المقاتل يكتشف الخديعة وهو يلعق جراح الروح
قراءة فى قصيدة "خدوش"للشاعر سمير الفيل "
بقلم/ سمير الأمير
خدوش

خدش روحي زجاج المرايا
وصبح برتقاني اللون
بضيه يرميني
فــّادخل كل البنات اللي حبيتهم ..
في القلب جوايا
دي مش نهاية الوجود ..
ولا هي كمان البداية
لكنها دموع الانكسار
لفارس بلا يقين
إنسان نساي ، كسره الحنين
ورزاز المطر
ضروع البقر ..
.. اللي تعطي حليب
ومنين أجيب وتر للربابة
أو صابع مش مر تجف ؟!

الشك في بذرة الكون
وف مسامير الصلب الحديد
الزمن هدني
" فعالٌ لما يريد "
هل تنتظر من مزيد ؟
.. من الكلام أو ثرثرة دموع ؟
إيد الشهيد اترفعت م الرمال
وكان خلفه تبة
بتشهق للرصاص اللي عصف
وارتجف
في المنتصف
منتصف الصدر ، والأعوام !!

خدوش بتنوش الحكاوي القديمة
كل الخلق بتتطوّح
في دروب المدينة
وجوّاهم سكينة
متسلسلين من عهد أموي .. لعباسي
تقيلة أنفاسي
وأفراسي
بتتوغل في عشب أخضر مرمري

في زوايا الألم الصموت
أيه تعمله بواكي البنكنوت
لشعر أبيض
وسواد فاحم بطعم الليل
اتسجن
في كشف شعرا بيخافوا الرحيل
بإرادتهم ، أو بقصورهم الذاتي
خدوني في حضنهم إخواتي
كمـّلوا الشهقة
فمررت حبات اللمون
ياكون
يا أضيق من حلمنا القديم
إنت غريب ..
.. وضحكك مش دفا ولا كلامك حكيم
كل المراكب بتوصل للشطوط
في نفس مواعيدها
والبنت دي عارفها
.. أنا كنت مواعدها
في أول مرة لبست فستان أرجواني
وف تاني مرة ..
.. كملت غنوة على لساني
وف تالت
.. شاورت لي من بعيد، واختفت
مية البحرصفت
دقـّـقت فيها
كان وجهي بيشلب دم
خدوش من الزمان
وصاحبي زيي
الخنجر في ضهره ، ولم يهتم !

جرحي كل ما أحكه
يتسرسب مواويل عتيقة
مش قادر احصي ثواني الدقيقة
سايب الأوجاع تفترسني
والوجوم اللي بلا معاني
أعرف غناويهم
.. وافتكرها الأسامي

في كل خطوة
أتحسس دروبي
وأحاول اخفي الخدوش

ليه البنات العذارى
من جوه جرحي
للآن لسه ما طلوش؟؟


*****
كثيراً ما أتساءل عن ماهية شعور المقاتلين الذين حققوا نصر اكتوبر العظيم حيال ما آل إليه حالُنا جميعاً من المحيط إلى الخليج، هل كانو مثلاً يتصورون أن الأمة العربية سوف ينتهى بها الحال إلى ما هى فيه من ضعف وفرقة وقابلية للاستلاب والانتهاك بل والاحتلال المباشر، وكثيراً ما أتساءل إن كان الشهداء الذين استشهدوا عند احتلال العراق، قد أخبروا من سبقوهم من الشهداء الذين استشهدوا فى سبيل فلسطين عن دخول جحافل الغزو الأمريكى إلى بغداد وسط صمت وتواطىء عربى الأصل واللغة ، لكننى بعد أن ترهقنى كل تلك الأسئلة أقول" لقدرحم الله الشهداء مرتين_ الأولى لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون والثانية لأن الله جنبهم الوقوف أمام المرايا وتأمل ندوبهم بحثاً عن ملامحهم فى العصر الأمريكى القبيح،
فى قصيدة سمير الفيل" خدوش" سنكتشف تلك المعضلة التى وجد فيها المقاتل نفسه بعد أن عاد من المعركة لينظر فى المرايا ليرى ماأحدثته الحرب من خدوش فى جسده فيصاب بخدوش أكثر إيلاماً فى جوهر روحه ووجوده_ ربما كانت تلك المرايا هى فاترينات المحلات التى انتشرت فى بلادنا إيذاناً ببدء العصر الجديد..(خدش روحي زجاج المرايا/ وصبح برتقاني اللون / بضيه يرميني ) ما الذى يفعله المقاتل غير العودة إلى عالمه الخاص بحثاً عما يرمم روحه وشعوره بالغربة ألم يقل درويش أن الذكريات هوية الغرباء ..(فــّادخل كل البنات اللي حبيتهم/ في القلب جوايا/ دي مش نهاية الوجود ../ ولا هي كمان البداية / لكنها دموع الانكسار/ لفارس بلا يقين).. جميل أن يطمئن المقاتلُ نفسه قائلاً أن ما حدث ليس نهاية الوجود وأن يدرك أيضاً أنها ليست البداية وهنا نلمح رغبة فى الإستعلاء على حالة الإنكسار لمقاتل انتصر فى المعركة لكنه أصبح بلا يقين بل أصبح متشككاً فى الوجود كله ليعطى لتلك المعضلة بعداً كونياً وفلسفياً..(الشك في بذرة الكون / وف مسامير الصلب الحديد/ الزمن هدني / " فعالٌ لما يريد "/ هل تنتظر من مزيد ؟ ).. ربما كان السؤال هنا موجه للذات .. تلك التى تكتشف فى لحظة المراجعة أن رصاصة العدو التى قتلت الشهيد كانت تقتل معه الزمن أيضا(إيد الشهيد اترفعت م الرمال/ وكان خلفه تبة / بتشهق للرصاص اللي عصف / وارتجف/ في المنتصف/ منتصف الصدر ، والأعوام !!) وربما كان السؤال موجه لنا جميعاً إذ ما الذى يمكن أن تكون عليه النتيجة سوى الشعور بالضياع طالما أننا لم نعرف الحرية على مدى تا ريخنا فقد قهرنا الأمويون كما قهرنا العباسيون..(متسلسلين من عهد أموي .. لعباسي)
مرة أخرى يجد الشاعر نفسه مشغولاً بمصيره الخاص ولكنه مايلبث أن يكتشف أنه حتى لو أصبح لديه المال الوفير فلن يعوضه هذا بأى حال عن السنين التى فقدها، فالمقاتل عاد ليصبح شاعراً فى زمرة شعراء محبطين قد ينتحرون كمداً واحتجاجاً كما فعل خليل حاوى.. أو يموتون بالقصور الذاتى لقوة وحضور موت الروح الناجم عن غياب الحرية(في زوايا الألم الصموت/ أيه تعمله بواكي البنكنوت/ لشعر أبيض/ وسواد فاحم بطعم الليل/ اتسجن / في كشف شعرا بيخافوا الرحيل/ بإرادتهم ، أو بقصورهم الذاتي).. إن الحرية هى شرط لإحساسنا باتساع ورحابة الكون ولذا فى غيابها يشعر الشاعر أن الكون أصبح لايسع حُلمه القديم..(ياكون/ يا أضيق من حلمنا القديم/ إنت غريب/ .. وضحكك مش دفا ولا كلامك حكيم /)
هنا لحظة كشف واعية ، لقد اكتشف الشاعر ما كان يخفى عليه حين كان يقاتل العدو.. إن المعركة تتحول هنا فى تاريخ المقاتل إلى قصيدة غنائية أما الدراما الحقيقية فظلت مختفية حتى عاد المقاتل وراح يتأمل جروحه التى بدت صغيرة مقارنة بجراح الروح التى صنعها عالم ينطوى على الغدر بالمقاتلين وخداعهم...( كان وجهي بيشلب دم/ خدوش من الزمان / وصاحبي زيي / الخنجر في ضهره ، ولم يهتم !)
هل يعنى سمير الفيل هنا أن كل فرد أصبح منشغلاً بجرحه الخاص لأنه مطعونُُ أيضاً من الخلف، الحقيقة أننى لم أفهم على وجه التحديد ما يعنيه الشاعر فصاحبه لابد أن يكون مقاتلاً مثله جمعتهم المعركة ، لماذا إذن لم يجمعهم الإحساس بالغدر والخديعة، ربما نستطيع نحن أن نجيب على هذا السؤال ذات يوم وعندها سنوقن أن القتال لم ينتهى بعد.( في كل خطوة/ أتحسس دروبي/ وأحاول اخفي الخدوش/ ليه البنات العذارى/ من جوه جرحي / للآن لسه ما طلوش؟؟)
********