النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: لقاء حواري مع الأخ الكريم .. عبد الجواد خفاجي ...

  1. #1 لقاء حواري مع الأخ الكريم .. عبد الجواد خفاجي ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36






    لقاء حواري مع الأخ الكريم
    عبد الجواد خفاجي


    سلام الله عليك أخي الكريم
    عبد الجواد
    ورحمته تعالى وبركاته
    بعد الدعوة إلى هذا اللقاء الحواري، وقبل أن أبعث أسئلتي مبحرة مستكشفة في يم هذه الرحلة النقدية الشيقة، أستهل هذا المقام الثقافي في رحاب شروق الغناء بالبدء التالي:
    لنقد الأدب نبض جميل ...
    لهذا الكائن الثقافي العلمي الحي أصوات، وأصداء، وأثر أصيل ...
    ثم كيف بألق الآثار الأدبية؟ وكيف بنهج النقد الأدبي السوي الجميل؟
    أحقا لن يفيد نقد الأدب في شيء كثير أو قليل؟ ثم أحقا أن ذات النقد ما هو إلا ظل للعمل المنقود دون حشو في تعريفه أو تطويل، وأنه كتابة على الكتابة ذات شأن هزيل؟
    ***
    النقد الأدبى والإحتطاب الكثيف
    "حاولت في كتابي (استضافة النص) اجتياز الرغبة في الاحتطاب التنظيري إلى الفعل الإجرائي التطبيقي الذي يمارس النظر في النصوص الشعرية، واضعًا في اعتباري إمكانية استضافة النص فترة كافية لعقد صلات حيممة معه بهدف معاينته من جميع أوجهه، بغية الدخول إلى النص من مداخل أختارها، لا بصفتي مخْلِصًا لمنهج ما، أو لنظرية ما، بل بصفتى مخْلِصًا للنص وحده.
    إن الإخلاص للنص يعنى بالنسبة لى إعطاء كافة الفرص للنص لممارسة سلطته علىَّ بصفتى قارئًا وحسب؛ ليختار النص نفسه أو ليفرض علىَّ طريقة المداخلة واستراتيجيتها، ومن ثم ستتعدد طرائق المداخلة واستراتيجيات القراءة من نصٍّ لآخر .. هذه واحدة، الثانية أننى كقارئ للنص له ذائقته ووعيه، وبصفتى مضيفًا غير قاهر للنص، لن استسلم لسلطة نصٍّ ما بنفس القدر الذى استسلم به لنصٍّ آخر، ولا بنفس الكيفية، كما أننى لن أكون بريئًا تمامًا فى تعاملى مع النصوص، بل علىَّ دائمًا أن أحاور النصوص، وأن أسائلها، وأن أستفزها بقدر ما تستفز قريحتي، حتى تستسلم أو تسلم، هكذا يمكنني أن أتصور أن فعلنا النقدي في هذا الكتاب يركز على العلاقة الحميمة المتبادلة بين القارئ والنص ..."
    عبد الجواد خفاجي
    ***
    سؤال قبل الأسئلة
    من هو عبد الجواد خفاجي جملة وتفصيلا؟
    سؤالي الأول
    كيف ترى النقد الأدبي المعاصر؟ وما خلاصة رأيك في أهل نقد الأدب بين الأمس واليوم؟
    سؤالي الثاني
    ترى هل بلغ النقد الأدبي العربي اليوم المكانة اللائقة به؟
    سؤالي الثالث
    كيف تنظر إلى جوهر العلاقة القائمة بين الكتابة والقراءة في ضوء النقد الأدبي؟
    سؤالي الرابع
    هل ثمة أبواب لنقد الأدب لم تطرق بعد؟
    سؤالي الخامس
    في اعتقادك ما الذي تبقى اليوم من صوت وصدى النقد الأدبي القديم بين النقاد العرب المعاصرين في زمن التواصل عبر شبكة المعلومات الدولية؟
    سؤالي السادس
    ما هي عناوين المؤلفات النقدية، العتيقة والجديدة، التي بقيت راسخة بقوة في ذهنك بعد القراءة؟
    سؤالي السابع
    ترى هل بإمكان الأعمال النقدية أن تقوم مقام الأعمال الإبداعية المنقودة؟
    سؤالي الثامن
    هل ما زال أغلب نقاد الأدب يعانون من حمى المناهج، بقدر ما زالت الأعمال الأدبية تشكو الإغتراب؟
    سؤالي التاسع
    كيف تنظر إلى ما تم الإصطلاح عليه بالمنهج التكاملي؟
    سؤالي العاشر
    ما حظ الأدب الإسلامي من كتاباتك النقدية، وما نصيب النقد الأدبي الإسلامي من اهتمام عبد الجواد خفاجي؟
    سؤالي الحادي عشر
    ترى هل حظي أدب السيرة الذاتية قديمه وحديثه بما يستحقه من الإهتمام لدى النقاد العرب؟
    ***
    هذا أريج حروف حوارية أرسلته فراشة محلقة شادية في سماء شروق الوضيئة، عسى أن يستقبل القارئ الكريم شدوها وتحليقها بقبول حسن ...
    في انتظار إجاباتك مسهبة ومقتضبة
    حياك الله


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 21/10/2007 الساعة 02:40 PM

    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: لقاء حواري مع الأخ الكريم .. عبد الجواد خفاجي ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36






    لقاء حواري مع الأخ الكريم
    عبد الجواد خفاجي


    الأخ العزيز الأديب أبو شامة المغربي
    لك التحية والتجلَّة وكامل التقدير، وكل عام وأنتم بخير،
    الشكر لك على تفضلك بمثل هذا التوجه الكريم، الذي يكشف عن وسيع اهتمامكم الثقافي، وحرصكم على التواصل الإنساني والثقافي.
    عزيزي أبو شامة لقد اكتشفت بالصدفة هذه المساحة من الود التي أعددتها لي، وإنني إن شاء الله للوداد من الحافظين، وإن كنت متمنيًا عليك لو نبهتني عن طريق بريدى الإلكتروني إلى ما أعددته لي ـ هنا ـ من مأدبة حافلة بأطاييب المودة، والكرم، وعامرة بأسئلة جد محفزة علي الحديث، وإطلاق الرؤى.
    على أية حالة هي مصادفة جميلة، ومن ثم لن أستهلك الوقت في العتاب ...
    سألج الآن إلى سؤالك الأول:
    س: من هو عبد الجواد خفاجي جملة وتفصيلا؟
    ج: بالتأكيد سيعرفنى القارئ الكريم عندما أتكلم، ربما المناسب الآن أن أقول: إننى إنسان يجالد واقعة، ويفضحه فى الآن ذاته، إنسان يمارس الحياة لحظة موته؛ ليصحو على موتةٍ جديدة .. الكتابة عندى هي زاد المسيرة، والمسيرة تبدأ دائمًا من لحظةٍ للولوج من سَم الخَيَِاط .. يقال إننى من مواليد 14/ 10/ 1958م بَيْدَ أننى حقيقةً لم أولد بعد.
    ـ كثيرًا ما يكون الأمر بحاجة إلى تعريجة شخصية في مثل هذه اللقاءات، وربما لهذا سأوفر عليك الكثير، ولن أخجل من القول:
    نشأت في مجتمع قروي زراعي، فى أسرة فقيرة، واحدًا من اثني عشر ابنًا لأبٍ أزهري يعمل معلمًا بالمعاهد الأزهرية، أحسن التوجيه منذ الصغر إلى أهمية التعلم، وضرورة حفظ القرآن، موفرًا ما يمكنه من كتب لمكتبته المنزلية، التي كانت بتنوعها وثرائها محكًا حقيقيًا لعشق القراءة ورغبة المعرفة.
    بدأت تعليمي الجامعي دارسًا فى كلية العلوم بقسم البيولوجيا عام 1974م، ممتثلاً لرغبة مكتب تنسيق القبول بالجامعات الذي يحتكم غالبًا لمجموع درجات الثانوية العامة، لذلك تركتها ـ بعد عامين ـ بسبب رغبتى فى دراسة الهندسة، لألتحق عام 1976م بكلية الهندسة والتكنولوجيا جامعة حلوان بالقاهرة (قسم الميكانيكا)، ثم لأتركها بعد عامين رغم عشقي للدراسة بها ؛ لعجز والدي عن تدبير نفقات الدراسة.
    سافرت بعدها إلى عدة دول عربية باحثاً عن فرص للعمل الذى يتيح لى إمكانية تدبير ما يلزم من نفقات لاستكمال الدراسة، ولتدعيم موقف والدي المالي من أجل تمكينه من مواصلة تعليم بقية إخوتي، ثم عدت عام 1984 إلى مصر، ولكن بعد فوات الآوان، فقد كانت كليتي التي ابتغيها اتخذت قرارها بفصلي لتغيبي الطويل عنها، لألتحق بالخدمة العسكرية في الجيش المصري، ثم لأتزوج وأصبح عائلاً، ثم لأستأنف دراستي الجامعية مرة أخرى ولكن ـ هذه المرة ـ فى كلية التربية جامعة أسيوط قسم الرياضيات ، تركته بعد عام بسبب سوء حالتى الصحية التي لم تكن تؤهلني لحضور الدروس العملية والوقوف في معامل الكيمياء والفيزياء لساعات طويلة يوميًا، التحقت بعدها بقسم اللغة العربية بنفس الكلية لأتخصص في اللغة العربية وآدابها، إلا أنه وبسبب خلاف علمي مع استاذ مادة النقد الأدبي حول المذكرة التي كنت أدرسها في مادة النقد والتي كانت من وجهة نظري غير وافية علميًا .. بسبب هذا الخلاف الأخير أصر ذلك الأستاذ علي اعتباري راسبًا في هذه المادة ما دام كلانا في وجه الآخر فى نفس الأكاديمية، الأمر الذي أضطررت معه إلى ترك الكلية بصفة مؤقتة، إلى أن تعاقد ذلك الأستاذ مع جامعة خليجية وترك مصر لفترة استطعت فيها الحصول على المؤهل العلمي قبل عودته من الخليج .. إنها رحلة شاقة ومتنوعة مع الأكاديميات العلمية والتخصصات المختلفة لكنني راضٍ أخيرًا عن تلك الخريطة التى مشيت فوقها .. إنها قدري الذي شاء أن أعب من مناهل ومشارب علمية مختلفة وأمر بتجارب جد عسيرة صنعت إلى حد كبير شخصيتي التي أواجه بها الزمن الآن وربما فى الغد ، وهيأت شخصيتي لمواجهة ظروف الحياة ومهما تكن صعبة إلا أننى أستشعر أننى لها دائمًا، وعلى نحو أخر شكلت قريحتي بشكل خاص لخوض غمار الكتابة الروائية بصفتها نشاطًًاً دؤوبًا بحاجة إلى صبر وجلد، وتأنٍ ومثابرة، وباعتبارها معايشة حقيقية لتجارب متعددة، وباعتبارها ثراءً رؤيويًا بحاجة إلى ثقافة متعددة وشاملة، وباعتبارها مرادفًا فنيًّا للحياة نفسها، وباعتبارها طموحًا إلى استيعاب الواقع، مثلما أنها تمثيلاً للدراما باعتبار الأخيرة تجسيدًا لقضايا الإنسان في صراعه من أجل البقاء، وباعتبارها تنوعًا ومفارقة، وحركة لا تريم، ربما لكل ذلك أنا راضٍ عن خريطة حياتي بكل ما أسفرت عنه حتى الآن، يعزز من رضائي هذا إيمانى بالله، وقدريتي التي جُبلت عليها باعتباري رجلاً قرويًا تربى بداية حياته في كُتَّاب القرية، ووسط جماعات الفلاحيين القدريين تمامًا.
    أعمل الآن معلمًا لمادة اللغة العربية بإحدى المدارس الثانوية للبنات بمحافظة قنا بجنوب مصر، حيث أقيم كراهبٍ من رهبان الجنوب المصري البكر مستمسكًا بطزاجة الحياة الريفية الجميلة في صعيد مصر حيث كنز مصر الثقافي المستجهل فوق الخارطة المصرية، وحيث أستمد منه مسيرة حياة روائية أتمني لها التوفيق،
    لك شكري على طرحك لمثل هذا السؤال

    وإلى لقاء مع سؤالك التالي أتركك فى رعاية الله
    والسلام عليكم ورحمة الله
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 21/10/2007 الساعة 02:41 PM

    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: لقاء حواري مع الأخ الكريم .. عبد الجواد خفاجي ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36





    سلام الله عليك مجددا أخي الكريم
    عبد الجواد خفاجي
    ورحمته جل وعلا وبركاته
    وبعد ...
    عيد فطر مبارك سعيد، وكل سنة وأنت وأهل شروق بألف خير، وتقبل الله منا صالح الأعمال ...
    لك زهر الشكر وأريجه، ولك سني التقدير وبهاءه على كريم إجابتك دعوتي المتواضعة في ظلال شروق الزاخرة بكل ما هو أصيل، والمتألقة بكل حرف عربي جميل ... والشكر موصول للأخت الكريمة فاطمة غولي ...
    في انتظار باقي حروف إجاباتك المشرقة

    حياك الله


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: لقاء حواري مع الأخ الكريم .. عبد الجواد خفاجي ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36





    أخى العزيز الأديب/أبو شامة المغربي
    لعلك بخير
    وعودة إلى حوارك وسؤالك:
    كيف ترى النقد الأدبي المعاصر؟ وما خلاصة رأيك في أهل نقد الأدب بين الأمس واليوم؟
    ***
    العزيز/ أبو شامة :

    النقد ـ بصفة عامة ـ ظاهرة حضارية، من شأنها أن تضبط مسار العلاقة بين الإنسان وذاته والإنسان وغيره والإنسان والكون من حوله، وهو عملية فكرية تعتمد على الوعي والعلم والخبرة الإنسانية والفلسفة، وهى تعمد إلى التحليل العميق للفعل الإنسانى، وللسلوك البشرى، ولكافة العلاقات القائمة فى المجتمع الإنسانى .. ومن شأنه أن يقدم رؤية باتجاه الحاضر الإنسانى ومتطلباته، وبخصوص اللحظة ومتطلباتها، وهو يضع المصير الإنسانى نصب عينيه، كما إنه يوظف الوعى بالتراث الإنساني، لا بعتباره نبراس الحاضر، بل باعتباره جزءًا مكينًا من ثقافة الشخصية الإنسانية الواعية .. النقد إذن رسالة إنسانية سامية، ومن شأنه أن يقدم منجزاته باتجاه الحاضر طرحًا للرؤى، وتصويبًا للمسار وتقويمًا للعلاقات، والنشاطات، وإضاءة للعقل ، وإنارة للطريق أمامه.

    قد يختلف الخطاب النقدى باختلاف الفلسفة السائدة ، أو باختلاف الأيديولوجيات ، أو باختلاف الأسس الإبستمولوجية (المعرفية) التي يعتمد عليها، إلا أنه فى النهاية يعبر عن توجه حضاري، ولابد له من الارتباط بسياق حضاري له قيمه الجمالية والروحية والثقافية والمعرفية، هذا السياق وحده هو ضابط العملية النقدية ذاتها، أو بالمعنى أنه يأتى فى السياق وليس منفصلاً عنه، ومن ثم عندما نتحدث عن أزمة النقد فإننا بالضرورة ـ وعلى نحو غير مباشر ـ نتحدث عن أزمة الحضارة نفسها.
    ومن هنا نأتي إلى سؤالك عن النقد الأدبي ـ وهو بالضرورة جزء من الخطاب النقدى العام ـ لأسألك: هل نحن بالفعل نعيش لحظة حضارية مأزومة؟

    إذا كانت الإجابة بنعم، فلا شك أننا بدأنا نعترف بعلات النقد،
    إنني أرى النقد الأدبي صورة من واقع أمته ـ على فرض قيام هذه الأممية .. لقد ظلت ساحتنا العربية ومازالت ساحة لصراع الأيديولوجيات الوافدة، ولتبعية سياسية مطلقة لحلفاء استراتيجيين، بينما الأمر فى الماضى كان غير ذلك .. كنا فيالماضيأمة استطاعت أن تؤسس بالفعل والرؤية مجتمعًا اسلاميًا أفاد مما بين يديه من معطيات حضارية، ومن منهج إسلامي شامل أتاها من السماء ـ وما أكثر ما خصتنا به السماء ـ فى هذا الشأن وغيره، كما أفادت من تراثات وحضارات أمم أخرى مقهورة أمامها، لذلك بدأت النهضة الحضارية على أسس علمية، وعلى أساس من منهج موحد، وأيديولوجيا ثابتة واضحة.
    أما والحاضر مؤسف، حيث ظلت تبعيتنا السياسية والفكرية والعلمية والأيديولوجية للغرب هى ديدن الباحثين عن التواجد فى العصر، وثمة فارق بين التبعية، وما حدث فى الماضيمن توظيف التراثات والحضارات الأخرى والإفادة منها .. إنها العلاقة التى يجب أن تفهم فى إطار الحضارة القاهرة والحضارة المقهورة، ومن الطبيعى أن تستمرئ الحضارة المقهورة التبعية للحضارة القاهرة.
    فى إطار التبعية، التى يحلو للبعض وسمها بغيرالمطلقة، أقول التبعية هى التبعية، لاتوجد تبعية مقيدة وتبعية مطلقة .. وكثيرًا ما يضطر البعض إلى تجميل السلبية ما داموا مجبرين عليها .. الإشكالية أن كثيرين يرون أن هذه التجميل غير حقيقى، بل الحقيقى أننا لا يمكن لنا أن نكون فاعلين بذاتنا إلا فى إطار مرجعى حضاري غربى، وفى هذا مكمن المشكل وخطورته، عندما نتجاهل التاريخ، ونتجاهل ذواتنا، ونتجاهل حقيقة الحضارة الغربية ذاتها.
    فى ظل سيادة مفاهيم التبعية هذه وما تستتبعه من إنجراف نحو الاستيراد اللاواعي لكل منتج غربي فكري أو غير فكري، ومن دون تروٍ لما يستوجبه أمر الاستيراد من دراسة الاحتياجات الحقيقية للمجتمعات الشرقية، سواء الروحية أو الفكرية أو الجمالية أو غيرها ينجرف النقد فى التنظير بعيدًا عن المنتج ( بفتح التاء ) الإبداعي، معتمدًا على أسس ابستمولوجية وفلسفية وحضارية لم تكن تخص الواقع العربي المأزوم فى شيء، ولم تكن تشكل بالنسبة له قيمة، بل كان ـ بفعل تخلفه، أو بفعل ظروفه السياسية والتاريخية ـ منفصلاً عنها ، ظل هذا الخطاب يؤذن فى مالطة طويلاً، وهو الصادر من حفنة ممن يسمون فى عالمنا العربى بالنخبة، وكان من الطبيعي أن تكون هذه النخبة المثقفة تحت مظلة الرسمية تابعة لأنظمة شمولية تدين بالولاء للغربى وتعتمد عليه ـ هي الأخرى ـ فى بقائها، فيما ظلت ثقافة الشعوب العربية مستجهلة وما زالت، وفيما سارت النخب العربية تنظر لحكوماتها بضرورة الاستمرار فى وأد وتجاهل ثقافة الشعوب، وكان طبيعيًا أن تنشأ المركزيات الثقافية شأن المركزيات السياسية، وكان طبيعيًا أن تنفصل تلك المركزيات برطاناتها، وتغربها عن مطالب واحتياجات الشعوب العربية وثقافاتها الحقيقية، هل لنا أن ننظر لكل أزمات الواقع الآن لنتأكد أنها إفراز طبيعي لتبعية لآخر كان يوظف النخب فينا ، لتحقيق أغراضه فينا ؟ .. وهل لنا أن نتساءل إلام يقودنا هذا الطريق ؟.

    عزيزى أبو شامة : سبق أن قلت إن الخطاب النقدي هو خطاب حضاري ، والحضارة تصنعها الشعوب ، وما دامت الشعوب العربية مغيبة ومستجهلة ، وما دامت السجون مفتوحة لكل صاحب خطاب ثقافي خارج عن إطار النخبة التى تتمتع بحماية الأنظمة العربية الشمولية ، وما دامت الشعوب لا تمتلك إرادة الفعل ، وما دام وعيها مميعًا ، أو موؤودًا عن عمد ، وما دام الباب مفتوحًا على مصراعيه نحو الترامى فى أحضان الآخر الذى ظهر بغير مواراة كآخر ثقافي يجر خلفه السياسي والعسكري من أجل تحقيق مطالبه التى تعبر عن ذاته هو ، والتى تخص احتياجاته هو .. وما دمنا حتى الآن ننقسم حول حجم ونوع وكيفية التبعية ، ومن دون أن نتساءل عن ضرورتها .. ومن دون أن نتساءل عن ذواتنا المضيعة أو المغبونة ، فكيف إذن يقوم السؤال حول أزمة النقد ، بل كيف نُسْأل عن رأينا فيه .. السؤال يجب أن يتجه نحو ذواتنا المضيعة أولا ، وعن أزمتنا الحضارية وكيف نجتازها .. ساعتها لن نجد مبررًا للسؤال .

    الصديق أبو شامة :
    كان طبيعيًا أن تنهض بعض الهمم لتدافع عن نفسها ضد المحو والإزالة .. كان طبيعيًا أن تعلو بعض الأصوات لتنادي بضرورة العودة إلى التراث ، وإلى خصوصيتنا ، وإلى ما خلفه الأجداد ، وإلى ثوابت الأمة ، ومقدساتها وثقاقاتها ، لكنها ومن أسف كانت كمن يؤذن فى مالطة هى الأخرى ، فقد اتسمت نظرتها إلى الحياة بالجمود والثبات عند قيم السلف ، وكانت تؤكد من خلال الممارسات الفعلية أنها لم تطور آليات فهمها للحياة بالشكل الذى يؤهلها حتى لفهم التراث نفسه ، بل كانت تؤكد أيضًا أنها لا تزال تنظر إلى التراث بصفته بيت الأجداد الخرب الذى يجب أن نعود إليه ومن دون أن تكلف نفسها عناء الترميم . لم تكن مستوعبة للتراث وإن كانت مخلصة له .. كانت تمارس الفرفصة أو محاولة الانفلات بذاتها وتدعى إمكانية السيطرة على الواقع بأفكار السلف وحدهم ، ومن دون أن تلتفت إلى إمكانية توظيف التراث وفق رؤية جديدة ، ومن دون أن تلتفت إلى أن الواقع واقع تحت سيطرة نخب ومركزيات سياسية ، ونخب ثقافية علمانية تنظِّر له ، ولهذا كان طبيعيًا أن تصطدم بالسلطة ، وبالخطاب الثقافى السلطوى النخبوي العلماني حارس الخطاب السياسي والمُـنَظِّر له ، ومن ثم كان طبيعيًا أن تُفتح السجون لأصحاب هذا الاتجاه ، وأن يلتفُّ الحبل / الحل حول أعناقهم .. هكذا هو الرأي يُسْجن ، وهكذا نحن أمة تسجن الرأى لمجرد أنه لا يتفق مع السلطة ، وربما أن حرية الفكر والرأي هى حالة أصيلة وجوهرية لنمو الفكر النقدي ، وربما أننا بحاجة ماسة إليها .
    قد نلتفت إلى أكثر الأصوات اعتدالاً من بين أصحاب الاتجاه السلفي من المعاصرين ، في ثلاث مجلدات ضخمة صادرة عن " عالم المعرفة " تحمل ثلاثتها اسم مؤلف واحد ، هو الدكتور عبدالعزيز حمودة ، وهو عاكف على الاحتطاب الكثيف فى برارى النقد التنظيري الغربي عبر غابة ثلاث مؤلفات ضخمة ليصل إلى نتيجة مفادها أن كل نظريات الأدب ومناهجها الغربية أضحت فى مزبلة التاريخ عند أصحابها فى الوقت الذى يشتغل عليها ـ هاهنا ـ نقدادنا ومفكرونا العرب ، ثم ليخرج بنا من هذا التيه إلى براح الثراث العربى ويتوقف بنا عند عبدالقاهر الجرجانى باعتباره إمام البلاغيين العرب القدماء والمحدثين على السواء ، ويرى أن فى عودتنا إلى البلاغة التقليدية القديمة ما يمكن أن يغنينا عن دخول التية الغربى ، وهو إذ يدعونا إلى ذلك يدعونا إلى عدم تعمد القطيعة مع الآخر الغربى .
    ولعل مثل هذه الدعوة أثارت ما أثارت من ردود ناقدة ومفندة لفحواها التى انطوت على كثير من التناقض .. ففى الوقت الذى يدعونا إلى عدم تعمد القطيعة مع الآخر الغربى يرسخ لمفهوم ضمني يحركه وهو أن الغرب دائمًا إنما هم كالجيران السيئين ، وأن ما لديهم أضحى نفاية بشرية ، فى ذات الوقت يدعونا إلى العودة إلى البلاغة التقليدية باعتبارها طلالاً قائمًا فى مهب الرياح ينتظر من يعود إليه ، يمكن أن يكون مأوً مناسبًا لنا ، وهو على حالته الطللية تلك ، وهى فكرة تؤسس لإمكانية أن يكون الماضي وحده سلطة على الحاضر لو أحسنا التبعية له . فى مقابل من يرى أن الأمر بحاجة إلى تطوير آليات فهمنا لهذا الطلل بهدف الخروج منه إلى فسحة جديدة مناسة تترامى حوله .. ولعل إشكاليات الفكر السلفى أو الاتباعى ستظل بحاجة إلى مراجعة ، وإلى البعد عن العاطفة التى تشدنا إلى تقديس الماضى لمجرد أنه ماضٍ .
    فى المقابل من ذلك قد نلتفت إلى الفريق الآخر الموسوم بالنخبوي .. ربما أننا ندرك منذ البداية أننا نلتفت إلى إفرازالبط المزغط ( المأثور وحده بعلف الرسمية والمستمتع بمظلة النظام الحاكم ومباركته ) لنصدم بما هو أخطر من تطرف ، قد نقرأ لأحد أفراخهم كلامًا من عينة : " لا شك أن التخلف الإنتاجي والتقني والعلمي والتخطيطي والقيادي وراء أزمة1967 ، لكن التخلف الأعظم والكامن وراء هزيمة1967 ومختلف الهزائم منذ ذلك الحين إلى الآن هو عجز الإنسان العربي ـ المسلم ، عن كتابة نفسه ، عن مصارحة نفسه ، عن مراجعة نفسه جذريًا " .. حقيقة قد نلتفت إلى هذا الكلام ـ رغم ركاكته التعبيرية ـ لننجذب بداية إلى ما فيه من عسل يدعونا إلى الخروج من الهزيمة ، وإلى التفكير في النصر ، وإلى حرية التعبير عن الذات ، وإلى شفافية المصارحة ، وإلى ضرورة المراجعة ، وهى أمور يمكن أن تتم لو خرجنا من إطار النظم الشمولية ، إلى فسحة الحرية ، أو بالمعنى خرجنا من حظيرة أحادية الفكر السياسى الشمولى وهيمنته على الخطاب الثقافى إلى صيغة جماهيرية تعى مطالبها وتفرض شروطها ، وتبادر إلى استغلال حقها فى تمثيل نفسها .. هذا ما قد ننجذب إليه قبل أن ننتقل مع صاحب الحديث إلى صفحة تالية من كتابه لنقرأ: "إن التيار الديني هو ليل الوجود العربي الإسلامي الراهن، فمتى يخرج هذا الوجود من بطن هذا الليل ؟ ... إلخ" ( يرجع فى هذا إلى: د. وائل غالي ، في كتابه " معرفية النص " 1998، صـ 8، صـ 19 ) لكأن الرجل يدعونا منذ البداية إلى الخروج من عقيدتنا؟!!!

    هذا هو أحد أفراخ البط المزغط الذي ترعاه المؤسسة الرسمية، وهذا كلامه المنشور في كتاب تفرضه وزارة التعليم فى مصر على مكتبات المدارس الحكومية .. ومؤلفه ليس مجهولاً، ولا يختلف توجهه عن توجه كافة أصحاب هذا التيار من أكبرهم: لويس عوض ـ غالى شكري ـ جابر عصفور .... إلخ، وإلى أضغرهم صاحب هذا المؤلف .
    الأخ أبو شامة، أرى أن الحديث عن أزمة النقد حديث ذو شجون ومتشعب وخاضع بالضرورة لأزمة الحاضرالعربي برمته، في الوقت الذى يتجه فيه سؤالك إلى عقد مقارنة بين نقد الأمس واليوم، وفي سؤالك إشارة إلى الوعاء/ الزمن/التاريخ الذي يجب ألا نتجاهله .. أنت تشير إلى الأمس كوعاء، وأنا أتجه إليه لأنظر في محتواه .. كانت هناك أمة .. ولقد لاحظت في معرض حديثي معك الآن أنني استخدمت مصطلحات أخرى من عينة شعوب عربية .. هذا هو الفارق بين الأمس واليوم .. ثمة تنازل ضمني في خطابنا الثقافي عن فكرة الأممية، وهي المشروع الحضاري الذي رأينا أن ندخل به إلى العصر في حقبة سياسية خلت، وقد جرت كافة المآساي الراهنة خلفها، نعم كان حلم القوميين ناجزًا في إحداث النكسات، والتشتت أكثر ما كان ناجزًا باتجاه تحقيق الوحدة .. ومن ثم كان الخطاب النقدي ملونًا بلون الأيديولوجيا الإشتراكية التي تحكمت في الخطاب السياسي والثقافي لفترات طويلة ..

    بدأنا نتنازل عن فكرة الأممية ونتجه نحو الشعوبية في الوقت الذي يستعمل فيه البعض ـ منا ـ خطاب الشرق أوسطية، التي تم تعديلها مؤخرًا إلى شرق أوسطية كبرى، لتفر من بين الأصابع أيضًا فكرة العروبة، حتى لأن الحديث الآن عن أمة عربية من المحيط إلى الخليج أضحى ضربًا من الحديث عن خرافة قديمة.
    هكذا تبدوم المقارنة بين حال النقد قديمًا وهو وليد حضارة عربية إسلامية أممية، وبين حال الشتيت، أو الطوائف التى تحتكم إلى ألفونسو الغرب، لا ليعيد تنصيبها، بل ليلقى إليها أوامره الأخيرة بالتخلى عن الأندلس / الحياة.
    قد تسألني عن كيفية الخروج من المأزق .. نعم هناك معادلة بسيطة .. أن يوضع الحصان أمام العربة .. قد ألتفت إلى خطاب العولمة باعتباره خطابًا ثقافيًا، يوظف الأقتصادي، ويجر السياسي خلفه.

    الثقافي هو الأساس .. كيف لي كإنسان عربي أن أكون فاعلا في العصر أو مقاومًا أو محافظًا على هويتي، وبأي مقومات إن لم تكن هي نفسها المقومات التي يرتكز عليها خطاب العولمة وتجلياته في الواقع؟ .. يوم أن يصبح الثقافى هو الأساس فى عالمنا العربى يمكنني أن أتفاءل ، وما دام هو السياسي وحده الذى يفرض خطابه وسلطته ، وما دام هذا السياسي يحتكر الثقافي ويوظفه ، ويعطيه سمة النخبوية معترفًا بتعاليه على ثقافة أبناء شعبه وما دام هذا السياسي يمارس إلغاء وشطب ثقافة شعبه ويفرض صيغًا مهيمنة رسمية على الثقافة فلن يكون ثمة مخرج من الأزمة. إنني أنادي باحترام ثقافة الشعوب، وبكسر كافة المركزيات الثقافية، وبالخروج من/على النظم التكتلية الإحتكارية للسلطة، وبإطلاق الحريات، وفتح السجون والمعتقلات، وإطلاق الرأي، وتحرير الإقتصاد، وتوظيفه في التنمية الفكرية والثقافية، والخضوع كلية لثقافة الشعوب، والاستجابة لنداءاتها ومطالبها واحتياجاتها، الشعوب وحدها تنصِّب النخب لا الأنظمة .. هنالك يمكننا أن نخرج من التيه، وليس بمجرد العودة إلى البلاغة التقليدية كما رأى الدكتور حمودة أو يرى غيره.
    العزيز أبو شامة
    قد يكون حديثنا اليوم عن النقد هو ـ في حد ذاته ـ نوع من النقد، ولكنه ـ للأسف ـ جاء فى سياق الحديث عن الأزمة، وخضوعًا لها.
    تقبل مودة عبدالجواد خفاجى
    وإلى لقاءٍ مع سؤالك التالي

    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: لقاء حواري مع الأخ الكريم .. عبد الجواد خفاجي ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36

    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء حواري مع الأخ الكريم فتحي عوض ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى حوارات
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 02/05/2010, 09:51 AM
  2. لقاء حواري مع الأخ الكريم الناصري ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى حوارات
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 14/08/2009, 06:49 AM
  3. لقاء حواري مع الأخ الكريم حسن الأفندي ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى حوارات
    مشاركات: 50
    آخر مشاركة: 10/08/2009, 08:44 AM
  4. لقاء حواري مع الأخ الكريم سيد سليم
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى حوارات
    مشاركات: 30
    آخر مشاركة: 18/07/2009, 12:14 AM
  5. لقاء حواري مع الأخ الكريم .. الصقر ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى حوارات
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 21/11/2008, 07:30 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •