صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 12 من 16

الموضوع: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور

  1. #1 مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور (حوار)
    ...... .......................

    بمناسبة الاحتفال بمائة عام على مولده
    محمد مندور.. متي يأخذ حقه من التكريم؟!
    العراقي : يكفي أنه أعاد تصحيح مفاهيم النقد الأدبي
    تليمة : لماذا لا نجمع تراثه وننشره.. ونطلق اسمه علي قصر ثقافة الزقازيق؟!
    عتمان : لا أحد يستغني عن كتاباته في دراسة المسرح
    قنديل : ليت التليفزيون ينتج مسلسلاً عن حياته

    حوار: محمد جبريل
    ......................

    في الخامس من يوليو القادم تأتي الذكري المائة لمولد الناقد والمفكر الكبير الراحل الدكتور محمد مندور ورغم اقتراب المناسبة فإن هيئاتنا الثقافية تتجاهل -حتي الآن- مجرد تذكير الأجيال الجديدة من المثقفين بإسهامات مندور في حياتنا. مع ملاحظة أن منظمة اليونسكو بادرت إلي التذكير بأهمية الاحتفال بمناسبة مولد محمد مندور باعتباره من أهم الشخصيات العربية في القرن العشرين.
    لا شك-في تقدير د.عاطف العراقي- أن محمد مندور من طليعة النقاد المصريين المعاصرين. ولا يمكن -حين نؤرخ للنقد الأدبي في العالم العربي- أن نغفل الدور الحيوي والبناء الذي قام به مندور. لقد أعاد تصحيح الكثير من المفاهيم الخاصة بالنقد الأدبي. ويكفي أنه حاول كل جهده أن ينظر إلي النقد الأدبي علي أساس أنه علم وليس مجرد أهواء ذاتية شخصية. من هنا فإن النقد أصبح في منظور محمد مندور شيئاً حيوياً. له قواعده التي يجب أن نلتزم بها. بحيث نفرق بين الرؤية النقدية من جهة. والرؤية الذاتية الجمالية الفنية من جهة "أخري". تماماً كما نقول "العلم نحن" بمعني وجود أشياء مشتركة يتفق عليها الجميع. في حين أن "الفن أنا" بمعني الرؤية الذاتية.
    حين يجيء مندور ويحاول بكل جهده أن يؤسس قواعد للنقد الأدبي. فإن هذا يعد انجازاً حقيقياً بكل المقاييس. وإذا تساءلنا عن وسائل تكريم مندور بعد وفاته. فإنه من منطلق الاعتقاد بأن الذكري للإنسان عمر آخر. وحتي لا يقول أبناء الجيل الحالي أنهم جيل بلا أساتذة. يجب القيام بطبع كل مؤلفاته في طبعات متداولة عن طريق مكتبات الأسرة وغيرها. حتي تكون متاحة لكل من يريد أن يشتغل بالأدب. وبالنقد الأدبي.
    إلي جانب ذلك فإنه لابد من التأكيد علي دور مندور الحيوي والبناء في مناهج التعليم الثانوي ومناهج التعليم الجامعي. وما المانع أن تفكر وزارة الثقافة في تخصيص جائزة مالية كبيرة تعطي -كل عام- لأفضل الأعمال الأدبية النقدية باسم محمد مندور.
    وأخيراً فإنه لا يصح أن تمر الذكري المئوية دون إقامة مجموعة من المحاضرات والندوات علي كافة الأجهزة الثقافية. ومن بينها اتحاد الكتاب والمجلس الأعلي للثقافة وغيرهما. ثم يجب التفكير في إلقاء مجموعة من المحاضرات تحت مسمي محمد مندور وقرن من الزمان.
    تصورات
    ويشير د.عبدالمنعم تليمة إلي أن محمد مندور -شأنه شأن أعلام النهضة- قد شارك مشاركة واسعة في تأسيس الاتجاهات الحديثة في الفكر والمجتمع علي السواء. ويمكن لمؤرخ ثقافتنا أن يقف عند حقلين برزت فيهما جهود مندور.
    الحقل الأول كان تأسيس الدرس التاريخي للأدب. فلا ريب أن مندور يقف طليعة لهذا الاتجاه منذ عمله المبكر عن النقد المنهجي عند العرب. مروراً بكتابه الجامع في ثلاثة أجزاء عن الشعر المصري بعد شوقي. وانتهاء بأعماله الجهيرة عن الحكيم. والمازني. والأدب ومذاهبه. والنقد ومدارسه. والحقل الثاني كان الدعوة الدءوب إلي الفكر الحديث. وبخاصة الفكر الاشتراكي. وقد ارتبطت هذه الدعوة عند مندور بالنظام العملي. فكان محامياً مرموقاً. وعضواً بارزاً في المجالس النيابية.
    لهذا فإن مؤرخ الثقافة العربية الحديثة لا يمكن أن يضع خريطة لحياتنا الروحية والفكرية والجمالية حتي منتصف القرن العشرين. دون أن يكون مندور أحد أبرز ملامحها وأعمدتها.
    ونتصور في الذكري المئوية لمولد هذا المعلم العظيم الخطوات التالية:
    - تلبية دعوة اليونسكو بتزويد هذه المنظمة الكبيرة بأعمال دراسية وعلمية دقيقة عن جهود مندور لتعممها اليونسكو عالمياً.
    - قيام وزارة الثقافة بجمع تراث مندور وتحقيقه ونشره تحت عنوان الأعمال الكاملة.
    - قيام هيئة قصور الثقافة بإطلاق اسم مندور علي قصر ثقافة الزقازيق بالشرقية موطن هذا العلم.
    - قيام وزارة التربية والتعليم بوضع اسمه بين رواد النهضة. ووضع نصوص من كتاباته في المناهج المدرسية.
    - قيام المجلس الأعلي للثقافة بتنظيم مؤتمر كبير شامل. بالإضافة إلي جمع أعماله تحت عنوان "محمد مندور في ثقافتنا الحديثة".
    تواصل
    ويعتبر محمد مندور - في تقدير د.أحمد عتمان- من أهم الشخصيات الأدبية المعاصرة. وقد أفاد من تلمذته لطه حسين في نقل المناهج النقدية الأدبية الغربية إلي العربية بثقافته الفرنسية المتميزة. كما أنه كان متعدد الاهتمامات. فقد كتب في نقد الرواية والقصة القصيرة والمسرح والشعر. وله آراء نافذة في مسرح شوقي ومسرح الحكيم. ولا يمكن أن يستغني أحد عن كتاباته في دراسة المسرح في أوائل القرن العشرين. ولا في الأدب بصفة عامة. ونحن ندرسه لنستضيء بدراساته التي أنجزها عن هؤلاء. ومن واجب الدولة والجمعيات الأهلية الثقافية والأدبية أن تحتفي بمثل هذه الشخصيات. كي تتواصل مع الأجيال التالية. وليعرف الجيل الحالي أنه مدين بالكثير للأجيال السابقة. لقد كان مندور وثاباً. وهو -بلا شك- يعد من أهم رواد النقد. ويمكن أن نحتفي أيضاً بمن عاصره مثل صقر خفاجة الذي درس هو الآخر في فرنسا. ورشاد رشدي الذي كانت بينه وبين مندور معارك أدبية ومساجلات. أثرت الحياة الأدبية. وأذكر أن كتبت عن مندور وسميته "أودوسيوس" النقد الأدبي. بمعني أنه جاب الآفاق في مجالات النقد الأدبي. وكانت له مغامرات. ونقل الكثير من المعارف والاتجاهات النقدية إلي العربية.
    ويشدد الروائي فؤاد قنديل -في توجهه إلي المؤسسات الثقافية. سواء رسمية أو شعبية- علي أمية الاحتفاء بهذه المناسبة بصورة عملية جادة. بحيث يتم إعطاء مندور حقه كأحد رجال التنوير والثقافة وأهم نقاد الجيل الثاني. والتعريف به لدي الأجيال الجديدة. وإعادة طرح رؤاه التي تجلت في العديد من المجالات الثقافية والعلمية والسياسية والصحفية.
    كنا نود أن نقترح إعادة نشر إنتاجه. لكن مكتبة نهضة مصر تتولي نشر هذا الإنتاج. مع ذلك فإني أطمع في أن يعد التليفزيون مسلسلاً عن حياته التي تمتليء بما يصلح لأن يكون عملاً درامياً مرموقاً. أسوة بما تم مع طه حسين والعقاد ويوسف السباعي ويحيي حقي.
    ..........................................
    *المساء الأسبوعية ـ صفحة "قضايا أدبية" ـ في 24/4/2007م.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    المجلس الأعلى للثقافة احتفى به بثلاثة كتب:

    شيخ النقاد محمد مندور.. قائد عموم القراء فى مصر

    كان يملك ضمير القاضى المنزه عن الهوى

    ثقافة موسوعية تمكنه من التأثير فى واقعه

    يحترم الماضى ولكن لا يسمح بأن يهيمن على الحاضر

    بقلم: ماهــــــــر حسن
    ..............................

    لعل هذه الاحتفالية التى أقامها المجلس الأعلى للثقافة لشيخ النقاد د. محمد مندور قد كشفت عن المزيد والجديد من ملامح مندور، وأتصور مشروعا مستقلا بذاته يحمل عنوان مندور الشخص والنص، لو قدر للمجلس أن يفكر فى إصداره فى شكل كتاب يضم مجمل ذكريات أحبائه عنه، مواقفه النقدية والوطنية ومسيرته العلمية على ضوء ما طرحه ولده الدكتور طارق مندور الذى أعرب عن توجهات الأسرة فى جمع تراث الرجل المنشور وغير المنشور على أن يجرى تصنيفه.
    وفى تقليد ممتاز أرساه المجلس الأعلى للثقافة فقد أصدر ثلاثة كتب متزامنة تماما مع المؤتمر عن مندور، الأول يضم بيليوجرافيا عن كتابات مندور أعده سامى سليمان أحمد وراجعته كاميليا صبحى والثانى للمغربى محمد برادة ويحمل عنوان تنظير النقد العربى والثالث بعنوان عبقرية المجهود.. مندور ناقدا للقصة والرواية وهو للروائى الكبير الذى يجيب هذا الكتاب عن سؤال مهم مفاده:هل كان مندور صاحب مشروع لنقد القصة؟.
    وفى سياق الإجابة عن السؤال يخلص المؤلف إلى أن مندور مازال حيا بيننا وأنه أيضا مؤسس النقد الروائى.
    وفى الكتاب ذاته أن مندور كان مشروعا ثقافيا شاملا شهد بتنوع المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية التى أسهم فيها وهذا إنما يعكس التنوع والتعدد فى مسيرة مندور بين الكتابة والدور فهو الناقد الأدبى، والمصلح الاجتماعى والسياسى والكاتب الصحفى والسياسى والمعلم والذى يجعل من الكتابة على اختلافها وسيطا أساسيا لنقل وضخ المعرفة للآخرين.
    لقد كان اختيار المجلس لموعد الاحتفالية موفقا، فقد اختير فى ذكرى مولد مندور ولقد مثلت الجلسة الأولى والثانية من اليوم الأول لهذه الاحتفالية النسبة الأعظم لاستعراض جملة من الذكريات الفكرية والإنسانية لمندور على أن باقى الأوراق البحثية لم تخل من هذا الملمح الذى أكد انعدام الفارق بين الكاتب والموقف.
    ففى الكلمة الافتتاحية التى ألقاها صلاح فضل أكد أن ندرة من العماليق يرتبط بفنون اختيار التاريخ لقامات الرجال وعمق أثرهم ودوامه.
    وقال إن صفة الناقد التامة لم يتمتع بها أى ممن سبقوا مندور، لقد ارتفعت قامته فى حياته على كل معاصريه وأصبح شيخا جليلا وهو لم يتعد الخمسين من عمره ولعل جمعه بين دراسة القانون والأدب العربى وعلم الاجتماع لهو دلالة على حرص مندور فى أن يسد فجوات المعرفة. ولأن مندور ذهب للبعثة لفرنسا ليحصل على الدكتوراه وظل هناك تسع سنوات لكنه لم يحصل عليها فعاد بخيبة ظاهرة وانتصار جوهرى.
    وقال: إنه حرص على إرساء ثلاث دعائم يرتكز عليها فى مسيرته الأولى تمثلت فى الوعى العميق بقوانين التطور الحضارى فى كل الثقافات والثانية تمثلت فى المعرفة العلمية بنظم الأدب والفنون فى سياقها الحضارى والثالثة تمثلت فى ضمير القاضى النقدى العادل المنزه عن الهوى، وأن مندور بريء من الافتتات بالذات وخلا من النرجسية.
    كما أنه لم يدخل للنقد من باب اللغة الضيق وإنما دخله من باب الفكر والمعرفة الإنسانية الواسعة، وأن مندور آمن بأن الكتابة لا ترتفع باللغة الشعرية وإنما بالتناغم مع ايقاع الحياة والمجتمع.
    أما الدكتور عبدالسلام المسدى الذى ألقى كلمة الباحثين العرب فقد أشار إلى طبيعة شخصية مندور النضالية والإبداعية التى تتأبى على التصنيف، وأنه كان نموذج المثقف الملتزم، وأنه لا يمكننا نسيان دعوته ومطالبته للمثقفين ألا يكونوا طائفة من المنطوين السلبيين وأن يلتزموا بمعارك شعوبهم وقضايا عصرهم بل ومصير الإنسانية وأن يكونوا نموذجا للفرد المنخرط فى المنظومة القيمية للجماعة التى ينتمى إليها.
    وأشار المسدى إلى كلمة مندور والتى تقول مناهج البحث ليست قيادة للفكر فحسب بل إنها قيادة للعلم حيث إن روح العلم أخلاقية بالأساس.
    وأضاف المسدًّى وكأنما لاأزال اسمع مندور قائلا قولته الشهيرة إلام يتأخر إصلاحكم السياسى أيها العرب؟أو وهو يقول: كل هذا ينتهى بنا إلى المناداة بمذهب نظنه يتمشى مع آراء العقلاء منا وهو مذهب الديمقراطية الاجتماعية.
    بعد ذلك ألقى طارق مندور كلمة أسرة المحتفى به الذى قدم سيرة مختصرة عن مسيرة مندور الفكرية ثم عن ملامح مندور الأب ورب الأسرة إذ قال إن مندور الذى أغرق الحياة الفكرية بنقده ضن على أسرته بهذه الروح النقدية، فقد كان يفضل لكل فرد فى الأسرة أن يتخذ قراره بنفسه على أن يقوم الأب بدور المستشار فقط، ويستحضر الدكتور طارق بعض المشاهد الأسرية حيث كان مندور يحرص على طرح الأسئلة الحياتية التى تدفعهم للتفكير.
    ومن بين ما ذكره الدكتور طارق أن مندور سأل ابنته ليلى قائلا إن التأميم سيعود بالنفع على الأسر الفقيرة فهل أنت معه أم ضده فقالت إنه معه، فعاد ليقول لها ولكن أنت لك بعض الأسهم فى إحدى هذه الشركات فهل مازلت ترين التأمين جيدا؟ فسكتت برهة ورددت نعم أراه جيدا لقد كان الأب إذن يدفع أولاده للتفكير واتخاذ القرار بأنفسهم تماما مثلما حدث حينما استشاره الشهيد ماجد مندور فى أمر يخصه فلقد كان ماجد مدرب كرة اليد فى فريق القوات المسلحة وأرادت القيادة استبقاءه لتدريب الفريق واستبعدته من حرب اليمن وحزن لذلك واستشار والده الذى قال له افعل ما تراه صحيحا وذهب ماجد ليستشهد فى حرب اليمن.
    وقال طارق: لقد قمنا بإهداء مكتبة مندور لأكاديمية الفنون لينتفع بها طالبو العلم ونقوم حاليا بجمع كل آثاره المنشورة والمخطوطة لنعيد تصنيفها ونشرها.
    أما جابر عصفور فقد ذكر جملة من الوقائع والمواقف الرائعة لمندور بدأها بسؤالين: لماذا نحتفل بمندور؟ وما الذى بقى منه؟ وتحدث فاتحا الأفق لضرورة إعادة قراءة مندور الذى لا تعرف الأجيال الجديدة الكثير عنه. وقال عصفور لقد مر مندور كالعالصفة، فترك آثارا وزعزع ثوابت، وترك كتبا وأفكارا وتلامذة لايزالون جميعا يؤكدون تجدد حضوره ودوام تأثيره، وأضاف أنا شخصيا أدين لمندور باعتباره الناقد الأول الذى جعلنى أعنى معنى كلمة الأصالة حيث هى ووعى بخصوصية الثقافة ووعى بحضور الذات والتاريخ.
    وأذكر كلماته التى أحفظها عن ظهر قلب: إن المعرفة هى امتلاء الذات المدركة بموضوعها وهى بذلك مرادفة للفهم الصحيح.. وكل فهم صحيح امتلاك للمفهوم، ونحن نستطيع تملك كل ما خلفه البشر من تراث وما سوى ذلك فقدان للأصالة، ونحن فى أمس الحاجة لتذكر هذه الكلمات فى زمن غارق فى التبعية بأشكالها للداخل أو الخارج.
    وأشار عصفور للسنوات التسع التى أمضاها مندور فى فرنسا وعاد بعدها دون الحصول على الدكتوراة مما أغضب عليه أستاذه طه حسين والذى لم يساعده على أن يكون أستاذا فى الجامعة إلى أن منحه أحمد أمين فرصة الحصول عليها فى مصر، وقد أثبت أن صفة المثقف اسمى بكثير من صفة الدكتوراه، فكثير من الدكاترة لا يرقون لمستوى المثقف وأشار إلى تعاطف مندور مع التيارات الشابة حيث وقف إلى جوار عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم فى مواجهة أستاذه طه حسين والعقاد، وفى الجلسة الأولى التالية للجلسة الاحتفالية، أشار عبدالسلام المسدى لما تمتع به مندور من تكامل معرفى وتحدث عن علاقته بعلم الإنسانيات وموسوعية مندور كما أنه كان مفكرا تقدميا ونضاليا وأن طروحاته الأدبية والنقدية هى طروحات لتصور أشمل عن الحضارة والتاريخ لأن مندور فهم الثقافة فهما واسعا يحتضن عصرية كل الصراعات وهو صاحب التكامل بين المعارف.
    فيما تحدث فيصل دراج عن أخلاقية النقد والناقد الأخلاقى، حيث كان مندور نموذجا للناقد الملتزم فى الفعل والكتابة ولم يترجم سوى ما يلبى أفكاره وينطبق معها.
    وقال فيصل: لعلنا لا ننسى مقولة مندور الشهيرة أريد أن أكون قائدا للقراء.
    وفى كلمته أشار الدكتور محمد عبدالمطلب إلى أن مندور كان مفتونا بشكل عام بالثقافة، وإن تميز فنه عن فن وتصنيف كل وافد معرفى وفق اسمه إنما هو للتسهيل فى نهل المعرفة، غير أن ذلك لا يعنى نفى صفقة الاتصال بين إبداع إنسانى وآخر فالثقافة لا تتجزأ وأن مندور كان سابقا فى قراءة ايديولوجية النص، وكان النقد لديه يأتى وفق ثلاثة مراحل الأولى الانطباعية الفورية وهى تتم وفق منطق اختيارى.
    وأن الأساس اللغوى هو المنطق الأساسى الذى ينطلق منه الناقد لقراءة النص.
    ثم المرحلة الثانية وهى المتعلقة بالنقد الجمالى وربط النص بالقارئ ثم النقد الوصفى التحليلى الذى لا يعتمد الانطباع وإنما بالدخول للنص مباشرة واستشهد عبدالمطلب بمقولة مندور إن الثقافة هى ما نحفظه وننساه كما أنه كان يرى أن الأدب هو ما ينتمى للواقع ولا يخضع لسلطة ما حتى سلطة النص، وأنه كان ممن يحترمون الماضى شريطة ألا يهيمن على الحاضر أو يتسلط على المستقبل.
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    محمد مندور فى ذكراه المئوية
    جلباب الريفى وقبعة السوربون فى حياة شيخ النقاد

    بقلم: نبيل فرج
    ...................

    يكتمل فى منتصف العام القادم قرن على ميلاد الناقد الكبير محمد مندور (1907 - 1965).
    وكما احتفلت وزارة الثقافة والجامعات المصرية فى السنوات الماضية بالذكرى المئوية لميلاد أعلام الثقافة المصرية الحديثة، مثل طه حسين والعقاد والمازنى وعلى أدهم وتوفيق الحكيم، أرجو أن يحتفل بمئوية مندور، على أن يصحب هذا الاحتفال جمع مقالاته المتفرقة، وإعادة طبع كتبه التى نفدت من سوق الكتاب، ولم يعد من السهل العثور عليها، خاصة ما صدر منها فى بيروت ولم تطبع فى القاهرة، وإصدارها فى أعمال كاملة ويمكن أن نضيف إليها فى مجلد مستقل المقالات والدراسات العديدة التى كتبت عن مندور فى حياته وبعد رحيله بأقلام: لويس عوض، محمود أمين العالم، عبدالقادر القط، رجاء النقاش، صلاح عبدالصبور، فؤاد دوارة، ألفريد فرج، أحمد محمد عطية، جابر عصفور، كامل زهيرى، وغيرهم.
    وأعمال مندور تغطى النقد العربى القديم برؤية حديثة كما تغطى بنفس هذه الرؤية الأدب المصرى منذ أواخر القرن التاسع عشر، والآداب الغربية فى عصورها المختلفة.. ويتضمن هذا الإنتاج أهم القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية التى شغلت الأمة فى المرحلة الليبرالية، مرحلة التجديد والتحديث مع بدايات القرن العشرين، وبالتحديد منذ ثورة 1919 إلى ثورة 1952 فى أبعادها المختلفة،
    وتأخذ الفنون المسرحية نصيبا كبيرا من هذا الإنتاج النقدى، استعرض فيه مندور تاريخنا المسرحى النثرى والشعرى والغنائى، وتناول فيه الكثير من المسرحيات التى صنعت النهضة المسرحية فى الخمسينيات والستينيات.
    ومع هذا فإن احتفال مندور بالشعر والنقد الأدبى لم يكن يقل عن احتفاله بالمسرح.
    فى الشعر كان يمكن أن يتقبل شعراء الإحياء والبعث التقليديين، كما يتقبل شعراء الوجدان الفردى والجماعى الذين خرجوا على التقليد، ويقدر الشعر العمودى الرفيع كما يقدر شعر التفعيلة الحر، بل وقصيدة النثر التى لا تتقيد بالأوزان، طالما توافرت فيها كل مقومات الشعر الأخرى.
    وبذلك أسقط مندور الوزن العروضى كمقياس وحيد للشعر، وهو مقياس ضعيف، يجرد تراث النثر العربى من الروح الشعرية التى تسرى فيه، وما ينطوى عليه من إيحاءات وخيال.
    ولم يكن اهتمام مندور بالنقاد العرب القدماء، مثل الجرجانى والآمدى والصولى، يصرفه عن الاهتمام بالنقاد المحدثين ودراسة آثارهم، مثل طه حسين ويحيى حقى وميخائيل نعيمة.
    وإلى جانب المعارك التى خاضها مندور، قدم بترجماته وبما كتبه من مقدمات للكتب صفحات هامة، تشكل مع نقده ومعاركه وحدة متماسكة، لا يستطيع باحث أن يستغنى عنها، وفى مقدمتها كتاباته النضرة عن آداب اليونان واللاتين والآداب الأوروبية الحديثة.. ذلك أنه كان يؤمن بوحدة الحضارة، هذه الوحدة التى لا تتعارض مع تنوع القوميات.
    وتعتبر كتب مندور: النقد المنهجى عند العرب، وفى الميزان الجديد، والنقد والنقاد المعارضون، من معالم الثقافة المصرية المعاصرة، المعبرة عن قيمها الفكرية والفنية الرفيعة، وعن رسالتها الأصيلة المتجددة، كما يعد كتاب حديث الأربعاء لطه حسين، والموازنة بين الشعراء لزكى مبارك، والغربال لميخائيل نعيمة، وفى الثقافة المصرية لمحمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس، من معالم النقد الأدبى الحديث أن الاحتفال بذكرى مندور يستحضر مراحل هامة من تاريخنا وإنتاجنا الأدبى، لأنه جمع فى نقده بين أعمق ما فى التراث القومى وأنضج ما فى التراث الإنسانى، كما جمع فى حياته بين الجلباب الريفى الأبيض، وقبعة السوربون السوداء.. أما منهجه النقدى فتتضافر فيه المعرفة الجمالية والمعرفة الأيديولوجية، دون أن يطغى جانب على الآخر، ذلك أنه لم يكن من النقاد الذين يسمحون للجمال أن يستأثر بملكات الإبداع، أو بالعملية النقدية كلها، رغم تقديره البالغ للجمال وتقديمه له، حتى لا يتحول العمل الفنى إلى شكلانية بحتة، بلا وظيفة وبلا هدف.
    ويذكر مندور فى نقده أن المغالاة فى العناية بالشكل من سمات الانحدار الفنى والإفلاس الفكرى، فى حين أن الاهتمام بالمضمون يدل عادة على الصحة والقوة والنهضة.
    ومع تسليم مندور بأن الأدب ظاهرة اجتماعية ووظيفة اجتماعية، فلم يكن يسمح للأيديولوجية التى يتمسك بها دفاعا عن حرية الإنسان وكرامته أن تُفقد الإبداع أصوله وخصائصه الجمالية التى لا تتحقق إلا بالموهبة والأناة، لأنه لا قيمة للفن بدون هذه الأصول الجمالية، كما أنه لا قيمة للجمال إذا خلا من المضمون الإنسانى.
    وظل مندور حتى آخر يوم فى حياته يعتبر الذوق أساس النقد، على ألا يتأثر هذا الذوق بالعلاقات الشخصية، وعلى أن يكون مسلحا بالعلم ومدربا بالمعرفة، وظل يعتبر الثقافة أهم تجليات الأبنية الوطنية والوحدة القومية والتواصل الإنسانى، ويعتبر التجديد غاية كل فكر وكل إبداع.
    وفى ضوء هذه المعرفة الكلية، كان مندور يعرف جيدا من هم أعداء الفكر الإنسانى وأعداء ثقافة العصر، وما هى القيم التى تفسخت وانحلت، وما هى القيم التى يجب أن تصان بالمقابل، أو تحل محلها؟.
    ورغم أن مندور كان فى بلادنا ممثلا لتيار عريض فى الثقافة المصرية المعاصرة، فقد كان يلتقى فى هذا الاتجاه، بحكم التشابه التاريخى، مع عدد من النقاد العرب، أذكر منهم من لبنان عمر فاخورى، وحسين مروة، ورئيف خورى.
    وتضم الأوراق الخاصة التى تركها مندور مجموعة كبيرة من الرسائل الشخصية، تلقاها فى حياته النقدية من الكتاب والمبدعين والباحثين فى مصر وأنحاء العالم، وهى مكدسة فى كراتين منذ رحيله، فلعلها تجد فى هذه المناسبة أيضا من يرتبها ويحققها ويعدها للنشر فى كتاب، يطلعنا على علاقة شيخ النقاد بالأدباء والمثقفين.
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    عطر الذكري وسلامة الوطن

    بقلم: د. فوزي فهمي
    ...............................

    'هي علاقة فريدة بين استاذ وتلميذ، استاذ اكتشف منذ البداية ان هذا التلميذ ماهو الا استاذ المستقبل، بهذه الروح تعاملا، ومن هنا سارع د. فوزي فهمي باهداء كتابه الأول الي روح استاذه محمد مندور، بكلمات تنطق بأستاذية الاثنين معا، إذ قال: 'الي روح استاذي الدكتور محمد مندور.. بعض من اثره.. أوراق ذابلة لاتقارن بأوراقه الوارفة'، وبهذا المنطق كتب د. فوزي مقالا كاشفا عن روح وجهود استاذه النقدية، نشرها في كتابه هموم مصرية، وبمناسبة مرور اربعين عاما علي وفاة مندور، استأذنا د. فوزي باعادة نشر هذا المقال، الذي يعد تحية لواحد من أهم جيل الأساتذة الذي كرم مصر بعطاء لايحد.
    ومض ضوء في ذاكرتي، فوجدتني منقوعا في الذكري، وإذ بي أراه منحوتا في الفراغ، يحدق بي ويسألني بغتة: 'هل قرروا حقا منعي؟'. قالها ببطئه الذي حكي لي يوما سببه الطبي، وأصبح يشكل سمة واضحة في حركته، نتيجة استئصال غدته النخامية حفاظا علي بصره، وذلك في أواخر عام 1950 بعد محنة سجنه.
    طفرت تلك اللحظة، بعد خمسة وثلاثين عاما مرت علي رحيله، لم أستطع خلالها أن أتغلب علي استمرار مشاعر الوحشة لرؤيته، ورغم أني كنت أستعين عليها عقليا بالتكرار لنفسي: إن شيئين لايمكن لهما الإعادة هما: الموت والولادة، كما تعودت عاطفيا أن أتصوره عطرا انتشر في سماء هذا الوطن، كي أحس به حاضرا دوما حضور العطر، لايختفي ولايختبيء، وأيضا كنوع من مقاومة النسيان البشري، وكتدريب للنفس علي تحمل الخسارة المبكرة بفقدانه، فقد رحل عنا وهو لم يتجاوز الثامنة والخمسين عاما، ووقتها كنت شابا في السابعة والعشرين من عمري، تتلمذت منها لثماني سنوات علي يديه، أطل خلالها * حكيا منه * ماضيه الوطني الخصب، ليؤكد الجسر الذي يربط الثقافة ومشكلات الوطن، وقضايا العصر.
    أكتمل مشهد الذكري المستعادة، فإذ بي جالس علي طرف سرير مرضه في أمسية أحد الأيام من شهر مايو، قبيل رحيله عام 1965، وسؤاله يجرب في داخلي كحمم البركان، فارتجفت وعضضت شفتي، وأنا أتخيل ذلك الموقف الجنوني: محمد مندور، هذا الوجه المتألق المضيء، أحد الرموز المتفردة للثقافة المصرية تنويرا وعلما وعطاء وشجاعة وتاريخا، يمنع من أن يقول رأيه، وتشابكت في ذاكرتي * فور طرحه سؤاله، وحتي لحظة إجابتي عنه * معطيات تلك اللحظة، مع امتدادات تاريخه المغسول بالوجع الدائم، علي وطنه المضروب وقتذاك بسياط الاستعمار، والمنكوب باحتكارات الأجانب، والمحاصر بتسلط طبقة المصالح الضيقة، وانبثقت من ذلك التشابك لحظة اختارتها عدسة التذكر، لحظة التحام محمد مندور مع جماهير وطنه عام 1946، في مواجهة إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء * حينذاك * وقائد طبقة المصالح الضيقة، والذي استهدف جموع طليعة المثقفين الذين يعارضون اتفاقية ' صدقي * بيفن'، فإذ بقائمة السجناء تزدهي باسم محمد مندور في المقدمة، وتركز عدسة التذكر علي لحظة متابعتي له وهو يحكي، فإذ به يتفحصني، ساعتها أحسست به في داخلي يكشف اللامرئي، فعندما لمح رعبا مفاجئا علي ملامحي، ومشروع سؤال يزحف علي شفتي، أدرك من التعبيرات المرتجفة أني أستحضر تصورا لمعاناة تجربة السجن التي تعددت معه، ولأن كبرياءه كان شرطا كافيا لحماية مسيرته، لذا كان يكره أي إسراف في التعبير، أو طرطشة العاطفة كما كان يسميها، وعلي الفور قاطعني، ومزهوا قال: اندفعت روح مصر في جماهيرها، لتهزم المخطط الاستعماري لضم مصر للأحلاف العسكرية، وقضت علي مشروع صدقي بيفن، ثم استكمل إجابة سؤالي، الذي لم يسمح لي أن أجسد صياغته لغة، فقال: حين تري وطنك يعاني، فلابد أن تعاني معه وتقاتل: لتنهي معاناته عندئذ استرجعت عدسة الذكري المستعادة مشهد المساومة، حين أرسل إليه إسماعيل صدقي باشا مبعوثه عبد الرحمن البيلي، يعرض عليه منصب سفير مصر في سويسرا مقابل سكوته، فرفض محمد مندور الرشوة التي هي ثمن للخيانة، فقد كان يؤمن * مثل كل الشرفاء المصريين * أن سلامة الوطن خارج، وفوق كل حسابات المصالح، وأن الوطنية لا تنزلق أو تنحرف، ولا تسترخي وتتكوم أمام المساومة، وخرج من سجنه لتبدأ معاناته.
    تتوقف * للحظات * عدسة الذكري المستعادة، لتبدأ عدسة الراهن تدخلاتها في السباق، لتتجلي المفارقات فتكشف عمن يستبيحون جسد الوطن ليقطع شذرات، بالدفع والتحريض إلي حرب الصراعات، والتوسل بآليات الاحتشاد ضغطا علي العصب العاري لدي الناس، وتكشف عمن ينساقون إلي خطاب الإثارة، بدلا من الأخذ بروية التحري، عمن يمارسون مسلسلات التحريض المصطنع، بدلا من الانتقاد الراشد، سعيا إلي حريق اجتماعي يقوم علي حسابات لئيمة، لاتراعي اجتهاد الموازنة في حق الوطن بين المصالح والمفاسد، وسلامة الوطن فوق وخارج كل حسابات الرهانات والمناورات، ولا تحتمل الطرح المغلوط توترا وانغلاقا، ولا التشهير الذي يمتد به الجموح، فيسفر عن احتكاكات تحقن العلاقات بين الناس بمخاطر تكتسح الأمان، في مغامرة غير مأمونة لكل الأطراف نعم إن العمل الحزبي المعارض يتطلب تعقبا لممارسات المسئول بالمحاسبة والمساءلة، لكن بقيد مراعاة وسيلة المساءلة، تحسسا وانتباها، تحسبا للنتائج عند التعرض للقضايا التي تمس سلامة الوطن، وخاصة في ثوابته الجماعية المقدسة والتي لا تستوجب * ولا يصح * المزايدة عليها، إذ هي أكبر وأقدس من المساومة بها، فالعمل الحزبي في جوهره مدرسة للأفكار والسلوك والنضال، ودلالة شرعيته أنه ائتمن علي سلامة الوطن، استنادا إلي برامجه التي تطرح لهذا الوطن * وفقا لثوابته * تصورا لحياة آمنة اجتماعيا، وفكريا، واقتصاديا، وسياسيا في إطار مؤسساته الشرعية.
    وليس تغذية مشاريع فتنة تقوم علي توظيف المباديء والقيم المقدسة في التحريض، وتغليب المجهول علي المعلوم، بما يشكل عدوانا اجتماعيا مدمرا علي سلامة الوطن، وهو مايعني الجنون السياسي بعينه.
    وتعود عدسة الذكري المستعادة لترصد محمد مندور يواجه الأحاجي المغلوطة في الحياة الثقافية،وأصحاب ثنائية الفصم الحدي بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب، دعاة الأنكفاء علي الذات، واستبقاء المجتمع المصري
    علي حاله، ليكرر ذاته بعيدا عن التجدد والاستضاءة بامتدادات ثمار حوار الثقافات المختلفة، فيبادر عام 1944 إلي طرح العلاقة التي لابد لها أن تكون بيننا وبين الآخرين بمناقشته للفرضيات والمسلمات التي تحكم مناحي الحياة، إذ ' الأمر في حياتنا الثقافية مثله مثل حياتنا السياسية والاجتماعية سواء بسواء، فمن الناس نفر كثير لايزال يزج بالنعرات القومية والدينية في مجال الثقافة، ليتلف علينا حياتنا عن جهل، فنسمع مقابلات عجيبة بين روحية الشرق، ومادية الغرب، وكأن الغرب لا روح فيه، والشرق لا مادة به، والمشكلة الحقيقية ليست مشكلة ثقافة الشرق وثقافة الغرب، وإنما هي مشكلة الثقافة والجهل، وهذه أيضا فكرة مذهبية يجب أن يستقر عندها ضمير الأمة، حتي تستقيم لنا الحياة. هنالك ثقافة إنسانية موحدة نشأت في الشرق، ثم انتقلت إلي الغرب الذي احتضنها دون أن يستنكف من صدورها عن غيره، ثم نأتي اليوم * نحن الحمقي * فنحاول جدلا عميقا في وجوب استردادها منه أو رفضها. ومن عجب أن ترانا جميعا آخذين في هذا الاسترداد بالفعل، ومع ذلك نجادل في هل نحن علي حق أم علي باطل، إن كنا علي باطل، فلنتخل إذن عن جميع مظاهر الحياة المادية التي تحبطنا من جميع النواحي، فكلها غريبة، بل لنتخل عن مدارسنا، وجامعاتنا، ومناهج بحثنا، ولنرجع إلي 'الكتاب'، والحفظ عن ظهر قلب.
    بهذا الأسلوب المباشر يدعو مندور إلي خروج الإنسان المصري من قصوره، الذي هو نفسه مسئول عنه، 'فما بالنا نتقاعد الكسالي الذين يحتجبون خلف نعرة باطلة، ليخفوا ماهم فيه من عجز عن اللحاق بقافلة العالم.. إن الوطن ومصائره اليوم معلقة في الخارج وفي الداخل، وأهول ما نخشاه أن ننصرف عن أهدافنا الحقيقية إلي صغائر الأمور' كما رفض * بصلابة * الخطاب المضاد لثقافة الحوار: لإدراكه حقيقة مايروج له هذا الخطاب من تكريس للمجتمع المغلق المؤسس علي احتكار الإقناع، وممارسة العنف الذي يشكل الاستبداد المشروع، 'إذ تري النفوس متعصبة، وشهوة الفكر لاتقل عنفا عن شهوة الحس، ويأتي الواقع فيستعصي، وإذا بالتنافر في العمل، وتبلبل الحياة العامة'.
    وتتقاطر أمام عدسة الذكري المستعادة مواقف عديدة، تؤكد دفاعه عن المجتمع المنفتح الذي يوائم بين المتنافرات، ويتأسس علي عقل تنويري، أي عقل نقدي بنائي تأسيسي، يرفض التعصب ويرتكز علي التسامح، ويستنهض مندور العقل المصري، وهو يرصد آلياته، حين يري أن 'العقلية المصرية سلبية قابلة، بينما عقلية الغربيين إيجابية فعالة، فنحن نستطيع أن نحصل ما يلقي إلينا، ولسنا * بلا ريب * دون أحد في قوة الذاكرة، ولكننا لا نكاد نتخطي دور التقبل والتحصيل حتي يتبلد حمارنا، ولقد ينجح بعضنا في الجدل، ولكن مجهوده قلما يعدو فك الأفكار الأساسية.. ولايقف تأثير تلك العقلية القابلة عند ميدان المعرفة، بل يمتد إلي الحياة العملية ذاتها' ويلامس مندور الحس الجماعي كسبيل لعلاج تلك الظاهرة، بإجراء 'إصلاحات لابد أن يسوق إليها رأي عام قوي، وهذا الرأي لن يتكون إلا باستنارة العقول، والسبيل إلي تلك الاستنارة هو أن نسكت عن نفوسنا النعرات الباطلة، وألا نستنكف عن الأخذ عمن سبقونا في الحضارة'.
    كانت 'الاستنارة' هي قضيته لاسترداد الضائع والوصول إلي المرتجي، والتي شكلت موقع الصدارة في كل معاركه وخصوماته علي مدار تاريخ نضاله السياسي، وكعبور لبوابة التحرر الاجتماعي والفكري والتربوي والسياسي، وكأن مفهومه للاستنارة قائم علي أن 'الثقافة، ضوء ولابد للضوء أن يبدد الظلمات، وأن الكوارث تأتي عندما نتخبط في فهم معني الثقافة ومدي انتشارها'، ومن خلال استقرائه للواقع، خرجت دعوته إلي أنه 'حان الحين لأن يلقي النفر المثقف منا ثقافة حقيقية بنفسه في المعركة، فبئس مواطن يستحوذ علي قلبه اليأس'.
    تجمدت عدسة الذكري المستعادة علي تلك الصورة الحلم، للفارس المثقف المناضل محمد مندور حليف التفاؤل، والمجاهر بخطابه التنويري بحسم اليقين، لا يهادن ولايطرح آراء مطاطية سعيا للمكاسب في كل عصر.
    هكذا كانت أمامي صورته المستعادة، وأيضا الأصل الحي يجلس علي سرير مرض ماقبل الموت، وظننت * وأنا أتطلع إليه * أنه ينتظر مني الإجابة، فهممت بالكلام، فإذ بي أري يده تمتد، وقد استجمع كفه فتجسدت قبضته، وراح يلوح بها في الهواء، وهو يدمدم مبتهجا 'والله زمان ياسلاحي' * وتلك كانت عادته عندما تبدأ معاركه 0 عندئذ أدركت أنه لاينتظر مني إجابة بالإيجاب أوالسلب، فكبرياء مندور المناضل كان دائما يقاوم.
    سلام عليك أيها الأستاذ والأب في ذكراك الخامسة والثلاثين، التي تحين في التاسع عشر من هذا الشهر، وسيظل باقيا فضلك وأترك علي، وكذلك علي كل جيلي، كما ستبقي زاهرة وارفة كل قيم نضالك وعلمك، وكل ما لهذا الوطن قدمت.
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    قراءة في أوراق مؤتمر شيخ النقاد محمد مندور (1 من 2)

    بقلم: شريف الشافعي
    ..............................

    في مقر المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة؛ أقيم مؤخراً مؤتمر دولي تحت عنوان «مندور بعد أربعين عاماً على رحيله»، وذلك بمناسبة مرور أربعين عاماً على رحيل شيخ النقاد الدكتور محمد مندور في عام 1965. شارك في جلسات المؤتمر؛ عبر عدد من الموائد البحثية المكثّفة خلال ثلاثة أيام؛ نقاد وأكاديميون ومبدعون من مصر وبعض الدول العربية، من بينهم: الدكتور صلاح فضل والدكتور محمد عبد المطلب ومحمود أمين العالم والكاتب فتحي العشري والدكتور عبد الرحمن أبو عوف والكاتب فتحي إمبابي والدكتور ماهر شفيق فريد والدكتور فتحي عبد الفتاح وآخرون، حيث قدموا أوراقهم وقراءاتهم ومداخلاتهم التي تتعلق بفكر وحياة وكتابات شيخ النقاد الدكتور محمد مندور (19651907)، وعلاقته بالتراث النقدي العربي والشعر المعاصر والنقد المسرحي والقصصي وتأصيل المناهج النقدية والفكر السياسي ومعاركه الأدبية، وغير ذلك من المحاور والقضايا.
    مندور والفن المسرحي
    في دراسته «محمد مندور والفن المسرحي»، يشير الباحث أحمد شمس الدين الحجاجي إلى أن الدكتور محمد مندور قد لعب دوراً أساسياً في الحركة النقدية المسرحية بما يجعل منه خطوة متقدمة على طريق تطور النقد المسرحي، ويقول الحجاجي: يعد الدكتور محمد مندور بحق واحداً من أهم نقاد الحركة المسرحية منذ نشأتها حتى وفاته في عام 1965، فقد كان واحداً من أهم دعائم معهد الفنون المسرحية الذي أنشئ في عام 1944؛ وقام فيه بدور مهم في تعليم طلابه نظريات المسرح في وقت لم يمكن فيه باحث واحد متمرس بالدراسة النظرية لهذا الفن، كما عمل أستاذاً للنقد الأدبي والمسرحي في معهد الدراسات العربية. وكانت أولى مقالات الدكتور محمد مندور بعد عودته مباشرة من فرنسا التي نشرها في صحيفة الثقافة في سبتمبر 1939 عنوانها «المسرح»، وقدم بعدها دراسات جادة عن المسرح في الصحيفة ذاتها عن فيجارو وفاوست وهاملت ليضمها مع مقالات أخرى بعد ذلك في كتابه «نماذج بشرية». ويضيف الحجاجي: لقد أدى الدكتور محمد مندور دوره كاملاً في عصره، وكان أهم دور قام به بالذات في عالم المسرح هو التعريف به، وكان أهم ناقد من نقاد المسرح منذ أن عاد إلى مصر في حتى رحيله.
    التيار الواعي
    الكاتب والناقد فتحي العشري يرى في دراسته «محمد مندور وفلسفة النقد» أن الدكتور محمد مندور يمثل التيار الواعي في النقد العربي الذي يرى ضرورة أن يكون للنقد أساس علمي ومنهجي يعتمد على تحليل صياغة العمل الأدبي، فالعلاقات في اللغة تنشئ الدلالات، وهذا ما يظهر جلياً في كتابيه المهمين «النقد المنهجي عند العرب»، و«منهج البحث في الأدب واللغة»، ويقول فتحي العشري: لعل فكر الدكتور محمد مندور الناضج نتيجة لدراساته الفرنسية والعربية هو الذي هداه إلى المزج بين الفكر الغربي المتقدم والفكر العربي التراثي، على أساس الإفادة قدر الإمكان من الغرب، دون الابتعاد عن فكرنا العربي الذي أثر يوماً في الثقافات والحضارات المختلفة في عصوره الذهبية. وقد آمن الدكتور محمد مندور في الوقت نفسه بأن الفكر العربي لا يتوقف عند القدامى، لكنه ممتد عند المحدثين. وقد اهتم الدكتور محمد مندور بالمسرح وبالشعر؛ وخصوصاً الشعر المسرحي أو المسرح الشعري، ومن هنا دراساته المستفيضة للشعر التفعيلي والمسرح الواقعي. ورغم أنه ينطلق من المفهوم الاشتراكي للأدب، فإنه اهتم أيضاً بالصياغة؛ أي بالشكل، فهو من هؤلاء النقاد الذين لا يفصلون بين الشكل والمضمون.
    ويوضح الناقد الدكتور مدحت الجيار في دراسته «محمد مندور بين الشعر الخالص والشعر المهموس» أن الدكتور محمد مندور قد تابع الشعر العربي منذ عصوره الأولى، وانتهى إلى المعاصرين له، وكان يلحظ فيما بين الرصيد التاريخي والرصد الفني تداخل المذاهب وزرع المذاهب الجديدة مع النص العربي، ولذلك ركز في بعض كتاباته على الشعر المهموس (لدى الرومانسيين ولدى شعراء التفعيلة) في مقابل الشعر الزاعق! ويقول د.الجيار: لاحظ الدكتور محمد مندور كذلك الشعر الخالص وقربه من فكرة الشعر المهموس في كونه ينبع من استخدام الإيقاع والمجاز بصرف النظر عن تواشجات القضايا والمعجم وغير ذلك من عناصر بنية القصيدة.
    سيرك الحداثة!
    ويرى الكاتب والأديب فتحي إمبابي في دراسته «مندور بين الكلاسيكية وتهافت النقد المعاصر» أنه مع الدكتور محمد مندور يمكن استعادة المكروه من النقد الحديث؛ وهو المهمة والوظيفة الإبداعية لأحد أهم الأنشطة الإبداعية المعاصرة وهو الأدب، ويمكن اكتشاف (سيرك الحداثة) الذي نصبه النقد الرسمي العربي، ووقع في حبائله الآخرون، ويقول فتحي إمبابي: مع أصالة الدكتور محمد مندور نكتشف تحول النقد العربي المعاصر تحت تأثير سلطان النقد الحداثي الذي أنتجته أوروبا والغرب إلى سيرك كبير يفتقد لاعبوه الحماسة والرغبة في الإبداع!
    وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور محمد مندور قد قدم إلى المكتبة العربية قدراً من المراجع الأدبية الغنية، إضافة إلى أعداد مجلته الشهيرة «الشرق» الجامعة للسياسة والفن والأدب والتي بدأ إصدارها منذ نهاية عام 1957 واستمرت حتى رحيله في عام 1965. ومن مؤلفاته التي أثرى بها الحياة النقدية والفكرية في مصر والعالم العربي: «النقد والنقاد المعاصرون»، «النقد المنهجي عند العرب»،«الأدب وفنونه»، «الأدب ومذاهبه»، « قصص رومانية»، «المسرح النثري»، «مسرحيات شوقي»، «مسرح توفيق الحكيم»، فضلاً عن كتابه «المذاهب الأدبية» الذي يعد أشهر مؤلفاته؛ إذ سعى فيه إلى تعريف المصطلحات الأدبية المتعددة. ويعد الدكتور مندور واحداً من أبرز النقاد في مصر والعالم العربي، وأحد رموز التيار التنويري والدعوة العقلانية في القرن العشرين، وقد تميز الدكتور مندور بالقدرة على الجمع بين العقلانية والوطنية والرؤية الاجتماعية والإنسانية المتقدمة، والتوفيق بين التراث الإنساني العقلاني (التراث العربي الإسلامي العقلاني بصفة خاصة)، وبين الثقافة العربية التقدمية في مصر بوجه أشد خصوصية، فضلاً عن توظيفه للفكر في خدمة الحياة والمجتمع.
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    قراءة في أوراق مؤتمر شيخ النقاد محمد مندور (2 من 2)

    بقلم: شريف الشافعي:
    ................................

    تعددت الأبحاث والأوراق والمداخلات التي قدمها نقاد وأكاديميون ومبدعون من مصر وعدد من الدول العربية في المؤتمر الدولي «مندور بعد أربعين عاماً على رحيله» الذي انعقد مؤخراً في مقر المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة بمناسبة مرور أربعين عاماً على رحيل شيخ النقاد الدكتور محمد مندور (1907-1965). وقد سعى المشاركون في جلسات المؤتمر؛ عبر عدد من الموائد البحثية المكثّفة خلال ثلاثة أيام؛ إلى إعادة اكتشاف شيخ النقاد الدكتور محمد مندور من خلال تحليل ومناقشة قضايا تتعلق بفكره وحياته وكتاباته، وعلاقته بالتراث النقدي العربي، والشعر المعاصر، والنقد المسرحي والقصصي، وتأصيل المناهج النقدية، والفكر السياسي، بالإضافة إلى معاركه الأدبية المتعددة.
    مرحلتان نقديتان
    الناقد الدكتور محمد عبد المطلب يرى أن الدكتور محمد مندور هو أحد القراء الثقافيين الأوائل، وأحد أبرز تلامذة الدكتور طه حسين، ويقول د.عبد المطلب: إن الدكتور محمد مندور في مرحلته الأولى تبنى (النقد الجمالي)، وبخاصة في كتابه (في الميزان الجديد)، وقد حدد أفق هذه المرحلة بأنها تربط الجمال بالتأثر، لأن القارئ يعتمد على مجموع انطباعاته التي تخلقها الأعمال الأدبية على صفحات روحه. ولا يغيب عن الدكتور محمد مندور ارتباط هذا الوعي الجمالي بالوعي اللغوي، ومن ثم أطلق مقولته: «اللغة هي المادة الأولية للأدب، وذلك لأن الفكرة أو الإحساس لا يعتبران موجودين حتى يسكنا إلى اللفظ». أما المرحلة الثانية في مسيرة الدكتور محمد مندور؛ فهي التي أطلق عليها (النقد الوصفي التحليلي)، وفي هذا المرحلة أضاف الدكتور مندور بعض التوجهات الأسلوبية، فضلاً عن الاحتكام إلى العقل الذي يقود ضرورة الثقافة، والاعتقاد بأن الخلل النقي إنما يكون من ضيق الأفق وفقر الثقافة.
    ويشير الناقد الدكتور فتحي عبد الفتاح في دراسته «بطل إلياذة الديموقراطية في مصر» إلى أن الدكتور محمد مندور يشكل مع كل من الدكتور لويس عوض وعبد الرحمن الشرقاوي هرم التنوير الثاني مصر، أما هرم التنوير الأول فإنه يضم كلاً من محمد عبده وطه حسين وأحمد لطفي لسيد، ويقول د.عبد الفتاح: كان الدكتور مندور دائماً هو البطل الأسطوري - أجاكس - المدافع عن مصر الديموقراطية، مصر العدالة الاجتماعية، مصر الحضارة الثقافية وحرية الإبداع. وقد تجلت مواقفه هذه في أكثر من عهد، سواء في مرحلة الازدهار الليبرالي والثقافي والزخم الرائع الذي جاءت به ثورة 1919 الجماهيرية، أو بعد ثورة يوليو 1952 التي رفعت شعارات رائعة؛ لكنها في الوقت نفسه أجهضت كل الأحلام التي كانت قابلة للتحقيق أيامها.
    التراث والمعاصرة
    أما الناقد الدكتور عبد الرحمن أبو عوف فإنه يشير في دراسته «سمات المنهج النقدي عند محمد مندور» إلى أن الناقد البارز الدكتور محمد مندور كان من أكثر النقاد العرب اهتماماً بالبحث عن (منهج نقدي) قائم على التراث والمعاصرة، وجسد بذلك استمراراً حياً للتقاليد التي أرساها طه حسين في محاكمة الأوهام في ثقافتنا، ونزع النقاب عن الأنظمة اللاعقلية الموروثة، وإيقاظ الرغبة في قيام قانون يصبح المفكر فيه هو حقيقته دون تنازل أو تبرير، ويقول د.أبو عوف: قدم الدكتور محمد مندور منذ أربعينيات القرن العشرين الكثير إلى فكرنا الاجتماعي والنقدي والسياسي، وعاش حياة خصبة نحياها من جديد حين نقرأه، قدم لنا في مستهلها كتبه المضيئة «في الميزان الجيد»، و«النقد المنهجي عند العرب»، و«نماذج بشرية»، و«الأدب ومذاهبه»..، إلى جانب دراسات في الشعر ومحاضرات في المسرح والنثر، بالإضافة إلى دراساته عن المسرح المصري والعربي ونشأته وتحولاته وتياراته. والبحث في رحلة الدكتور محمد مندور النقدية يستلزم فهم مكوناته الثقافية وعلامات التفاعل بين تحولات فكره وعطائه مع تحولات الثورة الوطنية وصعودها لثورة ذات بعد تقدمي؛ هي ثورة يوليو 1952.
    وفي دراسته «فن الأدب بين الالتزام الاجتماعي والوظيفة الجمالية» يقول الناقد الدكتور ماهر شفيق فريد: حين ننظر بعد أكثر من أربعين عاماً إلى حصاد معركة الدكتور محمد مندور والدكتور رشاد رشدي الشهيرة حول طبيعة الأدب ووظيفته؛ نجدنا منتهين إلى نتيجة مؤداها أنها لم تكن بعمق معارك الدكتور محمد مندور مع زكي نجيب محمود ومحمد خلف الله وغيرهما، حيث إن طرف الخصومة رشدي لم يكن من قامة هؤلاء الرجال، ولا يملك جديتهم وتنزههم عن الغرض، وإنما كان يسعى إلى توطيد مكانته في الحياة الأدبية وخلق معارك لافتة للنظر. ومع ذلك، آتت المعركة بعض ثمار نافعة، كتوضيح بعض مفهومات النقد، ووضعه في بؤرة أشد سطوعاً تلك المعضلة الأبدية: معضلة التوفيق بين استغلال الأدب من حيث هو فن جميل، ووظائفه الاجتماعية، ودوره في خدمة المجتمع.
    كنوز تنمو وتتنفس!
    ويوضح الباحث محمد خليل نصر الله في دراسته «محمد مندور وجهوده النقدية» أن للدكتور محمد مندور موقفه الواضح من قضايا اللغة والأدب والنقد ومناهج البحث، فهو يرى ضرورة الاستفادة من تجارب الباحثين الأوروبيين لما حققوه من تقدم كبير ومفيد، وفي الوقت نفسه يذهب إلى أن كتب التراث العربي تزخر بكنوز كبيرة وحقائق مهمة، لا تزال قائمة تنمو وتتنفس، ولن تكون الاستفادة صحيحة وعميقة إلا بعد دراسة هذا التراث واستخراج ما فيه من كنوز في ضوء المناهج الحديثة، ويقول نصر الله: بهذا الجمع الواعي بين ما عربي أصيل، وما هو غربي نافع، راح الدكتور محمد مندور يتابع نشأة النقد العربي وتياراته؛ وهي تنمو وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة، ومن طور إلى طور، وتبعاً لذلك قسّمه إلى قسمين كبيرين: نقد مرتجل يقوم به الشعراء ومحكمو الأسواق، ونقد منهجي تدعمه أسس ونظريات وتطبيقات عملية.
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    محمد مندور وتنظير النقد العربي بقلم: سمير الفيلمقدمة :تحتفل الأوساط النقدية العربية والمصرية هذه الأيام بذكرى مرور أربعين عاما على رحيل الدكتور محمد مندور صاحب العطاء الثقافي الغزير ، والإبداع النقدي الرصين .. تحية لهذا الناقد العربي الكبير رأينا أن نقوم بتقديم كتاب محمد برادة العلامة (محمد مندور وتنظير النقد العربي) الذي هو أصلا رسالة دكتوراة خطت بالفرنسية ، وفيها لا يتشيع الباحث لمنهج مندور وآثاره المختلفة بل ينقده نقدا لاذعا ، ولكنه في كل وقت يذكرنا بقيمته الأصيلة ،ونظرته الطليعية ، وارتباطه بحركة صعود قومي عبر عنها في أفكاره ونقده ودراسته ، إضافة كونه أحد أبرز من نقل مذاهب الغرب ـ دون تحريفات أو تأميم مغرض للجوهرمع الابقاء على القشور ـ إلى واقعنا الثقافي منذ منتصف الثلاثينات من القرن الماضي وحتى منتصف الستينات منه . بيانات المصنف :اسم الكتاب : محمد مندور وتنظير النقد العربي .المؤلف : الدكتور محمد برادة .عدد الصفحات : 205 من القطع الصغير . دار النشر : كتاب الفكر ، العدد 3 .جهة النشر وتاريخه : القاهرة ، ط2 ، 1986.على الغلاف الخلفي :على الغلاف الخلفي نقرأ هذا التعريف :( " إن اختيار مندور موضوعا لهذا البحث راجع إلى تمثيله لاتجاه طلائعي في النقد العربي طيلة عشرين سنة ( 1944ـ 1964 ) وإلى التأثير الذي لا يزال يمارسه بواسطة كتبه المقررة في المعاهد والجامعات " .كيف نفهم كتابات مندور ؟وماهي الشروح التي يمكن إعطاؤها لتحولاته الثقافية والسياسية ؟هذا ما تحاول هذه الدراسة أن تجيب عليه ، من خلال وضع مندور وكتاباته داخل سياق الحقل الأدبي ، المرتبط بدوره بالحقل السياسي ، باعتباره متفاعلا مع التكوينات الاجتماعية التي تلعب الدور الرئيسي في تحديد الاتجاهات والاختيارات .والكتاب ، بعد ذلك ، تجربة نقدية كبيرة حول ناقد كبير ، ساهم في تأسيس الحركة النقدية العربية المعاصرة .إشارة :في ص 6 من الكتاب نقرأ هذه الإشارة :( هذا الكتاب ، هو في الأصل ، أطروحة جامعية كتبتها بالفرنسية تحت إشراف الدكتور أندريه ميكيل للحصول على دكتوراة السلك الثالث من جامعة باريس وقد تمت المناقشة بتاريخ 19 يونيو 1973 ، وشارك في لجنة المناقشة الأستاذ جمال الدين بن الشيخ ، والأستاذ تروبو .وقد حالت مشاغلي دون ترجمتها للعربية ، مع أنني كتبتها لقراء عرب تهمهم معضلات النقد ومجالاته وإشكالياته . لذلك فإن محاولتي هذه ، رغم منطقها الجامعي ، هي بالدرجة الأولى ، بحث عن إجابات لأسئلة كثيرة كانت تبدأ من الكتابة النقدية لترحل بي إلى محيط الأيديولوجيا . أسئلة حاصرتني فلم أجد وسيلة للتخلص منها إلا بالكتابة عن " حالة نقدية " تستوعب خصوبة الأسئلة ، من ثم كانت رحلتي صوب مندور .) وفي نهاية الإشارة يختتم برادة كلامه قائلا : ( وأود أن أقول لأستاذي وصديقي أندريه ميكيل بأنني سعدت كثيرا بإشرافه وحلقاته الأسبوعية ، وسعدت أكثر بمعاملته لطلبته ، وبتطبيقه ، عمليا ، لمبدأ حرية التفكير ، فليعتبر ميلاد هذا الكتاب بداية لصداقة راسخة . ) .مقدمة :يقول برادة في مقدمته : ( من بين الأسباب التي حدت بي إلى اختيار دراسة أعمال الناقد محمد مندور ، ما لاحظته من تفاوت مستمر بين النقد العربي المعاصر والنقد الغربي : ذلك أن ثقافتنا تتأخر دائما في التعرف على الاتجاهات والمذاهب الأجنبية ، وكثيرا ما يتم التعرف بعد أن تصبح تلك الكتابات مستنفذة لأغراضها عند من صاغوها ) .ويقول في موضع آخر : ( خلال إقامتي الدراسية بمصر " من 1955 إلى 1960 " كانت كتابات محمد مندور تملأ الصحائف والأسماع ، وكان صاحبها يواصل بالجدية والصدق اللذين عرف بهما منذ 1944 ، نضاله ومعاركه لبلورة مذهب أطلق عليه " المنهج الأيديولوجي في النقد " ، إعتقادا منه أن هذا الاتجاه هو الذي سينقذ النقد العربي من ضعفه ، لأنه حصيلة مسار خصب متنوع ، ولاشك أن المناخ المحموم الناجم عن صعود فكرة القومية العربية والفهم العاطفي الذي طرحت به قد قوى من وهم الخلاص عن طريق بلورة أيديولوجية متميزة ، وسحبها على كل المجالات ). وفي نهاية المقدمة يبسط برادة أسباب اختياره لمندور ، ومن أهمها في رأيه عدة حقائق من بينها : ( الواقع أن حالة مندور جد متميزة : فهو لم يكن مجرد ناقد متخصص منغلق على نفسه . كانت نشاطات واهتمامات أخرى تضفي عليه بحق طابع " المثقف العضوي " ، ومن ثم لا يمكن موضعته ، أو فهم اعماله بدون اعتبار المرحلة التاريخية المرحلة المتأججة التي عاشتها مصر من سنة 1940 إلى 1950 ، أي طيلة سنوات الفاعلية في حياة مندور .استبعدت ، وأنا أعيد تصوير العلائق بين مندور ومجتمعه مفهوم " السيرة اللدنية " ، كما تجنبت القيام " بقراءة إبداعية " ليس لأن ناقدنا لم يكن مبدعا ، وإنما اقتناعا بأن كل كتابة هي في جوهرها نتاج جهد وذكاء ، وتستجيب لشروط مادية قابلة للتحليل .) .وحول المراحل المميزة في حياة مندور يوضحها برادة كالتالي : ( أما عن الخطوط العامة لهذه الدراسة فقد استمددناها من استجواب أدلى به مندور لأحد النقاد ،وقسـّـم به مساره النقدي إلى ثلاث مراحل : تأثيرية ، وتحليلية ، ثم أيديولوجية .على أنه إذا كانت قراءة كتبه تؤكد وجود هذه التنقلات المرحلية ، فإن السؤال الأساسي في رأينا هو : كيف تمت هذه التحولات ؟ وماهي العوامل المحددة داخل الحقل الثقافي الذي عاش فيه مندور ؟ وهل يتعلق الأمر بتطور مراد سعى إليه عن قصد ، أم أنه راجع إلى علائق موضوعية كانت توجه الحقل السياسي والثقافي ؟ أمام هذه الأسئلة ، رأينا أنه يتحتم اللجوء إلى "المدرسة النظرية " للتفرقة بين النوايا والتحقق ، وأيضا لفرز التجريبية عن الوعي الملائم ) .فصول الكتاب :في الفصل الأول : " مندور والمثاقفة أو المرحلة التأثيرية " ، حاول فيه الكاتب تحديد العوامل الأساسية في التكوين الثقافي لمندور ، دون أن يغفل دور الثقافة العربية في ذلك ، وألح برادة على تأثره بالثقافة الغربية خلال إقامته الدراسية بباريس ( 1930 ـ 1935) ، ذلك التأثير المتجلي في منحاه النقدي للمرحلة الأولى ، والواضح في استحيائه لأعمال الناقد كوستاف لانسون .في الفصل الثاني : " الحقل الأدبي في مصر من 1936 إلى 1952 " أراد من خلاله الباحث أن يملأ فراغا ملحوظا في التحقيب الذي أعطاه مندور لمساره ، ويتعلق الأمر بالفترة المتراوحة بين 1944 و 1952 حينما انخرط في العمل السياسي مبتعدا بصورة مؤقتة عن النقد الأدبي . ويذكر الباحث أنه كان يمكنه أن يترك تلك الفترة في زوايا النسيان ، لكنه رأى أنه من غيرها لا يستطيع أن يتبين الدوافع الحقيقية للتغيرات المتتالية التي عاشها مندور أو عرفها الحقل الأدبي المصري . في الفصل الثالث : " مرحلة النقد التحليلي " وفيها يتفحص الباحث الكتابات التي نشرها مندور في الفترة بين 1954 و 1960 ، وهي توضح جوهر أفكاره ، وطاقاته النقدية المكتملة ، وهي في معظمها عبارة عن محاضرات ألقاها بمعهد الدراسات العليا للجامعة العربية .وإذ كان يهدف من هذه الدراسات إلى تحليل الشعر المصري بعد شوقي ، فإنه لم يعد في مقاييسه يعتمد على الذوق التأثري فقط ، بل أخذ يجنح إلى اصطناع المنهج الاجتماعي التاريخي واعتبار الأدب قيمة حياتية عاكسة للصراع المجتمعي في كافة تحولاته الظاهرة والمضمرة .وهذا بالتحديد هو ما جعله يدخل في خصومات جدلية مع الاتجاه التقليدي وبخاصة مع حواريي أمير الشعراء أحمد شوقي ، وبتوازٍ مع هذه الدراسات ، كان مندور يضطلع بمهمة تقديم المذاهب الأدبية والمسرحية والنقدية الأجنبية إلى القاريء العربي .الفصل الرابع : " النقد الأيديولوجي والتنظير" ، وهو أوج البحث كما وصفه برادة نفسه في مقدمة الكتاب ، وكان يتحتم على الباحث إعادة تصوير الحقل الأدبي بمصر من 1952 إلى 1965 ، ولكن مثل هذه الدراسة التفصيلية تتعدى نطاق مشروعه ،: لذلك حاول سدا لهذه الثغرة ، استخلاص عناصر التغيير الحاسمة في الحقل الأدبي عن طريق عرض المناخ الأيد يولوجي السائد . ففعلا لم يكن بوسع مندور ، وسط الجو المحموم الناجم عن التسابق إلى الأدلجة ان يفلت من ميكانيزم التكييف . إلا أن هناك ، هذه المرة ، فرقا جوهريا : خلال الفترة الممتدة من ماقبل الناصرية وما بعدها تغيرت أشياء كثيرة ، ومن هذه التغيرات التي تهمنا ، وضعية مندور المثقف : كان كما قلنا ، مثقففا عضويا يناضل في حركة جماهيرية ضد الاستغلال البورجوازي والإمبريالي ، ولكنه بعد قيام نظام 1952 فقد الكثير من مظاهر هذه العضوية : ذلك ان الناصرية تبنت الشعارات والبرامج نفسها التي كانت تنادي بها الأحزاب السياسية التقدمية ، ومن ثم فالعلاقات العضوية مع الطبقات والشرائح والناهضة تحولت إلى ارتباط مع الناصرية قوامه " توظيف " هذه الطاقات دون إشراكها في المسئولية الفعلية للسلطة . ) . خاتمة :يؤكد مندور في ختام كتابه العلامة أن غرضه من البحث ليس هو إبراز القصور النظري والإيديولوجي لمحمد مندور ، أو تأطيره او تصنيفه تصنيفا ما ، بل هو يرمي من وراء هذه العينات المتولدة عن تحليلات موضوعية إلىالتأكيد على التفاعل المحدد للعلائق القائمة بين المجتمع والثقافة وبين المنتجين في هذا الحقل ، والعوامل الموجهة لنوعية الانتاج والاختيار ، وبخاصة حين يتعلق الأمر بمجتمع معرض للهيمنة الاقتصادية والتبعية الثقافية الأجنبية .ويتوقف مندور في خاتمته أمام ظاهرتين واضحتين في الوضعية الراهنة للثقافة العربية ، وهما :1ـ الطابع المثالي للتحليلات النقدية الأدبية في معظم كتابات النقاد الجامعيين ، وحتى " الدنيويين " المتحررين من طقوس الأكاديمية . عبثا نبحث في تلك الكتابات عن إضاءات تفسر الشروط الاجتماعية والسياسية المقترنة بكل إبداع ، أو تقدم تأويلا لنوعية الأشكال التعبيرية ولتطورتها .. ويندر أن نعثر على تحليل لطرائق التعبير لا تعتمد على الشرح البلاغي القديم ، أو المطعم بمقولات الكلاسيكية الجديدة .2ـ الرجوع المستمر إلى مصطلحات ونظريات تنتمي إلى مناخات ثقافية تسبغ على استعمالها صفة التفوق في نظر القراء ، ولكن فهمهم لها يظل مستعصيا في معظم الأحيان . على أن الوعي المنادي بإعادة النظر في علاقتنا بثقافة " الآخر " لا يزال في بداياته ، ولا يزال يصادف عقبات كبيرة ، أهمها " الحماية ـ الذاتية " المتوفرة للاتجاه التقليدي لكونه ملتحما ومشخصا في قوى وبنيات اجتماعية سائدة ولا تزال . توصيف المنهج :في وصفه للمنهج الذي اعتمده في دراسة آثار مندور الأدبية يؤكد برادة انه شرع في بحثه متناولا " مندور " باعتباره " ذاتا " جابهت هذه الوضعية الثقافية بشروطها التاريخية . ولا يمكن الزعم بأن هذا هو منهج علمي أو موضوعي بإطلاق : بل هو منهج يصدر عن رؤية أيديولوجية ولا يتحايل في إخفائها ، لكن ، بين التفضيل الإيديولوجي ، وبين موضوع التطبيق ، هناك إمكانية القيام بتحليل موضوعي نسبيا . أهمية مندور النقدية :على صعيد النقد الأدبي ، تكتسي أعمال مندور دلالة كبيرة داخل الحقل الأدبي المصري والعربي على السواء . فتكوينه الثقافي بالسوربون ، في الثلاثينيات ، هو الذي أمده بأدواته ومصطلحاته ومنهجيته ، لتقييم الآثار الأدبية وتوجيهها .وشروط الممارسة الأدبية في مصر ، هي التي تفسر لنا ، إلى حد كبير ، استمرار هذا النوع من الكتابة النقدية في شكل محادثة ، تأخذ من كل شيء بطرف ، وتجمع بين التاريخ والتحليل والتمحيص اللغوي ، والتصنيف على أساس مصطلحات مستعارة من فروع معرفية متباينة .وإذ يشعر برادة أن تناوله لكتابات مندور قد اتصفت بالتأكيد على الجانب السلبي يقول :( هل نغالي إذا قلنا ، تدقيقا ، بأن مفهومه للتنظير مفصولا عن ممارسة نظرية ، هو الذي سجنه داخل مجموعة من التعريفات والمقولات العاجزة عن التقاط الظواهر والانتاجات الأدبية فيما تتوافر عليه من صيرورة نوعية ، وفيما تستلزمه من أشكال جديدة ملائمة لمضامينها : وإذا كمان مندور يعبر أحيانا عن ضرورة اعتبار خصوصية المجتمع المصري والثقافة العربية ، فإنه لا يتعدى ذلك إلى إعادة النظر في الأشكال التعبيرية المأخوذة من الغرب في مطلع هذا القرن ) .ثم يعود برادة ليضع نتيجة للأسباب التي اقترحها ، فذكر أنه ( نتيجة لذلك ، فإن تلك الأشكال المرتبطة بتشكيلات اجتماعية وإيديولوجية محددة استمرت في إمداد مندور ، ونقاد آخرين ، بمقاييسهم وتصوراتهم النظرية : لأن الممارسة النظرية عندهم تتخذ كمسلمة ثابتة ، نظرية الأجناس الأدبية كما تحددت عبر مسار تاريخ الأدب الأوربي ) .ويكون اللحن الأخير على نفس النغمة المائزة التي استمرت طوال الفصول السابقة غير أنها تأخذ هنا شكل القرار :( من هذا المنظور ، يلتحق مندور وكتاباته ومواقفه ، بالمواد " المجربة " التي أفرزها الحقل الثقافي للعالم العربي ، ومجموع هذه المواد تصبح مع مواد أخرى وعوامل ثانية ، مقفزا نحو آفاق جديدة ) .وبذلك ينتهي عرضنا لكتاب من أهم الكتب النقدية التي صدرت خلال الخمسين سنة الأخيرة كما يجمع على ذلك النقاد المعاصرين .وفي ذكرى مرور أربعين سنة على وفاة مندور ستصدر خلال أيام الطبعة الجديدة من الكتاب عن المجلس الأعلى للثقافة المصري بالمعرض الدائم بأرض الجبلاية بالقاهرة ، وهو يقومـ أي المعرض ـ بخصم مقداره 50% على كافة مطبوعاته لأعضاء اتحاد الكتاب المصري ، وربما للضيوف العرب كما تعودنا في المؤتمرات الثلاث الأخيرة!
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    في ذكري الرحيل‏!‏

    بقلم:أ.د‏.‏فوزي فهمي
    ...........................

    في ستينيات القرن العشرين‏,‏ وفد تيار العبث علي حياتنا الثقافية‏,‏ بصيغته المسرحية الأكثر إثارة وانتشارا‏,‏ فأصبح يشكل موضوعا لظاهرة نقاشية بين منتقديه والمدافعين عنه‏,‏ لتضاده مع كل التقاليد المسرحية‏,‏ حيث يلتبس فيه المكان والزمان والهوية‏,‏ وتتسم حواراته بالتكرار‏,‏ ويتداعي فيه مبدأ السببية‏,‏ حتي تتبدي إبداعاته ظاهريا محض عشوائيات خالية من المعني‏,‏ لذا استطاع الكاتب الساخر أحمد رجب أن ينصب فخه الملغوم الشهير‏,‏ إذ كتب مجموعة من الحوارات علي لسان شخصيات سماها الهواء الأسود‏,‏ ثم دفعها إلي دوائر بعض المهتمين في المجال الثقافي‏.‏ مدعيا أنها مسرحية مترجمة لكاتب عبثي كبير هو فردريش دور نيمات‏,‏ فتوهم بعضهم بحماسة فائقة صحة الزعم‏,‏ وبادروا إلي تحميل العمل الزائف ما لايحمل من المعني‏,‏ والإسقاط عليه بما يشاءون من الدلالات‏,‏ والإشادة بكاتبه وقدراته دون سند‏.‏ وبعد أن توافر لديه عدد من التصريحات‏,‏ فجر أحمد رجب اللغم المعد‏,‏ كاشفا عن تصديقهم الوهم بوصفه عطبا أساسيا أصاب مناهج بعض من أعضاء تلك الدوائر أفضي إلي الوقوع في ذلك المأزق‏.‏ كان شيخ نقاد مصر‏,‏ الراحل الجليل د‏.‏ محمد مندور‏,‏ قد رفض التعليق علي النص الذي قدمه أحمد رجب معلنا عدم معرفته به‏.‏ عارض وقتها شيخ النقاد هذا التيار‏,‏ واعتبره وهما مطلقا‏,‏ وتمردا عارضا ويائسا علي الحياة والفن‏,‏ متمنيا أن تستطيع البشرية التخلص منه‏,‏ لتعود إلي العقل‏.‏
    لكنه مع ذلك لم يطالب بمنعه‏,‏ أو قاطع مناقشته‏,‏ بل كان يشاهد عروضه المسرحية ويطالع إنتاجه‏,‏ ويقوم بتدريسه‏.‏ كنت معيدا مشبوب الدم‏,‏ أعيش وأنمو في كنف شيخي وأستاذي د‏.‏ محمد مندور‏.‏ ولأنني أمام هذا القدر من التمرد الذي هالني في تيار العبث فكرا وفنا قد أحسست بالعجز تجاه محاولة الحكم علي إبداعات هذا التيار‏,‏ لذا رحت أضاعف قدر معرفتي به والاشتغال عليه‏,‏ متبعا نصيحة شيخي الدائمة لي‏,‏ بأنه لايجب عند الحكم علي العمل الإبداعي أن اتربص به‏,‏ باستحضار كل أدواتي النقدية الجاهزة في مواجهته‏,‏ بل يتعين علي أن أعرض صفحة روحي لذلك الإبداع لأتلقي ما يثيره في وجداني من أحاسيس ومشاعر وتأثيرات‏,‏ فإذا ما استطاعت أن تحررني من قيود الأدوات النقدية الجاهزة‏,‏ بفضل أصالتها‏,‏ وصدقها وخصائص صياغتها‏,‏ وأن تبدل الإدراك‏,‏ والحساسية‏,‏ وتغير القاعدة التي تغذي الأفكار والعواطف‏,‏ فذلك يعني أن العمل الإبداعي كسب رهانه‏,‏ وحمل جواز مروره إلي ذائقة المتلقي‏,‏ حتي وإن خالف قواعد النقد التي سبقته‏,‏ كان شيخي يعتبر الذوق المدرب هو الأكثر حسما في الحكم النقدي‏,‏ وفي الإبداع أيضا‏,‏ ويؤمن بتطوره ويخشي عليه من أن يفسده الحشر في قالب فيتصلب ولايصبح ذوقا‏,‏ بل محض ممارسة نمطية متكلفة‏,‏ وقد علمني شيخي كذلك أن الاعمال الإبداعية قابلة للتأويل بحثا عن الحقيقة‏,‏ لكن شد ما كان يؤكد أن هذا التأويل لا يحل أبدا محل الحقيقة‏,‏ وحذرني دوما من أن يتحول التأويل إلي ادعاء بالوصول إلي الحقيقة وامتلاكها‏,‏ عندئذ يصبح التأويل علي المستوي الفكري والفني اعتقادا مغلقا يحدد للعمل الإبداعي قراءة واحدة يؤكد أنها الوحيدة الصحيحة‏,‏ فيحجب بذلك العمل الإبداعي‏,‏ ويصادر ثراء وجوده‏,‏ ويحرمه من تعدد تذوقه من خلال قراءات أخري ممكنة‏.‏
    ولأن شيخي كان يؤمن بالانفتاح علي المختلف‏,‏ والمتنوع‏,‏ والمتعدد‏,‏ واحترام الحقوق والحريات‏,‏ لذا شحذت نفسي حتي حانت إحدي جلسات النقاش معه‏,‏ التي كانت تبدو نوعا من المشاكسة‏,‏ وهي علي الحقيقة ممارسة التدريب علي المحاجة استجلاء للفهم‏,‏ بدأت ـ كمعادتي بنغمة دخول بأن استظهر إحدي العبارات التي تتعلق بالموضوع‏,‏ وكانت هذه المرة إحدي مقولاته‏,‏ فرحت أرددها علي مسامعه‏:‏ بأننا إذا كنا في حاجة إلي من ينتقم لنا من الفقر‏,‏ فإننا في حاجة إلي من ينتقم لنا من القبح‏.‏ ثم سألته‏:‏ ألا ينتقم لنا تيار العبث من ذلك القبح الموجود في الحياة‏.‏ صحيح أن هناك مشقة واضحة في مشاهدة أعمال هذا التيار وقراءتها‏,‏ بل إن هناك قدرا من الملل‏.‏
    لكن أليس علينا أن نطور مهارتنا لذلك التحدي؟ فسألني‏:‏ ألم تتفحص‏,‏ وتتقص‏,‏ وتتأمل سبب هذا الملل؟ أليس ذلك نتيجة حالة الاختناق القصوى من الإحباط والتشاؤم‏,‏ وانسداد الافق التي تحولت إلي كابوس يستعدي الناس علي الحياة ويصيبهم بالعجز الذي يفتك بهم‏,‏ وليس ثمة أمل خجول يتبدي للنجاة في الأفق‏,‏ أو إيمان بقيمة تشحذ الهمم؟ إن الزمن راكد لدي كتاب العبث‏,‏ والشخصيات مستسلمة ينخرها الوهن‏,‏ وليست لديها رغبة أو إرادة للإفلات من حاضرها وإلي الأبد؟ أجبته‏:‏ إن تحليلك المحتفي برواية دون كيشوت للكاتب الإسباني سرفانتيس في كتابك "نماذج بشرية"‏ يجسد شدة تعاطفك مع بطلها‏,‏ في ظل الإحباط المستمر والمسيطر علي الرواية كلها‏,‏ والذي يتجلي في إخفاقات دون كيشوت الدائمة‏,‏ دون بارقة أمل حتي موته‏,‏ راح شيخي يبلور لي سياق الرواية قائلا‏:‏ لقد قدم سرفانتيس في روايته شخصية دون كيشوت التي تعاني صراعا بين الرغبة والإمكانية‏,‏ رغبة نبيلة تجلت في القضاء علي الشر المحيط به‏,‏ وإمكانية يجسدها واقعه العاري الذي يفتقر إلي أية مرتكزات فاعلة‏,‏ تمكنه من تحقيق رغبته‏,‏ فكانت مسافة الخلف بين الرغبة والإمكانية‏,‏ فحاول كسر التضاد بينهما‏,‏ فقادته حماسته إلي استنفار نفسه بالوهم‏,‏ وتلك هي مأساته‏.‏ ولأن الوهم يعني افتقاد العقل الوعي‏,‏ ولأن لكل خيار ثمنه‏,‏ لذا خسر دون كيشوت غاية سعيه‏,‏ ذلك أنه تخلي عن إعمال العقل‏,‏ والتدبير‏,‏ والفهم‏,‏ إذ أتخمته حماسته فاستسلم لهوس الوهم الذي صنع مأزقه‏,‏ حيث لم يدرك أن الحد الفاصل دوما في سلوك الإنسان هو مداولة العقل التي تحميه من التشنج‏,‏ وطرطشة الحماسة المقطوعة الصلة بالفهم‏,‏ فالعقل يحسن قراءة الواقع وفهمه‏,‏ ويشخص إدراك علاقة الإنسان به‏,‏ ويحول المقاصد والقيم إلي نماذج تنظيمية ووسائل عملية‏,‏ لقد قدم سرفانت شخصية دو ن كيشوت في صورة كاريكاتورية جسدت أزمته‏,‏ عندما أقال عقله وفقد أهم مايستند إليه الإنسان‏,‏ فأعماه الوهم والحماسة‏,‏ فراح يحارب طواحين الهواء علي أنها بشر‏.‏
    لقد ساند المؤلف في روايته إعمال العقل‏,‏ مؤكدا أن نبل المقصد وحده لايكفي من دون إعمال العقل‏.‏ أما تيار العبث فيعلن إفلاس العقل‏,‏ وأن الجسد عائق‏,‏ والترحال عديم الجدوي‏,‏ والزمن راكد‏,‏ واللغة ماتت‏,‏ والمعايير غابت‏,‏ إنها دعوة عدمية ضد الحياة والإنسان معا‏,‏ وترف تيار نخبوي لايستمع إلي الناس‏,‏ ولذا لايفيدهم‏,‏ تمرده محض تمرد يائس‏,‏ منفلت‏,‏ يهدر المسئولية‏,‏ وينتج بالأوهام نشر الإحباط والهزائم والملل‏.‏ اتصور أن مساحة الحرية في هذا التيار العبثي هي التي بهرتك‏,‏ ولست ضد ممارسة هذا التيار لحريته‏,‏ لكني أؤمن بالأدب الذي تشيع فيه الحياة‏.‏ ويسهم في بناء علاقات التعايش والتواصل بين الحياة والبشر‏,‏ ولا أطمئن إلي الأدب المجرد الذي يتخلي عن الشاعرية في محاولته البرهنة علي فكرة ما‏,‏ وقيمة النقد عندي في جدية وعيه في المساءلة والفحص‏,‏ بوصفه سلطة رمزية علي العقول والنفوس‏,‏ ومسئوليته أن يهدي الناس إلي مايفتح أمامهم مايغني رصيد الإنسان‏,‏ ويطور قدراته‏,‏ ويعزز منجزاته‏,‏ لا أن يستعديه علي الحياة بفرض وهم جماعي للتغرير بالعالم‏.‏ تري هل العالم الذي حولك وهم؟ اجبت شيخي‏:‏ إننا نشاهد فنا وليس واقعا‏,‏ لقد علمتني أن الأفكار المجردة هي التي تدافع عن نفسها‏,‏ وأن أفكار الأعمال الإبداعية ليست أفكارا مجردة‏,‏ بل يرتبط معناها بخصوصية بنائها وصياغتها‏,‏ حيث من خلالها تستطيع الإفلات من زمن كتابتها والسفر عبر الزمن‏.‏ ضحك شيخي‏,‏ ثم علق علي مشاكستي‏:‏ سنري‏.‏ لكن الزمن لم يمهله‏,‏ فقد رحل مبكرا شيخ نقاد مصر الذي لم أكف عن الإصغاء إليه‏.
    رحل في التاسع عشر من مايو‏1965,‏ رحل تاركا صورة لرجل لم تجد الغواية بكل صورها طريقا إلي حياته السياسية والأدبية‏,‏ رحل الفارس الذي رفض رخاصة الإنسان‏,‏ وعودة العدمية‏,‏ ودافع عن استقلال الرأي دون إقصاء‏,‏ رحل المناضل الذي كان يؤمن بأن الحرية ليست انفلاتا‏,‏ بل هي صناعة الحياة‏,‏ فناهض دعاوى الإفلاس والتردي والعجز‏.‏
    سلاما عليك أيها الأستاذ العظيم في يوم ذكراك‏.‏ عش في الضمائر ذكرى غير ذاهبة، وفي النواظر طيف منك لم يغب.
    ................................
    *الأهرام ـ في 19/5/2008م.
    رد مع اقتباس  
     

  9. #9 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    محمد مندور (1707-1965) شيخ النقاد في الأدب الحديث
    تأليف: محمود السمرة
    الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر تاريخ النشر: 01/01/2006

    يضم هذا الكتاب خمس دراسات خمس دراسات ألقت الضوء على سيرة ومسيرة شيخ نقاد الأدب الحديث محمد مندور (1907-1965) حيث ترجمت الأولى لسيرته الذاتية وألقت الثانية الضوء على تجربته في النقد العربي القديم أما الثالثة فسعت لإبراز الدورة الذي لعبه في النقد الفني، واختصت الرابعة بإنتاجه المسرحي، أما الأخيرة فألقت الضوء على تجربته الشعرية وآراءه في الشعر العربي الحديث.
    لقد كان افتتاح الجامعة المصرية عام 1925 بداية التفكير النظري في الأدب، وكان كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" هو باكورة الإنتاج التطبيقي لهذا التفكير، ومقدمة لبداية "نظرية الأدب" في اللغة العربية، هذه النظرية التي تحمل صياغتها أبناء الجيل الجامعي الجديد، وعلى رأسهم محمد مندور.
    ويرى مندور أن اللغة العربية لم تعرف المذاهب الأدبية إلا في العصر الحديث، وكان طه حسين رائداً في إدخال المنهج الفرنسي المعروف باسم تفسير النصوص، ونما هذا المنهج على يد محمد مندور. ونستطيع أن نستخلص منطلقات هذا المنهج من كتابات مندور.
    رد مع اقتباس  
     

  10. #10 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    أستاذية محمد مندور

    بقلم: محمد جبريل
    ............................

    في مطالع الستينيات. كانت رابطة الأدب الحديث مدرسة ثقافية حقيقية. أساتذتها يحيي حقي وعبدالقادر القط وكمال نشأت وعبداللطيف النشار وعبداللطيف السحرتي وتوفيق حنا وغيرهم. إلي جانب إبداعات صلاح عبدالصبور ومحيي الدين فارس وجيلي عبدالرحمن وكمال نشأت وفاروق منيب والعديد من الأسماء التي تخلق منها المشهد الإبداعي لجيل الستينيات.
    كان محمد مندور من أهم الأساتذة الذين أفدت منهم شخصيا. قيمة الأستاذ ليست في مجرد ما يعرضه من قراءات. ولا مناقشاته لأفكار الآخرين. ولا حتي فهمه المستوعب للاتجاهات المختلفة. لكن القيمة الحقيقية في الاضافة التي يثري بها وجدان تلامذته. والتأثيرات التي قد تبدل ثوابت في الممارسة الفنية.
    بالإضافة إلي دوره التنويري المهم - وهو دور أدخله السجن - فلعل أهم الدروس التي تعلمتها من خلال كلمات مندور في ندوات الرابطة. قيمتان مهمتان أضاءتا لي ما بدا شاحبا أو قاتما.
    أما القيمة الأولي فهي أن تكون للقصة فلسفتها. فهي تجاوز مجرد الحكي والبوح والفض عن النفس. إلي محاولة تشكيل وجهة النظر الشاملة. بما يمكن تسميته فلسفة الحياة. ليس بمعني الميتافيزيقا. إنما هي تشمل علم الجمال والسياسة والاجتماع والتاريخ وكل ما يهم الإنسان في هذا العالم.
    أزعم أن كلمات محمد مندور بدلت نظرتي إلي العملية الإبداعية تماما. عدت إلي تأمل ما قرأت. وبحثت عن الدلالات في قراءات تالية. ووجدت في أعمال نجيب محفوظ تعبيراً شبه متفرد عن فلسفة الحياة بالمعني الذي أشار إليه مندور. لخصت فلسفة محفوظ في الدين والعلم والعدالة الاجتماعية. بينما تناثرت في إبداعات الآخرين مواقف ورؤي غير مستقرة. حتي أن أستاذنا الحكيم عبر في إبداعه عما يمكن تسميته بفلسفة الزمن. فلما حاول التنظير لهذا الإبداع طلع علينا بما سماه التعادلية!
    أما القيمة الثانية فهي ما سماه مندور بالهمس في الشعر. أو الشعر المهموس. بمعني أن الشعر الحقيقي يرفض الزعيق والجهارة والمباشرة. ذلك ما تتطلبه - ربما - خطبة وعظية أو تحريضية. أما الشعر فهو قد يتناول أخطر القضايا في لغة شفيفة هامسة. هي لغة الفن وليست لغة الخطابة التي ما تلبث أن تزول من نفس المتلقي. وعلي حد تعبير مندور فإن الصورة تفضل التعبير المباشر والقصد إلي الإيحاء أشد فنية من الإبانة والإفصاح.
    أستاذية محمد مندور في التأثيرات العميقة التي أحدثها في وعي تلاميذه. حتي هؤلاء الذين لم يتتلمذوا عليه بصورة مباشرة. لقد وجدوا في كتاباته مغايرة. فهي تنبههم إلي المعاني التي يجب أن يعنوا بها. لا يجترون اجتهادات السلف. ولا يكتفون بالتقليد والمحاكاة. لكنهم يصدرون في إبداعاتهم عن خصوصية في التجربة. وتفرد في الصوت. من خلال تفهم لطبيعة الفن. بداية من جمالية التعبير إلي المفردة اللغوية.
    .....................................
    *المساء ـ في 2/6/2007م.
    رد مع اقتباس  
     

  11. #11 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    أعمال الدكتور محمد مندور المجهولة .. متى تري النور؟

    حوار: د. زينب العسال
    ................................

    أعمال د.مندور المجهولة.. متى تري النور؟ في الخامس من يوليو القادم تحل مئوية ميلاد الناقد الراحل الدكتور محمد مندور. في الوقت الذي استطاع فيه ابنه د.طارق الوقوف علي جانب هام من تراثه الذي كان مفقودا.. يقول د.طارق: قادتني الصدفة بعد أكثر من أربعين عاما علي وفاته إلي العثور علي الكثير من المخطوطات التي كانت ترقد في عمق الصندرة بمنزلنا وأهم هذه المخطوطات مخطوط كتاب فن القصة وكان ينوي طبعه وقد ذكر ذلك في حديثه مع الأستاذ فؤاد دوارة في ديسمبر 1964 في كتابه "عشرة أدباء يتحدثون" عن دار الهلال ومخطوط هام آخر هو محضر تحقيق النيابة مع الدكتور مندور في إحدي القضايا الكثيرة التي سجن بسببها لدفاعه عن الحرية وحقوق الوطن ووجدت مخطوطين لمسرحيتين غير مكتملتين من تأليفه الأولي باسم المفرد والجمع والثانية باسم "مأساة نفس" كذلك وجدت مخطوطا بعنوان أبحاث في الأدب وقد كتبه قبيل سفره إلي البعثة 29. 30 ومخطوط لمحاضرات المعهد العالي لفن التمثيل عام .58
    عثرت كذلك علي تقرير باسم "التخطيط الثقافي" مرفوع للدكتور عبدالقادر حاتم وزير الثقافة كتبه قبل وفاته بفترة وجيزة. ويطرح فيه أفكاره العملية للتثقيف العام والدور الاستراتيجي للأجهزة الثقافية.
    يضيف د.طارق: وجدت مخطوط ترجمة كاملة لكتاب "المدينة الإغريقية" تأليف جوستاف جلوتز ووجدت بعض المخطوطات في علم اللسان واللغة والكثير من الترجمات لأعمال شعرية عن الفرنسية والإنجليزية وترجمات عن اليونانية القديمة والكثير من الخطابات من وإلي مندور مع د.طه حسين ومصطفي النحاس ومصطفي عبدالرازق وكذلك مخطوط هام كتبه عقب عودته مباشرة من البعثة بعد أن أصبح البصر حديدا يناقش فيه ضمن ما ناقش فكرة استخدام الحروف اللاتينية لكتابة العربية.
    ولعل من أهم المخطوطات التي وجدتها مخطوط لخمس عشرة محاضرة ألقاها د.مندور بمعهد الصحافة في العام الدراسي 1954/1955 بعد أزمة مارس 54 أي بعد اختفاء الصحف الحزبية وظهور صحف جديدة كجملة التحرير نصف الشهرية التي صدرت في سبتمبر ثم جريدة الجمهورية ديسمبر 53 ومجلة الثورة يوليو 54 وتبدأ المحاضرات بمحاضرة عن الصحافة ومقدماتها وكيف كانت سنة 1837 سنة فاصلة في تاريخ الصحافة ثم محاضرة عن صحافة الرأي وصحافة الخبر وتتوالي المحاضرات عن كافة جوانب الصحافة وعلاقتها بالرأي العام والسياسة والتوجيه الثقافي والأدبي وتنتهي المحاضرات بمحاضرتين أولاهما عن إصدار الصحف وتنظيمها أما الثانية فهي عن تنظيم الصحف وإدارتها وإن كان هذا المخطوط يعتبر مدخلا لفهم الصحافة وارتباطها بالواقع وتأثيرها فيه وتأثرها به فعلي الأرجح أن مندور قد أسهب في شرح مكونات هذا المخطوط أثناء محاضراته بما يتناسب مع تجربته الكبيرة منذ عشرينيات القرن الماضي حتي عام .1954
    كانت بداية تعامل مندور مع الصحافة كتابات وطنية في صحيفة الحائط المدرسية بمدرسة طنطا الثانوية تندد بحكومة زيور التي خلفت حكومة سعد زغلول إثر مقتل السردار حتي أنه فصل من المدرسة فترة غير قصيرة قبل نهاية العام الدراسي "البكالوريا" عام 1925 والتحق مندور بكليتي الآداب والحقوق معا إلي أن تخرج منها عامي 29 و30 وأرسل في بعثته إلي فرنسا ومن هناك أرسل مقالات لمجلة الجامعة المصرية بداية من عام 1931 وأولها مقال عن حياة الشاعر الفرنسي فيني وأعماله ثم نشر له في مجلة الرسالة بداية من عددها الأول يناير 33 ترجمته لقصيدة بيت الراعي لألفريد دي فيني ومقالات أخري بمجلة الثقافة ونشر أيضا مقالات في الصحف الفرنسية ينتقد الحكومة الفرنسية لمعارضتها إلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر ورد عليه وكيل وزارة الخارجية الفرنسية الذي كان يرأس وقتها الوفد الفرنسي في مفاوضات منترو وعقب مندور ونشر الوكيل تعليقا علي رأي مندور وعقب مندور بمقال مسهب وانتهي الأمر بموافقة الوفد الفرنسي علي إلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر.
    بعد عودته من البعثة عام 39 اشتغل بالتدريس بالجامعة إلي أن استقال منها عام 44 وانضم إلي أسرة تحرير جريدة المصري ثم عين رئيسا لتحرير جريدة الوفد المصري من فبراير 45 بجانب إصدار صحيفته الخاصة "البعث" في ثلاثة إصدارات أولها في 14/11/1944 ووصلت إلي العدد 12 ثم توقفت عن الصدور.
    وبدأ الإصدار الثاني وعدده الأول بتاريخ 13/12/1945 إلي أن توقف بالعدد 16 إثر القبض عليه في 26/3/46 في قضية أقامها عليه صدقي باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية لكتابته مقالات تفضح صدقي لتهاونه بل تعاونه مع الإنجليز.
    وبعد خروجه من السجن أصدر الإصدار الثالث لمجلة البعث وعدده الأول بتاريخ 25/4/46 ولكنها ما لبثت أن أغلقت إثر الحملة الكبري في 11 يوليو 1946 من صدقي باشا وإعلانه عن قضية الشيوعية الكبري حيث تم إغلاق 12 مجلة وجريدة والقبض علي 200 صحفي وكاتب.
    ومن بين المجلات والجرائد التي أغلقت جريدة البعث وجريدة الوفد المصري اللتان كان يرأس تحريرهما وبعد ذلك رأس تحرير جريدة صوت الأمة وكتب الكثير من المقالات الأدبية والثقافية والسياسية في جرائد البلاغ وبلادي والأهرام والحوادث وغيرها وبعد 1952 كتب في مجلة الثورة وجريدة الشعب وجريدة الجمهورية وجميع المجلات المصرية والعربية السياسية والثقافية والأدبية وليس هنا مجال حصرها.
    مقالات عن الصحافة
    رأيت أن أضيف إلي مخطوط المحاضرات المذكورة ما كتبه د.مندور من مقالات عن الصحافة بشكل عام عبر حقبة الأربعينيات والخمسينيات وحتي منتصف الستينيات.
    تبدأ هذه المقالات مع بداية عام 45 وقبل توليه رئاسة تحرير جريدة الوفد المصري بمقال بتاريخ 22/1/45 بجريدة الوفد بعنوان "الرأي العام" ويبين فيه أهمية الصحافة لتكوين الرأي العام المستنير ثم تتوالي المقالات عن مهمة الصحافة وحرية الصحافة وحقوق الصحافة وأنواع الصحف والصحفيين ومناقشة الإجراءات القانونية في التعامل مع الصحفيين ومناقشة الحبس الاحتياطي. وآفة الأخبار المضللة ومقالين عن حرية الرأي في مجالاتها ووسائلها.
    هذه المقالات تكون مع المحاضرات رؤية الدكتور مندور للصحافة خلال حقبة تاريخية هامة من تاريخ الصحافة المصرية.
    وفي النهاية يطرح ابن الناقد الراحل سؤالا هاما للمهتمين بالأدب والنقد وتاريخهم هل تستحق مخطوطات د.مندور المكتشفة أن تبحث وتنشر؟
    .........................................
    *المساء ـ في 26/5/2007م.
    رد مع اقتباس  
     

  12. #12 رد: مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    أربعون عاماً على رحيل محمد مندور شيخ النقاد العرب

    بعد مرور أربعين عاماً على وفاته يكتسب شيخ النقاد الدكتور محمد مندور احترام أجيال جديدة من الباحثين العرب الذين يرون في إنجازه الفكري قيمة متجددة تضاف إلى أهميتها التاريخية التي عاصرها جيل من كبار النقاد قبل أكثر من نصف قرن.
    واعتبر نقاد وباحثون عرب في ندوة أقامها المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة إنجاز مندور في مجالي الفكر والنقد درساً في الإخلاص لقيمة الإبداع لكل ناقد أو مهتم بالشأن العام كي يكون عمله قادراً على تحدي الزمن ومخاطبة جيل لم يولد بعد.وقال جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة إن كثيراً من النقاد العرب يثيرون في حياتهم ضجيجاً ولكنهم يختفون من الحياة العامة بمجرد موتهم ولا يتركون أثراً ولكن مندور مر على الحياة الثقافية العربية كالعاصفة ومضى بعد أن ترك كتباً وأفكاراً وتلاميذ.
    وأضاف في افتتاح ندوة صادف انعقادها يوم عيد ميلاد مندور الذي ولد في الخامس من يوليو 1907 أن مندور أول من أدخل الدراسات النقدية من منطقة الانطباع إلى التحليل المنهجي مستفيداً بسنوات دراسته في العاصمة الفرنسية باريس التي ذهب إليها عام 1930 وظل بها تسع سنوات دون أن يحصل على الدكتوراه وهو ما أغضب أستاذه عميد الأدب العربي طه حسين.
    وشارك أكثر من 40 باحثاً عربياً في هذه الندوة التي جاء عنوانها «مندور بعد أربعين عاماً على رحيله» احتفاء بالدور الثقافي الذي لعبه مندور «1907 ـ 1965» الملقب بشيخ النقاد.ولمندور كتب منها «النقد المنهجي عند العرب، في الأدب والنقد، الأدب ومذاهبه، قضايا جديدة في أدبنا الحديث، نماذج بشرية، الفن التمثيلي، الأدب وفنونه، في المسرح المصري المعاصر، في المسرح العالمي».
    إضافة إلى كتب عن شعراء منهم المصريون أحمد شوقي وعزيز أباظة وإبراهيم عبد القادر المازني واللبناني خليل مطران.ورأس مندور تحرير عدد من الصحف المصرية في الأربعينات وله كتب في الثقافة العامة والسياسة منها «الديمقراطية السياسية» و«جولة في العالم الاشتراكي».وقال طارق مندور في افتتاح الندوة إن لوالده أعمالاً لا تزال مجهولة إضافة إلى مقالات سياسية واجتماعية ونقدية تنتظر التصنيف تمهيداً لنشرها.
    وأشار الناقد التونسي عبد السلام المسدي إلى أن شخصية مندور نضالية بامتياز وتتأبى على التصنيف. نضالية كأعتى ما يكون النضال مشيراً إلى دوره في النقد الثقافي الذي يتجاوز حدود النص الأدبي وصولاً إلى تحليل بنيته وعلاقته بالمجتمع.وقال الناقد المصري صلاح فضل إن مندور هو الذي أعطى صفة النقد الأدبي تسميتها حيث كان الأدباء والكتاب قبله يتناولون قضايا النقد ولكن أياً منهم لم يتفرد بصفة الناقد في العصر الحديث.
    وتفرد مندور عن زملائه وأساتذته الذين كانوا ربما يفوقونه علماً وإحاطة ودقة ولكنهم ينحنون أمام شيء مختلف فيه.. أصبح علامة على النقد وأصبح شيخاً جليلاً وهو لم يتعد الخمسين. وأشار إلى أنه في حين كان الروائي المصري الحائز على نوبل في الآداب نجيب محفوظ يكتب ثلاثيته الشهيرة كان مندور يشيد عالمه النقدي القائم على ثلاث دعائم هي الوعي الإنساني العميق بقوانين التطور الحضاري والمعرفة العلمية بنظم الآداب والفنون فضلاً عن «ضمير القاضي، الناقد، الذي يحمل الميزان ولا يميل مع الهوى حتى لا يفسد رأيه».
    وأضاف ان هذه الثلاثية النقدية لا تزال هي «التأسيس المتوازن لكل نقد جاد.. كان النقد لديه رسالة حياة وليس مهنة العاجزين عن الإبداع».والناقد الراحل استطاع أن يصل إلى عضوية البرلمان المصري في أواخر الأربعينات ممثلاً لجناح اليسار في حزب الوفد (الطليعة الوفدية) واعتقله البوليس السياسي في عام 1964 ورأس تحرير عدد من الصحف استخدمها كمنابر للتعبير عن آرائه السياسية والنقدية بعد أن استقال من الجامعة بينها صحف «الوفد المصري» و«المصري» و«صوت الأمة».
    يقول الناقد الكبير رجاء النقاش عن شيخ النقاد د. محمد مندور إنه "كلما حل شهر مايو/آيار ومعه آخر أنسام الربيع وأوائل لهيب الصيف، تذكرت الناقد العربي الكبير محمد مندور الذي مات في مثل هذا الشهر من عام 1965 عن ثمانية وخمسين عامًا، حيث إنه من مواليد 1907، والحقيقة أن مندور يمثل في تاريخنا الثقافي شخصية لا يمكن لمن عرفها معرفة شخصية أو عرفها عن طريق القراءة أن ينساها، أو ينسى ما كـان في هذه الشخصـية من سحر هادئ عجيب. فقد كان مندور رجلاً شديد الذكاء، ولكنه لم يكن يتعالى بذكائه على الآخرين، لأنه كان شديد التواضع، وكان واسع الثقافة، ولكن ذهنه كان شديد الوضوح قادرًا على تبسيط أي فكرة معقدة، بحيث يستطيع أي إنسان أن يفهم هذه الفكرة مهما كانت عميقة أو صعبة".
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. لنبارك للأستاذ الكبير محمد يوب
    بواسطة عبد الله نفاخ في المنتدى الواحة
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 09/08/2010, 01:19 AM
  2. مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 62
    آخر مشاركة: 02/12/2009, 07:39 AM
  3. ردا على رائعة الشاعر الكبير محمد الكبيسي /
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02/07/2009, 06:21 AM
  4. أين صاحبي حسن للشاعر الكبير أحمد مطر
    بواسطة ثروت سليم في المنتدى الشعر
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05/09/2008, 07:10 PM
  5. النقد والناقد الأدبي في رأي محمد مندور
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 26/04/2006, 10:04 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •