النتائج 1 إلى 12 من 106

الموضوع: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....."

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....." 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    يقول الله عز وجل في سورة البقرة
    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

    صدق الله العظيم

    حياكم الله

    د. أبو شامة المغربي
    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....." 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    يقول الله عز وجل في سورة البقرة
    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

    صدق الله العظيم

    مما جاء في تفسير
    الطبري
    "قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"
    الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء} قَالَ أَبُو جَعْفَر: إنْ قَالَ قَائِل: وَكَيْفَ قَالَتْ الْمَلَائِكَة لِرَبِّهَا إذْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء} وَلَمْ يَكُنْ آدَم بَعْد مَخْلُوقًا وَلَا ذُرِّيَّته، فَيَعْلَمُوا مَا يَفْعَلُونَ عِيَانًا؟ أَعَلِمَتْ الْغَيْب فَقَالَتْ ذَلِكَ؟ أَمْ قَالَتْ مَا قَالَتْ مِنْ ذَلِكَ ظَنًّا؟ فَذَلِكَ شَهَادَة مِنْهَا بِالظَّنِّ وَقَوْل بِمَا لَا تَعْلَم، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صِفَتهَا، فَمَا وَجْه قَيْلهَا ذَلِكَ لِرَبِّهَا؟ قِيلَ: قَدْ قَالَتْ الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا، وَنَحْنُ ذَاكِرُو أَقْوَالهمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ مُخْبِرُونَ بِأَصَحِّهَا بُرْهَانًا وَأَوْضَحَهَا حُجَّةً، فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ ...
    حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة، عَنْ أَبِي رَوْق، عَنْ الضَّحَّاك، عَنْ ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ إبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة، يُقَال لَهُمْ "الْحِنّ" خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة، قَالَ: وَكَانَ اسْمه الْحَارِث. قَالَ: وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة. قَالَ: وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ مِنْ نُور غَيْر هَذَا الْحَيّ. قَالَ: وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار، وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إذْ أُلْهِبَتْ. قَالَ: وَخُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ طِين، فَأَوَّل مَنْ سَكَنَ الْأَرْض الْجِنّ، فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا. قَالَ: فَبَعَثَ اللَّه إلَيْهِمْ إبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة، وَهُمْ هَذَا الْحَيّ الَّذِينَ يُقَال لَهُمْ "الْحِنّ" فَقَتَلَهُمْ إبْلِيس وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى أَلْحَقهُمْ بِجَزَائِر الْبُحُور وَأَطْرَاف الْجِبَال. فَلَمَّا فَعَلَ إبْلِيس ذَلِكَ اغْتَرَّ فِي نَفْسه، وَقَالَ: قَدْ صَنَعْت شَيْئًا لَمْ يَصْنَعهُ أَحَد. قَالَ: فَاطَّلَعَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَلْبه، وَلَمْ تَطَّلِع عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ: {إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة} فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة مُجِيبِينَ لَهُ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء} كَمَا أَفْسَدَتْ الْجِنّ وَسَفَكَتْ الدِّمَاء؟ وَإِنَّمَا بُعِثْنَا عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، فَقَالَ: {إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ} يَقُول: إنِّي قَدْ اطَّلَعْت مِنْ قَلْب إبْلِيس عَلَى مَا لَمْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ مِنْ كِبْره وَاغْتِرَاره ...
    حياكم الله

    د. أبو شامة المغربي
    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....." 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    يقول الله عز وجل في سورة البقرة
    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

    صدق الله العظيم

    مما جاء في تفسير
    القرطبي
    "قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"
    قَدْ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَعْلَم إِلَّا مَا أُعْلِمَتْ وَلَا تَسْبِق بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ عَامّ فِي جَمِيع الْمَلَائِكَة، لِأَنَّ قَوْله: "لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ" خَرَجَ عَلَى جِهَة الْمَدْح لَهُمْ، فَكَيْف قَالُوا: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا؟" فَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لَفْظ خَلِيفَة فَهِمُوا أَنَّ فِي بَنِي آدَم مَنْ يُفْسِد، إِذْ الْخَلِيفَة الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِصْلَاح وَتَرْك الْفَسَاد، لَكِنْ عَمَّمُوا الْحُكْم عَلَى الْجَمِيع بِالْمَعْصِيَةِ، فَبَيَّنَ الرَّبّ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُفْسِد وَمَنْ لَا يُفْسِد، فَقَالَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ: "إِنِّي أَعْلَم"، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنْ عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء، وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَكْنُون عِلْمه.
    وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَة قَدْ رَأَتْ وَعَلِمَتْ مَا كَانَ مِنْ إِفْسَاد الْجِنّ وَسَفْكهمْ الدِّمَاء، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْض كَانَ فِيهَا الْجِنّ قَبْل خَلْق آدَم، فَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ إِبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة، فَقَتَلَهُمْ وَأَلْحَقَهُمْ بِالْبِحَارِ وَرُءُوس الْجِبَال، فَمِنْ حِينَئِذٍ دَخَلَتْهُ الْعِزَّة، فَجَاءَ قَوْلهمْ: "أَتَجْعَلُ فِيهَا" عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام الْمَحْض: هَلْ هَذَا الْخَلِيفَة عَلَى طَرِيقَة مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْجِنّ أَمْ لَا؟ قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب، وَقَالَ اِبْن زَيْد وَغَيْره: إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْخَلِيفَة سَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّته قَوْم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء، فَقَالُوا لِذَلِكَ هَذِهِ الْمَقَالَة، إِمَّا عَلَى طَرِيق التَّعَجُّب مِنْ اِسْتِخْلَاف اللَّه مَنْ يَعْصِيه أَوْ مِنْ عِصْيَان اللَّه مَنْ يَسْتَخْلِفهُ فِي أَرْضه وَيُنْعِم عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِمَّا عَلَى طَرِيق الِاسْتِعْظَام وَالْإِكْبَار لِلْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا: الِاسْتِخْلَاف وَالْعِصْيَان. وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ فِي الْأَرْض خَلْقًا أَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَسَأَلُوا حِين قَالَ تَعَالَى: "إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة" أَهُوَ الَّذِي أَعْلَمَهُمْ أَمْ غَيْره؟ وَهَذَا قَوْل حَسَن، رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا" قَالَ: كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْأَرْض خَلْق أَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَلِذَلِكَ قَالُوا: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا"، وَفِي الْكَلَام حَذْف عَلَى مَذْهَبه، وَالْمَعْنَى إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة يَفْعَل كَذَا وَيَفْعَل كَذَا، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا الَّذِي أَعْلَمْتنَاهُ أَمْ غَيْره؟ وَالْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا حَسَن جِدًّا، لِأَنَّ فِيهِ اِسْتِخْرَاج الْعِلْم وَاسْتِنْبَاطه مِنْ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظ، وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْعُلَمَاء، وَمَا بَيْن الْقَوْلَيْنِ حَسَن، فَتَأَمَّلْهُ.
    وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سُؤَالَهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ: (كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي) - عَلَى مَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره - إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ لِمَنْ قَالَ: أَتَجْعَلُ فِيهَا؟ وَإِظْهَار لِمَا سَبَقَ فِي مَعْلُومه إِذْ قَالَ لَهُمْ: "إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ". قَوْله: "مَنْ يُفْسِد فِيهَا" "مَنْ" فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَفْعُول بِتَجْعَل وَالْمَفْعُول الثَّانِي يَقُوم مَقَامه "فِيهَا".
    "يُفْسِد" عَلَى اللَّفْظ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن يُفْسِدُونَ عَلَى الْمَعْنَى، وَفِي التَّنْزِيل: " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك" [الْأَنْعَام: 25] عَلَى اللَّفْظ، "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ" عَلَى الْمَعْنَى.
    وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ

    عَطْف عَلَيْهِ، وَيَجُوز فِيهِ الْوَجْهَانِ، وَرَوَى أُسَيْد عَنْ الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ: "وَيَسْفِك الدِّمَاء" بِالنَّصْبِ، يَجْعَلهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ: أَلَمْ أَكُ جَاركُمْ وَتَكُون بَيْنِي وَبَيْنكُمْ الْمَوَدَّة وَالْإِخَاء وَالسَّفْك: الصَّبّ. سَفَكْت الدَّم أَسْفِكهُ سَفْكًا: صَبَبْته، وَكَذَلِكَ الدَّمْع، حَكَاهُ اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيّ. وَالسَّفَّاك: السَّفَّاح، وَهُوَ الْقَادِر عَلَى الْكَلَام. قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يُسْتَعْمَل السَّفْك إِلَّا فِي الدَّم , وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي نَثْر الْكَلَام يُقَال سَفَكَ الْكَلَام إِذَا نَثَرَهُ . وَوَاحِد الدِّمَاء دَم , مَحْذُوف اللَّام . وَقِيلَ : أَصْله دَمِي . وَقِيلَ دَمِي , وَلَا يَكُون اِسْم عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْ حُذِفَ مِنْهُ , وَالْمَحْذُوف مِنْهُ يَاء وَقَدْ نُطِقَ بِهِ عَلَى الْأَصْل , قَالَ الشَّاعِر : فَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَر ذُبِحْنَا جَرَى الدَّميَانِ بِالْخَبَرِ الْيَقِين.
    وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ

    أَيْ نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِصِفَاتِك . وَالتَّسْبِيح فِي كَلَامهمْ التَّنْزِيه مِنْ السُّوء عَلَى وَجْه التَّعْظِيم , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : أَقُول لَمَّا جَاءَنِي فَخْره سُبْحَان مِنْ عَلْقَمَة الْفَاخِر أَيْ بَرَاءَة مِنْ عَلْقَمَة . وَرَوَى طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَفْسِير سُبْحَان اللَّه فَقَالَ : ( هُوَ تَنْزِيه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُلّ سُوء ) . وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ السَّبْح وَهُوَ الْجَرْي وَالذَّهَاب , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّ لَك فِي النَّهَار سَبْحًا طَوِيلًا " [ الْمُزَّمِّل : 7 ] فَالْمُسَبِّح جَارٍ فِي تَنْزِيه اللَّه تَعَالَى وَتَبْرِئَته مِنْ السُّوء . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي " نَحْنُ " , وَلَا يَجُوز إِدْغَام النُّون فِي النُّون لِئَلَّا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ . مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَسْبِيح الْمَلَائِكَة , فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس : تَسْبِيحهمْ صَلَاتهمْ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى : " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ " [ الصَّافَّات : 143 ] أَيْ الْمُصَلِّينَ . وَقِيلَ : تَسْبِيحهمْ رَفْع الصَّوْت بِالذِّكْرِ , قَالَهُ الْمُفَضَّل , وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ جَرِير : قَبَّحَ الْإِلَه وُجُوه تَغْلِب كُلَّمَا سَبَّحَ الْحَجِيج وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا وَقَالَ قَتَادَة : تَسْبِيحهمْ : سُبْحَان اللَّه , عَلَى عُرْفه فِي اللُّغَة , وَهُوَ الصَّحِيح لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيّ الْكَلَام أَفْضَل ؟ قَالَ : ( مَا اِصْطَفَى اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَعَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن قُرْط أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ سَمِعَ تَسْبِيحًا فِي السَّمَوَات الْعُلَا : سُبْحَان الْعَلِيّ الْأَعْلَى سُبْحَانه وَتَعَالَى ذِكْره الْبَيْهَقِيّ . قَوْله تَعَالَى " بِحَمْدِك " أَيْ وَبِحَمْدِك نَخْلِط التَّسْبِيح بِالْحَمْدِ وَنَصِلهُ بِهِ . وَالْحَمْد : الثَّنَاء , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْلهمْ : " بِحَمْدِك " اِعْتِرَاضًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ , كَأَنَّهُمْ قَالُوا : وَنَحْنُ نُسَبِّح وَنُقَدِّس , ثُمَّ اِعْتَرَضُوا عَلَى جِهَة التَّسْلِيم , أَيْ وَأَنْتَ الْمَحْمُود فِي الْهِدَايَة إِلَى ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
    وَنُقَدِّسُ لَكَ

    أَيْ نُعَظِّمك وَنُمَجِّدك وَنُطَهِّر ذِكْرك عَمَّا لَا يَلِيق بِك مِمَّا نَسَبَك إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ , قَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَغَيْرهمَا . وَقَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره : الْمَعْنَى نُطَهِّر أَنْفُسنَا لَك اِبْتِغَاء مَرْضَاتك وَقَالَ قَوْم مِنْهُمْ قَتَادَة : " نُقَدِّس لَك " مَعْنَاهُ نُصَلِّي . وَالتَّقْدِيس : الصَّلَاة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف . قُلْت : بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح , فَإِنَّ الصَّلَاة تَشْتَمِل عَلَى التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده : ( سُبُّوح قُدُّوس رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح ) . رَوَتْهُ عَائِشَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَبِنَاء " قَدَّسَ " كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّطْهِير , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة " [ الْمَائِدَة : 21 ] أَيْ الْمُطَهَّرَة . وَقَالَ : " الْمَلِك الْقُدُّوس " [ الْحَشْر : 23 ] يَعْنِي الطَّاهِر , وَمِثْله : " بِالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى " [ طَه : 12 ] وَبَيْت الْمَقْدِس سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يُتَقَدَّس فِيهِ مِنْ الذُّنُوب أَيْ يُتَطَهَّر , وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّطْلِ : قَدَس ; لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأ فِيهِ وَيُتَطَهَّر , وَمِنْهُ الْقَادُوس . وَفِي الْحَدِيث : ( لَا قُدِّسَتْ أُمَّة لَا يُؤْخَذ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيّهَا ) . يُرِيد لَا طَهَّرَهَا اللَّه , أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . فَالْقُدْس : الطُّهْر مِنْ غَيْر خِلَاف , وَقَالَ الشَّاعِر : فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِ وَالنَّسَا كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَان ثَوْب الْمُقَدَّس أَيْ الْمُطَهَّر . فَالصَّلَاة طُهْرَة لِلْعَبْدِ مِنْ الذُّنُوب , وَالْمُصَلِّي يَدْخُلهَا عَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال لِكَوْنِهَا أَفْضَل الْأَعْمَال , وَاَللَّه أَعْلَم .
    قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

    " أَعْلَم " فِيهِ تَأْوِيلَانِ , قِيلَ : إِنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبَل . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْم بِمَعْنَى فَاعِل , كَمَا يُقَال : اللَّه أَكْبَر , بِمَعْنَى كَبِير , وَكَمَا قَالَ : لَعَمْرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَل عَلَى أَيّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّة أَوَّل فَعَلَى أَنَّهُ فِعْل تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِأَعْلَم , وَيَجُوز إِدْغَام الْمِيم فِي الْمِيم . وَإِنْ جَعَلْته اِسْمًا بِمَعْنَى عَالِم تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَا يَصِحّ فِيهِ الصَّرْف بِإِجْمَاعٍ مِنْ النُّحَاة , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي " أَفْعَل " إِذَا سُمِّيَ بِهِ وَكَانَ نَكِرَة , فَسِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل لَا يَصْرِفَانِهِ, وَالْأَخْفَش يَصْرِفهُ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ تُقَدِّر التَّنْوِين فِي " أَعْلَم " إِذَا قَدَّرْته بِمَعْنَى عَالِم , وَتَنْصِب " مَا " بِهِ , فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَنِسْوَة حَوَاجّ بَيْت اللَّه , بِالْإِضَافَةِ إِذَا كُنَّ قَدْ حَجَجْنَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَجْنَ قُلْت : حَوَاجّ بَيْت اللَّه , فَتَنْصِب الْبَيْت , لِأَنَّك تُرِيد التَّنْوِين فِي حَوَاجّ . قَوْله تَعَالَى " مَا لَا تَعْلَمُونَ " اِخْتَلَفَ عُلَمَاء التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا لَا تَعْلَمُونَ " . فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ إِبْلِيس - لَعَنَهُ اللَّه - قَدْ أُعْجِبَ وَدَخَلَهُ الْكِبْر لَمَّا جَعَلَهُ خَازِن السَّمَاء وَشَرَّفَهُ , فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَزِيَّةٍ لَهُ , فَاسْتَخَفَّ الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة فِي جَانِب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة : " وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك " [ الْبَقَرَة : 30 ] وَهِيَ لَا تَعْلَم أَنَّ فِي نَفْس إِبْلِيس خِلَاف ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ : " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : 30 ] . وَقَالَ قَتَادَة : لَمَّا قَالَتْ الْمَلَائِكَة " أَتَجْعَلُ فِيهَا " [ الْبَقَرَة : 30 ] وَقَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِيمَنْ يُسْتَخْلَف فِي الْأَرْض أَنْبِيَاء وَفُضَلَاء وَأَهْل طَاعَة قَالَ لَهُمْ "إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " . قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا كَانَ وَمِمَّا يَكُون وَمِمَّا هُوَ كَائِن, فَهُوَ عَامّ.
    حياكم الله

    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com


    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....." 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    يقول الله عز وجل في سورة البقرة
    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

    صدق الله العظيم

    مما جاء في تفسير
    الجلالين
    "قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"
    وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إذْ "قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة" يَخْلُفنِي فِي تَنْفِيذ أَحْكَامِي فِيهَا وَهُوَ آدَم "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا" بِالْمَعَاصِي "وَيَسْفِك الدِّمَاء" يُرِيقهَا بِالْقَتْلِ كَمَا فَعَلَ بَنُو الْجَانّ، وَكَانُوا فِيهَا، فَلَمَّا أَفْسَدُوا أَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة فَطَرَدُوهُمْ إلَى الْجَزَائِر وَالْجِبَال "وَنَحْنُ نُسَبِّح" مُتَلَبِّسِينَ "بِحَمْدِك" أَيْ نَقُول سُبْحَان اللَّه "وَنُقَدِّس لَك" نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِك فَاللَّام زَائِدَة وَالْجُمْلَة حَال أَيْ فَنَحْنُ أَحَقّ بِالِاسْتِخْلَافِ قَالَ تَعَالَى "إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ" مِنْ الْمَصْلَحَة فِي اسْتِخْلَاف آدَم وَأَنَّ ذُرِّيَّته فِيهِمْ الْمُطِيع وَالْعَاصِي فَيَظْهَر الْعَدْل بَيْنهمْ فَقَالُوا لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَم لِسَبْقِنَا لَهُ وَرُؤْيَتنَا مَا لَمْ يَرَهُ فَخَلَقَ اللَّه تَعَالَى آدَم مِنْ أَدِيم الْأَرْض أَيْ وَجْههَا بِأَنْ قَبَضَ مِنْهَا قَبْضَة مِنْ جَمِيع أَلْوَانهَا وَعُجِنَتْ بِالْمِيَاهِ الْمُخْتَلِفَة وَسَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوح فَصَارَ حَيَوَانًا حَسَّاسًا بَعْد أَنْ كَانَ جَمَادًا.
    حياكم الله

    د. أبو شامة المغربي
    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....." 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    18
    حياكم الله أحبتي في الله

    المزيد المزيد من المنقولات والاجتهادات

    فهذا مجال خصب لتحريك الأفكار وتنوير العقول

    ومحاولة فهم القديم وطرحه وتقديم الجديد ودعمه

    وفتح الجسور بينهما كي تكتمل الرؤية

    ولا مجال هنا لادعاء توقف التفكر في كتاب الله تعالى

    مادام هذا الكتاب العظيم لا يبخل على قرائه بالمزيد من المعارف والكنوز

    الأدبية والعلمية والمعرفية والثقافية..

    إنه الكتاب الذي لا حدود لعطائه مثله مثل صاحبه

    فتعالى سبحانه وجل في ملكه وسما عز وجل بقوله:

    **++ إني أعلم ما لا تعلمون++**

    فهل من مزيد يا أهل المربد الكرام

    والله الموفق
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....." 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    18
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ما زلنا ننتظر هطولكم يا أشاوس المربد الزاهر

    آية كريمة تحمل خيرا كثيرا

    ما رأيكم في ما سطره الدكتور عبدالصبور شاهين

    في كتابه "أبي آدم..."
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: قضية للمناقشة: لماذا قالت الملائكة:"أتجعل فيها من....." 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    سلام الله عليك أخي الكريم وأحسن الله إليك

    في قول الملائكة أتجعل فيها من يفسد, معرفة مضمنة بوجود من سفك الدماء وأفسد.
    السؤال الآن من هو هذا المخلوق؟

    في ما أعلم أنهم خلق الجان، الذين سبق خلقهم خلق الإنسان، وهم من أفسد في الأرض وسفك الدماء، وهناك من ذهب إلى أن خلق الإنسان قد تكرر، فهناك أكثر من آدم قد خلق !!
    والله أعلم
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 22/07/2007 الساعة 10:16 AM
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: الجوانب المخفية من قضية " الرسوم الكاريكاتورية للرسول محمد(ص)"
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22/01/2015, 11:25 PM
  2. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14/10/2014, 10:50 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31/05/2012, 01:09 PM
  4. مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 02/09/2008, 09:13 AM
  5. الجوانب المخفية من قضية " الرسوم الكاريكاتورية للرسول محمد"
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27/11/2007, 12:40 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •