صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 13 إلى 19 من 19

الموضوع: أدب المقامــــات ...

  1. #13 رد: أدب المقامــــات ... 
     

  2. #14 رد: أدب المقامــــات ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36





    لم يكن عصر بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات المعروفة، والمجد الأدبي الكبير عصرا فقيرا من الناحية الأدبية والعلمية، بل كان كما سمي زبدة الحقب، إذ ظهر فيه فطاحل الأدب والعلم والشعر أمثال المتنبي‏ والخوارزمي والتوحيدي، وابن دريد، والشريف الرضي، والثعالبي، والمعري، وابن سينا، والقالي، والجرجاني، والطبري، وابن النديم ...‏
    وكان الأدب في هذا العصر صورة صادقة لمجريات الأحداث آنذاك، وما المقامات إلا وليدة مظاهر اجتماعية كانت سائدة ومعششة في ذاك العصر.‏
    والمقامة حكاية قصيرة يتنوع موضوعها، وتقوم على التفنن في الإنشاء، وإيراد الحكم والأمثال وتصوير شخصية بطلها، في أسلوب بارع متأنق، وروح خفيفة، وصنعته البديعية لا يمجُّها الذوق الأدبي، لما فيها من الطبع وحسن التأليف، وجمال الفن: كالمقامة البغدادية، والمضيرية، والقريضية.
    فمن هو بديع الزمان الهمذاني وماهي أثاره الأدبية؟‏
    اسمه أحمد بن الحسين، وكنيته أبو الفضل، ولقبه بديع الزمان .. وقد ولد في همذان، واستقر في خراسان، ومات في مدينة هراة سنة 398 هـجرية.
    أما لقب بديع الزمان، فلا ندري إن كان من صنعه أم من صنع الثعالبي صاحب يتيمة الدهر الذي قال:‏ هو بديع الزمان، ومعجزة همذان‏، معلمه الأول أبو الحسن احمد بن فارس وقد غادر بلده في الثانية عشرة من عمره.‏
    ولما بلغ الري اتصل بالصاحب ابن عباد، ولزم دار كتبه فتأثر بتلك المدرسة وبأساليبها .. ولأنه صاحب ذاكرة قوية وحافظة نادرة فقد استفاد كثيرا مما قرأ .. وقد بالغ معاصروه في وصف مقدرته على الحفظ مبالغة كبيرة لايمكن أن يقبلها العقل.‏
    بعد ذلك غادر حضرة الصاحب، وقصد جرجان وهناك خالط علماءها من الإسماعيلية فعاش بينهم، واقتبس الكثير من علومهم، وفلسفتهم الباطنية ومن عندهم انصرف إلى نيسابور فكانت له معركة أدبية فاصلة مع أبي بكر الخوارزمي .. وفي نيسابور أيضا كتب مقاماته المشهورة.
    ‏ وبعد أن تغلب بديع الزمان على أبي بكر الخوارزمي طابت له الأسفار خصوصا بعد أن مات الأخير فراح ينتقل من مكان إلى آخر، فجاب خراسان، وباكستان وغزنة، وكرمان متكسبا بأدبه من شعر ونثر.‏
    وقد فاز بهدايا وأعطيات الملوك والوزراء والأمراء .. وكانت هراة مركز سعده وغناه المادي، فألقى فيها عصا ترحاله بعد أن صاهر أحد أشرافها،‏ واقتنى الضياع ومن فيها حتى أنه كتب إلى والده كي يأتي إليه ويعيش معه في هراة إلا أن الأب رفض الفكرة.
    ‏ وحكي أن بديع الزمان مات مسموما، وقيل إنه مات بداء السكتة ودفن حيا، وموته بالسم أقرب إلى الصحة، لأن الكثير من جوانب شخصيته وأخلاقه قد تقوده إلى هذا المصير، وقد ذكر في أكثر من مرة أنه قضى في هراة أطيب أيام حياته، وهراه كما يبدو من وصف ياقوت الحموي لها في معجم البلدان مدينة جميلة ورائعة.‏
    أما خلقه وشكله فقد وصفهما أبو سعيد عبد الرحمن بن دوست جامع رسائل الهمذاني قائلا: وكان أبو الفضل وضيّ الطلعة وضيّ العشرة، فنان المشاهدة، سحار المفاتحة، غاية في الظرف، آية في اللطف معشوق الشيمة مرزوقا فضل القيمة أما صاحب اليتيمة فقد قال:‏ وكان مع هذا كله مقبول الصورة، خفيف الروح حسن العشرة، ناصع الظرف عظيم الخلق، شريف النفس، كريم العهد، خالص الود، حلو الصداقة، مر العداوة‏ وأما بديع الزمان فقد أعطى صورة عن شكله وطباعه في إحدى رسائله التي اعتذر فيها إلى رئيس استقدمه إليه قائلا: همذاني المولد، جبلي المنبت، ناري المزاج، ضعيف البنية، يابس العظام، حاد الطبع، حديث السن،‏ ويبدو أن وصفه لنفسه كان دقيقا، لأن هذا ما لمسناه من خلال قراءتنا للقصص التي حصلت معه، والتي تعطي صورة واضحة عن مزاجه الناري وعن طبعه الحاد، وسلاطة لسانه، وبذيء كلامه، واعتداده بنفسه الذي وصل إلى حد الغرور وأوصله في أحيان كثيرة إلى حد الشراسة.
    ‏ أما أنانيته المفرطة، فقد كانت واضحة في جميع تصرفاته وهي القطب الذي دارت عليه رحى حياته .. فلا يكاد يسمع بأن أحدا قدم عليه كاتبا حتى ينبري لمقاضاته وكأن له عنده دينا بل كثيرا ما كان يستخدم السخرية، والهزأ، والسيرة، وكشف العورات ليظهر للجميع انه قادر على القول في كل غرض.‏
    كما عرف بديع الزمان الهمذاني بالبخل، وهي صفة مكروهة بالإنسان إذ لم يجُد على أبيه رغم غناه وثرائه إلا بمائة دينار، واشترط عليه أن يدفعها له حينما ينتقل للعيش في هراة إلا أن الأب كما ذكرنا سابقا رفض الفكرة من أساسها، لأنه لا يمكن أن يعيش بعيدا عن وطنه وهذه الطريقة التي استخدمها الابن لاستقدام أبيه إلى هراة ماهي إلا طريقة تعجيزي كي ليعطيه شيئا من ثروته،‏ وعندما يئس الأب من ان ينال شيئا من ابنه استكتب أمه رسالة في هذا الموضع إلا أن قلب بديع الزمان من صخر لا يلين فما رد عليها بل قال فيها هذه الأبيات:‏
    وعجوز كأنها قوس لام فلقوها من نبعة شر فلق‏
    كاتبتني شوقا إليَّ وقالت: أخذ الله يا بني، بحقي‏
    قلت لا أستطيع ترك بلاد قد وفى الله في ثراها برزقي‏
    أما آثاره فهي محصورة في رسائله ومقاماته وديوانه، وكلها لو جمعت في كتاب لما بلغ حجم ديوان البحتري.‏
    وبديع الزمان في رسائله هائج وثائر يكسر الجرة خلف المولى ويسب أباه وأمه إذا اقتضى الأمر، ويسجد لمن عنده المال وقد كثر في كلامه الزخرف والتزويق والتنميق وقد أوصله اعتداده بهذا الزخرف أن يتطاول إلى مقام الجاحظ ويقول عنه:‏ هل للجاحظ غير عريان الكلام.
    أما مقاماته فهي من صنع بديع الزمان نفسه دون أن يتأثر بأحد, وهو الذي ألبسها ثوبها الموشى ... أما موادها فهي مأخوذة ومستوحاة من المجتمع الذي عاشه وعايشه الهمذاني أو من القصص التي وصلت إلى مسامعه،‏ ولو عاينا شعره لوجدناه أقل شأنا بكثير من رسائله ومقاماته، وقد غلب عليه السجع والزخرف.‏
    بقي أن نقول رغم كل المآخذ التي أخذت على صاحب المقامات بديع الزمان الهمذاني والتي لها مساس مباشر بأخلاقه وطباعه والتي لا تليق بأديب كبير مثله استطاع أن يحقق المجد لنفسه وأن يعتلي مكانة أدبية كبيرة، وأن يكون مادة دسمة لجميع الدارسين وعشاق هذا النوع من النثر الفني.
    المصدر
    حياكم الله


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  3. #15 رد: أدب المقامــــات ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36





    المَقَامةُ الْبَغْدَاديَّةُ
    حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ:
    اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ؟ أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي؟ فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلى الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجِمُعهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً، وَتَتَسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخّى الشَّواءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكَحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقْا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهوَ أَجْرَى فِي الحُلوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلَّي العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبو َزيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا َزيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ؟ فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ؟ زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ:
    أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ*لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ
    وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ* فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ

    حياكم الله


    د. أبو شامة المغربي


    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  4. #16 رد: أدب المقامــــات ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36





    الْمَقَامَةُ الْقَرِيضِيّةُ
    بديع الزمان الهمذاني

    حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: طَرَحَتْنيِ النّوَى مَطَارِحَهَا حَتّى إذَا وَطِئْتُ جُرْجَان الأَقْصى، فاسْتَظْهَرْتُ عَلَى الأَيامِ بِضِياعٍ أَجَلْتُ فِيهاَ يَدَ الْعِمَارةِ، وَأَمْوَالٍ وَقَفْتُهَا عَلى التّجَارَةِ، وَحَانُوتٍ جَعَلْتُهُ مَثَابَةٍ، وَرُفْقَةٍ اتّخَذْتُهَا صَحَابَةً، وَجَعَلْتُ لِلْدّارِ، حَاشِيَتَيِ النّهَار، وللحَانُوتِ بَيْنَهُمَا، فَجَلَسْنَا يَوْماً نَتَذَاكَرُ القرِيضَ وَأَهْلَهُ، وَتِلْقَاءَنا شَابّ قَدْ جَلَسَ غَيْرَ بَعِيدٍ يُنْصِتُ وَكَأَنّهُ يَفْهَمُ، وَيَسْكتُ وَكَأَنّهُ لاَ يَعْلَمُ حَتّى إِذَا مَالَ الكَلاَمُ بِنَا مَيْلَهُ، وَجَرّ الْجِدَالُ فِينَا ذَيْلَهُ، قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ عُذَيَقَهُ، وَوَافَيتُمْ جُذَيْلَهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَلَفْظْتُ وَأَفَضْتُ، وَلَوْ قُلْتُ لأَصْدَرْتُ وَأَوْرَدْتُ، وَلَجَلَوْتُ الْحقّ في مَعْرَضِ بَيَانٍ يُسْمِعُ الصُّمَّ، وَيُنزلُ الْعُصْمَ، فَقُلْتُ: يَا فَاضِلُ أدْنُ فَقَدْ مَنَّيْتَ، وَهَاتِ فَقَدْ أَثْنَيتَ، فَدَنَا وَقَالَ: سَلُونِي أُجِبْكُمْ، وَاسْمَعُوا أُعْجِبْكُمْ، فَقُلْنَا: مَا تَقُولُ فِي امْرِىءِ الْقَيسِ؟ قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَقَفَ بِالدِّيارِ وَعَرَصَاتِهَا، وَاغْتَدَى وَالطَّيرُ فِي وَكَنَاتِهَا، وَوَصَفَ الْخيلَ بِصِفَاِتهَا، وَلَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ كَاسِياً، وَلَمْ يُجِدِ القَوْلَ رَاغِباً، فَفَضَلَ مَنْ تَفَتَّقَ للْحِيلةِ لِسَانُهُ، وَاْنتَجَعَ لِلرَّغْبَة بَنَانُهُ، قُلْنَا: فَما تَقُولُ فِي الْنَّابِغَةِ؟ قالَ: يَثلِبُ إِذَا حَنِقَ، وَيَمْدَحُ إِذَا رَغِبَ، وَيَعْتَذِرُ إِذَا رَهِبَ، فَلاَ يَرْمي إِلاَّ صَائِباً، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي زُهَيرٍ؟ قَالَ يُذِيبُ الشِّعرَ، والشعْرُ يُذيبَهُ، وَيَدعُو القَولَ وَالسِّحْرَ يُجِيبُهُ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي طَرَفَةَ: قَالَ: هُوَ ماَءُ الأشْعَارِ وَطينَتُها، وَكَنْزُ الْقَوَافِي وَمَديِنَتُهَا، مَاتَ وَلَمْ تَظْهَرْ أَسْرَارُ دَفَائِنِهِ وَلَمْ تُفْتَحْ أَغْلاَقُ خَزَائِنِهِ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي جَرِيرٍ وَالْفَرَزْدَقِ؟ أَيُّهُمَا أَسْبَقُ؟ فَقَالَ: جَرِيرٌ أَرَقُّ شِعْراً، وَأَغْزَرُ غَزْراً وَالْفَرَزْدَقُ أَمْتَنُ صَخْراً، وَأَكْثَرُ فَخْراً وَجَرِيرٌ أَوْجَعُ هَجْواً، وَأَشْرَفُ يَوْماً وَالْفَرَزْدَقُ أَكَثَرُ رَوْماً، وَأَكْرَمُ قَوْماً، وَجَرِيرٌ إِذَا نَسَبَ أَشْجَى، وَإِذَا ثَلَبَ أَرْدَى، وَإِذَا مَدَحَ أَسْنَى، وَالْفَرزدقُ إِذَا افْتَخَرَ أَجْزَى، وَإِذَا احْتَقرَ أَزرَى، وَإِذا وصَفَ أَوفَى، قُلنَا: فَمَا تَقُولُ فِي المُحْدَثِينَ منْ الشُّعَراءِ والمُتَقَدِّمينَ مِنهُمْ؟ قالَ: المُتَقَدِّمونَ أَشْرفُ لَفْظاً، وَأَكثرُ منْ المَعَاني حَظاً، وَالمُتَأَخِّرونَ أَلْطَفُ صُنْعاً، وَأَرَقُّ نَسْجاً، قُلْنا: فَلَو أَرَيْتَ مِنْ أَشْعارِكَ، وَرَوَيْتَ لَنا مِنْ أَخْبارِكَ، قالَ: خُذْهَما في مَعْرِضٍ واحِدٍ، وَقالَ:
    أَما تَرَوْني أَتَغَشَّـى طِـمْـرَاً*مُمْتَطِياً في الضُّرِّ أَمْراً مُـرَّاً
    مُضْطَبناً عَلى اللَّيالي غِـمَـراً*مُلاقِياً مِنْها صُرُوفاً حَـمْـرَا
    أَقْصَى أَمانِيَّ طُلُوعُ الشِّعْـرى*فَقَد عُنِينَا بِالأَمَـانـي دَهْـرَاً
    وَكانَ هذَا الحُرُّ أَعْلـى قَـدْراً*وَماءُ هذَا الوَجْهِ أَغْلى سِعْـرَا
    ضَرَبْتُ لِلسَّرّا قِبَاباً خُـضْـرَا*فِي دَارِ دَارَا وَإِوَانِ كِسْـرى
    فَانْقَلَبَ الدَّهْرُ لِبَطْنٍ ظَـهْـرا*وَعَادَ عُرْفُ العَيْشِ عِنْدي نُكْرَا
    لَمْ يُبْقِ مِنْ وَفْـرِى إِلاَّ ذِكْـرَا*ثُمَّ إِلى الـيَوْمِ هَـلُـمَّ جَـرَّا
    لَوْلا عَجُوزٌ لِي بِسُـرَّ مَـنْ رَا*وَأَفْرُخٌ دونَ جِبَالِ بُـصْـرَى
    قَدْ جَلَبَ الدَّهْرُ عَلَيْهِـمْ ضُـرَّا*قَتَلْتَ يَا سَادَةُ نَفْسي صَـبْـرَا
    قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ، فَانَلْتُهُ مَا تَاحَ، وَأَعْرَضَ عَنَّا فَرَاحَ، فَجَعَلْتُ أَنْفيهِ وَأُثْبتُهُ، وَأَنْكِرُهُ وَكَأَنِّي أَعْرِفُهُ، ثُمَّ دَلَّتْنِي عَلَيهِ ثَنَاياهُ، فَقُلْتُ: الإِسْكَنْدَريُّ وَاللَّهِ، فَقَدْ كَانَ فَارَقَنَا خِشْفاً، وَوَافانا جِلْفاً، وَنَهَضْتُ عَلى إِثرِهِ، ثَمَّ قَبَضْتُ عَلَى خَصْرِهِ، وَقُلْتُ: أَلَسْتَ أَبَا الفَتْحِ؟ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ؟ فَأَيُّ عَجُوزِ لَكَ بِسُرَّ مَنْ رَا؟ فَضَحِكَ إِليَّ وَقَالَ:
    وَيْحَكَ هذَا الزَّمَان زُورُ* فَلَا يَغُرَّنَّكَ الـغُـرُورُ
    لاَ تَلْتَزِمْ حَالَةً، وَلكِـنْ* دُرْ بِالَّليَالِي كَمَا تَدُورُ

    حياكم الله


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 15/10/2007 الساعة 11:11 AM

    رد مع اقتباس  
     

  5. #17 رد: أدب المقامــــات ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    الهمذاني .. رائد القصة والمقالة
    سمير حلبي

    يعد "بديع الزمان الهمذاني" المبتكر الأول لفن المقامة الذي انتشر على نحو واسع كأحد فنون النثر في الأدب العربي، كما يعد الرائد الحقيقي للصحافة، ليس في الأدب العربي فحسب، وإنما كان الصحفي الأول على الإطلاق؛ فقد كانت رسائله ومقاماته النقدية الاجتماعية هي البدايات الحقيقية الأولى لذلك الفن الذي عُرف فيما بعد بالصحافة.
    الميلاد والنشأة
    ولد "بديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني" في همذان سنة [358 هـ= 969م]، لأسرة عربية ذات علم وفضل ومكانة مرموقة، فقد كان أخوه "الحسين بن يحيى" مفتي همذان.
    ونشأ "بديع الزمان" في بيئة علمية خصبة، حيث كانت همذان موطن عدد كبير من العلماء الأعلام الذين تتلمذ عليهم "بديع الزمان"، ومنهم " أحمد بن فارس" اللغوي المعروف، و"أبو بكر محمد بن الحسين الفراء" اللغوي الشهير.
    وعندما بلغ "بديع الزمان" الثانية والعشرين من عمره غادر همذان متوجهًا إلى أصبهان حيث اتصل
    بالصاحب بن عباد وزير "بني بويه".
    كانت " أصبهان" -عاصمة "بني بوية"- مدينة جميلة حافلة بالمناظر الساحرة والبساتين البديعة، والقصور الفخمة والطبيعة الفاتنة، ولذلك فقد كانت تجذب إليها الأدباء والشعراء، وكان للصاحب بن عباد دور كبير في تشجيع الأدباء والعلماء وإثراء الحركة الأدبية والعلمية في أصفهان، حتى غدت تلك المدينة، إحدى منارات العلم في ذلك العصر، ومحط أنظار العلماء والأدباء، وكعبة طلاب العلم من كل مكان.

    في أصفهان
    وأقبل بديع الزمان على مجالس الأدباء والشعراء في أصفهان، وسرعان ما جذب إليه الأنظار ببراعته وقوة حافظته، حتى إنه كان يحفظ و"ينشد الشعر لم يسمعه قط -وهو أكثر من خمسين بيتًا- إلا مرة واحدة، فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها ولا يخرم حرفًا، وينظر في الأربعة أو الخمسة الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهذّها عن ظهر قلب هذا ويسردها سردًا".
    وكان الهمذاني يميل إلى الإسجاع والإغراب والأحاجي، وكان بارعًا متفردًا في هذا الباب، يروى أنه "كان يُقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة، وكان ربما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخره، ثم هلم جرًّا إلى أوله، ويخرجه كأحسن شيء وأملحه".
    وعُرف بسرعة بديهته وحضور ذهنه وقدرته الفائقة على النظم والارتجال، لا يكاد يباديه أحد أو يجاريه إنسان، فكان "يُقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فيرجله أسرع من الطرف على ريق لم يبلغه، ونفس لا يقطعه، وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم، ومسابقة اليد للفم، وكان يترجم ما يُقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية".

    الرحيل إلى نيسابور
    إلا أن بديع الزمان السُّنّي المتعصب للعرب لم يستطع الاندماج في مجتمع بني بويه وبلاط الصاحب بن عباد الشيعي الخالص، ولم يطل مقام بديع الزمان بأصبهان، فتركها إلى جرحان، حيث أقام في كنف "أبي سعيد محمد بن منصور"، واتصل بأميرها "شمس المعالي قابوس بن وشمكير" أمير الدولة الزبادية، وكان أديبًا بليغًا، وله معه مراسلات بديعية.
    غير أن بديع الزمان لم يلبث أن غادر جرحان لخلاف بينه وبين أبي سعيد، فاتجه إلى نيسابور سنة [382هـ= 992م].
    وكانت نيسابور أعظم مدن خراسان في ذلك الوقت، وكانت ملتقى العلماء وأعلام الفكر والأدب، وكان العلماء والأدباء كثيرًا ما يعرّجون عليها في رحلاتهم بين المشرق والعراق، فيقيمون فيها بعض الوقت.
    وذاعت شهرة بديع الزمان في نيسابور بعد مناظرته الشهيرة مع العالم الأديب "أبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي" وانتصاره عليه بشكل لفت الأنظار إلى قدراته الأدبية الفذة، فطار بذلك صيته وعلت شهرته.
    واستطاع بديع الزمان خلال فترة إقامته بنيسابور إملاء عدد كبير من المقامات بلغت أربعمائة مقامة، وقد اتصل خلالها بعدد كبير من أدباء نيسابور وأعلامها مثل: الأديب أبي نصر سهل بن المرزبان، وأبي جعفر الميكالي أحد وجهاء آل ميكال المقدّمين، وقد مدحه بديع الزمان ونال عطاءه، كما كانت له صلة طيبة بواحد من أكبر وجهاء نيسابور وهو أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي، وكانت له حظوة ومكانة كبيرة عنده.
    وطاب المقام لبديع الزمان بنيسابور بعدما نال من الشهرة والحظوة، ورغب في الاستقرار بها، ولكن حساده ومنافسيه سعوا بالوشاية ضده والدسائس عليه حتى أوغروا عليه أبا جعفر الميكالي، والصعلوكي، فحُرِم مما كان ينعم به من الشهرة والجاه والعطاء.

    في ربوع خراسان
    ولم يمضي عام على قدومه إلى نيسابور حتى كان قد خرج منها في أوائل سنة [383هـ = 993م] إلى سرخس حيث اتصل بالسلطان محمود الغزنوي الذي قربه وأحسن إليه، وأغدق عليه من عطاياه، وهناك تعرف إلى عدد كبير من أعيان سرخس وعلمائها.
    ولكنه لم يلبث أن شد عصا الترحال إلى بجستان، فلقي ترحيبًا كبيرًا من أميرها "خلف بن أحمد"، ووجد في كنفه عيشًا رغدًا وحياة ناعمة هانئة، ومكانة كريمة، ولكن دسائس الحساد ومكائد المنافسين سرعان ما أفسدت ما بينه وبين الأمير، فتغير عليه، وعندئذ رحل إلى بوشينج، وهناك توثقت صلته بالوزير أبي نصر الميكالي، وبعد أن استقر بها زمنًا، رحل إلى هراة.

    الاستقرار في هراة
    كان سرور الهمذاني كبيرًا بهذه البلدة، وبالرغم مما شهدته تلك المدينة من الاضطرابات ـ نتيجة الحروب الكثيرة التي تعرضت لها، وتغير الولاة عليها، والمحن المختلفة التي أصابتها من غلاء وفقر ومصادرات وأمراض ـ فإن الهمذاني فضل الاستقرار بها، وعاش فيها حتى توفي.
    وكان بديع الزمان يرصد كل ما يحدث بها من ظواهر اجتماعية، وأحداث سياسية، ونكبات اقتصادية، ومعارك حربية، ويسجل كل ما يراه من الجوانب السلبية التي سادت نواحي الحياة المختلفة في عصره، حتى غدت رسائله مصدرًا مهمًّا من مصادر التاريخ الاجتماعي لهراة في العقد الأخير من القرن الرابع الهجري.
    وفي هراة استطاع الهمذاني أن يصيب قدرًا كبيرًا من الثراء، وأن يحقق نجاحًا ملحوظًا في نشاطه التجاري، فتوسعت علاقاته التجارية حتى بلغت مدينة بلخ، وقد ساعده على ذلك على زواجه من ابنة أبي علي الحسين الخشنامي ـ أحد أعيان هراة ـ بالإضافة إلى رعاية الوزير أبي نصر الميكالي له، وتوطد علاقته بحاكم هراة "أبي عامر عدنان بن محمد الضبي" و"أبي العباس الفضل بن أحمد الإسفراييني" وزير السلطان "
    محمود الغزنوني".

    من أقوال العلماء فيه
    قال عنه الثعالبي: "هو بديع الزمان ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصور، ومن لم يُدرك قرينه في النثر وملحه، وغرر النظم ونكته، ولم يُر أن أحدًا بلغ مبلغة من الأدب وسرّه، وجاء بمثل إعجازه وسمره، فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب".
    ويصف الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دست ـ جامع رسائل الهمذاني ـ بقوله: "وكان أبو الفضل طلق البديهة، سمح القريحة، شديد العارضة، زلال الكلام عذبه، فصيح اللسان غضبه، إن دعا الكتابة أجابته عفوًا، وأعطته قيادتها صفوًا، أو القوافي أتته ملء الصدور على القوافي، ثم كانت له طرق في الفروع هو افترعها، وسننٌ في المعاني هو اخترعها".

    رسائل بديع الزمان
    على الرغم من الشهرة الواسعة التي حققها بديع الزمان كأديب ورائد من رواد فن المقامة في الأدب العربي، وشاعر متميز، فإنه لم يترك نتاجًا أدبيًا وشعريًا كبيرًا، حيث لم يقدم ـ طوال عمره ـ سوى ثلاثة مصنفات هي: الرسائل، والمقامات، والديوان، ولكنه بالرغم من قلة إنتاجه فقد ترك بصمات واضحة على الأدب العربي، وكان واحدًا من أبرز رواده، ومن المبدعين القلائل الذين ابتكروا ألوانًا من الأدب لم يسبقهم إليها غيرهم.
    وقد برع الهمذاني في فن الرسائل، كغيره من كبار أدباء عصره في القرن الرابع الهجري، الذي كان من أزهى عصور النثر الفني والكتابة الأدبية في تاريخ الأدب العربي؛ فقد كان القرن الرابع هو العصر الذهبي لكتابة الرسائل، واتسمت الكتابة فيه بالإغراق في ألوان البديع، والولع بالزخارف اللفظية، حتى غدت الرسائل وكأنها نسيج رائع موشّى بالأسجاع، محلّى بالمحسنات البديعية ولآلئ البيان.
    وقد انقسمت الرسائل تبعًا لأغراضها وأساليبها إلى نوعين:
    الرسائل الديوانية: وهي التي تكتب في شئون الدولة، وتسجل الأحداث التاريخية أو الأوامر والتوجيهات الرسمية إلى الولاة والأمراء والقواد وكبار الموظفين في الدولة.
    وكان من أشهر كتاب هذه الرسائل: أبو الفضل بن العميد، والصاحب بن عباد، والوزير المهلبي، والأمير قابوس بن وشمكير.
    الرسائل الإخوانية: وهي التي يكتبها الأدباء عامة من غير العاملين في دواوين الدولة، وهي غير محددة بموضوعات معينة، وإنما يكتبها الأدباء في مناسبات خاصة أو مطارحات أدبية ومساجلات بلاغية فيما بينهم.
    وكان من أشهر كتاب تلك الرسائل ـ بالإضافة إلى من سبق ـ أبو حيان التوحيدي، وأبو بكر الخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني.
    وقد ترك بديع الزمان تراثًا وافرًا من الرسائل التي عكست بوضوح انطباعاته النفسية العميقة، وحسه الفني المرهف، ومزاجه الأدبي الرفيع، وكشفت بجلاء عن خلجاته وأحاسيسه وكثير من جوانبه النفسية وحالاته الوجدانية من فرح وسرور، أو تشاؤم وحزن، أو شكوى ونقمة، وتظهر شجاعته واعتداده بنفسه، فهو لا يبالي في هجومه على من يتعرض لنقدهم، وإظهار الجوانب السلبية التي يراها في أعمالهم وسلوكهم.
    وتناول الهمذاني في رسائله العديد من الأغراض: كالمدح والهجاء، والشكوى والعتاب، والتهنئة والاعتذار، والاستعطاف والاستجداء، والنصح والإرشاد، والصداقة والإخاء، والفخر والاعتزاز بالنفس.
    كما حظيت الحياة العامة والجوانب الاجتماعية - وخاصة العيوب والسلبيات التي كانت منتشرة في زمانه- بنصيب وافر من رسائله، ولعله في ذلك يكون أول رائد لفن المقالة الصحفية في الأدب العربي، بل ربما كان أول صحفي على الإطلاق عند العرب وغير العرب، فليست رسائله التي تناول فيها المشاكل العامة نقدًا وبناءً إلا مقالات صحفية مبّكرة، وإذا كانت ميزات الصحافة الحديثة سرعة انتشار الصحيفة، فإن رسائل بديع الزمان شأنها في ذلك شأن غيرها من رسائل معاصريه، فلقد كانت سرعان ما تصل إلى كل مكان من الأرض الإسلامية، يتلقفها الناس ويقرءونها.
    ويعنى الهمذاني في رسائله بانتقاء الألفاظ الموسيقية العذبة، كما يحرص على توليد الصور المختلفة في غير تكلف ولا عنت، فهو يردد المعنى الواحد بصور شتى، وصيغ متعددة، كما يحرص على الاقتباس من القرآن الكريم، والشعر العربي، ويهتم بألوان البيان كالاستعارة والتشبيه، كما يولع بالمحسنات البديعية كالسجع والجناس والطباق المقابلة.

    مقامات بديع الزمان
    ترجع شهرة بديع الزمان الهمذاني إلى مقاماته الشهيرة التي كان له فضل السبق إليها، فهو أول من ابتكر فكرتها، وأطلق عليها هذا الاسم حتى اشتهر بها وقد أعجب كثير من الأدباء بهذا اللون الجديد من فنون الأدب، فاقتفوا أثره ونسجوا على منواله.
    وأصل المقامة في اللغة: المجلس والجماعة من الناس، وقد أُطلقت على المحاضرة، كما أطلقت على المجالس التي كان يستقبل فيها الخلفاء الأدباء والعلماء.
    ويذكر الثعالبي في ترجمته لبديع الزمان أنه أملى أربعمائة مقامة بنيسابور، ولكن الذي وصلنا منها لا يتجاوز اثنتين وخمسين مقامة فقط. وقد اخترع الهمذاني بطلين لمقاماته، سمى أحدهما عيسى بن هشام، والآخر أبا الفتح الإسكندري، وجعل الأول رواية، والثاني بطلا مغامرًا.
    ولم يحرص بديع الزمان على أن يظهر أبا الفتح في جميع المقامات، بل كان يقلل من شأن مغامراته أحيانًا، ويغفل ذكره أحيانًا، وشخصية أبي الفتح الإسكندري شخصية مثيرة متعددة الجوانب، تثير العجب وتدعو إلى الإعجاب، فهو يحترف الكُدية (التسول)، ويتميز بالفصاحة في اللسان، والبراعة في الشعر، كما أنه شخصية فكاهية مرحة، يتسم بالذكاء وخفة الظل، محب للمغامرة وارتياد المجهول.
    وموضوعات المقامات - في معظمها - ذات صلة بالناس، وتتعلق بالحياة اليومية والمشكلات العامة، وتصور أخلاق المعاصرين وأحوال العصر أحسن تصوير.
    وتتميز المقامات بكثرة الشواهد الشعرية، وحسن المواءمة بين الشعر والنثر، كما تظهر فيها قدرات الهمذاني البيانية العالية، وبراعته الفائقة في استخدام المحسنات البديعية.

    بديع الزمان شاعرًا
    لم يكن الهمذاني وحده من بين أدباء عصره الذي اقتحم ميدان الشعر، فإن كثيرًا من معاصريه مارسوا نظم الشعر حتى أصبح ذلك تقليدًا متبعًا عند قدامى الكتاب الذين حافظوا على تلك الظاهرة، وتوارثوها، حتى إننا لنجد أثرًا منها لدى كثير من الكتاب في العصر الحديث، مثل عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومصطفى صادق الرافعي، وطه حسين.
    ويحتل المديح الجانب الأكبر من ديوان الهمذاني، وتتوزع بقية الأغراض في الجزء المتبقي من الديوان. ويتفاوت شعره من حيث الجودة، وأجود شعره في أغراض المدح، فإذا كتب في غيره من الأغراض قل نصيبه من الجودة، وصارت طبيعة الكاتب هي الغالبة عليه.
    ومن شعره الجيد في الحكمة:
    يا من يطيل بناءه متوقيًا*ريب المنون وصرفه لا تُحْرَجِ
    فالموت يفرغ كل قصر شامخٍ*والموت يفتح كل باب مرْتَجِ
    ومن شعره في الوصف، ويتجلى فيه كلفه بالمحسنات البديعية:
    خلع الربيع على الربى*وربوعها خزًا وبزّا
    أَوَما ترى الأقطار قد*أخذت من الأمطار عِزّا
    ومن شعره في مدح السلطان محمود بن سبكتكين:
    أطلت شمس محمود*على أنجم ساحان
    وأمسـى آل بهـرام*عبيدًا لابن خاقان
    إذا ما ركـب الفيـل*لحرب أو لميدان
    رأت عيناك سلطانا*على منكب شيطان
    وتوفي بديع الزمان الهمذاني في 11 من جمادى الآخرة 398هـ= 23 من فبراير 1008 ميلادية، عن عمر بلغ أربعين عامًا، وتذكر الروايات أنه مات بالسكتة، وعُجّل بدفنه فأفاق في قبره، وسمع صوته بالليل، فنُبش عنه، فوجدوه قابضًا على لحيته، ولكن ابن خلكان يذكر أنه مات مسمومًا دون أن يشير إلى من دس له السم، أو أن له أعداء.
    أهم مصادر الدراسة:
    • الأدب في موكب الحضارة الإسلامية: د.مصطفى الشكعة- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة: [1388هـ=1968م].
    • بديع الزمان الهمذاني: مارون عبود- دار المعارف بمصر- القاهرة: [1391هـ=1971م] (نوابغ الفكر العربي: 9).
    • بديع الزمان الهمذاني: رائد القصة العربية والمقالة الصحفية: د. مصطفى الشكعة- مكتبة القاهرة الحديثة- القاهرة: [ 1379هـ=1959م].
    • وفيات الأعيان وأبناء أبناء الزمان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان – تحقيق: إحسان عباس – دار الثقافة – بيروت: [د.ت].
    • يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر: أبو منصور عبد الملك الثعالبي- تحقيق د. مفيد محمد قميحة- دار الكتب العلمية –بيروت: [1403هـ=1983م].
    المصدر
    حياكم الله


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  6. #18 رد: أدب المقامــــات ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36





    تعريف المقامة:
    المقامة لغة: هي المجلس، ومقامات الناس مجالسهم. فاستعلمت بمعنى مجلس القبيلة أو ناديها على نحو قول زهير:
    وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعـل، وتأتي بمعنى الجماعة التي يضمها المجلس أو النادي كما في قول لبيد بن أبي ربيعة:
    ومقامة غلب الرقاب كأنهـم جن لدى باب الحصــير قيام، وتطور معنى المقامة عبر العصور حتى أصبح يعني (الأحدوثة من الكلام).
    يقول القلقشندي"وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها.
    المقامة اصطلاحاً: هو فن كتابي سرد، عبارة عن أحاديث خيالية أدبية بليغة، تلقى في جماعة من الناس، "بطلها نموذج إنساني مكد ومتسول، لها راو وبطل وتقوم على حدث ظريف مغزاه مفارقة أدبية أو مسألة دينية أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لوناً من ألوان النقد أو الثورة أو السخرية وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية" فهدفها الأساسي تعليم الناشئة اللغة وأساليبها.
    أصل المقامات ومبتكرها:
    زعم البعض أن أصل المقامات فارسي، وأنها انتقلت من اللغة الفارسي إلى العربية، ويرد على ذلك بأن المقامات قد ظهرت في اللغتين العبرية والسريانية بعد ترجمة مقامات الحريري، ولو كان أصل المقامات فارسياً لكان الأولى أن تنتقل المقامات إلى هاتين اللغتين من المقامات الفارسية وليس العربية، كما أن أول من ألف مقامات فارسية هو القاضي حميد الدين الذي ذكر أنه ترسم خطى البديع والحريري رغبة منه في إدخال هذا الفن إلى اللغة الفارسية.
    المقامة إذاً فن عربي أصيل، وهدفه الأساسي هو تعليم اللغة العربية وأساليبها، ومعرفة فنونها وأفنانها، كما تضاربت الأقوال في أصل المقامات، فإن التضارب حول من اخترعها كان أشد وأعنف، فيرى فريق أن بديع الزمان عارض أحاديث ابن دريد فنشأت المقامات، ويستدلون على ذلك أولاً بقول الحصري في زهر الآداب أن بديع الزمان "لما رأى أبا بكر محمد بن الحسين بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثاً، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وانتخبها من معادن فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها للأفكار والضمائر، في معارض عجمية، وألفاظ حوشية ... عارضه بأربعمائة مقامة في الكدية، تذوب ظرفاً، وتقطر حسناً" (1) وثانياً بأن هناك نقاط اتفاق بين مقامات أحاديث ابن دريد ومقامات البديع، وتتمثل هذه العلاقة في الاسم، فإن من معاني المقامة –وهو الاسم الذي سمى به بديع الزمان فنه الأدبي- الحديث، ويجمع على أحاديث وهو الاسم الذي اختاره ابن دريد لأقاصيصه، كما أن الغاية من أحاديث ابن دريد ومقامات البديع واحدة وهي تعليم الناشئة اللغة.
    بينما يؤكد فريق آخر على أن البديع هو مخترع هذا الفن، ويردون على زعم القول السابق بأن أحاديث ابن دريد نوادر ولطائف لم يستقل بها دون غيره، فللجاحظ في الحيوان والبخلاء مثلها، ولابن قتيبة في عيون الأخبار، ولابن عبد ربه في العقد الفريد كذلك، كما أن ابن دريد يبدأ أحاديثه بذكر سند الحديث، ولا يفعل البديع كذلك، كما أن أبطال ابن دريد ورواته يختلفون من حديث لآخر، أما بديع الزمان فبطله واحد وهو أبو الفتح الإسكندري، وراويته أيضاً واحد وهو عيسى بن هشام، ولا أنسى الكدية التي جعلها البديع محوراً لأغلب مقاماته، بينما لم تنحى أحاديث ابن دريد هذا المنحى، كما أن أحاديث ابن دريد مالت إلى الطريقة التقريرة المباشرة، أما بديع الزمان فقد غلف أهدافه داخل الحبكة الفنية للمقامة.
    ثم إن القول السابق للحصري - والذي استشهد به أصحاب الرأي القائل بأن البديع عارض ابن دريد بمقاماته - يحمل بين طياته تناقضاً حول معارضة البديع لابن دريد، فأحاديث ابن دريد تبلغ أربعين حديثاً، ومقامات بديع الزمان - وفقاً لقول الحصري السابق، وبغض النظر عن الاختلاف في عدد المقامات - قد وصلت إلى أربعمائة مقامة، فيكف يعارض البديع أربعين حديثاً بأربعمائة مقامة؟
    ومهما يكن من أمر اختلاف الآراء حول تأثر بديع الزمان بأحاديث ابن دريد، فإن البديع قد أظهر هذا الفن في صورة فنية رائعة، وقد اعتبر رائد هذا المجال وزعيمه المُجيد، بل لقد التصق اسم المقامات ببديع الزمان في أذهان الناس، وحسبه ذلك، ولو كان البديع قد أخذ من ابن دريد.
    حقاً، فإن ذلك لا يعيبه، بل يزيد من إبداعه الفذ النادر المثيل، إذ ليس من السهل أن يتفوق التلميذ على أستاذه، وقد احتذى العديد من الناس حذو هذا الأستاذ الفذ، لعل الحريري من أبرزهم، بالإضافة إلى الغزالي وابن ناقيا والصفدي وغيرهم، غير أن هؤلاء كلهم لم يصلوا شأو البديع في هذا الفن البديع.
    (1) المقامة لشوقي ضيف - الصفحة 17 نقلاً عن زهر الآداب للحصري.
    المَقَامَةُ القَزْوِينيَّةُ
    بديع الزمان الهمذاني
    حَدَّثَّنَا عِيسَى بْنُ هِشَامِ قَالَ:
    غَزَوْتُ الثَّغْرَ بِقَزْوِينَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فِيَمْن غَزَاهُ، فَما أَجَزْنَا حَزْناً، إِلاَّ هَبَطْنَا بَطْناً، حَتَّى وَقَفَ المَسِيُر بِنَا عَلَى بَعْضِ قُرَاهَا، فَمَالتِ الهَاجِرَةُ بِنَا إِلى ظِلَّ أَثَلاثٍ، في حُجْرتَهِا عَيْنٌ كَلِسَانِ الشَّمْعَةِ، أَصْفَى مِنَ الدَّمْعَةِ، تَسِيحُ فِي الرَّضْرَاضِ سَيْحَ النَّضْنَاضِ ، فَنِلْنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نِلْنَا، ثُمَّ مِلْنَا إِلى الظِّلِّ فَقِلْنَا، فَمَا مَلَكَنَا النَّوْمُ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتاً أَنْكَرَمِنْ صَوْتِ حِمَارٍ، وَرَجْعاً أَضْعَفَ مِنْ رَجْعِ الحُوَارِ، يَشْفَعُهُمَا صَوْتُ طَبْلٍ كَأَنَّهُ خَاِرٌج مِنْ ما ضِغَيْ أَسَدٍ، فَذَادَ عَنِ القَومِ، رَائِدَ النَّوْمِ، وَفَتَحْتُ التَّوْأَمَتَيْنِ إِلَيْهِ وَقَدْ حَالَتِ الأَشْجَارُ دُونَهُ، وَأَصْغَيْتُ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ، عَلى إِيَقاعِ الطُّبُولِ:
    أَدْعُو إِلَى اللهِ فَهَلْ مِنْ مُـجِـيبْ* إِلى ذَراً رَحْبٍ وَمَرْعىً خَصِيبْ
    وَجَـنَّةٍ عَـالِـيَةٍ مَـا تَـنِــى* قُطُوُفهـا دَانِـيَةً مَـا تَـغِـيبْ
    يَاقَـومُ إِنِّـي رَجُـلٌ تَـــائِبٌ* مِنْ بَلَدِ الكُفْرِ وأَمْرِي عَجِـيبْ
    إِنْ أَكُ آَمَـنْـتُ فَـكَـمْ لَــيْلَةٍ* جحَدْتُ رَبِّي وَأَتَيْتُ الـمُـريبْ
    يَا رَبَّ خِنْزيرٍ تَـمَـشَّـشْـتُـهُ* وَمُسْكِرٍ أَحْرَزْتُ مِنْهُ النَّصِـيبْ
    ثُمَّ هَدَاني اللـهُ وَانْـتَـاشَـنِـي* مِنْ ذِلَّةِ الكُفْرِ اجْتِهَادُ المُصِـيبْ
    فَظَلْتُ أَخْفِي الدِّينَ في أُسْرَتِـي* وأَعْبِدُ اللهَ بِـقَـلْـبٍ مُـنِـيبْ
    أَسْجِدُ لـلاَّتِ حِـذَارَ الـعِـدَى* وَلا أَرَى الكَعْبَةَ خَوْفَ الرَّقِيبْ
    وَأَسْـأَلُ الـلـهَ إِذا جَـنَّـنِـي* لَيْلٌ وأَضْنَانِـيَ يَوْمٌ عَـصِـيبْ
    رَبِّ كَمَـا أَنَّـكَ أَنْـقَـذْتَـنِـي* فَنَجِّنِي إِنِّـيَ فـيِهِـمْ غَـرِيبْ
    ثُمَّ اتَّخَذْتُ اللَّيْلَ لَـي مَـرْكـبـاً* وَمَا سِوَى العَزْمِ أَمَامَي جَنِـيبْ
    فَقَدْكَ مِنْ سَيْرِيَ فـشـي لَـيْلةٍ* يِكِادُ رأَسُ الطِّفْلِ فيهَـا يَشِـيبْ
    حَتَّى إِذَا جُزْتُ بِـلادَ الـعِـدَى* إِلَى حِمَى الدِّين نَفَضْتُ الوَجِيبْ
    فَقُلْتُ: إِذْ لاَحَ شِعَـارُ الـهُـدَى* نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَـتْـحٌ قَـرِيبْ
    فَمَا بَلَغَ هَذا البَيْتَ قَالَ: يا قَوْمُ وَطِئْتُ دَارَكُمْ بِعَزْمٍ لا العِشْقُ شاقَهُ، وَلاَ الفْقَرْ سَاقَهُ، وَقَدْ تَرَكْتُ وَرَاءَ ظَهْري حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً، وَكَواعِبَ أَتْرَاباً، وَخَيْلاً مُسَوَّمَةً، وَقَنَاطِيرَ مُقَنْطَرةً، وَعُدَّةً وَعَدِيداً، وَمَراكِبَ وعَبِيداً، وَخَرَجْتُ خُرُوجَ الحَّيةِ مِنْ جُحْرِهِ، وَبَرَزْتُ بُرُوزَ الطَّائِرِ مِنْ وَكْرِهِ، مُؤْثِراً دِيني عَلى دُنْيَايَ، جَامِعاً يُمْنَايَ إِلى يُسْرَايَ، وَاصِلاً سَيْري ِبُسَرايَ، فَلَوْ دَفَعْتُمُ النَّارَ بِشَرَارهَا، وَرَمَيْتُمُ الرُّومَ بِحِجَارِها، وأَعَنْتُمُونِي عَلى غَزْوِها، مُسَاعَدَةً وإِسْعَاداً، ومُرافَدَةً وإِرْفَاداً وَلا شَطَطَ فكُلٌّ عَلى قَدْرِ قُدْرَتِهِ، وَحَسَبِ ثَرْوَتِهِ، وَلا أَسْتَكْثِرُ البَدْرَةَ، وأَقْبَلُ الذَّرَّةَ، وَلاَ أَرُدُّ التَّمْرَةَ، وَلِكُلٍّ مِنِّي سَهْمَانِ: سَهْمٌ أُذَلِّقُهُ لِلِّقَاءِ وآخَرُ أُفَوِّقَهُ بِالدُّعَاءِ، وَأَرْشُقُ بِهِ أَبْوابَ السَّمَاءِ، عَنْ قَوْسِ الظَّلْمَاءِ.
    قَالَ عِيَسى بْنُ هِشَامٍ: فَاسْتَفَزَّنِي رَائعُ أَلْفاظِهِ، وَسَرَوْتُ جِلْبَابَ النَّوْمِ، وَعَدَوْتُ إِلى القَوْمِ، فَإِذَا واللهِ شَيْخُنا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ بِسَيْفٍ قَدْ شَهَرَهُ، وَزِيّ قّدْ نَكَّرَهُ، فَلَمَّا رآنِي غَمَزَنِي بِعَيْنِهِ.

    المصدر
    حياكم الله


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  7. #19 رد: أدب المقامــــات ... 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    1
    معدل تقييم المستوى
    0
    نعم المقامات ولدت على يد بديع الزمان الهمذاني وتلاه الحريري ,وإن كان البعض يرى أن المقامات الحقيقية هي مقامات الحريري
    رد مع اقتباس  
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •