تحت عنوان "حداة الغيم والوحشة" أصدرت الشاعرة سعدية مفرح أضخم انطولوجيا عن الحركة الشعرية في الكويت، ضمت خمسين شاعرا بدءاً من الشاعر فهد العسكر وانتهاء بآخر الأجيال الشعرية التي ظهرت في الآونة الأخيرة.
وقد صدرت الانطولوجيا قبل ايام وكشفت فيها سعدية مفرح عن أسماء شعرية شبه مجهولة في تاريخ الأدب الكويتي الحديث، في الجزائر باشراف جمعية البيت للثقافة والفنون في اطار تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية لعام 2007، وبتكليف من وزارة الثقافة الجزائرية.
وفي تقديمها للعمل، الذي أهدته الى "فهد العسكر... شاعرا وشاهدا وشهيدا"، قالت سعدية مفرح: "بألفتهم يخدشون الماء وعلى رسلهم يحرثون اليابسة، هم حداة الغيم والوحشة، يتنزهون على شواطئ السراب ويتنسمونه في شميم الشعر ليحددوا ملامح الخريطة وفقا لمحض اندياحاتهم بين الماء والصحراء حيث ينمو الوطن على ضفاف الشعر، وحيث تتأنق الضفاف بسيرتهم وسيرورتهم، وحيث الشعر، بغض النظر عن تعريفاته المستحيلة، دهشة.. مجرد دهشة تصل بالشاعر الى حد البكاء دائما، والى حد الضحك دائما، ليس بوصف البكاء تعبيرا عن حزن عميق، ولا بوصف الضحك تعبيرا عن فرح غامر، ولكن بوصف الممارستين تعبيرا إنسانيا راقيا عن دهشة ما تجاه شيء ما في هذا الكون اللامتناهي في تكوينه المتراكم.. دهشة متسائلة!! مأخوذة وآخذة، وما الشعر الا قبض عفوي وذكي على لحظة الدهشة الملتبسة تلك.. اما نار الشعر المقدسة فانها تلك البعيدة الى حد التماس مع الروح والقريبة الى حد التماهي مع الحقيقة الأخيرة وعلى مدى الخطى الفاصلة بين الحدين تغوينا شهوة الشعر وتغرينا لذته المستحيلة.
وشعرائي، الذين يستشرفون الغيم بعيون الدهشة، المتناسلون من بيت الشعر الأول في أرض العرب الأولى، الذاهبون الى حدود الكلام بشفرات مصنوعة من فولاذ الموهبة ومروية بدم القلب، المندسون هنا، بين خبايا الحدث الشعري المتواصل في الكويت منذ قيامة الكويت، ما زالوا هنا.. يصقلون بلور القصائد، ويكتملون في صنعها كلمة وشهقة وموسيقى ونارا تتأجج بين الحنايا ووطنا جميلا وحنونا، وما علي الآن سوى أن أسمهيم واحدا واحدا، غائبا وحاضرا، فكلهم حضور لحفلة القول الشعري، وكلهم شهود على لحظة القصيدة".

وقبل أن تبدأ في مهمتها في رصد الحركة الشعرية في الكويت عبر رصد أهم الأسماء التي كونت هذه الحركة على مدى التاريخ الحديث، والتي قدمت لها بمقطع شعري لأحمد العدواني، قالت: هذه اشارات لابد منها:

@ سعدت باعتماد مصطلح "شعريات"، لتصنيف هذا الكتاب بدلا من مصطلح "انطولوجيا" الذي شاع كثيرا كترجمة للمختارات الشعرية لدى كثير ممن أنجزوا مثل هذا النوع من العمل من شعراء ونقاد عرب، رغم الفرق بين مفردتي انطولوجيا (ontology) وأنثولوجيا (anthology) فالأولى تعني "مبحث الوجود: دراسة الكائن في ذاته مستقلا عن احواله وظواهره" اما الثانية فهي "في الأصل مجموعة من القطع الشعرية، ويقصد بها الآن اي مجموعة من المختارات الأدبية شعرية كانت أو نثرية.

ولعلها فرصة مناسبة كي اذكر بمصطلح عربي قديم ومهمل ان يغنينا عن هذا وذاك وهو "الحماسة" حيث استخدم النقاد والشعراء العرب في العصور المتقدمة مصطلح الحماسة تدليلا على مختارتهم الشعرية، فكانت هناك حماسة ابي تمام، وحماسة البحتري، وحماسة الشجري، وحماسة ابي هلال العسكري وغيرها، ولا ادري لماذا لا نعيد إحياء هذا المصطلح شبه المندثر بدلا من استخدام مفردة غير عربية بطريقة خاطئة، غالبا.

@ فضلت ان اقدم لهذه المختارات الشعرية بمقدمة تاريخية موجزة رغبة مني في رسم اطار عام للمشهد الشعري قبل الغوص في جمالياته ورصد اسمائه وشواهده الشعرية.

@ على الرغم من ان فكرة الشعريات او المختارات او الحماسة تمنح منجزها ميزة ان يختار ما يشاء من أسماء وقصائد وفقاً لما تقترحه عليه ذائقته، الا انني تخليت عن تلك الميزة، مفضلة تقديم صورة بانورامية متكاملة للمشهد الشعري في الكويت خاصة وان الكتاب ينشر ويصدر في الجزائر، بعيدا عن الكويت ومحيطها الجغرافي الضيق، فلم اغفل سوى من لم أتحصل على معلومات كافية عنه او نتاج شعري له لحظة اعدادي لهذا الكتاب.

@ كان لابد من بداية محددة واضحة المعالم، ولأن بدايات الشعر في الكويت غامضة غموض كل ملتبس تحت ركام التاريخ البعيد، ولأني لم أحظ بفرصة كافية للبحث بين ذلك الركام عن نصوص تليق بأسماء شعرائها، فقد اخترت قصدا، ان ابدأ اختياراتي تاريخياً بالاسم الشعري الأهم في مشهد الشعر الكويتي، فهد العسكر، ليس انحيازاً لشعرية هذا الشاعر من دون غيره ممن سبقه وحسب، بل ايضا لأنه كان مفصلا من مفاصل الحركة الأدبية في الكويت والمنطقة الخليجية ككل.

@ عدد القصائد المختارة لكل شاعر لا يعتمد على حكم نقدي او موقف تفضيلي، بل هو خاضع لاعتبارات فنية تتعلق بعدد صفحات الكتاب احيانا، ولاعتبارات تتعلق بما توفر بين يدي من نصوص لكل شاعر احيانا أخرى. وبعد.. فهاهو المشهد الشعري الكويتي، كما أراه تحديدا، لعلي في ما رأيت.. رأيت، ولعلكم ترون.. كما رأيت". وفي قراءتها لذاكرة المشهد الشعري في الكويت أشارت سعدية مفرح الى عدة ظواهر حددت ملامح المشهد وأدرجتها تحت عناوين مختلفة منها: بداية ما، فهد العسكر الشاعر المرحلة، تحول وثورة مبكرة، ومرحلة أخرى جديدة، ستينيات وسبعينيات، تجربة ثلاثية مبتسرة، عقد نسائي من الشعر، تسعينيون، غيابهم، تجارب أخرى، هوية مفقودة، التطور الأحدث، آخرون هنا..

وقد ضمت الانطولوجيا الأسماء التالية:

إبراهيم الخالدي، احمد السقاف، احمد العدواني، احمد النبهان، جنة القريني، حمود الشايجي، حوراء الحبيب، خالد سعود الزيد، خزنة بورسلي، خليفة الوقيان، دخيل الخليفة، رجا القحطاني، سالم خداده، سامي القريني، سعاد الصباح، سعد الجوير، سعدية مفرح، سليمان الخليفي، سليمان الفليح، صلاح دبشة، عالية شعيب، عبدالعزيز سعود البابطين، عبدالله العتيبي، عبدالله زكريا الانصاري، عبدالله سنان، عبدالمحسن الرشيد، علي السبتي، علي الصافي، علي حسين الفيلكاوي، عيد الدويخ، غنيمة زيد الحرب، فاضل خلف، فهد العسكر، فهيد البصيري، فوزية شويش السالم، ماجد الخالدي، مبارك بن شافي الهاجري، محمد أحمد المشاري، محمد الفايز، محمد النبهان، محمد قاسم الحداد، محمد هشام المغربي، نايف العنزي، نايف المخيمر، نجمة ادريس، نشمي مهنا، نور القحطاني، نورة المليفي، يعقوب الرشيد، يعقوب السبيعي. وفي نهاية العمل اشارت سعدية مفرح اشارات سريعة الى تجربة الشعراء العرب الذين اقاموا في الكويت كتجارب شعرية عربية، تكونت كلها او جزءا منها في الكويت.

يذكر ان "حداة الغيم والعزلة" يندرج ضمن سلسلة انطولوجيات عالمية تعدها للنشر جمعية البيت للثقافة والفنون في الجزائر.
المصدر