العصي والبرابيش والأطفال
بقلم : علي طه النوباني
المعروف قانونياً بأن الأطفال لا يُعتدُّ بشهادتهم ، والمتعارف عليه لدى الكثيرين من الناس أن الأطفال أكثر صدقا من الكبار لأنهم لم يكتسبوا بعد مهارة الكذب ، بل إن المثل يقول ما معناه أن التعرف إلى أسرار الكبار يكون بالاستماع إلى أحاديث الصغار ( خذوا أسرارهم من كبارهم ).
عاد ابني من المدرسة قبل أيام وهو يشكو من ألم في قدميه فلما سألته عن السبب فهمت أن حصة الرياضة البدنية قد ألغيت لسبب غامض ، وتم توزيع طلاب صفه على الصفوف الأخرى بأمر من مساعد المدير صاحب العصا الأكبر في المدرسة والمتخصص في إخافة الطلاب وإرهابهم ، ولما لم يكن هنالك متسع لهؤلاء الطلاب في الصفوف التي نقلوا إليها فقد كان عليهم أن يختاروا بين الجلوس على البلاط أو أن يقرفصوا لمدة حصة كاملة إلى أن تتخدر أقدامهم .
سألت ابني أين كان معلم الرياضة ،فقال : لقد رأيناه جالسا مع مجموعة من المعلمين في ساحة المدرسة وهم يتبادلون أطراف الحديث .
وما أن أشعرت أبنائي باستعدادي للاستماع لما يقولونه حتى تحلقوا حولي مع بعض أبناء إخواني وأخواتي الذين كانوا في زيارتنا .
قال ابني الثاني الذي يدرس في نفس المدرسة أن معلم الرياضة نفسه يقوم بمعاقبة الطلاب الذين لا يرتدون ملابس الرياضة بالضرب بالبربيش ثم يجبرهم على غسل سيارته في ساحة المدرسة كأسلوب تربوي جديد ومبتكر في العقاب .
لمعت عينا ابن أختي الذي يدرس في مدرسة أخرى قائلا : كانت المعلمة تكتب الحضور والغياب فاقترب منها ثلاثة طلاب لمشاهدة ما تكتبه، فقامت المعلمة بضرب جميع طلاب الصف بعصاها الغليظة كل واحد فلقتين على يده كعقوبة جماعية تطال المذنب وغير المذنب في رسالة تربوية رفيعة المستوى تعبر عن حقيقة التنظير الكثير الذي صم آذاننا وأذهلنا من الفارق الكبير بين حكي السرايا وحكي القرايا...
ابني الأول الذي يشكو من ألم في رجليه جراء الجلوس القرفصاء على بلاط الصف قال : أتدري بأن معلم التربية الوطنية سيعيد لنا الامتحان ... فقلت مستهجنا وأنا أذكر أنني قضيت ساعات عديدة وأنا أدرسه على هذه المادة ليلة الامتحان ... لماذا فقال ابني وهو يبتسم : يقول الأستاذ بأن ذلك الامتحان كان امتحانا لمستوى الطلاب وأن الامتحان الحقيقي سيكون بعد يومين .
ولكن لماذا امتحان المستوى قبل الامتحان فالمعلم يدرس هذا الصف من بداية الفصل الدراسي ويتابع الطلاب، والمفروض انه يعرف مستواهم جيدا من خلال التفاعل الصفي إذا كان هنالك تفاعل صفي أصلا....
قال ابني الثاني أنا أيضا يدي تؤلمني فالعريف الذي عينه الأستاذ لا يحبني ويكتب اسمي على اللوح بين جميع الحصص مع المشاغبين سواء شاغبت أم لم أشاغب فيضربني الأستاذ ثلاثة برابيش مؤلمة وبدون أي سؤال أو مناقشة .
وإنني وأنا أكتب ما سمعته من الأطفال أعرف أن الكثيرين سيقولون بأنني أهتم لصغائر الأمور وأعطيها أكبر من حجمها متناسين بذلك أن هذه الأحداث التي قد تبدو صغيرة هي التي تصنع جانبا مهما من شخصية هؤلاء الأطفال وتشكل موقفهم من أشياء كثيرة وعلى رأسها المدرسة التي هي أداة هذا الوطن في صياغة حاضره ومستقبله وبخاصة إذا كانت تتعامل مع فئة عمرية شديدة الحساسية .
وإنني وهذا الحال لأتمنى على القيادات التربوية الحريصة على مستقبل هذه الأمة أن تبحث في إيجاد الأدوات الناجعة لاحترام عقول أطفالنا وأجسادهم لكي نضمن أن يحترمونا في القادم من الزمن .