الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: نهوض المتوسط ( رواية)

  1. #1 نهوض المتوسط ( رواية) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0
    نهوض المتوسط
    رواية : صـــلاح والي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    / يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير/ صدق الله العظيم/44ق
    *****************************
    إلي الأرواح الهائمة تحرس الوطن بآلامها و تسعده
    بجراحاتها
    عندما تلتقي عيونك به فوق الكعبة يقلب وجهه في السماء
    صارخا الله أكبر فاعرفي أنه القطب الأكبر
    واذكري ذلنا ،
    صلاح والي
    *******
    (أ )
    لمرات كثيرة سقط المطر علي تلك الرمال؛ ولكنها لم تكن لتشربه هذه المرة!
    استجابت الرمال لقطرات الندي وأول الغيث آمرة قطرات الماء بالنفاذ إلي الأجساد والملابس التي في باطنها.
    دخلت قطرات الماء نافذة ببصيرة قوية ضاربة حدّ الشوق حدّ الشوق إلي الأعماق محافظة علي كيانها من التحلل أو الامتصاص حتى لامست الجلد الجاف والمتشقق فنفذت منه مارة بالعظام والعروق إلي القلب.
    بدأت تذوّب في كتل الدم المتجلط؛ وتضرب بحنينها في كل اتجاه.
    تبعتها آلاف القطرات علي نفس الدرب حتى دبت الحركة فبي القلب فنبض بوهن؛ عندها أسرعت القطرات إلي العروق تفتح الطريق وتذيب قطع الدم الصغيرة القليلة في مسارب الدماء.
    انتفض القلب في مكمنه ودقّ من الرعب فرنّت دقته ناقوسا للقيامة ؛ تجاوبت أصداءها في أنحاء الجسد مشعلة قنديلا من التذكر في الجمجمة؛ فسري الدم ونحركن العضلات واسترد كل عافيته؛ فنحرك السيد شرود ومن معه بقلق في موضعهم0

    ( ب )
    كان أكتوبر مازال ممتطيا صهوة جواده الأشهب غارسا مجد أيامه راية تبرق علي الرمال ؛ رافعا دويا صاخبا في السماء عبر قناة السويس مزهرا وردة الدم حدائق يغرد عليها (عصفور النار) ؛ يتردد بين جنبات الروابي صخب موسيقي( اسابليوس )علي لحن الخلود (الله أكبر) مقدما في حبّ كبير قرابينه من الفلاحين والمثقفين والعمال والجنود ؛ ترفرف عليهم أكباد وقلوب ذويهم عبر أجهزة الراديو والتلفاز.
    لم يكن من الممكن انتهاء تلك اللحظات الدافئة المليئة بالمجد أو نسيانها أبدا.
    كما لم يكن من المعقول تركها كل عام تمر دون أن تمرح في داخلنا جياد الشوق ودموع التذكر أنهارا أو تركها كل عام إلي العام القادم حتى يجيء أكتوبر الذي يمرّ من الذاكرة إلي حدقات العيون بجواده الأشهب داخلا في الصحراء؛ قادما في لحظات الفرح والمجد وكذلك في لحظات الانكسار والتردي ليشد بقوته القلوب الواجفة والعزائم التي يغزوها الشك؛ دافعا بمهاميزه بطن جواده منطلقا إلي الحلم0
    كذلك كان يدوس في كل ليلة علي هامات الذين يلوثونه ويحاولون إنكاره أو دفعه إلي زوايا النسيان فهو روح المصريين وشرفهم ؛ وفي أوقات كثيرة كان يأتي وبصحبته جواد من حطين عليه فارس شديد الوضوح منسي القسمات مرفوع الهامة تعرفه ولا يعرفنا.
    وكان يحلو له أن يمر من المنصورة ويقف أمام دار أبن لقمان ويبتسم ؛ كما كان يبتسم بشكل آخر عند قلعة قايتباي ؛ ومحمد علي ويضحك كثيرا عند الأهرام؛ وضبطه مرو في سبتمبر عند مقابر القاهرة القديمة يجمع العتاد ويمر وسط السويس متجها إلي البحر عابر ونافخا في سيناء نفير القيامة فتتململ الأجساد.
    ( ج )
    في يوم 6 يونيو 1967 استسلم جنود مصريون من احدي الكتائب التابعة للواء 114 مشاة في الموقع الذي تحتله الكتيبة عند جبل لبني قرب المطار ؛ ويمين جبل الملاك للمتجه شرقا..........
    ورغم استسلامهم فقد قامت الدبابات الإسرائيلية باقتحام الجنود الأسري وسحقت العشرات منهم تحت جنازيرها ؛ وقتلت الباقين بالرشاشات..يمكن البحث عن الموقع ....والعثور علي رفات الجنود وما يثبت هذه الجريمة حيث لم يتمكن من النجاة سوي خمسة جنود فقط ونحن ننشر هذه الرسالة نرجو:ـــ
    1ــأن يهتم الرأي العام بهذه الواقعة
    2ـــأن تهتم الجهات المعنية بالبحث عن رفات الجنود
    3ــأن يرسل لنا الجنود الخمسة الناجون بشهاداتهم
    4ــ أن يرسل إلينا قادة اللواء 114 مشاة بشهاداتهم
    5ـــ أن يرسل إلينا من شاهد المجزرة أو غيرها أو سمع أو رأي بما يعرف هذا ولا يزال الملف مفتوحا
    // نص رسالة الصحفي الفلسطيني أحمد كلش الذي يعمل في أبو ظبي؛ نشرت في بريد الأهرام أكتوبر 1995//
    ( ء )
    لما تململ السيد شرود في مرقده الرملي بعد أكثر من ثمانية وعشرون عاما أحسب آلام الاختراق ووجع امتداد العظم ولكنه أحس بنبض قلبه وكميات من الرمل التي تسد عليه كل اتجاه ولكنها لم تكن عائقه الوحيد ؛ ولا كميات وكتل الدم المتخثر حوله هي أيضا لم تكن عائقا أمامه؟
    ربما ملابسه التي ضاقت عليه أثناء نومه طوال هذه المدة؟
    كل هذا لم يكن ما يشغله!
    لكنه في الحقيقة كان يخاف من مواجهة أهل السكاكرة وليس كل أهل السكاكرة ولكن كان يخاف من مواجهة زوجته هنية التي وعق فيها يوم استدعائه للجيش عام 1967
    // ــــ لن تموت البهائم من الجوع....اصبري قليلا أطرد اليهود من سيناء وأعود كلها يومان
    ما الذي سيقوله لها الآن ؛ بعد ثلاثون عاما؟
    ماذا حدث طوال هذه المدة؟ هل تزوجت هنية؟
    هي فترة طويلة /نعم/ ولكن!!
    هل كبر الأولاد وتزوجوا؟
    هل يحمل اسمي واحدا من أبنائهم؟
    ربما ظنوا أنني من أو هربت؟
    كل هذا ليس مهما ولكن المهم ألاّ يكون بيتي وبيت أبي قد سكنه عدوي أو باعه أحد من دمي لغريب//
    كان قد جلي في مرقده فأحس بشيء ما يدخله ويملؤه ؛ حاول النهوض فقام واقفا.
    الليل شال أسود يطيّره هواء عدم تمكن الرؤية ؛ رأي أنه يجلس علي صخرة التاريخ علي باب البوابة الشرقية ويتذكر فترتد إليه روحه.
    // نعم كنا اللواء 114 مشاة
    الأرض مستوية إلاّ من ثنيات صغيرة كجسم امرأة عاري نائمة علي ظهرها وأنا أتأملها ؛ إنها نفس الأرض التي بحثت فيها عن تبة أو عشبة أدري نفسي جنبها... لكنها كانت الأرض منفتحة مستوية ومشتعلة علي أخرها..ولم أكن أنا رجلها؟
    ربما هو نفس ما حدث مع هانم البنا عندما سحبتها بالكلام الناعم حتى دخلت قاعة التبن وخرجت من هدومها
    وفرشتها علي الأرض ونامت عليها عارية وأنا واقف بين ساقيها مشتعلا ! ولكن إلي الآن لا أعرف ما الذي أطفأني؟!
    ربما هو قدري كلما اشتعلت وانتفضت انطفأت بلا سبب؟
    كنا نحن الأفراد في الموقع المتقدم نشكل موقعا أماميا لكتيبتنا التي تعسكر بجوار جبل لبنى قرب المطار ؛ وكنا قريبين من جبل الملاك ؛
    كانت المنطقة مكشوفة؛ وكان قريبا منا إلي الأمام مباشرة اللواء 116مشاة.
    حفرنا وجهزنا الموقع في اليوم الأول من يونيو1967 ثم بدأنا نصب المدافع الرشاشة واطمأن كل واحد علي ذخيرته وتعين القتال والماء و الزمزامية و القنابل اليدوية وقلنا للجاويش حسنين السبع
    ـ أوامرك ؟
    ـ لا ضرب نار إطلاقا إلا بالأمر
    ـ يا عم السبع نحن في حرب ، في اليمن كان الأمر اضرب ، والآن أمام اليهود تقول الضرب بالأمر ؟ يا سلام
    ـ انتباه يا أمباشي
    تغير السبع كثيرا رحمه الله فأنا أعرفه كنت معه في السجن ،
    مر اليوم علي خير ولكن كيف أفهم ؟
    في اليمن كان أعدائي من الملكين والموالين لهم وكانت الأوامر اضرب،
    هم أخواتنا عرب أيضا ولكن ضد الثورة يا جدع ،
    والآن اليهود أعدائي وعداوة العمر كله والأوامر انتظر ؟
    هل مخلوق أنا لمحاربة العالم ؟
    وأن العالم أعدائي سواء عرب أو يهود ؟
    من صديقي إذن ؟
    كان صوت عبد الناصر وهو يخير إسرائيل أن تشرب من البحر الأحمر أو الأبيض قويا وهو ما جعلني لهنية لن تموت البهائم من الجوع ،
    اعتدل علي صخرة التاريخ وامتدت رؤيته في الليل ، فلا شيء يراه ،
    تأمل كيف انهالت عليه القذائف ولم يكن هناك مكان للسؤال / هل تطلق النار أم لا ؟
    كان الموقع قد انهار واشتعلت قذائف ( ش، ف ) في كل مكان وقد لعلعت الدبابات والسبع زرع في الرمال زرع البصل ولم يبقي إلا مؤخرته وحزمته البيادة مرفوعة في الهواء .
    آه ....
    كيف يكون بن جلدتك عدوك ومن ليس من جلدتك عدوك ؟
    إذن أنت عدو الجميع .
    لم يستطع هذا الشرود أن يستقر علي رأي أو يفهم ولكنه يتذكر أن القذائف التي انهالت عليه لم تكن تعطيه الفرصة للتحرك أو المقاومة ، صحيح أنه أطلق كل ذخيرته باتجاه آليات العدو وعلي المثلثين المتقاطعين علي مجنزرات العدو ولكنها كانت كهرش الظهر ، أو كبخ الماء في وجه عملاق .
    لهذا لما وقفت المجنزرات علي رأس أول رفاقه محمد عبد البديع أيقن أن ما يراه يداس هو بيوت السكاكرة وأن ما خطته المجنزرات علي الرمال هو شوارع السكاكرة ،فارتفع الدم في عروقه من أخمص قدميه إلي أعلي رأسه صاعدا من بئر خوفه فهب واقفا ،
    ( قلت هي موته واحدة يا ولد يا شرود وزعقت من الألم و الذهول والذل
    ـ عاشت مصر حرة
    لم يكن الخوف وحده هو الذي فعل بي ذلك ، لأن الخوف منفي وقت الموت وكانت الكلمات جمرا يخرج من جوفي )
    لم يكد يرفع هامته ويصرخ إلا و طلقات الدبابات تمرق من حواليه جحيما وقد فتت ما حوله والتي لم تنفجر دقت في صدور وظهور رفاقه فثبتتهم بالرمال كفراشات محنطة
    سمعت وسط كل هذا صوتا يناديني كان صوت العم حفني لم أنتبه وكانت صورته واقفة أمامي فأمسكت بسلاحي فابتسم فأفرغته في كل ما حولي ثم سحبت جفير السونكي ليظل عاريا وتقدمت ...... أحسست بأصابع الجبر تخترق ساقي وقدمي وتدلي كرشي خارجا ، من بطني كذبيحة العيد ،
    كنت أحس أنني أخف من الريشة وأن قدمي ملتصقة بالأرض ، السلاح في يدي خفيف ورأسي ليس إلا عينان المجنزرات أمامي تسد الأفق ، كان بودي أن أقلبها علي الرمال مقلبا كما كنا نفعل ونحن أطفال بالجرن ولكنها وحش من حديد ودم ، وكنت ...
    كنت أحس أنني شمعة في نهايتها وكلما حاولت الصراخ أو الحركة أحس بأن النهار يروح والليل يأتي وفي وسطه خوذات و أقنعة وملابس خضراء تقترب باتجاهي هي بخطي واثقة فتشبثت بسلاحي .















    ( 2 )
    هدر البحر الأبيض كثيرا وصفع بكل قوته الشواطىء من رفح والعريش حتى بورسعيد وعض أقدام المواني وضرب بلكماته كل الأحجار التي علي الشواطىء وضرب بسهم المياه بعيدا علي الساحل .
    دمعت الترع والقنوات وتوارت داخل شطوطها من الإسماعيلية حتى أسوان ونزف نهر النيل طميا دمويا .
    نكست المزروعات رؤوسها وانزوي الظل الذليل تحت أقدامها فصرخت هنية
    ـ سترك يا رب ، وأفوض أمري لله إن الله بصير بالعباد
    رأت العم حفني علي باب الدار
    ـ كله عند الله سيرجع حالا
    عندما أفاقت من دهشتها لم تجد العم حفني
    ذهبت إلي الغيط وسحبت البهائم في عز الظهر ورجعت إلي الدار وأوصت الأولاد بحش البرسيم قبل أن تعقد الرباية فيه فقد ظهرت الأزهار وقاربت علي العقد وأن يتركوا حوضا للعام القادم .
    كانت تحس بغم وغمامة تكبس علي نفسها ولكن لا تعرف ماذا تفعل ؟
    ـ كابس عليّ العياط وحاسة بحاجة خنقاني وأنني فاضية خالص ومن غير حشا ولا بطن كأني والدة من ساعة
    قالت هنية وسمعتها ست الناس فدمدمت ورفعت وجهها للشمس ولكن الشمس توارت منها خلف نخيل السكاكرة فأشارت إلي النخيل وقالت :
    الماء من القمر ، وعين الشمس بينها وبينه سقف
    ـ أنا تعبانة فلا تلخبطي لي حالي بكلامك
    تركتها ست الناس وذابت فأكملت هنية مشوارها وراحت
    ******
    (3 )
    بحر من الآلام وسقف أبيض أمام وحصر بول ورائحة كريهة تفوح ورائحة سوداني محروق ورائحة أخري تملأ الدنيا .
    أحس بحزام حواليه فتحسس بطنه فتأكد أنه ملفوف من أسفل صدره حتى مشعره وأن ساقه في الجبس وهو عاري القبل والدبر
    حاول أن يرجع بذاكرته إلي ما قبل ولكنها حمار حصاوى مصر علي الوقوف فكان يغطس في بحر النوم والوهن والعجز
    في صباح اليوم التالي حملوه علي نقالة ثم وضعوه في سيارة كبيرة مع غيره وسارت بهم السيارة حتى ألقت بهم في معسكر الأسري بعتليت ،
    لم يعرف أولا أين هو ولكنه عرف بعد ذلك كل شيء لأنه ظل في وضع الإلقاء هذا حوالي الساعة هو ومن معه إلي أن جهز لهم زملائهم الأسري أماكن فرشت بالكارتون داخل العنابر ونقلوهم إليها وحاولوا الحديث معهم ولكنه كان بعيدا ، وقال في نفسه :
    ـ والله الحكومة أمرها عجيب تتركنا في الشارع من يوم أن نولد لا تعرف عنا أي شيء ونحن جوعي نرعى كالبهائم ثم نأكل الحشيش والسريس ثم بعد أعوام بعد أن يشتد عودك يأتي لك خفير ليقول لك مطلوب للتجنيد ؟ يا سلام
    أين كانت الحكومة وأنا أكل الحشيش والسريس من الجوع ؟
    من سيأخذ أخر حشة من البرسيم ليجهز أرض القطن ؟
    يا رب لا تنسي هنية أن تليس القاعة الشتوية بالطينة التي أمام الباب .
    أخذه البكاء المر المريح إلي عالمه فبكي ، التف حوله رفاقه وصار هو همهم فأراحوه وكانوا يحضرون الطعام لكل المصابين ويعتنون بهم وخاصة في قضاء حاجتهم ، وساعدوه في الجلوس مرة فرأي إصبع قدمه خارجة من الجبس ففرح وارتوت نبتة الأمل في صدره فأمسك بيديه فرعا من نباتات الأحلام واستنشق بملء صدره من الهواء ما شاء فطقطقت عظام صدره وأحس بآلام بطنه
    ـ فؤاد العيادة يوم كام وكام ؟
    ـ الله أعلم
    كان يوقظ نهار الأمل ويدفع به مساحات كبيرة فوق حياته وحياة الناس حتى يستطيع أن يمشي تحته ليبلغ داره .
    وكانت شمعة الأمل والفرح تطفأ كلما أشعلها وهو لا يعرف لماذا ؟
    ويهاجمه التخاذل والهوان فيصمت وشيء من اليأس يركبه ويفرد فوقه لحاف الهم فيستكين له وينام .
    ـ كله بأمر الله ، انتهي بي الأمر بالأسر في إسرائيل والسجن في الجبس ، زمان البهائم ماتت من الجوع يا عم جمال ، معلهش يا ريس
    كان يصرخ مهتاجا في ظلام الأسر ويعتب كثيرا علي جمال عبد الناصر ويحمله هم زوجته والبهائم والأولاد .
    كان عدم الفهم يعميه وتمضي به الدنيا ويسرح فينام .






























    ( 4 )
    بعدما رحل عبد الكريم شقيقه الأكبر إلي مديرية التحرير اكتشف أن التجنيد يطلبه فذهب إلي شيخ البلد :
    ـ المركز طلبك للتجنيد
    ـ وعبد الكريم ؟
    ـ عبد الكريم مع أمه في مديرية التحرير ولا نعرف عنه شيئا
    ـ يا عم الشيخ عبد الكريم أكبر مني بسنة ونصف
    ـ بكرة تسلم نفسك للمركز
    اكتشف هو و أبيه أن عبد الكريم وشقيقته ة أم عبد الكريم قد رحلوا إلي مديرية التحرير وقدموا للتجنيد وثيقة طلاق من عام مضي من مكتب مأذون دمنهور وبذلك أصبح عبد الكريم العائل الوحيد لأسرته وبذلك أيضا أفلت عبد الكريم من بين أصابع الجيش ورحل شرود إلي اليمن تاركا خلفه أولاده وزوجته مع أمه وأبيه وأخيه فتحي
    كان أبوه يحس بألم الغدر من زوجته مبروكة فأطلق دخان الجوزة في الهواء
    ـ لعنة الله علي النساء
    ولما عاد من اليمن كانت أمه قد ماتت وافتتحت أول قبور عائلتهم ولكنه كان عليه أن يأتي من اليمن ثم يذهب إلي سيناء ، تاركا كل شيء إلي جانب حقل يحتاج إلي مجهود وأب قارب من الشيخوخة ولم يصمد كثيرا بعد سفره إلي سيناء فمات
    ولم يكن يستطيع وهو جالس علي صخرة التاريخ علي البوابة الشرقية في سيناء أن ينسي كل هذا ، ولكنه كان يتأمل تصرفات الأقدار معه لكأنه مختار .
    تذكر أنه بعد خمسة عشر يوما من دخوله معسكر الأسر وكان جالسا في العنبر وزملاءه خارج العنبر يتسلمون التعين ويجهزون أخشابا للتدفئة فالليل في الصحراء سم ناقع ، لم يكن أحد منهم يتصور أن الوقت يمكن أن يمر ويسحب خلفه الشتاء ورمضان ، قالوا بعد أيام يتسلمنا الصليب الأحمر ويعودون إلي أهليهم فما حدث حدث والعوض علي الله .
    كان يحس أنه مرهق ومتعب وحاول النهوض ولكن قفص الجبس والأربطة حالت دون ذلك ؛ كان يريد أن يتشمس فهو ابن الشمس والهواء ويسأل عن العيادة ليفك الجبس ويزيل ألأربطة التي اتسخت وصارت لون الأرض ويرفع مقعدته قليلا ليهويها فقد تسلخت من الجلوس أو النوم.
    دخل عليه فؤاد
    ـــ العيادة؟
    ـــ لا نعرف أى أخبار يا عم السيد ؛ الصبر
    ـــ والحل في فك الجبس؟
    ـــ نفك الجبس هنا
    ــ وإذا كانت الكسور لم تلحم؟
    ــــ نرجع المستشفي
    لم يكن أمامه ما يقوله وهو جالس وقطع الزجاج المكسور والشنابر تفتح لها طريقا في الجبس؛ وتكشف عن ساق هزيلة مليئة بالشعر ؛ لاحظ أنهم يديرون وجههم إلي الجهة الأخرى!
    أمسكوه من تحت إبطيه ؛ رائحة كريهة ونتنة تهبّ عليه ولكنه قال ربما من عدم الاستحمام ؛ أقاموه واقفا وساعدوه علي السير معهم وأحضر له أحد الرفاق فرع شجرة يتوكأ عليه وتركوه وذهبوا لشئونهم.
    كان فرحا بوقوفه ؛ حاول السير خطوات قليلة كسيحة ولكنه أحس بالألم في بطنه وشيء يسيل علي ساقيه ورائحة كريهة تملأ المكان!؟
    كشف ملابسه التي صارت بلا لون فوجد خيوطا تتسع وتسيل وتخرج من تحت الضمادات التي تلف بطنه ؛ خطوط سوداء اللون تلعب ورائحتها كريهة جدا! ؛ تأملها كانت ديدان كثيرة ؛ حاول تحريك الضمادات ولكنه وقع علي الأرض صارخا : دود ويهود يا أولاد الكلب.
    بكي بحرارة وانكسار :يا مري....فؤاد ..وتهدج صوته هامسا بضعف ..فؤاد ..دود يا فؤاد..... دود .
    لم يحس إلاّ وهو بالمستشفي وآلام شديدة تهاجمه من كل اتجاه؛ فقد نم تغيير ملابسه والضمادات وعلق في يده كيس دم والأخرى كيس محلول.
    مر شريط الذكريات وتذكر النبي أيوب المبتلي وقال باكيا : الذل ألاّ تستطيع خدمة نفسك.
    كان يأمل أن يأتي إليه رفاقه ليسألوا عنه، ولكنه كان يعذرهم فكيف لهم بالخروج وهو قد رأي بعينيه الحراسات والكشّافات من شباك العنبر وسمع بالليل والنهار تبديل الحراسات وصوت إطلاق الرصاص.
    ولم ينس ليلة هرب بعض الأسري المصريين جنود وضباط/ وكانوا قد أبلغوا عن أنفسهم أنهم جنود/ من المعسكر المجاور ؛ ولا نعرف هل نجحوا في الهرب أم لا ؟
    ولكن ما حدث كانت ليلة أشد هولا من يوم القيامة ولهذا فهو يعذر رفاقه في عدم الحضور.
    ماذا لو كان بلا جبس أو جراح؟
    أكيد كان هرب وعاد إلي هنية والعيال/ ربما تم تقسيم البيت الآن بين الأولاد/
    أو أنهم كبروا وتزوجوا!
    كم مرّ عليه من السنوات قبل أن ينهض ؟ ربما تزوجت هنية
    لا..لا..لا.. ا لا يمكن
    و ما الذي يمنعها من الزواج؟
    هل ستصبر طوال هذه السنوات لتصير ناعسة وأنا أيوب؟
    هل لو كنت مكانها وهي التي ضاعت .....
    في كثير من الحالات كان يري في سقف الحجرة بيوت وشوارع السكاكرة ؛ ولكن لماذا في هذه الليلة بالذات وليلة أن هرب المصريون رأي أحمد يبتسم له والدموع في عينيه؟
    لماذا كان العم حفني صامتا؛ وست الناس تجري وعائشة الخياطة مكممة ؛ وزوجته وأولاده حتى أخيه عبد الكريم ؛ لماذا كلهم جاؤوا؟
    سقط في بئر النوم وقام علي حركة كثيرة حوله
    ــ ستعودون إلي المعسكرات
    كان غير قادر علي الحركة ؛ سحبوا الخراطيم وأفرغوا الأكياس وكوّموه مع آخرين فيجوف عربة كبيرة لها رائحة الجراحات النتنة وأقفلت عليهم.
    بدأت التأوهات والصرخات مع تحرك العربة حتى دخلت ضبابية الغروب التي كان يراها من فتحة في سقف العربة وهو مطروح علي ظهره ، كانت معظم الجراحات مفتوحة وطرية والنزف بحر من اللزوجة و الألم حولهم.
    أغمي علي البعض وتوقف صراخ البعض؛ ولما كنت لا أستطيع الحركة والليل أقفل بظلمته فتحت السقف ولكن أدركت أن العربة سارت مسافات طويلة0
    لما وقفت العربة أحسست بالضياع وأنني لن أري المعسكر مرة أخرى.
    كانت الحفرة كبيرة كنت أراها رغم الظلام واجهتنا ونحن بالعربة بعد فتح الباب وأكدت الأنوار التي اندلعت علي جانبي الحفرة كبرها؛ أنزلنا الجنود فوق بعضنا إلي الحفرة دفعات دون مراعاة جراحاتنا كان الجنود بملابس الميدان ونحن بعضنا عراه وبعضنا بملابس داخلية والبعض ميتا؛ لكن الباقي بين الحياة والموت.
    فتحت عيني من تحت كومة الأجساد لأستوعب ما يحدث فقابلتني الرمال التي انهالت علينا تماما ولم تتوقف لكأنما الصحراء واقفة علي قدمين تنفض فوقنا حجرها المليء بالرمال.
    أقفلت عيني فرجعت إلي السكاكرة راجعا من سفر طويل معانقا البيوت والشوارع وأكوام السماد والنخيل والكلاب والهواء أما الرجال والنساء فكانوا يدبون في صدري سرت في دروبها طويلا متشمما هواءها فسقطت الضمادات فسرت إلي الغيط وناديت الأولاد وفرشت غبيط الحمارة تحت التوتة ونمت علي أمل القيام للذهاب إلي البيت.
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    أحس يوما ما أن شيئا يخرج منه ويرتدي ملابسه العسكرية حاملا سلاحه يطير فوق سيناء ويلقي بالنار علي من دفنوه حيا؛ الرمال حرائق ؛ زروع خضراء لا يعرفها تنبت من وسط النار؛ النار تأكل البحر المتوسط .
    اغتسل في القناة ونام علي أمل القيامة.
    ( 5 )
    تملل في جلسته مرة أخري
    ـ تري هل قسم البيت بين إخوتي وأولادي وتركوني بلا نايب ؟
    هل تزوجت هنية وتركت العيال لأبي والله حرام ما أنا فيه
    سنوات طويلة من الاغتراب والدفن ولا تستطيع يا شرود أن تحاسب أحد عما يفعله ،ربما مات منهم أحد ؟.
    ما الذي أخرجني من هذه الحفرة العميقة ؟ ولماذا ؟
    والذين معي هل خرجوا كلهم ؟
    هل ردت الروح التي لم تؤخذ منا إلينا ؟
    .................................................. ..
    كان الليل قد ولي والشمس بدأت تظهر في الأفق فلاحظ أنه بلا ظل ؟
    وأن الرمال التي كانت حفرا صارت ملساء وليس لها أخر
    تأكد في هذه اللحظة أنه روح فقط فارتاع وقال :
    كيف يمكن أن أكلم الناس ، وما قيمة عودتي ؟
    هنا سمع الصوت الذي ملأ أذنيه كثيرا وهو تحت الرمال :
    ـ عندما تريد أن تظهر ركز نفسك في نفسك ، واصرفها تختفي
    لم يفهم أول الأمر ولكنه حاول فظهر ووجد له ظلا ففرح ودار حول نفسه ، ثم صرف نفسه عن نفسه فأحس بشيء يخرج منه واختفي ظله .
    ...........................................
    كان يطير بجناحيه تحدده هالة خضراء اللون حوله ويكاد يذوب في السحب وكانت السحب رقيقة بليلة ترد الروح ككلمة الحب لمنتظرها من حبيب بخيل ، تراّي له شريط السكة الحديد واستطاع أن يميز كثيرا من المحطات فهو يعرف أن كل محطة لها شكل يختلف عن الأخرى ، ويعرف أن محطة بلده وان كانت صغيرة إلا أنها مميزة بالبناء بالبلوكات الجاهزة من الأسمنت والسور الطويل حولها ومخازن الوقود في نهاية الرصيف التي يملأ منها القندلجي مصابيح الإشارة للقطارات وفانوس المحطة وفانوس المزلقان ويعرف العشة الطين التي بناها عمي صالح وكذلك اليافطة المنقوش عليها اسم ( الفريــــديــــــة )
    دار كثيرا حول المكان ، هذا هو صهريج المياه الكبير ولكن تغير شكل المحطة وصارت شرشيمة بدلا من الفريــديــة،ولكن البناء ذليل وغير مهيب وما هذه العمارات الحجرية التي أكلت كل الحقول ، صحيح أن الطريق أصبح مرصوفا لكن لا يهم (عمي إبراهيم إيه رأيك ) كان يرش الطريق ويجعله كالأسفلت .
    تاهت السكاكرة القديمة من أمامه وان بقيت في عيونه ، طار فوقها فعرف هذا البيت الطيني بحديقته لم يتغير بجوار المسجد وأمامه المضيفة أنه بيت أحمد ، أشجار الرمان والورد والتمرهندي والنخيل والكازورينا والكافور وأحواض الشبت والبقدونس ،
    مادام قد وصل إلي بيت أحمد فحتما سيجد بيتهم ، حوّم ودار فوجد مكان بيتهم عمارة كبيرة بأدوار عالية ومضاءة بالكهرباء وعيال ونساء وأطفال تخرج وتدخل ولمح من وسطهم واحدة بجلباب أسود فحن دمه إليها وهتفت روحه : هنية
    التفتت باتجاهه ولكن لم تجد شيئا فسارت
    ـ الحمد لله هذا هو البيت
    دخل إلي البيت فوجده قد غادرته رائحة البرسيم ورائحة اللبن الرائب ورائحة ملابس النساء العرقانه وفرش الكنب ،
    عادت هنية فتبعها حتى دخلت فوجد ولداه غانم وعربي فحمد الله كثيرا وبحث عن الشالية (موقد النار) والكانون والحصر وشادية ابنته فلن يجدهم ؟
    ـ هل هذا بيت أبي ؟
    نظر إلي هنية عاتبا لكأنما هي المسؤولة عن إيقاف البحر الكاسح حتى لا تغرق البلاد فتبني فيها عمائر الأسمنت ومخازن البيرة والسريع أو ربما المسؤولة عن عدم وصولهم إلي كل خلية في مخ البشر في كل مكان .
    أليس هذا كلامك يا أحمد ؟
    أليست هذه نبؤتك ؟
    حينما قلت (نحن خارج العصر لأننا لا نشارك ولا نطور ولا نستخدم محددات القدرة الثلاثة :
    1ـ المتناهي في الكبر الأعظم وهو الكون بمجراته وأبحاثه ومكتشفاته الهائلة ،ونحن
    مستمعون في هذا المجال .
    2ـ المتناهي في الصغر الأعظم الإلكترون والجسيمات وما بعدها ودراساته
    والصناعات القائمة ، وما تلا ذلك من اكتشافات ونحن لا نعرف من كل هذا إلا
    التلفزيون والتليفون وخلاص .
    3ـ المتناهي في التعقيد الأعظم وهو الكمبيوتر والروبوت وما شاكل وشابه وتناسل
    بأجياله المختلفة وسلالاته المتعددة ونحن لا علاقة أولا وأخيرا لنا بكل هذا. )
    كما قلت يا سيدي العزيز أحمد وإن كنت لم أفهم حديثك في تلك الأيام ولكنه واضح جدا عندي الآن ( لقد استفادوا من كل الثورات لإنتاج نظام لا حضارة له ولكنه يسيطر بقوة الدمار والرعب والمال والنساء ،ولهذا فهم قادرون علي التكيف مع المستحدثات كالحرباء، وفي سنوات قليلة سوف يصلون إلي كل خلية في مخ أي فرد في أي مكان في العالم ويسيطرون . )
    وهذه العينة بينة في السكاكرة بلدتك يا عمنا .
    تأمل كثيرا أحس أنه فهم ما مضي دفعة واحدة ، وأن عينه التي تري الآن غير التي كانت تري فهي الآن أعمق ونافذة إلي الباطن ، ويتكلم غير ما كان .
    كانوا يجلسون أمامه وهو في تأمله وذهوله وعندما أفاق مما هو فيه سمع
    ـ سنسافر معا إلي مصر
    ـ يا غانم لرابع مرة نسافر ولا نصرف والاسم رايحين بنك إسرائيل نصرف
    ـ الفلوس من حقنا وكل شيء لازم له التعب
    ردت هنية : الله يرحمك يا سيد ولو إنني حاسه انه عايش
    ـ الله يرحمه ،عايش ، علشان الفلوس تضيع يا شيخة كتر خيره دخل الولاد المدارس
    ببلاش ، وجاب لنا الفلوس ، لو كان حي ما نتفعنا منه بشيء
    صرخت هنية : اخرس ، الله لا يرضي عنك ،
    كان شرود يجلس وهو يراهم وهم لا يرونه ولكنه لا يصدق أن هؤلاء أولاده
    تأملت هنية حائط في البيت وابتسمت له كان السيد شرود مستندا إليه
    قالت : يا سلام لو يدخل علينا يا أولاد
    ـ نحن نتكلم كلام معقول كفاية يا أمي
    قالت : ربنا قادر
    ـ في الفجر نركب القطار علي مصر
    ـ وعمك فتحي ؟
    ـ لا علاقة لعمك فتحي بالموضوع لا ميراث ولا صدقة
    دخل فتحي بعد أن استمع إلي الكلام
    ـ سلاموا عليكم ، بالراحة يا غانم ، السيد أخي مثلما هو والدك ولنا الحق فيه مثلكم
    تماما ثم أنه تركك وربيتك مع أمك
    ـ شكرا يا عم فتحي هذه آخر تربيتك متشكرين
    ـ الشهيد أخي و لي حق فيه
    ـ والشهيد والدنا ولا حق لك فيه
    ـ تكلم يا عربي
    ـ أنتم أحرار
    ـ لك حق فيه ، يمكن الشهيد عجل في سوق الأربعاء وعايز تمن مسكة الحبل
    ـ عيب يا غانم أنا عمك
    ـ المطلوب باختصار ؟
    ـ الربع
    ـ الفلوس ليست بالكيلة
    ـ ربع المبلغ
    ـ ولا دونم ، ولا سحتوت
    فهم شرود أن هناك تعويضا سيصرف بإسمه ولكن لم يفهم لماذا من بنك إسرائيل ولم يفهم أيضا لماذا لم يصرف إلا الآن ؟
    قال في نفسه إذا كنت مصرا علي الفهم فلابد أن أظل حولهم
    خرج فتحي وهو غير مستريح ، وقام غانم وعربي كل إلي شقته وبقيت هنية
    قامت هنية إلي شقتها فتبعها شرود ومسح علي رأسها فتنهدت قائلة:
    ـ يا حنين يا خويا
    وعندما دخلت إلي الشقة وقبل أن تضيء النور أخذها في حضنه فلم تفزع ، كانت تحس به حولها فاستسلمت لهذا الخاطر الحلو ودفست نفسها وسط الأغطية مخافة أن يضيع الحلم الجميل .
    *************************
    رأت هنية أن السيد ينام بجوارها ويفك جدائلها وهي تلعب له في صدره
    ـ أين كنت يا أخي طوال هذه السنين ؟
    ـ لم تغيبي عني لحظة واحدة ، ( واحتواها في صدره فتحسست ظهره وقبلته في
    صدره فعدلها وقبلها في فمها ) كيف حال الأولاد ؟
    ـ .............. توفي والدك وبعنا الأرض وبنينا البيت وزوجنا الأولاد ،
    انت ازيك يا حبـيـبــي
    ـ ............................
    ـ .........................
    ـ و بعدين ؟
    ـ باقي الفلوس كل واحد أخذ نصيبه ومن وضعه في البنك يأخذ عنه مرتب شهري ،
    والبعض اشتري أرضا ، وستصرف إسرائيل لنا تعويضات خمستاشر ألف ولكن
    عودتك بالدنيا
    فزع فأزاحها بعيدا عنه : إسـرائيـــــــــــــــل ؟؟؟؟؟؟؟؟
    انتفض شرود واقفا ففزعت هنية وفتحت عينها تبحث عنه فلم تجده فظلت مستلقية تستعيد الحلم .
    الله أكبر الله أكبر .. .. الصلاة خير من النوم
    سمعت أذان الفجر فهبت واقفة لتوقظ الأولاد للذهاب إلي مصر لصرف الفلوس
    سمعت رنين المنبه فعرفت أنهم استيقظوا ، فاجأها الحلم الجميل فتحسست نفسها وصرخت استغفر الله العظيم .
    *******************



    ( 6 )
    قالت الهيئة في نفسها : لا بد ما حدث هنا حدث في القاهرة ؛ وعلي كل حال ذاهبة أنا إلي القاهرة لعل بها الحل الذي لا أعرف.
    أنا لا أعرف من القاهرة إلاّ ميدان التحرير ورمسيس وأحمد حلمي والموسكي والعتبة والسيدة زينب والسيدة نفيسة والحسين والإمام الشافعي وترب الخفير وقبر الشيخ درويش الحريري وبيت محمد أبو عبد الله في شارع أمير ألجيوشي وباب الشعرية وحجرة أحمد في بين السرايات وحلمية الزيتون ومعسكر التجنيد.
    ـــــ ـــــ ــــــ
    المآذن كثيرة أصابع كف مرفوعة بالدعاء ؛ القباب حوامل بما هو آت؛ الحجرات المربعة بيت الاتزان ؛ وما ارتفعت الأرض إلاّ من شرّ في بطنها؛ ولا انخفضت إلاّ بأمر عليها ؛ البيوت لعب العيال من الورق مبعثرة بانتظامها حول النيل وشريط السكة الحديد ومجري العيون ؛ ويضعها في موضع الاتزان أبا الهول من جهة والقناطر الخيرية من جهة أخرى ومصانع الحديد والصلب من جهة وجامعة القاهرة من جهة وفوق كل هذا الجامع الأزهر ومدافن أولياء الله الصالحين.
    ويعكر صفوها حشرات كثيرة مندسة وسط أهلها الطيبين وتوسخ فضاء الله الوسيع وتقرض جذور كل شيء.
    رقعة من القماش الوسخ بشريطين أزرقين ومثلثان متقاطعان تعكر في فضاء الله علي النيل/ ما الذي جاء بهذه الوسخة إلي هنا؟ ح ماء النيل لا يعكس هذا المنظر الكريه في مائه؛ يبدو أن الأماكن الكريهة انتشرت في القاهرة.
    ـــــــــــــــــــــ
    لما وقفت الهيئة أمام السلم الحجري الأحمر الكبير وجدت أكواما من البشر متجمعة علي السلم ؛ بعضها يحمل أكياس بلاستيكية والبعض يحمل أوراقا ملفوفة بورق جرائد ؛ البعض ملفات ؛ البعض بالجلباب / البعض فوق الجلباب جاكتة /البعض بالقميص والبنطلون ؛ البعض افترش الأرض وهجم علي العيش والطعمية؛
    اقترب شرود من رجل وزوجته يتكلمان
    ـــ إذا كانت عشرة آلاف فهذا فدان إلاّ ربع
    ـــ فدان ؟ أنا أروح الحجاز يا ست الكل
    ـــ دم ابنك نشتري به أرضا لعياله
    ـــ يا سلام ، نحج أولا ، نشتري أرضا ويتقاتلون علي التقسيم بعد عمر طويل ؟
    ـــ والحل ؟
    ـــ نوزع حسب الشرع
    ـــ حسب الشرع ليس لنا لأن له ولد
    ـــ هس ، أحج وبعد ذلك التقسيم
    ــ لا يمكن أحج بفلوس يهود أبدا
    ــ نسيب الفلوس ونروح ؟
    ــ انت أهبل يا راجل ؟ الفلوس أبرك من عينيهم
    ــ أنا أروح أحج وأدعي لك هناك
    ــ حج من مالك وأنا أدعي لك وللبلد كلها
    ــ هم غلطانين والله كنا مستريحين ، ولكن ماذا نفعل ناس عندها عدل وأعطونا
    ــ هذا حقنا يا فالح
    ــ حق من ؟ ولو لم يصرفوا ؟
    ــ نحاربهم
    ــ الكلام مع أمثالك يا مرة خسارة
    ــ كفاية كل يوم رايحين بنك إسرائيل راجعين من بنك زفت الطين ولا صرف وروح
    وتعال ، الله يخرب بيوتهم
    ــ يخرب بيوتهم ، كل يوم بيصرفوا ملايين
    ــ ولا واحد صرف ، كله أوراقه ناقصة ، علي فكرة الولد حامد الغريزي قال : أي
    واحد يتجوز أو يبني من هذه الفلوس نسميه الإسرائيلي ، أنا قلت له : نسميه بيت
    وجوازة الشهداء
    ــ والله أنت حكيمة ( ثم تركها واتجه ناحية المبني )
    تركهم السيد شرود ونظر إلي المبني كان العلم الإسرائيلي بعرض المبني
    ــ لا حول ولا قوة إلا بالله
    صعد شرود السلم باتجاه الباب المثبت عليه لوحة نحاسية مكتوب عليها بنك أورشليم ثم باقي الكتابة بلغة عبرية كما شاهدها في إسرائيل
    ــ ضروري أدخل اليوم أنا عندي شهيدين
    ــ اثنان ، يا بختك ثلاثون ألفا
    ــ وساعة الموت كان يا بختك ؟ عقبال عندك
    ــ البني ادم طماع
    ــ انت نفسك في الفلوس ؟
    ــ يا عم أنا مالي ، ليس لي في هذه الفلوس
    ــ ولماذا حضرت ؟
    ــ مرافق لواحد صاحبي
    ــ يا سلام ، لو لك شهيد كنت أخذت الفلوس ؟
    ــ أنا ؟ لا يمكن أخذ فلوس يهود ؟
    ــ الفلوس فلوس الشهدا ، ولا داعي للكلام
    كان السيد شرود غير قادر علي الخفاء هكذا فركز نفسه داخل نفسه فظهر ، خرج يدب في الشارع باحثا عن أولاده ولكنه رأي المقهى فحن إلي نفسين من الجوزة فجلس علي المقهى المجاور للبنك ، فالتقطت أذناه حديثا فقال في نفسه: كأنني أختار ما أريد
    ــ في الأصل كان عنده انتخاب والدعاية كل واحد يظهر عيوب الأخر فقال له : انت دفنت المصريين بالحيا في سيناء عام 67 فقال له : أوامر الحكومة ، فقامت الحكومة المصرية ورفعت قضية كسبناها وتم صرف التعويضات
    ــ لأ ، لا أظن المسائل بهذه السهولة ، لا بد هناك شيء أخر ، اليهود لا يسلمون الحقوق بسهولة ، اليهود قتلوا نبي الله عيسي صلبوه فما بالك بالناس العاديين
    ــ يا عم الحكاية انتهت والصرف شغال
    ــ لا ، أنا لا أريد فلوس ، أنا أريد أخي كما ذهب إلي الحرب
    ــ يعني أخوك كان لواء ؟
    ــ كان أي شيء ، لكن لا أريد فلوس ، أريد أخي
    ــ يا عمنا ما راح راح ذهب الجمل هل سنحزن علي قيده ؟ ثم نحن حاربناهم
    وانتصرنا عليهم في رمضان 73 ، وكسبنا القضية والتعويضات شغالة صرف
    ثم أن هذه الفلوس ستفك أزمة الناس من غلاء الأسعار وال ........
    ــ الأسعار والغلاء مشاكل داخلية لكن ما يحدث يهز كرامتنا ، مثلا ترضي أقتل
    لك ابن وأدفع لك تعويض ؟
    ــ لأ
    ــ ما بالك وأنا ابن بلدك ، إذا كان القاتل يهودي ؟
    ــ طيب يا عم ماذا أفعل لك ؟ أذهب لأحارب ؟
    ــ والله الكلام معك خسارة
    ــ الحساب لو سمحتم
    نادي الجرسون فقد انتهت ورديته و يريد الحساب وشرود ليس معه مليما ،
    صرف نفسه عن نفسه فاختفي بعد أن شرب الشاي والمعسل وقال : لا بد أن أعود إليه يوما ما لأدفع له الحساب .
    لكن الذي لم يفهمه كيف انتصرنا عليهم ثم يتواجدون في قلب القاهرة ؟
    وهو الآن يمر من أمامه رجال ونساء وفتيان وفتيات يهود هو يعرفهم ولا يمكن أبدا أن ينساهم ؟
    ما الذي يحدث بالضبط ؟ أريد أن أفهم
    ثم لماذا تأخر الأولاد ؟
    **************
    ( 7 )
    وقف شرود في الجو يبحث عما جاء من أجله وتأمل ما في النيل وكوبري قصر النيل بأسوده الأربعة ؛ و تنهد طويلا ؛ رأي الناس تسير في الشارع ؛ وأخذ يفحص الناس ولكن لا أثر لهم وداخله الشك كثيرا وفجأة أبصرهم عربي وغانم وبعدهم بقليل شقيقه فتحي ؛
    نزل من سحابة أحزانه ركز نفسه في نفيه فصار شرود بهيئة الكاملة وسأل عن اسم الشارع الذي به البنك فقال له أحد المارة :
    ـــ التحرير
    ـــ التحرير ؟ سبحان الله
    لم يجد دموعا في عيونه فنزف علي قلبه وقال : لا وقت للبكاء فالسيف جزّ الرقبة وسرقتنا جميعا السكينة
    تابع أولاده وأخيه حتى دخل غانم إلي البنك تاركا فتحي علي السلم بينما جلي عربي في المقهى فجلس إلي جواره قائلا :
    ـــ أنا أبوك ؛ لا داعي للفزع اسمعني فقط
    بهت عربي ولم يتكلم ونظر إليه طويلا ثم عانقه
    ـــ أين كنت طوال هذه المدة ؟ حمدا لله علي سلامتك
    ـــ اسمعني؛ أنا حولكم دائما وأعرف كل شيء الفلوس ليست أهم من الدم ثم قبل صرفها تتخاصمون مع معكم؛جاءت الفلوس بالخصام ربما تنتهي بالقتل .
    ــــ أنا قلت لغانم نعطيه ؛ وحلفت لن آخذ مليما من هذه الفلوس، كل هذا لا يهم المهم أنك رجعت بالسلامة
    ـــ أنا أريد أن تحكي لي بسرعة عن كل ما حدث من يوم الحرب إلي الآن
    ــــ هزمنا في1967 وقالوا نكسة ؛ بعدين الريس تنحي وترك الحكم ولكن الشعب قال له ارجع يا ريس فرجع؛ وقال الريس نبي الجيش وتوكل علي الله وبني الجيش وعمل قواعد صواريخ وبدأنا كل كام يوم نضربهم بالفدائيين ، بعد أعوام قليلة مات الريس
    ـــ الريس من ؟
    ــــ جمال عبد الناصر
    ـــ ألف رحمة ونور عليه
    ــــ استلم أنور السادات
    ــــ لا أعرفه قوي
    ــــ ومشي علي خط عبد الناصر وبعدين لخبط الخط ، والمهم حاب بخطة عبد الناصر وانتصرنا وقال أنا لا أستطيع أحارب أمريكا لأنها تدخلن مع إسرائيل
    ــــ مفهوم
    ــــ بس أنا بحبك قوي يا با ، قول لي كنت....
    ــــ بعدين يا عربي ؟
    ــــ عمل صلح مع إسرائيل ومن فترة قال واحد من إسرائيل أن الضابط فلان دفن أسري فيهم الحياة أيام حرب 1967فرفعت مصر قضية وكسبناها وصرفوا التعويضات
    ـــــ إذا كنتم انتصرتم فلماذا الصلح ؟
    ـــ لا أعرف والله العظيم
    ـــ بس السادات قال هذه آخر الحروب، بعدين مات مقتول يوم 6 أكتوبر
    ـــ وبعدين ؟
    ــــ ابنين شاي وواحد معسل
    ــــ مسك حسني مبارك حتى الآن
    ـــ المعسل وهات واحد يلمع الجزمة ، وأنتم ستصرفون التعويض وقبلتم ثمن دمي بسهولة
    ـــ ما باليد حيلة
    ــــ في عزّ الهزيمة لم نصالح إسرائيل وبعد النصر نصالحها ؟
    ــــ إذا كان السادات ذهب إسرائيل بنفسه وقال لهم نعيش في سلام
    ـــــ وأنت ؟
    ــــ أنا مالي ، لن يسمع كلامي أحد، ثم الحكومة صالحت هي حرة ، لكن أين كنت ؟
    ــــ كنت مدفونا بالحيا من ضمن من دفن في1967 ثم أراد الله لي الخروج
    ــــ ثلاثون عاما تحت الأرض!؟
    ـــ نعم وقد عدت إليكم وسمعتكم وأنتم تتكلمون ليلة أمس عن الفلوس وحضرت إليك لأكلمك لا تصرفوا الفلوس
    ـــ لكننا لم نرك
    ــــ أنا أظهر وأختفي وسوف أراكم قريبا
    اختفي شرود من أمام عربي ولم يجده ونادي عليه ولكن ولا أي صدي ، جلس لا يعرف ما يفعله: وهل هو حقيقة أم حلم ! ،وإذا كان حقيقة فكيف يختفي ؟ ،يمكن شيطانه ؟
    جاء غانم وجلس إلي جواره
    ــــ صرفت ؟
    ــــ لأ ، لازم شهادة من إدارة المشاة بالعباسية بأنه كان موجودا بالموقع
    ــــ أبوك عايش
    ـــ نعم؟!
    ــــ أبوك عايش وكان معي الآن وقال : لا تصرفوا الفلوس
    ــــ انت أهبل يا حبيبي ؟ أو ضحك عليك واحد وأعطاك قرصين؟
    ــــ أبوك يظهر ثم يختفي وسمع كل كلامنا في البيت بالليل
    ـــ يا حبيبي خليك عاقل
    ـــ ويقول قبضتم ثمن دمي
    ــــ يا حبيبي واحد مات وشبع موت يظهر وقت صرف الفلوس ؟ لا يا عمي يروح يكمل موته ، انت تعبان؟
    ـــ أبوك أهم من الفلوس
    ـــ الفلوس تنفعنا ، ثم لو كان هو أبيك بصحيح فعمره لا يقل عن ستين سنة، شيخ محتاج خدمة لا ينفع ولا يضر
    ــــ لأ... شباب مثلنا بالضبط
    ـــ وماذا طلب منك؟
    ـــ سألني عن حرب اكتو بر وزعل جدا من الصلح مع إسرائيل، وزعل علي زعل عمك فتحي وقال لا تصرفوا الفلوس
    ـــ لأ سأصرف الفلوس ، ثم انه زعلان من كل شيء وهو لا يفعل شيء ، ولم يزعل علينا طوال هذه المدة ؟
    هنا دخل فتحي عليهم
    ــ خير ؟
    ــ ممنوع الصرف بدون شهادة من الكتيبة .
    ــ وأين الكتيبة ؟
    ــ سنسأل وربنا كبير .
    ــ والحل ؟
    ــ نرجع ونسأل
    ــ السلام عليكم
    ــ وعليكم السلام
    رحل فتحي وإن كان قد تلكأ بعيدا ليراقبهما فقال غانم :
    ــ كنت أخاف أن تتكلم أمامه بالهبل الذي تقوله ، وإياك أن تقول لأمك ستموت ويكون دمها في رقبتك .
    ــ نرجع السكاكرة
    قاما للسفر إلي السكاكرة ولكن عربي كان يري أباه أمامه وكان لا يعرف هل يخبر أمه وعمه أم لا ، وهل ستموت صحيح لو عرفت ؟ ماذا يفعل إذا ؟
    كان يود أن يصرخ طالبا أبيه ، ولكنه غاب وليس أمامه إلا غانم فواصل السير ولكنه لا يعرف ماذا يفعل .
    *******
    ( 8 )
    جلسا في قهوة بميدان رمسيس تسمي قهوة أسوان ، وطلبا شايا ولكن غانم أحضر سندوتشات ، كان عربي في همه الثقيل الذي لا يريد أن يذهب عنه ، من لحظة رأي والده ثم ضاع منه وسأل نفسه مرارا هل ما رأيته حقيقة أم أنني جننت ؟
    كان نهر الشهر يتحول إلي ضباب والحوائط إلي سراب وغابة من الخوف تنمو داخله وأمام عينيه غابة من الأسئلة وقيود من عدم الفهم زرعها من تجلي له وضاع
    ــ الأكل
    أكل وهو ساهم واحتسي الشاي وهو ساكت
    ــ ولكن وحياة سيدنا محمد انت عاقل فعلا ولم تأخذ قرصين حلوين ؟ أم أنها باتت معاك من بالليل ؟
    يا أخي قول لنا كلام معقولا ، واحد مات من ثلاثين سنه وشبع موت يظهر لك ويختفي ولا يظهر لي ، مع أنك لم تره فقد كنت صغيرا وصعب أن تعرفه ثم هو أصبح الآن شيخا كبيرا ، يكفي أن عمرك أنت ثلاثة وثلاثون عاما
    ــ هو شباب اصغر من ومنك
    ــ يعني المسألة صحيحة ظهر لك
    لم يجب لأنه لا فائدة من الكلام ، وبكي في ضميره فسالت دموعه علي قلبه عاتبا علي أبيه الذي تركه وهو صغير ثم تركه الآن وهو كبير يحتاج إلي دليل ورحل دون أن يترك عنوان سكنه أو عمله .
    ــ لو ظهر يا عربي تضيع علينا الفلوس
    ــ المهم يظهر
    ــ لأ ... المهم نصرف الفلوس ، بعدين يظهر كما يحب
    لم يكن هناك طريقا يجمع غانم وعربي حتى عندما احتواهما رحم أمهما احتوى كل منهما علي حدة مفردا و بينهما شادية .
    ***
    عادا إلي البيت ولكن عربي كان قد سافر داخله بعيدا جدا، ظل غانم يتابع عربي كالحارس الأمين حتى لا يبوح بالسر، وهمس غانم في أذن أمه بأن عربي تعب من المشوار وأنه سيذهب وحيدا في المرة القادمة لاستخراج الشهادة .
    كانت عيون عربي تبرق في عيون أمه وأحس أنها تعرف وأن شيئا ما يربط بينهما ، ولكنهما لا يستطيعان ،فماذا لو قال لها ؟
    وماذا لو طلبت منه البحث عنه ؟
    وماذا لو انتشر الخبر في السكاكرة ، وهي بلد مجانين ؟
    وهو لا يستطيع تحمل كل هذا الحمل وحده ،
    ثم أنه لا تهمه الفلوس ويكره إسرائيل وكل ما لبه علاقة بالموضوع
    فلماذا وقع في هذه البركة من الحيرة ؟
    ــ خير يا عربي؟
    ــ لن أخذ مليما من الفلوس يا أمي
    سكتت طويلا ثم قالت : عندك أمل يرجع ؟
    ــ طبعا
    فرحت لأن رده كان قويا وقاطعا فباحت
    ـــ ليلة امبارح كان معي في الحلم لكن سبحان الله أنا كنت حاسه انه جنبي حقيقي
    ونفسه وريحته وكنت أسلم عليه بملء يدي ، ولا يمكن يكون حلما وفي الصباح
    وجدت عرقه علي المخدة ، الأبواب كانت مقفولة من الداخل ، سبحان الله ،
    وبحس ساعات كثيرة أهه واقف قدامي
    ــ بالاختصار أنا شفته وكلمته
    ــ صحيح ؟ صرخت من الفرحة
    ــ في الحلم .......... كان زعلان قوي قوي من حكاية الفلوس وقال : الدم أغلي
    من الفلوس
    لم تسقط الفرحة منها وإن ظلت معلقة بينهما علي أمل الاتساع ولكن شيئا غربيا أنزل
    الصمت فغاصت العيون في عمق العيون ففهمت وفهم ولكن كيـــــــــــــــــــــف ؟؟
    ********************************
    ( 9 )
    طار السيد شرود فوق القاهرة روحا يملأها الحقد والغضب وظلت تساؤلاته علامات من عدم الفهم وأشكال الاختناق تجعل كل شيء غير مألوف ومحاط بضباب من الظلام يلف و يحيط بالقاهرة ويخنق كل شيء فيه ويجعله غير متوازن .
    الناس تمضي كما هي لكأنما كل شيء علي ما يرام / كله تمام يا ريس / والأتوبيسات يسير والعربات الملاكي كثيرة وجديدة والنقل والنصف وكل شيء يسير ،
    ما الذي حدث إذن ؟
    صحيح أن الناس أكثر هما وأقل فرحا ، ربما حالة من حالات عدم الفهم .
    إن كان قد حارب وانتصر فلماذا تم الصلح ؟
    ما معني أن الحكومات تصالحت والناس لأ ؟
    كيف يقبل من له شهيد أن يبيع دمه بالنقود ، أو أن يتواجد الإسرائيليون حولهم ؟
    لماذا كانت الحرب إذن ؟ ولماذا مات الناس ما دامت الحكاية في أخرها صلح وإذا كان صلحا فلماذا الحرب والموت وترك البهائم جوعانة ؟
    ثم صلح مع الإسرائيليين ؟
    كان العقيد كمال أدهم يقول لنا :
    العقيدة القتالية للمقاتل المصري أن إسرائيل هي العدو الأساسي والرئيسي لنا ولكل الشعب المصري / هل ماتت العقيدة القتالية ؟
    هل كانوا يضحكون علينا ؟
    حطت الهيئة عند مسجد الحسين ودخلت واغتسلت وأدت فريضة المغرب وانتظرت الناس كما هي الناس والشوارع مزدحمة والمقاهي عامرة ...........
    أراد أن يصرخ فيهم أن يقول لهم أنه رأي الدود يسبح من جرحه ومن تحت الأربطة وأن جرحه كان نتنا
    أن يقول لهم أن الإسرائيليين الذين صالحوهم قد دفنوهم حيا هو وكثيرين وكنا جرحي ، أن طلقات المدفعية قد مزقتنا ودقت من عاش في الرمال مصلوبا ، فما الذي تصالحتم عليه يا ناس يا إخوة وأقارب وأولاد الشهداء ؟
    تجلل الليل بأضواء الكهرباء فسارت الهيئة إلي مقام الإمام الشافعي ووقفت عند ضريحه وزعقت
    ـ يا إمام يا صاحب المحكمة جئت إليكم أنت والسيدة زينب والحسين أنتم أهل البيت ،
    جئت لأخذ حقي الذي ضاع ودمي وجرحي الذي نتن ودودي الذي خرج من جرحي وسنوات عمري التي دفنتها حيا ، لا أعرف ضد من أقدم شكاياتي أولادي أبناء شهوتي باعوني بالشيكلز وقبضوا ثمني ، عذابي في اليمن وفي سيناء ضاع ، من المسئول عن دمي وعن أسري ودفني حيا ، وعن دودي وجراحاتي ودفني يا ناس وأنا
    روح تحب الحياة وأعشق الزراعة ،
    من المسئول عن عدم رجوعي لحش البرسيم للبهائم من يومها ؟
    من المسئول عن عذابات أولادي ؟
    ومن ابن الكلب المسئول عن عذابات هنية ليلة الاثنين والجمعة من كل أسبوع ؟
    ومن المخنث المسئول عن حرمانها من عرقي ورائحتي وأراحها من عذاباتها وحرمانها من دلق ماء الحموم أمام الباب ؟
    من القاسي المجرم المسئول عن حرمانها وأولادي من صوتي ووجودي في بيتي ؟
    من المسئول يا أصحاب المحكمة عن انقلاب الأولاد هؤلاء العيال إلي شياطين وعبيد للمال حتى بدم أبيهم ؟
    من المسئول عن هدم بيت أبي وإقامة هذه البناية الحجرية ؟
    من المسئول عن بيع أرضي وبقرتي وجاموستي ؟
    من المسئول وإلي من أذهب ؟؟
    ممن أخذ ثأري يا أصحاب المحكمة ؟
    لست ضعيفا حتى أطلب من يأخذ لي ثأري ، فموت بموت وأنا في عداد الأموات ولا أمل لي في الحياة سأقتل من ظلمني مهما كان .
    هل أحمل سلاحي وأدور علي الناس أقتلهم لأنهم رضوا بذلك ؟
    أم أقتل الحكومة ؟
    ومن هي الحكومة هل هي هي من يومها إلي الآن ؟
    أم أن الحكومة شيء وهمي مثل كلمة الشعب وأبو رجل مسلوخة ؟
    أريد أن أفهم ؟
    أريد أرضي وبيتي وزوجتي وثلاثون عاما من عمري ؟
    أريد دمي الذي سال أن يرجع إلي جراحاتي وأن يموت الدود ولا يرجع إليّ ،
    أريد سنوات عمري التي دفنتها حيا لأعيشها حيا كما أراد لي من خلقني
    لا أنا بالميت ولا أنا بالحي
    لن يقبلني أولادي الآن لأن ظهوري معناه ضياع التعويض ،
    يا أصحاب المحكمة لا تتركوني وحدي ؟
    جئت إليكم لتدلوني علي الطريق فأنا أعرف أنكم لن تخدعوني أبدا ، ولتشفعوا لي عند الله فيما سأفعله بعد ذلك وتكونوا شهداء عليّ .
    *****************************
    بكي كثيرا عند المقام والرحيل ثم خرج يدب في شوارع القاهرة وزعق ضميره :
    من قهرك يا قاهـــــــــــــــــــــــرة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    لفت رأسه سرعة السيارات وتلفت هنا وهناك فرأي الكباري حيتانا من الأسمنت تلف بكل شيء ما الذي حدث للناس يا ناس ؟؟؟؟
    أدرك أن ما حدث حدث ولا سبيل لإنكاره وأنه لن يعيد عجلة الأيام إلي الوراء أبدا ، فما الذي يفعله ؟؟؟؟
    جلس في ميدان العنبة تحت التمثال القديم وتعجب من وجوده المستمر
    ــ لماذا تركوك يا أخي ؟
    كان غير مرآي إلا من ذاته ، وأخذ يتأمل ما حوله فلاحظ أن مجموعات من الشبان والشابات يذهبون إلي ركن بعيد ولا يعودون فتبعهم فوجد رجلين يحقنون الأولاد والبنات بالحقن بسرعة مذهلة ويعطونهم أشرطة حبوب ولفات صغيرة فقال: ربما انتشر الطاعون وهذا تحصين منه ،
    ولكنه لمح مجموعة منهم تضحك بشكل غريب ويركبون سيارة فركب فوقها ، وصلوا إلي ضاحية بعيدة ودخلوا شقة فدخل ، أخذوا الحبوب فتأمل ، قبلوا بعضهم فتاه ، أداروا شريط الفيديو ، كانت امرأة وثلاث رجال وكانوا فتعروا و فعلوا .
    صرخ في صمته : هل هذا هو شباب مصر ؟ وهذا ما يفعلونه الآن ؟
    الموت أرحم والحرب أرحم حتى ولو كانت بلا سبب .
    هل هنية وأولادي بعيدا عن هذا ؟
    تذكر كلمات أحمد
    / سيصلون إلي كل ذرة في مخ كل فرد في العالم الذي يبيع نفسه ، ومن لم يبع
    نفسه سيضغطون عليه وسيضيقون عليه الخناق حتى يموت أو في أحسن
    الحالات ينتحر ./
    مبسوط يا سي أحمد تحقق كلامك بالحرف .
    الدنيا ليست بخير
    لماذا أريدها إذن ؟ لا هذا حقي أخذه أولا ثم أتركه أو أحتفظ به فأنا حر ، ولكن هل أستطيع إصلاح كل هذا ؟
    هذه أزمة تحتاج إلي عزم وصبر نبي وأنا السيد شرود ،
    إذا كان هذا ما يتاح للشباب فما الذي يتاح للكبار الكبار قوي ؟
    كل شيء ، كل كـــــــــل شـــــــــــــيء.
    هل هنية بعيدة عن مرض العري والحبوب والحقن وال............الله أعلــــــــــــــــــم
    الله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
    ********************
    ( 10 )
    كان الحزن قد ألحق به الهزيمة تماما ، فانبثقت في داخله نموات لنباتات الحنين نحمل في أوراقها أمال عراض ضرب جذوره في رحم هنية زوجته وحرثها جيدا .
    تحول هذا اليوم ومحادثة مع ابنه عربي وما رأي وما سمع إلي شيء هلامي يعوقه عن الرؤية فحاول أن يزيحه من أمامه قائلا :
    كان لابد ألا يوجد هذا اليوم أبدا
    حاول بكل جهده أن يزيح هذا اليوم ليبصر وجه اليوم الأتي ولكنه كان يخاف من أن يكون الأتي كالسابق فكل شيء جائز وجائر فهو لا يعرف ما الذي يخبئه له اليوم الأتي تحت طيات ثيابه أو ملابسه أو حتى في بطنه ربما أحداثا أشد هولا مما مضي ، وهو لم يعد بقادر علي أن يظل تحت رحمة الرعب والخوف وعدم الفهم .
    تعب من عدم القدرة علي ألا يقدر علي عدم الفهم أو التصرف وحاول كثيرا أن يصنع شيئا معينا ليبحث عنه ولكنه أدرك أنه لابد أن يبحث عن كل شيء، فكل شيء وجده قد ضاع وقد غرس مكانه شيئا كريها وشائها .
    لم يكن لديه قدرة ما علي أن يظل في حمله لتلك المسئولية وأراد أن يلقي بحمله ولكن لا يعرف علي من ؟
    والحمل أصبح ثقيلا جدا ، والسؤال يحتاج إلي وجه يتلقاه ليصدر له ردا ربما في خطه المستقيم أو حتى المتعرج ، ماذا يفعل أذن ؟
    هل سيكتفي بأن يظل متفرجا ؟ إلي أين يذهب ؟
    لماذا نهض إذن من رقدته ؟
    لماذا دفن حيا ؟
    لماذا ذهب إلي الحرب ؟
    ولماذا ولماذا ولماذا ولماذا ؟؟؟؟
    قال في نفسه أبدأ من السكاكرة فمنها بدايتي .
    **************************
    ذهب إلي السكاكرة وهبط في حديقة منزل أحمد
    البيت كما هو ، والحديقة مازالت بأشجار الرمان والكافور والكازورينا والورد والنعناع وحوضين شبت وبقدونس وأحواض ورد وشجرة تمر هندي وثلاث نخلات وحوض ماء
    أنسل خفيفا رشيقا ودخل من الشباك
    أحمد كما تركه هو هو ، يجلس علي نفس المقعد أمام نفس المكتب يقرأ النظارة علي عينيه ، أنتبه قليلا عند دخولي ثم واصل القراءة ،
    ــ ماذا أفعل الآن ؟ أظهر له كهيئة وأكلمه ، هل سيفهمني ؟
    تأمل المنزل والجدران ، هو نفس المنزل الطيني الوحيد في القرية مع نعمة مساكن الأسلاف والمكتبة قد زادت بها الكتب أكثر من زيادة الشعيرات البيضاء في رأسه / طالك الهم حبيبي /
    هرم أحمد كثيرا ، والجلد تكرمش ، ولكنها نفس الابتسامة ، ونفس الهدوء كالقطار الذي يعرف طريقه ولا يحيد عنه .
    ــ بدلا من أحمد أذهب إلي صديقته
    انسل من عند أحمد طائرا إلي بيتها ولكنه لم يسمع نقر درابكها ، فوقف أمام الباب فسمع نهنهات وأراد أن ينادي باسمها، ففتح الباب واستوي أمامه
    صوت : ادخل يا شرود
    ــ : أهلا عائشة
    ــ : قدوم خير يا ضنايا
    ــ : خير خيـ.........
    ودخل في حالة غريبة من البكاء نزفا علي أحجار القلب بلا دموع ، واشتعل الحريق به عذابا لا يهدأ بينما الرياح تضرب صدره في كل اتجاه فباح لها بما عرف وبما رأى قبل أن يراها فقالت :
    ــ ما ضاع ضاع ، حضرت متأخرا يا نور العين ، أنتم ذبيحة تقطع فيها يد جزار مجهول لا تكف عن التقطيع والذبيحة لا تموت ولا تكف عن النمو ، هي حالة من العذاب القدري للتطهير من شيء ما .
    ــ ماذا أفعل وأين أحمد ؟
    ــ حذركم أحمد كثيرا وتصح ولكن لا تسمعون حديثه وإرشاده ، هل المطلوب أن
    يصبح عقل كل واحد فيكم
    أطفأتم القنديل وأصررتم علي السير في الظلام ، لماذا البكاء أذن ؟
    إن الزلازل والبراكين قليلة بالنسبة لما حدث ويحدث وسيحدث ، ومعني أن يجتاحكم حوض المتوسط / الذي يرحب به بعض منكم / في نهوضه حتى يغرق كل دلتا للخصب في الأرض وفي النساء فان هذا قليل لأنه سيبقي في الأرض ما يسعكم ، لكن لكن لكن ومرة أخري لكن لعلك لا تنسي
    لكن عندما ينهار كل شيء ويسقط الإنسان من الإنسان فلا يبقي ما يميزه عن الحيوان أو أي شيء ويصبح مسلوبا من نفسه فلا تنتظر منه شيئا ، واسمع
    / إن نهوض المتوسط يعني سقوط الخاص بكم وتميعكم /
    فلا الزلازل والبراكين بقادرة أو تستطيع محوكم ولا الطوفان، لأنهم لم يمحوا حضارة الأولين ولكن أنتم أنتم ستمحون أنفسكم ، فعندما يمحو الإنسان تاريخه وحضارته فالذي سيبقي له ليكونه عندها يسقط الإنسان من الإنسان
    لا تبكي يا نور عيني ولكن اسمعها مني نصيحة وإلي الأبد /الحق لك شبرا في أرض السكاكرة يكون لك قبرا // وليكن هذا أملك بعد طول انتظار.
    انتبه معترضا ولكن كانت عائشة قد رحلت مع الأثير وامتصتها جدران البيت ووجد نفسه أمام البيت فطار إلي بيت أحمد ليشكوها ، فوجد كل شيء هادي والظلام يحيط بالحديقة فلم يستطيع اقتحام المكان وجلس فوق نخيل السكاكرة ينتظر .
    ********************************
    ( 11 )
    وجدها نائمة فلم يشأ أن يوقظها .
    تأملها وبكي حرمانها ورقاده الإجباري في صقيع الرمال وحرارة جسدها الذي يريد وجعه الذي يريد.
    دخل إلي جوارها تحت الأغطية ومد يده اليسري تحت رقبتها وأراح رأسها علي يسراه ولف يمينه من خلفها علي صدرها وأخذها في حضنه فتململت والتصقت به وتنهدت ثم التفتت إليه وأمسكت يده وقبلتها واعتدلت كثيرا فقبلها
    قال لها صامتا : ازيك وحشاني قوي قوي
    بكت فشرب دموعها فدخلت في دمه فحيحا
    ــ انتظرتك ..... أنا كما أنا ..... لم أخلق إلا لك
    ــ يا حبيبتي ، ضاع العمر وتغيرت السكاكرة وتغير الأولاد ، أين أرضي وداري وجاموستي وبقرتي ..........
    ـــ أنا دارك وأولادك والأتي ، حافظت علي نفسي عندما وجدت الطوفان شديد وبقدر ما أملك حاولت لم الشمل ولكن ..
    اندمجا في ضجيج الصمت وارتفعت اللغة سموا إلي أعلاها سابحة في دمهما ونالا متعة الوحشة والحنين والعودة ،
    هدأت الأنفاس والأنفس و نامت الوحشة بعيدا خلف الباب ، وتدثرا بالحنين فأزهرت براعم الجسد وتفتحت وجال النفس في النفس فأكملا في صمتهما المتصل مباهج اللقاء
    ــ أحس أن عربي رآك
    ــ تكلمت معه ولم يصدق ولم أصدق
    ــ ولكنه لا يشك ويريد دليلا علي صدق ما رأي لكأنه حلم
    ــ هي الحقيقة فأنا بين الحلم والحقيقة
    ــ ولكني أحسك حقيقة وأصدقك حلما
    ــ عشرة السنين لا تنسي
    ــ ماذا سنفعل الآن ؟
    ــ دبريني فقد ضاع دليلي
    ــ ابق لي كما أنت وحاول مع عربي ولا تتعب نفسك مع غانم
    ــ وشادية ؟
    ــ تزوجت بالزقازيق من عبد الواحد الجمل تاجر سيارات وعندها نورهان في مدارس خواجات وهي تتكلم مع أولادها بالرطان مثلهم فقد علمتها حتى دبلوم التجارة وعلمها زوجها الرطان من مدرسة أحضرها لها بالبيت
    ــ هل كبرت ؟ ...... أريد أن أراها ؟
    ــ عروسة من أحلي الصبايا أليست ابنتك وأنت أجمل من في الدنيا
    ــ كيف أتكلم معها بعد كل ما هي فيه ؟
    ــ حاول لعلها هي المفتاح فالبنات أحن من الرجال ، ولم تغب عنها لحظة واحدة ولم
    تصدق موتك مثلي تماما
    ــ تعبت مما رأيت وبالي مشغول ولا أعرف ماذا سأفعل ، وأحمد صار عجوزا
    ــ أحمد عين السكاكرة الساهرة لكأنه القطب الأكبر يجلس فوق سطح الكعبة والمتقلب
    وجهه في السماء والصادح بما هو آت والنادي من تحت العرش الله أكبر لا إله إلا
    أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
    شدها في حضنه فغرقت في حنينه ونامت مخافة أن يفلت منها فانتبهت وصحت وأحست أنها ما زالت في حضنه وقفت فزعه وجرت لتنير الحجرة فتعثرت في الوحشة فشكت فيما كان ، أضاءت النور فلم تجد شيئا وإن كانت ما زالت تحس عرقه
    عليها فتحسست الفراش فكان دافئا به وتحسست فكانت تمطر مبتلة ، خافت وفرت إلي الرعب وصرخت :
    بسم الله الرحمن الرحيم ، أمان ، السلام عليكم ، خير إن شاء الله انصرفوا في أمان الله / قل يا أيها الكافرون ....................
    كانت خائفة وتتفل في عبها وهو يضحك منها فتمتم :
    ـ ماذا سيحدث لها إذا رأتني ستموت الحزينة من الخوف
    أطفأت النور بعد أن تأملت الأقفال وتحسست نفسها وبللها فحنت فدخلت إلي الفراش فيلقفها وهي تخلع ملابسها عارية
    ــ اسمع يا شرود لا تتركني في بحر الخوف الـ......خـ واندمجــــــــــــــــــا.
    ( 12 )
    خوف هائل لا يمكن نسيانه
    هل يمكنني الدخول ؟ هل ستعرفني ؟
    اهتزت الستائر قليلا ففهمت شادية أنها نسمة هواء تحرك الستائر فاستبشرت خيرا وواصلت القراءة في المجلة التي معها وهي مسترخية في الأنتريه تضع قدميها علي خوان صغير أمامها مباشرة ، وهو واقف يتأملها .
    كان السيد شرود في حضوره أمامها وغيابه عنها مبهورا بجمال ابنته وما صارت إليه الأمور معها / كل هذا العز الحمد لله تستاهل كل خير /
    همس بصوته في دمها
    ــ شادية كيف حالك ؟
    تركت شادية ما في يدها واسترخت تحلم بوالدها الذي لم تقتنع يوما أنه مات ولكنها كانت علي أمل لقاءه يوما ما
    دخلت دائرة الحلم فدخل لها والدها من باب دخوله الوحيد لها حتى لا يفزعها فرحت به فاطمـأن وقال لها عندما تفتحين عينيك ستجدينني أمامك لا تفزعي ولا تخافي وسأقول لك كل شيء
    انتبهت فرأته فارتمت في حضنه ثم خلعت نفسها عنه ووقفت تتأمله كان أمامها بشحمه ولحمه وكامل هيئته فصرخت :
    ــ كيف هذا أبي الله أكبر
    أشار لها بالسكوت وجلس وأمسك يدها بين يديه وقال :
    ــ الحكاية من أولها عندما جاء لنا استدعاء بالذهاب إلي الجيش ولم يكن قد مضي علي
    رجوعنا من اليمن إلا أيام قلائل ، إنني يا ابنتي كنت غير قادر علي الرفض فإذا
    كنت حاربت في اليمن من أجل الجمهورية فكيف لا أحارب من أجل بلدي فإسرائيل
    هي عدونا الأول وما زالت تلك عقيدتي القتالية والحربية ...........
    واستمر فيض الحكايات لا يقطعه إلا الهمس والتقبيل والأنفس الهائمة ، ودموع شادية وطبطبات أبيها ، وهي غارقة في عينيه تشرب كلامه بدمها وتهز رأسها علامة الفهم إلي أن قال :
    ــ الحمد لله ارتاح بالي واطمأننت عليك ولكن المشكلة كيف سأواجه الناس وأين
    أعيش؟
    أنا لا أطلب منك مكانا للإقامة فالموت أرحم من أن أطلب ذلك ، وإخوتك وخاصة
    غانم لا يريدون لي الظهور حتى لا يضيع التعويض ، وعربي يريد دليلا علي
    وجودي وهو يعرف ويصدق ولكن هو في هم البوح للناس بما رأي وسمع ، ولو
    قال لضاعت الفلوس علي غانم ، أنا كأب لن أترك عربي علي هذه الحالة فسأظهر
    ويضيع التعويض ،
    وعمك فتحي يريد نصيبه في دم أخيه أنا ، ويقول لهم هذا ليس ميراثا وأنا يا ابنتي
    لست حيا ولست ميتا !!
    حتى أمك هنية لا أستطيع أن أظهر لها حتى لا تخاف ، فماذا أفعل ؟
    كانت شادية فرحة به لكن داخلها الخوف عندما عرفت أنه يظهر ويختفي فظنت أنه عفريت أبيها فارتاعت ، ففهم وأنهي زيارته وقال:
    ــ سلامي للأولاد وسأحضر في وقت أخر
    صرف نقسه عن نفسه فاختفي ففزعت شادية وارتبكت وغمرها العرق وقامت تلف حول نفسها وفي شقتها تبحث عنه ومن أين ذهب ،
    كان كل شيء في مكانه ، تري هل خرج من الشباك ونحن في الدور الثامن ؟
    كان التكيف يعمل والزجاج مقفل
    ــ بسم الله الرحمن الرحيم
    مدت يدها مكان جلوسه فوجدته ساخنا فتأكدت من وجوده وأنها لم تكن تحلم استمرت في حالة التأرجح بين التصديق وعدم الفهم والخوف حتى رن جرس الباب فهرعت إليه فزعه تحسب أنه هو
    ــ هاي مامي
    دخل هيثم وأخته من المدرسة فرحت أمهما بهما وتابعتهما ، كانت نورهان قد دخلت إلي حجرتها وألقت حقيبتها ودخلت الحمام ، بينما هيثم قد ألقي نفسه علي السرير ،
    جلست والدته بجواره
    ــ هيثم عندي لك أخبار سعيدة
    ــ ......................
    ــ هل تعرف من حضر إلينا ؟
    ــ ...................
    ــ جدك .... أبي أبي
    انتفض واقفا وقال بحدة :
    _Grandfather?? Who?
    I heat him
    He fought a friend country and neigh bout state and
    Caused many problem's to us whit it 0
    He was one of other wish stopped peace and eluted it
    Because he behaved as farmer
    All those wrought never understand the real maiming of
    Life
    I dont like to see him
    _ He love you
    _ I dont love stopped
    _ Your grandfather doesn't deserve all this
    He didnt fought by himself he orders of the they're army
    And the government
    _ Every one is responsible of his behaviors enough
    thank you mama
    لم تكن أمه شادية تدري سر كل هذا الغضب ، وأخذت تتأمل مكانه بعد أن انصرف من أمامها وتسأل نفسها :
    ــ هل قال له أحدا شيئا عن جده ؟
    أنا دائما أذكره بالخير فلماذا ثار الولد بهذه الطريقة؟
    جلست علي سرير هيثم ساهمة لا تدري كيف تخرج من هذه الحفرة التي أوقعت نفسها فيها ؟
    لكن السؤال الذي أخرجها من حالتها هذه : هل هي رأت والدها حقيقة ؟
    عند هذه النقطة انتفضت واقفة وخرجت من حجرة هيثم وجلست مكان جلوس والدها حين زارها وهمست : هل أنت حيّ يا أبي؟ تعال وقل لي كل شيء مرة أخري ؛ لا تتركني في حيرتي ؛ لا أعرف ميعاد عودتك لأجعل مصطفي زوجي ينتظرك، وان كنت لا أعرف ماذا سأقول له .
    ـــ ماما الغدا
    كانت نورهان قد وقفت أمامها فأخذتها في حضنها وقبّلت رأسها وقامت تجهز لهما الطعام ولم تأكل معهما.
    كانت شادية ما تزال غارقة في دوّامات التفكير والحيرة ولا تجد لها طريقا تهتدي إليه لتخرج مما هي فيه.
    ما الذي يمكن أن تقوله لزوجها؟
    هل سيصدّقها؟
    كان لا بد لها من الذهاب إلي السكاكرة لمعرفة الأخبار، ولتخبرهم بكل، ما حدث لكن هل حقيقة هو ؟
    ما ذا لو وجدته في السكاكرة وعاد معها؟
    ماذا سيقول هيثم لجده ؟ وكيف تتصرف ؟
    قالت نورهان : ماما راجعي معي الواجب، لو سمحتي ماما.
    قامت مع نورهان ومرت من أمام حجرة هيثم وكان يكتب وعندما سألته قال لها
    ــــ موضوع عن the peace
    دخلت إلي حجرة نورهان وهي تحاول نفض التخمينات من رأسها.
    فتحت الكتاب فوجدته باللغة الإنجليزية فبكت إذ لمحت وجه أبيها باكية علي صفحات الكتاب فمسحت دموعها بيديها وأكملت الواجب.
    ****
    ( 13 )
    كانوا يهبطون من الرابية خارجين من جعبة الصحراء تمسح عليهم يد السماء برفق ، وكانوا قطع قماش قديمة بالية تكاد تقع من هبات الرياح جلسوا في ضوء القمر حلقات ساهمين ورؤوسهم منكسة وهمهم مفروش عرض متاع علي الرمال حولهم
    ــ منذ أن رحل شرود لم يعد
    ــ عاد إلي أهله
    ــ ماذا حدث له وكيف استقبلوه ؟ أخاف أن أذهب إليهم فلا أجد من يعرفني
    ــ هل كبر الأولاد وتزوجوا ؟
    ــ ستجد كل واحد منهم مشغول بزوجته
    ــ الحمد لله لم أتزوج ومات أبي منذ زمن ، وتركت أمي مع أخي الأكبر وزوجته
    فإن كانت قد ماتت أمي فلمن أعود ؟
    كانت الحلقات تتم كل يوم تحت ضوء القمر وعلي هدير المتوسط الذي يسمع تماما في هدوء الليل ، وكان المتوسط يغافلهم كثيرا ويشب علي قدميه ليتجسس عليهم ويسجل ويصور كل شيء.
    ****************************
    لم يدر في باله لحظة خروجه أن أحدا رآه أو أحس به .
    وعندما انتفض واقفا كانت باقي الهيئات قد انتبهت لوجوده وبدأت في التحرك ولكنهم خافوا من خروجه قبلهم لهذا راقبته العيون من لحظة خروجه وجلوسه علي صخرة التاريخ وصخبه مع نفسه وقررت أن تنتظر عودته لتحكي لهم ما حدث له .
    كانوا كل ليلة تنظرون رجوعه ويجلسون يتذكرون ويعيدون كيف انهار الموقع وكيف دفن كل واحد منهم حتى حفظ كل واحد الحكاية بتمامها ، ثم يسيرون مع أنفسهم في طابور طويل ويتجولون في انتظار عودة الغائب ، وبعد جهد يدخلون إلي حفرة الدفن
    ****************************
    كان يمد أصابعه المالحة تحت الرمال ويتفادى جذور النخيل ويتحسس مواضعهم ، ولما كان يعرف مواضعهم وأنهم أخر سلالة الأحلام الكبيرة والمتميزة والداعية إلي الجسد الواحد والمتماسك ، فكان يدرك أيضا أن وجودهم حتى علي هذه الصورة ليس في مصلحته ووجوده وامتداده ،
    لهذا فرح عندما طمروا في الرمال ظنا منه أنهم ماتوا ولكنه حزن حزنا عميقا عندما وجودهم غير الموتى العاديين فجلس ينتظر .
    صدق حدسه عندما وجدهم ينهضون وكان هو ينهض ولكنه نهوض ضد نهوض ، فجمع كل سواحله غضبا ورغوة الذئب علي فمه وتحت عين حمراء تدعمها مخالب وأنياب وتحركها شارات قديمة وعز من السيطرة بائد ، ويحس أنه أن له الأوان لأن يعود ، لهذا لم ينهض ذئبا ولكنه نهض حملا ،
    الحمل الوديع يرعى علي الشواطىء ملقيا بزبله وروثه علي امتداد النظر وفي العمق الأبعد فيلتقطه رجاله ويحولونه إلي تجارة في كل شيء ، وتدمير وبيع لكل شيء مقابل أن ينهض المتوسط ، ولكنه كان سعيدا بهم فهم طعامه قريبا
    لهذا عندما مد يديه المالحة فأحسهم وراقبهم وشاهد قيامهم تنهد وقال:
    ـ قيام بقيام .
    *********************
    جلس علي صخرة التاريخ لا يعرف ماذا يفعل الآن ، وكل شيء صار إلي نقيضه ولا مكان له في أي مكان ،
    همس لنفسه :
    ــ من اعتاد غربتك وفراقك فقد نسيك تماما فلا تؤلمه بوجودك قربه ، ومن بقي علي عهده هدأت أشواقه فلماذا عدت تحركها الآن ؟
    ولماذا تبقي مغروسا شجرة تين في صحراء قاحلة ؟
    لا تحلم يا سيد ، فالحلم دخان غلايين ملائكة في فترات الراحة .
    كانوا قد وقفوا صفا أمامه فانتبه
    ــ من هؤلاء ؟
    ــ نحن الذين خرجنا من الحفرة ، رأيناك ترحل فانتظارنا ، وارتقبنا موعد عودتك ، لنسألك وتضيء لنا الطريق
    ــ أية طريق ؟
    ــ طريق العودة بعد عمرنا الذي سلب منا ، وأهلنا .............
    ــ كفي ( أشار بيده في وجوههم )
    ما ضاع ضاع ، نحن لا أحياء ولا أموات ، لا أحد يريدنا ، كل واحد رتب نفسه من بعدنا وعاش حياته بينما نحن نموت حياتنا ، لا أريد أن أحكي لكم ولكن كل واحد منكم له الحق في التجربة ، أنا ما زال عندي أمل ، وسأعود لأكمل المحاولة ، ولكل منا تجربته من أراد أن يحاول فليحاول فهو خير من الانتظار .
    عندما أنهي كلامه كانوا قد ابتعدوا عنه منتشرين في الأثير ، كأنهم كلمات البدء تتشكل وتتكون لتكون ،
    كانوا قد تشاوروا وتحاوروا و اختلفوا واتفقوا فرحل البعض بينما البعض عاد إلي الحفرة بينما هو يجلس علي صخرة التاريخ .
    *****************************
    تجمعوا في الأثير عند نقطة معينة ، ارتفعت فيها الأرواح حتى صنعت وقتها الخاص فصفت وشفت وسمت وتوحدت لغتهم فباحوا
    تمنينا أن يمهلنا الوقت فليلا لمراجعة أحمالنا ،
    بعد كل هذا الوأد تأكدنا أن كل ما بداخل أحمالنا قد ربطته أيدينا علي قلوبنا فتلك أحزاننا ، ومصائبنا ، وخيباتنا ، وأسئلتنا ، وأوهامنا وأوقات اختلسناها ، وندم لم نقدر عليه ، وهذه اللفائف المبللة بها حبات دموعنا وعيوننا القديمة ، وهذه روائح من كانوا معنا ما زالت عالقة علي جلودنا القديمة .
    ألف مرة راجعنا أحمالنا وتأكدنا أنها كاملة إلا أن الشك لابد له أن يغزونا لنتأكد أن هناك شيء ما قد نسيناه .
    هل لا بد من النسيان التام ؟
    وكيف ؟
    حتى نبدأ من جديد علينا أولا التأكد من أن ما نبحث عنه موجود ، وأن خيبات السيد شرود التي لم يبح بها تقتلنا فنحن في حالة خروج ولسنا في حالة سفر
    ــ لا تزال في داخلنا لفائف مفقودة ، ولفائف نحس أننا لم نربطها جيدا ،أو ربما وضع مكانها شيء ما
    ــ ما زلت تبحث عن لفائفك المفقودة ؟ لو أنك خلعت نفسك ما عدت للبحث عنها
    ــ لو أنك نسيت مشاغلك وبرقت أمامك الأشياء فجأة ....
    ــ لو أنك قاطع أمرك علي الجديد ما أخذت معك أحمالك
    ــ هي كلي وبعض نزفي
    ــ هي مرحلة تبادل المواقع بين التذكر والحنين من وإلي وعلي
    ــ ليس لدي حنين بقدر ما لدي من لهفة علي المعرفة
    ــ حنانك لحوائجك القديمة
    ــ أي حوائج معي ؟ إنها أنا فقط
    ــ أنت لم تخلع نفسك من نفسك
    ــ أريد أن أتجسد فقط ليصدقوا
    ــ ستندم
    ــ فليكن
    ــ فليكن كما تريد متي تريد
    ــ وتبددوا في كل اتجاه مع قطرات الندي .
    ******************************
    ( 14 )
    جلس السيد شرود علي صخرة التاريخ بجوار كهف الأحلام فترأي له السيد شرود واقفا أمامه مربوط البطن وقدماه في الجبس
    ــ لماذا تصر علي الظهور ووجعي دائما ؟
    وكلماتك أصابع تعرف طريقها إلي ، لم يكن احتمالا أن تكون باديا للعيان فلا فرق ، وما جدواك معي ؟؟
    ومع هذا أحش بصفاء غريب لكأنما البحر يصفو بعد طول اعتراك ، إنني في ورطة بلا حل وما معني الاستمرار إلا أن نفسي تتساقط قليلا قليلا فوق علامات أقدام الحيوانات
    ــ إذا سكن الماء أسن إذا أسن أسن
    ــ بدلا من حكمتك وأمثالك ووقوفك شوكة في الحلق وذلا في العين دبرني ، هل أحفر
    هوة النسيان في بحار المجهول وألقي فيها بكل ذكرياتي وقديمي وأرضي ومالي
    ومحتالي وما علي ؟ وانتظر الموت بعد أن يلفني النسيان في بحر المجهول ؟
    فأنا أو أنت ميت من زمن بعيدا عنهم ، وأنت أو أنا حي الآن ؟
    ولا يريد أحد أن يصدقني أنني أنا ، دبرني فأنت جوهري الفرد .
    ــ لا تعد ، ولا تنظر إلي ما متعنا به أزواج غيرك زينة الحياة الدنيا .
    ــ كيف ؟؟
    ــ ولا تسأل ، استرح فقد مضي زمنك بلا رجعة ، أنت الشخص الوحيد الغير مرغوب في تواجده إنه ليس زمنك ، إحفر أعمق حفرة وارمي كل قدميك واخلع قلبك وذاكرتك وتاريخك واسمك ورسمك ، واقطع كل حبال اتصالك بما كان ومن كان لتحيا شخصا أخر نقيضا لما كان
    ــ وماذا يبقي لي إذن ؟
    ــ ستحيا رجل العصر الجديد
    ــ تافها هشا بلا ذاكرة ولا وطن
    ــ ستري أولادك ولن تعرفهم ، ولكن ستحس أنك رأيتهم قبل الآن
    ــ وما قيمة الحياة ؟
    ــ ستعيش بشخصك الجديد
    ــ بلا قيم أو مبدأ ؟
    ــ انس كل الأوهام القديمة
    ــ تريد مني أن أرمي كل لفائفي وأوجاعي وذكرياتي للرياح والبرد والمطر علي قارعة الطريق ؟
    ــ لا لا لا أريد أن تدفنها مكان خروجك فشرود مات منذ زمن طويل
    ــ لا أستطيع ، وسأرجع إلي السكاكرة
    ــ ها ها ها ها هاي ، لن تجد لك قبرا لتدفن فيه
    كان وحيدا خالصا في وحدته ووجهه والطريقان أمامه وليس أمامه اختيار يدخله الهواء ويعبره بلا حدود
    هل يعود ؟؟؟؟؟
    ليس هناك بديل عن ذلك ليتأكد بشكل قطعي أنهم لا يريدونه ، ولكن سؤال الحنين قذفه علي مخدة الوجع / و هنية هل لا تريدك ؟/
    إذا كانت عاشت كل هذه السنوات بدونك فلماذا عدت لتوقظ أحلامها وأنت لا تستطيع
    أن تظهر لها
    بكي كثيرا ولكنه لم يجد دموعا تمجد حزنه فطار إلي السكاكرة
    ********************
    ( 15 )
    تدافعت أمواج المتوسط ضاربة شواطيء سيناء فلم تستجب لها فأرغت وأزبدت وامتدت تمرها وتأكل بأسنانها في أحجار شواطئها ، كان المتوسط يدرك أن هذه الأرض يصعب اختراقها ، ولكن يسهل كسرها وإخضاعها وغمرها بالمياه والسيطرة عليها ، ولكنه كان يخاف أن تشربه وتتركه خاليا كاشفة عن بشاعة قاعه فاضحة كل مسروقاته التي يخفيها في جوفه ، امتلاء الجو بصوت دوي رهيب وبرق ورعد شديد ودوامات من الرياح وانهمرت السيول من وسط الإعصار قادمة من شلالات المياه المتدفقة موجات عالية من المتوسط الذي وقف علي قدميه وتلوي يمينا وشمالا دافعا موجات ملحه من الغضب والعنف سيولا حتى حدا السماء راميا بها وسط الرياح التي تحركت وزامت ودومت من حركته إلي أبعد نقطة في سيناء فحفرت لها أخاديد وقنوات ظهرت للعيان فيما بعد الإعصار ،
    وردها الرمل مرة أخري إلي المتوسط دون أن يشربها وإن كانت قد عرت بعض أجزاء من رماله كاشفة عن بعض الجثث وإطارات الكاوتشوك ،
    انتقلت رسائل عديدة من شواطيء إلي شواطيء كلها كانت تتوحد من أجل فرض نفسها لمقاومة دفعات المياه القادمة بقصد الإغراق لشواطيء سيناء ،
    كما كان حلم المتوسط أن يلقي بمياهه الساخنة الحارة في لحظة انتفاضة واجتياحه الرمال فيما فرعي البحر الأحمر لتحس سيناء بالذل والهوان والقهر والخضوع .
    اهتزت الجبال والوديان بشدة وهي تدرك ما يخبأ لها ، ولكن ماذا تفعل ؟
    كانت الجبال والوديان قد أخفت أولياءها ومشايخها وعيونها بإحكام داخل جنباتها وتركت له طرقا ومدقات وأشواك وصخورا سوداء ، وأولياء للرجم ورجوما للذكريات وسكانا يكادون لا يفقهون شيئا ، وأجدادا أطول عمرا يعرفون ولا يتكلمون ورمت عمرهم الماضي سنوات حياة خصبة أمامهم باقية عديمة الزوال لتعاش .
    ********************************
    ( 16 )
    وقف السيد شرود في حجرته بالليل وكانت هنية جالسة تجللها الوحشة مجللة بالأخضر القاتم ، وزرع الجودة وعزاء الحسرة وغذاء الألم سمائها ، وفير وجعها أكثر من الكثير ، دائم الوجود لا يعز عن طالب مدفون مقطر من أغصان الأوجاع وجذوره متدرنة بالكتمان ورؤية للمفقود دائمة أغلفته الحرمان من الكلام والإشارة ،
    لأبوابه مفتاح واحد سري لا تملكه الشفتان ، ولكن تتسرسب النفس من فتحة القفل الذي يصعد بالأهه فينفتح الباب لصاحبه فيدخل وحيدا ليغرق في البحر .
    بحر أحزان هنية شديد القتامة في خضرته وشفيف سواده ناعم كالمخمل ، يغريك بالإستكانة في جنباته ويرشح فيك شلل الإرادة قطع من الأسود كالكحل ربما دموع تجمدت من سطوة الفقد ، بجوارها إبر رفيعة من الشك تتضخم كلما قلبتها حتى تصبح أكبر من حجمك ولكنك تحتويها راضيا بألمك .
    داخل هنية والسيد شرود قبضات مقبوضة من الشدة علي الحسرة والألم والندم وعندما تفتح تنطلق منها الآهات واللوعة .
    صور عيون هنية والسيد مكحولة بالإرهاق والسهد والأرق ، كل هذا مجلل بخطوط صفراء من الصبر .
    ملفوفة أحزانهم بعناية الحرص وخوف الضياع في قماشة القلب لكأن التامور مأمور بالحفظ والعناية رغم أنه بن القلق المضرب والدق الأخذ في الرهبة ، ومخططة تلك القماشة بآهات دفينة ، ركاز الماضي وحرز الأحراز لكأنما احترز عليه من الضياع ، وهو ملكهم الدفين ومشغوف بشغاف الوجع وآخذة حياة للحزن تسيل من بين يديك فتدلقها في لفائف التامور ومأمورة بالحفاظ عليه
    ــ أهذا كل ما أودعته السنين ؟ ( تنهد ) .... نم
    فقد انتبهت هنية
    ــ أكان لابد أن تحبل بك أمك وتشرق وتغرب حتى تكون رحلتك كل هذا ؟
    أمن وجع دفين جئت إلي وجع مقيم صرت حتى حرت وحارت فيك الأوجاع وازدحمت بالحزن فارتبكت عليك الرؤي وتعكر عصير الأحزان ثم هدأ وسكن وصفا فتشاغلت عنه بأن أوقدت حوله نار الفقد فتبخرت دموعه وتقطر فصار صافيا رائقا في سواده كأسود ما يكون ، فتلقفت قطراته لكأنها الحياة في قماشة القلب هذه ، ولفلفتها بعناية لف الوليد وضممتها إلي صدرك لكأن الحياة تسيل من بين يديك وتغرق ثيابك نافية الموت فيك ومنك
    قال : مشغولون بالموت رهبة .... وأنا نفي من الموت ومن الحياة ، ويقينا هو ولكن
    من يقترب ، كنت أتفرج علي الموت وآلامه وهو يمر بخيله ونبلته وكومة
    أحجاره من فوق صدري ليجلس علي قبة المشيئة في سمت السماء ويرشق
    المارة بنبلته ، كنت ساكنا في حفرتي سكونا عجيبا لكأنما هذا مكاني أستأ نسه
    ويأنس بي ، أتواجد في نهر جحيم الفقد ونعيم الغياب بلا ذاكرة ، كان هذا أخر
    الأشواط ، لكن عندما نهضت بلغت الشوط الأبعد ، وها أنا ذا واقف أمامك
    أراكي وأنت لا تبصرينني ، أجيئك حلما وأدخلك وأنت تحسين ولا تريدين
    أن تفتحي عينيك حتى لا تقابلين الفقد لكأنك عمياء وأنا متجسد بالكامل ، أنا
    أحسك ولم يعد لدي القدرة علي الصبر ، وامتلأ الصدر برواسب الأحزان لكأنها
    عضات في القلب خارجة بالدم ،
    وأنت أمامي وأنا أمامك ولكن بيننا ثلاثون عاما من الغياب والإحساس فكيف لي
    الوصول وقد مللت أن أكون ولا أكون ؟
    إربد وجه هنية وتعكر
    ربت علي كتفها فدمعت عيناها وقامت وأقفلت الباب وأطفأت النور وعادت لتدخل بين ذراعيه لكأنها تراه وضمها سرير يشهد تحاورهما بعمق الدماء بينما الوحشة نائمة خلف الباب والحزن حالة سرمدية من الوجود تكلل ظلام الحجرة متيحة قدرا من مساحة الحجرة لفرحة وسط عرق ودماء ، ودموع لم تنزل لجسدين في محو الإشباع .
    ****************************
    نامت هنية بجواره ممسكة يده لكأنما تخاف الفقد بينما هو لا ينام
    كيف يمكنه التجسد لها وهي تحسه حقيقة في دمها وتلامسه وقريبة من التصديق ، وهي لا تخدع نفسها ولا تتعلل بالحلم ولكنه النفق الذي يوصلها إليه ، تدخل من الحلم إلي الحقيقة عائدة بالزمن ثلاثون عاما باحثة عن حقها في الارتواء والخلود إليه والركون إلي ركنه الركين لتستريح ، وهو أيضا ولكنها رغبات غير مكتملة ؟
    لعلهم يعودون إلي طريقة ما للظهور معا ؟
    صرخ : ليست لي أي مطالب إلا العودة إلي الحياة طالما لم يحن أجلي بعد
    تململت هنية في نومها إذ أحس نمها بنبضه وصراخه وأحكمت ذراعيها حوله فاستسلم لها .
    خرج ضوء النهار من تحت عباءة الليل فانسل منها فقامت واقفة علي قدميها ولم تتعجب مما حدث فقد عرفت واعتادت ، فكيف تتعجب وهي أحست به كاملا وهو يستر عريها ولبست باقي ملابسها وتبسمت باتجاهه ثم مالت علي مكان نومه وقبلته وخرجت لشئونها ، بينما كان يقف بجوار النافذة يرقبها ويتمني دموعا تهطل / لكنها لم تكن /
    عادت هنية إلي الحجرة فقد رحل الأولاد إلي مصر لصرف التعويض من بنك أورشليم بالدقي / ثمن دمه الذي ما زال يبللني وينبض في /
    كانت تحس أن دخول هذا المال إلي البيت هو فقده تماما وأن كل ورقه من هذه الأموال هي شهادات وفاة له .
    استوعب بدمه كل ما قالته هنية بدمها فقرر المواجهة في نفس الليلة وجلس فوق نخيل السكاكرة ينتظر .
    **********************************
    ( 17 )
    لم تستطع شادية أن تخبر زوجها بما حدث ولكنها استأذنته في الذهاب إلي السكاكرة لزيارتهم بدلا من حضورهم إليها ،
    قدر لها زوجها حسن تقديرها لمكانته الاجتماعية وسمح لها بالذهاب بعد أن أوصي سائقه بها علي أن يظل الأولاد معه يوم السبت يوم راحتهم من المدرسة ويوم راحته من العمل .
    *******************************
    تدفقت الروح في مواجعها من الألم ومن عدم التواجد فاندفعت علي متن أملها بعد أن أسرجت ما يمكن أن تفعله ونزلت من علي نخيل السكاكرة ،
    أحست برهبة الفراغ والخوف وخواء الإنكار والاتهام وعدم القدرة علي الرد وسكاكين عدم التصديق من أعز الناس وأبناء شهوة البدن ،
    ما الذي حدث ؟؟؟؟؟
    كيف يمكن لأبناء شهوتي أن ينكرونني ؟ ولا يحسون بي كما أحس بهم ؟
    كانت في وقفتها علي نخيل السكاكرة يلم بها وجع خلع الجذور من منابتها فتحسست مكان خلع ضرسها القديم وتذكرت الروح كلام أبيها :
    خلع الضرس أهون من خلع الشخص من بلده
    بكت الروح في عمق ألمها نزفا صامتا وصرخت في ضجيج سكونها
    ــ خلعت وأريد أن أعود
    سمعت صوتا بعمق السكاكرة
    ــ أنت الشخص الوحيد الغير مرغوب في عودته
    ــ وأحمد ؟
    ــ يعيش في اغترابه و اكتئابه
    ــ لا يمكن
    ــ ممكن هذا زمن العجائب ، أليس ما حدث أمامك يؤدي إلي ذلك
    ــ غير معقول
    ــ وأي شيء فيما وجدته معقولا ؟
    ــ أنا أعرف هذا الصوت
    ــ نعم نحن الأسلاف
    ــ ما الذي حدث في السكاكرة ؟
    ــ كما حدث في أماكن كثيرة
    ــ أنتم تعرفون ما أنا فيه
    ــ تلك هي المشيئة ، ربما ما أنت فيه نعمة
    ــ وما العمل ؟
    ــ استمر في قدرك
    ــ كيف أولادي أنكروني ؟
    ــ ولن تجد لك شبرا من الأرض لتدفن فيه
    ــ لماذا ؟
    ــ الأرض تباع وتنقل
    ــ لمن ؟
    ــ للأغراب
    ــ في السكاكرة ؟
    ــ وتقتلع الأشجار ، وتقطع النخيل ، وتعقم النساء ، ويخصى الرجال
    ــ في السكاكرة ؟
    ــ وكيف تسكتون ؟
    ــ لسنا ساكتين
    ــ من فعل كل هذا ؟
    ــ أنتم
    ــ أنا ؟
    ــ نعم ، كل فعل قبيح ومنهي عنه فعلتموه
    ــ ولكن
    ــ وأرسلنا الرسائل الكثيرة ولم تسمعوا و استهزأتم بالرسائل وحملة الرسائل
    ــ نعم ولكن كل شيء ظروفه
    ــ نعم وهذه هي الظروف الآن
    ــ جمعت كل أفعالي التي لم أحاسب عليها الآن لأحاسب علي شيء ليس لي فيه ذنب
    ــ .................
    ــ يا أرواح الأسلاف
    ــ .....................
    كانت الروح قد أجهدت تماما وأحست أن كل هذا لا يبرر الذي هي فيه ، ولكنها أيقنت أن ما حدث ويحدث من داخل الناس تماما ومسؤوليتهم
    ****************
    كان المساء قد لبس جلبابه الأسود وجلس فوق نخيل السكاكرة يدخن غليونه الكبير ناشرا دخانه ضبابا يغلف هامات النخيل ويعتم عين الرائي ، وكانت نار الغليون المتوهجة تعكس ضوءها قمرا في السماء ،
    فقررت الرحيل إلي الدار
    ****************
    الكل مجتمع في بيت غانم وشادية تبكي و هنية بجوارها تهدهدها
    ــ لماذا لا تصدقون أنه زارني وأنني رأيته وكلمته ؟
    رد غانم : قال عربي أنه رآه في مصر فلماذا لم يحضر لتراه أمك ؟
    قال عربي : أنا رأيته ، والفلوس حرام حرام
    ــ الفلوس حرام ؟ لا تأخذ نصيبك
    قالت شادية : وأنا لن أخذ نصيبي
    قال غانم وأنت يا أمي ؟
    ــ يا ولدي اسمع الكلام نريد أن نرسي علي بر
    ــ الفلوس معنا هذا هو برنا ، وإذا ظهر ضاعت الفلوس ودخلنا السجن وحدثت مشكلة
    بين دولتين لأننا صرفنا فلوسه وهو علي قيد الحياة ، ثم لماذا لم يظهر إلا يظهر
    وقت صرف الفلوس ؟ أين كان طوال هذه السنين ؟
    قال عربي : المهم يرجع
    رد غانم : يا سلام أدخل السجن بسبب ميت من ثلاثين سنة ؟ ثم أنه الآن شيخ عمره
    علي الأقل ستون عاما
    قالت هنية : لأ ، شباب مثل يوم ما سافر إلي الحرب
    رد غانم : الناس تري رجلا عنده ثلاثون عاما وأولاده عندهم خمسة وثلاثون عاما
    يعني هؤلاء أولاده قبل أن يتزوج أو ...........
    قالت هنية : استغفر الله العظيم
    هنا تمكنت الهيئة من صاحبها وتجسد السيد شرود واقفا وسطهم وقبل أن ينطق ارتمت شادية في حضنه
    كانت المفاجأة أقوي من الاحتمال
    انتبهت هنية وجرت اليهما / حمدا لله علي سلامتك /
    فرد جناحيه علي شادية و هنية ونظر إلي عربي
    ــ الفلوس أهم مني ؟
    ــ أنا قلت الفلوس حرام ولن أخذها
    وقف غانم أمامه مذهولا
    ــ معقول ؟ ازيك يابا كنت فين الزمن الطويل كله ؟ عايش فين و
    ــ أبوك ؟
    ــ كنت فين وبتشتغل والــ
    ــ كنت مدفون بالحيا
    ــ كل واحد بعيد عن بيته يكون ميت
    ــ لأ ، مدفون في الرمل في سيناء ثلاثين سنة
    ــ اطلع وتعال ولو مشي ، ناس كثير جاءت ماشية
    جلسوا فقال :
    بعدما أصبت في حرب 67
    ردت هنية بلهفة : قلبي ، يا مري
    فرد جناحه عليها
    ــ الموضوع حصل من زمن ، بعد الإصابة أخذونا المستشفي ثم معسكر الأسر ، فباظ
    الجرح فأخذوني إلي المستشفي ثم حملونا أحياء ورمونا في حفرة كبيرة و ردموا
    علينا وعندما أراد الله لنا الخروج جئت لكم
    رد غانم : معقول تدفن هذه السنين الطويلة حيا ؟
    ــ إذا كنت لا تصدق فإنني سأختفي من أمامك الآن ثم أعود إليك
    اختفت الهيئة ففزع الجميع ونادت هنية
    ــ تعال
    ــ الله أكبر ! عفريت والله العظيم
    ــــ بلغ المركز
    تجلت الهيئة مرة أخري : الفلوس ترجع ، الدم ثمنه دم ، لا تقبض ثمني يا غانم ، وسأعرف فأنا معكم دائما
    قام غانم فزعا : معقول يا ناس ثم أنا مالي ، هو قصدني بالذات
    كانت الهيئة في كل مرة تؤكد تواجدها بالسؤال عن كل صغيرة وكبيرة حتى عن عبد الكريم الذي لا يعرفون عنه شيئا
    شار غانم مندهشا خارج البيت مرددا :معقولة!؟
    بينما عربي في ذهول عدم التصديق.
    شادية فرحة به وتريد طريقا تدخل بالحكاية منه إلي زوجها وتعتقد أن أباها لديه حل لكل ما هي فيه لأنه قطب صوفي وولي من أولياء الله الصالحين قوي ، تصور عاد بعد الدفن ثلاثون عاما بنفس العمر والقوة التي دفن بهما لكأنما السنين لم تمر عليه.
    هنية تفرش فرحتها وتتذكر لياليه وتنز بالفرحة.
    اختفت الهيئة وسط كل هذا وما يزالون يترقبون عودتها.
    ***
    ( 18 )
    نشرت جريدة أخبار اليوم ، والأهرام ، والجمهورية في صفحات الحوادث :
    علي عدة أسابيع متتالية عن بلاغات من عدة قري علي امتداد مصر تقول بأن الأهالي شاهدوا بعد صلاة الفجر أشباحا وأرواحا تلف في أنحاء القرى وفي الجبانات ويلقي السلام ، وأنهم تعرفوا علي بعضهم وهم من شهداء 67 ، وعندما هموا بالاقتراب منهم اختفوا تماما .
    وقالت البلاغات أن قرى أفادت بأن بعضهم أخبره أنه دفن حيا وأنه خرج من الرمال من ملوحة مياه البحر ومن حوافر وأظلاف البهائم التي تدوس عليهم باستمرار .
    وقالت امرأة أن زوجها يأتي إليها كل ليلة بعد صلاة العشاء ويعاشرها كما كان قبل الحرب وهي لن تتوه عن زوجها .
    واتفقت الروايات مع ما أخبرت به سيدة من / صفط اللبن / أن أباها زارها وقال لها أنه خرج بعد دفن ثلاثون عاما
    وطبعا قد تحرت الشرطة في كل البلاغات ولم تعثر علي دليل واحد ، فأقفلت كل المحاضر وتم حفظها كما هي العادة
    بينما حشرت وسائل الإعلام وحشدت في كل برامجها طوال الوقت البث وبعد البث وبعد إقفال التلفزيون تخرج إليك البرامج من تحت المخدة ليقول
    د. عالم النفس الكبير : بأن بعض الهلاوس قد تصل إلي درجة التصديق ، ثم التجسد والمحادثة وذلك لارتباط صاحب الحالة بالمتوفى أو المفقود وهي تحدث تحت وطأة الشعور بالذنب ، ويمكن في هذه الحالة أن يحدث ما يسمي بالتوحد والرغبة في التقليد ومحاولة إعادته للحياة ( ثم أضاف سعادته أو سيادته حسب الرتبة والرصيد في البنك وعلاقته بالكبار ) لا أقول سرا أن هذه الأقوال انتشرت عندما علم الأهالي بأن هناك جنود دفنوا أحياء في حرب 67 ، علينا اليقظة من الحرب النفسية ، ( ثم ختم سيادته خلاصة القول فعرفنا أننا جهلاء وحقراء جدا )
    من قال أن الذين دفنوا مصريون ؟
    من قال أن هناك دفن حدث بالفعل ؟
    هذه حرب أعصاب وعلينا اليقظة ؟؟؟؟؟؟؟؟علي من ؟؟؟ علي من ؟؟؟؟؟؟؟
    *******************************
    (19 )
    كانت الهيئة قد عادت روحا طليقا تحلق في سماء الظلام وتضرب ضوء القمر الشحيح بوهن السباحة في الفضاء متجهة إلي شواشي الجبال في سيناء لتستبرأ من شكوكها وتستريح وتفكر قليلا في كلام الأسلاف وما حدث مع الأولاد ، ذلك الكلام الذي زرع شوك ما كان يحس به إلا في حلقة فالحقيقة تجشأت صدقا كالخيانة .
    بحر الرمال الواسع ممتد ونور القمر شحيح يفرد موجاته علي الرمال بوهن وكانت نخيل العريش يد الله قد زرعتها علي الرمل قبل النماء ، وشدت يد الله كف الشهيد فصارت أصابعه نخيلا وحقلا من الأرجوان .
    أعذاق النخل مثقلة بحمولتها لكأنها حمل من القنابل الموقوتة تنتظر إسقاطها علي الأرض لتخرج من الجهة الأخرى .
    وظلمة الليل تدفع بالسر لتحوله إلي همس ووشوشة وسط النخيل في عتمة الرؤيا ووديان وسهول وجبال سيناء في تحاور غريب ، لكأنما نهر يجري من الأرض وليس ماء .
    وشريط ممتد وطويل وأسود وبيوت بيضاء علي الشاطيء ودنيا لا أول لها ولا أخر وحفر وردم ومعدات وبشر من كل صنف ولون .
    كانت الروح في طيرانها تري كل هذا وتتعجب وتذكر العربات الزل التي أتت بهم إلي سيناء ، وبعض الوحدات أتت بالقطار الحربي ، صحيح أين القطار وشريطه ؟ والقادة بالطائرة .
    لم تري الروح في طيرانها أي وحدات عسكرية أو مطارات ؟؟؟
    لكأنما أمن الناس شر الناس ؟
    هل كان لابد أن يدفن حيا هو ورفاقه لتلغي الجيوش ويحل السلام ؟
    ولكن كيف ؟؟؟؟؟؟؟
    **********************
    وصلت الهيئة إلي موقعها فوجدت ما جعلها تقف وتصمد في سمت السماء .
    كان الموقع مضاء بالكهرباء وحفر هائل حول الحفرة التي دفنت فيها ، وكميات من الطوب والرمل والزلط مشونة بجوار من الأسمنت ؟؟؟؟؟
    والحديد وخفراء وعساكر ومخيم وبيت جاهز، وآلات وأوناش في الموقع ؟
    ويافطة كبيرة مكتوب عليها / كتم عدم معرفة القوية بالقراءة والكتابة عندما وجد أنه يقرأ بسهولة ويسر / كتب علي اللا فتة ( النصب التذكاري لجنود وضباط اللواء 114 مشاة 67 في حرب بين مصر وإسرائيل ) ثم بخط له روح المؤامرة ( تعاون في إقامة النصب مصر وإسرائيل والسعودية والمغرب والأردن تحت إشراف الولايات المتحدة )
    صرخت روح شرود : سمع الله لمن حمده سبحان من جمع الشامي علي المغربي
    عللت الروح لنفسها ما تري بأنه قام ليجد كل شيء إلي نقيضه فلا يستغرب لو وجد نفسه يتكلم لغة أخري .
    كان يحس في تلك اللحظة بقوة اختراق الرصاص لجسمه ، وكان حريقا يملأ كل حواسه .
    حامت الروح حول المكان فلمحت بعيدا عن الموقع حلقة من الأرواح رفاق الدفن فعرفتهم واتجهت إليهم ونزلت لهم .
    كان السكون والسكوت يربطهم برباط من حديد فلا كلام ولا إشارة وكاد نبضهم يتوقف همس فيهم :
    ــ هل قابلتم أهلكم وأقاربكم ؟
    ــ لم نجدهم
    ــ ماتوا وأماتونا
    ــ أنكرونا
    ــ لم يصدقوا
    ــ قبضوا ثمن دمنا بالشكيلز والدولار
    ــ قالوا بصراحة لو ظهرت فليس لي مكان بيننا
    ــ ما فائدة من مات حتى يعود الآن
    ــ زوجتي تزوجت وقالت ماذا تريد بعد كل هذه الغيبة ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    إذا كنت عفريتا فانصرف وإذا كنت أنت فلا لزوم لك .
    ــ أما أنا فبعد أن أنكرني أهلي ذهبت إلي صديقي فلم ينكرني فقد صار رئيسا لتحرير
    احدي الجرائد ، سمع مني باهتمام ، وفي اليوم التالي وجدت في مكتبه اجتماع
    وعندما أردت الانصراف قال :
    ــ هذا الاجتماع من أجلك ، هذا المخرج (....) والمؤلف (.....) وكاتب السيناريو (...) وكاتب مسلسلات التلفزيون (....) والصحفي (.....) وهذا (......) صاحب أكبر شركة للإعلانات ، وعليك أن تحكي الحكاية بالتفصيل الممل وتجيب علي كافة الأسئلة وطبعا لك حق الأداء العلني يعني فلوس كتير
    وحكيت الحكاية وبدأوا الأسئلة
    ــ كم امرأة كانت معكم ؟
    ــ لم تكن معنا نساء كنا في حرب
    ــ من البدو أو أهل المنطقة ، كن صريحا سنغير الأسماء طبعا
    ــ لم نري نساء إلا في إسرائيل
    ــ جميل وهل حدثت قصة حب أو شيء سريع ؟
    ــ حب مع إسرائيلية ؟ كيف ؟
    ــ سنجد حلا مثلا أحد الضباط كانت له علاقة براقصة ثم تابت بعد أن عرفت بموته
    وعندما عاد لها جنت
    ــ لا يوجد لدينا ضباط من هذا النوع
    ــ يوجد ولكنك لا تعرف ، كم عمرك ؟
    ــ ثلاثون عاما
    ــ أنت مدفون من ثلاثين عاما فكيف يكون عمرك ثلاثون عاما ؟
    ــ عمري يوم دفني ثلاثون عاما ، ولا يحسب عمر لم أعشه
    ــ بسهولة شطبت عمر الدفن وجئت لتعيش ما مضي من أوله
    لم يصدقني أحد ولم استطع الاستمرار فاختفيت وعدت إلي الحفرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    انسحبت الروح وتسللت إلي الحفرة والحلقة ما تزال تجتر همومها .
    *******************************
    (20 )
    ظلت شادية علي حيرتها بين أن تخبر زوجها أو أن تصمت وتحتفظ بالسر معلق في سقف قلبها .
    وكانت قد غرقت في سهدها وأرقها عندما رأت أبيها يختفي ويتجسد وهمست مختبئة في جدران قلبها :
    ــ ربما حولنا منذ زمن يسمع ويري ؟
    *************************
    قال عربي لسقف الحجرة :
    ــ ليس شيطانا ولكنه أبي حتى لو ظهر واختفي ، ولكن كيف عاش نحن الرمال طوال
    هذه المدة ؟
    كان في قاع الكتمان مدفونا ، قلبي لا يكذب علي انه أبي
    ربما حولنا منذ زمن بعيد يسمع ويري ؟
    الحمد لله لم أخذ الفلوس ، وأنا أول من ظهر له .
    ربما يصبح واحدا من كائنات السكاكرة الليلية الممتدة فهو حولنا يسمع ويري
    ******************************
    قالت هنية للمخدة :
    ــ زنده أجمل وأحن ، وعرقه جميل وحلو ، أحس به وما غاب عني يوما واحدا ولكنه
    الآن أشد حضورا .
    كنت أخاف أن أقول لهم ، فيقولون أنني جننت ، أيام الحرب كنت أصحو من النوم علي دموعه وهي تتساقط علي وجهي ، وأسمع صوت تنفسه حولي .
    الأولاد أعمتهم الفلوس ، شادية هي الوحيدة / يا روح قلبي / التي لم تقول أبدا أنه مات وهي الوحيدة التي تصدق عودته مثلي ،
    أما غانم فلا يقدر عليه إلا الله ، وعربي خائف ،
    وأنا أحب أن يرجع ويظل مختفيا لهم وظاهرا لي ويتركهم يفرحون بالفلوس
    حدثها قلبها بألم : وماذا لو حملتي يا هنية ؟
    انتفضت فزعة: لأ..لأ..العادة الشهرية راحت لحال سبيلها من زمان.
    ضغط الصوت عليها: يعنى إذا حصل حمل؟
    ـــ لا أعرف! ، ولكن هل العيال سيكونون ظاهرين أو مخفيين؟
    ـــ لكن بطنك لن يختفي فماذا ستقولين للناس؟
    ـــ ......
    ركبها الخوف وهزّ أرجله وسار بها في كل اتجاه فرأت حيرتها تملأ المكان فبكت وشدّت جلبابها عليها وقالت : سلمت أمري لله وأنا راضية بقضائه، لماذا تركتني وحيدة يا شرود وأنت حولنا تسمع وتري؟
    ***
    عرف غانم أن الوقت أقصر مما ينبغي، دار علي كل أصحاب الأراضي ليشتري أرضا
    ـــ الفلوس يمكنها أخذها وردّها إلي البنك / عالم هبله/ لكن الأرض بيع وشراء ، قال بعد ثلاثين سنة ويوم صرف الفلوس الفقر يحضر ويطلع من القبر، بسلامته مدفون حيّ!، يعنى السكاكرة نقصاك رجل بسبع أرواح؟ يظهر ويختفي ويغيب ويحضر وكمان يموت ويصحو ، ناس تراكيبها من البداية علي مقاس الفقر، إذا كان هو!يمكن عفريت أو شيطان،
    ثم إننا لم نطلب شيئا قالوا لكم فلوس نقول لأ؟ عجايب
    كان قد اتفق نهائيا علي شراء الأرض مع إبراهيم العويل ، ولكنه لا يضمنه فهو عويل ولكن نام يحلم بقدر رقعة السماء التي فوق الأرض بالعمارة وتحتها مخزن الأسمنت، وامرأتان جميلتان قوي كنساء الفيديو والدش الزلط ملط لحم أبيض وكفاية هم من اللحم الأزرق، ثم العيشة الهنيّة وكثرة الذرية والفاتحة للميت الحيّ.
    ولكن خاطرا وكزه في جنبه فانتبه من أحلامه
    ـــ هو يظهر ويختفي فلماذا لا يكون حولك الآن ويعرف ما تفكر فيه؟
    صرخ من خوفه : يعمل ما بدا له، سأقتله لو ظهر يلعن فقر أمه ، وإذا كان يسمعني فليعرف أني سأقتله لو ظهر لا يمكن لميت أن يتحكم في حيّ، آخر كلام عندي.
    ***
    ( 21 )
    اجتمعوا مرة أخري تحت ضوء القمر بجوار الهوة التي دفنوا بها ، كانت الأرض حولها قد تحولت إلي بنايات وأسمنت وحديد وزلط ولا فتات
    قالوا : صعبت علينا الراحة نحس أن أظلاف البهائم تدوس فوقنا وتفتت عظامنا وتغوص أقدامها في أعيننا ، نريد أن نحمي أنفسنا بعيدا عن هذا المكان.
    ــ صعب علينا أن نحفر مكانا أخر ونترك لهم هذا المكان
    ــ المكان عشرة سنين طويلة
    ــ رائحة عرقنا وأجسادنا وملابسنا ودمائنا في الأرض ما تزال
    ــ العودة إلي الأهل هلاك ، فلا أحد يريدنا ، ولا أحد يصدق
    ــ من يريدك يريدك لنفسك
    ــ لا نستطيع أن نظل في محبس الرمل إلي الأبد
    ــ ولا نستطيع العودة والاستمرار
    ــ هل نذهب كوفد لمقابلة المسئولين ؟
    ــ ومن المسئولون ؟ هؤلاء جاءوا بعد من ذهبوا ونحن في نظر الجميع ملف تم إغلاقه
    ، وموضوع تم الانتهاء منه ، ثم من سيصدقك ؟
    ــ حالتنا ليست لها مثيل في الدنيا كلها ، والدنيا تغيرت ونحن نيام
    ــ الموت كان أفضل كثيرا مما نحن فيه
    ــ لماذا لم يطلب أحد من أهلنا بجثثنا
    ــ لا أحد يعرف جثة واحد من الأخر ، ثم إن الجثة الواحدة سيتنازع عليها أكثر من
    فرد وعائلة ، ربما هناك من ماتوا في معسكرات الأسر ولم يدفنوا معنا ولم تعرف
    لهم قبور أو ماتوا في الطريق .
    ــ أصبحنا مشكلة لا حل لها
    ــ المهم أننا نطلب الحماية من أظلاف البهائم
    ــ المهم أننا نحل مشكلتنا مع أهلنا
    ــ لا مكان لنا عندهم
    ــ لا في قلوبهم ولا في المكان
    ــ قال الأسلاف لن تجد لك شبرا من الأرض لتدفن فيه
    ــ نخرج من الدفن لنبحث لنا عن قبر لندفن فيه ، من قبر إلي قبر
    ــ الأرض هنا كثيرة وواسعة
    ــ إذا لم تكن بيعت للأغراب
    ــ سيكون لنا قبر هنا أو عند أهلنا ، ولا يمكن أن تصل الحكاية إلي هذا الحد
    ــ هل سنرحل مرة أخري إلي الأهل ؟
    ــ بالنسبة لي الأمر ما زال معلقا
    ــ أنا لا أستطيع الابتعاد عنهم
    ــ لا أحد أرجع إليه
    ــ وأنا بيع بيتي و أولادي مسافرون ، والبعض سكن القاهرة
    ــ ولكن كلهم ، كلهم ، كلهم قبضوا التعويضات ثمن دمنا
    ــ لم يصدقوا رجوعنا
    ــ والذي صدق يحتاج إلي دليل
    ــ إذا حضرت الفلوس في مصلحة أحد أن يصدق
    ــ ولكن كلهم ، كلهم قبضوا
    ــ كلهم ، كلهم ؟
    ــ نعم كلهههم كلهم
    *****************
    ( 22 )
    كان السيد شرود دائم التنقل بين سيناء و السكاكرة والقاهرة للاطمئنان والرؤية لعله يجد حلا أو يقابل أحمد ، أو يجد من يتحدث إليه ،ولكن في كل مرة كان يجد بحرا من النسيان والصمت وعدم الاهتمام ، ولم يكن بقادر علي المغامرة بالظهور في الشارع لأهالي السكاكرة حتى أنه كره زيارته لهنية وأحس أنه يسرقها وأنها تفعل معه ما تخجل منه ومن أن تقوله للناس ،ولكنه غير قادر علي أن يبتعد ؟
    ــ هل شدت الأسلاف حبال روحه ليدفن فيها ؟
    وإذا كانت قد فعلت فلماذا ضنت عليه بقبر ؟ ألم يقولون له / لن تجد لك شبرا من الأرض لتدفن فيه ؟ /
    أين إذن سيدفنونه ؟ أو ماذا عاد أصلا ؟
    كيف يمكن مقابلة الأسلاف للتفاهم معهم ؟
    ***************
    عقد شرود العزم ومضي حتى أخر السكاكرة فوجد أنها ليس لها أخر ، وأنها امتدت في الحقول ، وأن منطقة الخارجة قد بنيت بكاملها / كان يعرف أن منطقة الخارجة هي مكان التقاء الأسلاف /
    ذهب إلي دار العم حنفي وطرق الباب كهيئة فلم يجبه أحد ؟؟
    تحول مختفيا ففتح الباب
    ــ السلام عليكم
    ــ العود أحمد / لم يشاهد أحد أمامه لكنه صوت العم حنفي /
    ــ أهلا يا عم حفني ، جئت إليك لتفك أسري وتخرجني من حيرتي ، فأنا في حيرة
    كبيرة
    ــ أعرف
    ــ أخرجني
    ــ لا أستطيع
    ــ هل سأظل هكذا ؟
    ــ دوام الحال من المحال
    ــ ماذا أفعل إذن ؟
    ــ هذا قدرك
    ــ أفهم ؟
    ــ ليس لك من الأمر شيء
    ــ زد الأمر إيضاحا
    ــ عود الذرة وسط حقل الأرز غريب ، ولكنه وسط حقل الذرة في مكانه ، وهذا ليس
    زمنك
    ــ هل أموت ؟
    ــ لا أحد بيده أن يموت أو أن يحيا
    ــ دفنت أكثر من نصف عمري ، ما هو المطلوب مني ؟
    ــ ستقودك بصيرتك إلي ما ينبغي عمله
    ــ وأحمد بحثت عنه ولم أجده
    ــ لماذا ؟
    ــ أعرف منه وأكلمه ،
    ــ تكلم كثيرا حتى بح صوته وهو في حالة سكون ، وقد مضي زمن النضج ونحن في
    زمن المحو والسحق والتغير ، إلي جانب زمن ظهور السكاكرة الجديدة
    ــ وأنتم ؟
    ــ لا نعرف ربما ينتهي دورنا بمجرد إنبات بذور السكاكرة الجديدة
    ــ هل ستموتون ؟
    سمع قهقهات تملأ المكان ووجد نفسه خارج بيت العم حفني ، وقبل أن يكمل همسه لنفسه وجدها وست الناس تسيران في الشارع فهتف :
    ــ ست الناس
    ــ لماذا عدت ماء عذبا والبحر يملأ الفلاه بملح وغاز ، نهض المتوسط وهو يرمي الآن نفاياته ونفايات العالم عليكم
    ــ عدت إلي أهلي وبيتي
    ــ عد كما تشاء
    ــ لكنهم لا يريدون
    ــ سيغمر البحر في نهوضه الدلتا ويبتلعها ويدير الأرض علي محور أوجاعها وسيدخلها تحت بعضها وسيختفي كل شيء
    ــ و السكاكرة الجديدة ؟
    ــ تعم ستنهض الأرض من وسط المحيط عمودا قويا صاعدا حتى تلامس وجه السماء فتكللها بالثلج وتغسلها بماء المطر المنهمر ، حتى تهدأ ويغادرها دنس البحار و ملحها
    وهي تخبيء داخلها الأسلاف الذين يحتضنون بذور السكاكرة الجديدة وهؤلاء هم ملح الأرض ، وقتها ستكون الأقوى والأجمل كما هي عادتها ثم ينشأ الكون كعشبة في نعلها مثلما حدث
    ــ وأنا ؟
    اختفت ست الناس وعائشة الخياطة وبقي شرود شاردا في ملكوت قيامته علي أرض السكاكرة أو في أعلي ذراها علي هامات النخيل .
    ****
    ( 23 )
    حسرة هي الدنيا ، و راحة هو الموت.
    وإذا كنا لا نستطيع الموت ونعيش الحسرة ونحن بيني وما بينك نتلهف ولانصل إلي الراحة حتى لو كانت المنى منها الموت ، ولا نعرف متة نصل ، فأي عذاب صار ؟! وأي فعل يكون وكيف ؟.
    أي طريق تختار ؟ ، حتى الاختيار لا يمكن الاستقرار عليه لأنهيتم دون هواك فهل أرجع إلي سيناء ؟
    أظل فوق نخيل السكاكرة؟
    أبحث عن قبر لأدفن فيه أبحث عن شبر لأتوارى فيه ، أأأبببححث.
    طار إلي جبانة السكاكرة لبحث له عن قبر ليدخله ، فوجدها مليئة بالخلق ، وعربة إسعاف واقفة وكذلك هنية واقفة تبكي وعربي ينوح وشادية تقيم في حزنها الأنيق فاقترب منهم ففهم وبكي رغم كل شيء .
    ***
    كان غانم قد صمم علي شراء قطعة أرض بعد أن رفض الجميع إخوته استلام الفلوس ، فاتفق مع العويل علي الشراء .
    ولهاجس ما بداخله قرر التعجيل بالشراء، وأرسل للعويل ليكون جاهزا لتوقيع العقد وتسليم الأرض واستلام الفلوس قبل الميعاد،
    في صباح الثلاثاء كان غانم أسعد المخلوقات، فقد رص الفلوس في الحقيبة وتوجه إلي العويل ولمح وجه أبيه في الهواء فصرخ فيه : ولو
    هذا ما قاله لنفيسة عندما مر علي بيتها في طريقه إلي العويل فوعدته بليلة حلوة قوى.
    سار بالحقيبة إلي العويل لكتابة واستلام العقد ودفع الثمن.
    قبل آذان الظهر أطلق مكبر الصوت الخاص بالمسجد نعي غانم السيد شرود إذ دهولته حمارة حرون وهو يسير في الطريق فطلعت روحه.
    وعندما اجتمع الخلق لم يجدوا في غانم السر الإلهي ولكنهم حملوه في الإسعاف إلي مستشفي ههيا المركزي فلعل وعسي، هناك اكتشفوا مئات من ضرب الحوافر في الجثة التي تحولت من الأزرق إلي الأسود فكفنوه لدفنه بالسكاكرة ، وضاعت حقيبة الفلوس التي كانت معه والعوض علي الله ،الحمد لله قالت هيئة شرود.
    قال عربي : الحمد لله ذهبت كما جاءت
    قالت هنية : جاءت بدم وراحت بموت
    قال شادية : أخذها صاحبها
    قالت هنية : أخذت الشر وراحت
    قال فتحي : الله يرحمك يا خويا
    قال عربي : إنه يعرف الآن
    قالت هنية : والنبي !
    قال فتحي : أنا حاسس بشيء مستخبي عليّ
    قاطعته هنية : أصل روح السيد شرود تحضر معنا
    قال فتحي : يا سلام!
    اهتزت لمبة الكهرباء وعدلت المساند علي الكنبة فهتفوا بصوت واحد:
    ــــ اظهر وبان عليك الأمان
    لكن شيئا لم يظهر وسمعوا بكاء مكتوما
    انتفض فتحي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، نفسي أشوفك يا فتحي اظهر يا أخي، قل نعمل لك أي شيء؟
    لكن شيئا لم يحدث، ففهمت هنية ودخلت إلي حجرتها ، ناح فتحي فبكت شادية والعرب يبكي ونظر بهدوء ناحية حجرة أمه ولم يتكلم.
    ***
    ( 24 )
    شددت الستائر لتحجب ضوء النهار الباهر علي النافذة الزجاجية ، جلست في الأنتريه وأمامي صينية الشاي وعليها الأكواب والسكرية وصببت الشاي الذي تصاعدت سخونته في جو الصالة.
    خرج من حجرة النوم بعد أن مشّط شعره ولبس الروب فوق منامته الخفيفة وجلس بجواري
    ــــ صباح الخير علي الحلوين
    ــــ صباح النور
    ـــــ لأ ، الجميل زعلان أو مشغول أو يتدلل عليّ
    ــــ أبدا
    ثم غرقت في حزن فنزحت أحزاني فأخذني في حضنه وهدهد عليّ
    ـــ خير اللهم اجعله خيرا؟
    لم تكن الكلمات تطاوعني فقد كنت في عالم لم يحدث قبل ذلك ولكني قلت : أبي
    ـــــ ألف رحمة ونور عليه
    ـــ عايش وكلمني
    دفعني بعيدا عنه وقام فزعا
    ـــ شادية... شادية....، استغفر الله العظيم
    شددته من يده وأجلسته بجوار ور الحكايات من أول هزّ الستائر حتى/ تظهر وبان عليك الأمان / وموت غانم تحت حوافر حمارة حرون وضياع الفلوس.
    كانت المياه التي أغرقت العالم وطفت عليها سفينة نوح أقل بكثير من البحر الذي غرق فيه مصطفي زوج شادية لدي تأكده من ضياع الفلوس/ لا يجد حجة أو قشة يمكنه التعلق بها/ ، كان في ورطه من الهم والحزن علي ضياع الفلوس وعدم التصديق لكن شادية إذا قالت فقد حدث تماما.
    ولكن ، وتبقي ولكن غصة في الحلق لأنها إذا انطلقت مسحت عمرا جميلا من التصديق وبدأ عصر جديدا من الشك.
    قال بتدبر رجل المال الذي لا يخسر أبدا :معنى ذلك أنه لن يظهر مرّة أخرى؟
    ـــ ممكن يكون معنا الآن يسمع ويري
    تلفت حوله قائلا : والله كان رجلا طيبا، إلي جانب أنه تعب كثيرا في حياته من اليمن إلي سيناء وسط كل هذا الأرض ، وطبعا أنا لا أشك في كلامك نهائيا ولكن هذه الحكاية لم تحدث من قبل؛ إذا فهو رجل صاحب كرامات ولي ومن المفيد عمل ضريح له ومقام في السكاكرة وسيناء وعمل كتاب عنه وتسجيل ذلك كمعلم علي خرائط السياحة.
    ــــ أنا لا أحب أن يكون لأبس ضريح وهو علي قيد الحياة، أنا نفسي أشوفه وأسمعه ، ويرجع يعيش حياته مع أمي بالسكاكرة ويحس بنا حوله كأولاده، حرام حياة بدون راحة ثم دفن ثلاثون عاما حيا تحت الأرض ثم يعود ليجد أولاده يقتسمون دمه!، ويخافون منه، ولم نجد الوقت لنسأله أو يفضفض معنا عن نفسه أو يحكي أي شيء، لكن غانم منه لله لم يعطه فرصة ووضح لنا كره غانم لأبيه وحبه للفلوس، وبالطمع من غانم وبسكوتنا ضاع أبي وضاعت الفلوس.
    ـــــ ارحمي نفسك من العياط، وقولي ما تحبين وأنا أعمله لك، أما بالنسبة للفلوس فسوف أتصرف مع أصدقائي من البوليس..
    ــــــ لأ..لا نريد شيئا ، أبي فقط، ما ضاع ليس من حقنا، وليس في يدنا عنوان لنصل إلي أبي
    ــــ أنا يمكنني الوصول إليه
    انتفضت : صحيح؟
    ـــ نعم نذهب إلي سيناء إلي مكان دفن الشهداء، نسأل عن مكان الكتيبة أو اللواء ، وستكون كل الأسماء هناك ، وإذا كانوا بعد الدفن كتبوا شيئا فسنعرف أين ذهب ، وإذا كان غير ذلك يكون من أتى إليكم نصاب أو شيطان
    ــــ لأ ... هو أبي أنا أعرفه
    ـــ يوم الثلاثاء عندي أجازة والأربعاء والخميس والجمعة نسافر سيناء ما المانع ؟
    ـــ موافقة
    ـــ نشرب الشاي البارد يا ست الحلوين
    ـــ سأعمل لك شايا ساخنا جديدا
    قمت علي أطراف أصابعي حتى لا ينتبه الشك في صدري ويطرد فرحتي فيصبح الأمل بعيدا، وقبضت بكل قوتي علي الصينية لكأنها جلباب أبي وأنا أسير خلفه إلي دكان عمي الشيخ علي ليشتر لي الكراملة والملبس فيرفعني بيده عاليا أمام الناس
    ـــ اسمك شادية علي اسم المغنية ولكنك أجمل وأحلي ألف مرة ثم يأخذني في حضنه بعد أن يقذفني في الهواء.
    كان صوت مصطفي ينادي عليّ والماء يغلي في البراد فأكملت الشاي وعدت إليه .
    ***
    ( 25 )
    ذيل ثوب قديم مقصوص ومرمي بطوله تحت مكنه الخياطة ، وكان هو الطريق الأسفلت المخترق لسيناء والملقي تحت سيارتهم وهي تجري بهم فوق الطريق ، العربات قليلة ولكنها موجودة وجديدة وإن غلب عليها المرسيدس القديمة ، والنخل صبايا وقفن يرقبن الغرباء في تجمعات تبص عليك من كل اتجاه ، والنخيل المقطوعة الرأس أصابع أكف الشهداء خارجة من الرمال طالبة الخروج ، ولافتات بأسماء كثيرة ، والقنطرة بالوظة ، ورابعة ، ........ ، رمانة ، العريش
    اتجهت السيارة وسط شارع وحيد موازي للبحر ثم دخلت المدينة ووقفت أمام بناية حمراء ضخمة ونزل زوجها :
    ــ عشر دقائق ، أسأل عن الموقع وأرجع لك .
    بعد ساعة عاد إليها يحمل عدة أوراق ، وخرائط ، وتركها في حقيبة العربة قائلا لزوجته :
    ــ ممكن تشربي أو تأكلي أي شيء لحين حضوري / أشار لها ناحية الثلاجة الصغيرة
    الموجودة بالعربة
    وحمل في يده الحقيبة الصغيرة ومضي .
    بعد ساعة عاد إليها يحمل معه ورقة زرقاء اللون أدخلها في الحقيبة الكبيرة وقال :
    ــ سنذهب الآن إلي الإدارة العسكرية ، حيث أننا أخذنا من عندهم رقم الوحدة وسنذهب ليكون معنا دليل للمكان ، والموضوع معروف لكل الناس
    ــ موضوع ؟
    ــ الناس يقولون أن إسرائيل تدفع تعويضات للشهداء ، والبعض يقولون أن الشهداء
    يخرجون كل ليلة ويسيرون في الشارع
    أراد مؤشر الراديو بعد أن انطلق بالسيارة
    أأوه أأو
    ناسي ناسي ناسي
    قاسي قاسي قاسي
    من غرامه كتير بأقاسي
    تعبني هو وغلبني
    وقلبه ناوي يعذبني
    غلب غلب غلبني
    عذب عذب عذبني
    حوشو حوشو حوشو عني حوشو
    قلبي دايب من رموشه ررمموششهه
    صرخت شادية :
    ــ كفايه حرام عليك
    أدار المؤشر مبتسما
    أنا أنا الواد الجن
    اللي لا يهدا ولا يون
    طالع أزن نازل أزن
    قالت شادية :
    ــ شغل شريط أفضل
    دفع بالشريط داخل المسجل فانطلق الصوت الناعم
    تاكسي ، تا ك سسي
    ــ لا أخي حرام عليك
    أبدل الشريط فانطلق صوت شفيقة
    جاي تاني تقول سماح
    بعد ما راح اللي راح
    ــ لابد أن أنزل من السيارة ، مش ممكن
    لم يتحرك وفتح إذاعة القران الكريم
    / فأولئك الذين أنعم الله عليهم مع النبين والصدقين والشهداء والصالحين /
    ــ يا حبيبي
    وانهمرت شادية ثلجا جبليا يتحدر بكاء
    فأقفل المذياع ، وأوقف السيارة ونزل دخل المبني الغامض وخرج لها :
    ــ لابد أن نبيت هنا الليلة
    وركب السيارة عائدا إلي العريش وهي لا تتكلم
    في الطريق أخبرها أن الدليل سيكون في انتظارهم في الصباح الباكر حتى يمكن الوصول إلي الموقع قبل الظلام ولهذا فعليها بعد الغذاء أن تستريح ، ثم يخرجون للفرجة علي العريش
    لن ترد ولم تصد ، ولما وقفت السيارة أمام فندق أوبراي نزلت ودخلت إلي المكان ، وبعد الغذاء صعد معها إلي الحجرة ثم تركها بعد أن قال لها :
    ــ استريحي الآن ، ثم نسهر في العريش
    ركب السيارة وانطلق حتى فندق لايت وعاد متجها ناحية المساعيد وسأل عن قرية سما العريش فدله أحد المارة عليها
    سار بالسيارة حتى وصل إلي صفوف من الشاليهات البيضاء علي البحر مباشرة ودخل إلي المدير المسئول وأعطاه الورقة الزرقاء فأعطاه مفتاحين
    ــ مبروك
    ــ شكرا
    ــ ممكن نفرشها لك حسب الطلب ولدينا تصميمات كثيرة
    وأخرج له عدة كتالوجات ليختار منها ، واستقر الرأي علي الفرش فقام المدير بحساب التكاليف ثم وضع أمامه ورقة الحساب
    ــ والدس كاوند والإكرامية
    ــ تحت الأمر يا باشا
    بدل وعدل في الأرقام ثم قدمها له فأخرج له رزمة أوراق مالية قائلا :
    ــ لو سمحت إيصال باستلام المبلغ
    ــ نحن نتعامل بالشرف والأمانة
    ــ ونحن أيضا لا نتعامل إلا بالشرف والأمانة ولكن الاحتياط واجب
    قدم له الإيصال قائلا
    ــ الأجهزة الكهربية علي سيادتكم
    ــ احضر الأجهزة وأحاسبك عليها ، ليس بين الخيرين حساب
    أدي المدير التحية له وخرج فرحا إلي فندق أوبراي ،وصعد إلي الغرفة فوجد شادية نائمة فتمدد بجوارها .
    ******
    قال المرافق : المكان تم تنظيفه ، ويقام عليه نصب تذكاري تكريما للشهداء ، مصر لا تنسي أبناءها الذين قدموا التضحيات الكثيرة بكل ما هو نفيس وغال/ أحسست بحالة إمساك شديدة/ ونحن نخدم أي فرد من جهة الشهداء، والشهيد الله يرحمه كان شهما
    قلت له : هل كنت تعرفه ؟ أنا ابنته
    قال بخجل شديد : لا .. ولكن كل الشهداء رجال في منتهى الشهامة
    ــــ لكن أبي ليس شهيدا ، أبي عاد لنا بعد دفن ثلثين عاما ثم عاد إلي سيناء ولا نعرف عنوانه وهذا من يومين إلي جانب ،/ كنت أحس أن زوجي يغمز له /
    نظر الرجل أمامه صامتا.
    سارت السيارة داخلة في عمق الصحراء المنبسطة متجهة إلي المطار القديم بين جبل لبنى وجبل الملاك.
    كنت خائفة خوفا مرتفعا ، وكنت أحس بأشياء يصعب وصفها.
    في الأفق كانت الشدات الخشبية والخرسانيات تأخذ شكل النخيل، وكلما اقتربت السيارة تتضح صورة المنطقة وأحس أن أبي ليس هنا رغم أنني بعدما نزلنا من السيارة كنت أبحث عن مكان أقدام أبي وأتمنى أن تطابق قدمي أثر قدمه.
    وقفت السيارة بعيدا عن الشدات الخشبية وأماكن تشوين الزلط والرمل والإسمنت ومعدات البناء واتجهنا إلي ضابط أمام خيمة يحرسه جنديان.
    بعد كلام وأوراق وابتسام وذهول سمح لهم بالدخول والبحث في دفاتره القديمة قائلا :
    ــــ هذا الاسم مدون بموقع الشهداء ، وجميع الجثث قد نم دفنها في مكان استشهادها إلي جانب بعض الأفرولات العسكرية الخالية من الجثث ، وطبعا كل هذه السنين فإنه يصعب تحريك الجثث للتعرف عليها ، لكن استنادا إلي الأوراق العسكرية تم معرفة بعض جنود وضباط التشكيل.
    قالت شادية : معنى هذا أن عدد الجثث يساوي عدد الشهداء
    ـــ في الحقيقة أكثر ، وذلك بسبب انتقال الجنود من موقع إلي موقع ، كما أن الذين دفنوا أحياء لم يدفنوا في مواقعهم
    ـــ دفنوا أحياء ؟
    ــــ للأسف ، نعم
    ــــ وهل قاموا بعد ذلك ؟
    سكت طويلا وقال : لا يعود الميت من الموت
    رددت عليه بسرعة : ولكن أبي عاد
    ـــ أعرف ما تودين قوله ، وقد نشرت الصحف الكثير حول هذا الموضوع ونحن هنا نري الكثير ولكن ... من يعرف الحقيقة؟ كل شيء جائز
    طلبت من الضابط أن يريني الحفرة التي دفنوا فيها أحياء ، ثم انتحيت به جانبا وهمست في أذنه : أبي عاد وقال لنا أنه كان مدفونا تحت الرمال طوال هذه المدة ، ولكنه اختفي بعد ذلك ، وأنت لم تري شيئا ؟
    نظر إليّ وهو يتأمل تفاصيل جسدي وقال : في أيام كثيرة كنت أري أشباحا بيضاء تخرج من الحفرة ثم تعود ، ولكن بعد قفل الحفرة بالأسمنت ، أري بعضا منهم يقف طويلا أمام الحفرة وبعضهم فوق الشدّات الخشبية كالعلم وأسمع تنهدهم وصوت يقول : أشكو إليك من خانني فقد سرق عمري ، ثم يغيب عنا
    ــإنه أبي ويعود إلي السكاكرة
    أشار لي : هذه هي الحفرة
    لم أنظر ولم أنتظر وعدت
    في طريق العودة بالسيارة إلي الزقازيق كانت تحس أنها لم تحقق شيئا أكثر مما تعرف ، لكن بالتأكيد مصطفي زوجها حقق أشياء هذه عادته.
    ***
    ( 26 ) (ا)
    أي عذاب أن تري الناس وتسمعهم ولا يراك أحد
    أي عذاب ووجع والإحساس بعدم القدرة وأنت تسمع الناس تتكلم فيما يخصك ولا تستطيع الكلام ، من رحمة الله أن الأخرس لا يسمع.
    كيف تري أحبابك بجوارك ولا تستطيع مشاركتهم بالفرح أو الكلام
    حتى قدرتي علي التجسّد ضاعت وصرت طيفا مرئيا
    يا وجعي
    يا مري
    يا حزني الطويل أطول من السنين السوداء
    يا سنين عمري الضائعة بلا أمل
    يا دمي وجروحي ودودي ودفني
    يا خوفي ورجفة قلبي في ليال الأسر
    يا غربتي بين أولادي وزوجتي
    يا تعبي من انتظاري باقي عمري فوق النخيل
    ما ضاع ضاع لم يعد إلاّ العودة إلي الحفرة
    يا حسرة بالي
    صار فوق نخيل السكاكرة متألما صارخا الوداع الوداع
    الوداع يا نخيل السكاكرة ،
    يا كل المزروعات والناس والحيوان
    الوداع يا ليل، يا نهار
    الوداع يا أجدادنا وأسلافنا العظام ، الوداع يا أجنة في الظهور وبين الترائب عند ملتقي الأثداء
    الوداع يا بنات ، يا صبايا
    الوداع يا كل الممنوعات والمسموحات الوداع
    الوداع يا دمي الذي سال من السكاكرة إلي اليمن إلي سيناء
    الوداع يا أحمد وعائشة وكل ما هو جميل في زمن لم يعد هو
    الوداع يا سكاكرة يا عاشقة وناكرة للجميل/ والله إنك لأحب أرض الله إليّ ولو بفعل أهلك أخرجوني ما خرجت منك/الوداع.
    ***
    (ب )
    علي سارية النصب التذكاري هفهفت الروح كالعلم وسالت قطرات من وجع وحاولت الدخول إلي الحفرة ولكنها كانت سدّت بالأسمنت المسلح،
    تجمعت القطرات ونهنهت فسمعها عسكري الحراسة
    ــ قف من أنت ، كلمة سر الليل
    عرفت الروح أن استطاعتها ردّت إليها فركزت نفسها في نفسها فظهرت
    ــ كلمة السر ، ومن أنا ،شهيد
    ولما كان الليل أبو العباءة السوداء قد لفها بإحكام حول جسده فقد ظل الضوء جنينا في بطن أمه الشمس التي غطست هناك في المتوسط فأطبق عليها وهى تجاهد للخلاص، يحاول المتوسط ابتلاع الصحراء لأن الليل مستبدا
    قال جندي الحراسة له :ــ ألف مرة قلت لك لن تستطيع فتوكل علي الله تروق بعيدا عنا قلت لك ألف مرة فلماذا لا تسمع الكلام؟
    ثم إن الرمل أمامك نم في أي مكان كلها أرض مصر.
    انتبه أن هذا هو الحل يأتيه سريعا ومريحا أسهل وأسرع من فكّ حصر البول.
    تسحّب في الظلام واختار مكانا قريبا من الحفرة ، حفر وقبل أن ينزل فيه سمع من جوفها : مازالت حوافر البقر تدوسنا ليلا ونهارا ، حتى عندما نكون في مكان بعيد.
    ردم الحفرة ثانية وبحث عن مكان آخر.
    حفرت وعمقت وعندما أراد الدخول لتنام رأت أصابع تخرج من تحت الأرض تحاول الإمساك بشيء ما ثم ارتفعا مئات الأكف من جوف الحفرة كأنه تستغيث ، ثم تكشّف الرمل عن أفرو ل قام واقفا ثم عدل نفسه ونام.
    ردم الحفرة وجلس بجوارها باكيا
    اختار مكانا بعيدا وعندما بدأ يحفر أحي بدفعات قوية تبعده فابتعد يبحث عن مكان آخر.
    وقف يتأمل المكان فسمع صوت يحجم السماء ( فإذا أنتم بشر تنتشرون)
    صرخ : ما أنا بميت فأنشر
    جلس علي هامات نخيل سيناء يعتصره ألم وتتشربه قطرات الندى.
    في الصباح كانت الهيئة تتفقد في غيابها قبور جبانة السكاكرة ،لم تجد شاهدا بلا قبر ، أو شاهدا بلا اسم ، ولما وجدت قبورا بلا شواهد وحاولت الدخول وجدتها حديثة الدفن ، وسمعت صوت سير أقدام عائشة الخياطة ولمحت طرف جلباب العم حفني وصياح ست الناس : لا تسرق ، لا تأخذ حق غيرك
    قال ليس أمامي إلاّ أن أسكن ما غانم في نفس القبر ،
    حاول ، لكن الرائحة النتنة ردته بعيدا ،
    العين التي بجوار غانم كتب علي شاهدها روحية روح الفؤاد رحيم فنانة زوجة مالك الدنيا توفيت اليوم. لم يضحك.
    ذهبت إلي مقابر الصدقة فوجدتها معدومة الأثر ، وما بقي منها مهدم والعظام ظاهرة للمارة صرخت الهيئة بلا صوت : حتى مقابر الصدقة عزّت عليّ
    حاولت العثور بين مقابر جبانة السكاكرة عن حل لأزمته فلم يجد
    لفت انتباه الهيئة دخول الخفراء والبوليس إلي الجبانة، وقال رجل لآخر
    ــــ يمكن نقل الجبانة ولكن من اليوم ممنوع الدفن بها
    ــــ وأمواتنا
    ــــ لن أدفن في مقابر شرشيمة
    سمع قهقهة الأسلاف : لن تجد ولن نجد ولن تجدوا شبرا من الأرض لتدفنوا فيه لأن الموت صاعق و مفاجيء
    اهتزت الروح وصرخت : يا صاحب الرحمة هل أرمي نفسي في ماء النيل ليأكلني السمك؟
    أرسل إليّ طيورا خضرا لتحملني في حوا صلها
    ــــ لست شهيدا لتحمل ، والسمك لا يأكل الغرقى
    ــــ و الحل ؟
    ـــ ستظل ألما باقيا مادامت الحياة
    ــــ يا مــــــــــــــري.
    ***
    ( ج )
    كلما دوّمت دوّامات شديدة وزامت الرياح وانتشرت بطول البلاد وعرضها سمع في داخلها صوت أنين مكتوم .
    كلما مرّت هذه الرياح فوق بورسعيد و الزقازيق وقناة السويس والإسماعيلية وسيناء و السكاكرة سمع صوت ألم وصراخ ودمدمن طلقات رصاص وآهات.
    وكلما انهمر المطر علي الوادي وسيناء بكت قارتان وأغرقت بلاد وانتفضت روح السيد شرود في عليائها في قبّة السماء تبص علي الدنيا بحسرة .
    كانت عين القطب الأكبر المعلق فوق الكعبة مباشرة تحت سمت السماء مباشرة تصرخ مع كل آذان/ الله أكبر الحيّ الدائم ، لا إله إلاّ الله الواحد الأحد/ .
    وكانت عين القطب الأكبر كلما تقلّبت في السماء التقت في تقلبها بعين السيد شرود فتصرخ / لا حول ولا قوة إلاّ بالله/ .
    كانت روح السيد شرود تتقلب في السماء تريد لها قبلة تستقر عليها هاتفة
    // اللهم إني لا أمن عليك بأوجاعي ودمي
    ودودي وصديدي ، ولا أحزن علي حربي وعذابي بلا ثمن
    ولا كمدي وقبضي وبسطي وحيدا
    ولا إنكار أبناء دمي وشهوتي لي
    ولا اختيارك لي لهذه المهمة والمحنة ، سبحانك أنت كدت لي ،وأنا من الشاكرين ( وكذلك كدنا ليوسف )
    لا أسأل ، لا أتذلّل بضعفي أمام قوتك
    ولكني أخاف يوم القيامة ألاّ أبعث كي أراك
    فما أنا بميت فأنشر ولا مقبور فأحشر
    أخاف أن يكون مكان اسمي تنقيطا أو مساحة بيضاء
    فلا أحاسب ولا أحاسب
    ولا أراك وأبقي ألما دنيويا ، منسيا في تذكرك للخلق ودائم الذكر في الألم.
    اللهم أنت أنت الله، والحمد لله أنك أنت ربنا، فمن يتحملنا غيرك، ويعفو،و يصفح لكن لماذا أنا ؟
    جل علاك ، وسعت رحمتك كل شيء فسعني في رحمتك كالدواب يا أرحم الراحمين.
    صرخ القطب الأكبر : لا إله إلا أنت ، لا حول ولا قوة إلاّ بالله
    ***
    طائر حبيس في قفص الكون يضرب في أركانه مرعوبا من الخوف ، يحس أن القفص مرصود بأيد تترصد ه حرمته الرقاد والراحة ، وحرمته الذكر الحسن واختفي وبيع دمه بالشكيلز والدولار والدينار والمليم والسحتوت.
    كانت تقف فوق هامات النخيل وعل أشجار الكافور تنزف ألما
    في الصباح يجد أهالي السكاكرة سوائل بنية فوق جذوع النخيل والأشجار تسيل من قمتها حتى جذرها فيقولون : اللهم ردّ كل غائب إلي وطنه وطمنّه وأمنّه واجعل قلق روحه راحة .
    كانت تقلّب وجهها في السحب وتغمر نفسها بماء السحب لعل رائحتها تمطر في أرض السكاكرة فتلامس ترابها أو أحباءها.
    كانت تدور دوامات من الزوابع والفزع والرياح تريد أن تقتلع السكاكرة من جذورها لأنها تركتها هكذا ولم تنيمها في حضنها ، وتثور الهيئة زوابع وتنثر علي السكاكرة الأتربة وعندما تهدأ تنشر نفسها كفّ رحمة تحميها من الفزع وتنزف الهيئة في صمت.
    ***
    ( ء )

    كان المتوسط يرمي بمياهه المالحة وأحشاء المحيط وقاذورات المتوسط فوق رمال سيناء وبورسعيد في محاولة منه للتلوث والافتراس حتى يصل مياهه بمياه المحيط الهندي.
    لكن الأسلاف كانت ترمي ببذور البلاد والقرى الجميلة والجديدة محملة بالبشر والنباتات والحيوان في كل مكان من أرض مصر.
    ولما غمرت المياه الرمال حتى طور سيناء غمرت فيما غمرت بذور الفري الجديدة فامتص الملح منها الحياة وأبقاها ذابلة كهياكل ، عاد الأسلاف يبذرون البذور بسيناء.
    لم يستطع المتوسط إيقاف زحف النخيل ونموها أو قتلها لأن يد الله قد بعثرتها علي الأرض قبل الصلاة ، فازدادت كثافتها بالصحراء والشوارع والبيوت .
    النخيل تيجان الرحمة عليها يصعد الدعاء إلي السماء وتتلقي نذر البرد والمطر والصواعق وتفهم اللغة السرية للهزات الأرضية ، هي ثوابت الاتزان تشكل مع الجبال ثقل الظاهر لتعادل ثقل الباطن.
    النخيل والجبال نهود الأرض وتعرجاتها ذكورتها وأنوثتها، وسيلان ماء العيون دافقة شهوتها للحياة ، وبراكينها وزلازلها انتشاء بلذّة الخلق والوجود.
    فأين يذهب المتوسط الحزين بأطماعه وهو بول البحارة ومصرف قاذورات المسافر.
    كانت البذور تحت أرض السكاكرة ترفع أكف الأرض عنها بالراحة وترتفع بمقدار ما ينحل من سجادة السكاكرة وما يذوب في ماء المطر التي غمرت البلاد لتوقف ملوحة المتوسط وتغسل الأرض من كل اعتداء.
    بينما روح السيد شرود قلقة علي النباتات الجديدة تترقبها وتنقل أخبارها إلي الأسلاف الذين يراقبون في كل من سيناء والسكاكرة وبورسعيد والسويس وسائر عموم القطر ، وتنقل كذلك حركة المتوسط وهي شاردة في سماء الكون تتمرغ في مياه الأمطار علّها تمطرها في أرض السكاكرة فتتمرغ علي الأرض لترد لها العافية .
    الزقازيق27/12/1995
    أعمال منشورة
    ـــــــــــــــــــــــ
    1ــ نقيق الضفدع الهيئة العامة للكتاب 1998 روايات عربية
    2ـــ ليلة عاشوراء الهلال أكتوبر 1992 روايات الهلال
    3ــ عائشة الخياطة مختارات فصول 1996
    4ــ عائشة الخياطة مكتبة الأسرة 2001
    5ـــ كائنات هشة لليل أصوات أدبية قصور الثقافة 2000
    6ــ الرعية اتحاد الكتاب 2002
    7 ـ فتنة الأسر ميريت 2003
    8ـ الجميل الأخير البستاني2005













































    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: نهوض المتوسط ( رواية) 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    سلام الله عليك

    وأهلا بك أخي الكريم في المربد

    هل تحب ان نحول لك روايتك لكتاب إلكتروني

    طبعا بعد مراجعتها

    حياك الله في المربد
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: نهوض المتوسط ( رواية) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0
    نعم أوافق علي نشر الرواية طرفكم مهاخطاري بالنشر الورقي والالكتروني وطربفة المحاسبة ومواعيدها صلاح والي
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: نهوض المتوسط ( رواية) 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح والي مشاهدة المشاركة
    نعم أوافق علي نشر الرواية طرفكم مهاخطاري بالنشر الورقي والالكتروني وطربفة المحاسبة ومواعيدها صلاح والي

    سلام الله عليك

    أما عن النشر فنقصد فيه ملف pdf لا نشر ورقي وهذا مثال

    http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=4533
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: نهوض المتوسط ( رواية) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0
    نعم اوافق علي النشر الالكتروني صلاح والي
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد: نهوض المتوسط ( رواية) 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح والي مشاهدة المشاركة
    نعم اوافق علي النشر الالكتروني صلاح والي

    بإذن الله سيكون لك ذلك

    انتظر نسختك الجميلة
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: نهوض المتوسط ( رواية) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0
    اشكركم ارسلت رواية نقيق الضفدع صلاح والي
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد: نهوض المتوسط ( رواية) 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    29
    معدل تقييم المستوى
    0
    إلي الأرواح الهائمة تحرس الوطن بآلامها و تسعده
    بجراحاتها

    عندما تلتقي عيونك به فوق الكعبة يقلب وجهه في السماء
    صارخا الله أكبر فاعرفي أنه القطب الأكبر
    واذكري ذلنا ،
    صلاح والي

    si tris belle rommen
    :bism:
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: التسابق على الغاز في البحر المتوسط (الجزء الأول)
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01/11/2012, 03:33 PM
  2. "القرش الأزرق المتوسط"
    بواسطة محمد يوب في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11/06/2010, 02:07 PM
  3. رواية ضائعة
    بواسطة ولاء ام مجد في المنتدى الواحة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03/01/2010, 10:06 AM
  4. قصة قصيرة " الرجل من عند المتوسط"
    بواسطة محمد عبده العباسي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23/11/2007, 10:23 PM
  5. رواية حب
    بواسطة د.أسد محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15/01/2006, 01:18 AM
ضوابط المشاركة
  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •