صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 13 إلى 24 من 26

الموضوع: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي

  1. #13 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة
    سلام الله عليك
    والله الرجل هويدي يستحق كل احترام
    شكراً للأديب الأستاذ طارق شفيق حقي
    على التعليق.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #14 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    للــوطن وليس للطــــــائفة
    بقلم‏:‏ فهمـي هـويـــدي
    ............................
    لست مقتنعا بفكرة حجب الرقم الذي يمثله الأقباط في تعداد سكان مصر‏,‏ واستغربت كثيرا الحجة التي أوردها رئيس جهاز التعبئة والاحصاء في تبرير هذا الموقف‏.‏
    ‏(1)
    ‏ في الحوار الذي أجرته صحيفة‏'‏ الدستور‏'‏ مع اللواء ابو بكر الجندي رئيس الجهاز تحدث الرجل في مواضيع شتي كان من اهمها عدم الاشارة إلي عدد الاقباط المصريين في نتائج التعداد‏.‏ وحين سئل عن السبب في ذلك قال ما معناه إن الاجواء الراهنة مشبعة بالحساسية والتوجس لذلك فإن خانة الديانة كانت اختيارية في استمارات التعداد‏.‏ وبسبب تلك الاجواء فإن الجهاز حريص علي عدم إغضاب الاقباط اذا لم يعجبهم الرقم واعتبروه اقل مما يتصورون‏,‏ كما أنه حريص علي عدم اغضاب المسلمين اذا وجدوا أن الرقم اعلا مما يتوقعون‏.‏ لذلك وتجنبا لوجع الدماغ فقد صار حجب الرقم هو الخيار الافضل‏.‏
    اذا صح هذا الكلام فأزعم أن التفسير الذي قدمه رئيس الجهاز يحتاج إلي تصويب يتحري وضوحا وصراحة اكثر‏.‏ ذلك أنه لم يحدث ولم نسمع أن المسلمين أعربوا عن استيائهم أو قلقهم من كون الاقباط خمسة ملايين أو عشرة‏.‏ لكن ما يعرفه الجميع أن بعض متعصبي القبط في داخل مصر وخارجها دأبوا علي اثارة اللغط والاحتجاج بسبب نتائج تعداد السكان‏,‏ مدعين في ذلك أن السلطات المصرية تتعمد تقليل اعدادهم ومصرين علي أن الرقم الحقيقي يتجاوز الارقام الرسمية المعلنة‏.‏ لذلك فالحقيقة أن حجب عدد الاقباط في التعداد الاخير والذي سبقه اريد به مجاملتهم وتهدئة خواطرهم وتفويت الفرصة علي المجموعات المتعصبة حتي لا تعود الي اثارة الضجة حول الموضوع مرة اخري‏.‏
    في هذا الصدد فإنني أسجل ثلاث ملاحظات الأولي أنه من حيث المبدأ فإن مجاملة الاقباط ليست أمرا مستهجنا ولكنها تظل أمرا مرغوبا اذا كان مما تقتضيه المودة ويتطلبه توثيق العري وتمتين الوشائج‏.‏ من ثم فالسؤال او التحفظ لا ينصب علي مبدأ المجاملة وإنما علي مجالها وموضوعها‏.‏ ولا أكاد اجد محلا للمجاملة أو مبررا لها فيما يخص عددهم ونسبتهم بين سكان مصر‏.‏ فذلك أمر موصول بخريطة الوطن بأكثر من اتصاله بشأن الطائفة‏.‏
    الملاحظة الثانية لا تخلو من مفارقة لأننا بعدما تابعنا السجال الذي انتهي بالنص علي المواطنة في تعديل المادة الأولي في الدستـور في تكرار لمضمون المادة‏40‏ منه التي قررت المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات بعد أن قطعنا ذلك الشوط‏,‏ وجدنا أن جهاز التعبئة بحجبه لأعداد الاقباط عالج بعض نتائج التعداد علي اساس طائفي ولم يتعامل مع المعنيين بها بحسبانهم مواطنين مصريين عاديين‏.‏
    الملاحظة الثالثة لا تخلو بدورها من مفارقة لأن رئيس جهاز الاحصاء ذكر أن خانة الدين كانت اختيارية في استمارات التعداد‏,‏ في حين أن الاستمارات ذاتها تضمنت خانة لتحديد عدد الاجهزة الكهربائية لدي كل اسرة‏(‏ الثلاجة والغسالة وغيرهما‏),‏ وهو ما يعني أنه صار بوسعنا أن نعرف من التعداد عدد الثلاجات أو الغسالات لدي المصريين في حين لا نتمكن من معرفة اعداد الاقباط المصريين‏!.‏
    ‏(2)‏
    اذا اردنا أن نقطع شوطا أبعد في المصارحة وتأملنا مليا في مسألة حجب عدد الاقباط أو نسبتهم فسنجد أن هذا الموقف معيب من نواح عدة فهو يعني‏_‏ من ناحية‏_‏ أن اذاعة نتائج التعداد تخضع للحسابات والموازنات السياسية‏,‏ الامر الذي ينال من صدقية التعداد ويفقد الثقة فيه‏.‏ لأن الذي يحجب معلومة بأهمية عدد الاقباط في البلد لن يتردد في حجب أية معلومات أخري لأية اسباب سياسية أو اجتماعية تملي عليه أو يقتنع بوجاهتها‏.‏
    من ناحية ثانية فذلك يعني أن الجهات المسئولة لا تملك شجاعة اعلان الحقيقة في الموضوع‏,‏ وتتحسب لردود الافعال في الداخل والخارج بأكثر من التزامها بمقتضيات الحقيقة‏,‏ الأمر الذي يشجع الآخرين علي الضغط عليها ومحاولة ابتزازها‏.‏
    من ناحية ثالثة فإن هذا الموقف يمثل اهدارا لحق الرأي العام في المعرفة التي هي في هذه الحالة تتعلق بحقائق وتضاريس المجتمع الذي يعيشون في كنفه‏.‏ وهو مسلك يعيد الي الأذهان موقف الوصاية الأبوي من جانب السلطة التي تعتبر أن احاطتها بالأمر فيها الكفاية‏.‏ وأنه ما دامت الحكومة تعرف فإن‏'‏ الراعي‏'‏ سيقوم باللازم‏,‏ وعلي الرعية إلا تشغل بالها بالموضوع وأن تنصرف إلي امورها الحياتية‏.‏
    من ناحية رابعة فإن كتمان الرقم يفتح الباب علي مصراعيه للمبالغة من جانب او للتهوين والتبخيس من جانب آخر‏.‏ الأمر الذي يسهم في البلبلة واللغط باعتبار أن غيبة اعلان الحقيقة توفر مناخا مواتيا للترويج للمبالغات وكل صنوف الشائعات‏.‏
    من ناحية خامسة فإن هذا الموقف يعطي للمواطن المصري انطباعا مؤداه أنه محكوم عليه أن يتعامل مع ملفات الوطن الذي يعيش فيه بحسبانها اسرارا لا يجوز له أن يطلع عليها‏,‏ مما يوسع من نطاق الالغاز التي تحيطه‏.‏ فلا تغدو مقصورة علي المجال السياسي وإنما تتجاوز ذلك الي ما هو اجتماعي وثقافي‏.‏
    ‏(3)
    ‏حين اعلنت نتائج الاحصاء السكاني لعام‏1976‏ التي تبين منها أن عدد الاقباط في مصر لا يجاوز‏2‏ مليون و‏300‏ الف نسمة‏(‏ بنسبة‏6.24%)‏ احتج بعض المتعصبين في داخل مصر وخارجها‏(‏ في الولايات المتحدة خاصة‏)‏ وأثير الموضوع في مجلس الشعب‏.‏ وأسفر الأمر عن تشكيل لجنة لتقصي حقائق الموضوع برئاسة وكيل المجلس السيد محمد رشوان ضمت اثنين من المسلمين واثنين من الاقباط وتلقت اللجنة مذكرة بهذا الخصوص من اللواء جمال عسكر رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وقتذاك‏.‏ وقد استعرض مضمون تلك المذكرة المستشار طارق البشري في كتابه المهم الذي صدر عن دار الهلال سنة‏2005‏ تحت عنوان‏'‏ الجماعة الوطنية‏-‏ العزلة والاندماج‏'.‏
    حتي يزيل الشكوك المثارة فإن اللواء عسكر قدم للجنة تقصي الحقائق بيانا بالموظفين والمسئولين الاقباط الذين اشتركوا في كل مراحل التعداد من التحضير إلي التنفيذ والمراجعة ثم وضع امام اعضائها الحقائق التالية‏:‏
    أن جميع التعدادات التي اجريت منذ الاحصاء الأول في سنة‏1897‏ وحتي سنة‏1947(‏ معروف أن التعداد يتم كل عشر سنوات‏)‏ أشرف عليها خبراء انجليز وفرنسيون‏.‏ فمدير الإحصاء في عام‏1907‏ كان فرنسيا‏,‏ ومدير الاحصاء في‏1917‏ كان انجليزيا‏.(‏ اسمه مستر كريج‏)_‏ وهو الذي اشرف علي تعدادي‏1927‏ و‏1937.‏ ورئيس الاحصاء آنذاك كان حنين بك حنين وهو قبطي مصري‏,‏ واهمية هذه الخلفية تكمن في انها تستبعد تماما شبهة التلاعب في النتائج التي حددت نسب المسلمين والمسيحيين في مصر‏.‏ وهي النسب التي ظلت مستقرة وشبه ثابتة طوال الأعوام الثمانين السابقة‏(‏ لا تنس أن لجنة تقصي الحقائق التي بحثت الموضوع تشكلت في سنة‏1980).‏
    إن نسبة الاقباط في التعداد الأول كانت‏6.3%‏ والثاني‏(‏ في‏1907)‏ كانت‏6.4%‏ غير أن هذه النسبة ارتفعت ابتداء من تعداد‏1917‏ حيث وصلت الي‏8.1%‏ وظل الوضع مستقرا في تعداد‏1937‏ الذي قدرت فيه نسبتهم بـ‏8.2%‏ لكنها تراجعت قليلا في تعداد عام‏47‏ فوصلت إلي‏7.9%.‏ هذه الزيادة التي طرأت علي نسبة المسيحيين ابتداء من عام‏1917‏ لم يكن سببها ارتفاعا مفاجئا في اعداد الاقباط المصريين وانما كانت نتيجة لإدخال افراد جيش الاحتلال البريطاني وعائلاتهم في التعداد إلي جانب آخرين من الاجانب الأرمن واليونانيين الذين تمصروا بعد إلغاء الحماية علي مصر و إلغاء المحاكم المختلطة في عام‏,1922‏ وفضلا عن هؤلاء وهؤلاء فإن ظروف الحرب العالمية الاولي‏(1914‏ ـ‏1919)‏ دفعت اعداد من الاجانب الي الهجرة إلي مصر الامر الذي كان له دوره في زيادة نسبة المسيحيين‏.‏
    بسبب العدوان الثلاثي علي مصر عام‏56‏ تعذر اجراء التعداد في موعده المقرر لكنه أجري في سنة‏60‏ وتبين منه أن نسبة المسيحيين بدأت في التراجع التدريجي حتي وصلت إلي‏7.3%.‏ وكان ذلك أمرا طبيعيا بعد رحيل القوات البريطانية ونزوح اعداد من الاجانب والمتمصرين بعد ثورة‏52‏ وعقب العدوان الثلاثي في عام‏56.‏
    في التعداد التجريبي الذي أجري عام‏66‏ هبطت نسبة المسيحيين إلي‏6.7%‏ وهي النسبة التي تأثرت باستمرار نزوح الاجانب خصوصا بعد التأميمات التي تمت في سنة‏1961.‏ واحدثت الهجرة المسيحية شبه المنظمة بعد حرب‏67‏ للاستيطان في الولايات المتحدة وكندا الي تراجع آخر في اعداد المسيحيين حتي وصلت نسبتهم في تعداد عام‏76‏ إلي‏6.24%‏ وهي النسبة التي استقرت منذ ذلك الحين واثارت احتجاج بعض المتعصبين كما سبق وبينا‏.‏
    في تعداد عام‏86‏ وصلت نسبة المسيحيين إلي‏5.87%‏ وقدر عددهم في احصاء ذلك العام بمليونين و‏830‏ الف نسمة‏.‏ وفي احصاء‏96‏ الذي حجبت فيه اعداد الاقباط لأول مرة ظلت النسبة تدور حول‏6%‏ طبقا للتسريبات التي خرجت وقتذاك‏.‏ أما احصاء‏2006‏ الذي نحن بصدده فلم تعرف نتائجه فيما يخص الاقباط وإن كان الخبراء يرون أن نسبتهم لم تتغير كثيرا وأنها ستظل تدور حول نسبة‏6%‏ صعودا أو هبوطا حيث يقدر الخبراء أن الاقباط يزيدون بمعدل‏50‏ الف نسمة سنويا‏.‏
    ‏(4)
    ‏بقيت عندي كلمتان‏:‏ الأولي أن حق الكرامة للمواطنين يرتبط بصفتهم تلك ولا علاقة له باعدادهم أو اوزانهم فضلا عن معتقداتهم هو حق انساني في الاساس‏_(‏ هل يحتمل منا البعض أن نقول إنه حق شرعي ايضا تقرره الآية ولقد كرمنا بني آدم‏..)‏ فما هو مكفول للمائه أو للمليون شخص لن يتضاعف اذا كان العدد خمسة ملايين أو عشرة وانما لهؤلاء ما أولئك من الحقوق والضمانات‏.‏
    الكلمة الثانية أن مظلة الوطن حين تضيق عن استيعاب مختلف اطياف الجماعة الوطنية‏,‏ فإن ذلك يفتح الباب واسعا للإفلات منها والاحتماء بمظلة الطائفة أو القبيلة أو الجماعة أو غير ذلك من التكوينات الفئوية‏.‏ والوعي بهذه الحقيقة ينبهنا إلي اهمية تصويب المسار بحيث تتضافر جهود المخلصين من أجل السعي لتوسيع مظلة الوطن لتحقق دورها في الاستيعاب وتكريس تماسك الجماعة الوطنية‏.‏ وذلك لا يتأتي إلا من خلال الإلحاح علي اطلاق الحريات العامـة والتشبث باقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية توفر للجميع بلا استثناء حقوق المشاركة والمساءلة وتداول السلطة‏.‏
    حيث ازعم أن ذلك وحده يمثل طوق النجاة الذي ينبغي أن نتعلق به ليس فقط لضمان استمرار تماسك الجماعة الوطنية وقطع الطريق علي محاولات العبث بمفاصلها‏,‏ ولكن ايضا لضمان حقوق المواطنة لكل مكونات تلك الجماعة حتي لا تضطر أي منها إلي محاولة الالتفاف أو الاستقواء بأحد لتحصيل تلك الحقوق‏.‏
    .................................................. ...
    *الأهرام ـ في 24/4/2007
    رد مع اقتباس  
     

  3. #15 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    هكذا تكلم رئيس الوزراء الفلسطيني‏(1)‏

    بقلم: فهمـي هـويـــدي
    .........................

    علي الهاتف قال لي رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية ان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اصبح اكثر صعوبة بعد فشل العدوان الاسرائيلي علي لبنان‏,‏ حيث جاء الرد أمريكيا في فلسطين‏,‏ وتمثل في اشهار الفيتو ضد الحكومة المنشودة‏,‏ متضمنا إصرارا علي إفشال محاولات تشكيلها‏,‏ وإذا استغربت ما سمعت‏,‏ فقد أجلت ما أعددته من أسئلة‏,‏ ورجوته أن يشرح ملابسات هذا التطور‏,‏ وعند ذاك روي القصة علي النحو التالي‏:‏
    ‏(1)‏
    حتى نصف ساعة قبل سفرة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلي عمان في طريقه إلي الولايات المتحدة‏ (يوم 18/‏9)‏ كان التفاؤل كبيرا بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية‏,‏ التي تشترك فيها جميع الفصائل الفلسطينية‏,‏ كان الحوار قد قطع شوطا بعيدا‏,‏ تم خلاله تجاوز عقبات وخلافات كثيرة‏,‏ خصوصا بين حركتي حماس وفتح‏,‏ وهذا الشوط البعيد تم إنجازه بعد الاتفاق علي إطار ومضمون البرنامج السياسي للحكومة‏,‏ وهو البرنامج الذي استند في مرجعيته إلي وثيقة الأسري التي أعلنت في شهر مايو الماضي‏,‏ وتمسك بها الرئيس أبو مازن وقتذاك‏,‏ إلي الحد الذي دفعه إلي مطالبة حماس بالموافقة عليها خلال أجل معين‏,‏ وهدد باللجوء إلي الاستفتاء الشعبي عليها إذا ما رفضتها الحركة‏.‏ تجاوبت حماس مع مطلب أبو مازن‏,‏ وأجرت حوارا داخليا بين قياداتها وحوارا موازيا مع الفصائل الأخرى‏,‏ للتفاهم وخلال ثلاثة أسابيع تم التوافق بين الجميع علي برنامج تم استخلاصه من وثيقة الأسري‏,‏ أطلق عليه منذ ذلك الحين اسم وثيقة الوفاق الوطني‏.‏
    أضاف الأستاذ أبو العبد ‏(هذه كنيته التي ينادي بها في مخيم الشاطئ الذي لا يزال يعيش فيه‏,‏ وهي مشتقة من اسم ابنه البكر عبد السلام‏),‏ إن الذي لا يلحظه كثيرون‏,‏ ويتجاهله البعض أن حماس مارست مرونة شديدة خلال تلك الحوارات‏,‏ الأمر الذي حقق لها أمرين‏,‏ أولهما أنها طورت رؤيتها السياسية لبعض المواقف‏,‏ وثانيهما أن تلك المرونة ساعدتها علي التلاقي مع الآخرين‏,‏ ومن ثم التوصل إلي وثيقة الوفاق‏.‏
    استأذنت في مقاطعته وقلت‏:‏ الأمر الثاني فهمناه لكن الأول يطرح السؤال كيف طورت حماس رؤيتها؟
    قال‏:‏ من خلال الممارسة وجدنا أننا لانستطيع ان نقترب من الفصائل الأخري في الساحة الفلسطينية من خلال صياغات ومصطلحات تحقق التلاقي المنشود بما لايتعارض مع استراتيجية الحركة ومبادئها‏,‏ آية ذلك مثلا أننا نتحدث الآن عن احترام الشرعية الدولية والاتفاقات التي عقدتها المنظمة والسلطة‏,‏ وعن إقامة الدولة علي الأراضي المحتلة منذ عام ‏67,‏ ولا نشترط سوي ألا يؤدي ذلك إلي الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني‏,‏ والذين يتابعون حماس يدركون أكثر من غيرهم أن هذه اللغة تمثل تطورا مهما في خطاب الحركة‏.‏
    قلت‏:‏ كيف تعاملتم مع المبادرة العربية التي أطلقتها قمة بيروت؟
    قال‏:‏ يجب أن تلاحظ أولا ان المبادرة تقوم إلي الاعتراف باسرائيل‏,‏ وثانيا ان اسرائيل رفضتها والولايات المتحدة استخفت بها‏,‏ أما الاتحاد الأوروبي فلم يعد مكترثا بها‏,‏ مع ذلك فلأن موقفنا الأساسي ملتزم برفض الاعتراف بإسرائيل التي مازالت تحتل أرضنا‏,‏ ولا نعرف لها حدودا‏,‏ ولأننا لا نريد أن نصطدم مع أي جهد عربي آخر‏,‏ فإننا فضلنا استخدام مصطلح الشرعية العربية الذي تحدثت عنه وثيقة الأسري‏.‏ إذا قبلنا به معلقا علي الشرط الأساسي المتمثل في عدم التعارض مع المصالح الفلسطينية‏,‏ وهذا المصطلح يتسع لموقفينا‏,‏ بحيث تأخذ منه رئاسة السلطة والأشقاء العرب ما يريدون‏,‏ في حين يسمح لنا بأن نتعاطى معه دون أن نتنازل عن موقفنا الأساسي‏.‏
    ‏(2)‏
    بعد فاصل المقاطعة‏,‏ واصل السيد إسماعيل هنية روايته لما جري قبل وبعد سفر أبو مازن إلي نيويورك قائلا إن التوصل إلي وثيقة الوفاق التي جمعت الفرقاء علي برنامج سياسي واحد‏,‏ فتح الباب واسعا للانتقال إلي طور تشكيل حكومة الوحدة الوطنية‏,‏ داخل لجنة المتابعة الوطنية‏,‏ نوقشت ضوابط ومحددات الحكومة الجديدة‏,‏ وبعد التوصل إلي اتفاق حول الضوابط والمحددات‏,‏ قامت قيادة حماس في غزة بعرضها علي بقية القيادات في الضفة والسجون‏,‏ وفي الخارج‏,‏ فأقرته وسجلت عليه ثلاث ملاحظات‏,‏ حملها أبو العبد إلي الرئيس أبو مازن قبل سفره بنصف ساعة‏.‏ وقد قبل أبو مازن اثنتين منها‏,‏ لكنه توقف عند التحفظ علي ذكر المبادرة العربية‏,‏ التي لم تتحدث عنها وثيقة الوفاق الوطني‏,‏ وقال إن ذلك البند من الصعب تعديله‏,‏ ولضيق الوقت فإنه اتفق علي أن يظل باب مناقشته مفتوحا‏,‏ إلي أن يعود الرئيس الفلسطيني من نيويورك‏,‏ وبناء علي ذلك فقد تم تأجيل إجراءات تشكيل الحكومة حتى يتم الاتفاق حول هذه النقطة‏.‏
    بعد سفر أبو مازن حدثت مفاجأتان‏,‏ الأولي أن بعض قيادات فتح سارعوا إلي إبلاغ وسائل الإعلام بأن مشاورات تشكيل الحكومة جمدت‏,‏ وادعوا أن حماس تراجعت عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه‏,‏ وكانت تلك التصريحات مفتقدة إلي البراءة وحسن النية‏,‏ لأن من تراجع حقا هو من أراد أن يضع مصلح المبادرة بديلا عن الشرعية العربية بالمخالفة لما اتفق عليه في وثيقة الوفاق‏.‏
    المفاجأة الثانية كانت بمثابة صدمة فاجأت الجميع‏,‏ بمن فيهم بعض عناصر فتح ذاتها‏,‏ ذلك أن الرئيس أبو مازن في خطابه أمام الأمم المتحدة يوم 21/‏9‏ أعلن أن أية حكومة فلسطينية قادمة سوف تعترف بإسرائيل‏,‏ وهو الأمر الذي لم تتطرق إليه لا وثيقة الأسري ولا وثيقة الوفاق‏.‏‏
    (‏ للعلم‏:‏ ذكرت صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في‏10/10‏ الحالي أن أحد أجنحة كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح وزع بيانا اتهم فيه القيادات الداعية للاعتراف بإسرائيل بالخيانة والتآمر علي الشعب الفلسطيني‏).‏
    ‏(3)‏
    ما سر هذا التحول؟ في رده علي السؤال قال السيد إسماعيل هنية أن وراءه عاملين رئيسيين‏,‏ أولهما أن بين قيادات فتح من لا يريد أي اتفاق مع حماس‏,‏ وثانيهما ما نشرته وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية عن وصول مبعوث أمريكي خاص إلي المنطقة قبل سفر أبو مازن إلي نيويورك‏,‏ وتنقله بين بعض دوله التي كانت إسرائيل من بينها‏,‏ وفي الاجتماعات التي عقدها‏,‏ كانت الرسالة التي نقلت إلي الجميع خاصة بالشأن الفلسطيني في تلك الاجتماعات تتضمن ثلاثة مطالب أساسية‏,‏ أولها وقف خطوات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية‏,‏ وثانيها صرف النظر عن وثيقة الوفاق الوطني‏,‏ وثالثها ضرورة التزام أي تعامل مع ملف الأزمة الفلسطينية بموقف الرباعية الدولية‏.‏
    إزاء ذلك‏,‏ فلا تفسير لهذا النكوص في موقف رئيس السلطة سوي أنه من قبيل الانحياز إلي رأي خصوم حماس‏,‏ والاستجابة للضغوط الأمريكية‏,‏ التي مورست محاطة بوعود لوحت بإغراءات استئناف المساعدات المالية‏,‏ وإحياء مسيرة السلام‏,‏ وإعادة الحديث عن خريطة الطريق‏,‏ وغير ذلك من الوعود البراقة التي أطلقت باعتبارها مكافأة لرئاسة السلطة‏,‏ إذا ما نجحت عملية إقصاء حركة حماس وإخراجها من الحكم‏,‏ وهو الإقصاء الذي التقت عليها الحسابات الأمريكية مع المصالح الإسرائيلية مع تطلعات قيادات فتح المذكورة‏.‏
    سألت السيد إسماعيل هنية‏:‏ هل هذا تطور جديد في الموقف الأمريكي والمعسكر المحيط به؟ قال‏:‏ هو تطور في الدرجة وليس في النوع فالولايات المتحدة هي التي قادت حملة حصار الفلسطينيين‏,‏ ومعاقبتهم علي التصويت لحماس‏,‏ من خلال وقف المساعدات المالية ومقاطعة الحكومة بالكامل‏,‏ وأرادت واشنطن بالتعاون مع إسرائيل وبتأييد وتشجيع بعض العناصر النافذة في الداخل إسقاط الحكومة من خلال الحصار والتجويع‏,‏ وهذه المساعي تحولت إلي مطلب صريح بتأثير عاملين هما‏:‏ صمود الحكومة والمجتمع الفلسطيني لستة أشهر‏,‏ في حين أنهم راهنوا علي إسقاطها خلال شهرين أو ثلاثة ـ العامل الثاني تمثل في فشل مخطط العدوان الإسرائيلي علي لبنان‏,‏ وخروج حزب الله مرفوع الرأس من المعركة‏,‏ وهو ما أزعج الأطراف الأخرى للغاية‏,‏ التي لم تحتمل نجاحا لحزب الله هناك‏,‏ ولم تتصور إمكانية نجاح حركة حماس في تشكيل الوحدة الوطنية‏,‏ الأمر الذي يثبت أقدامها‏,‏ ويطيل من عمرها‏,‏ وهو ما يكرس الانطباع عن فشل سياسة الإدارة الأمريكية‏,‏ التي تلاحقها الخيبة في العراق وأفغانستان‏.‏ وتلك فضيحة تريد الإدارة الأمريكية سترها بأي إنجاز يحسن صورتها‏.‏
    أضاف أبو العبد قائلا إن الذين اعتبروا وثيقة الأسرى يوما ما طوق النجاة من المأزق‏,‏ وعبأوا الساحة الفلسطينية لصالحها وهددوا باللجوء إلي الاستفتاء الشعبي لتمريرها‏,‏ هؤلاء تجاهلوها بعدما أيدتها حماس‏.‏ وللتستر علي الفيتو الأمريكي في مواجهة الرأي العام الفلسطيني فإنهم أصبحوا يتعللون الآن بأنهم لم يستطيعوا تسويقها دوليا لفك الحصار‏,‏ وصاروا يخوفون الناس منها بدعوي أن تفعيلها من شأنه أن يعرض القطاع لاجتياح مدمر مماثل للعدوان علي لبنان‏.‏
    ‏(4)‏
    ما هي المخارج المطروحة للأزمة؟
    حين ألقيت السؤال علي مسامع السيد إسماعيل هنية فإنه رد بسرعة قائلا إن الإجابة متوقفة علي ما إذا كنا نسعى لإقامة حكومة يريدها الشعب الفلسطيني أم حكومة تريدها الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وإذا ما وقع الاختيار علي الثانية‏,‏ فلا مجال لمناقشة الموضوع‏,‏ وليتحمل كل طرف مسئولية اختياره والنتائج المترتبة عليه‏,‏ أما إذا أردنا حكومة تمثل الشعب الفلسطيني‏,‏ فان الصيغة التي توصلنا إليها بخصوص برنامج الوحدة الوطنية‏,‏ تمثل اسلم الخيارات وأنجحها للخروج من الأزمة‏.‏
    س‏:‏ ما رأيك فيما يتردد عن تشكيل حكومة طوارئ أو بديل إجراء انتخابات مبكرة؟
    ج‏:‏ أي حكومة أخري تكلف في الوقت الراهن سيكون عمرها قصيرا‏,‏ لأنها ستحتاج إلي تأييد المجلس التشريعي‏,‏ الذي تتمتع حماس بالأغلبية فيه‏,‏ ولذلك سيصبح سقوطها مؤكدا‏,‏ لأنها لن تنال ثقة المجلس‏,‏ أما إجراء انتخابات جديدة‏,‏ فرغم صعوبة قبول هذه الفكرة من الناحية السياسية‏,‏ بعدما مرت البلاد بتجربة انتخابات نزيهة تمت قبل ستة أشهر‏,‏ وإضافة إلي أن مثل هذه العملية تتطلب إعدادا يستغرق شهرين‏,‏ وهي مدة لا يحتملها الوضع المتأزم الراهن‏,‏ فان إجراء هذه الانتخابات سيظل مغامرة غير مضمونة النتائج بالنسبة لحركة فتح‏,‏ التي لابد أن يكون واردا احتمال خسارتها للمرة الثانية‏,‏ كما أن إجراء هذه الانتخابات قد يفجر الوضع من الداخل علي نحو لا يعرف تداعياته أحد‏,‏ الأمر الذي يعني أن محاولة الخروج من الأزمة قد أفضت إلي كارثة‏,‏ وفي كل الأحوال فان مثل ذلك الانفجار إذا وقع سيكون إيذانا بنهاية السلطة الفلسطينية‏,‏ ذاتها‏,‏ والله وحده يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك‏.‏
    في الأسبوع المقبل يواصل رئيس الوزراء الفلسطيني روايته لما جري في غزة والضفة الغربية‏.‏
    ............................
    *الأهرام ـ في 17/10/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  4. #16 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    غزة : شق الصراع الغاطس

    بقلم: فهمي هويدي
    ..................

    هذه أربع لقطات مختلفة المصادر توفر لنا بعض المفاتيح التي تساعدنا على فهم خلفيات الصراع الحاصل في الأرض المحتلة. ففي الأسبوع الماضي تناقلت وكالات الأنباء تقريرا مثيرا حول الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة لتعزيز الحرس الرئاسي الفلسطيني (في الوقت الذي تمارس فيه واشنطون ضغوطا اخرى قوية لإحكام الحصار حول الشعب الفلسطيني وتجويعه). أشار التقرير الى ان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ناقشت مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء اجتماعهما الأحد في رام الله ضرورة تحسين مستوى القوات الأمنية التابعة للرئاسة، التي تتلقى في الوقت الراهن تدريبات أمريكية، ومعدات أوروبية، وأسلحة مصرية وأردنية. كما تحدث عن انه بعد فوز حركة حماس فى الانتخابات التي تمت في شهر يناير/كانون الثانى الماضى. ارتفع عدد أفراد الحرس الرئاسى من 2500 عنصر الى ما بين 3500 و4000. وتهدف الخطة الامريكية الموضوعة الى زيادة حجم تلك القوات بحيث تضم 6000 عنصر. وقد عرضت الولايات المتحدة 20 مليون دولار لتمويل التوسع فى العدد ورفع كفاءة القوات، بحيث تقدم واشنطون نصف المبلغ، في حين يغطي النصف الآخر أصدقاء الولايات المتحدة في اوروبا والعالم العربي.
    (حسب التقرير فعملية التعزيز جارية الآن على قدم وساق، حيث يجرى الآن بناء معسكر للتدريب خلف أسوار أريحا في الضفة الغربية على مساحة تقدر بحوالي 16 فدانا من المقرر الانتهاء منه بحلول يناير/كانون الثاني القادم، وهناك اتجاه لإقامة معسكر آخر في غزة. لكن عملية التدريب وتعزيز الحرس الرئاسي بالسلاح لم تنتظر بناء العسكريين. لان الامريكيين يتولون عملية تدريب تلك القوات منذ بداية صيف هذا العام في معسكر مقام حاليا بجوار اريحا على مساحة 1,2 فدان كما ذكر التقرير، الذي اشار الى ان الولايات المتحدة «تفاهمت» مع السلطات الاسرائيلية بشأن السماح لقوات الحرس الرئاسي بتلقي أسلحة وذخائر جديدة من مصر والأردن.
    من الملاحظات اللافتة للانتباه التى أوردها التقرير، أن الدبلوماسيين الغربيين في الأرض المحتلة ذكروا ان كل تلك الخطوات محاطة بدرجة عالية من الكتمان، وان التدريبات التي يباشرها الخبراء الأمريكيون وشحنات الأسلحة التي تأتي من الاردن ومصر، وتمررها إسرائيل إلى الحرس الرئاسي، هذه الخطوات كلها يجري التعتيم عليها، لتفادي إحراج رئيس السلطة أمام الرأي العام الفلسطيني.
    (اللقطة الثانية من النسخة العربية لموقع صحيفة «هآرتس» فى الاول من شهر اكتوبر/تشرين الحالي، حيث نقلت عن المصادر الإسرائيلية قولها إن الادارة الامريكية تعتزم القيام بسلسلة من «الخطوات الإبداعية» من اجل تعزيز مكانة الرئيس محمود عباس وإضعاف حركة حماس وحكومته، باعتبار أن ذلك يحقق مصلحة استراتيجية أمريكية في الطراز الاول. وقالت تلك المصادر ان تلك الخطوات ابلغتها واشنطون للحكومة الاسرائيلية لتكون تفصيلاتها موضع مناقشة اثناء زيارة وزيرة الخارجية الامريكية لتل أبيب، تمهيدا لحسم الأمر تماما، خلال الزيارة التي يفترض أن يقوم بها رئيس الوزراء الاسرائيلي لواشنطون في الشهر القادم. وطبقا لما ذكره موقع صحيفة هآرتس، فان الادارة الامريكية ترغب في تسوية للصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، لكن بسبب ضعف موقف حكومة اولمرت بعد فشل العدوان على لبنان، الى جانب عدم قدرة الادارة الامريكية على ممارسة اي ضغط على تل ابيب بسبب قرب الانتخابات الجزئية للكونجرس وعدم رغبة الرئيس بوش في إغضاب جماعات الضغط اليهودية، الى جانب تولى حركة حماس الحكم في مناطق السلطة السلطة الفلسطينية، فإن كل هذه العوامل تجعل من المستحيل إجراء مفاوضات جدية للتوصل الى تسوية سياسة للقضية الفلسطينية. وحسب المصادر الاسرائيلية فان الخطة الامريكية «الابداعية» لتعزيز عباس واضعاف حركة حماس وحكومتها تتضمن الاجراءات التالية:
    (استئناف ضخ المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية عن طريق ديوان ابو مازن، مع حرص الإدارة وجميع الجهات الممولة على التأكيد للجمهور الفلسطينى انه لا يوجد لحركة حماس أو حكومتها أى دور فى وصول هذه المساعدات وهو ما يعنى ايجاد آليات خاصة لتحويل وصرف أموال المساعدات، بحيث لا يكون لوزارات الحكومة الفلسطينية أي دور في استقبال وتوزيع وصرف هذه الأموال.
    دعم وتعزيز الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تعمل تحت إمرة الرئيس عباس لاسيما جهاز حرس الرئاسة المعروف بـ«القوة 17»، والذي يخضع مباشرة لسيطرة عباس، في نفس الوقت يتم حرمان جهاز القوة التنفيذية الذي أنشأه وزير الداخلية الفلسطينية بعد تشكيل الحكومة الحالية من هذه المساعدات، مع العلم أن جهاز القوة التنفيذية هم من العناصر السابقين في الأذرع العسكرية لحركات المقاومة الفلسطينية، سيما «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة حماس. ويذكر أن الإدارة الأمريكية أقنعت الدول المانحة بأن يحصل منتسبو الأجهزة الأمنية على أعلى الرواتب بغض النظر عن الشهادات الأكاديمية التي يحصلون عليها. وقد فسر الاصرار الأمريكي في حينه على ان رغبة أمريكية في تكريس الطابع الأمني لعمل السلطة والمتمثل في مواجهة حركات المقاومة.
    (تطبيق خطة «دايتون» التي تقوم على اعادة فتح المعابر الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل، بحيث يتم تطبيق نفس آليات العمل المتبعة في معبر رفح الحدودي الذي يصل قطاع غزة بمصر، بحيث يتمركز في هذه المعابر مراقبون دوليون، بالإضافة إلى عناصر من جهاز «حرس الرئاسة» التابع لأبو مازن.
    (اللقطة الثالثة أوردتها القناة العاشرة للتليفزيون الاسرائيلى، التي بثت مساء يوم 3/10 الحالي حوارا مع وزير البنى التحتية وأحد ابرز قادة حزب العمل بنيامين اليعازر، علق فيه على المواجهات الحاصلة في غزة بين حركتي فتح وحماس، قائلا: إنني أصلي من اجل ان تنتصر حركة فتح في هذه المواجهة، لأنه من المهم جدا لاسرائيل ان تخرج حركة حماس خاسرة بشكل واضح. وأضاف الرجل الذي سبق أن تولى منصب وزير الحرب قائلا: انه يتوجب على اسرائيل ان تمد يد العون لحركة فتح ولابو مازن، الذي يتزعم معسكر الاعتدال في الساحة الفلسطينية. واعتبر ان المواجهات الحالية يمكن ان توفر فرصة لتجاوز نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وإيجاد قيادة أخرى يمكن أن تشكل عنوانا مناسبا لاسرائيل. \ هذا الموقف عبر عنه بكلمات اخرى شمعون بيريز القائم بأعمال رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي قال في اتصال هاتفي اجرته معه الاذاعة الاسرائيلية العامة صبيحة يوم 4/10 ان الاخبار الواردة من الضفة الغربية وقطاع غزة «تبعث على الارتياح، لأنها تدل على أن معسكر الاعتدال الفلسطيني حي ويتنفس».
    اللقطة الرابعة فى الصحافة الاسرائيلية فقد نشرت صحيف هآرتس في 4/10 مقالة مهمة لمراسلتها في الضفة الغربية وقطاع غزة عميرة هاس، شددت فيها على أن هناك تحالفا بين اسرائيل وبين المسئولين عن تنظيم الاحتجاجات على حكومة حماس. وقالت إن كلا من اسرائيل ومنظمي عمليات الاحتجاج لهم هدف واحد هو: إزاحة حركة حماس عن الحكم، لأن ذلك من شأنه ان يسمح باستنئاف المفاوضات المضللة مع السلطة والتي توظفها اسرائيل في التغطية على عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية الى جانب عمليات القمع. وشددت هاس على انه مقابل ذلك يقوم العالم بدفع الأموال للشعب الفلسطيني لكي يغض الطرف عن ممارسات اسرائيل. وأكدت ان اسرائيل هي المسؤولة عن الأزمة المالية الخانقة في السلطة وليس حكومة حماس، التي تقوم بفرض الاغلاقات والحصار وتسجن مئات الآلاف من الفلسطينيين في زنزانة كبيرة، إلى جانب سرقة أموال السلطة التى تجبيها لصالحها كضرائب على البضائع التي تستورد لمناطق السلطة. وحذرت هاس الحكومة الاسرائيلية من مغبة الرهانات الخاسرة، مشددة على أنه بدون موافقة اسرائيل على اقامة دولة فلسطينية مستقلة فإنه لا يوجد امكانية ان يسود الهدوء في المنطقة.
    (من ناحية ثانية قال الصحافي روني شاكيد فى صحيفة «يديعوت احرونوت» ان ابو مازن يريد ان يفهم قادة حماس الآن بأنه من الأفضل لهم الموافقة على انتخابات عامة جديدة أو الاعلان عن وضع طوارئ واقامة حكومة مؤقتة حتى موعد الانتخابات القادمة بعد ثلاث سنوات، وهو الذي وظف عمليات العنف الاخيرة من اجل اقناع حماس بالتنازل عن الحكم، وخلص إلى القول بأن احراق مكاتب «حماس» واحراق مكاتب الحكومة، ومحاولات اغتيال وزراء ومسئولين كبار، والإضراب العام وتهديد حياة زعماء «حماس» هي ليست مجرد معارك شوارع، بل تمرد وانقلاب. ودعا شاكيد الحكومة الاسرائلية الى الحذر في تدخلها في الشأن الفلسطيني، مشيرا الى ان «التدخل الاسرائيلي لصالح أبو مازن يجب ان يكون حكيما وناجحا» ومنبها الى ان «أي عمل عسكري شاذ في غزة سيوحد الفلسطينيين ضد اسرائيل ويعزز موقف حماس». كثيرة هي المعاني التي تتداعى الى ذهن المرء وهو يستعرض هذه اللقطات لعل أبرزها ان الصراع الحاصل في غزة والضفة ليس بين فتح وحماس كما تشير الأنباء، وليس فقط بين أطراف في السلطة مصرة على استعادة مكانتها ومستعدة في سبيل ذلك لتحدي ارادة الشعب الفلسطيني الذي أوصلت حكومة حماس الى السلطة. ولكن شقا غامضا تقوم فيه الولايات المتحدة واسرائيل بدور المحرك والراعي والداعم المباشر وغير المباشر، وهدفه ليس اسقاط حكومة حماس، ولكن هدفه الحقيقي هو توفير فرصة مواتية لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
    .............................
    *الشرق الأوسط ـ في 11/10/2006م
    رد مع اقتباس  
     

  5. #17 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    اللامعقول في بر مصر‏(1)‏

    بقلم: فهمـي هـويـــدي
    ..........................

    بعض الذي يحدث في مصر هذه الأيام من الفداحة بحيث يصعب تصديقه‏,‏ حتي يستحي المرء أن يتحدث عنه‏,‏ لأنه كاشف علي نحو معيب‏,‏ يكاد يعيد إلي الأذهان عصر ما قبل الدولة المركزية في الزمن السومري‏.‏
    ‏(1)‏
    لست في وارد الحديث عن شيء من الأحلام الكبيرة‏,‏ التي تلوكها أفواه الناشطين وتتصدر عناوين الصحف وبرامج الأحزاب‏,‏ ليس فقط لأننا أدركنا من خبرة السنين أن تلك الأحلام باتت مؤجلة إلي زمن لا يعلمه إلا الله‏,‏ ولكن أيضا لأن بين أحلامنا الصغيرة الكثير الذي لم يتحقق بعد‏.‏ ما أعنيه علي وجه الدقة هو تلك المتطلبات البسيطة‏,‏ التي تعد من قبيل المعلوم بالضرورة في مقومات استمرار حياة أغلب الكائنات‏,‏ سواء التي تمشي علي رجلين أو تلك التي تمشي علي أربع‏.‏
    من يصدق مثلا أن التخلص من القمامة لايزال مشكلة مستعصية علي الحل في مصر؟ ومن يصدق أن عاصمة أم الدنيا اصبحت عاصمة القذارة في العالم‏,‏ كما وصفها رئيس تحرير احدي الصحف القومية؟ وهل يعقل أن يبلغ بنا العجز حد فقدان الثقة في إمكانية حل المشكلة في مصر‏,‏ بما يقتضي الاستعانة في ذلك بالخبرة الأجنبية؟
    لقد صرفت بعض الوقت في تحري الأمر‏,‏ فعلمت أن الشركة الأسبانية تعاقدت علي إزالة القمامة من القاهرة والجيزة مقابل مبلغ يصل إلي حوالي‏160‏ مليون جنيه سنويا‏,‏ وبعد أن جاءت بمعداتها وبدأت العمل من خلال ثلاث شركات اقامتها‏,‏ فإن أجهزة الإدارة المحلية لم تجد تمويلا يمكنها من سداد التزاماتها المالية‏,‏ الأمر أدي إلي تراكم مديونيتها التي وصلت‏300‏ مليون جنيه لصالح الأسبان‏.‏ وحين حاولت حل مشكلة التمويل عن طريق إضافة رسم للنظافة علي فواتير الكهرباء‏,‏ فإن الناس رفضوا دفع الرسوم‏,‏ وأيدت المحكمة الإدارية العليا موقفهم‏,‏ استنادا إلي عدم أحقية الإدارة المحلية في فرض أي رسوم دون سند من القانون‏.‏ وحين استحكمت الأزمة توقفت شركات النظافة عن العمل أو قصرت فيه‏,‏ ووصل الأمر إلي القضاء الذي فرض غرامات علي الإدارة المحلية‏,‏ لكنها جاءت متواضعة إلي الحد الذي لم يكن كافيا لاستئناف شركات النظافة لعملها‏.‏ وفي حين بقي الموضوع معلقا‏,‏ فإن المشهد العبثي ظل قائما‏,‏ وأصبحت ضمن مشكلات الساعة العصية علي الحل‏!‏
    ‏(2)‏
    هل يعقل أن يصبح كوب المياه النظيفة مطلبا عزيز المنال؟ هذا سؤال آخر موجع‏,‏ طفا علي السطح في الأونة الأخيرة‏,‏ بعدما انفجرت قضية تلوث المياه في محافظة الدقهلية بدلتا مصر‏,‏ الأمر الذي أدي إلي وفاة فتاتين‏,‏ وتسميم أكثر من‏180‏ شخصا‏,‏ أودعوا المستشفيات‏.‏ وبعدما وقعت الواقعة‏,‏ انفتح ملف المياه الملوثة في مصر كلها‏,‏ وتنافست الصحف المصرية في متابعة ملفات القضية‏,‏ الأمر الذي كشف عن مجموعة من المعلومات المثيرة والمدهشة‏,‏ التي بينت أن شواهد الكارثة كانت ظاهرة للعيان ومعلومة للجهات المعنية منذ عدة سنوات لكن احدا لم يهتم بها‏.‏ من تلك المعلومات ما يلي‏:‏
    ‏*‏ أن اساتذة كلية العلوم بجامعة المنصورة أعدوا في العام الماضي تقريرا حول مشكلة تلوث مياه الشرب‏,‏ التي تؤدي إلي الإصابة بالفشل الكلوي والسرطان‏.‏ ومن النتائج التي توصل إليها التقرير‏,‏ وعرضها الدكتور مجدي خليفة استاذ الكيمياء بالجامعة الذي شارك في اعداده‏,‏ تبين أن‏100‏ ألف مصري يصابون بالسرطان سنويا بسبب تلوث المياه‏,‏ اضافة إلي‏35‏ ألفا يصابون بالفشل الكلوي‏,‏ بينهم‏17‏ ألف طفل‏.‏ تبين أيضا أن‏330‏ مصنعا تلقي بنفاياتها في النيل بواقع‏4.5‏ مليون متر مكعب سنويا‏,‏ إضافة إلي أن‏30%‏ من استخدامات الزراعة مثل الأسمدة والمبيدات تتسرب إلي مياه الصرف‏,‏ وتصل إلي النيل لتنتقل منه إلي النبات والحيوان‏.‏ كما كشف التقرير عن أن‏1500‏ قرية في صعيد مصر تصب مياه الصرف الصحي مباشرة في النيل‏,‏ دون أية معالجة‏.‏
    ‏*‏ تحدثت دراسة أخري أعدت عام‏2003‏ عن ارتفاع نسبة السموم في المياه‏.‏ وحين تم تحيل عينات المياه في معامل كلية علوم المنصورة تبين وجود نسبة عالية للغاية من المبيد المعروف باسم دي‏.‏ دي‏.‏ تي‏(‏ أكثر‏250‏ مرة من النسبة المسموح بها‏).‏ كما تبين اختلاط المياه بمادة الأيزوسيانيد وثمانية أنواع من المبيدات الحشرية القاتلة‏.‏ أشارت الدارسة أيضا إلي أن مصادر التلوث لا تقف عن القاء المخلفات الصناعية والزراعية والصرف الصحي في النيل‏,‏ وإنما هناك مصدر آخر هو مواسير الشرب ذاتها التي تعد ناقلة للتلوث‏,‏ علما بأن محطات مياه الشرب لا توجد بها معامل علي مستوي عال للكشف عن البكتريا والفيروسات‏.‏
    ‏*‏ في تصريحات أدلي بها الدكتور مغاوري دياب استاذ جيولوجيا المياه ورئيس جامعة المنوفية السابق‏,‏ قال إن‏80%‏ من محطات معالجة المياه في دلتا مصر انتهي عمرها الافتراضي‏,‏ وتعتمد علي المياه الجوفية‏(‏ التي اختلطت مع مياه الصرف‏),‏ في حين أن‏20%‏ فقط من المحطات تحصل المياه من النيل‏.‏ قال أيضا أن الصرف الصحي في‏96%‏ من قري مصر يتم بطريقة بدائية عبر خزانات النزح التي تختلط فيها مياه الشرب مع المخلفات الناتجة من الفضلات الأدمية والحيوانية من الملاحظات التي ابداها الدكتور دياب أن ثمة دراسات علمية رصدت بدقة وضع المياه في الدلتا منذ عام‏1980,‏ ونبهت إلي زيادة نسبة التلوث المستمر فيها‏,‏ ولكن هذه الدراسات لم يأبه بها أحد‏,‏ وجري تكديسها في الأدراج المغلقة‏.‏
    ‏*‏ سمعت من السيد مصطفي القاياتي وكيل لجنة الإسكان بمجلس الشعب‏,‏ أن اللجنة اجتمعت مع وزير الإسكان وناقشته في الأمر‏,‏ وكان مما قاله إن محطات المياه وشبكة الصرف الصحي في مصر في حالة يرثي لها‏,‏ وأنه طلب‏20‏ مليار جنيه لحل مشكلتها مع التداعيات المترتبة عليها‏,‏ ولكن ما تم اعتماده في الميزانية لم يتجاوز ملياري جنيه فقط‏,‏ الأمر الذي قيد حركة الوزارة إلي حد كبير‏,‏ وأعجزها عن تقديم حل جذري للمشكلة‏.‏
    ‏(3)‏
    في رحلة البحث عن أسباب ظهور الأمراض الفتاكة في ريف مصر‏,‏ وقعت علي ندوة ناقشت الموضوع بمشاركة ثلاثة من أساتذة جامعة المنصورة‏,‏ الذين ادلوا بمعلومات مخيفة وصادمة‏,‏ نشرتها علي حلقتين في شهر يونيو الماضي صحيفة محلية باسم البلد الأساتذة الثلاثة هم‏:‏ الدكتور فريد بدري استاذ العقاقير والدكتور عادل المنصوري استاذ الطب الشرعي‏,‏ والدكتور جمال العبيدي استاذ جراحة الجهاز الهضمي في مقدمة تلك المعلومات ما يلي‏:‏
    ‏*‏ ان السبب الاساسي لانتشار امراض السرطان والفشل الكبدي والكلوي في مصر يرجع الي تلوث الأغذية بالسموم الفطرية‏,‏ التي توجد بشكل مكثف في القمح‏(‏ مصر تستورد منه‏10‏ ملايين طن سنويا‏)‏ لسد الفجوة الكبيرة بين الاستهلاك والانتاج‏.‏ ذلك ان الشحنات المستوردة تتعرض في رحلتها عبر البحار للأمطار والرطوبة التي تسرب اليها التعفن‏,‏ لتتحول كميات القمح والذرة المستوردة الي مادة قاتلة‏.‏
    ‏*‏ من تلك السموم الفطرية ما يعرف بـ الإوكراتوكسين‏,‏ الذي يوجد في الذرة الصفراء‏,‏ وثبت انه وراء‏70%‏ من حالات الفشل الكلوي في مصر‏.‏ يضاف اليه سم الافلاتوكسين الموجود في القمح وفول الصويا والردة‏(‏ غذاء الانسان والحيوان‏)‏ وهو المسئول عن السرطان والفشل الكلوي‏.‏ وثمة سم ثالث من الفطريات باسم الفيوماتثنين الذي يدمر خلايا المخ ويصيبه بالشلل‏.‏
    ‏*‏ ان ثمة رسالة دكتوراه اجيزت بكلية زراعة المنصورة‏.‏ اثبتت وجود نسبة عالية من فطر الاوكراتوكسين والافلاتوكسين في اعلاف الدواجن والحيوانات والاسماك في مصر‏,‏ وهذه وصلت الي‏600‏ جزء من البليون‏,‏ في حين ان المسموح به دوليا لا يتجاوز‏5‏ أجزاء في البليون‏.‏
    ‏*‏ في عام‏1996‏ نشر بحث في مختلف الدوريات العلمية العالمية حول عشرة آلاف حالة فشل كلوي بمركز الكلي بجامعة المنصورة‏,‏ أثبت منه ان‏60%‏ من الاصابات كان سببها سم الاوكراتوكسين الفطري‏.‏
    ‏*‏ هناك اسباب أخري للتلوث الي جانب الفطريات السامة‏,‏ منها النفايات والمواد الصلبة التي تلقي في المياه‏,‏ وتؤدي الي الاصابة بالسرطان‏.‏ وهذه حولت بحيرة المنزلة المصدر الاول للاسماك بالدلتا‏,‏ الي اكبر حامل للمواد السامة والمعادن الثقيلة في مصر‏.‏
    ‏*‏ بسبب الفساد المستشري في اوساط الرقابة علي الحبوب المستوردة المحملة بالسموم‏,‏ ونتيجة لعدم الاهتمام بظاهرة التلوث‏,‏ فقد انتشرت حالات الاصابة بالسرطان والفشل الكلوي في دلتا مصر‏.‏ آية ذلك ان مركز الاورام بالمنصورة وحده اصبح يستقبل اسبوعيا‏100‏ حالة مصابة بسرطان الاطفال‏,‏ الأمر الذي يثير سؤالا كبيرا حول عدد المرضي الذين يفدون الي تلك المراكز في بقية انحاء الجمهورية‏.‏ ومن غريب ما صادفه أطباء المنصورة انهم استقبلوا طفلا عمره‏8‏ أشهر فقط اصيب بسرطان الدم‏.‏ وما كان له ان يصاب علي ذلك النحو إلا لان مشيمة الام ولبنها تشبعا بالسموم الفطرية‏,‏ نتيجة تغذيتها علي القمح والذرة‏.‏
    ‏*‏ الكارثة يمكن تخفيفها والحد من خطرها عن طريق زيادة انتاج القمح والذرة‏,‏ لان الحبوب التي تنتج محليا تخلو من الفطريات السامة‏,‏ باعتبار انها تحت السيطرة‏,‏ كما ان استهلاكها يتم مباشرة ولا تتعرض للتعفن‏.‏ ومن أسف انه لا توجد عناية كافية بهذا الحل‏.‏ يشهد بذلك ان أحد العلماء المصريين ـ الدكتور عبد السلام جمعة ـ استنبت سنبلة عملاقة جعلت المكسيك تكتفي ذاتيا من القمح وحين تحدث عن اكتفاء مصر من القمح‏,‏ أودع مخازن وزارة الزراعة ليعمل بها‏!‏
    ‏(4)‏
    ونحن نتابع مشاهد اللامعقول في بر مصر‏,‏ لا نستطيع ان ننسي الاهمال والتواطؤ الذي ادي الي غرق العبارة الشهيرة السلام‏89,‏ وتسبب في قتل اكثر من‏1300‏ مواطن‏(‏ للعلم فإن الرقم يفوق ضحايا العدوان الاسرائيلي علي لبنان الذي استمر شهرا كاملا‏)‏ وهي الجريمة التي لم يحاسب المسئولون عنها رغم مضي سبعة اشهر علي وقوعها‏.‏ لا نستطيع ايضا ان نتجاهل الانهيار المروع في مرفق السكة الحديد‏,‏ وما سببه من كوارث كل عام اهدرت دماء مئات المصريين الفقراء لا نستطيع كذلك ان نتجاهل فضيحة السحابة السوداء‏,‏ التي تحولت الي لغز حير المصريين وعذبهم للعام السابع علي التوالي فقط اذكر في هذا الصدد بالتقرير الذي بثته وكالة الانباء الفرنسية قبل ايام‏(‏ في‏10/23)‏ وقالت فيه ان معدل التلوث في القاهرة أعلي عشر مرات من المؤشر العالمي الذي حددته منظمة الصحة العالمية‏,‏ الامر الذي يصنفها ضمن اكثر مدن العالم تلوثا‏.‏ اضاف التقرير ان التلوث الذي ينشأ عن أدخنة المصانع في مصر يتسبب في موت‏5‏ آلاف مواطن سنويا‏.‏ كما نقل عن استاذ في علوم البيئة ـ الدكتور صلاح حسنين ـ قوله ان التلوث سيؤدي الي اصابة قرابة نصف مليون مصري بمشكلات في التنفس وبالسرطان خلال فترة تتراوح بين‏5‏ سنوات و‏25‏ عاما‏.‏
    ‏(5)‏
    إذا قال قائل ان تلك المشاهد بمثابة اطلالة علي النصف الفارغ من الكأس‏,‏ فلن اختلف معه معتبرا أن هذه ليست القضية‏,‏ لان السؤال الأهم هو ما إذا كانت المشاهد حقيقية أم انها مفتعلة ومغلوطة‏.‏ ولأن ثمة دلائل عل صحتها ـ وحتي يثبت العكس ـ فإن حاصل جمعها اذا انضافت اليها ظواهر التدهور في التعليم العام والجامعي‏,‏ وفي المستشفيات العمومية‏,‏ والفساد المستشري في المحليات‏,‏ ذلك كله يوصلنا الي نتيجة خلاصتها أن الاجهزة الحكومية فشلت في مباشرة وظيفتها الاساسية‏,‏ المتمثلة في إدارة وتشغيل مختلف المرافق التي تخدم عموم المواطنين‏.‏ وهو ما بات يهدد حق الناس في الحياة‏.‏ وحين يصبح المواطنون في خطر فإن الوطن ذاته يغدو في خطر وهو ما يسوغ لي ان اقول ان ما يحدث في مصر الآن يمثل تهديدا صريحا للأمن القومي في البلد‏.‏
    إن عشر معشار المشاهد التي مررنا بها يقيم الدنيا ولا يقعدها في اي مجتمع حي‏.‏ إذ يفجر عضبا ويسقط حكومات ويخضع كل الرؤوس المعنية للمساءلة والمحاسبة السياسية وربما الجنائية أيضا‏.‏ لكن ظاهر الأمر يوحي بأن الوضع مختلف في بلادنا‏,‏ حيث يمر كل شيء ويبتلع‏,‏ ولا اعرف إن كان ذلك يؤدي الي هضمه ام الي اختزانه‏.‏
    المدهش في الأمر‏,‏ أنه في حين يحلم المواطن بكوب ماء نظيف‏,‏ فإنه يسمع صوتا آتيا من طبقات السلطة العليا يتحدث عن توفير حاسب آلي لكل بيت‏.‏ وفي حين تهدد السموم حياة الناس وتختنق انفاسهم بتأثير السحابة السوداء‏,‏ فإنهم يستقبلون بالمقابل اصواتا اخري تحدثهم عن دخول عصر المفاعلات النووية‏.‏ وتلك طموحات طيبة ومشروعة لاريب‏,‏ لكنها في ظل اوضاعنا التي مررنا بها تبدو محاولة لنيل شهادة الدكتوراه‏,‏ قبل تحقيق النجاح المطلوب في شهادة الاعدادية‏.‏
    لست انكر ان الحكومة بذلت الكثير في مجالات تشجيع الاستثمار والخصخصة والتيسير علي المستوردين والمتعثرين في سداد مديونياتهم المليونية للبنوك‏,‏ لكن شواهد الحال تدل علي اننا بحاجة ايضا لمن يهتم بنظافة البلد وادارة مرافقه العمومية‏,‏ بما يجنب المواطنين كوارث القطارات وينقذهم من الامراض التي تفتك بهم وهو ما يسوغ لي أن أتساءل عما اذا كان الوقت قد حان للدعوة الي اقامة حكومة اخري موازية للمواطنين العاديين‏,‏ البسطاء والفقراء والمستضعفين ـ ما رأيكم دام فضلكم ؟
    .....................................
    *الأهرام ـ في 31/10/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  6. #18 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    موت هناك وموات هنا

    بقلم: فهمي هويدي
    .....................

    شلال الدم في العالم العربي يزداد قوة ومجراه يزداد اتساعا. إذ اغرق قطرين حتى الآن هما فلسطين والعراق، وثمة إرهاصات نرجو أن تخيب، تلوح باقترابه من لبنان، المرشح بقوة لكي يُضم الى قائمة الضحايا. الآن تتحدث الأرقام عن آلاف، بل مئات الآلاف من أبناء الأمة العربية الذين أريقت دماؤهم وما زالت تحت الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، والاحتلال الامريكى في العراق. حتى صار الموت عنوانا رئيسيا في نشرات أخبار هذين البلدين، وغدت صور الجنازات المارة في الشوارع لقطات نمطية تبث كل يوم.
    منذ أكثر من أسبوع تتعرض «بيت حانون» في قطاع غزة لاجتياح اسرائيلى عاشر، أباد 45 فلسطينيا (الرقم يتزايد كل يوم) وأصاب 200، ربعهم في حالة خطرة، ودمر البيوت وخرب الطرقات وجرف الأراضي. وفي ثنايا العملية التي أطلقت عليها اسم «غيوم الخريف» تصرفت القوات الاسرائيلية بفظاظة مفرطة، انتهكت فيها كل الحرمات التي تفرضها المواثيق والأعراف. فلا حرمة لمدنيين ولا لدور عبادة، ولا لجرحى في المستشفيات ولا لحافلات الإسعاف التي تهب للدفاع عن حق الانسان في الحياة. ذلك كله أطيح به، في جرأة موحية بأن الترويع والانتقام هو الهدف، وبأن القوات الإسرائيلية لديها تعليمات بأن تفتك بكل ما تصادفه، من دون قلق من أي صدى دولي، ولم يخيب الأمريكيون ظنهم، لأن المتحدث باسم الخارجية الامريكية سوغ ذلك كله وبرره بحجة «حق الدفاع عن النفس» التي صار إطلاقها غطاء تقليديا لكافة الجرائم الاسرائيلية وهو الحق المضنون به على الفلسطينيين بطبيعة الحال، ربما لأنهم فلسطينيون، وربما لأنهم عرب ومسلمون، ليسوا في عداد «الأنفس» المعتبرة في خطاب الإدارة الأمريكية وبعض الساسة الأوروبيين.
    الاجتياح ليس جديدا، ولكنه حلقة في مسلسل العدوان الاسرائيلي المستمر منذ اربعين عاما على الأقل، الذي تختلف دوافعه وأساليبه، لكن هدفه واحد هو: تركيع الفلسطينيين وإذلالهم، ومن ثم إجبارهم على الاستسلام لما تريده إسرائيل، وجودا وحدودا وأحلاما. لذلك فما يحدث الآن ليس منفصلا عن الغارات اليومية التي يتعرض لها القطاع، ولا عن التصفيات والاختطافات التي لم تستثني الوزراء والنواب، ولا عن الحصار والتجويع ومصادرة الأراضي وحجب الاستحقاقات المالية الفلسطينية.
    وحدها الدوافع هي الجديدة هذه المرة، فإسرائيل قررت أن تقدم على هذه الجولة من الفتك مدفوعة بعوامل عدة، منها المزايدات الداخلية بين السياسين والعسكريين الذين يتوسلون الى كسب وتأييد الرأى العام بالتسابق على اراقة الدم الفلسطيني، لإثبات القدرة وكفاءة القيادة، ومنها محاولة استعادة الهيبة والاعتبار بعد الفشل الذي مني به العدوان على لبنان، ومنها الضغط على الداخل الفلسطيني لإفشال محاولات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومن ثم اسقاط حكومة حماس واقصاؤها عن السلطة.
    لم يفاجئنا التبرير الأمريكي للاجتياح، ولا الخرس الأوروبي، ولا استعباط المنظمات الدولية المختلفة، سواء التي تدافع عن السلم والأمن أو تلك التي تدافع عن حقوق الإنسان، لكن الذي ينبغي أن يدهشنا هو صمت العواصم العربية، حتى تلك التي تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل. صحيح أن صحيفة «الأهرام» المصرية مثلا نشرت على صدر صفحتها الأولى يوم الأحد الماضي 5 ـ 11 عنوانا اخبرنا بأن مصر «تدين بشدة العدوان الاسرائيلي وتطالب بوقفه فورا»، لكن إذا كان ذلك غاية جهد بلد بحجم مصر يحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيونى (للأسف الشديد) فما بالك بمن عداها؟
    إن هناك خيارات عدة للتعبير عن التضامن الجاد مع الشعب الفلسطيني في محنته المتجددة، وهي أوسع وأرحب في حالة الدول التي أقامت معها علاقات بصورة أو بأخرى، خصوصا أن مسؤولي تلك الدول دأبوا على القول إنهم فعلوها للدفاع عن القضية الفلسطينية، هذه الخيارات تتراوح بين سحب سفير الدولة المعنية، أو تخفيض عدد اعضاء البعثة الدبلوماسية لدى إسرائيل، أو اعتبار السفير الإسرائيلي غير مرغوب فيه، أو تجميد العلاقات الاقتصادية والثقافية وصولا الى قطع العلاقات، لكن حين تستبعد كل تلك الخيارات، ويكون البديل هو الإدانة والشجب، فذلك معناه أن المشكلة تكمن في الإرادة، والحسابات السياسية تحول دون التعبير الجاد عن تلك الإدانة.
    لقد أدرك الشعب الفلسطيني خلال السنوات الاخيرة بوجه أخص أنه يقف وحده في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، وأن الدور العربي ـ في أحسن أحواله ـ لم يعد يتجاوز حدود تصريحات التضامن، وأحيانا ذهب الى حد التجاوب مع الضغوط الأمريكية من التضامن مع الفلسطينيين.
    لقد قتل الاسرائيليون منذ انتفاضة عام 2000 وحتى الآن 5500 فلسطينى، ومنذ اسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط في 25 ـ 6 الماضي قتلوا 260 فلسطينيا، الأمر الذي يعني انه على مدار الاعوام الستة الماضية ظل يقتل في المتوسط فلسطينيان كل يوم. ولم يحرك ذلك شيئا في مواقف العواصم العربية سواء ازاء اسرائيل او الولايات المتحدة ورغم وجود علاقات للبعض مع اسرائيل وعلاقات وثيقة لأغلب الدول العربية (أحسب أن هذه الخلفية لم تكن غائبة عن وعي النسوة الفلسطينيات في بيت حانون اللاتي فاض بهن الكيل، فخرجت مئات منهن ـ البعض اصطحبن أطفالهن ـ وتصدين للدبابات الإسرائيلية التي حاصرت مسجدا احتمى به بعض المقاومين، ورغم أن الرصاص ظل ينهمر عليهن من كل صوب، مما أدى الى مقتل امرأتين، هما رجاء أبو عودة وأنغام سالم (كلتاهما في الأربعين من العمر)، أقول رغم كل ذلك الترويع الذي أدى الى اصابة البعض بجروح خطيرة، فإنهن نجحن في اقتحام الحصار واخراج المحتجزين في داخل المسجد وتأمينهم حتى اختفوا عن الأنظار. وكان ذلك نموذجا للبسالة والشجاعة سجله تقرير لوكالة الانباء الفرنسية جرى بثه يوم الجمعة الماضى 3 ـ11 حين وقعت عليه لقد فعلت النساء ما قصرت عنه همة كثير من الرجال).
    للموت قصة أخرى في العراق، تختلف تفاصيلها ووقائعها واعداد ضحاياها، ولكنها تشكل رافدا آخر لشلال الدم المروع الذي يتدفق بانتظام، دون ان يحدث صدى في العواصم العربية، التي ظلت ذاهلة ومغيبة وغاية ما ذهب اليه بعض المتصدرين لواجهات تلك العواصم انهم اطلقوا في الهواء تصريحات الادانة والاستنكار (التي كان بعضها حذرا فلم يتهم الاحتلال الأمريكي) مشفوعة بدعوات عبر الأثير للتصالح والتضامن.. الى غير ذلك من الاصداء المجانية التي تبرئ الذمة أمام الملأ، في حين لا تقدم ولا تؤخر، ولا تحل ولا تربط.
    الأرقام المتداولة الآن تشير الى ان عدد العراقيين الذين قتلوا منذ الغزو في عام 2001، وحتى الآن 655 ألفا في قول، و795 ألفا في قول آخر، أما الذين يقتلون كل يوم فقد اصبح عددهم يتراوح بين 50 و100 شخص، الأمر الذي يعرض الشعب العراقي للإبادة، ويوحى بأن هذا الغزو لم يكن تحريرالعراق من حكم صدام حسين فحسب، وإنما تحريره من العراقيين انفسهم ايضا!
    كما حدث مع الفلسطينيين، فإن العراقيين وجدوا أنفسهم يواجهون وحدهم رياح الفناء، بغير ظهير أو معين من «الأشقاء» العرب، الأمر الذي يسوغ لنا أن تقول بأن الموت هناك قوبل بموات هنا. لا يغير من هذه الحقيقة صدور بعض تصريحات التعاطف والتضامن المجانية، ولا تحركات الجامعة العربية التي ظلت عند الحدود الدنيا، لسبب جوهري هو أن موقف الجامعة هو حاصل جمع مواقف الدول الأعضاء، وهو مرآة عاكسة لتلك المواقف. لذلك إذا قلت لي ما هي حقيقة موقف العواصم العربية، أقول لك على الفور الى أي مدى يمكن ان تذهب «الجامعة» في تعاطيها مع هذا الملف او ذاك.
    تتضاعف الدهشة ويستمر العجب حين يلاحظ المرء ان العالم العربي وهو يقف ذاهلا ومتفرجا أمام تلك الدماء التي تسيل بغزارة في هذين البلدين، يدفع بشكل غريب للانشغال بقضايا وهمية أو فرعية، حيث يصور له البعض أن الصراع الحقيقي هو بين الشيعة والسنة، وأن الهلال الشيعي أشد خطرا من نجمة داود، حتى أن منهم من عقد مقارنة في هذا السياق بين إيران وإسرائيل، وأراد أن يقنعنا بأن الأولى أشد خطرا من الثانية. وإذ نجد تلك الاصوات تتردد في المشرق، فإننا نجد في المغرب (تونس تحديدا) تعبئة عامة ضد الحجاب واستنفارا أعلن عليه الحرب، وكأنه الخطر الداهم الذي يهدد مصير البلاد والعباد، والنظام قبل الاثنين.
    وفي حين يشتت الادراك العربي في أقطار عدة بحيث ينصرف عن الوعي بحقائق الصراع الدائر بين العرب وبين الأطماع الإسرائيلية والهيمنة الأمريكية، فإننا سنسمع أصواتا أخرى تبرر الانكفاء والانعزال والانسلاخ من نسيج الأمة، وهي ترفع شعار «بلدنا أولا»، الأمر الذي يترجم بمعنيين؛ أولهما نفض الأيدي من قضايا الأمة ومصيرها، وثانيهما تسويغ الاحتماء بالكفيل الامريكي الذي يظنون انه يمكن ان يوفر لهم الاطمئنان والأمان.
    ما يغفل عنه هؤلاء وهؤلاء ان مصير الامة العربية سوف يتأثر كثيرا بما يحدث في فلسطين والعراق، وان الذين يغمضون أعينهم ويصمتون على ما يجري هناك لن تكتب لهم النجاة من الطوفان، إذا اندفعت مياهه لا قدر الله. ذلك أن تركيع الفلسطينيين، إذا قدر له أن يتم، سيكون مقدمة لتركيع العالم العربي كله، بحيث لا تقوم له قيامة، في الأجل المنظور على الأقل. أما ذبح العراق وشرذمته، فسيكون مقدمة لهبوب رياح التفتيت العاتية على كل أنحاء العالم العربي. وإذا ما وقعت الواقعة على هذا النحو او ذاك، فلن ينفع الندم، وسيتذكر الجميع القول المأثور: «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض».
    ............................................
    *الشرق الأوسط ـ في 8/11/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  7. #19 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    بعد الخروج من التاريخ: الجغرافيا صارت مهددة في العالم العربي

    بقلم: فهمي هويدي
    .....................

    ثمة سحابات داكنة تتجمع الآن في الأفق العربي، منذرة بهبوب موجة من الأعاصير التي من شأنها ان تؤثر على توازنات المنطقة وجغرافيتها السياسية. وليست هذه مجرد تنبؤات قد تصدق او لا تصدق، لأن مختلف الشواهد تدل على ان الاعاصير قادمة لا ريب، ومن ثم فليس السؤال ما اذا كانت ستهب على البيت العربي ام لا، لكنه ينصب على التوقيت والمقاصد والآثار التي ستترتب على تلك الاعاصير. بكلام آخر، فان النذر ظاهرة لكل ذي عينين، ومن ينكرها لن يختلف كثيرا عمن يدفن رأسه فى الرمال، لكي لا يرى او يسمع.
    هذه الايام، باتت الاخبار تحدثنا كل يوم عن اعداد لانقلاب عسكري في العراق، يطيح كل ما اقيم من أبنية ومؤسسات، ويقيم حكومة طوارئ تفرض سيطرتها على الجميع، بما يؤدي الى استعادة الامن، ووقف الانفلات الذي أثار ذعر الأميركيين، وزاد في خسائر جنودهم. الأمر الذي أصبح يهدد مستقبل الحزب الجمهوري، ويفقده تأييد الرأي العام فى الولايات المتحدة. وهو ما ينذر بنهاية بائسة لإدارة الرئيس بوش والفريق المحيط به.
    وفي حين تتواتر الأنباء عن الانقلاب المنتظر الذي يعد له الأميركيون في بغداد، تتناثر اخبار أخرى حول الفيدرالية ومقترحات تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم، وحول الترتيبات التي تجري في منطقة كردستان لتعزيز موقفها في مواجهة السلطة المركزية. الامر الذي استصحب تلويحا بالانفصال، مع إشارات قوية إلى احتمال تفجير الصراع حول الاستئثار بنفط كركوك، واحتمال حدوث اقتتال شيعى ـ شيعى بين رعاة الفيدرالية ومعارضيها. وفي هذه الأجواء يستمر تساقط القتلى في التصفيات المتبادلة بين الشيعة والسنة، بأعداد غير مسبوقة.الأمر الذي يرسم صورة بائسة لمستقبل العراق، يبدو فيها ذلك البلد الكبير والعريق معرضا للتآكل والانفراط، بعدما دمرت مرافقه وبنيته الاساسية، ونهبت ثروته باسم «التحرير!».
    لبنان أيضا معرض للانفجار، بعدما تعافى من تجربة الحرب الاهلية التي اغرقته في الدماء والأشلاء، قبل سنوات ليست بعيدة. ذلك ان تصريحات الزعماء السياسيين، وقادة الميليشيات تمارس الآن عملية «تسخين» تبعث على القلق. فهناك من يهدد بالاحتكام الى السلاح، اذا لم تشكل حكومة الوحدة الوطنية، وفي المقابل هناك من يلوح بالسلاح ويجهز المتاريس ويعد الملاجئ، تحسبا لذلك اليوم الذي تشكل فيه حكومة الوحدة الوطنية. وهؤلاء يلوحون بالشارع، ولا يستبعدون حلول اليوم الذي يندلع فيه الحريق بحيث تطغى زخات الرصاص ودوي الرشاشات والمتفجرات على لغة الحوار. وفي حين يتراشق اللبنانيون فيما بينهم، تعبث مختلف الاصابع في الظلام، ما بين قوى كبرى لها حساباتها وأجندتها، وأطماع إسرائيلية مازالت ترى في لبنان بابا لتصفية ملفات عدة، بعضها مع سورية وحزب الله والبعض الآخر مع ايران.
    المشهد في الارض المحتلة يشكل وجها آخر للمتغير الذي طرأ على الجغرافيا السياسية للمنطقة. فقد استفردت اسرائيل بفلسطين، الضفة والقطاع، مستفيدة من اجواء الذهول والانكفاء العربيين، واصبحت غاراتها واجتياحاتها وتصفياتها للكوادر، ولكل العناصر النشطة في مقاومة الاحتلال، من قبيل التمارين الروتينية التي تمارس كل يوم، جنبا الى جنب مع تجريف الاراضي واستهداف البنى التحتية.
    ولم تكن استباحة اسرائيل لمختلف الحرمات في فلسطين، هي أسوأ ما في الأمر، لأن الاعتياد على تمرير ما يجري في الارض المحتلة واعتباره امرا عاديا في العالم العربى، لا يثير احتجاجا ولا غضبا، لا يقل سوءا ولا بؤسا. ذلك الاعتياد الذي تجلى في استمرار صمت العواصم العربية، بات يغري الاسرائيليين ليس فقط بمواصلة قمع الفلسطينيين والتوسع في عمليات الاستيطان، وإنما ايضا بسعيهم لتصفية القضية وإغلاق ملفها بالكامل.
    خرائط السودان تتعرض بدورها للضغط والشد والجذب، الذي يستهدف إضعاف دور السلطة المركزية، وتفكيك البلد وتمزيقه من خلال تشجيع التمرد فى شرقه وغربه وجنوبه، لكي ينفرط عقده، ويتم تدويل قضاياه، بما يستدعي دور قوى الهيمنة التي قد تتعدد أهدافها وتختلف، ولكنها تتفق في أمور عدة بينها الاستفراد بالسودان وتفتيت هويته والتمكن من ثرواته وإلغاء دوره، كبوابة عربية مطلة على افريقيا، واستخدامه كورقة ضغط على العالم العربي، بدلا من ان يكون عمقا استراتيجيا له.
    في الصومال الذي هو عضو في الجامعة العربية، دولة انهارت فيها السلطة بفعل صراعات داخلية لم تكن القوى الدولية بعيدة عنها. ومن تحت أنقاضها خرجت سلطة المحاكم الاسلامية لتتحدى حكومة انتقالية مدعومة من الغرب، فسيطرت قوات الاخيرة على العاصمة مقديشو، ومضت تبسط سلطانها على انحاء البلاد حتى اصبحت على مشارف مقر الحكومة الانتقالية في بيداوة.
    وفي هذه الاجواء، توترت العلاقة مع الجارة اثيوبيا التي حشدت قواتها على الحدود مع الصومال، وتتواتر الأنباء، مشيرة إلى أن القوات الإثيوبية تحركت لمساندة الحكومة الانتقالية التي اصبحت معزولة في معقلها، ومهددة بالسقوط بين لحظة واخرى.
    القاسم المشترك بين هذه النماذج، يتمثل في ثلاثة أمور أولها: ان كلا منها يواجه أزمة مصير، في ضوئها يكون البلد أو لا يكون. ثانيها أن الأطراف الغربية موجودة في قلب الصراع. ثالثها ان كل حالة تواجه ازمتها وحدها ودون اي ظهر او غطاء عربي. وهذه النقطة الاخيرة هي التي تهمنا في السياق الذي نحن بصدده، لأن غياب ذلك الغطاء، بمثابة إشهار جديد لإفلاس النظام العربي وانهياره، على نحو يفتح الابواب واسعة لتآكل جغرافية العالم العربي، بعدما نالوا حظهم الذي يستحقونه من جراء عهود التخلف والاستبداد، فانطبقت عليهم السنن وخرجوا من التاريخ!
    لست أبرئ عوامل داخلية، اسهمت بدرجة او اخرى في توتر الأوضاع وتوفير حالة القابلية للانفجار او التآكل في العراق او لبنان او فلسطين، وكذلك السودان والصومال.
    صحيح ان الاحتلال هو الذي غذى وحمى النعرات الطائفية والعرقية في العراق، ولكن من الصحيح ايضا ان الاطراف العراقية التي تعاملت مع سلطة الاحتلال تبنت ذات الموقف وتفاعلت معه، بذات القدر، كما اننا لا نستطيع ان نبرئ الزعماء السياسيين في لبنان من مسؤولية توتر اجواء البلد والانطلاق من الحسابات الذاتية، الفئوية والطائفية، ضاربين عرض الحائط بالمصلحة الوطنية.
    أما الصراع الحاصل في فلسطين بين السلطة والحكومة، فنحن نعلم جيدا ان ثمة طرفا ثالثا فيه، اسرائيليا ـ وأميركيا في المقام الاول، الا اننا نعي جيدا ايضا ان ادوات ذلك الصراع فلسطينية بامتياز. ذلك حاصل ايضا في السودان الذي لم تنجح حكومته في اقامة تحالف وطني يصد الغارات التي استهدفت البلد بأسره.
    حتى كانت الحكومة يوما ما مستعدة للتلاقي والتنازل للحركة الانفصالية في الجنوب ورافضة للتواصل او الائتلاف مع القوى السياسية في الشمال، التي سنفترض انها اقرب اليها وواقفة في ذات مربعها. وهو ما أضعف موقف الحكومة وفتح شهية كثيرين للضغط عليها وابتزازها. اما الصومال فان قادته والذين يتناوبون عليه منذ زوال نظام الرئيس سياد بري قبل عشر سنوات، هم المسؤولون عن كارثته، حين تنازعوا واقتتلوا فذهبت ريحهم ودمرت دولتهم.
    ليس الامر مقصورا على عالم عربي يتفكك ويتآكل، ولكن اصداء انهيار النظام العربي دفعت بعض الكيانات الصغيرة الى الاحتماء بالقوى الكبرى، حين لم تجد مظلة عربية حقيقية تحتمي بها. وبدا ذلك الاحتماء نوعا من الارتماء سوغ القبول برذائل سياسية كثيرة، تمثلت في فتح بعض البلاد العربية للقواعد العسكرية الاجنبية التي يعرف الجميع وظيفتها واستخداماتها التي هي في النهاية ضارة بالمصلحة الاستراتيجية للعرب ومهددة لأمنهم القومي. كما فتح الباب لتعدد أنشطة ومهام المرتزقة الاجانب فى اقطار عربية عدة.
    هذا الانهيار كان له صداه السلبي الذي اثر على الوجود العربي في الخارج، فمن اجتراء على العرب ومقدساتهم، الى ازدراء شبابهم باخضاعهم للرقابة المستمرة فى أغلب الدول الغربية، وحرمانهم من دراسة علوم بذاتها في جامعاتها، الى ملاحقتهم وطردهم اذا تم اصطياد اية هفوة لهم، الى القاء مئات من شبابهم فى السجون الامريكية العلنية والسرية دون محاكمة، ودون توفير اية ضمانات تحترم انسانيتهم وتحمي أبرياءهم. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لأننا قرأنا مؤخرا ان بلدا مثل النيجر قرر طرد 120 الفا من قبائل المحاميد العربية فى اراضيه، وان خفض الرقم في وقت لاحق.
    ليست سهلة الاجابة عن السؤال: ما العمل؟
    كما إنني لا اعرف ما هي الجهات او الدوائر صاحبة القرار التى مازالت مشغولة بمستقبل العالم العربى وأمنه القومى، بعدما انتعش فكر الانكفاء فى ظل الترويج المستمر لشعار «بلدنا أولا»، الذي يعني بالتعبير الدارج «كل واحد يدبر حاله». مع ذلك، فإذا جاز لي ان اغامر بالتفكير بصوت عال في الموضوع، فإنني أدعو اولا، الى تبرئة الشعوب العربية، وعدم تعميم الاتهام والإدانة عليها. لأن ازمة الامة العربية تكمن في النخب صاحبة القرار فيها، وما النظام العربي المتهالك الذي صرنا ننعيه في كل مناسبة الا حاصل جمع تلك النخب. لذلك فان «النظام» لن ينصلح الا اذا انصلح امر النخب المكونة له. ان شئت الدقة فقل ان إصلاح امر الدول التي تشكل اعمدة رئيسية للنظام العربي، هو الخطوة الاولى لإحياء ذلك النظام واسترداده عافيته وهيبته.
    في هذا الصدد فإنني ازعم بأن عافية النظام العربي وثيقة الصلة بمصير دعوات الاصلاح السياسي التي تتردد الان بقوة في ارجاء العالم العربي. ولا اتردد في القول بأن نجاح الاصلاح السياسي (الحقيقي وليس المزيف) في اية دولة عربية سيكون اول ضوء اخضر، يسمح لنا بإمكانية التفاؤل، بحلول يوم تستطيع فيه الامة ان تصمد امام الاعاصير والمخططات التي تستهدفها. الأمر الذي يسمح لها ليس فقط بأن تحافظ على جغرافيتها، وإنما يسمح لها ايضا بأن تعود الى مجرى التاريخ.
    ............................................
    *الشرق الأوسط ـ في 1/11/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  8. #20 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    اقتراح للخروج من المأزق الفلسطيني!

    بقلم: فهمي هويدي
    .....................

    من غرائب المشهد الفلسطيني ومفارقاته الموجعة التي وقعت هذا الأسبوع، ان الرئيس محمود عباس زار غزة وعاد إلى مقره في رام الله من دون ان يلتقي رئيس الوزراء، في تعبير جلي عن القطيعة معه، رغم ان بين الرجلين عدة مسائل معلقة بالغة الأهمية والدقة.
    وفى ذات المساء الذي عاد فيه أبومازن إلى رام الله تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت هنأه فيه بعيد الفطر، وأعرب عن أمله في ان تنجح مساعي ترتيب اللقاء بينهما في اقرب وقت.
    ولا أعرف ان كان توقيت الاتصال الهاتفي من جانب أولئك الأبالسة مقصودا أم لا، لكن الذي أعرفه ان التزامن بين الحدثين جاء دالا على ان الجسور، في الوقت الراهن على الأقل، باتت ممتدة ومفتوحة بين رام الله وتل أبيب، بأكثر من انفتاحها بين رام الله وغزة!
    وإذ يصعب على المرء ان يصدق هذه الرسالة، إلا ان شواهد الحال تدل على أنها تتمتع بصدقية نسبية. فمسألة القطيعة بين أبومازن وحكومة حماس ثابتة ما في ذلك من شك، إذ بوسع أي مراقب ان يلاحظ ان رئيس السلطة لم يجتمع بالحكومة ولو مرة واحدة خلال الأشهر الستة التي أعقبت تشكيلها، كما انه لم يصحب أي وزير من أعضائها خلال جولاته المتعددة بالخارج، كما انه لم يشرك أي وزير في اللقاءات التي يعقدها مع الضيوف الذين يفدون إلى الأرض المحتلة عربا كانوا أم أجانب، وإذا أضفت إلى هذه الشواهد ان الحكومة لا تعرف شيئا عن نتائج زيارات أبومازن للدول الأجنبية، وان رئيسها يجهل تماما ما تم في تلك الزيارات، فان ذلك يعني ان حكومة حماس ليست مقاطعة من جانب الأميركيين والإسرائيليين وحدهم، ولكنها مقاطعة أيضا من جانب رئيس السلطة الفلسطينية وأعوانه، كأن التعليمات التي تمنع لقاء الدبلوماسيين الأميركيين والإسرائيليين مع أي وزير في حكومة حماس، كان لها صداها في الداخل الفلسطيني، بحيث مورست المقاطعة ذاتها من جانب رئيس السلطة وفريقه!
    وإذا اقترنت تلك المقاطعة بإجراءات أخرى تحركها العناصر الانقلابية بين تيارات فتح، من قبيل إعلان الإضراب في المؤسسات والمرافق (خصوصا في الضفة الغربية) وإشراك عناصر الأمن في ذلك الإضراب، ثم الاشتباك المسلح مع عناصر القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، وتخريب مباني السلطة ومؤسساتها وخطف بعض قيادات حماس وتصفية قيادات أخرى. إذا وضعنا تلك القسمات جنبا إلى جنب فإنها لن تعني سوى شيء واحد، هو ان العلاقة بين اكبر قوتين سياسيتين وعسكريتين في الأرض المحتلة وصلت إلى طريق مسدود وبلغت مفترق الطرق.
    وقبل ان اشرح ما عندي في الموضوع، فإنني أدعو إلى الحذر وعدم التعميم في الحديث عن فتح، التي لم تعد شيئا واحدا، وإنما تعددت فيها الأجنحة والتيارات، ورغم ما سمي بالتيار الانقلابي داخل التنظيم هو الأعلى صوتا، إلا انه ليس الوحيد وليس الأكثر وما تأجيل اجتماع اللجنة المركزية لفتح، الذي كان مقررا عقده في عمان خلال الأسبوع الماضي، إلا أحد الأدلة التي تؤيد ما ادعيه، لأن أبومازن دعا إلى عقد ذلك الاجتماع ليخرج منه بضوء اخضر يمكنه من إقصاء حكومة حماس، وهو مطلب رفضته القيادات الوطنية في فتح، الأمر الذي اغضب الرئيس الفلسطيني، فألغى الاجتماع وعاد إلى رام الله.
    في الوقت ذاته لا تفوتنا ملاحظة ان القوة التنظيمية التي أسسها وزير الداخلية الفلسطيني، وضمت 5500 شخص، هذه القوة تضم 800 من عناصر كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، ومثلهم من ألوية الناصر صلاح الدين، وهو تنظيم أقرب إلى فتح منه إلى حماس.
    هذا التوتر الذي بلغ درجة عالية من الحدة بين الرئاسة والحكومة له في رأيي مصدران أساسيان، أولهما ان بين قيادات فتح تيارا أحاط بأبومازن أيد من السلطة، واعتبرها وقفا عليه، ولذلك فهو غير مستعد لقبول فكرة تداولها مع آخرين.
    وفى الوقت ذاته فانه على استعداد كبير للتضحية بأي شيء مقابل استعادة السلطة والعودة إلى احتكارها بما يستصحبه ذلك من مصالح سياسية ومالية لا حدود لها.
    المصدر الثاني البالغ الأهمية ان ثمة ضغوطا خارجية قوية لإخراج حماس من السلطة ومن المشهد السياسي، وهذه الضغوط إسرائيلية وأميركية بالدرجة الأولى ولها أصداؤها في المحيط العربي والاتحاد الأوروبي.
    ما اعنيه ان هناك توافقا بين مصالح البعض في الداخل وحسابات البعض في الخارج على ضرورة إقصاء حماس تماما من الحكومة، وحتى أكون دقيقا فإنني ازعم بأن الانقلابيين في الداخل ما كان لهم ان يكشروا عن أنيابهم ويمارسوا الجرأة في موقفهم، إلا إذا كانوا مطمئنين إلى مساندة الخارج.
    ولأن الإقصاء هو المطلب الرئيسي، خصوصا بعد هزيمة الإسرائيليين في لبنان وفشلهم في تحقيق أهدافهم، وفي ظل التورط الأميركي في العراق وحرص الإدارة الأميركية على تحقيق إنجاز صورتها وهي مقبلة على انتخابات النصفي للكونجرس، فكان من الطبيعي ان يغلق الباب أمام أية مرونة تقدمها حماس إذ المطلوب هكذا بصريح العبارة ـ ليس حماس المرنة في السلطة، وإنما الخيار بات واضحا ومعلنا، فإما ان تنبطح الحركة وتقبل بالاملاءات الإسرائيلية التي أصبحت تسمى «دولية»، وعندئذ ستبقى وسيرحب بها «شريكا» في الحكم، وإما ان تخرج من السلطة وتختفي عن المسرح السياسي إذا أمكن.
    ولان الخيار الراهن على هذا النحو، فان وثيقة التوافق الوطني التي تم التوصل إليها جرى تجاهلها، ولم يعد أحد يأتي على ذكر لها، رغم الضجة الإعلامية التي أحاطت بوثيقة الأسرى والقدسية التي اضفاها عليها أبومازن وجماعته، والتهديد الذي أطلقه الرئيس الفلسطيني بإجراء استفتاء حولها، إذا ما رفضتها حماس، وحين قبلت بها وصاغت فيها مع بقية الفصائل وثيقة الوفاق، أدار أبومازن ظهره لها بزعم ان تسويقها ليس ممكنا في الساحة الدولية، في إشارة واضحة إلى ان المطلوب والحاسم هو الانصياع للإرادة الدولية وليس الاستجابة لمتطلبات الوفاق الوطني الفلسطيني.
    تجاهل وثيقة الوفاق ترتب عليه رفض فكرة حكومة الوحدة الوطنية، وهذه الفكرة التي تمسكت بها بعض القيادات الوطنية في فتح، وبسببها عارضت توجه أبومازن إلى تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة طوارئ لان إطار حكومة الوحدة المنشودة يفترض وجود حماس على رأسها باعتبار أنها صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي، في حين ان المطلوب هو التخلص مما اعتبروه «كابوس» حماس، تماما كما كان المطلوب في العدوان على لبنان هو التخلص من «كابوس» حزب الله.
    ثمة إشارات تدل على ان فكرة حكومة «التكنوقراط» تحظى بالأولوية في مناقشات الكواليس الدائرة هذه الأيام إذا أمكن قبولها من جانب قيادات حماس، وقد فهمت بأن حكومة الطوارئ استبعدت لأنها لابد ان تنال ثقة المجلس التشريعي بعد ثلاثين يوما من تشكيلها، حسب القانون الأساسي، وفي هذه الحالة فإن رفض حماس لها سيؤدي إلى إسقاطها لا محالة، كما استبعدت فكرة إجراء انتخابات مبكرة، أولا لان الإعداد لها يستغرق شهرين وهي مدة لا يتحملها الموقف المحتقن في الوقت الراهن، وثانيا لأن نتيجتها غير مضمونة بالنسبة لفتح، وثالثا لأنها قد تفتح الأبواب لإجراء انتخابات رئاسية قد يصبح أبومازن ضحيتها!
    في هذه الحالة فان صيغة حكومة التكنوقراط تغدو الخيار الباقي الذي يمكن دراسته، هذا على افتراض ان في الأرض المحتلة تكنوقراط ليست لهم انتماءات سياسية (وهي عملية صعبة في مجتمع الأرض المحتلة الذي اصبح فيه الجميع مسيسيين) ومناقشة هذا الخيار ممكنة في حالة واحدة هي ان يتعامل أبومازن بقدر من المرونة مع الشروط الإسرائيلية والأميركية التي تصر على إخراج حماس من السلطة، خصوصا في ظل الواقع الذي فرضته الانتخابات الديمقراطية التي جرت، والتي فازت فيها حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي، وتلك حقيقة يتعذر تجاهلها في تشكيل وزاري ناهيك عن ان هذه الأغلبية كفيلة بإسقاط أية حكومة لا ترضى ؟!
    وإذا كنا بازاء مخرج للمأزق يتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس، وهو ما تملص منه أبومازن وجماعته وتعارضه الضغوط الدولية، أو تشكيل حكومة تكنوقراط يقبل بها أبومازن في حين تعارضها حركة حماس، فثمة حل وسط احسبه يوفق بين الاقتراحين، هو ان تشكل حكومة برئاسة أحد التكنوقراط من غير أعضاء حماس أو فتح، وان تشكل وزارة الوحدة الوطنية بحيث تشارك فيها الفصائل بحسب نسبة تمثيلها في المجلس التشريعي، وهي صيغة احسبها توفق بين إرادة الشعب الفلسطيني التي تجلت في الانتخابات، وبين الشروط الدولية التي أصبحت ـ للأسف الشديد ـ تتحكم في المصير الفلسطيني، خصوصا بعدما خرج العالم العربي من المعادلة، ولم تعد فلسطين قضيته المركزية..!
    ترى: هل يوافق أبومازن على الاقتراح، وهل تقبل به قيادة حماس؟
    ............................................
    *الشرق الأوسط ـ في 25/10/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  9. #21 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    انضمام أميركا رسميا إلى نادي جمهوريات التعذيب

    بقلم: فهمي هويدي
    .....................

    أخيرا تم تقنين التعذيب فى الولايات المتحدة، شريطة ألا يطال المواطنين الأمريكيين، حتى الآن على الأقل. فقد أقر مجلس النواب هذا الأسبوع قانونا جديدا ـ سبق أن مرره مجلس الشيوخ ـ بخصوص محاكمة واستجواب «الارهابيين»، وهذه هي المرة الأولى التي يصبح فيها تعذيب المتهمين «قانونيا» في النظام الامريكي، كما أن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها دولة على الالتفاف على معاهدة جنيف بشأن الأسرى، التي تحظر مادتها الثالثة «المعاملة المهينة والمساس بالكرامة الشخصية للمعتقلين»، الأمر الذي يعد انتكاسة خطيرة سياسية وأخلاقية تفتح الباب واسعا لتقنين التعذيب، اقتداء بممارسات الدولة العظمى، على نحو يدخل العالم الى عصر جديد، تضفى فيه الشرعية على انتهاكات حقوق الانسان.
    مناسبة اصدار القانون الجديد، هي تعدد أحكام المحاكم الأمريكية بشأن مصير مئات الأسرى، الذين أودعتهم الولايات المتحدة سجن جوانتانامو منذ عدة سنوات، وتعرضوا للتعذيب أثناء استجوابهم. ومن ثم كتب عليهم ان يظلوا محتجزين لآجال غير معلومة، على ذمة تهم غامضة غير معروفة، وهو وضع لم تقبل به المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة، التي قضت في عام 2004 بأن المعتقلين يجب أن يتمتعوا بحق الاحتجاج على اعتقالهم امام المحاكم الفيدرالية، الأمر الذي شجع المحامين على رفع حوالي 400 قضية امام المحاكم تتعلق بحقوق المعتقلين ومصيرهم، مما سبب إحراجا كبيرا للإدارة الأمريكية المقبلة على انتخابات تشريعية فى الشهر القادم. ذلك أن من شأن تلك القضايا أن تفضح ممارساتها في جوانتانامو، التي جرى التعتيم عليها طول الوقت، ولم يدرك الرأي العام بعد وجهها القبيح، على النحو الذي حدث مع انفضاح أمر سجن ابو غريب والممارسات البشعة التي وقعت فيه.
    الاجراء الذي لجأت اليه الادارة الامريكية لم يتمثل فى حل الاشكال عبر توفير محاكمة عادلة للمحتجزين، تعاقب «المذنبين» وتطلق سراح الأبرياء، تمهيدا لاغلاق الملف المشين، خصوصا أن ثمة تقارير ترجح أن 70% من سجناء سجن جوانتانامو أبرياء. ولم تصح الوقائع التي نسبت إليهم وكانت الدافع الى اعتقالهم وترحيلهم الى «الباستيل» الجديد.
    لم تسلك الادارة الامريكية السلوك المفترض في اية دولة متحضرة ديمقراطية، ولكنها لجأت إلى تقنين المعاملة المهينة والوضع الشاذ، الذي فرضته على أولئك المعتقلين، مستخدمة في ذلك لافتة الحرب على الارهاب. ومستفيدة من اغلبية الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب لتمرير المشروع الجديد، بما يسمح بالتستر على ما كان، وإضفاء الشرعية على مختلف الممارسات التي تقدم عليها ضد المحتجزين، سواء في استنطاقهم أو احتجازهم، أو إخضاعهم للمحاكمة العسكرية والاستثنائية، وفي الوقت ذاته اسقاط جميع القضايا المرفوعة لصالح المحتجزين امام المحاكم الفيدرالية. ناهيك من إبطال مفعول قرار المحكمة العليا بعدم قانونية المحاكم واللجان العسكرية، وعدم شرعية نظرها لقضايا المعتقلين.
    لقد أبقى القانون الجديد على السجون السرية، التي كان انكشاف أمرها أخيرا فضيحة جديدة للادارة الأمريكية، كما أتاح للمحققين الأمريكيين استعمال «أساليب شديدة» في استنطاق واستجواب المتهمين ـ غير الامريكيين بطبيعة الحال ـ والاصرار على منع التعذيب الجسدي بالجرح او البتر أو الاغتصاب، في حين أجاز استعمال «وسائل تقنية» اخرى قاسية وغير مألوفة للحصول على المعلومات. وترك القانون للرئيس الامريكي حق تحديد ما هي الأساليب المتبعة في هذا الصدد. وقد أوضح البيت الأبيض أن جزءا من التقنيات المسموح بها، أن القانون يسمح بمحاكمة المحتجزين أمام محاكم عسكرية خاصة، وأضيف انه لا يسمح للمتهمين باستئناف الاحكام امام المحاكم الفيدرالية، بل إن القانون يذهب الى أبعد من حيث انه يسمح باعتماد «الوشاية او الاشاعة او الافادة من شخص آخر»، إذا رأى رئيس المحكمة العسكرية ان لها مصداقيتها (وهو الامر الذي ترفضه بشدة المحاكم الامريكية العادية) ـ وفي ظل تلك الرخصة بات متاحا للأجهزة الأمنية الرسمية إفادتها الخاصة امام المحاكم العسكرية، وألا يكون هناك مجال للطعن في سلامة ذلك الاجراء، بحيث تعتمد تلك الافادات في الإدانة، التي لا مجال للطعن فيها بأي حال.
    الخلاصة ان مضمون القانون، وهو يطلق يد السلطات الامريكية في محاكمة المشتبهين والمحتجزين، فانه يهدر على نحو مدهش كافة الضمانات التي كفلتها القوانين لحمايتهم اثناء التحقيق، أو توفير محاكمة عادلة لهم.
    (لم يكن الامر سهلا، ولكن الإدارة الأمريكية خاضت لأجل تمرير القانون معركة شرسة استمرت طيلة الأسابيع الماضية، قادتها منظمات الحقوق المدنية، وشارك فيها عدد غير قليل من السياسيين والعسكريين البارزين، الذين حذروا من خطورة مضمون المشروع، ليس فقط على منظومة الحقوق المدنية، ولكن أيضا على السمعة الاخلاقية للولايات المتحدة ـ اذ هي بهذه الخطوة لا تشوه صورتها وسمعتها في العالم فحسب، وإنما أيضا تحدث ثغرة خطيرة في القوانين والمعاهدات الدولية، وبمقتضاها يرخص للدول الكبرى أن تهدر مضمون تلك القوانين والمعاهدات، وتفتح الباب للعبث بالتزاماتها بحجة «توضيحها».
    تورط الادارة الامريكية في هذه الفضيحة الجديدة دفع وزير الخارجية السابق كولن باول الى الخروج عن صمته، والجهر بانتقادها، وهو الذي كان عضوا في الحكومة الى ما قبل 20 شهرا خلت. فقال في مقابلة تمت معه قبل عشرة ايام، «ان العالم بدأ الارتياب في الاساس الاخلاقي لكفاحنا ضد الارهاب»، وسجل اعتراضه على إعلان الرئيس بوش عن ان الولايات المتحدة ليست مرغمة على الالتزام بقواعد معاهدات جنيف في تعاملها مع المشتبهين في الضلوع في الإرهاب، مضيفا أن ذلك الموقف من شأنه أن يرسي سابقة بالنسبة للدول الأخرى، قد تعرض القوات الامريكية ذاتها للخطر (في حالة وقوع بعض أفرادها في الأسر وتعرضهم لمثل ما يتعرض له المحتجزون في الولايات المتحدة من تعذيب وإذلال. وتساءل باول أيضا: ماذا يكون موقف الادارة الامريكية لو ان بلدا مثل كوريا الشمالية او اية دولة أخرى سارت على نهجنا في «توضيح» واعادة تعريف بنود معاهدة جنيف، التي تمنع انتهاك الكرامة الشخصية والمعاملة المذلة للسجناء؟).
    جديد هذا التطور بالنسبة لنا ولأمثالنا في العالم الثالث لا يتمثل في ممارسة التعذيب وعدم التردد في اهدار الكرامة الانسانية لغير الأمريكيين، ولكنه يتمثل في أمرين، أولهما إضفاء الحماية القانونية على تلك الممارسات والانتهاكات، وثانيهما سقوط الولايات المتحدة رسميا في اختبار الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، وفي الوقت ذاته سقوط كافة الدعاوى الامريكية التي تزعم انحيازا للديمقراطية والحرية.
    هذا الوجه القبيح للممارسات الامريكية التي لا تتردد في انتهاك مختلف القيم والمبادئ في عوالم السياسة والقانون والأخلاق، إذا ما وقفت عثرة في طريق تحقيق المصالح والمطامح الأمريكية، يعرفه جيدا كل متابع للسياسة الامريكية منذ حرب إبادة الهنود الحمر وحتى احتلال العراق، مرورا بالممارسات البشعة في امريكا اللاتينية والتواطؤ على تركيع الشعب الفلسطيني وتسويغ قتله بواسطة الاسرائيليين.
    وقعت اخيرا على نص محاضرة نشرتها مجلة «وجهات نظر» المصرية «عدد اول سبتمبر (ايلول)» للسفير البريطاني السابق كريج موري عن تجربته فى أوزبكستان التي عمل بها في الفترة ما بين عامي 2002 ـ 2004، وكان قد ألقى تلك المحاضرة في جامعة يورك الانجليزية، وقدم خلالها شهادة مثيرة للدعاية الامريكية الخاصة لنظام الرئيس كريموف، الذي لم يتخل عن أساليب التعذيب البشعة، التي كانت متبعة في العهد الستاليني، وقد وصفه السفير موري، بأنه احد اكثر الديكتاتوريين شرورا في العالم (عدد المعتقلين السياسيين يتراوح بين 10 و40 الفا)، ولأن للولايات المتحدة قاعدة عسكرية فى أوزبكستان تؤدي دورا مهما في وسط آسيا، فان الرئيس كريموف اعتبر أحد أبطال الحرية في العالم المعاصر، في خطاب ألقاه وزير الخزانة الامريكي ادنيل أثناء زيارته للعاصمة الاوزبكية طشقند في عام 2002، كما انه نزل ضيفا على الرئيس بوش، وشرب معه الشاي في البيت الأبيض، وقدمت له واشنطون مساعدات مالية سنوية وصلت الى 500 مليون دولار، وهو رقم يتجاوز بكثير ما تقدمه الادارة الامريكية لكل دول غرب افريقيا.
    استوقفني في محاضرة السفير البريطاني ـ الذي قال انه طرد من عمله بسبب موقفه ـ أمران أولهما انه روى وقائع متعددة عبرت عن تواطؤ سفراء الدول الغربية في طشقند، وعدم مبالاتهم بالفظائع التي تجري في أوزبكستان، لمجرد أن الرئيس كريموف حليف للولايات المتحدة، وبلادهم بدورها حليفة لواشنطون. اما ثانيهما فحوار السفير كريج موري مع نظيره الأمريكي في طشقند حول التعذيب البشع الذي يتعرض له سجناء الرأي في أوزبكستان، وتبرير الأخير لتلك الانتهاكات بأنها موجهة ضد المسلمين، بما يعني أن ذلك يعد سببا كافيا يسوغ استباحتهم ما يرتكب بحقهم، ثم قوله ان الولايات المتحدة لا تمارس التعذيب لكنها لا تستطيع ان تمنع اصدقاءها من ممارسته لكسب المعركة ضد الارهاب. وهو كلام يستحق الان ان يراجع من جانب السفير الامريكي، لان بلاده اصبحت في ظل القانون الجديد رائدة في تقنين التعذيب، وبعد ان ظلت تلقننا حتى عهد قريب دروسا في الحرية والديمقراطية، فإنها أخذت عنا بعض رذائلنا وزايدت علينا بهذه الخطوة البائسة، ومن ثم اعلنت الانضمام رسميا الى نادي جمهوريات التعذيب في العالم المعاصر.
    ............................................
    *الشرق الأوسط ـ في 4/10/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  10. #22 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    إنهم يستحضرون العفاريت.. ثم يطالبوننا بصرفها!

    بقلم: فهمي هويدي
    .....................

    بعد خمس سنوات مما سمي بالحرب العالمية ضد الإرهاب، قرأنا تقريرا لرئيس وحدة مكافحة الإرهاب في بريطانيا (بيتر كلارك) أعلن فيه أن الموقف في بلاده «مقلق جداً». أيد ذلك الانطباع تقرير لجنة الاستخبارات والأمن البريطانية. وذكر أنه في عام 2001 قدر جهاز الاستخبارات الداخلية عدد المسلمين المشتبه فيهم بحوالي 250 شخصا. هذا الرقم تضاعف سنة 2004 حتى وصل الى 500 شخص. وفي العام الذي تلاه تزايد عدد المشتبهين من المسلمين الى 800 شخص. أما بعد تفجيرات لندن عام 2005 فقد وصل عدد المشتبهين المسلمين الى آلاف لم يتم حصرها بعد، أو لا يراد الإفصاح عنها في الوقت الراهن. هذا التزايد في أعداد المشتبهين تزامن مع تزايد مماثل في أعمال واحتمالات العنف في بريطانيا، والتي أعلنت عنها الأجهزة الأمنية، إذ بعد تفجيرات القطارات التي شهدتها لندن في يوليو (تموز) عام 2005، أعلن في شهر أغسطس (آب) من العام الحالي عن القبض على مجموعة من 20 شخصا قيل إنهم ضالعون في مخطط تفجير طائرات متجهة الى الولايات المتحدة. وقبل أيام قليلة في (2/9 الحالي) تم اعتقال 16 شخصا جديدا تطبيقا لقانون الإرهاب. وحسب توجيهات المصادر الأمنية، فان هذه المجموعات مستقلة، ولا علاقة بين بعضها البعض، الأمر الذي استنتج منه الخبراء أن ثمة تعددا في الخلايا التي يشتبه في إقدامها على عمليات إرهابية داخل بريطانيا.
    لم تكن المنظمات الإسلامية في بريطانيا وحدها التي أعلنت أن سياسة حكومة بلير في الشرق الأوسط، بوجه أخص منذ مساندتها للولايات المتحدة والاشتراك معها في غزو العراق، كانت من بين الأسباب التي فجرت مشاعر التعصب بين الشبان المسلمين في بريطانيا، ذلك أن هذا التحليل أصبح محل اتفاق بين أغلب المثقفين الإنجليز الذين عبروا عن آرائهم في هذا الصدد في العديد من التعليقات الصحفية والبرامج التلفزيونية، بل إن هذا هو أيضا رأي المسؤولين عن أجهزة الأمن، وهو ما تجلى في التصريح الذي أدلى به لهيئة الإذاعة البريطانية بيتر كلارك رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة اسكوتلانديارد، وتحدث فيه عن تعلق الشبان المسلمين الإنجليز بالحاصل في العراق، وكان من الخلاصات المهمة التي خرج بها مراسل «بي بي سي» بعد أن حقق في الأمر طيلة عام كامل، أن الصراع في العراق هو السبب الرئيسي لتطرف الشبان المسلمين هناك.
    بشكل مواز، أعلنت الشرطة الألمانية أن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام والتي نشرتها الصحف الغربية، كانت الدافع الرئيسي وراء المحاولتين الفاشلتين لتفجير قطارين غرب ألمانيا خلال شهر يوليو الماضي، أثناء استضافة ألمانيا لبطولة كأس العالم لكرة القدم، بحسب ما ذكرته صحيفة «فيست دويتش» الألمانية في (2/9)، إذ نقلت الصحيفة تصريحات لرئيس الشرطة الفيدرالية الألمانية، يورج زيركير قال فيها إن المشتبه فيه الرئيسي في الهجمات، يوسف الحاج ديب، اعترف خلال التحقيقات بأنه بدأ التخطيط لتفجير القطارين بعد تواتر نشر الرسوم المسيئة للرسول في العام الماضي، حيث شرع فريقه في مراقبة مواعيد القطارات تمهيدا لتفجيرها وتوصيل رسالة الاحتجاج والغضب الى المجتمع الغربي.
    ما الذي يعنيه ذلك؟
    لا يحتاج المرء الى بذل جهد كبير للإقرار بأن ما سمي بالحملة على الإرهاب حققت فشلا ذريعا. ليس ذلك فحسب، وإنما كانت سبيلا الى توسيع دائرة الإرهاب وتعميمه، وهي خلاصة مهمة. يستغرب المرء كيف أن أصحاب القرار في الدول التي أعلنت تلك الحرب المزعومة لا يريدون الاعتراف بها، ويصرون على استمرار السياسة نفسها التي أوصلت الأمور الى ما وصلت اليه، وتتضاعف دهشة المرء حين يقرأ وسط هذه الأجواء كلاما صدر عن الرئيس بوش، قال فيه انه إذا لم يتم دحر الإرهاب في بغداد، فانه سيتعين على الأمريكيين وقتئذ محاربته في شوارعهم. في إشارة موحية تثير الشك في مسلك المسلمين الأمريكيين، وفي الغرب عموما.
    لابد أن يلاحظ في هذا الصدد أن العالم الإسلامي شهد خلال الفترات الخمس الماضية ما لا حصر له في الإجراءات والمراجعات التي يفترض أنها تعبير عن التجاوب مع الحرب المفترضة ضد الإرهاب. وبصرف النظر عن رأينا في جدوى ومدى الصواب في تلك الإجراءات، فالشاهد إنها حدثت، في حين أننا لم نجد خطوة واحدة في الجانب الآخر، موحية بأن ثمة مراجعات من جانبهم، سواء في السياسات والمواقف التي استفزت الضمير الإسلامي وأهانته، أو في الخطاب الإعلامي الذي ما برح يجرح المسلمين ويستثير المشاعر ضدهم، مرورا بمناهج التعليم التي ما زالت تحمل أصداء وبصمات الحروب الصليبية بما تضمنته من تحريض واستثارة ضد المسلمين كافة. وذهب بعض الساسة الغربيين الى أبعد، الأمر الذي تجلَّى في استخدام الرئيس بوش لمصطلح الفاشية الإسلامية، اشك في انه يعرف المدلول الحقيقي لكلمة الفاشية كما حدث في إطلاقه وصف الحروب الصليبية عنوانا للحرب ضد الإرهاب. تجلى ذلك التحامل أيضا في غمز رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الثقافة الإسلامية وتحقيرها من جانب برلسكوني رئيس الحكومة الإيطالية السابق.
    استمرار هذا الموقف لا يبشر بالخير، ذلك أن من شأن تلك التعبئة المعادية للمسلمين والجارحة لهم أن توقظ لدى المواطن الغربي شعوره بالتوحش والبغض إزاء المسلمين، خصوصا المقيمين منهم في الغرب،
    (عددهم في أوروبا والولايات المتحدة بين 25 و30 مليون مسلم). ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك الى تعميق الفجوة بين المسلمين والمجتمعات المحيطة بهم ونحن لا نتحدث عن افتراضات لأن ذلك حدث بالفعل ليس فقط في الولايات المتحدة التي يتحدث ممثلو المنظمات الإسلامية فيها عن تزايد مستمر في مظاهر الكراهية للمسلمين في مختلف الولايات، ولكن ذلك حاصل أيضا في أوروبا، التي كنا الى عهد قريب نعتقد أنها اقرب الى العالم العربي والإسلامي، ومن ثم اكثر فهما له وتجاوبا معه. ورغم أن ذلك الانطباع لا يزال صحيحا الى حد كبير، إلا إننا ينبغي ألا ننكر أن مظاهر الخوف والقلق زحفت الى بعض القطاعات، حتى في بريطانيا التي لها رصيدها المعتبر في احترام تعدد الثقافات.
    وفي إسبانيا التي تحتل مكانة خاصة في الذاكرة العربية، بحسبانها صديقة للعرب والمسلمين. في هذين البلدين بوجه أخص تعددت في الآونة الأخيرة وقائع النفور من المسلمين والتوجس منهم، الى الحد الذي دفع بعض ركاب الطائرات الى الامتناع عن الصعود اليها لمجرد أن بين الركاب عددا من المسلمين!
    في هذه الأجواء تصبح مسألة التعايش بين الجاليات المسلمة والمجتمعات الغربية في خطر، ولا يغدو هناك محل لأي حديث عن حوار الحضارات، لكن أخطر ما في الأمر أن المناخ سيظل مهيأ لمزيد من مظاهر العنف، الذي قد يدفع اليه نفر من أبناء المسلمين الذين اصبحوا مواطنين في تلك الأقطار.
    ما العمل إذن؟
    للأسف، لا يبدو أن في الأفق حلا ممكنا لذلك الإشكال، فالعالم العربي والإسلامي لا يملك الكبير الذي يمكن أن يفعله، في الوقت ذاته فان السياسيين الغربيين الذين نسمع أصواتهم في الأقل، ليسوا على وعي كاف بأن السياسات الغربية في المنطقة هي العامل الأكثر تأثيرا في تفجير مشاعر الغضب بين شباب الجاليات المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة؛ وبالتالي فانهم لا يرون جذور المشكلة ويصرون على التعامل مع تداعياتها وأصدائها، ولا يريدون أن يعترفوا بان إصرارهم على قهر المسلمين وإذلاهم هو المفجر الأول للمشاكل التي يعانون منها. وأية عوامل أخري اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية، تأتي تالية في الترتيب، على الحاصل في فلسطين والعراق من جرائم لها امتدادها التي تابعناها في أفغانستان ولبنان.
    إننا نقرأ تصريحات للرئيس بوش يتحدث عن ضرورة التعامل مع جذور المشكلة، وذلك كلام طيب، لا نلبث أن نكتشف في نهاية المطاف أن التعامل مع الجذور يراد به التسليم بالحلول التي تريدها إسرائيل وتستجيب لطموحات الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
    لقد بحت الأصوات في العالم العربي من كثرة الحديث عن نبذ العنف وضرورة الاعتدال. والالتزام بالوسطية والتسامح و...و.. الخ لكن تبين أن هذا كله لا يمكن أن يحقق مردوده داخل العالم العربي أو خارجه طالما استمر إرهاب الدولة الإسرائيلية ليس فقط في فلسطين وإنما وجدناه في لبنان مؤيدا من قبل الدول الغربية الكبرى، وطالما استمر الاحتلال في العراق.
    في الأمثال العامية المصرية أن الذي استحضر العفريت هو الذي يتعين عليه أن يصرِفَهُ، لكن الغربيين في حالتنا هذه يستحضرون «العفاريت» ثم يطالبوننا نحن بصرفها!
    ............................................
    *الشرق الأوسط ـ في 6/9/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  11. #23 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية احمد خميس
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    مصر
    العمر
    61
    المشاركات
    294
    معدل تقييم المستوى
    18
    رد مع اقتباس  
     

  12. #24 رد: مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    شكراً للأستاذ أحمد خميس،
    مع تحياتي.
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. أسئلة الانكسار والضياع – فهمي هويدي
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 19/05/2010, 07:04 PM
  2. «إيباك» تحييكم! – فهمي هويدي
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05/04/2010, 08:50 AM
  3. إنها مصر الأخرى – فهمي هويدي
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27/03/2010, 08:15 PM
  4. المريب والعجيب في صفقة الغاز*فهمي هويدي*
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 18/03/2010, 09:50 AM
  5. القضية البربرية من وجهة نظر د.فهمي هويدي.
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29/12/2006, 03:58 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •