وصلت للمربد الرسالة التالية

منتديات أسواق المربد
بواسطة طالب هماش.

--------------------------------

الغريب عندنهاية الأمواج


طالبهمّاش



الشمسُ من ذهبٍ على سفح الغروبْ .
وفؤادها المحمرّ ُفوقالجمر
يسبحُ في مياه الليل قديساً
على قمر السهوب ْ.
الشمس ُ من ذهبٍ...
ترشُّ سنابل القمح الصغيرة
بالندى الورديّ
فيما حزنها النائي يذيبسنابل الصابون
في أفق من الخرّوب
أو يشتقّ كحل الليل من أهداب مريمْ.
شمسمذهّبة الضفائر في حقول المغرب الشفاف
ترفعها أكفّ الناي فوق أنينهاالمبحوح
ثم يردها جسد الهلال العذب
عن ندم السماوات المحرّم ْ.
فتغوص فيماء الفرات الصعب
كالسيف المضاء بحزنه النهدي
بينا تلمح الفتياتأجراسا
تعرّي قلبها المبيضّ للشهوات
والحزن الحسينيّ الذي يمتدّ خلف
شقائقالنعمان
من أقصى الشهور إلى محرّمْ !
فتشقّ قمصان النبيّ
حمامة مذبوحة فيحقل دمْ !
وتطير ما بين الغيوم البيض
تبحث عن سماوات محنّاة بحزنالروح
لكن الأعالي لا تجيد الحزن
والفرح الكذوب ْ
والشمس من ذهب على سفحالغروب ْ.
هل هذه الشمس المصابة بالفراق
محجّة الغرباء
أم إيماءة الماضيالتي يمشي الغريب وراءها
ليرى رهاب الموت
تحمله على الأكتاف أجسادالندامة
منذ آلاف السنينْ ؟!
..
ليرى سواد الليل تحمله جموع المريمات
منالمسيح الى الحسين ْ.
أم أنها متعبّد لليأس
عند نهاية الأمواج
يقصدهالغريب بقلبه الأعمى
ليجلس رائيا بين السكينة والسكين ْ؟
متوحّدا بالناي
أسمع في المغيب تنهّد النائين ..
ألمح في المدى
وجها فراتياً يميل بحزنهالمحروق
فوق مضارب البدو القدامى
ألمح امرأة تسرّح شعرها الأمواج
أمشاطالليل العاشقينْ .
...
معضوضةُ النورين كالتفّاح من جهة الشروق
كأنها ثمرلأوجاع الطبيعة
قطّرتها من لباب الناي
خمرة عاشق مرّ
وشمّ مذاقهاالسكّير مذهولا
بطعم الإحتضارْ !
هي من رأت في الليل يوسف
طالعا كالبدر
(
أجمل من غروب الشمس )
نادته
فلم تسمع سوى نغم يذيب
بكارة الأزهارفي ماء الشموع ْ
ويستدير على محيّاه الهلال !
هي من رآها الصبح
أصفى منشروق الشمس
طافية أنوثتها على التفاح
نادها فلم يسمع سوى
رجع التأوّه فيالصدى
وتراكض الليمون في سهل البقاع
شبيه صفرته
لينحت من دموع اليأس
أنصاب الظلالْ !
هي من رأته
هو ما رآها
هي ما رأته
هو من رآها
لكنما قمر المواويل اشتهاها
وهي تغسل في مياه النهر صلصال الأنوثة
إذتراءت عضّة الشمس الصغيرة تحت نوريها له
حمراء َ كالتفاحة البكر التي ما مسهاضوء
ولا قطفت يدان ْ!
من ذلك الماء الذي ينحلّ
من فطر الوحامالغضّ
تنبت زهرة الحنّاء قانية
كصحن الأقحوان ْ!
ورأى الحليب بأمّعينيه
يطيّر من غبار الطلع أصدافا لحزن الروح
شاهد موته المخبوء في جسدالأنوثة
طاهرا كالماء ،
مرّا كالجذام .
ورأى قصاصات مدلاّة على الأزهار
تقطر من فؤاد المرأة المعبود
شاهد في عراء النور ظل حمامة بيضاء
فاردةجناحيها
على زيتونة الحزن الحرام ْ.
هي أيّ امرأة
تلاطم شعرهاالأمواج
فوق رمالها العطشى ،
ويحملها الحفيف على سنابل قمحه المبحوح
كييرث الهبوب خريره المخضرّ من دمها
وشهوتها ترفرف كالملاءة في الظلامْ.
أبدا يحدّق شاعر في ذلك الأفق الحزين
لزهرة الحناء
مشدودا على وترالفراق كآخر النايات
منتظرا دنو ّ الموت من دمه
ليحني جذعه المكسور فوقالسيف
منتحرا على كرسيّه المتروك
في أقصى السنينْ !
من شرفة مهجورة يتأملالرجل الغريب
طيور عزلته تجدّف في غروب الشمس
حاملة ضريحا شاغرا للخاطئينْ !
لا الليلُ .. لا الأحزانُ
لا ( أحدُ ) سيعرفُ ما الذي
جعلَ الغريبَيصيحُ في رحمِ السكينةِ
يائساً :
يا ليلُ هل هذا السوادُ خطيئةُالعشاق
أم حبر الكهانة في مُتَعَزَّلِ الشعراءِ
أم ندمُ الحياةِ بشخصهاالأعمى
لما ارتكبتْ يداها من الأحزان والألمِ المهيبْ !
أم أنه رجلٌ حزينٌ
حوّلته العزلةُ الظمآى
إلى ما يشبه المنحوتة الصمّاء
في كهفِ المغيبْ؟
لم يبق غير اليأس
يذبحُ أغنياتِ الحزنِ في فردوسه المهجورِ ،
والخمرِالتي تخزُ المواجعَ في سويداءِ الغريبْ !
لم يبق إلا عاهل الأحزان ِ
مشنوقالمراثي فوق صلبانِ النحيبْ !
فكأنّ من قهرته أسبابُ الحياةِ
يظلُّ طولالعمرِ كالفزّاعةِ الجوفاءِ
منفرداً كئيبْ !
وكأنّ من دخل المدينةعاشقاً
لا بدّ أن يمضي وحيدا
حين يكبر حزنه
ويدقُّ ناقوسُ المغيبْ !
لا شيء يتبعُ ظلّه إلا عواء الليل بالخسرانِ
والأوعارُ توحشُ قلبه الدامي
وتتركه وحيداً في العراءْ .
وهناك في مأوى الكآبة
حيث يبكي الكاهنُالأبديُّ للأيام
ساعات المساءْ.
(
جلسَ الغريبُ ) مكفّناً ببكائه
يتأمّلالأمواج كي ينسى مقامات البكاء ْ !
في ذلك الشفق الجريح
رأى حمامةَ روحهالبيضاءَ داشرةً
على طرفِ الغيومِ السودِ
تسبحُ في عشيّاتِ الفراقِ
ففاضَفيه الحزنُ،
فاضَ حنينه المحروق لامرأةٍ
فناحت في أقاصي الروح أبيات الرثاء!
وعلا بكاءُ ضارعٌ في الريحِ
من جهةِ الغروبِ
محمّلاً بتنهّدٍ محدودبٍ فيصوتِ نايْ !
فرأيتُ سرباً من ( شحاريرٍ )
يحوّمُ كالحمائمِ في أسايْ .
وصبيّةً محنيّةً مثل الهلال
على غديرِ الليلِ ..
راخيةً ضفائرها علىأمواجه السكرى
كشلال الشموعْ .
والماءُ ينضحُ تحت ساقيها
جراراً من دموعْ .
في غفلةٍ من قلبها
اهتزّتْ شجيرة فجرها المحمرِّ
وانكشفت جبالُ العتمِعن طفلٍ يصلّي
الفجرَ في ذيّالكَ الأفقِ اليسوعْ .
فاسّاقطتْ من صدرهاالمبيضِّ
حاءاتُ المواويل الحزينةِ
بينما سالتْ دموعُ العينِ في حزنوموسيقى
ليشربها الطلوعْ!
شاهدتها بثيابها البيضاءِ واقفةً
تيمّمُ وجههاجهةَ الشروقِ
كزهرةِ العبَّادِ
يسقيها الحمامُ هديل عينيه الحزينَ،
ويستحمُّ الموتُ تحت جدائلِ الشعرِ المذهّبِ
مثلما السكّيرِ
حتى يرتويوجدُ الثمالهْ .
وتضيءُ في دمها النجومُ الزهرُ
أصيافاً مصفّاةَ الليالي
ثمّ تُشعلُ قلبها مثل الشموع
لتملأ الدنيا قصاصاتٍ مذهّبةً
وتشعُّ من حزنالغلالهْ .
فأبحتُ في الليلِ البهيمِ بكاءَ روحي
صارخا : هل هذه الدنياامرأهْ ؟ ..
يجري وراء سرابها العشاقُ
كي يتجرّدوا من يأسهم ؟
لكنّهم ( لايحصدونَ ) سوى الندامهْ والنحيب !
أم أنها مرثيّةُ الموتِ الأخيرةُ
تُسكرُالعشاقَ بالطعم المرير لخمرة الدنيا
وتلقيهم إلى أمّيّةِ الموتِ الحبيب ؟
لمينتبه قلبٌ ليعصمني من الليلِ المجرّدِ
بينما قمري وحيد فوق مئذنةِالمدينةِ
يدشرُ في العشيّاتِ الحزينةِ كالغريبْ !


طالب هماش