النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فارس - سليمان عباسي

  1. #1 فارس - سليمان عباسي 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فارس

    علا الاصفرار وجهه عند سماعه عمه يزف له البشرى : مبروك يا ولدي أنت من سيقوم بالثأر لنا من عائلة المحمود .
    بدهشة لم يتمكن من إخفائها على أحد من الجالسين حول عمه قال : عن أي ثأر تتحدث ؟؟
    احّمرت عينا عمه لرفضها الدموع وقال : ثأر ولدي وابن عمك وليد !!
    ازدادت دهشته وقال محاولاّ التوضيحّ : إنه شجار عادي يحدث كل يوم بين شباب القرية وإن كان سوء حظه قد أودى بحياته ولكنه بالمحصلة قتل غير متعمد ، ومن جهة ثانية لقد ألقت الشرطة القبض على حسن المحمود وسينال عقابه حسب الشرع وحسب القانون .
    نهره عمه بعنف قائلاّ : ما هذا الهراء يا ولد !! ومنذ متى الحكومة تأخذ بثأرنا !! لقد نشأنا وتربينا على أن نأخذ ثأرنا بأيدينا ، هذه هي أعرافنا وتقاليدنا .
    تجاهل سهام الغضب والاستهزاء التي انطلقت من عيون الملتفين حول عمه وقال : لكن الزمن تغير يا عمي وما تقوله عن الأعراف والتقاليد صحيح في حال عدم وجود قانون وعدم وجود حكومة تطبق هذا القانون .
    هّم عمه بلطمه ولكنه قال بنفاذ صبر : اخرس يا ولد أتريد إذلالي بعد كل هذا العمر!!
    وبلهجة آمرة أردف : وأنت من سيقوم بقتل الدكتور مازن والآخذ بثأرنا، أفهمت يا ولد ؟؟
    طأطأ رأسه إلى الأرض أمام إصرار عمه وقال بحسم : لا أستطيع .. لا أستطيع يا عمي .
    قال عمه والشرر يتطاير من عينيه : إسمع يا ولد .. ستقوم بقتل الدكتور مازن وإلا سأقوم بقتلك أنا وبيداي حتى أتخلص من عارك ومن جنونك هذا .
    اتكأ على يديه محاولاّ النهوض فقال عمه : قبل أن تنصرف وتتخذ قرارك النهائي أريد إخبارك أن رأس الدكتور مازن هو مهر ابنتي مريم .
    شعر بالغرفة تدور به فلقد أصابه عمه بمقتل فهو يعرف مقدار حبه لمريم وإنها الحلم والأمل بالنسبة إليه حتى أن أهل القرية جميعهم يرددون أشعاره في حب مريم وتنهمر دموعهم عند سماعهم لمواويله في سهراتهم الليلية .
    نظر إلى عمه بذهول وقال : من أين أتيت بكل هذه القسوة يا عمي ؟؟
    بقسوة وإصرار وبلا رحمة قال : هل تعتقد إنني أقبل بزواج ابنتي من شبه رجل يستهزئ بتقاليد وأعراف عائلته .
    كادت الدموع تنفجر في عينيه وبتوسل ظاهر قال : لكن يا عمي .
    قاطعه عمه وبكلمات كالرصاص أصابت قلبه قال : مهر ابنتي رأس الدكتور مازن .. أغرب الآن عن وجهي .
    استطاع الوقوف بصعوبة ونظر إلى الجالسين حول عمه وشعر بالرعب والاشمئزاز منهم رغم أنهم أقرب الناس إليه ، وبقدما رجل في التسعين أنهكتهما الأمراض والسنين اتجه نحو الباب منصرفاّ .
    خرج من بيت عمه زائغ البصر مشوش التفكير يشعر بالاختناق وبعدم القدرة على التنفس وبشلل يدب في جميع أوصاله فترك لقدميه المنهكتين أن تقوداه إلى حيث تشاءان ولم يشعر بنفسه إلا وهو في حقله الصغير الواقع في طرف القرية .
    جلس تحت شجرة الزيتون وقد بدأ يشعر بقليل من الارتياح وهو يجول ببصره في أرضه المزروعة بشتى أنواع الورود وابتسم ابتسامة خفيفة عندما تذكر كم استهزئ به أهل القرية لزرعه الورود بدلاّ عن زراعة الخضراوات أو الفواكه الأوفر ربحاّ .
    كان يقابل استهزاؤهم دائماّ بالقول : أنتم تقومون بزراعة الأوفر ربحاّ بينما أنا أقوم بزراعة الأكثر جمالاّ ويسألهم باستغراب : هل هناك أكثر من الورود تجلب الراحة للنفس والروح ؟؟
    مساكين أهل القرية فإنهم لا يدركون أن سر عشقه للورود وردة جورية حمراء قدمتها له ابنة عمه مريم عندما كان في العاشرة من عمره والدموع تغطي عينيه حزناّ على وفاة والده ومنذ ذلك الحين أصبح عشقه للورود ولابنة عمه توأمين .
    ابتسم ابتسامة عريضة عندما عادت به الذاكرة إلى الوردة الأولى التي حاول زراعتها مع ابنة عمه مريم وكيف كانا ينطلقان صباحاّ وظهراّ وعصراّ يسقيان وردتهما الأولى .
    ازدادت ابتسامته اتساعا وعاد قليل من الصفاء إلى عينيه المتعبتين عندما جال ببصره في حقله الصغير المليء بالورود من شتى الأنواع والألوان حسب وعده الأول لابنة عمه عندما ترقرقت الدموع في عينيها حزناّ على ذبول الوردة الأولى .
    فارس في حوالي الخامسة والعشرين من العمر ذو شعر أسود حالك وبشرة بيضاء لفحتها أشعة الشمس بحنان مما أكسبها قليلاّ من السمرة وعينان عسليتان واسعتان وصدر واسع يضم قلباّ لا يعرف سوى الحب وتنحصر أحلامه في بيت صغير تحيط به الورود يضمه مع مريم وينجبان الكثير من الأولاد .
    - مرحبا يا فارس .
    التفت نحو مصدر الصوت فالتقت عيناه بعيني ابنة عمه مريم الخضراوتين وقد غلب عليهما الاحمرار من شدة البكاء فأمسك بيديها وأجلسها إلى جانبه ومسح دموعها بيديه المرتعشتين.
    بصوت متهدج تخنقه الدموع قالت : لقد سمعت كل ما دار بينك وبين أبي .
    اكتفى بالنظر إليها بابتسامة باكية وعينين تشكيان قسوة أبيها وربت على رأسها بحنان .
    أمسكت بيديه وقبلتهما ونظرت إلى عينيه وكأنها قرأت شكواهما وقالت : لنهرب يا فارس ..
    لنهرب من قسوة أبي .. لنهرب من تلك العادات والتقاليد البالية .
    أشاح بوجهه عنها ليخفي دموعه وقال : لا أستطيع ... لا أستطيع .
    أمسكت بكتفيه وهزتهما بعنف وقسوة قائلة : ألا تحبني ؟؟ ألا تحبني ؟؟
    شعر بخنجر تغمده في قلبه بلا رحمة وبأحرف تنزف شوقاّ ووجداّ قال : كم أنت قاسية!! اسألي تلك الورود وردة وردة كم تمايلت وكم رقصت وأنا أبثها لواعج قلبي !! اسألي تلك العصافير كم رفرفت بجناحيها فرحاّ وهي تستمع إلي أشعاري !!
    وأردف بعتاب : آه منك يا مريم .. أتسألينني إن كنت أحبك !!
    ألقت برأسها على صدره وقد تناثرت بعض من خصلات شعرها الأشقر على وجهه وقالت : إذن لماذا لا نهرب من تلك القرية اللعينة ؟؟
    مسح بكفيه شعرها المتناثر على صدره العريض وقال : لا أستطيع أن أجلب العار إلى عمي في أواخر أيامه وهو من ربّاني ورعاني بعد موت والدي .
    شعر بالاختناق لكنه تمالك نفسه وأردف : كيف سأنظر إلى عيون أبنائي وأنا من جلب العار إلى جدهم ؟؟ كيف سأعلمهم الحب والوفاء وأنا من غدر بمن رباه ورعاه ؟؟ كيف سأغرس شتلات الورود في الأرض وأنا من قام بغرس الأشواك في صدر أقرب الناس إليه ؟؟
    رفعت رأسها الصغير عن صدره وقد أدركت مدى ألمه ومعاناته وقالت : لكن يا فارس ...
    حاول الوقوف لكن قدميه المنهكتين لم تساعداه فاكتفى بالقول : اذهبي إلى البيت الآن .
    ألقى بجسده المنهك على الأرض بعد ذهاب مريم وحاول إغماض عينيه لعله يستطيع النوم ولو قليلاّ ليتخلص من الضجيج الذي بدأ يملأ رأسه .
    سمع خطا أقدام تقترب نحوه ففتح عينيه بصعوبة ليجد عمه يناديه : فارس.. فارس .
    اتكئ على يديه ووقف متثاقلاّ : أهلاّ عمي ... أهلاّ .
    جلس عمه على الأرض وقال : الله يرضى عليك يا فارس .. تعال واجلس إلى جانبي يا ولدي .
    جلس إلى جانب عمه وقال معاتباّ : لماذا لم ترسل في طلبي بدلاّ من سيرك كل هذه المسافة الطويلة إلى هنا .
    تجاهل عمه كلامه ووضع يده في جيبه وأخرج مسدساّ وقال : خذ يا فارس .. خذ المسدس .
    نظر إلى عمه بتوسل لكنه رأى الإصرار والغضب في عينيه فمد يده وأخذ المسدس ووضعه في جيبه وقد بدأ الضجيج الذي يملأ رأسه يزداد بقسوة .
    اعتدل عمه في جلسته وقال : أمامك مهلة ثلاثة أيام لتأخذ بثأر ابن عمك من عائلة المحمود .
    صرخت الكلمات في جوفه وهي تأبى الخروج : ما هذا الجنون .. ما هذا الجنون .. ما أشد قسوتك يا عمي !! آه .... آه .... آه ....
    بقسوة متعمدة تابع عمه قائلاّ : ولا تنسى يا فارس إنه مهر ابنتي مريم ولن أقبل بغيره مهراّ.
    صرخت الكلمات في جوفه مجدداّ : من أين أتيت بكل هذه القسوة ؟؟ من أين يا عمي ؟؟
    نهض عمه واقفاّ وقال : لن أخرج من بيتي قبل أن اسمع خبر مقتل الدكتور مازن .
    انتابته رغبة ملحة في الصراخ معترضاّ في وجه عمه لكنه لم يستطع ،ثم انتابته رغبة في اللحاق بعمه والتوسل إليه لعله يرجع عن جنونه وإصراره لكن الضجيج الذي يملأ رأسه شل قدرته عن الحركة وألقاه على الأرض مغمياّ عليه .
    استيقظ على يد تربت على خده بلطف وبصوت شبه مألوف لديه : فارس .. فارس ...
    فتح عينيه ببطء وإذ بالدكتور مازن ينظر أليه وابتسامة تعلو محياه : لماذا أنت ملقى على الأرض ؟؟ هل أنت مريض ؟؟ هل تشعر بألم ؟؟ أخبرني ؟؟
    امسك بيديه وساعده على النهوض وقال ضاحكاّ : أنسيت إنني دكتور !!
    تملكه الذهول ولم يستطع الإجابة واكتفى بالنظر إلى الدكتور مازن وعيناه تستفسران عن سبب قدومه وفي هذا الوقت بالتحديد .
    جلس الدكتور مازن بقرب فارس وقال : إنني أعلم إصرار عمك على قتلي وإنك أنت من سيقوم بقتلي وإن رأسي هو مهر ابنة عمك مريم .
    استند الدكتور مازن على جذع الشجرة وقال : إنني أعرفك تمام المعرفة يا فارس واعرف انك لا تقوى على قتل نملة تدب على الأرض لرهافة حسك ولقلبك الكبير الذي لا يعرف سوى الحب وأعرف مثلي مثل كل آهل القرية مدى حبك وعشقك لمريم .
    طأطأ رأسه إلى الأرض ولسان حاله يقول : معك حق يا دكتور مازن فأنا لا أقوى على قتل نملة تدب على الأرض ولكنني لا أستطيع الحياة دون مريم .
    وبيد مرتعشة أخرج المسدس من جيبه وصوبه نحو رأس الدكتور مازن قائلاّ سامحني
    يا دكتور لكنك مهر مريم وأنا لاأقوى على الحياة بدونها .
    نظر إليه الدكتور مازن بإشفاق وقال : أتريد قتلي يا فارس ؟؟ ها أنا ذا أمامك ولن يكلفك الأمر سوى الضغط على الزناد .
    عاد الضجيج اللعين يملأ رأسه ولكن هذه المرة بقوة لم يعد لديه القدرة على احتمالها وقال : نعم سأقتلك حتى لا أخسر مريم ولأتخلص من هذا الضجيج اللعين الذي يصيبني بالجنون .
    أمسك المسدس بقوة وضغط على الزناد ولكن ليس على رأس الدكتور مازن بل على رأسه هو وخرجت الطلقة تصرخ باكية : تباّ لكم ولأعرافكم وتقاليدكم لقد قتلتم فارس . لقد قتلتم فارس . لقد قتلتم فارس .

    سليمان عباسي ---- دمشق
    Abasi_777@hotmail.com
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: فارس - سليمان عباسي 
    نعم نقتل الناس بعندنا....
    ان اردت ان تطاع اطلب المستطاع..
    تحية
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. صدر للشاعرة أمل سليمان إبراهيم باكورة إبداعها أنت يا أنت
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07/09/2010, 12:35 PM
  2. حوار مع الشاعر سليمان العيسى
    بواسطة مصطفى عبد الفتاح في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05/01/2010, 01:03 PM
  3. عهود سليمان السبع
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 09/10/2009, 11:07 AM
  4. لله في خلقه شؤون...سليمان النبي و النمل
    بواسطة غمارى احمد في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31/05/2008, 07:07 PM
  5. الغربة سرقت ليلى-سليمان عباسي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 18/05/2007, 06:22 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •