عمر، متتالية قصصية للأطفال ـ للشاعر بدر بدير
-----------------------------------------
(النص الكامل)

*القصة الأولى: عمـــــــــــــــــر
ـــــــــــــــــــــــــ

عمر طفل فى السادسة من عمره ، لم يخرج من القاهرة مرة واحدة ، أبوه مهندس وأمه طبيبة ، أبوه يعمل كثيراً وليس عنده وقت للتنزه ، وأمه تقضى وقتها بين البيت وبين المستشفى لا وقت عندها للتنزه . عمر يريد أن يتنزه ، طلب من والده مرات كثيرة أن يخرج معه للنزهة ، والده ووالدته ذهبا معه مرة إلى الجيزة رأى عمر الأهرامات وقضى يوماً سعيداً مع أسرته ، قال عمر لوالده إن الأهرامات صروح عظيمة ، والرحلة إليها رحلة جميلة ومفيدة . قال والد عمر له إن أجدادنا العظماء هم بناةُ الأهرامات ، قال عمر لوالده يسأله هل حقاً ياأبى إن جدى هو الذى بنى الهرم ؟ نعم يا عمر إنه جدك . فرح عمر بهذه الحقيقة وأحس بالفخر والسرور.
عندما عادوا إلى البيت ، وفى المساء استأذن عمر والده فى أن يستعمل الهاتف . سمح له والده . رفع عمر السماعة ، وراح يدير القرص رقما بعد رقم ، سمع رنين الهاتف على الناحية الأخرى ، لحظة وسمع صوت من يرد عليه .
- مرحباً . أنا عمر . كيف حالك يا جدى العزيز؟
- الحمد لله نحن بخير . كيف حالك يا عمر.
- أنا وأبى وأمى بخير ياجدى العظيم.
- شكراً يا عمر على اتصالك.
- أنا الذى أشكرك شكراً عظيماً يا جدى العظيم.
- على أى شئ تشكرنى يا عمر؟
- على بناء الهرم الأكبر ياجدى العظيم ، قل يا جدى متى بنيت الهرم الأكبر ؟ ولماذا لم تحدثنى عن ذلك من قبل ؟ هل كنت تريد أن تعمل لى مفاجأة ؟
وبدأ الأب والأم يضحكان فى سرور بالغ واندهاش وازداد الضحك حتى غطى على صوت الجد الذى جاء عبر الهاتف من بعيد . من إحدى قرى مصر .
- من فضلك يا أبى من فضلك يا أمى توقفا عن الضحك حتى أسمع صوت جدى .
توقف الضحك وجاء صوت الجد فى الهاتف واضحاً .
- أى هرم تقصد يا عمر.
- الهرم الأكبر الذى بنيته يا جدى من زمن طويل.
- من قال لك إننى بنيت الهرم الأكبر يا عمر؟
- والدى قال ذلك. لقد قمنا أمس أنا ووالدى ووالدتى بزيارة الهرم الأكبر وقال والدى إن جدك بانى الهرم
حقاً ياجدى إنه بناء عظيم . كيف بنيته ؟ ومن ساعدك فى البناء ؟ لا بد أنه كلفك نفقات كثيرة؟

وبدأ الوالدان الضحك من جديد ، تعجب عمر التفت إلى والده راجيا…
- أبى من فضلك . أنا لا أفهم لماذا تضحكان ؟ قال الوالد اعطنى سماعة الهاتف يا عمر وسوف تعرف كل شئ بعد قليل .. عمر أعطى والده السماعة بعد أن استأذن من جده.
قال أبو عمر لوالده : السلام عليكم يا والدى ، فجاءه الرد .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أبا عمر . ما حكاية عمر مع الهرم الأكبر ؟ إنه يشكرنى على بنائه.
قال أبو عمر : أنا قلت له أمس إن جدك خوفو هو بانى هذا الهرم العظيم ، وييبدو أن عمر لم يسمع الاسم جيداً فظن أن جده خفاجة هو بانى الهرم الأكبر . وسوف أوضح له الأمر بعد قليل .
قال الجد : حسنا يا أبا عمر . وضح لعمر كل شئ ، وأفهمه أنه إذا كان الفارق بين الاسمين خوفو وخفاجة بعض الأحرف فإن الفارق الزمنى بينهما عدة آلاف من السنين ، وتبادل الأب والجد حكات هادئة عبر الهاتف ، وضحكت أم عمر وضحك عمر أيضاً وهو لا يعرف سببا لهذا الضحك الذى يتبادله أفراد الأسرة مسرورين.
وضع والد عمر سماعة الهاتف وقال لعمر حديثى معك الآن يشمل عنصرين أولاً وثانياً.
قال عمر : أولاً قل أولاً … فضحك والد عمر ووالدته وعمر أيضاً لهذه الجملة الراقصة التى قالها عمر وقال الأب …
أولاً : جدك خفاجة يهنئك على نجاحك إلى الصف الثانى الابتدائى ، ويقدم لك هدية النجاح ، قال عمر باسماً .. شكراً لجدى لكن هلى أرسل هديته لى داخل أسلاك الهاتف ؟ وضحك الجميع مرة أخرى ثم قال والد عمر : نعم يا سيد عمر لقد أرسل جدك هديته لك عبر أسلاك الهاتف.
قال عمر متعجباً : أين هدية جدى !! هل هى فى علبة أم فى كيس أم هى فى حقيبة ؟ وكيف يرسل جدى هدية من هذه الأنواع عبر الهاتف ؟
ابتسم والد عمر وقال إنها ليست من هذه الأنواع يا عمر . إن الأسلاك لا تحمل علباً ولا أكياساً، إن الأسلاك تحمل الكلمات والكلمات أعظم من العلب والأكياس.
قال عمر : وماذا أعمل أنا بالكلمة ؟ قال الوالد تعمل بها الكثير يا عمر إنها وعد.
قال عمر : بأى شئ وعد جدى ؟ قال الوالد : وعدك بأن يحضر إلى القاهرة بعد أيام قليلة ليأخذك معه فى رحلة إلى القرية.
فرح عمر فرحاَ شديداً وقفز فوق الكرسى هاتفاً بأعلى صوته يعيش جدى .. يعيش جدى خوفو.. يعيش جدى خوفو، فضحك الأب والأم من جديد وضحك عمر وقال فاجأتنى الفرحة ثم هتف من جديد يعيش جدى خفاجة .. يعيش جدى خفاجة. وبعد أن توقف الضحك والهتاف قال عمر : يا والدى العزيز لقد عرفت هدية جدى خفاجة فما هى حكاية جدى خوفو ؟ هل أرسل هو الآخر هدية ؟ قالت أم عمر : نعم يا عمر أرسل جدك خوفو هدية منذ عدة آلاف من السنين . قال عمر : هدية لى أنا ؟ قالت الأم : نعم لك ولى ولوالدك ولكل رجل ولكل امرأة ولكل طفل على أرض مصر .
تعجب عمر وقال : كيف يقدم الجد خوفو هدية لكل واحد على أرض مصر ؟! وما هذه الهدايا التى أرسلها الجد خوفو ؟!
قال الأب : يا عمر أنا قلت لك إن خوفو هو بانى الهرم الأكبر .
قال عمر : كنت أحسب أن خوفو هو خفاجة .
قال الوالد : إن خوفو بانى الهرم الأكبر هو جد المصريين ، والمهندسون والعمال المصريون هم الذين بنوا الهرم لخوفو فهو هرمنا جميعاً وهو هدية لنا جميعاً .. قال عمر : وكيف يكون الهرم هدية لنا جميعاً ؟
قال الأب : هل رأيت الهرم يا عمر ؟ قال عمر : نعم . قال الوالد هل الهرم عمل عظيم ؟ قال عمر:
نعم إنه عمل من أعظم الأعمال ..قال الأب : هل رأيت السائحين من كل بلاد العالم وهم ينظرون إلى الهرم باحترام ؟ إن الناس يأتون من كل بلاد الدنيا ليروا إحدى عجائب الدنيا .. إنه الهرم.. إن الناس من كل شعوب الأرض ومنذ آلاف السنين يأتون إلى مصر لرؤية الهرم، إنهم يدفعون لنا نقوداً كثيرة جداً ليسعدوا برؤية الهرم . إن كل مصرى يشعر بالفخر لأنه شريك فى ملكية الهرم .
ألا تشعر بالفخر يا عمر لأنك أنت وأنا وكل المصريين نملك الهرم ؟ ألا تشعر بالسعادة يا عمر لأنك ابن الشعب الذى بنى الهرم بقيادة جدنا خوفو العظيم ؟ إن ضيوفنا من السائحين ينظرون إلينا باحترام كبير لأننا بناة الهرم وأبناء خوفو العظيم.
هل توافقنى يا عمر أن السائحين ضيوفنا ؟ وأن احترامهم وحسن استقبالهم وحسن معاملتهم واجب علينا ؟ هلى توافقنى يا عمر أن الهرم أعظم هدية من أجدادنا القدماء ؟ وأنه هدية لكل واحد فى مصر ؟ قال عمر : نعم يا أبى أشعر بذلك .. ثم قام واقفاً بحماس كما فعل فى المرة السابقة وصاح هاتفاً يعيش الشعب المصرى العظيم ..