الغرائبية و التراث.
شدري معمر علي / قاص وكاتب جزائري
إن جهلنا بالتراث هو الذي يجعلنا ننسب كل شيء إلى الغرب. وهذا في الحقيقة هو وعي التخلف الذي أشار إليه الدكتور محي الدين صبحي حينما قال:'' فوعي التخلف يصدر عن بنية فكرية اجتماعية اقتصادية متخلفة، انه تخلف يعي العالم بطريقته ووفق معطياته. وهو وعي خاص بهذه البنية المتخلفة...''.
من هذا المنطلق نتساءل هل الغرائبية هي من إنتاج الغرب؟ وبالتالي أي مبدع تتسم كتاباته بالغرائبية هو مقلد للغرب.
إن الخيال الأوروبي في مجال الإبداع الأدبي قد شكلته الكتابات العربية في فن القصص:'' وكانت أهم الآثار القصصية العربية التي ذاعت يومئذ بعض قصص الف ليلة ومنها قصة السندباد التي لقيت في الأدب القشتالي نجاحا خاصا، وفي الوقت الذي ذاعت فيه هذه التراجم القصصية ترجم إلى القشتالية من العربية اثر ادبي وأخلاقي عظيم هو كتاب ''كليلة ودمنة'' واشرف على ترجمته الملك ألفونسو العالم الذي شغف بالآداب العربية''.
ومن قصص الف ليلة وليلة ''البساط السحري''؛ فهذا البساط الذي تحول فيما بعد إلى طائرات وسفن فضاء، فلننظر إلى خيال الغرب أنذاك، هذا الخيال الساذج الذي يدعونا إلى الضحك.. زواج النملة من الأسد والمولود المسمى ''النملة الأسد''.
تقول المستشرقة زيغريد هونكه ''ويشهد على ذلك ما يورده كتاب ''فيزيلوغوس'' علم الفيزياء'' الشهير نتاج الاسكندرية أو سوريا في القرن الثاني والمحبوب كثيرا في العصر الوسيط عن طبيعة ''النملة الأسد'' وصورة ذلك أن حيوانا ولد من أسد ونملة. وهو ما اسمي ''بالنملة الأسد''. ولكن ما أن شهد النور حتى لفظ أنفاسه لأنه عاجز عن تدبير غذائه. فهو قد مات جوعا''. فلنقارن بين هذا الخيال الساذج والبساط السحري. وقد تأثر دانتي بحادثة ''الإسراء والمعراج'' في كتاب ''الجحيم''. وفي كتاب ''الكوميديا الإلهية'' وفي ''الحياة الجديدة'' يوجد ما يدل على أنه تأثر بآراء الفيلسوف الأندلسي المتصوف ''محي الدين بن عربي'' ولا ننس أيضا أثرا مهما كان له التأثير الكبير في المخيال الأوروبي وهو قصة ''ابن طفيل'' الفلسفية المسماة ''حي بن يقظان''. وقد كان لهذه القصة تأثير ديني وفلسفي وتربوي عميق في أدب القرن الثامن عشر ''وكان من أشد الآثار الغربية الأدبية التي ظهرت في هذا العصر تأثرا بها قصة دانيل ديفوي الشهيرة ''روبنسون كروزو'' التي ظهرت في سنة 1719 بعد ظهور التراجم اللاتينية والإنجليزية''. وحتى الروائي العالمي ''غارسيا ماركيز'' نفسه يعترف أن الواقعية السحرية استلهمها من ألف ليلة وليلة.
إنني أتألم اليوم عندما أجد الأدباء العرب يركضون في كل اتجاه بحثا عن الشهرة والعالمية، يجربون كل الإيديولوجيات ويتركون وراءهم هذا التراث الضخم، لو استعلموا خيالهم لأبدعوا لنا روايات عالمية يستحقون عليها جائزة نوبل.
أما أن ننتظر الغرب أن يعطينا جوائز عالمية على أدب مستنسخ ـ أدب عربي بفكر غربي إنهم لا يريدون بضاعتهم أن ترد إليهم.
وهذه الحقيقة ينبغي أن ينتبه إليها الكتاب وليضعوا نصب أعينهم ''أدب أمريكا اللاتينية''، بل حتى تجارب أمين معلوف ''الروايات التاريخية''، الناجحة ''الحروب الصليبية كما يراها العرب'' و''صخرة طانيوس'' و''رحلة بلداسار''..
وختاما أقول للمنبهرين بالأدباء الغربيين أن هذه الغرائبية الموجودة في قصصهم القصيرة التي يبدعونها ويروجون لها تحت أسماء كثيرة ومدارس شتى هي بضاعتنا وأفكارنا شيد بها الغرب صرحه الأدبي، وما علينا إلا أن نبحث في التراث لنزيل الغبار عن الصفحات الأكثر إشراقا وجمالا.
المصدر
جريدة الخبر.
