صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 13 إلى 20 من 20

الموضوع: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة))

  1. #13 رد: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة)) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,901
    مقالات المدونة
    40
    معدل تقييم المستوى
    18
    سلام الله عليكم
    مشاركة العضو ماجدة2 في مسابقة المربد الأدبية الثانية، قسم القصة
    الاسم الصريح : أمجاد مفتاح لكني لا أحبذ ذكر اللقب علنا لو ذلك ممكن
    القصة المقترحة للمشاركة : هي القصة الأولى
    القصة الاولى:

    رحلة قبل النوم

    آويت إلى فراشي ، كعادتي في كل ليلة بعد يوم لم يكن مختلفا عن باقي الأيام ، حافل بالأعمال اليومية الرتيبة. يطل البدر عبر نافذتي ليطرد عني النعاس. يتناهى إلى مسمعي صوت والدتي في الغرفة المجاورة و هي تحدث والدي. صوتها يعيد ذاكرتي إلى الوراء، إلى كل حياتي الماضية، إلى أيام الطفولة البريئة، إلى اللحظات السعيدة و الأليمة التي مرت بأسرتي الصغيرة.... مع ذلك ، لم أعرف سوى تلك السعادة ....لم أعرف سوى ذاك الألم. ً " وَ مَا الحَْيَوةُ الدّنْيَا إِلا مَتَعُ الْغُرُورِ" ...كثيرا ما يردد والدي هذه الآية الكريمة ثم يقول لي : لو تدرين يا بنية أن ألم الدنيا ليس ألما و لا سعادتها سعادة. ـ مع ذلك ألمها مؤلم يا أبي أليس كذلك ؟ ـ صبر جميل يا بنيتي ...صبر جميل . أسترجعُ مرارا هذه الكلمات لوالدي....ترى ماذا سيحِلُ بقلبي لو فارق الأحبة ؟ و ماذا عني لو كنتُ أولَ الراحلين ؟ ....كم هي صعبة هذه الحياة الدنيا و لو كانت متاع الغرور....تُرى هل سأصمد فيها ؟... هل سأصبر صبرا جميلا إلى آخر لحظة؟....إلى آخر زفرة أودع معها حياتي في هذا العالم....حياتي التي لم أعرف غيرها.....ما المصير بعد ذلك؟..........هل إلى حيث السعادة الأبدية ؟ أم إلى حيث الشقاء الأبدي؟ ....أتخيل شيئا من معالِمِ الشقاء . لا أرى صورة واضحة بل ومضات ، فقط ومضات ...لسعير و صوت الحسيس .....و بقاء أبدي....يا لهول المشهد!! لا أقوى على المتابعة ، صاعقة الخوف تضرب قلبي و تسري بكل جسدي و تُجمِدُ ذاك الخيال. رباه لست أقوى على تخيل شيء من العذاب ....كيف سيكون حالي حيث العذاب؟؟؟؟.....تلتفُ الهواجس بي و تُرَدِد : كيف سيكون حالك حيث العذاب؟؟؟؟ لا أقوى على الإجابة، أحاول الفرار بخيالي بعيدا.......إلى حيث الجنة، تلُفُنِي الهواجس من جديد: و من أدراكِ أنكِ من أهلها؟ ....تخنقني العَبَرات ، أذرِفُها كالسيول على وسادتي التي تحفظ كل أسراري. بكيت طويلا بكاءا صامتا يوجِعُ القلب حتى لم أعُدْ أقوى عليه. تَمَلكَنِي التعب و تثاقل جفناي فأطبقتُ عيناي عَلَّنِي أنام. لكنني لم أنم، ظلمة الجفون تَمْثُلُ أمامي ، ثم ماذا بعد ذلك ؟ هل كان ضربا من خيالي ما رأيتُ ؟.....رأيتُ وميضا يَشِّعُ في الظلمة ، ثم وجها بملامح باهتة، لم أعرفه، ثم عينا تنفتِحُ و تُرْسِلُ نورا، ....ثم أشعة و كأنها للشمس.....ارتسمت بها كلمة "الله" ، ارتسمت بعِدَةِ خطوط عربية ، كم كانت جميلة بكل تلك الخطوط....إنها تبعث فِيَّ الأمان، تُشْعِرُنِي بطمأنينة و أُنْسٍ و سكينة تسري في كل جسدي و تَلُفُنِي ..... و تَلُفُنِي .... و تَلُفُنِي.... و تَلُفُنِي، كم أشْعُرُ بذلك و بِكُلِ الدفء. رحل الخوف بعيدا ...ما عُدْتُ أذْكُرُه....تتبادر كلمات إلى خَلَدِي : ما أرْحَمَكَ يا ربي ! . لم أذكر بعد ذلك شيئا ، لا بد أنه النعاس أخذني. أفَقْتُ على صوت المؤذن يوقظني لصلاة الفجر، إنه يوم جديد لكنه ليس رتيبا ...سعادة داخلية تغمر قلبي.



    القصة الثانية:

    نصف جسد

    يحِلُ الخريف فيُحَبِبُ إليَّ العودة إلى البيت سيرًا على الأقدام. ألتَقِي به من حين لآخر في طريق العودة . يَنْقَطِعُ حبل أفكاري، و كذلك شرودي ، كلما رأيته ، و شَرْخٌ يُمَزِقُ قلبي تألما لحاله. "نصْفُ جسد" يَرْتَكِزُ على يديه و يتنقل بسرعة مخافة أن تصدمه سيارة أو يُعَرْقِلَ سَيْرَ المارَّة. أتتبَعُهُ بنظراتي لكنه سرعان ما يختفي بين المارَّة. أتابع بقية طريقي و الانكسار يملأ قلبي: يا لغفلتي و جحودي.....إنه يظهر في كل مرةٍ أسْتَسْلِمُ فيها للبؤس و التعاسة، يذكرني كيف أني في كل مرة أحْرِمُ نفسي من رؤية النعمة و تذوق النعمة و شكر النعمة. أي هموم هذه التي تَسْلُبُنِي و تُعْمِينِي ؟ و نِعَمُ ربي تغمرني، نعمة البصر و السمع و الجسد و الصحة...و....فلتَرْحَلِ الهموم بعيدا بعيدا......بعيدا.
    وصلت إلى البيت و انقضى اليوم. مرت بضع أسابيع لم أره، افتقدته بعض الشيء، قلِقْتُ قليلا، ثم مر الوقت و خَفَّ القلق و انغَمَسْتُ في دوامة الحياة.
    في يوم من الأيام، قادتني الخطوات إلى أحد المراكز التجارية، حديثة المنشأ، فَرُحْتُ أتجَوَلُ في أرجائها، إشباعا لفضولي ، وبينما أنا كذلك إذا بي ألْمَحُهُ من جديد. لم يكن على مسافة بعيدة، و لكن ماذا يفعل هناك؟ ...تقدَمْتُ بِضْعَ خطوات لأرى لكنني لم أزد بعدها خطوة تالية، تَصَلَّبْتُ في مكاني لِمَا رأيتُ....كان ينظف أرضية المتجر بنشاط و حيوية عجيبين، غَيْرَ آبهٍ بالزبائن الذين يتحركون يمينا و يسارا ، ذهابا و إيابا. منهم من يتأثر بالمشهد فيحاول تجنب المساحة التي ينظفها، منهم من يعطيه بعض النقود و منهم من يمر كالثور لا يلاحظ شيئا. دون تفكير وجدت نفسي أقترب منه و أعطِيهِ نقودا. شكرني بحرارة. سِرْتُ بضع خطوات إلى الأمام لكنني سرعان ما عُدْتُ إليه، سألته: هل يمكنني التقرُّبُ منكَ و محادثتك ؟ أجابني و الدهشة ترتسم على محياه: يمكنك ذلك يا سيدي .ـ أين يمكنني أن أجِدَكَ؟ ـ ستجدني إن شاء الله مساء كل يوم أربعاء في المتنزه العمومي حيث بِرْكَةُ البطِّ.
    كانت تلك البداية لصداقة بيننا دامت 10 سنوات ، ثم كان بعدها الفراق الذي لا لقاء بعده في الدنيا. لكن روحَهُ ظلَّتْ تزورُنِي في منامي، من حين لآخر ، و تحدثني عن الجنة.

    القصة الثالثة:

    قطعة ليست كباقي القطع

    أخيرا أقِيمَ معرضُ الأواني الفخارية الذي طالما انتظرتُهُ. و ما زاد من حماستي لزيارته أنه نُظِّمَ في المكان الذي تُصْنَعُ فيه القطع، و هذا ما يعني أني سأتمكن أيضا من رؤية الأفران و المواد الخامة و الأيادي المبدعة في هذه الصناعة. مع طلوع شمس ذلك اليوم، الجميل، حَمَلتُ آلة التصوير الرقمية ، خاصتي، و توجهتُ صوبا إلى المكان، جمع غفير يدِبُّ في الأرجاء. دَخَلْتُُ عبر المدخل الرئيسي لأجِدَ نفسي في رواق واسع و طويل، اِصْطَفَّتْ على جانبيه عدة غرف، و كانت الغرفة الرئيسية حيث المعروضات تتوسط نهاية الرواق.
    اِرْتَأَيْتُ أن أبدأ بأول غرفة على يميني. فيها عُرِضَتْ مجموعة من المواد : قطع من صلصال صلب أحمر و رمادي، حجارة متألقة، باردة الملمس، صفراء ، بيضاء و بنية. عجائن طين رطبة و مواد أخرى لم أعرفها. وَدَدْتُ أن أسأل مشرف الغرفة عن ماهيتها لكنه كان منشغلا بالحديث إلى مجموعة من السياح، و كم يطول الحديث مع السياح! . اكتفيتُ بالتقاط بعض الصور ثم توجهتُ إلى غرفة ثانية. قابلني باب ضخم، لا بد أنه للفرن، لم يكن مغلقا تماما ، من خلال الفتحة تمكنتُ من رؤية بعض الأواني بداخله، تأملت جدرانه الداخلية ، كان مشتعلا و ساخنا . فاجأني صوت أحد الزوار مازحا: ماذا لو تدخلين بداخله و ألتقط لكِ صورة !! ، أجبته: يا لروعة الفكرة!...و هربتُ من المكان . واصلتُ تنقلي بين بقية الغرف، أخذتُ صورا للحرفيين و هم يصنعون أشكالا مختلفة: مزهريات ، صحون، أوعية....تُزَيَنُ بعد ذلك بزخارف في غاية الدقة و الجمال ثم تحفظ في غرف خاصة.
    توجهتُ أخيرا إلى الغرفة الرئيسية ، كانت واسعة و ضَمَّتْ أجمل التحف : نماذج من الخزف الأبيض الناصع ذي النقوش الزرقاء الجميلة، أخرى من البورسلان تكاد تكون شفافة و أواني فخارية مختلفة الألوان و الزخارف طُلِيَتْ بطبقات زجاجية أكسبتها بريقا رائعا.
    بينما كنتُ أتنقلُ بين تلك التحف، لمَحْتُ في إحدى زوايا الغرفة قطعة لم تكن تشبه أيا من النماذج المعروضة. بَدَتْ لي عادية جدا في البداية، و في غاية البساطة. تساءلتُ : تبدو عادية ، كيف عُرِضَتْ هنا؟ . اقتربتُ و حملتها. كانت بشكل إناء سميك من الفخار، كبير بعض الشيء، تُرِكَ بلونه الأحمر الطبيعي. تدويرُهُ لم يكن مثاليا، و كأنه شُكِّلَ باليد فقط دون الاستعانة بآلة التدوير. على جوانبه رُسِمَتْ تشكيلة تشبه رسما تجريديا تعبيريا، ضَمَّتْ خطوطا و مربعات و أوراق لشجر القيقب، وُضِعَــت بطريقة عشوائية حَضَرَ فيها اللون الأصفر و الأحمر و البني و الأسود. الألوان لم تكن بطلاء خارجي بل بَدَتْ مُنْدَمِجَة مع مادة الإناء.
    شَعَرْتُ بِأُلْفَةٍ مع هذا الإناء ، و كأنه يحكي قصة. رَفَعْتُ بصري أبحث عن المشرف ، لم يكن بعيدا. حَالَ نظري إليه شَعَرْتُ بأنه كان يرقبني طيلة تفحصي للإناء، زاد فضولي، سألته: هل صُنعَ هنا؟ لا يشبه غيره! ـ كلا يا سيدتي ، هذا الإناء من المجموعة التي يصنعها والدي بنفسه، و هو شيخ كبير، و من حين لآخر، يُحِبُ أن نعرضَ شيئا منها هنا. ـ شَكْلُهُ يوحي بأنه مصنوع باليد ـ هو كذلك ـ و ماذا عن الألوان ؟ تبدو مُْدمَجَة؟ ـ يستعمل حجارة خاصة، يأتي بها من الوادي ، يكسِرُها و يدُقُهَا جيدا حتى تصبح مسحوقا بِلَوْنِ الحجارة المستخدمة، يضيف لها مادة دهنية طبيعية فيحصلَ على الطلاء الذي يستعمله في الرسم. عند الانتهاء ، يُدْخِلُ الإناء في الفرن مدة كافية حتى يجف الطلاء، يدهنه من جديد بدهن شفاف ، يعيد إدخاله في الفرن لِيَحْصُلَ في الأخير على هذه النتيجة أين تبدو الألوان مدمجة.
    تأمَلْتُ القطعة من جديد: تحفة والدك مميزة ، فهي تحمل أكثر من قيمة شكلية جمالية، طريقة صنعها، الألوان و الرسومات ، البساطة، كل ذلك يُشْعِرُكَ بأنها شيء قديم يحكي مراحل وجوده في هذا العالم ، و يحيي في النفس إحساسا عميقا ، ربما حنينا إلى الماضي.... .أجابني بشيء من الدهشة و الانكسار : قليلٌ من يلحَظون ذلك ، بل لا أحد يلْحَظُ ذلك مطلقا، إنهم ينبهرون بالجمال الظاهر الأخَّاذ لهذه التحف التي تملأ المكان، و لا أحد ينتبه لهذا الإناء، يكاد يكون غير مرئي أو معدوما ، و قد يعتبر طفرة غريبة إذا ما انتبه إليه أحدهم. استرسل بعض الشيء في حديثه: البساطة و المعاني العميقة أمْسَتْ مفاهيم غريبة اليوم، لا أحد يَفقَهُهَا.
    تأثرْتُ بكلماته ، سألته: سيدي هلا أرشدتني إلى والدك ؟ أرغب أن يصنع لي قطعة كهذه. تحرَّجَ قليلا: سيدتي أشكر هذا الاهتمام و التفاعل منك لكنني لا أجْبِرُكِ على اقتناء مثل هذه القطعة، خذي حريتك في اختيار أجمل ما تحبين . ـ أحببتُ هذه القطعة و لا أريد غيرها ـ لمس الصدق و الجدية في إجابتي ، ناولني عنوان والده.
    نسيتُ أمر المعرضِ و المعروضات!
    وجدتُ نفسي أخرج من المكان بسرعة ، متوجهة إلى ضاحية ريفية ، حيث الجبل و الوادي و أشجار القيقب، حيث يمكنني أن أجد ذلك الشيخ.
     

  2. #14 رد: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة)) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    10
    معدل تقييم المستوى
    0
    الإسم : عبده حقي
    البلد : المغرب
    المشاركة في مسابقة المربد في جنس القصة القصيرة

    القصة الأولي

    كأس نزارقباني
    نص قصصي
    عبده حـــقي
    قاص من المغرب
    إهدئي واستقري في سرك الدفين .. أنت لي .. ولن أترك يدا ثانية إلاّ يدي ترفعك إلى شفاه الحقيقة .
    أو.. قفي في قرارة الصمت ، مثل لقلاق نيسان على ساق واحدة ورغم هذا فهولايتعب من ملاحقة الآفاق .. دائما على ساق واحدة ومع ذلك أيضا لايفكرفي الرحيل عن قمة جبل التأملات .
    ذكراك ..أجل مافتئت أذكريدها ممدودة كالطعنة المشتهاة .. كفنن زهرالجلنار.. وأنت بين أناملها
    ملآنة بنكتارالعشق القباني لمّا كان فصل العطش البيدائي يهدرفي باطني كقطارالفحم الحجري .
    ناديتك عبرنافذة المكتبة العتيقة أن هاتها فكل جسدي تفاصيل ظمئ راسخ كصخرة جاثمة على أنفاسي الحرىّ .
    قلبت ناظري في كل الأمداء فلم أجدك .. تسمعت لخطاك .. كانت تأتيني خفيضة من خلف المكتبة
    العتيقة ، وبعد لحظة هللت علي بقامتك الغنجية ومددت إلي كأس الشاعر.. كأسنا القديمة ذات الساق
    الواحدة ؛ وتحدثنا تحت إفريزالمكتبة عن أشيائنا الصغرى وقضايانا الكبرى .. قضايا العشق العربي
    المنقوع في دماء الإحتلالات .. وقلنا لما يكون قدركأسنا أن تحرس عشقنا على ساق واحدة … وفكرنا
    كثيرا ونقبنا في ذخائرمكتبتنا العتيقة وكل كتب التراث الإغريقي عن إسم هذا (الديزاينري) العبقري
    الذي أغرق عشقنا العربي في قعرهذه الكأس العرجاء ومات !! ثم عدنا من حيث بدأنا حديثنا المسائي
    عن السيدة بلقيس التي اغتالتها أشعارزوجها نزارقباني في بيروت نهارا وأمام عدسات الصحفيين .
    لم أجرؤيوما على البوح بسرها السحيق .. الدفين .. كانت ملآنة أم فارغة .. غافية أم يقظانة منتصبة
    على ساقها بين دواوين نزارقباني ، فأنا لاأرشف منها غيرما أعبّه من سرها اللذيذ..القديم …
    حدث ذلك سنة 1988 ، كنت في ألمانيا دسستها في حافظتي مثل قنديل أخضر.. إستقليت قطار(الغزالة)
    الذي رسم على جؤجؤه غزالة سريالية ، بقرن واحد يشبه خنجرصنعاء أومراكش أو مسقط وأنصاف
    قوائم ولونها هوأقرب إلى لون أتانة مقالع الرمل منه إلى لون غزلان المروج .
    ملحوظة: أخبرني الجابي أن هذا الرسم هومن شغل فنان إحدى ورشات المطالة ومن المؤكد أن
    هذا الفنان مثله مثل الكثيرمن الفنانين العرب لايفرقون بين لمسة الفرشاة وضربة المكنسة !)
    في القطارذاك وعلى طول الجدارالعازل بين ( بون ) و( برلين ) أخرجت كأسي ذات الساق الواحدة ..
    أفرغت من التيرموسة جرعة معتقة من قهوة (الأرابيكا) الأصيلة وطفقت أرشف وأتلمض بانتشاء
    مصرفا ناظري عن عيون الرقباء الزرقاء حتى أنني لم أعبء بطلقات نظراتهم على ظهري والغزالة
    السريالية تخترق بنا الغابات والمسارح الخضراء التي لاحدود لها .
    وأمس الثلاثاء 3 أكتوبر2006 كنت كما هي العادة في وحدتي اللذيذة وعلى الساعة التاسعة هنا بتوقيت
    لندن طرحت القلم جانبا وقلت في نفسي مالداعي لكتابة هذه القصة الرديئة بعد سنوات على مصرع
    بلقيس تحت وابل من كلاشنيكوف قصائد زوجها نزارقباني ؟ شغلت التلفازعلى دراما أخرى من برنامج
    الإتجاه المعاكس وبينما كان فيصل القاسم يسعل ويستعطف ضيفيه العربيين المتعاكسين لالتزام الهدوء : (بس لحظة من فضلك دكتور!! ) ثم يديروجهه للجهة اليسرى ( بس لحظة من فضلك دكتور!! )
    ألفيت قميصي مرقطا ببقع دم حلاقتي الأخيرة وبقع غازوال على الياقة وكان طنين وجلبة ما تصطخبان
    في الجهة الشرقية من رأسي ، أقفلت التلفازوأشفقت على الدكتورفيصل القاسم وتخيلته بعد 500 سنة حاكما للولايات المتحدة العربية التي لن يبقى فيها من الجغرافية العربية سوى خطوط الطول والعرض .
    ومن نافذتي ألفيت الشارع فارغا وتساءلت عن سرإختفاء الناس الجماعي وتذكرت أن إتجاها معاكسا
    آخرتدوررحاه ذلك المساء بين فريقي (برشلونة) و( ريال مادريد) حول من سيفوزبكأس الملك .. أما أنا فقد عدت إلى كأس نزار قباني ، وجدتها واقفة بانتظاري على ساق واحدة بين أوراق مسودات قصصي الرديئة والفاشلة …

    إنتهت

    القصة الثانية



    عبده حقي
    14 أغسطس 2007

    قد يكون هذا الوقت الذي يغمرني بدفاقه الشفيف ..الازلي وأنا اسهو بين رقصة القلب وتطواف الشمس اللانهائي.. قد يكون هذا الوقت اعظم لعبة لا تليق بالمراهنة لروح وجسد يساوعها ويكدس حقيبة العمر بجمرالدقائق.
    ها انا أضبط الساعة مرة آخرى على فجر زائف ، ثم في لحظة ما من الغلس أمد يدا جذلانة بالسبات لاخرس الرنات المقرفة التي تواطأ الزمن معها في حياكة معزوفة الديك الرابض في رحى الساعة الصينية …
    أقطع مرغماغواية جسد مسافر في حكاية حلم بابلي لا أفتقد فتنته إلا بعد أن اشرع رتاج النافذة كي انبش في رفوف الوهم الغابر وارتب صور عالمه الأسطوري المنقوع في الدويات…
    أدشن الآن فجرا آخر.. افتح عيني على علبة مهدئات .. وأتلو ما تيسر من آي التفسير في نفسي لعلي افكك أراجيف الليل وذخائرها المشوبة بأصباغ الوهم…
    أجدني اللحظة مثخنا بالالوان والاشكال الهولامية وأشياء أخرى منسية لازمتني مدى رحيلي الليلي.
    لحظة استذكار وإمعان فيما كان ظلي قد دونه من مداخر الروح على كراس الحلم وكان يرشني بطلعات نساء مدججات بالرواء تتمسحن كالقطط المدللة بصدري وتجعلنني مختالا كالهدهد بين معابر الحدائق وتقلن لي : “عم مساءا أيها الحالم
    ألهذا فقدت طعم المعنى في انوجادي النهاري حين انفضحت أمامي لعبة الاغماضات .
    فجأة وجدت الحدقتين مفتوحتين .. على حافة المهاد كانت سيدتي تخلل دؤابتي بمرشة الورد. قالت : ” باسم الله عليك … أفق ، أفق ، فأنات هذيانك تمتد وترا من رباب منشدخ وجسدك يهتز كما لو أنك في غمار ارتجاج.”
    خاتلتني يدها في اوج الكابوس.. انتشلتني من بنج غريب .. كنت مرتبقا في شراك خيوط عنكبوت خرافي ، كلما انعتق عضو من اطرافي ، اشتبكت الاعضاء الاخرى بخيوطه.
    وكان نداء امراءة يأتيني من غرفة ما.. ادراجها مشوبة بذبال خافت يرشح من قنديل سقف عتيق.. يتردد النداء وأنا في غمرة الشراك العنكبوتي ارد على النداء بالرعاش المتواتر.. وامرأة ثانية من ضفة الليل الأخرى .. امرأة تستعير وجه امي، رأيتها تستفل الادراج وتتعثر في تلابيب فستانها المشجر بعراجين التمر.. ثم تمد لي مهدا من يدين كبيرتين.
    ( هي لم تكن غير سيدتي التي تلاطفني على جنب المهاد وتضمخ ذؤابتي بماء الصحو…)
    همست لها أن دعيني استرد انفاسي واسترجع جسدي المفقود وارتب ايقاع القلب على عزفه المألوف.
    كنت ممددا في باحة ممهورة بطلاوة الاضرحة .. تحت مسقط نورالقنديل العتيق ، جسدي خامد وشيء ما بهيأة الدنق يطبق على اتلام الصدر… لم أتخلص منه إلا عندما نزلت المرأة التي تستعير وجه أمي لتهش عليه بشربيلها.
    لم يبق من ذلك التواطؤ الملغز غير خفقان حثيث وتعاويد هربتها الذاكرة من أغوارالوسن.
    وقفت ، قصدت المغسلة .. لطمت وجهي بحفنة ما ، فألفيت الاراجيف تتطاير كالخفافيش الهلوعة وتحوم في قيامة حول رأسي.. فتحت الكوة فخرجت جميعها، وفي حقيقة الامر لم يخرج شيئ ولم يكن هناك عنكبوت خرافي وأنا لم أبرح مهادي حتى والسيدة التي كانت على حافة السرير ما تزال تراقبني بحنو وافر وتؤنبني على تسفاري السندبادي في براري الليل وحيدا .
    هكذا.. بلا جسد .. وجدتني اعبر مدنا لم تحلم بها خارطة.. اعثر فيها على بعض من بعضي.. أشياء حقنتها بدم المعاكفة.( ما بالها تلاحقني في ارخبيلات الحلم وتوثر فوضى مدن وأحبة بلا أسماء…؟ أ لهذه الدرجة يصير بمقدور الوسائد أن تدس كل هذا العالم المتماوج تحت رأسي … يكفيها أن أسدل الاحداق وأقطع شريان الاضواء كي يندعي العالم مصفدا تحت نهار الحقيقة لتشاغب اهازيجه المخبولة بنوبات الركض…
    يجوز لنا إذن أن ننسج في الرحيل الوسني أجمل الفداحات .. أن نعبث بنواميس الكون ونسخر من قيافة الماء للماء ونمسخ لون اللون باستيهامات الهزيع .
    ما تزال الرؤى تزدحم في الرأس.. والعنكبوت أما زال خلف الوسادة ؟
    قلت سأسرد اراجيفي فلربما منحتني السيدة التي تستعير وجه أمي ملاذا يريحني من ثقل الدنق.
    كان بصيص يوم آخر يخترق خصاص الباب والعالم الذي غادرنا بالامس يضع حقائبه جانبا .. يدعك عينيه وينبؤني عن حكايا رائقة تشرع ذراعيها لظلي الحائم حول نجمة الحلم المتخضبة بلون الالتباس.
    لست ادري كيف تخصبت رؤى الاراجبف الليلية في رحم النهار، و كيف اجترت العين عالمها في غفلة مني.
    يقينا انني كنت انحت على جدار الحلم مطافات اخرى سوف تتسع مثل الدوائر المائية وتغريني بالايغال في غرائب الاحلام.
    لعبة جميلة إذن .. استغراق شهي بطعم الانخطاف الى المسارح المنداحة حيث أمشي ولا أمشي ثم اعود مثل فارس اسطوري محملا بزوادات البلور والياقوت واللازورد البراق أومتفصدا بعرق الخسارات.
    حين زارتني أمي، حكيت لها عن العنكبوت الليلي … اسندت رأسي على كتفها الوارف.. شملتني بأمان رهيف وبددت عن ناظري غلالة التوجس بلمسة التأويل المبسام.


    إنتهت

    القصة الثالثة


    مدارج البيت العتيق
    عبده حقي
    من المغرب




    ألفاهم قد رتبوا في ليل غيابه اوراق رحيلها… أما هي فقد باتت هناك في منسكها تغسل يديها من مكابدات العمر… متدثرة في استارتها البيضاء المنسوجة بأنامل ملائكة مخفورة..
    كانت تحصي ما تبقى من لحظات العمر.
    هنا كان يتلمظ رغيف فطام متأخر.. يمزج كأس خطوها الفادح بالدمع الفائر. وعلى جناح الطهر كانت ترمقه وتعلن له بالصمت عن زمن آت سوف يستودعه فيه الإنتظار إلى شرفة الترقب…
    كان التردد يستبد به وبها .. يوزعه بين الرغبة في الصد وبين رحيلها الطارئ الى مطافات الخلق المكين،.
    على مقربة من السلالم كانت الحقائب تتربص بها وحذاؤها للخطو الكبير يغريها بالرحيل…
    الوصايا تتشابك على الشفاه الواجمة.. بريق نظراتها يبلله بدمع التوسلات.. فجأة وجد نفسه متواطئا وحذرا في آن.. تصاريف الدهرهناك .. ذرف ما يكفي على كتفها الوراف.. كان يعبر الى جانبها الشارع الليلي المقفر.. وكانت هي تقتلع آخر الخطوات بتوجس بالغ…
    كانت تحدثه وقسمات وجهها كأنه يوشك على البكاء . فجأة صارت الاسارير أخاديد لدمع مداهم.. حين ودعها في الناقلة كان مرة ينقرعلى زجاج الاغاثة ومرة يومئ لها بما يعتصر القلب من رعب خطوها الكبير.
    رأى من حوله أطياف متلفعة في دثارالبدء… ساحة محفوفة بأشجار التين والزيتون .. نظرات للدهشة.. واللغط يعلو كلما دنا موعد العناق الاخير.
    كان النداء بالاسماء اعلانا ليتمهم المؤجل.
    همس له جارقديم ( لاتكثرت بالفراق ، ففي تلك الاكناف للسكينة خيمة بحجم السماء)
    كانت أرواح الذين رحلوا مترجلين او على صهوات الفتوحات تتقد في ذاكرتها وتفتح دفتيها على تاريخ مغسول بدم القداسة…
    رنا الى الشارع الممتد أمامه في صمت رهيب.. أعمدة النيون عقد متألق على هامة الفجر.. وجدها تعبر هذا الارتداد التاريخي وهو يلوح لها بمديله عبر نافذة الإغاثة ويلاحق كالمخبول طيفها بالنظرة الواجلة.. حين صحا من دوخته الفاها قد مرقت مثل نيزك في أمداء السماء.
    في لحظة ما .. خفتت الجلبة.. الفجيعة التي نمجد فيها زمن الفراق.. وصارت بعدها كل المرئيات تهفو الى التمثل بطيفها والبوح بأسمائه المتعددة.
    عاد وحيدا يقطع البيداء في ليل الغياب.. وينحث تماثيل لرجال شيدوا جسرا للبيت العتيق.. كان يحيى غربتين: غربته هنا وغربتها هنالك… كيف عن لجسدها الواهن أن يركب هذا الجناح الواثق ويتركه لاستيهامات الارتياب على شرفة الإنتظار…؟
    يذكرأنها كانت تنتفض بالهجران خلسة في فجر الاعياد وحين كانوا يستفيقون بعدها يلفون فراشها مقصوص الجناح فيدرعون الدروب ويسائلون ابواب الجارات عنها ثم يعودون وقد أيقنوا أنها قد اقتصت من سياط السقف بمكيدة الهروب…
    كانت صورتها تؤاصره.. عمقها الازرق.. بريق نظارتها.. إهاب وجهها الذي تملى فيه معنى الكينونة…
    ها هم الليلة جميعهم ينسجون حول طيفها حكايا رائقة ، يرفعون السماعة و يتوسلونها أن تغمرهم بصوتها الرؤوم.
    قد مضى شهر ونصف.. ما أقسى أن يمرالعمر إلا شهرا ونصف.. جربوا فيه كل أنواع اليتم ورأوا كل تجليات الفقدان.
    ليلة عودتها ، بات مسهدا كان يحصي بالنبض دقائق اللقاء.. فجأة رن الهاتف وأنبأه صوت ما عن موعد هبوط الطائرة . صعد الى السطح ليترقب سريانها .. فرأى الازل.. كل الازل المهيب.. الاسطوري والغامض .. عتمة تطبق على حفافي المدينة.. كان في القلب شئ ما.. مثل لهاث دافئ عبق بأرواح النزول من ملكوت مدارج البيت العتيق… احس أن كل الازل قد نهض من رقاده وتهيأ له أنهم يرتعون خلفها في دروب السماء بأجنحة ملائكة صغيرة .. نورانيات وشفيفات.. يفتشون عن طيفها بين نثار الكواكب والنجوم..
    صاروا يترنون بامعان.. هو وحده يداه مشتبكتين خلف ظهره .. يقطع السطح جيئة وذهابا، كأنه أكتشف للتوهذا العالم الملغز بعيني صبي ممسوس بالدهشة الآولى.
    فجأة لمح مقصورة مضيئة تخترق الديجور وكاد يهتف للعالم أي أنها نازلة عبر درب الانبياء…
    هذا إذا فجر آخر يزحف مسكونا بالأسرار…
    انشق صدر السماء عن شعاع أبى إلا أن يترنم معه بالشدو ويرجع بالغناء نشيده الصباحي.
    شرعت الاطياف المتعبة تهل عليهم من البوابة العريضة .. فجأة لمحها وشعر برغبة العمر الوحيدة في البكاء.. كانت رافلة في نصاعة المدارج السماوية .. تجر خلفها تعب الوهن والرحيل .. قال في نفسه : ياه ما لوجهها قد صار قمحي الاهاب.. لعله لون البدء الذي ينشده صلصال الخلق .
    ضمها الى صدره ..ضمها كثيرا كثيرا و كانت نظراتها هائمة في المرابع الخضراء.. وبيمينها سبحتها المرصعة بخرزات “الفيرونج” وهما يقولان “سبحان الله”..سبحان الله..سبحان الله ..

    إنتهت

    وأرشح قصة كأس نزار قباني
    وأتمنى التوفيق للجميع
     

  3. #15 رد: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة)) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1
    معدل تقييم المستوى
    0
    محمد الغرافي أحييكم هذه مشاركتي في القصة القصيرة


    القصة الاولى :الحلزون والدخان


    البرد. ارتخاء يسري في جسدي كالعقم. ينتكس رأسي إلى الأمام. ألملم جسدي المتهالك بذراعي الضعيفتين. أرتعش. أمرر يدي على شعري، على وجهي، أتحسس جسدي. أحاول أن أعي نفسي، لكن كل شيء يمر بقتامة. ترف عيناي، لكن لا شيء واضح. ثقل رأسي يرجئني إلى العمق، ودوران متهدج يخضني. يتزايد إيقاع تنفسي، فتتزايد إرجاءة الرأس إلى الأمام، وتهوي عيناي إلى العمق الراسخ، الغالي في.
    يجهش كل شيء في إلى التحطم، والتهدل، والانسحاق. لكن ما ثقل رأسي، وعيي، ما بال تجمد جسدي، تقلص العروق، وتخثر الدم يحيلني على النهاية الأبدية المرتقبة في؟ أعرف نهايتي مثلما أعرف ولادتي الغامضة-الساحرة، وهي تتفتق بين شفتي أمي. أبتسم كلما استعدت طقوس ذلك اليوم الذي لم أشهده. كلما تذكرت الفرح الساقط من ملامح أمي، وهي تستعيد الآلام والمعاناة، والفرح.
    يعنيني أن أظل بلا حراك على هذه الحالة. أتحسس جسدي، أحرك يدي لعل الدم يتحرك، لعل الجسد ينفتح، لعل الرأس يتخفف، لعل عروقي تتمدد. يعنيني أن أعي انسحاقي، يعنيني أن أفتح حوارات محكومة بالعفوية والمعاناة، أن أخطط، أن أبدأ من جديد، أن أفكر في الأصدقاء. الحبيبة أعدمتها على قبر هارون. لم يعد لدي صديق. أشك في كل شيء. لم يعد أحد يهمني. يجب أن أعتزل كل شيء. أن أغترب في كل شيء. لكن الذي أجهش بالبكاء وهو يضمني إلى صدره، يخلل شعري بأصابعه، يبحث عني، يشتري لي"الحشيش" بنفسه. يطلب مني أن أعيش بشكل عادي : أن أتابع الدراسة، أن أدخن في المنزل. ليس عيبا"أن نبتلى". فالحياة لن تتوقف. يعيش تمزقي، لكن يحاول أن يخفف عني. أن يرجئني إلى الصوت الأول الذي خرج مني. لكن كل شيء أصبحت أفر منه : من البيت، من الجامعة، من الشارع. أعود متأخرا. لا أجتمع مع أهلي حول المائدة. أفر، أعتزل كلما استطعت ذلك. تكفيني نفسي، يكفيني ما أعانيه. وذلك الداخل المضطرب باستمرار كيف أحرك الدم فيه؟ كيف أتحول؟ لقد مسخت، فهل يعود الزمن وأتحول؟ أتحرر من كل هذه الترسبات؟
    لم أعد صالحا لشيء. لم أعد أعرف كيف أتواصل مع الآخرين. كيف أنفتح؟ كيف
    أحارب الجفاف في؟ كيف أحول العقم الذي اجتاحني؟ كيف أطرد هذا البرد والارتعاش؟ متى أتخلى عن عادة تحسس حسدي؟ متى أتحرر من ذراعي الجامدتين اللذين يمتدان دائما لإسناد جسدي من التحطم؟ وهذا الحوار المنفتح متى يتوقف؟ دائما يمتد صوتي في الداخل، دائما أتحدث، دائما أفتح حوارات مع نفسي، عقلي مشغول دائما بمناقشة نفسي. لكن تبقى الجملة الخالدة التي أختم بها مذكراتي اليومية متوهجة في "إيه ويبقى الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر"
    لست أدري كيف ترسبت هذه الجملة في ذاكرتي، لست أدري أين قرأتها، لكنها تلخص حالتي اليومية. أكتب أشياء، أقرر أشياء، وأفكر في أشياء. لكن لا أفعل سوى الاستمرار في الحشيش، وفتح كتب القانون، والرحيل بعيدا في الأشياء الرمادية. مشغول بالخطط، والمشاريع، والإدراكات. لكن لا أجد سوى الابتعاد الدخاني كحل معقول لدي. حتى الدروس الخصوصية لا ألتجئ إليها إلا عندما تتأزم الأمور، وأتعب من استجداء الآخرين.
    أخي امتداد لي، وأنا امتداد له. يكبرني. استطاع أن يؤمن احتياجاته من الحشيش والخمر، كما استطاع أن يعمل. معلم ملحد-متطرف، محتاج. يعيش حياته وفق قناعاته. كاتب فرع جمعية حقوق الإنسان. يدافع عن الإنسان ويظلم الإنسان الراقد فيه. أتعجب كيف حافظ على توازنه ولم ينسحق في أول هزيمة وارتجاجه أمام تحطم المقدس. يحدث أهالي الدوار الذي يعمل فيه دون أن يصلي معهم. يناقشهم أمور دينهم ودنياهم. لكنه ينسحب فور إقامة الصلاة، بدعوى أن البول يسبقه.
    عندما أتصالح مع نفسي، ويشتغل الدخان بين يدي، يغادرني البرد والارتعاش. يحلولي أن أتصوره وهو يخاطب الصغار. هو الذي كان يطمح إلى مخاطبة الإنسان. هو الذي كان يتهيأ ليصبح نبياـ ليؤسس نبوة-طريقة-ولاية-عالما جديدا. يعتزل في زاوية ليقصده المريدون. وما تنازله ليخاطب أهالي الدوار في أمور يكرهها إلا من قبيل هذه الروح وهذا الحلم الغائر في الذات المتكسرة .
    سبق زمنه، أو هكذا خيل لي. وجدته متماسكا، محطما، مرهقا-منهزما. بطل تراجيدي-فوضوي منهزم في عمق الأشياء، في قرارة الإجتياح. وجدته غريبا عني. تقرح بالفكر والهم والانتماء والانهزام. تعمد باغتيال الأشياء غير المتوقع. انهار قبل أن يعي نفسه، قبل أن يحدد علاقته بالأشياء، ويحدد علاقته بنفسه، بالانهزام-التقرح، والمراهنة على التحول الترتيبي للزمن والتاريخ والحلم والواقع.
    رهاناتك انفلتت بشكل غير محسوب. هل تركتها تنفلت أم تابعتها بحرقة و وسوسات؟ هل وعيت نفسك أم كنت تحاول أن تعيها من خلال إعادتها وأنت تخاطب الأهالي ولو بغير قناعاتك؟ أنت شهادة على الكائن وما كان ينبغي أن يكون. وعي متأخر بالتاريخ والأشياء. بداية معقولة، ونهاية غير متوقعة. انفصال ما بين الحلم والزمن. شرخ بين الذاكرة والحدث. حلم تحطم بقسوة وارتداد عفوي إلى الفوضوية والتراجيديا الأسطورية الفجائعية. هل أنت بداية مرحلة أم نهاية تاريخ؟ توقع مشروط أم خيانة متجددة؟ لماذا تقرحت مبكرا وسط هالات الحلم المقدس بأن تكون؟ لماذا تعلن سخطك وتمردك على الأشياء التي تحكمك من الداخل؟ لماذا سايرت سيرورة الأشياء القدرية؟ لماذا لم تعلن الوعي؟ لماذا لم تقل بأنك كنت موجودا قبل أن توجد؟ لماذا فضلت العدمية وتقرح الفكر والوحدة؟ لماذا لم تحاول الوعي ببساطة؟ لماذا اختصرت نفسك بهذا الشكل واختزلت الوجود؟ لماذا تحطمت مبكرا لتعلن فساد تركيبتك، هشاشة روحك-غرابة تكوينك؟ تعذبت كثيرا في الوعي بك، والوجود والفكر والمطلق والله والإنسان ومقولة التحول. لكن ما هو إحساسك بهذه الأشياء، لماذا لم تكن سيرورة وسوسيولوجية فاقدة لكل الوعي والاختزال، والارتعاش، والداخل المنشق عن ذاته؟ هل اقتنعت برهاناتك الممكنة، وغير الممكنة، المعقولة، وغير المعقولة، لماذا تصوغ أشياء لا أفهمها وتظل خاصة جدا؟ عشقك، علاقتك بالمرأة الوحيدة، المتغربة في تاريخك المثقل عشقا وغواية. وعيك الخاص بهذه المرأة يجعلك إنسانا خاضًّا جدا. هل هي شهادة أخرى على انهزامهك؟ لماذا لم تتزوجها؟ ولماذا تستمر معك كل هذا الوقت. حملت منك، لكنك أرغمتها على الإجهاض حاولت أن تهاجر، لكنك مزقت جواز سفرها.
    أتذكر أيها الغارق في الإنسان. في الوقت الذي تسيء فيه لهذا الإنسان، من المسؤول عن اختلاط الأشياء وانكسارها في زمنك؟ من يملأ الفراغ المستنبت في ذاكرتك-جسدك؟ أتذكر أيها النبي المنبوذ حين كنا نتجول، هائمين بدون إيقاع مقصود، لأجد نفسي فجأة في حي عشقك القديم. لتجد نفسك وجها لوجه مع الإنسان الوحيد الذي رحمك في هذا الزمن. مع الجسد الذي يتلقاك كلما انهزمت وتحطمت ببهاء منقطع النظير. تغسلك من المدينة حين تفقد التوازن والقدرة على ترتيب الأشياء وفق القناعات الخاصة، أو وفق انهياراتك المتجددة. ذلك الجسد الذي التأمك طويلا. تحطمه بالضرب والشتم والركل. أيها الطفل الضعيف دائما، تحولت فجأة أمامي إلى رجل. أنت الذي يرهقك دم الدجاج، تفتح في الجسد الذي قدسته طويلا نزيفا مرعا. يهوي الجسد ليرتطم بجسدك المرتعش. هل تقدسها؟ لماذا إذن تدنسها بهذا الشكل؟ تقدس الآثار التي تتركها على جسدها. تتحسسها بخشونة وارتعاش. تغوص في البقع الداكنة، في المناطق الحمراء المعتمة. تسحرك الصيغة الجديدة التي يتخذها الجسد الموج، وأنت تبتهل بأن يتوقف الزمن عند هذا الحد، أو يتحول، يختصر الزمن في هذه اللحظة فقط.
    "تهفو إلى جفاف الجسد، ويرهقك الجفاف في الخارج"
    دائما تأخذك إرهاقاتك بعيدا. مرتبك ينتهي بين الخمر والتبغ والحشيش، والطلبة المعطلين في جمعية المعطلين. تحاول أن توفق بين الإرهاقات والقناعات. لكن لماذا تصوع جفاف الجسد بهذا الشكل وتهفو إليه؟ تحس ببوادر الحمل. تذهب بها إلى الدكتور ليجدها ما زالت عذراء. تعود بها لتحقق الجفاف الكلي للجسد. تفقدها الذي كانت تحتمي به. لتذهب بها بعد أسبوع واحد لإجراء عملية الإجهاض.
    أحاول أن أتخيل آلام فض الشرف، وآلام الإجهاض. والدم مازال متخثرا.
    - "كان باغي الطبيب يخسرها هو"
    وبذلك يفقدك صيغة تحديد الجفاف.
    أحاول أن أتخيل العالم الخاص بامرأة بهذا الشكل، بهذا الجسد، بهذا الجفاف الذي يأسرك. امرأة أظنها تمشي فقط. لا تلتفت أبدا. لا تفكر أبدا. ربما تقرأ، وربما تكتب، ولكنها لا تقنع باسترجاع الذي يحدث. امرأة تستشرف الجفاف المقدس. أحاول أن أعي قناعات امرأة. أحاول أن أتصور كيف تستسلم بين يديك، كيف تتلقاك، كيف تتحمل جفافك، كيف تصوغك من جديد، كيف تتحول إلى فضاء يتسع لخربشاتك المحمومة، كيف تطيق خدشك المحموم، كيف تتحمل مكوثك الطويل وأنت تتأمل الجفاف الطالع من جسدها، خشوعك وأنت تتحسس البقع الداكنة الحمراء. كيف تستعيد انهياراتك في حضرتها؟ وإيقاعك الغريب :
    "ياك المسخوطة كنكول لدين مك………"
    كيف تتلقاه؟
    أحيانا حين أطيل التأمل في الناس والحياة، أستبعد هذا النمط من العلاقات، هذه الصيغة من الإنسان، هذا الشكل من الحميمية والخدش والإرهاق. يبدو لي كل شيء عادي. لا شيء يثير القلق والجفاف. لا شيء يبعث على الخوف، والإرتعاب، والاهتزاز من فرط الحمى الشهوة التي تسيطر علي حين يصعب علي بلع الريق عند امتقاع الجفاف فيك، حين تجدني أستجدي "كازا".
    - أعطيه ماركيز"
    - لالا أعطيهلي خمسة دكازا".
    تحس بجفاف قاس يعروك. يبدأ البرد يسري في. أتحسس جسدي المتهالك. أنفخ في يدي. في عمقي غير البرد. ليس في داخلي غير البرودة. أرتجف وأنا أمسك "خمسة دكازا".
    وجهان التأما وافترقا. تاريخ جاف يجمعها. واقع بارد وقاس يقتلنا دوما، يدفعنا نحو الجفاف. متى يتوقف الجفاف في الخارج؟ متى تبدأ الرطوبة؟ متى يذوب الجليد المترامي في داخلي، داخلنا، ونقتل الأشياء بشكل أفضل؟ لم أفكر أبدا في الموت. نمقت الحياة ونظل مشدودين إليها. تثيرنا رغم قساوتها وبرودتها. وهذا الموت في الداخل ماذا أسميه؟ والجفاف الممتد دوما فيك ماذا أسميه؟ انسحاق وراء انسحاق، جفاف في الدخل والخارج.

    إجا / طاطا


    في 29-09-99



    القصة الثانية


    العـنـكـبوت


    وصل يوم زفاف كلثومة بأعروس محمد وصل مثل بيت العنكبوت، مثل ماء العين القديم تحفه خضرة المروج الفاقعة. تشير عليه النساء، تستفزه سناجب الطريق، حجر الطريق، نساء الطريق، عناكب الوهم المريرة في القلب والذاكرة. لم يخلع عنه الماء. لم يخلع رنين العنكبوت الفضي عن ظهره، لم يخلع زرقة الهواء الرطب. وصل يحمل عناكب أخرى للسناجب، ملحا للعين، صناديق وافرة لعصافير القلب. لم يحاول فك الحبال التي تشده إلى الهواء والتي تبقيه حيا. لماذا يصر على البقاء. لكن لماذا تهاجر كل العصافير محنا ولم تقل لأمكنة السنونو وعدا واحدا بالكلام. كانت تقص أجنحة لها من أجنحة الغمام البري. كانت تزف وجهي حصار جميلا للعصافير. المكان لم يعد يودع أحجاره العصية. كل شيء بعيد عن السنونو. كل الغمام بعيد عن البر وكل البحر قريب من الحجر. كان رديئا مثل مناخ طاطا، مثل نكهة الأشياء المتبقية في عينيك قبل النوم، قبل قبلة الجماع. عيناك مفككة مثل أوصال الرحم، متماسكة مثل البصل البلدي. سأقدس معك زكام الشتاء، فصول المساء. لم أحاول أبدا ربط حاجبيك إلى العنكبوت. لم أحمل عطشك معي في الطريق ولم أحمل رنينا باهتا لفرو السناجب عند الظهيرة وهي تقفز تحت الحجر من صخر لصخر ومن جذع قصير لجذع أقصر. لاشيء يتسامى هنا سوى الشمس والجبال وصفرة العنكبوت. كيف يصل الملح إلى الفم وتصل النجوم إلى الأسماء ويصل السر والسحر إلى النساء هنا. كيف يتجاوز القمر بنية الجبال ويصل نوارا، شواظا من جمال غابر يذكر بتسامي النفس الأول إلى الذات الأولى. كيف وصل مثل الحجر الرضيب؟ لا يرفع عينيه إلى البيوت. سينسى فيما بعد شكل الطريق ولون السماء التي كانت فوقه وهو يغطي وجهه بقبعة بنية يقترب من شكل قبعات رعاة البقر. سيتعلم منهم كيف تتعامل مع الخلاء أو مع الصحراء أو مع الأطلس سينسى فيما بعد حجم العنكبوت، بيض السناجب، ملح الأصدقاء ويراود المكان عن بيت وحيد. يراود الزمان عن يوم وحيد، يراود الحجوم عن مساحة حاجبيها. يراود الأشواك عن مرود النساء. سينسى فيما بعد كيف وصل إلى هنا بدون حكايا، وكيف بكى بدون فقاقيع العيون. كيف انتحب مثل الفقر البعيد عن المكان كيف انتحب مثل أولياء الله في مجمع الصالحين، كيف راود وصيته عن نفسها، كيف قتل العنكبوت في زاوية البيت الأخيرة. كيف ينفض أغطيته كل ليلة قبل النوم. كيف يطرح العناكب دوما للشمس. كيف يحرق الثعابين بحنق العنكبوت في السقف.
    كان قد وصل مثل العناكب المهاجرة لسقف آخر في الفضاء. وضع حقائبه وأخرج حجما صغيرا لصورة امرأة وطمس ظهره في الجدار. استدار. طمس وجهه في الجدار. انتحب قليلا ثم استدار. يصر على فراغ الفضاء. لم يشرع يديه. لم يتحسس وجهه، كان الفضاء كبيرا مثل عناكب الصحراء وقويا مثل حبال بيت العناكب الأمازيغية. كان الفضاء عدما مثل الهجرة إلى الحجم، كان بدون عصافير تحف الصدم والمكان، تحف الحجم النيئ، تحف وجهه قبل الليل. وصل مثل الفضاء أيضا لم تحيه النار ولم تأو إليه الجبال. لم يستدر صوبه شكل ولم يفزع منه النخيل والهوام السائبة. لم يشر عليه الضب عاد يبحث عن الأطفال والماء. عاد إلى البيوت الواطئة التي تظهر أمام عينه وتختفي ليسأل كيف يكنس العناكب بيت الحبال الطويلة. كيف يزيل الضباب، الزجاج النيئ، المزن الرطيب. لم يجد طفلا ينتحي الجدران. كانت النساء تفر مثل حصان الجزر القديمة، تدخل أقبية مثل الضباء، لم تلتق عينانا، لم يكن لها حجم. لم يشرع لها حجما آخر مثل الجدار.
    عاد مثل الضب إلى جحره. جلس بعيدا عن البيت، فتح فمه للهواء وفكر في ركوب حصان النساء ليفر من جزرهم كلها. البيوت مقفلة، النوافذ مرتطمة لا سقوف ولا كوة صغيرة. لا مكان يطل من المكان. لا أحد يطل على الشريد. لا أحد يطل على الغريب. لا أحد يمد الوريد إلى الوريد في خلاء الأحجام والنفس. هنا تذكر نفسه وهو يجري ببيضة في اليد الصغيرة نحو المسجد. لا يستطيع تجاوز عتبة البيت فيبدأ بالصراخ. لا يتوقف صراخه لحظة قصيرة حتى يخرج الفقيه. يمد إليه بالبيضة ويعود بسرعة وفرح كبير إلى حضن أمه. يكمل المشهد الآن من ذكرياته ويتصور الفقيه واقفا يبتسم. لم يلتفت إليه أبدا في كل مرة ترسله أمه بالبيض.
    الآن لم تعد الطفولة تغريه بالانزياح عن رونق الصفصاف في الذهب الخليع، لم تعد ملمحا للجمال. غمس كل الأشياء في انزياح قصير وعاد يراقب ما احتمل الجمال من وله قيد القسمات الواجفة باستمرار في المساء غب النبيذ الآخر في النبيذ. وحده من يضع شاهدا على طفولته ويترك للقلب انزياحا آخر للطفولة. قد يكون أعمى الآن لكنه أبهى يحبل بتغريبة ينشرها فوق الجمال الواجف، فوق النبيذ، فوق الأسماء، قرب العناكب الصفراء. قد يكون أعمى لكنه وحيدا رأى أن عينه اليمنى لا تبصر، وأن عينه اليسرى خضراء تعد البياض قريحة أخرى لأحلام العين. وحيدا رأى أن الهديل يقترب من العين في المساء وأفرج عن بصيرة صغيرة بين العينين. أطلق البصر للألوان، الظل للطير حين تعدو قبل الهديل، قبل تغريد الدوالي في الأطلس الفقير، قبل نثر الأشياء في لغته الموجوعة دوما. الأطلس لا يمنح ماء مالحا، لا يوزع نورسا خفيفا في الفضاء، ولا يصعد ريحا للشراع. وحده نورس يتابع خفض الموت، تناسخ الأقاصي، رقة الريح قرب فمه الخفيف تهيئ الخلايا في التناسخ. يتألم الآن، يشرع الفضاء تناسخا للتناسخ يشرد عاليا، منخفظا. يلتبس عليه الارتياد.
    "حين أقتنع بك أتحطم على الممكن والمستحيل. أتنفس بطريقة غريبة، أتنفس كل شيء دفعة واحدة. ما يفتنني فيك هو الشبق المتجدد والشهوة المفتوحة. تستعرين فوقي، تترهلين، تلهثين وراء ما يقلق العقل وأنا تنكرت للعقل قبلك. كنت تقنعيني بالارتماء عليك حد الغفو. يهدهدني ترهل جسدك. لا أريد فهم خصوصية عدم التماسك فيك اختزنتيني طويلا في برودة وقساوة الليل والوحدة والفراغ والمطر حين يرتبط بالا معنى. عبرنا الشارع الطويل في ليونة الليل وانسيابية الظلام والمطر () من يختزنني الآن في هذا الخلاء الموحش. سأجد صعوبة كبيرة في خلق عزلة كاملة معك. تعرفين أن القضاء ضئيل وبيني وبينك تاريخ ونبيذ وحجر وبصر وذاكرة ".

    بدأ الأطفال يجتمعون. لم تتحدد صورهم في ذهنه بعد. أطياف وراء ظلال، ظلال وراء أطياف، أطياف وراء شواظ في القلب. لقد عَبَرَ وجلس على الوجه الآخر لمدينة الشمس والضباب الأحمر عَبَرَ. كانت المرايا شمالية، الظلال فارغة. العدم يلقي ثقل الجنوح والنهب. إلى أين وصل عبَرَ؟ كان يقول دائما "أعيدوني صوب عبور لا يفضي إلى عبور متى انتشى عابر وغازل العناصر". كانت النفس تشده للنفس قبل الريح في المرايا. قبل الشمال في القلب والخلود. قبل اليباب في الظلال والشواظ في الأطياف. حين عبر إليها انتشى بالنفس كأنه العابر الذي لا يعبره عبور. حين عبر إليها ركب سلالم الفناء وحقن نفسه باستيهام الريح قبل البحر. جنوح يديه صوب أعضائه الخفيفة حين تنتحب فاتحة وصية للمدار. هذا النحيب ليس قريبا وليس بعيدا. كان الأطفال يجاورون الظلال المتعددة، وكانت عناصره تستجير بالظلال. كان يجمع فاتحة الأولين حين شردوا، عبروا وعادوا ولم يعودوا. الأطياف مازالت تتعدد والقلب مازال يستجير بالظلال. "هل غادرت الجنائز قرنفلة تنتظر حلم شاعر انتحب ولم يحلم أبدا بما تقوله الطيور حين تفتح صغارها فم العالم كوة لِحَبٍّ صغير. لم يفكر أبدا بما قالته النجوم للفصول المفتوحة على سراويل الأطفال تويجة. لاشيء بارد يسترعي ثنية في القلب".


    إجا / طاطا


    2001


    القصة الثالثة

    ولــيــمــة
    تقسيم أول :
    يدنو المساء. أحسه : وليمة لحزن محقق. عشب أهدر على جسد النساء. حزن تفرقع من قدمين تثقلان في اتجاه الدوار.
    أغادر المدرسة. ألتفت شرقا. أسرح نفسي في السماء. وليمة لن تحبل أبدا. يحزنني أن الزمن لن يحبل بي ثانية. يأسرني الطريق المؤدي للدوار. جسد يلد الأجساد. وجوعي لن تطفئه وليمة قابعة بين التواءات الطريق.
    تراني امرأة تقف وراء الباب. تختفي كما اختفت أروع وجوهي. تتركني أكابد. لن أكابد غير الافتقاد، وأنت صورة من افتقادي، ألمي وفرحي. نسيني الوطن ونسيت الوجوه. احتفلت بنفسي فقط. أتألم حين تغيب عني الوجوه وشكل الفئران الأولى وزمن العمر الأخير ولا أحزن. ما أريده : أن يظل معي صوت الفئران للأبد. ما أحبه أن أظل أحلم بالفئران للأبد.
    لن يحزنني اختفاؤك. أنت مشهد من قلب لن يطفو على الزمن والعمر والكف والجسد. سأذكرك وليمة حزينة لأصقاع قاتلة في الفئران. سأذكرك عمرا تفجر وسال. الحزن والقمر والعمر والحزن والعمر. لماذا خرجت وعدت؟ لن أنظر إليك أبدا. لن ترين عيني وحزن القمر. وقلبي ارتجاج، بوح، وطن، واد جف قبل جفاف العمر، والوطن. وقلبي زمن.
    هل جربت عشق الفئران وأسطورة الجسد؟ زوجك يكدح، وأنت تذعنين لمساء معلم يدنو. ليس له غير هذا الزمن. جففي عمرك مني. لا تقبلي طفلك بتلك الطريقة. لا تحتمي بالأصوات أمامي. فالمساء يدنو، والمعلم يمر. يكتشف أجسادا التوت على جدران بنية وصفراء. وجوها تعلن أن الحزن والفقر والجسد قديم. الفقر والحزن والفقر والوجوه. حزنكم قديم وزمنكن غادر، وقلبكن يعر علي حزنه وضياعه.
    أمر فتخفق كل الوجوه. وقلبي تركته يحزن قبلكن، وقلبي تركته يهجر البحر وكل شيء قابل لأن يتحول إلى ماء. لن أخفق. أحبكن. لأن الحزن والقمر قديم فيكن. أحبكن. لأنكن لن تعشقن أبدا القمر حين يطلع بين كتفي. وأنا أحبل بالحزن حتى يطلع القمر بين جبلين. لن أنظر إليكن أبدا حتى تحبلن بالقمر. حتى تحبلن بي.
    يقودني العمر إليكن. أحتمي بمساء يمر فأرا. أحتمي بأجساد تخلف لغة ولوعة. لن يصدأ عمري أبدا وصوركن تنز في العمر. ترتبطن بالعشب. أعرفكن من قديم. وجوه كالحة كعمري. أجساد جافة كعيني. ككتفي. متوحدة كالعمر الذي توحد وهاجر خارج أصقاع الوجه. من يحدني وأنا بينكن؟ من يوقف الفئران في؟ ومنكن يأتي البحر. صور، وجوه،زمن، وليمة لقلب أذعن للقمر. أهفو إليك وأنت تقبلين ابنك بصوت له شهوة الفقر. أكتشفك : لك تاريخ حزين كتاريخي، أبيض كالقمر، غادر كالعمر، عزيز كالطفل. أحبك، لن أحتمي بك. لن نخلف لغة ولوعة. لن يصدأ البحر. لن يحزن زوجك : ضعيف ورقيق. لن أذعن إليك. ترتمين بسخط أمامي.
    يدنو المساء أحس بنشوة عارمة في رؤيتك. لست موجودة. ينفتح الباب البني، جميل كجبهة البحر، أبيض كعيني حين يدنو المساء. وليمة تخلف ارتجاجا، بوحا، قلبا، حزنا.
    يقودني العمر إليكن. وأبدأ بوحا من نوع خاص.
    سأرى الليلة قمرا بين جبلين. وحيدا إلا من صوت قبلة على خد طفل. حزينا إلا من أصقاعك. بعيدا إلا من صوت تقلبك على الأرض. أمر في الليل. تخرجين. معي طفل. أكيد صدمت. خلفت حزنا سيتوحد مع حزني. ونمضي الليلة نراقب قمرا بين جبلين.
    جسدك أغنية تتردد، تأتي مع غبش العشب. جسدك ذاكرة تميمة ضد القمر. جسدك واد يجف قبل هجرة الفئران إلى مدن استوائية ظلت عالقة بالقلب المترنح.
    لم نخلف سوى عمر يكابد صوت قبلة على خد طفل.
    تقسيم ثان :
    جلست. ماتت على جسر آخر عناق موجع جعلها تكتشف البدايات الأولى لأنوثتها الدافئة باللامحدود والمدهش. لم تكن تعلم أنها تختصر فتوحات الجسد. لم تكن تعلم أنها تؤسس لانهيار من نوع خاص في اتجاه الأماكن التي تحبل بالقمر طويلا. لم تكن تعلم أنها تسير نحو المتألق بجبن عن طريق محفوف بضوء الأفكار الكافية لخيانة وطن. مرجعية مشبعة بالخيانة وانتهاك مفارق الأنثى فيها.
    كانت تختصر الزمن الطويل في جلسة تحبل بقمر وعري وانفصام، فوق قمة جبل صغير. بني هو لون الأشياء القاتلة فيها. أزرق هو النصف السفلي للمرأة. أسود هو رأس المرأة. وبني هو القمر والعري والقمر. وطفلك أبيض كعمر نساء لم يكتشفن المناطق الاستوائية في جسد أزواجهن. لم يسألنهم عن معنى القمر في ذاكرة الجسد. عن معنى الصوت حين يعلق القمر تحت النصف السفلي للنساء. كيف أنظر إليك؟ أقول لك بيني وبين القمر والجبل : أحبك. لا يهم أن تسمعيني. ستبكين قريبا مني فيما بعد وتقولين بأنك تحبلين"بأحبك" كلما مررت. كنت تتعرين قليلا. كيف تذعنين والقمر قاتل كل الأشياء التي تحتمي بالمفارق. وأنا أحبل بالحزن حتى أراك. وأنا بني وصامت حتى أسمع صوت قبلة على خد طفل. يغريني بتقبيله. لكني لن أفعل.
    شفتاي وطن زنجي انحدر من ذاكرة استوائية. وجهي طفل بدائي يهفو لرنين القمر. هل القمر يمنح صوتا زنجيا له رنين؟ لم أبحث عنك أبدا. لم أغفر لنفسي هذا. ظللت تقبعين بتشنج. وعمري يغادر دون فأر. وعمري يعرف كيف يخون النساء. وعمري أول ما منحت النساء، وآخر ما ترنحت به النساء. وبين أول عمر وآخر عمر كان صوت قبلة على خد طفل يحيلني على عمر فوق قمة جبل بني، وأمامك طفل تخلف عن المدن الاستوائية، والقمر والعمر الأبيض.
    علمتني كيف أشتاق لصوت قبلة. علمتني كيف أرتجف قبل أن تتعرين ببهاء أزرق. علمتني كيف أهاجر عمرا جنائزيا فوق مدن أمازيغية ولا ألتفت نحوك. تقبعين بتشنج. تتعرين بقسوة. لا أريد أن أعرف إن كان تمة عري قبلك. ستبكين قريبا مني وتقولين بأن عمري بدأ منك. لا أريد أن أعرف إن كان تمة عمر قبلك. إن كان تمة بحر فيك. إن كنت رأيت القمر قبلي، قبل أن أعلمك كيف تحبلين بالقمر. والعمر الليلكي يبدأ منك.
    ضباب فيك. والعمر الأمازيغي لا يعرف الضباب الزئبقي ضباب فيك. لم ابحث عن الضباب. أعرفك الآن. صامتة غطاك العري. لا يغريني عريك كثيرا. سأعرف كيف أعبدك دون أن أهاجر بك إلى مدن أمازيغية نامت على ساعدي. سأعرف كيف أتعبك دون أن تنامين بقربي، وتشتاقين لعري فوق قمة جبل. تصغين إلى فتوحات القمر. قلبي يترنح حتى تتمددين، وعيناك تستقل بالقمر، وطقس الاتجاه الأزرق فيك.
    عمرك مدراج وطن موعود في الكتب الأمازيغية وجهك اتجاه استوائي. يتركك. سحقتني استوائيتك المرنة قبليني بعنف دون صوت محجري. علمتك مخملية القمر. دائما كنت أتبع القمر. كان يقودني إليك. كان يعرف أنك فوق قمة جبل. تحتك نصف أزرق، طريق أبيض. تصغين لارتجاج الأقمار الأمازيغية. مررت تحتك. لم أرفع نحوك عيني. تبعتني كل المدن المحتملة. ظللت قابعة. يحركك القمر نحوي. إليك يقودني الدفء الضيق، عبر مسارب عنقك الثقيل : أول ما لفحت الشمس. مزمور بدائي قديم.
    مهووس بك حد القمر. حد الوجه التقريبي عندك. حد أول لمسة ارتعدت لها. حد أول عمر جعلك تؤمنين بالجسد وضرورة الفرح المقصي عن العنق.
    خذي عمري وليمة لعناق لن يحبل بالوجع والمرئي. طفلان يبحثان عن قمر مكسر على عتبة الحشرات الميتة. خذي جسدي نارا معتقتة من دفء الوطن الخالد في جباه المعتوهين. كنت معتوها قبل أن أكتشف لا مرئية المعتوه. كنت معتوها قبلك.
    قبليني بعنف دون ارتجاج. قبليني بوطن دون بوح الفتوحات.

    إجا / طاطا


    في :




    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 22/12/2007 الساعة 12:22 AM
     

  4. #16  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    3
    معدل تقييم المستوى
    0
    امن انت بفكرتك اولا امن بها الى حد الاعتقاد الحار فانا لا اؤمن ابدا بفكرة تنبع من قلب بارد لا من فكر مشع
    اوقع معكم على ميثاق المربد

    ارجوا منكم ايصال مشاركتي الى الجهة المعنية بالمسابقة تعذر علي ارسالها عن طريف البريد الالكتروني الموجه من قبلكم

    طلب مشاركة


    يطيب لي انا زهراء مبارك من دولة الجزائر أن أشارك في مسابقة القصة التي أعلن عنها موقعكم * المربد * بقصة مذكرات رجل تافه .


    وتبعا لشروط المسابقة أرفقها بقصتين واحدة حائزة على جائزة دولية من فرنسا للقصة بعنوان لذة وإعصار جسد وثانية طويلة بعنوان حكاية قلب


    وهذه مقتطفات من سيرتي الذاتية

    زهرة مبارك كاتبة صحفية من الجزائر خريجة معهد الأعلام الألي لتسيير بجامعة ابن خلدون بولاية تيارت بالجزائر.
    وطالبة سنة ثالثة قانون أعمال.
    ومراسلة صحفية منذ حوالي 10 سنوات .
    تكوين صحفي مع منظمات دولية عاملة في حقل الأعلام .كفريدم هاوس الأمريكية وفريديرش ألبارت الألمانية .
    منشطة ثقافية في القطاع الخاص العامل في السمعي البصري
    موظفة بإحدى فروع شركة سوناطراك
    شاعرة مبتدئة وقاصة لها مخطوط بعنوان مذكرات رجل تافه يحوي مجموعة من القصص ( سيد الجواري، إلى حضرة المحترم جسدي ،من هنا مر المستشار ، حكاية قلب هذه الأخيرة عبارة عن قصة طويلة ستنشر في كتاب بنوغرافيا القصة النسوية بالجزائر في إطار فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة لعربية
    جائزة دولية في القصة القصيرة عن قصة لذة وإعصار جسد
    حائزة على العديد من الشهادات التقديرية والشرفية لمشاركتها في العديد من البرامج والملتقيات الثقافية بالجزائر

    مذكرات رجل تافه
    ها



    ***********
    **********
    ******
    حذفت القصة لمخالفة ميثاق المربد
    قبل أن تكون مخالف لمسابقة المربد الأدبية
    طارق شفيق حقي
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 22/12/2007 الساعة 12:44 AM
     

  5. #17 رد: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة)) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية الحمري محمد
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    76
    معدل تقييم المستوى
    17
    هذه بعض المحاولا ت التى اتمنى ان ترقى الى ما هو مطلوب.
    كل المحبة.
    القصة القصيرة الاولى.

    المشجب

    على المشجب الخشبي,وضع طربوشه,معطفه فسرواله لكي يتجنب عناء كيه ثانية.تمدد ليريح قدميه وظهره من وقوف النهار...ونفسه من اهاناته المتكررة...نظر الى المشجب بتوجس....
    تحرك ببطء,فتح الباب ... وأحكم اغلاقه خلفه..هرول وسط الزحام.
    نجا من نزق دراجة حادت منكبه.
    دلف من الباب المحروس للبناية.لم يوقفه الحارس لأن الشارة لاتزال تزين الجانب الأيسر من المعطف.اندس مع آخرين في مصعد خاص...
    فتح الباب دون أن يطرقه,لم يغلقه...
    خلف المكتب رجل بدين يرفع قدمين نزع عنهما الحذاء والجوارب...
    اندهش.كيف لبوابه أن يقتحم عليه خلوته دون استئذان؟
    ولان الباب ظل مواربا,سمع دوي صفعة...
    فتفككت أوصال المشجب الخشبي...
    على الخد الأيمن أثر اعتداء عميق...
    دلت الشارة عليه...اقتيد من على سريره ـ حيث أراح ظهره ولم يرح نفسه من اهانات الصباح ـ بتهمة تحريض الأموات ....

    القصة القصيرة الثانية

    حكاية شجرة

    كان علي أن أنحنى قليلا,رغم قصر قامتى,لألج بهو المسجد العتيق...
    استقبلتنى كعادتها,منذ سنين خلت,نضارة..صلابة...ورائحة فريدة...
    شجرة التين هذه,خلسة ونحن نمحى الواحنا تحت ظلها,كنا نقطف ما تدلى منها ـ غالبا ما تكون تمارا لم تنضج بعد ـ لتتشقق شفاهنا بعد يوم واحد كدليل على تلبسنا.فكان العقاب ...لا خروج لمحو الالواح
    كل قطرة ماء سقطت,في بهو المسجد العتيق,كانت تسقي شجرة التين تلك.ماء الواح...ماء مطر...ماء وضوء...ماء...
    شجرة التين هاته لم يمل الفقيه من تشبيه رؤوس الشياطين بفروعها الضخمة...وحدثنا أكثر من مرة,خصوصا كلما حل مريد جديد,عن سر تلك الاقمشة التى تعلو أغصانها...حدث أن تسلقها طفل في سنكم ...علق بها منذ ذلك الزمن... تحول الى طائر ابيض يحرس الشجرة ليلا...
    اقتربت من صبي يصارع لاخفاء حرف القاف من على لوحته ـ كانت الكلمة اقرأ ـ
    استهوتنى رائحة الصلصال ولزوجته...ربت على رأسه الصغير...سألته ـ فقط لكي أعرف هل لا يزال هناك وجود لخرافة الفقيه ـ لمن هذه البقايا من الاقمشة؟
    رفع عينين يشع منهما الذكاء وأجاب
    ليخيفنا بها نحن العصافير...وابتسم


    القصة الثالثة
    الدورية

    كان الحاكم الفرنسي يجبر أهل الدواوير التى تحاديها خطوط الهاتف على حراستها ليلا.
    وكلما جن الليل, رأيت أشخاصا أسندوا ظهورهم لأعمدة الهاتف,لدرجة صارت معها الأعمدة تحمل أسماء حراسها.وكانت الأوامر...بين كل عمودين محروسين, عمودان دون حراسة.لسببين اثنين
    الأول,ليبتعد الحراس عن بعضهم حتى لا يلهيهم الحديث عن الحراسة
    والثاني,ليضمن الحاكم تغطية كاملة على طول الخط الهاتفي.
    فضلت العمود العاشر لقربه من المدرسة التى ستكون وجهتى مع ساعات الصبح الأولى ...
    ولكي أكون قريبا من رجل فى عقده الرابع, من القرية المجاورة,كان يعفينى من حراسة العمود ـ اعترافا منه بجميل والدى عليه أن علمه القرآن ـ وكان لا يوقظني الا عندما تقترب دورية الحاكم الفرنسي الذي لا يتردد فى اصدار حكمه والذى صار معروفا ...شهرا حبسا لمن ضبط نائما...لينفذ الحكم صباح اليوم بمكتب الحاكم الفرنسي بزيه العسكري, واستحمامه الصباحي,ورائحته الافرنجية...
    في احدى دورياته, كنت نسيت ما يشبه المحفظة معلقة على عمود الهاتف الذى أحرسه,لكي لايتسلل النمل لقطعة الخبز الأسود وقنينة الشاي القطرانية اللون.
    سألني الحاكم بلكنة وجدت صعوبة في فهمها
    اش هذا؟{يعنى ما هذا؟ّ
    وأشار الى محفظتي المعلقة.
    أجبت لتوي وبثقة طفل أراد أن يظهر,في أول فرصة أتيحت له,براعة اتقانه للغة الحاكم الفرنسي...
    Mon cartable Monsieur
    فكانت آخر ليلة أحرس فيها عمودي العاشر...
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 02/12/2007 الساعة 10:47 PM
     

  6. #18 رد: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة)) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    ليبيا
    العمر
    60
    المشاركات
    4
    معدل تقييم المستوى
    0
    القصة الأولى


    حبة أسبرين


    (( نُكب البرامكة ، يقول التاريخ ، نكبهم الرشيد فشتت شملهم ، صاروا أثراً بعد عين . ))

    تجولت الذكرى برأسي ، تخيلتُ مشاهد الذبح الحلال والسياف المجتهد بفصل الرؤوس عن أجسادها ، وتختلط الأجساد برؤوس غيرها ، هذا الرأس ليس لهذا الجسد ، أين اذاً جسده ؟ ، وذلك الدم يجري بينهما جسدٌ ميت ورأس مقطوع .

    ـ ونُكبتُ أنا ، ( كان يحدث نفسه كالممسوس ) ، نُكبتُ أنا ، ليس الرشيد هذه المرة من نكبني ، لكنها هى ،
    هي يا مستور .

    خاطبني للمرة الأولى .

    عاد لهذيانه ، وعدت أنا لبعض شأني ، كنت أضمد جرحاً لا دماء له ، أغلق بحبة الاسبرين ثغرةً في رأسي لكن الصداع يرفض هذه الحيلة المستهلكة وينصب الألم عرسه الصاخب ، هناك ، وسط جمجمتي تماماً ، تحرث سنابك خيله الظافرات ساحة جبهتي ويظل يوجعني بايقاعات طبوله المدوية .

    (( و نكب المسلمون ذلك اليوم ، كانت هند تأكل كبد حمزة ، تمضع اللحم ولذة الشبع تداعب مذاقها ، كانت كبد حمزة شهية الطعم ذلك اليوم ، وكانت المرارة في افواهنا الى اليوم ))

    عاد للهذيان :
    ـ ونُكبتُ أنا يا مستور ، لم تأكل كبدي هند ، لكنني صرت الآن عدماً ، أُكلتُ تماماً ، ولا أتهم هنداً بشئ ، هي التي فعلت .

    لم أعد أطيق مجرد الإنصات إليه ، كان الصداع يحفر بالألم تجاعيداً لا أراها لكني أحس بها ، يزداد النبض ، يتدفق الدم في الأوردة الضيقة فتئن منه ، انتفض مع سياط الألم .. أتوجع .. أكتم آهة وأعجز بعد ذلك عن الكتمان ، ويظل الوجع يسكن رأسي بلا أمل في الرحيل .

    (( كانت سيوف الرشيد تقطع أوصالهم .. أولئك البرامكة .. وفي توقيت واحد أُرسلت فرق الموت الى البيوت تحص كل من ينتسب اليهم .. كانت دماؤهم تلطخ أبواب بيوتهم ))

    ـ اسمعني جيداً .. سأعترف لك يا مستور .. انتظرتها لشهرين .. قمران كاملان .. مشرقان كألف شمس عبرا سمائي .. أحدهما همس لي بمودة بيضاء كوجهه :
    ـ انها مقبلة اليك .. الآن .

    عاد للكلام معي :
    ـ وأقبلت يا مستور .. رأيتها .. كان النسيم يلهو بظفائرها كعادته .. سعيتُ اليها .. من عادة النهار أن يسعى الى شمسه .. بدونها لا يصير نهاراً لذلك يسعى اليها .. أنا ايضاً فعلت لكنها اختفت .. واختفيت أنا أصبحنا ظلالاً لا شكل لها .. تبتعد كلما ارادت الاقتراب .. كنت على ضفة الغدير يا مستور والعطش يقتلني لكني عدت منهكاً يقتلني العطش .
    كان بودي أن أواسيه ببعض الكلام الطيب .. أن أمسح القليل من احزانه بالقليل من الود لكني عجزت واستعصى على فمي الحديث فقد كان الصداع يتوغل بجحافله داخل العين اليمنى ومنها يرسل جنوده الأشداء الى اليسرى فاعجز عن مجرد التركيز .. كانت الأشياء تبدو لي رمادية ومائعة مالسراب .. وكنت اسند رأسي بيدي .. أضغط بوهن واتقلب في كل اتجاه .. لابد أن يسكن الألم عند هذا الوضع او ذاك الآخر المهم ان يمد لي يده بهدنة مؤقتة .. ارسلت له الرسل .. طلبت الصلح .. توسلت .. لا املك غير هذا الرأس فلا تعبث معي ايها الألم .. لي هذه الجبهة فابعد سنابك خيلك عنها .. دعني أنصت إلى الرجل يشكو ما الم به .. دعنى احيا هذا العمر القصير .. ودعني الآن .. كن على الأقل أقل حدة .. ايها الصداع .. اتحدث معك فاسمعني .

    (( .. ويقولون ان الرشيد لما رأى سطوة الفرس على العرب قرر أن ينكب البرامكة فغضب على وزيره " جعفر البرمكي " .. ومن أحد جسور بغداد استوحى الفكرة .. فشق جسـد الرجل وعلقه نصفاً على كل جانب ))
    شئ كالصداع النصفي .. نصف هنا وآخر هناك .. وجد الرشيد علاجاً للصداع وعجزت أنا . فيما كان صديقي المنكوب كالبرامكة يواصل سرد حكايته من وراء طوفان الألم الذي يضرب رأسي بحقد لا افهمه :
    ـ نكبتني يا مستور .. أشرقت على كالشمس لكنها غربت قبل أن أملأ عيني من نورها .. اختفت يا مستور وعاد لي البرد وذلك الانتظار القديم .. مستور .. ( خاطبني باهتمام هذه المرة ) عاد لك الصداع ؟ ما رأيك بحبة اسبرين ؟




    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 22/12/2007 الساعة 12:46 AM
     

  7. #19 رد: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة)) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    ليبيا
    العمر
    60
    المشاركات
    4
    معدل تقييم المستوى
    0
    القصة الثانية
    السحابة العاشرة

    (1)

    هناك .. في اقصى الأفق .. حيث يوجد البعيد وتعصب السماء رأسها بتسع سحابات ناصعة كالثلج بينما تراقب العاشرة ما يجري .
    الواقع ان لا شئ يجري .. هذه ليست مفاجأة فذلك الأفق الممتد بلا نهاية لا يضمر شيئاً .. لا ينوي الخير ولا الشر .. انه مجرد افق يعصب رأسه بتسع سحابات بينما تراقب العاشرة ما يجري .

    (2)

    هناك .. مرة أخرى هناك .. اشتقت لوجه حبيبتى و فنجان قهوة .. ربما كانت خطيئتي انى بدأت بالقهوة .. على قعر الفنجان تشكل وجه الفقيه :
    ـ حبيبتك ؟ .. كيف ؟
    سألني والشك يسيل من جوانب فمه كاللعاب :
    ـ هل في الموضوع حلال أم حرام ؟
    عاد للشك :
    ـ في الموضوع عاطفة ؟ حنين الى االبعيد عن متناول اليد القريب من متناول القلب ؟

    خرج الوجه من الفنجان بعض الشئ .. صار اكثر وضوحاً :
    ـ رجس من عمل الشيطان ؟
    صاح في وجهي ، غافلته وشربته مع القهوة .. صار الفنجان جزيرة من سائل حاد المرارة وصرت سندباداً ضائعاً بلا حتى حطام سفينة ومن بعيد ظل وجه حبيبتى يسكن قعر الفناجين خائفاً من وجوه غائمة الملامح تتشكل على سطح قهوة سوداء .

    (3)

    قررت أن اصبح بطلاً ..
    اخبروني ان عبور الصحراء بطولة وان عبور البحر بطولة.. وان رفع الاثقال بطولة ..وان الصمت هو اكبر البطولات.
    قررت ان اصمت ( بطولة كبرى بثمن قليل ) قلت لنفسي :

    ـ في الصحراء سيقتلني العطش وفي البحر سأموت غرقاً .. وسأعجز بالتأكيد عن رفع الأثقال .
    قلت لنفسي .. وهكذا كان .
    اشتريت منزلاً جدرانه كاتمة للصوت وحديقته لا تغني فيها الطيور .. وتزوجت قطعة من هدوء مميت وأنجبت اطفالاً بلا السنة .. اخترت حياة مليئة بالصور بالمشاهد .. لكنها بلا صوت .

    كنت احب الطرب لكني صرت استمع الى مطربين يحركون شفاههم ويلوحون بايديهم دون أن يتفوهوا بكلمة واحدة .
    هكذا صرت بطلاً .. لكني مت .. توفاني الله .. فقد قتلني الحنين الى الكلام .

    (4)

    " الجامد " عفريت طيب .. لم يؤذ بشراً طيلة حياته المديدة ، لم يسكن قارورة من زجاج ازرق ، ولم يدركه النوم داخل ابريق لزيت الطعام ، ولم يتشكل يوماً في صورة وحش كاسر او حتى ارنب وديع .

    " الجامد " عفريت حسن السمعة يسكن بيته الخاص به .. المخصص للعفاريت امثاله .. لكن الرجل ( اقصد العفريت ) وقع فى الحب ، عشق فاتنة ، الواقع انه صبر طويلاً قبل ان ينهار على هذه الصورة :

    ـ فاتنة بشرية رائعة الجمال وانا مجرد عفريت بشع وان كنت حسن السمعة بعض الشئ .
    قال لنفسه ثم اتخد القرار الصعب ..
    ارسل اقاربه الى اهل محبوبته كما يفعل الرجال الطيبون..لم يسكن جسدها او يتسبب لها بالكوارث :

    ـ ابنى عفريت مثابر .يمتلك مستقبلا زاهرا وسبع سحابات بيضاء وقطيع من الغيوم المتخمة بالمطر و.يستطيع ان يوفر لها سكنا لائقا.. صحيح انه لا يحب اباريق الشاى لكنه مستعد للتضحيه من اجلها .

    تكلم والده الشيخ بلهجة رزينة اثارت اعجاب الحضور.
    وافقت البنت..وافق اهلها وبارك أقاربها الزواج المثير للجدل.

    تزوجت " فاتنة " عفريتها الطيب..
    مر زمن طويل على هدا الحدث.. صارت فاتنة اليوم زوجة راشدة تسكن غيمة منذرة بالمطر وترعى قطيعا مباركا من السحب البيضاْء..فيما يدمن زوجها الطيب النوم تحت اجنحة الطيور العابرة مزهوا بزوجته الحسناء وسمعته الطيبة.


     

  8. #20 رد: مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة)) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    ليبيا
    العمر
    60
    المشاركات
    4
    معدل تقييم المستوى
    0
    القصة الثالثة
    قلب العفريت
    ـ هكذا هو القلب ، أربع حجرات متجاورة ، يخرج منها الدم ليدخلها من جديد ، كتلة حمراء بحجم قبضة اليد ، ينقبض وينبسط طوال عمره ليزيد في أعماركم .
    أيها البشري التافه ، كيف تحمّل قلبك ما لا يُطاق ، كيف تملأ حجراته الأربع بثقل تنؤ به الجبال ؟
    كان المارد الأزرق اللون الذي انطلق لتوه من تلك الزجاجة يهدد ويتوعد ويرفع صوته الجهوري المرعب في وجه الصياد الهزيل البنية ، الرث الثياب ، الذي انكمش بتأثير الخوف فيما كانت أعضاؤه ترتجف كورقة في مهب الريح :
    ـ لم اجترح المعجزات ، اعذرني أيها العفريت المبجل ، لم اقصد ايقاضك من غفوتك ، كنت اتوسل من هذا البحر الزاخر سمكة وحيدة اقتل بها جوعي فلما التقيتك طمعت بالمزيد .
    جلس العفريت الضخم على رمال الشاطئ ، وأرغم صياده البائس على الجلوس ، فبدا الأمر وكأن جبلاً من الجرانيت الأسود يستضيف ذبابة خجول .
    ـ ولكنك لم تطلب ما يُستحق أن يُطلب من جني مقتدر مثلي ، عفريت في مثل كفاءتي كان يجب أن لا يوقظ من سباته إلا لأمر خطير ، أما أن تقض مضجعي لتطلب مني أن أزوجك ابنة عمك لمجرد أنك تحبها فهذا هو الهراء بعينه .
    لملم الصياد أطراف شجاعته واستعاد أمجاد بشريته التليدة ليتذكر أخيراً أنه حفيد النبي سليمان ، ذلك البشري الذي دانت له رقاب الجن لسنين لا يعلم عددها الا الله ، وبمهجة يمزقها الخوف واجه العفريت المتمرد قائلاً :
    ـ أنا من حررك من الأسر ، وأنا من يأمرك بطاعتي ، هكذا أخبرتنا الحكايات وقالت لنا الأساطير ، غيري كان سيطلب منك جبلاً من ذهب أو قصراً مترعاً بالجواري ، أنا لا أريد عرش بلقيس ، ولا بلقيس ذاتها ، تكفيني ابنة عمي التي اعشقها ، ايها العفريت العاجز ، عن أي كفاءة تتحدث ما دامت قدراتك متدنية الى هذا الحد ؟
    ابتسم الجني لأول مرة فاندلع من فمه البشع لهب أزرق خفيف ، فسرت في المكان موجة من الدفء رغم الريح الشمالية الباردة والغيوم الملبدة بالسواد المنذرة بالمطر :
    ـ شئ واحد لا افهمه ، كيف يمتلئ قلبك بالحب ، بينما يخلو كيسك من المال ، لعل هذا هو سبب فقرك ، قديماً قال حكماء الجن ان المال والحب لا يجتمعان في قلب واحد ولو كان بأربع حجرات ، اسمع ايها البائس ، الآن ادركت سرك العظيم ، لن تكون فقيراً بعد اليوم ولن تضطر الى استجداء مجرد سمكة من هذا البحر المالح ، عاينت الداء ووجدت الدواء ، مثلك لا يسعده جبل من ذهب ولا قصر مترع بالجواري ، سأمنحك قلباًً لم يحلم به بنو البشر ، سيكون لك قلب جني لا يعرف العشق ولا يدخله الدم أو يخرج منه ، عاينت الداء ووجدت الداء .
    رددت الأمواج المضطربة رجع الصدى فانطلق صوت العفريت الصاخب جارفاً في طريقه الرمال الناعمة الرمال الناعمة ، فيما كان الصياد المنهك يعود ادراجه حاملاً شبكته العتيقة وقد التهب صدره بوهج ساخن بعث في أوصاله دفئاً لا حدود له رغم الرياح الشمالية الباردة ورغم الغيوم السوداء الملبدة بالسواد المنذرة بالمطر .
     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات قسم القصة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 15/03/2010, 05:15 AM
  2. مشاركات قسم القصة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 27/11/2008, 05:21 PM
  3. مشاركات مسابقة المربد (( قسم الشعر))
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 04/12/2007, 04:52 PM
  4. مشاركات مسابقة المربد (( قسم الرسائل الأدبية))
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02/12/2007, 01:28 AM
  5. القصة من خلال مسابقة المربد الثانية
    بواسطة مريم احمد في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 21/11/2007, 04:47 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •