فاروق شوشة للوكالة : ادونيس لايمثل الا نفسه ومن يتبعه تقليد باهت وقدرة لغوية عاجزة





الشاعر الكبير فاروق شوشة لـــوكالة انباء الشعر

الشاعر ليس هتيفا فى مظاهرة ولامبدعا لمقولات سياسية


ادونيس لايمثل الا نفسه ومن يتبعه تقليد باهت وقدرة لغوية عاجزة

مايزال حصاد الستينات هوالحقيقة الاساسية فى عصرنا الشعرى
الساحة الشعرية الان تمتلىء بالشهب الخامدة

دعاء عطية من القاهرة
اذا طابت العيون راقت الانهار وامتدت الرؤية لكشف اعماقها وما تحويه من اسرار وكنوز وجنات مخبوءة .. والشاعر الكبيرفاروق شوشة يمتلك هاتيك العيون وتلك الرؤية القادرة على سبر اغوار انهار وبحار الشعر والكلمة المبدعة الموحية الرقيقة غاص فى الاعماق ونجح فى اصطياد دررها المكنونة لينثرها عقودا على صدور العاشقين والحالمين بوطن اخضر وارف الظلال واستنادا الى تلك الرؤية الصافية ياتى المسار الشعرى لفاروق شوشة الذى ينتمى جيليا الى حقبة الستينات مخلصا للمدرسة الجديدة فى الشعر ورائدها صلاح عبد الصبور كما جائت اشعاره منذ ديوانه الاول الى مسافرة حتى ديوانه الذى صدر مؤخرا موال بغدادى متدفقا وصانعا حلقات من الوصل والاتصال بين التراث والمعاصرة بعيدا عن ملابسات الغموض والشكلانية ومتاهات التغريب التى اصابت الشعر العربى فى سنواته الاخيرة لغة ومعجما ودلالة يدافع شوشة بكل مااوتى له من قوة عن الشعر واللغة العربية الفصحى سواء كان ذلك فى سنواته الماضية عبر صوته الاذاعى الشهير اثناء تقديمة برنامج لغتنا الجميلة او برنامجة الامسية الثقافية او خلال تراسة للاذاعة المصرية او رئاسة اتحاد الكتاب او تراسة حاليا لامانة مجمع اللغة العربية فمايزال يقف بصلابته المعهودة فى مواجهة عكارة الحياة الشعرية وفوضى المصطلحات واللغة وفى حواره لوكالة أخبار الشعر العربي استنهض شوشة قوى الشعراء العرب للحفاظ على هويتنا الشعرية العربية وهوية لغتنا الجميلة للحفاظ على الاجيال القادمة واعترف شوشةان اللغة لم تعد وسيلة اتصال كما لم يعد العروض الخليلى ضابط ايقاع بعد ان انفتح الباب لفنون من الالغاز والاغراب والشعوذة تاتى احيانا تحت دعاوى التجاوز والتجديد والتحديث ..

* هل نعد ذلك احباطا او ياسا وانت المدافع العنيد عن اللغة العربية ؟
- مظاهر الاحباط كثيرة فى عالمنا اليوم ولكن انا لا ادعو للياس بقدر الدعو ة للتحفيز واستنهاض همم الشعراء الجادين لمواصلة الابداع ومواجهة كافة اشكال القبح فى عالمنا سواء تلك التى طالت اللغة من جراء موجات التغريب او طالت كافة مجالات حياتنا الاخرى وهذا يتطلب من الجميع مواجهة ذلك التردى بكل قوة.

* فى ديوانك الصادر اخيرا موال بغدادى تتجلى تلك القوة التى تتحدث بها ويخيل احيانا انك ترتدى ثوب السياسى ؟
- فى موال بغدادى تجد الهم العربى والهموم الخاصة فمايحدث فى العراق يحتاج لديوان الشعر العربى باكملة ولكنى ارفض إلباسة الثوب السياسى لان الشاعر ليس زعيما ولا مصلحا اجتماعيا ولاينبغى ان ينظر الى دورة بهذا الاعتبار انه صاحب موقف جمالى وانسانى معا دون ان يخرج عن طبيعته كشاعر ليجد نفسة هاتفا فى مظاهرة اومبدعا لمقولات سياسية واجتماعية وقد راينا عدد من الشعراء يتجاوزون فى بعض الاحيان وظيفتهم الشعرية المتصلة اساسا باثراء الوجدان وتكثيف الوعى وبلورة الاتجاهات وتعميق النظرة الى الحياة والوجود والأنسان يتجاوزون هذا كله من أجل متطلبات الزعامة أوركوب موجات المد الجماهيرى لكنهم فى هذه الحال لم يبدعو شعراَ أو فنا باقيا وانما تحولو إلى مروجى شعارات وصانعى أوهام منتفخة وفى يقينى أن الموقف الفنى والموقف الأنسانى لا ينفصلان كما لاينبغى أن يضحى بأحدهما من أجل الأخر فهما يمثلان معا جناح الشعر الحقيقى .

* ولكن يعتبر البعض أن ديوانك الأخير يمثل عودة للشعر السياسي بعد انقطاع طويل ؟
- الشعر السياسى كما افهمه مطروح فى مسيرتى الشعرية منذ المجموعة الأولى إلى مسافرة التى نشرت عام 66 ولا أظن أن هذا الهم فارق دواوينى بل تعمق وزاد واتسع حتى اليوم فى جل اعمالى لؤلؤة فى القلب وفى انتظارمالايجئ وسيدة الماء وهئت لك وغيرها فأنا انتمى إلى جيل تفتح وعية ووجدانه على المخاض الكبير لحركة الأمة العربية نحو التحرر وصياغةحياة أكثر عدالة وانسانية الجيل الذى شاهد ميلاد الحلم القومى الكبير وهو الجيل الذى شاهد سقوط هذا الحلم وانكسارة والذى يشهد اليوم مضاربات البورصة السياسية على المستويين القومى والعالمى والتى تسعى لاجهاض اى حلم جديد أو على الأقل لتشويه صورته فى داخل هذه الدائرة دائرة الحلم القومى كان مسارى الشعرى كله بدأ بعالم القرية واصطدم بعالم المدينه واتسع بديناميكية الحياة المعقدة الشديدة التعقيد والثقيلة الوطأة على النفس وهى دائرة يمتزج فيها الذاتى بالقومى والغناء بالنشيج.

* وهل ترى أن الشعر توقف عند تطوير جيلكم وما تقييمك للاجيال الجديدة ؟
- اولا لابد من التاكيد على ان حركة التجديد الشعرى هى نفسها حركة الحياة لاتتوقف ولا تهدأ وفى كل عصر شعرى أصوات شعرية تنزع إلى التململ من أثر المواضعات الشعرية السائدة وتطمح إلى تبنى حضور اكثر نفاذا واستشرافا للآبداع الشعرى وربما بدا للبعض أن من يسمون بالمجددين اليوم يملكون عناد الرفض والتمرد دون أن يملكو تحقيق هذا الموقف من داخل البنية الشعرية والصيغة الشعرية وليس من خارجها ولذلك فالمسافة شاسعة بين اجتهاداتهم النظرية وتطبيقاتهم الشعرية وهنا أشير إلى إدونيس فهو حقيقة شعرية كبرى فى هذا العصر وأضافة هامة إلى ديوان الشعر العربى فكرا وابداعاً لكن ساحة الأرض الشعرية التى حققها انجازة تظل مقصورة عليه وحدة ولا يليق بها أن ينتسب إليها عشرات الأدونسيين ممن يمثلون الصورة المهزوزة والمكررة من الصيغة الأدونيسية لأنها على أيديهم فقدت حراراتها وتمثلها للتجربة الشعرية العربية ومغامراتها الفلسفية المتجددة وهؤلاْ الادونسيين رجع صدى وتقليد باهت وقدرة لغوية عاجزة ثم من يملك أن يقول أن باب الاجتهاد قد أغلق سواء دخل منهم من شعراء السبعينات أو الثمنينات وحتى الان أن فى القليل جدا مما يكتبون ومضات شعرية تخطف البصر بعض الوقت وسرعان ما تصبح شهبا خامدة لأنها محض شظايا وليست حقيقية وما يزال حصاد جيل الستينات هو الحقيقة الشعرية الأساسية فى عصرنا الشعرى.

* مخلص انت لجيلك الستينات ومازلت تتعامل مع الحداثة بحذر ؟
انا اقبل الشعرالجيد من كافة التيارات والاتجاهاتاما الحداثة كما يقدمها شعراء السبعينات وحتى الان لاأظنها كمصطلح قد قدمت أضافةأو تجاوز الأفكار الأساسية فى فهم الأبداع وتقديمة على اساس القدرة على اختراق الأزمنه والعصور والقدرة على مخاطبة الوجدان الأنسانى وتظل مشكلة تحديث المجتمعات العربية التي تتزاحم وتتجاوز وتختلط وتصطرع عصوراً وقروناً بكلميراثها مشكلة ضاغطة وحاكمة فالأصوات الصادرة عن المجتمع في أبعادها الثقافيةوالحضارية والمعرفية والجمالية تعزف نشازاً، وتتقلص وتنكمش وتتأزم صورة حادةسلفياً وحداثياً، وفي قلب هذا التأزم تهب زوابع عاتية تتمثل في الإلحاح على تناولالقضايا اليومية، والمصيرية والمطالبة لمن يبدعون بالكتابة المستمرة حتى يضمنوا شرطالحياة والبقاء الاستمرار.

* وهل ترى الشعر فى خطر؟
- الخطر يحيط بالأنسان لأنه يتهدد بوجودة الحياتى فى معناة البسيط لأن خطر الجفاف والتصحر والتلوث فى ظل هذا الخطر الأعظم لا تعود القضية قضية شعر أونثر ولكنها قضية الوجود الأنسانى أولا وأخير ولكن طالما هناك أنسان يرتطم بأسلاك هذا الواقع وقضبانه وتشدة انخطافة الحلم نحو القادم والمجهول فالشعر حتمية تلزمة والزمن الشعرى ممتد إلى ما لا نهاية.

*وماذا عن اللغة وكيف جاء اكتشاف حبك للعربية الفصحى ؟
- انا ولدت في قرية تدعى الشعراء وفي كتّاب القرية تعرفت علىاللغة وجمالها وكان الكتاب هو أكاديميتي الأولى التي تعملت فيها وقد حدت إبان هذهالفترة أن اجتاحت الكوليرا مصر عام 1947 وقد نالت بأذاها الكثيرين ومنهم جدي لأميوقد استفدت من بقائي في البيت طوال هذه الفترة خوفا من عدوى المرض فقرأت كل ما فيمكتبة أبي وبالذات مجلة الرواية التي كانت توأما لرسالة الزيات وإن لم تحصل علىحظها من الشهرة قرأت فيها الكثير من الابداعات للشعراء محمود طه ابراهيم ناجي وعلى الجارم ومحمود حسن اسماعيل وقرأت في مكتبة البلدية بدمياط سيرةعنترة بن شداد كما كتبها الأصمعي في عشرة أجزاء. ولم يكن الكتاب بالنسبة لي مجردأنه لحفظ القرآن بقدر كونه خبرة لغوية تأسيسية ثم اكتشفت الشعر بعد الكتاب بسنواتطويلة فأتيح لي من خلال اللغة القرآنية واللغة الشعرية ما أحلق به وما أتعامل به مناللغة لأحس أنها أصبحت جزءا من نسيج حياتي تحدد مساري في رحلة الحياة العلميةوالإبداعية من خلال هذا الوعاء الذي غصت فيه أكثر اكتشفت جمالياته وعندما بدأت اكتبالشعر كنت أحاول أن أفيد من خبرتي بهذه الجماليات ومن قدرتي على التشكيل باللغة وقدحاولت عبركل مراحل حياتى سواء اثناء عملى الاعلامى والاذاعى وفى برامجى التليفونية وحتى الان أن أقرب هذه اللغة إلى القارئوأبعد عن أذهان الناس فكرة أنها لغة صعبة.

* قد لايعرف كثيرون ان محاولاتك الابداعية الاولى كانت نصا مسرحيا وبعد ذلك قصائد غزلية فماذا عنهما ؟
بالفعل كانت المحاولة الأولى في الإبداع الشعري كانت مسرحية (هكذا مرة واحدة) وكنت طالبا فى المدرسة وقد كلفتالمدرسة عرضها 17 جنيها وهو مبلغ مرتفع في ذاك الوقت وكنت أول من يوقف الإمام عليبن أبي طالب والخليفة عثمان على خشبة مسرح وتجسيدهما كما كانت قصائد الغزل خطوةتالية لفتاة القرية التي كانت لها الفضل في إشعال الجمرة الأولى وحتى الآن أرى أنالشاعر بلا عاطفة وبلا امرأة يعيش خارج رحم الكون فالمرأة هي الزوجة والأم والبنتوالحفيدة هي تكمل الدائرة وتنعش الذاكرة ثم كانت المرحلة التالية في الجامعة واتجهتإلى القصائد الوطنية والاجتماعية وبعد ذلك محاولات تعميق ما اكتب وأن تكون لي قصيدتي وبصمتي الخاصة.

* هل تعتقد ان تجربتك الشعرية حظيت بما تستحقه على الساحة النقدية؟
- هذا لايشغلنى على الاطلاق لسبب بسيط هو اعتقادى ان الشاعرلاينتظرناقد يحدد له المسار لان لكل شاعر بداخلة ناقد يوجهه ويجعله يطور الياته وادواته ويوسع من افاقة ومنظورة ومازلت اذكر قول نجيب محفوظ لى فى اول حوار اذاعى لى معه عام 1959 عندما سالته عن راية فيما يكتبه النقاد قال لو انى اصغيت الى النقاد لاربكونى احدهم يقول ان السرد لديك الاحسن واخريقول ان السرد لديك ممل فعقدت العزم على ان امضى فى طريقى دون ان التفت الى مايقوله النقاد وهذا راى نجيب محفوظ .

* وما رايك انت ؟
- راى ان الناقد يتجه للقارىء ليجعلة اكثراقترابا من العمل ولا يتجه الى الشاعر او الاديب .

* بصفتكم أمينا عاما لمجمع اللغة العربية كيف ترون حالها ؟
- اللغة العربية تتعرض لمخاطر تتهدد وجود الإنسان العربيوالمصير العربي وذلك من جراء إهمالها وغزو اللغات الأجنبية لنا وعلى ذلك لابد منقيام مؤسسات المجتمع المدني بوضع الدفاع عن اللغة العربية ضمن أولوياتها عبر تنظيمالعديد من المؤتمرات الجادة والملتقيات الحاشدة، واؤكد هنا على مطالبة المجمع بان يكون لقراراته قوة الالزام للمؤسسات الثقافية والاعلامية وذلك كما جاء فى احتفالية المجمع بعيدة الماسى مؤخرا كما اكرر دعوتي إلى ما أمسيهبالمراجعة والنقد الذاتي والوقفة الصادقة مع النفس بغية التطوير والتماس المزيد منالإنجازات حتى يكون للمثقفين العرب موطئ قدم في خريطة هذا العصر أمام رياح العولمةالعاتية، ومحاولات قوى عظمى أتيح لها أن تنفرد بالزعامة والتأثير وفرض منطقهاوثقافتها وتأويلها غير عابئة بحقوق الشعوب ومصائرها. فمن المهم تضافر جهود المؤسساتالتعليمية والتربوية ووسائل الإعلام العربية في تحقيق الذيوع والانتشار للغة العربية.

نقلاً عن وكالة أنباء الشعر العربي