﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ

فصل تعالى بنود الميثاق فقال ﴿ لا تعبدون إلا الله مخلصين له لا تشركون به شيء. والعبادة ذل وخضوع لرب العالمين
ولما ذكر الله حقه أتبعها بحقوق عبادة وأولاها حق الوالدين فقال ﴿وبالوالدين إحسانا أي أحسنوا بالوالدين . وهذا يشمل طرق الإحسان من القول والفعل والمال والجاه. وكل ما يسمى إحساناً. فعطف الله حق الوالدين على حقه لعظم حقهما فهما سبب وجود الولد ولهما الفضل عليه في التربية والعناية والإنفاق
ثم أتبع ذلك بالأمر بصلة الرحم وبقية الأقارب فقال : ﴿وذي القربى وهذا يشمل القرابة من جهة الأب ومن جهة الأم ويقدمون في البر بحسب درجاتهم في القرابة.
﴿واليتامى أي أحسنوا إليهم.واليتيم من الآدميين من فقد أباه قبل بلوغه.وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يُتم بعد احتلام.رواه أبو داود 1873 وصحح في إرواء الغليل 9/79 والإحسان إليه يكون بكفالته وحسن تربيته والعطف عليه والرأفة به وحفظ حقوقه وذلك لضعفه وذهاب من كان يقوم عليه
﴿ والمساكين أحسنوا على المساكين والمسكين هو الذي أسكنه الفقر وقعدت به الحاجة والإحسان إليه يشمل إعطاؤه من الزكاة والصدقة والسعي في حوائجه ومواساته وتصبيره ليرضى بالقضاء ويخف ألمه. وقد قال النبي: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. مسلم 5259م

ولما أمر بالإحسان بالفعل أتبعه بالأمر بالإحسان بالقول فقال
﴿وقولوا للناس حسنا:أي ألينوا لهم القول وتلطفوا معهم في الكلام ولما كان المال لا يسع الكل كان من حسن المعاملة أن لا يعدموا منك قولا جميلا وكلاما طيّبا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وخالطوا الناس بخلقٍ حسن الترمذي 1910 .وقال أبو العالية: قولوا للناس معروفا ويدخل في القول الحسن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه

ولما بدأ تعالى الميثاق بعبادته على وجه الإجمال وذكر الإحسان إلى الخلق أتبع ذلك بذكر أشرف العبادات البدنية والمالية فقال:
﴿وأقيموا الصلاة أدوها تامة قويمة بلا نقص
﴿وءاتوا الزكاةأعطوها لمستحقيها عن طيب نفس تبتغون الأجر من الله
فكانت هذه التكاليف الثمانية هي مقتضى الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل ولكنهم لم يلتزموا بذلك ولم يقوموا به
﴿ثم توليتمبعد قبولكم للميثاق والتولي ترك الشيء وراء الظهر وهذا علامة الاستخفاف والرفض. واستثنى تعالى قلة منهم فقال ﴿إلا قليلا منكم فانهم قبلوا الحق وعملوا به
﴿وأنتم معرضونالذين تولوا كانوا في حال من الإعراض بالبدن والقلب فكيف يرجى أن يُقبِل هؤلاء

فوائد الآية
1-وفي الآية حسن الكلام مع الناس حتى الكافر لكن دون أن يداهنه أو يقره على باطلة
2-وفي الآية مراعاة الأولى فالأولى في المعاملة
3-أهميّة الإحسان في التعامل مع الخلق وهذا يقتضي عدم الإساءة لأن الأمر بالشيء في القرآن والسنة يتضمّن النهي عن ضده
4-وفيها تقديم حق الوالدين على حقوق سائر الناس كما دلّ على ذلك اقتران حقهما بتوحيد الله وذلك أن النشأة الأولى من الله والنشأة الثانية من الوالدين
5-وفيها انتقاء الكلام واختيار الحسن منه وأن الأفضل ترك الكلام الذي ليس بحسنٍ ولا سيئ
6-وفيها أن القواعد العامة في المعاملة مع الله وخلقه موجودة في شرائع الأمم من قبلنا
7-وفيها تذكير اليهود في زمن النبي وما بعده بما فعله أسلافهم من السوء ليحذروا من متابعتهم في ذلك وأن الخلف لا يجوز له أن يتبع من سلفه بالشر
8-وفيها أن من تولى بجسمه وأعرض بقلبه هو من أشر الخليقة ,قال النبي :﴿وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه