لقد جعل الله تعالى إبليس بين الملائكة تكريما له.. وجعل سجودهم تكريما لآدم.. ثم جعل بين إبليس وآدم اختبارا..
التكريم
بالوجود بالسجود
إبليس الملائكة آدم
إن هذا الجعل الإلهي تم عن طريق نوع من التواصل مع الأطراف الثلاثة.. ولقد كان تواصلا تاما كاملا حقق كل أهدافه بحيث كان المرسل واضحا والرسائل بينة والمتلقي مستعدا مما جعل التفاهم والتوافق سمة الحوار والتواصل..
لكن يبقى السؤال المطروح هو كيف تم هذا الحوار وذاك التواصل؟ وما هي طبيعة اللغة التي تم بها؟ وما هي الأجواء التي ساهمت فيه؟ وكيف استطاع المتلقي أن يستوعب الرسالة التي تصله من رب العالمين مباشرة؟
لا يستطيع امرؤ كيف ما كان أن يزعم أن الحوار بين الله وخلقه كان في تلك المرحلة من تاريخ الخليقة بشكل معين ومحدد لا لفظيا ولا تلميحيا ولا إشاريا ولا نفسيا.. بله كل ما في الأمر أن القضية برمتها مرت بما يناسب الوضع الذي كانت عليه المخلوقات التي شاركت في ذلك الحدث العظيم والذي رسم خطوطه وفصوله وأجواءه الله رب العالمين كما يليق بجلاله وعظمته.. المهم هو أن هناك نوعا من التواصل تم بطريقة ما وشكل ما وأدوات ما وسياق ما وظروف ما وسَنـَـنٍ ما بين الله تعالى مرسلا ومخاطبا ومتلقيا وبين مخاطبيه المرسل إليهم والمتلقين المباشرين لخطاب وحوار رب العالمين.. إنه نوع من التواصل يليق بجلال الله تعالى ويتناسب مع طبيعة المتلقين آنذاك ويتوافق مع السياق العام الذي وضعه الباري جل وعلا في ظروف هو من أنشأها أول مرة حتى يتم ذلك النوع من التواصل كما أراد له الله تعالى أن يتم ثم يوحيه سبحانه إلينا بالطريقة التي نفهمها ونعي بها الرسالة الربانية ضمن ذلك الخطاب القرآني العظيم..
هكذا نفهم ما حدث وما وقع وما قصه علينا كتاب ربنا سبحانه دون إيغال في محاولات التفسير التي نشأت نتيجة تعامل مغلوط في أسسه مع الخطاب القرآني الكريم والذي كان سببا في كثير من المقاربات ذات الطابع الأسطوري والخرافي والتجسيدي..
ونعود إلى ما سبق من الحديث لنبين أن الأمر الرباني لكل من المخلوقات الثلاثة لم يكن إجباريا بله كان اختياريا واختباريا على اعتبار أن كل واحد منهم سيكون مسؤولا وخاضعا للاختبار.. ولذلك نرى أن الأمر كان يسير على مسطرة "افعل أو لا تفعل".. ومن اختيار المتلقي للطاعة أو عدمها سيكون جزاؤه ويتحدد مصيره.. وهكذا وجدنا الملائكة كما سبقت الإشارة قمة في الاستجابة الإيجابية للأوامر الربانية فقد كان سكوتهم عن مخلوق بينهم ليس من طبيعتهم مثل سجودهم لمخلوق لا معرفة لهم به.. امتثالا لأمر الله تعالى دون النظر إلى طبيعة الكائن الذي بينهم أو الكائن الذي سيسجدون له، ودون ربط عملية الكينونة أو السجود بذواتهم وطبيعتهم ودون أن تثير فيهم أي حزازات نفسية.. وحتى عندما أرادوا التدخل لإبداء رأيهم وطرح طبيعتهم وما هم عليه من كمال الطاعة، بعد سماعهم التقرير الإلهي في نهاية الأمر بخلافة آدم في الأرض كان تدخلهم في غاية الأدب مع الله فصيغ بشكل سؤال استفساري متميز بكمال التسبيح والتقديس.. وليس تقريريا ولا استنكاريا.. وسوف نأتي على ذكر تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى..
ثم انتقل موضوع الاختبار من عالم الملائكة إلى إبليس وآدم.. إنه الاختبار والامتحان للحصول على الخلافة فكان مجموع نقط إبليس صفرا لأنه رسب في اختبار الأمر والتلقي "اسجدوا" كما رسب في اختبار الاختيار النفسي التلقائي "التوبة والأوبة إلى الله".. وحصل آدم على المعدل لأنه رسب هو الآخر في امتحان الأمر والتلقي "لا تقربا هذه الشجرة".. ولكنه استطاع أن يستدرك أمره في امتحان الاختيار النفسي التلقائي عندما اختار التوبة والرجوع إلى الله والاستغفار.. وكان جزاء الاختبار الأول "الأمر والتلقي" بالنسبة لآدم وإبليس الخروج من الجنة في حين كان جزاء الامتحان الثاني "الاختيار النفسي التلقائي" أن حصل آدم من رب العالمين على الخلافة في الأرض وحرمها إبليس كما حرم رحمة الله تعالى..
الاختبار (1)
إبليس آدم
افعل لا تفعل
عصى واستكبر نسي وعصى
النتيجة (1)
الطرد من الجنة والرحمة الطرد من الجنة
الاختبار (2)
إبليس آدم
استكبار وطغيان عودة وتوبة
النتيجة (2)
تبعية خلافة في الأرض
الأمر الرباني
أمر نهي
افعل (اسجد) لا تفعل (لا تأكل..)