كانت فاتحة مجموعتي القصصية الأولى هي رسالة أدبية:




+++




البيادرالخضراء




ما أجمل أن تعيش الأحلام فينا .. ونراها تسبح في أوراقنا البيض فتخضرّ جمالاً وروعة. تتجاسد مع الأوراق فتغدو سفن عشق تبحث عن ميناء تحتضنه شوقاً وتعباً في نهاية قصة أو قافية قصيرة , هي ذي الوريقات جرداء كأنها وادٍ بغيرذي زرع تهتز وتنمو فوقها غلال وأعناب .هي ذي الأحلام تجد تربة خصبة ينمو كل صف فيسطره فيعلو إلى السطر الأعلى وتنمو جذوره إلى الأدنى .

خيالٌ واسعٌ يضرب باحثاً.... .. تتنقل الأصابع ويداوم بحثه هذا القلم , عم تبحثين أيتها الأصابع , أراك تسافرين مندرب إلى درب , تنتقلين في طيات الأوراق, تنزلين أودية وتصعدين جبالاً ,وهذه الوريقات سبل وعوالم .... كنت أظن أن بياض الورقة يمتلئ بأفكارنا . هذه الكلمات تظهر من بنات أفكارنا , لكنني الآن أعلم أنني كالممسك بمظهر وهو يظهر العوالم المختبئة بين طيات هذه الصفحات , أحسُ أحياناً أن هذا المظهر الذي أمسكه بيدي كريشة رسام خفيفة , أوكإزميل ينحت في حجر صوان ينهكني فأرميه , ما باله يتقلب هذا القلم السحري أراهأ حياناً بساطاً طائراً يبحرُ في دنيا الأسطر ويكون خفيفاً يعلو بي فوق الغمام.
فوق الجبال تحملني النسائم وأنظر إلى الأرض من علٍ , فأرى الناس جميعاً طيبيـن .. يستحقون الشفقة والمحبة .. أحب كل الناس وأحياناً يمسي هذا القلم كفأس, أو محراث يحرث في أرض قاسية, واصطدم بأحجار غلاظ وأرى الناس كلهم يقفون أمام محراثي, فأكره أفعالهم وأحار بين الأمرين سبيلاً .

أحياناً أشعر به مثل غواصة تغوص بي إلى عوالم غريبة فأرى كلمات تبحر وراءنا تتكلم عن رحلاتنا , فهذه عوالم مسحورة وهذه عوالم الجان، وتلك طلاسم مبهمة، وأخرى غيبيات لا تقرأ الآن بل تمور وتخبر عن أسراروأسرار.

أحياناً يغرقني في مداده فأشعر أني لا أفهمه أولا أفهم نفسي , أحياناً أضيع في الليل الذي يخرج من رأسه وأمسي لا أبصر يدي فيه , أحياناً يأخذ بالحداء فأنسى نفسي ويسكت بعدها فأرى نفسي قد قطعت مسافات بعيدة ما كنت لا أقطعها لولا صوته , وأحياناً أجده أخرس ثقيلاً يتعبن يحمله, أجدني أمسك بذيله فتراه يطير ويعلو إلى الفضاء وكأني أمسك بطائر خرافي, وتنثال علي الأنوار فأحسبه كبراقيعرج بي .

أحياناً أحس كأني أمسك بمارد أخرق أهوج يشتعل هرجاً ومرجاً وأحيانا,أحس كأني أمسك بحشرة تلسعني وتؤلمني وأحياناً أحسه يتحول من براعم غضة إلى أشواك تشوكني.

يأخذني أحياناً للقاء أجمل الجميلات ويشعلُ فيّ الكلمات فأكتب قصائدالشوق فيها، وأحياناً يأخذني كراهب مقدس ويفسر لي الغيبيات، ويعلمني التأويل والتفسير ، فأكتب الابتهالات وأبوح بالدعاء.

أحياناً يكون كسماعة طبيب ، أو ميزان حرارة ، مبضعاً حاداً في يد جراح أو أداةً في يد كاهن أو عراف يضرب بالرمل . أومسبراً في يد عامل .. أو بندقية أو راجمة صواريخ يكون ترساً أو مضاد أرضي .

يكون منارة فوق بحور الأوراق , لكنه ينطفئ أحياناً فانطفئ وأتخبط بين أمواجالكلمات والحروف ، وأبقى أرتطم بإشارات التعجب وأتعلق بإشارات الاستفهام وأستنجد بالياء . فسبحان من علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم.