القصيدة الدمشقية

هذي دمشق .. وهذي الكأس والراحُ
إني أحب .. وبعض الحب ذباحُ



أنا الدمشقي .. لو شرحتمُ جسدي
لسال منه .. عناقيد وتفاحُ


ولو فتحتم شراييني بمديتكم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا



زراعة القلب, تشفي بعض من عشقوا
وما لقلبي -إذا أحببت- جراحُ



ألا تزال بخير دار فاطمة
فالنهد مستنفر .. والكحل صداحُ


إن النبيذ هنا .. نارٌ معطرةٌ
فهل عيون نساء الشام, اقداح؟



مآذن الشام تبكي إذ تعانقني
وللمآذن , كالأشجار أرواحُ



للياسمين, حقوق في منازلنا
وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاحُ


طاحونة البن, جزء من طفولتنا
فكيف ننسى؟ وعطر الهال فواحُ


هذا مكان (أبي المعتز).. منتظر
ووجه (فائزة).. حلو ولماحُ



هنا جذوري , هنا قلبي, هنا لغتي
فكيف أوضِحُ؟ هل في العشق إيضاحُ؟


كم من دمشقية, باعت أساورها
حتى أغازلها .. والشعرُ مفتاحُ


أتيت يا شجر الصفصاف معتذرا
فهل تسامح هيفاء ... ووضاحُ؟


خمسون عاما .. وأجزائي مبعثرة
فوق المحيط, وما في الأفق, مصباحُ


تقاذفتني بحار لا ضفاف لها
وطاردتني شياطين.. وأشباحُ


أقاتل القبح في شعري, وفي أدبي
حتى يفتح نوارٌ... وقداحُ


ما للعروبة تبدو مثل أرملةٍ
أليس في كتب التاريخ, أفراحُ؟


والشعر .. ماذا سيبقى من أصالته؟
إذا تولاه نصاب .. ومداحُ


وكيف نكتب ؟ والأقفال في فمنا
وكل ثانية, ياتيك سفاحُ


حملت شعري على ظهري .. فأتعبني
ماذا من الشعر يبقى, حين يرتاحُ؟

_______________________

غِرْناطَة ٌ !

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
ما أطـيب اللقـيا بلا ميعادِ


عينان سوداوان في جحريهما
تتوالـد الأبعاد مـن أبعـاد


هل أنت إسبانـية؟ ساءلـتها
قالت: وفي غـرناطة ميلادي


غرناطة؟ وصحت قرون سبعة
في تينـك العينين.. بعد رقاد


وأمـية راياتـها مرفوعـة
وجيـادها موصـولة بجيـاد


ما أغرب التاريخ كيف أعادني
لحفيـدة سـمراء من أحفادي


وجه دمشـقي رأيت خـلاله
أجفان بلقيس وجيـد سعـاد


ورأيت منـزلنا القديم وحجرة
كانـت بها أمي تمد وسـادي


واليـاسمينة رصعـت بنجومها
والبركـة الذهبيـة الإنشـاد


ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها
في شعـرك المنساب ..نهر سواد


في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختـزناً شمـوس بلادي


في طيب "جنات العريف" ومائها
في الفل، في الريحـان، في الكباد


سارت معي.. والشعر يلهث خلفها
كسنابـل تركـت بغيـر حصاد


يتألـق القـرط الطـويل بجيدها
مثـل الشموع بليلـة الميـلاد..


ومـشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائي التاريـخ كـوم رمـاد


الزخـرفات.. أكاد أسمع نبـضها
والزركشات على السقوف تنادي


قالت: هنا "الحمراء" زهو جدودنا
فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي


أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً
ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي


يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت
أن الـذين عـنتـهم أجـدادي


عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها
رجلاً يسمـى "طـارق بن زياد"

_____________________________________

بغداد

مُـدّي بسـاطيَ وامـلأي أكوابي
وانسي العِتابَ فقد نسَـيتُ عتابي



عيناكِ، يا بغداد، منـذُ طفولَتي
شَـمسانِ نائمَـتانِ في أهـدابي



لا تُنكري وجـهي، فأنتَ حَبيبَتي
وورودُ مائدَتي وكـأسُ شـرابي



بغداد.. جئتُـكِ كالسّـفينةِ مُتعَـباً
أخـفي جِراحاتي وراءَ ثيـابي



ورميتُ رأسي فوقَ صدرِ أميرَتي
وتلاقـتِ الشّـفَتانُ بعدَ غـيابِ



أنا ذلكَ البَحّـارُ يُنفـِقُ عمـرَهُ
في البحثِ عن حبٍّ وعن أحبابِ



بغداد.. طِرتُ على حريرِ عباءةٍ
وعلى ضفائـرِ زينـبٍ وربابِ



وهبطتُ كالعصفورِ يقصِدُ عشَّـهُ
والفجـرُ عرسُ مآذنٍ وقِبـابِ



حتّى رأيتُكِ قطعةً مِـن جَوهَـرٍ
ترتاحُ بينَ النخـلِ والأعـنابِ



حيثُ التفتُّ أرى ملامحَ موطني
وأشـمُّ في هذا التّـرابِ ترابي



لم أغتـربْ أبداً... فكلُّ سَحابةٍ
بيضاءُ، فيها كبرياءُ سَـحابي



إن النّجـومَ السّـاكناتِ هضابَكمْ
ذاتُ النجومِ السّاكناتِ هِضابي



بغداد.. عشتُ الحُسنَ في ألوانِهِ
لكنَّ حُسـنَكِ لم يكنْ بحسـابي



ماذا سـأكتبُ عنكِ يا فيروزَتي
فهـواكِ لا يكفيه ألـفُ كتابِ



يغتالُني شِـعري، فكلُّ قصـيدةٍ
تمتصُّني، تمتصُّ زيتَ شَبابي



الخنجرُ الذهبيُّ يشربُ مِن دَمي
وينامُ في لَحمي وفي أعصـابي



بغداد.. يا هزجَ الخلاخلِ والحلى
يا مخزنَ الأضـواءِ والأطيابِ



لا تظلمي وترَ الرّبابةِ في يـدي
فالشّوقُ أكبرُ من يـدي ورَبابي



قبلَ اللقاءِ الحلـوِ كُنـتِ حبيبَتي
وحبيبَتي تَبقيـنَ بعـدَ ذهـابي
______________