"يروي الأستاذ عبد المتعال الجبري عن إسراع الحكومة في إعدام سيد قطب وأخويه : ( إن من يزيد سنه عن ستين سنة يخفف عنه حكم الإعدام إلى المؤبد . ولكن المسألة ليست مسألة قوانين
.. كنا نائمين في السجن ليلة من الليلي .. واستجابة لغريزة حب الاستطلاع , كان بعض إخواننا ينظرون من ثقوب الزنازين .. فرأو بعض السجانين مدججين بالسلاح , وقد أحضروا الشهيدين " محمد هواش وعبد الفتاح إسماعيل" من السجن الصغير الذي كان معزولين فيه , بعد النطق بالحكم عليهما , ليأخذوا ملابسهما من زنزانتيهما اللتين كانا بها في السجن الحربي الكبير ..
وفوجئنا بتنفيذ الإعدام بدون الإجراءات المعتادة , وحتى بدون حبال جديدة .. وبدون أي شيء من الإجراءات التقليدية ..
فمثلا من لوائح السجون , قانون يقضي بوزن المحكوم عليه بالإعدام وقياس نبضه وضغطه واخطار أهله , وإتاحة الفرصة له , لكتابة وصيته

في ليلة تنفيذ أحكام الإعدام في سيد قطب وأخويه , تم نقل الإخوان الثلاثة من السجن الحربي , إلى سجن الاستئناف ليتم الإعدام
وشوهد سيد قطب وقد ركب سيارة الجيش , والإبتسامة المشرقة مازالت تملاء وجهه ويده ترتفع لوداع الواقفين من الجنود والحراس وتحييهم
ولما همت السيارة بالسير , نظر سيد قطب إلى الواقفين بجانب شباك السيارة , والابتسامة المشرقة كما هي
والتقطت صور هذه الابتسامة كماهي

ويروي الصحفي سامي جوهر رحمه الله رواية اللحظات الأخيرة من حياة الشهيد سيد قطب قال"
تلقى جميع رؤساء التحرير في الصحف مكالمة تلفونية من مكتب –سامي شرف- سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات .. وأملى سامي شرف خبرًا لنشره في الصفحة الأولى بالصحف التي تصدر صباح الاثنين 29 – أغسطس- أي اليوم التالي – وبدون عناوين بارزة , وعلى عمود واحد .. وكان نص الخبر
" تم صباح اليوم تنفيذ حكم الإعدام في كل من سيد قطب ..وعبد الفتاح إسماعيل , ومحمد يوسف هواش ... قادة التنظيم الإرهابي للإخوان المسلمين !

وكان إملاء الخبر على الصحف في منتصف الليل .. ولم تستطع جريدة " الأخبار" أن تنشره في طبعتها الأولى , وكذلك جريدة الجمهورية .... ولكن الأهرام تمكنت من نشره

ومن المعلوم أن الصحف تكون في أيدي غالبية القراء ابتداءً من الخامسة صباحًا
ومعنى نشر الخبر هو أن الإعدام تم فعلا قبل الخامسة صباحًا .

وأجريت الاتصالات لأعرف موعد تنفيذ الحكم لأحضرة , فدائمًا أحكام الإعدام يسمح بحضورها للصحفيين والمصورين , ولم يكن لدى أجهزة الأمن أي فكرة عن الموعد
باستثناء شرطة النجدة
فقد تلقت تكليفًا بأن تتوجه سيارتا نجدة في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل إلى مبنى فرق الأمن " وبالدراسة " لمهمة سرية
وتوجهت إلى منزل عشماوي الذي سينفذ حكم الإعدام , ومنازل مساعديه
وكانت الإجابة التي واجهتني في كل المنازل الثلاثة , أن سيارة حضرت عند منتصف الليل واصطحبته في مهمة
وأيقنت أن الإعدام سيتم تنفيذه قبل الصباح .. في الفجر .. رغم أن العادة جرت أن يتم الإعدام في الثامنة صباحًا
وتوجهت إلى مبنى سجن الاستئناف في باب الخَلْق – حيث تتم دائمًا عمليات الإعدام
وفوجئت بفرقة من الصاعقة تحيط بمبنى السجن , والأنوار الكاشفة مسلطة عليه
بينما كان ميدان "باب الخَلْق "في الظلام
وطرقت باب السجن وكان معي الزميل المصور "عبده خليل" وفتح حارس البوابة "الكوة الضيقة مفتوحة "
ومن خلالها رأيت مجموعة من جنود الصاعقة مصطفين في الفناء يحملون الرشاشات !!!
وعاد الحارس بعد دقائق , وأغلق الكوة ولم يجبني على طلبي وساد صمت رهيب
وفي تمام الساعة الرابعة والثلث صباحًا .. فتح باب السجن .. وخرجت سيارة سوداء , مخصصة لنقل الموتى إلى المشرحة
واندفعت في طريق المقابر " بالإمام الشافعي " يتبعها ويسبقها مجموعة من سيارات اللاسلكي وراكبي الموتوسيكلات..
وقبل أن يغلق الباب , خرج شاب طويل القامة .. وسأل عني .. وتقدمت إليه ..
وقال بكل رقة :
- حضرتك كنت عايز تحضر الإعدام .. ياخسارة لم يبلغوني برغبتك إلا الآن فقط
خلاص كل حاجة تمت .. والعربية خدت الجثث لدفنهم ..
وسألته:
- أين
- فأجاب – بنفس الهدوء : في المقابر طبعًا
وأحسست أنه لا يريد أن يفصح عن شيء آخر "


في فجر ذلك اليوم الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 / 8 / 1966م
تقدم سيد قطب وأخواه – عبدالفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش – إلى حبل المشنقة , بخطًا وئيدة ثابتة !
وتنفس الصبح على منظر الشهداء الثلاثة , وقد علقت أجسادهم بحبل المشنقة
وأسدل الستار على آخر صفحة من حياة الرائد سيد قطب

" منقول من كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الإستشهاد )
د/ صلاح عبد الفتاح الخالدي