فصاح في لغة العامة...( 1 ) ألفاظ مفردة...

[عبد المنعم جبر عيسي]

نزهة

التنزه والنزهة وما يشاركها في الإشتقاق من الجذر اللغوي ( ن ز هـ ) فكلها بمعني البعد حسيا أولا ، ثم معنويا أو مجازيا .
يقال في الفصيحة :
هذه أرض نزهة ، أو نزيهة .. أي بعيدة عن العمران ، وهذا البعد مكاني .
كذلك يقال :
سقي الراعي ماشيته ثم نزهها عن الماء .. أي أبعدها منه .
ومن استعمالاتها في الدلالة المعنوية ( المجازية ) ، - كما قال الزمخشري في معجمه ( أساس البلاغة ) - قولهم : " رجل نزه ونزيه عن الريب .. و .. هو منزه عن المطامع " أي يبتعد عنها ، ومنه أيضا : " الله منزه عن الأشباه .. و .. الأنبياء منزهون عن المعاصي " أي : بعيدون أو معصومون منها .. و " القاضي نزيه " أي : بعيد عن الشبهات ، فلا يحابي في الحق ، ولا يتبع فيه الهوي ، ولا يقبل رشوة أو شفاعة .
ومما جاء في الفصيحة أيضا :
نزه الرجل .. والجمع نزهون .. و .. نزه نزاهة ونزاهية .. أي ابتعد عن المكروه والمنكر .. فهو نزيه .. والجمع نزهاء .. و .. رجل نازه النفس .. أي عفيف ، لبعده عن القبائح ، وقد يتنزه المرء عن بعض الحلال أو المباح أو الطيب ، طلبا لما هو أفضل منه .
وقد شاع استخدام هذين اللفظين : التنزه .. والنزهة .. للدلالة علي معنين آخرين في لغلتنا الدارجة ، أولهما الخروج إلي ما هو قريب أو بعيد من الأماكن البهيجة كالرياض والحقول وشطوط الأنهار والبحار .. وثانيهما : الترويح عن النفس بأي وسيلة ولو بقي المرء في مكانه ..

[عبد المنعم جبر عيسي]

منتزه
مثلها متنزه ..
المنتزه .. اسم مكان من الفعل الخماسي ( انتزه ) علي وزن افتعل ، وأصله الثلاثي ( نزه ) بمعني ابتعد ، وهو كقولنا : نزعت السهم وانتزعته .. ونجع البدوي لقومه الماء والكلأ ( أي طلب ) .. ومثل نأيت وانتأيت ( أي بعدت ) .
فالمنتزه مثل المنتجع والمنتأي والمنتبذ ( المكان البعيد ) ، وفي القرآن الكريم من قصة مريم أم المسيح عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ، يقول رب العزة سبحانه وتعالي : { فحملته فانتبذت به مكانا قصيا } " مريم ٢٢ " .

[د.ألق الماضي]

أخي عبدالمنعم ،،،
نفع الله بك وزادك من فضله ،،،
فقد ثريت الموضوع ،،،

[عبد المنعم جبر عيسي]

أخي عبدالمنعم ،،،

نفع الله بك وزادك من فضله ،،،
فقد ثريت الموضوع ،،،

شكرا جزيلا دكتورة ألق ..
و يكفى الموضوع ثراء أنك كاتبته ..
دمت بألف خير ..

[عبد المنعم جبر عيسي]

متشرد
متشرد مفردة فصيحة علي خلاف بين اللغويين .
وهي كلمة بمعني من هو في سن العمل مع القدرة عليه ولكنه لا يعمل في حرفة شريفة تفيده ويكسب منها رزقه .. ومثاله الشحاذ أو السائل الذي يتكفف الناس ليعطوه أو يمنعوه ..
وحجة المعارضين لكونها فصيحة أن هذه المفردة بهذا المعني المحدث لم ترد في المراجع اللغوية ، ويقترحون بدلا منها كلمتي ( الشارد ) أو ( الشريد ) .
غير أن المؤيدين رأوا أن كلمة ( متشرد ) أفصح لأن لها جذرا في الفصيحة ولقرب معناها في الفصيحة من معناها الجديد في الدارجة ، ويكفي تقارب المعنيين ( في اطار واحد ) لإنتقال الكلمة من أحدهما إلي الآخر .. ثم يأتي الإصطلاح فيثبت الاستعمال الجديد .. ف ( الشارد ) و ( الشريد ) هو الذي ينفر من الناس ، ولهذا ينتقل بين الآفاق هربا .. وأما ( المتشرد ) فهو الذي ينفر من العمل والمثابرة في حرفة معينة مع القدرة عليه ، ولهذا يعيش عالة علي أهله ، أو يلجأ إلي ذل السؤال من الآخرين .. ومعني التشرد في الفصيحة الذهاب أو الانفراد ، وهذه هي حالة المتشرد بالمعني المحدث ، وكل الجماعات تنفر منه كما ينفر هو منها .. والقوانيين في أكثر البلاد المتمدنة تجرم التشرد وتعاقب المتشردين .

[عبد المنعم جبر عيسي]

أفاق
من الكلمات الدارجة ، التي اختلف حول فصاحتها اللغويون .
والأفق ( بضم الفاء وسكونها ) هو الناحية ، وجمعه ( آفاق ) .. وآفاق السماء أو الأرض : نواحيها .. وهناك نسبة قياسية منها هي ( أفاق ) - بصيغة اسم الفاعل للمبالغة - مثل : عطار .. ولبان .. وتمار .. نسبة إلي : العطر .. واللبن .. والتمر ، فيقال : ( أفاق ) .. إذا كان ينتقل في الآفاق مكتسبا .
وعندما نقول : ( فلان أفاق ) .. نقصد أحد معنيين :
الأول : أنه ليس له مستقر معروف في سكن أو عمل ؛ فيستطيع طالبه أن يقصد إليه فيه ، أو أن له مستقرا معروفا ولكن طالبه لا يجده فيه .. لغيابه الدائم عنه .. فهو لا يلقاه إلا مصادفة .
الثاني : أنه مختل الذمة ، لا يعترف بما للآخرين من حقوق أو أمانات ، فهو يأكلها أو يضيعها وإن كان له مستقر معروف يسهل لقاؤه فيه .. ومثل هذا لا يؤتمن علي حق .
وقد أنكر بعض اللغويين استعمال ( أفاق ) في هذين المعنيين ، بحجة أنها لم ترد بهذين المعنيين في المراجع ، وأهمها بالطبع ( القاموس ) .. ورأي البعض الآخر أن فصاحتها بالمعني الأول واضحة .. لأن معني ( أفق فلان يأفق ) : أنه ركب رأسه وذهب في الآفاق - مكتسبا أو غير مكتسب - فالعثور عليه متعذر .. وشبيه به من له مستقر معروف ولكن لقاءه متعذر أيضا لكثرة غيابه عنه .
وفصاحتها بالمعني الثاني واضحة أيضا من التشابه في النتيجة : فمن كان له مستقر معروف يسهل لقاؤه فيه ؛ لكنه لا يعترف بحقوق الآخرين ، أو لا يقوم بآدائها يستوي هو ومن يتعذر لقاؤه ، لشروده في الآفاق عن مستقره .. فالنتيجة واحدة ، وهي : ضياع الحقوق علي أصحابها .
أيضا : معني ( أفق فلان ) هو ( كذب ) .. ولا أمانة لكاذب .. فالأفاق هو الكذاب .. واستعماله فصيح في الدلالة علي مختل الذمة ، الذي يأكل حقوق الغير ويضيعها ، فحضوره كغيابه ووجوده كعدمه في عدم الجدوي .

[عبد المنعم جبر عيسي]

النباهة

إذا وصفنا - في الدارجة - رجلا بالنباهة أو الفطانة قلنا أنه ( نبيه ) أو صاحب ( نباهة ) .. بمعني أنه فطن أو ذكي ، وكذلك الأمر عندما نصف صبيا أو طفلا .. وما أكثر ما نفعل ذلك .
لكن بعض اللغويين ينكرون استخدام الكلمة بهذا المعني ، ويرون أنها إنما جاءت في الفصيحة بمعني الشهرة .. وكذلك ينكرون صيغة ( انتبه ) بمعي فطن ، ويعدونها خطأ .. ويرون أن الصواب هو صيغة ( تنبه ) .
وإذا رجعنا إلي المعاجم الكبري ومنها ( لسان العرب ) وجدنا أن ما نقول في الدارجة فصيح .
صحيح أن النباهة تعني الشهرة ، وضدها الخمول .. حيث يقال : ( نبه فلان ينبه نباهة ونبها ؛ فهو نابه ونبيه ( أي مشهور أو شهير ) و ( نبهته ) أي ( شهرته - رفعته من الخمول إلي الشهرة ) .. وعلي هذا قول الشاعر الحكيم :
( متي أرت الدنيا نباهة خامل / / فلا تنتظر إلا خمول نبيه )
وفي الفصيحة أيضا : ( نبهته وأنبهته من النوم فتنبه وانتبه ) وكذلك : ( انتبه من نومه ) بمعني الإفاقة أو اليقظة منه .
وفيها أيضا علي سبيل التشبيه : ( نبه للأمر ، ينبه ) مثل ( فطن ، يفطن ) وزنا ومعني .. و ( نبهته من غفلته فتنبه وانتبه ) بمعني الفطنة أيضا .
وفيها : ( نبهته علي الأمر ) أي : أشعرته به .
وفيها : ( أمر نابه ) أي عظيم جليل .
ولو نظرنا إلي الأمر نظرة أوسع ، لعلمنا أن فقهاء اللغات يقررون أن الكلمات استعملت أولا للدلالة علي المحسوسات ، ثم تستعمل مجازا في المعنويات .. وعلي هذا قيل إن الجذر ( ن ب هـ ) يدل في أصل معناه العام علي اليقظة أو الإفاقة من النوم ، وهذا أمر حسي .. ثم صار يطلق مجازا علي الفطنة من جهل أو سهو .. لأن كليهما شبيه بالنوم ، والفطنة شبيهة بالإفاقة منه ، ولذلك نعكس الأمر أحيانا علي سبيل المجاز أيضا فنصف الغافل كما نصف الجاهل بأنه نائم ، لأن كلا منهما لا يدري .
ومن الفصيح أيضا صيغة ( انتبه ) ، بكل هذه المعاني ، ولعل ما يؤيد ذلك قول الراجز ( متي أنبّه للغداء انتبه ) وكذلك ( نبّه علي الأمر ) أي أشعر سواه .