: ليش ما تشغله الحكومة؟.

شهور قضيتها ف النوم للضحى العالي، مما جعل أبي يبدو مثل جمل هائج، مفزوعا أصحو وهو يرفع اللحاف عني، ثم يدلق أبريق الماء على رأسي: لا تنام بعد طلعة الشمس أبد. في هذه الشهور صرت أمارس العادة السرية مرتين، وربما أكثر في اليوم الواحد، وصارت أمي متألمة جدا لبطالتي، وصراعي المتوالي مع أبي. قال خالي: لا تتعشمي في وظيفة. الحكومة بطلت توظف. وأيش يسوي ربيع يعني، يرعى البل؟ سألت ساخرة. بيعي غنمكي والذهب اللي ع برقعكي واشتري لولدكي سيارة. نفذت أمي نصيحة خالي؛ فاشترينا سيارة نصف نقل، من طراز تويوتا(حدثتك عنها)، صرتُ أملأ صندوقها بضاعة، وأذهب إلى حيث الناس الذين اختاروا سفوح الوديان مسكنا. كان صباحا صيفيا ذلك الذي وصلت فيه وادي غرندل، بدأت الشمس تصّاعد؛ فاشتدت حرارة الضحى، أوقفت سيارتي عند جذع سدرة قديمة، بظهر يدي مسحتُ العرق الناز على جبهتي، ثم جلست على حافة صندوقها انتظر مشتريا.

حين جاءت تخبىء وجهها خلف لثامها، اعتقدتها في البدء آتية لتستظل بالسدرة، فكرت: وجودي سيضايقها، ظنا منها أنني فلاح، وبذا لابد تنوي طردي، ابتسمت في سري. ولكني سرعان ما تراجعت. فانزاحت الابتسامة عن شفتيّ اليابستين. لحست شفتيّ بلساني. فكرتُ: لو ظنت بأني فلاح لما دست وجهها خلف لثامها.. فهي حتما لابد مشترية. علي الاستعداد إذاً..

اقتربتْ البنت من السيارة، التي كنتُ قد غطيت كبوتها بقطعة من خيمة مهترئة، كي أقي مقدمتها حرارة الشمس، التي عجزت أغصان السدرة عن صدها. اتجهتْ نحو الصندوق، الذي لا زلت جالسا على حافته، أرقبها بطرف عيني ..ألقتْ عليّ السلام.. فرددته وأنا أرحب بها مثل أي بائع لعين، وذي نوايا .....

قلبتْ البضاعة، بينما كنتُ أرقبها في محاولات حثيثة كي استشف مبغاها من بضاعتي، توقفتْ طويلا عند المناديل، وصارتْ تقلبها وهي تسألني عن سعر كل واحد، ثم أمسكتْ بواحد منها تُقلبه، بعدها رفعتْ ذراعها به وهي تقول: وهذا بكم..؟

ما أن أخبرتها بثمنه حتى انقلبتْ، إلى حيث هبطت وهى تقول: في المرة الجاية ودي أشتريه منك.. أدركتُ أنها تريد المنديل ولكنها لا تملك ثمنه.. كدتُ أنادي عليها لتأخذه ولتأتيني بثمنه في المرة القادمة.. ولكني خفتُ أن يساء مقصدي..

بعدها غبتُ طويلا، عن ذلك الوادي، حتى نسيتُ تماما المنديل، ونسيتُ التي سألتني عنه. وحينما فكرتُ في العودة إليه، لم يكن قد جال في ذاكرتي، موضوع البنت ولا موضوع المنديل بعد. ولم أتذكره إلا حين رأيتها هابطة من نفس المنحدر ملفوفة في سوادها.

حدث ذلك بعد أكثر من عام، حين عدتُ بالصدفة لنفس الوادي. وما أن لمحتها حتى لمع المنديل في ذاكرتي. أعدتُ بسرعة ترتيب ما معي من مناديل، وأنا أبحثُ عن ذلك المنديل، الذي وضعتْ يدها عليه في السنة الفائتة، وحين وجدته نحيته جانبا، وما أن وصلتني، وقبل أن أشير لها على المنديل، حتى فاجأتني قائلة: عرفتُ انك ودك تجي اليوم.. قلت لها: أيش عرفكي؟.. قالت: أنت ما تدري أن أم غرير مابتجي تتناقز غير وراها ضيف.

***

كنتُ جالسا حذاء الشاطىء، حين جاءني عودة هابطا من أعلى الجبل. ماذا تفعل؟.. أعد موجات البحر.. قلت، وانطلقت في جردة حساب، فأحسست باليتم، غاليت فلتت مني، وارتمت في حضن عودة، نصبتي على توماس، خرجت منها بعلبة سكاير لا غير، لم أنجح في العمل كبائع متجول، وساعي البريد لا يريد أن يأتي بجواب التعيين، حتى مسلم الهيب لم ينج من حماقاتي.. ولهذا قصة:

خالي الذي له وجه ذئب، حين تنظر إليه من ظهره، وهو ماش، تحس بأنه يضع قدمه ع الارض مثل غزال. لما بنى اليهود مستوطنة (سادوت)، في أرضنا التي رحلونا منها، كان عمره ثلاثة عشر عاما. عمل عند واحد من المستوطنين، كان المستوطن يهوديا عراقيا.

ترقى خالي في عمله. وحين صار كابلان (رئيس عمال) أعطاه مستخدمه العراقي التراكتور، يأتي صباحا بالعمال من المخيم، على مقطورته، ويردهم لبيوتهم في المساء؛ فاشترى خالي قطيعا من الغنم. وسار يأخذ أمه كل صباح. وحين يصل المَشغل، يتجه العمال إلى عملهم وهو يقف وراءهم، بينما تذهب أمه إلى الأشجار تحش ما تحتها. وحين تأتي الساعة الثالثة عصرا، تكون قد ملأت خمسة أكياس من العشب.

يُحمل أكياس العشب على المقطورة، ويُجلس أمه وباقي العمال فوقها. ثم يعبر الخلاء المحيط بالمستوطنة، متجها إلى بوابة الأسلاك الشائكة التي تطوقه. وعند البوابة ينزل العمال، ويواصل هو طريقة بأمه وأكياس الحشيش، إلى المخيم (كانت بيوت المخيم كلها أكشاك من الزينكو) يكون المساء قد حل. يضع العشب أمام الغنم، وتقوم أمه بعمل العشاء، أما هو فيكون قد (نمّر)، على مزرعة واحد من جيران مستخدمه، عمالها قطفوا البندورة ورصوها في كراتين، انتظارا لأخذها للسوق في صباح اليوم التالي.

يسطو عليها ويحملها ع التراكتور، تكون (فايقة) في انتظاره، ينزل الحمولة أمام دكانها، ويضع ثمنها في جيبه ويعود، يأكل اللقمة التي أعدتها أمه، ويعد فراشه وينام.

في هذه الأثناء، كان يتقدم لاختبار السواقة (كان يسوق التراكتور بدون رخصة)، دخل سبعة اختبارات ونجح في الدست الثامن (كان خالي والبدو كلهم يسمون الامتحان دست، والممتحِن دستر)، حين تجاوز الدستر عن (دست الكبريتة). يعطي الدستر مقود سيارة النقل، المحملة بالحجارة، للمتقدم. وحين يكون في مطلع الطريق، يطلب منه التوقف، ثم يضع علبة الثقاب خلف أحدى عجلات السيارة الورانية، ويأمر الممتحِن بالمُضي. وفي السبع دستات، التي دخلها خالي، كان يُحول علبة الثقاب إلى قطعة من الإسفلت.

ولما حصل على الرخصة، باع الغنم واشترى سيارة تندر(بيك اب) من طراز بيجو. في الرابعة صباحا يكون في العريش، يملأ صندوقها بنات ويذهب بهن إلى المستوطنة، ينزلهن ثلاث أو أربع، وأحيانا خمس، عند كل مزرعة، ويبقي على واحدة، يأخذها إلى أطلال دار شيخ القبيلة، في الخلاء المحيط بالمستوطنة(شيخ القبيلة كانت داره هي الوحيدة من الأسمنت بينما كل بيوتنا من الخيام). يقضي وإياها اليوم، وحين تشارف الساعة على الثالثة، يذهب للمستوطنة، يلم البنات ويعيدهن إلى بيوتهن.

ورغم أن خالي ترك العمل كابلانا واكتفى بالبنات، إلا انه لم يترك عادته في السطو على بندورة اليهود، فقط بدلا من تحميلها ع التراكتور صار يحملها في صندوق سيارته.

حين رحل اليهود من سيناء، جاء الحزب الوطني، فالتحق خالي على الفور به، وارتقى حتى صار أمينه في واحد من أهم مراكز سيناء (شمال سيناء، إذ قُسمت سيناء إلى أربعة أقسام، ألحقت ثلاثة منها بثلاث محافظات، بينما قُسم الرابع إلى محافظتين). وحين انفرجت العلاقة بين الرئيس والعقيد، تبادل الحزب الوطني الزيارات مع اللجان الثورية، وكان خالي عضوا في أحد الوفود التي ذهبت هناك.

لما عاد خالي طلبني: اقرأ يا ولد يا ربيع.. وناولني أجندة، كان بها مئات من الكروت لشخصيات بارزة في اللجان الثورية.. سرقت منها ثلاث خمنت أنها أهم كروت في الأجندة. وحين أخبرني عساف، بأن مسلم الهيب، وجد القصيدة، التي يبحث عنها، وقام بتلحينها، وسيذهب لليبيا قريبا ليغنيها للعقيد القذافي، ورغم أنني كنت متأكدا من عدم جدوى الكروت التي بحوزتي، إلا أنني أعطيت مسلم كارتا منها.

***

استيقظ توماس، جال المكان بعينيه، تناول كيس البلاستيك، وجد الطرينة أوشكت على النفاد. قال عساف: دخنها، سآتي بغيرها.. خذني معك. قال توماس وانتفض واقفا تاركا الكيس. مشيا حذاء الشاطىء، تناولت غاليت الكيس. حطت الطرينة على ورقة وأخذت تنقيها من البذرات العالقة بها.. لفيه في ورقة أوتومان.. قال عودة.. اخلطي الطرينة مع السيكارة.. أردف وهو يلقي إليها بعلبة السكاير.

كانت غاليت تجلس شبه عارية. النصف الفوقاني، من جسدها، تغطيه بقميص، يتدلى إلى ما تحت سليبها. وتشده على كتفيها بحبلين صغيرين. تناولت دفتر الأوتومان وسلتت ورقة. سحبت سيكارة من العلبة، ومسحتها بلسانها ثم قدتها بظفرها. أمسكت ورقة الأوتومان بين أصابعها، وبعثرت الطرينة. قالت: تكفي للف سيكارة وتزيد. رد عودة: قد يتأخرا (توماس وعساف) فاقسمي الطرينة على سيكارتين.

سحبت التبغ من السيكارة، وخلطته على الطرينة، وفرجت ساقيها وشرعت تلف، مستعينة بحجرها في التقاط الفتافيت، أحكمت لف ورقة الأوتومان المحشوة، لحست طرفها ولصقتها ثم دلتها في فمها. لملمت الفتافيت من حجرها وأعادتها للكيس، فقام عودة وأشعل لها. تمددت على ظهرها وهي تنفث الدخان، خرج الدخان من فمها غزيرا.

أريد أن أتعرى. قالت. تعري. رد مظهرا عدم الاهتمام. كان مستعدا أن يقدم أي شيء يقدر عليه مقابل أن يراها عارية. انتصبت واقفة، سلتت سليبها وألقته عند رجليها، ثم وبهدوء وضعت يديها تحت قميصها، أمسكته من أسفل ورفعته. كان عودة يراقبها. تحسست نهديها تحت القميص، سلتت الكتافتين من ذراعيها، فسقط القميص فوق السليب. وقفت عارية، مسدت بطنها وظهرها ومؤخرتها وفخذيها، تناولت السليب والقميص ووضعتهما على المخدة. كان عودة ينظر إليها وهي مستلقية على ظهرها، واضعة ساقا على ساق تنفث الدخان.

***

حين تقربت منه زُهرة (كان ذلك في الفترة القصيرة قبل أن يقرر ترك الجامعة نهائيا) تسمر لسانه، ورغم المجهود الذي بذله، لم يستطع مداراة الرجفة التي ألمت به. ظن أنها العلاقة الأكثر قربا له مع امرأة.

كان أقصى ما رآه من امرأة، حتى إن كانت أمه أو واحدة من أخواته، وجهها لا أكثر، أما الأخريات، فلن يرى منهن سوى عيون، ولن ينظر فيها طويلا، وسيبدأ الكلام بعد أن يشيح كل منهما بوجهه.

في ذلك اليوم ترك زُهرة وعاد إلى حجرته، تمدد على ظهره في السرير، يشحذ نفسه، ويستجلب عبارات عساف المشجعة (ذلك حينما أخذ نصيبه من ثمن الصقر وذهبا إلى المدينة واشتريا اللباس الجديد....

***

من فضلك لا تستعجل.. سأعود سريعا للقوس الذي تركته مفتوحا، ولكن بعد أن أحكي قليلا عن عساف: بعد 40 يوما، وحين شُفيت البنت المجنونة، خيرها الفقير أن تبقى معه أو تذهب لأهلها. اختارت البقاء عنده، لكنها اشترطت أن يكون وجودها ذا صفة..

- خلكي.. إن كان هواك أختيه..

- إن قلت أختك.. ما آني أختك ..

- خلكي إن كان هواك بنتيه ..

- إن قلت بنتك.. ما آني بنتك ..

- خلكي.. إن كان هواك أميه ..

- إن قلت أمك.. ما آني أمك ..

- خلكي.. إن كان هواك مرتيه ..

تزوجها.. وفي سنة المَحَلِة، تلك سنة لم ترشق السماء فيها قطرة مطر واحدة فوق الأرض، ولدتْ عساف. وبحسبة سريعة أستطيع أن أخمن أنها سنة61. لكن أبوه المثقل بالأولاد والنساء، أعطى أمه غنما وسرحها. في يونيو 1967 احتل اليهود سيناء. وطالبوا الناس بأن يسجلوا أنفسهم وأبناءهم، حتى يعطوهم تموينا. فذهبت أمه لشيخ القبيلة وسجلت نفسها. بعد أيام ناولها الشيخ هوية وثلاث شهادات ميلاد، الشهادة الأولى لعساف والأخريين بأسميّ بنتين وهميتين. حتى تاخذي تومين كثير. قال وهو ينوي الاستيلاء على أكثر من نصف التموين.. ولكي يضبط الحسبة بين عساف والبنتين اعتبره مولودا في سنة 62 بينما البنتين في 64 و66.

كان عساف على الجمل مصدرًا من البئر، رأى الطلاب يلعبون الكرة قُدام المدرسة (في تلك السنين لم تكن المدارس تُطوّق بالحيشان) لف الرسن على رقبة الجمل وتركه يعود إلى البيت. انحدر للأولاد يلعب معهم، ولأن أول الرقص حنجلة، سرعان ما سنجده جالسا في الفصل يتلقى العلم، ونظرا لعامل السن وعوامل أخرى، تَفوق عساف على زملائه، في الرياضات البدنية وفي التحصيل. ترك المدرسة، وعمل في مزرعة لإنتاج البيض، غادرها سريعا، واشتغل في كافتيريا، قدام معسكر للمدرعات. تركها، رغم أنه لا يزال، حتى هذه اللحظة، يعتبرها من أجمل أيام حياته، وعمل في غسيل الأطباق، في واحد من أوتيلات بيتاح تيكفا. كل هذا وسنة 82 تزحف مقبلة (اتفق الإسرائيليون مع المصريين على نيسان82 موعدا لرحيلهم عن سيناء) والكل يواصل الليل بالنهار، لكي يوفر أكبر مبلغ من المال، يستقبل ما ستأتي به. كان مستخدمه في ذلك الأوتيل يقول: مصر ما فيها شغل، خليك هون. سنعود إلى أرضنا، التي رحلتونا عنها. يرد عساف، الذي يرى في الرجل كهينا، يبغي دق إسفينا بينه وبين وطنه. عاد عساف، إلى الأرض التي رحله عنها اليهود، وصار يشعل النار أمام خيمته، التي نصبها وسطها، لا ليستقبل الضيوف، كما كان جده يفعل، وإنما ليفكر في شيئين: الرشوة التي سيدفعها للصول المكلف بحراسة معبد ياميت والطريقة التي سيسطو بها على مواسير المعبد وبلاطه.

وقبل أن يأتي عساف، تماما، على المعبد، جاء مصلح من إسرائيل يريد الصيد. لمّا اصطادوا الصقر تقاسموا ثمنه. عودة ذهب إلى الجامعة، ومصلح عاد إلى إسرائيل، أما عساف فأشترى خزانا سعة 8 م مكعب، وضعه على مكان عالي، ثم مد منه خرطوما 2 أنش طوله 3 كم، وفي آخره زرع زرعته. دونمين فججهما وكأنه يزرع بندورة، وضع في الأفجاج زبل الدجاج، ثم غطاه بطبقة رفيعة من التراب، مد فوقها شبكة خراطيم التنقيط، وتحت الخراطيم وضع بذور الطرينة. اتفق مع سائق سيارة نقل، مزودة بفنطاس مياه، أن يملأ الخزان كل يومين، والحساب في آخر الموسم. بعد شهر صار طولها حوالي 30 سم. مرت الطائرة، التقطت صورة للمزرعة وأرسلتها إلى مكتب مكافحة المخدرات بالسويس. جاءوا. دلقوا فوقها البنزين ثم أشعلوا فيها النار. أما عساف، الذي صار مفلسا تماما، فقد فلت بأعجوبة. ذهب إلى نويبع، عمل طاهيا لفترة، قبل أن يُقيم الكامب على شاطىء رأس الشيطان، ولكنه أبدًا لن يكف عن الدوران حول الطرينة.

***

الآن سأعود للقوس الذي تركته مفتوحا.. ذهب عودة للجامعة، كان عساف يردد عند أذنه: لزوم البنات، وحين لبس اللباس الجديد، تقافز عساف بجواره فرحا مثل ظبي، وهو يردد: أنت شيك، زي ممثل هندي.)

في البدء رآها، كانت زُهرة تشارك في مظاهرات الجامعة، تعلق الصور التي تساند موقف المظاهرة، وكان سئما، يتجول وحيدا، يحاول التعرف على أجواء الجامعة، أعجبته فكرة المظاهرات، وأعجبته هذه البنت التي لا تعتني بماكياجها، ذكرته بمائلات العصائب، اللواتي تذكرهن أمه دوما عند رؤوس أخواته البنات حين يقمن بفعل لا يعجبها. فتنادي: لا تظحكن علينا مايلات العصايب.

يتخيل مائلات العصائب نساء جادات لا يعجبهن الحال المايل، سمع أحدى الإذاعات الفلسطينية، التي تبث من دمشق، تنادي مايلات العصايب بإكبار، وزُهرة رآها تعلق الصور التي تعضد معارضتها للذي تراه حالا مائلا، ولكن السؤال، الذي بدأ يقرع رأسه، ما الذي دفع زُهرة لتقترب منه؟

هل كانت فقط مجرد داعية لأفكارها..؟ شك في ذلك فرغم أنها ناولته الصور نفسها المعلقة على الحبل، الذي يطوق الأولاد والبنات الهاتفين، ولكن نظرتها إليه وهي تناوله المنشور، تقول لم يكن إعطاؤه المنشور هدفها الوحيد. انسل من السرير وذهب إلى الحمام، وضع رأسه تحت الحنفية، وفرق شعره من مؤخرة رأسه، ومسحه بيديه فغطى وجهه بأكمله، نفضه وانسحب يجوب الشوارع.