لقـــاء حـــواري مع الأخ الكريــــم خليـــد خـــريبش ...

[أبو شامة المغربي]

لقــــــاء حـــواري مــــع الأخ الكريـــــم

خليد خريبش

سلام الله عليك أخي الكريم

خليد

ورحمته تعالى وبركاته

رجع الأب من عمله منهكا، لا شك أنه رأى ممارسات في العمل، ممارسات لا تشرف بلاده، وضع محفظته، تمدد على الفراش كي يتخلص شيئا ما من التعب، انتفض فجأة من مكانه، لقد أثاره برنامج يعرض حالة ابنه الذي يشكو مرضا عضالا، لقد زاره البارحة في مستشفى الأطفال لعلاج السرطان الذي يقيم فيه منذ مدة، اختلطت عليه الأمور، مرت في ذهنه زوبعة من الأحاسيس، اقترب من الشاشة، مر المشهد بسرعة، بقي مسمرا أمامها، شد رأسه بكلتا يديه، أوقف الجهاز والدموع تستعصي على الخروج، تمدد مرة أخرى، بدأ يتكلم، يصيح في بعض الأحيان، الدموع تسيل.

من قصة

"الطفل يبكي والأب يتألم"

خليد خريبش

قبل أن أهدي إليك أخي خليد علامات استفهامي على هذه الصفحة المربدية المزهرة المتألقة، أستهل حديثي الحواري بهذه الحروف المبتدئية، وأسأل الله لك ولنا جميعا مقاما في رحاب هذه الجامعة المربدية الثقافية المباركة:

يستطيع المرء أن يلاحظ في غير عناء أو مشقة إقبالا مثيرا للفضول العلمي على كتابة الأقصوصة والقصة القصيرة، لكن من حق المرء أن يبادر إلى الإستفهام حول هذا المنحى الواضح:

ترى هل الباعث على كتابة الأقصوصة والقصة القصيرة، هو ما يسمها من قصر الحجم، مما يوفر على الكاتب شديد العناء؟

أم أن الاقصوصة والقصة القصيرة أدب ليس من اليسير أو الهين كتابته، وأن القليل القليل مما يتلقاه القارئ في هذا الباب، هو الذي يصل فن القص والحكي بسبب، في حين أن أكثر ما تتم كتابته ليس من هذا الفن في قليل أو كثير؟

علامة استفهامي الأولى

ما الذي يعنيه فن القص والحكي بالنسبة إليك، ثم ما الذي يدل عليه حسب اعتقادك؟

علامة استفهامي الثانية

كيف كان مستهل الكتابة القصصية لديك، وما أثر ما تتلقاه بفعل القراءة من أدب في ما تقصه من قصص؟

علامة استفهامي الثالثة

إن لأدب القص لديك، حسب ما أرى، مقاما مميزا في ما تكتبه، ما حقيقة الباعث لك على الكتابة في فضاء هذا اللون من التعبير الأدبي؟

علامة استفهامي الرابعة

هل لنا أن نعرف البعض من أهل القص والحكي العرب وغير العرب، الذين قرأت لهم أكثر من مرة، وما عنوان أول عمل أدبي قصصي قرأته؟

علامة استفهامي الخامسة

ما السمة الغالبة على الإبداعات القصصية التي تعثر لها في نفسك على أصوات وأصداء فريدة من نوعها، وما الذي يبعث منها في ذاتك الرغبة في الكتابة القصصية والشوق الدائم إليها؟

علامة استفهامي السادسة

ترى هل فعل الكتابة القصصية وفعل قراءة القصة، في نظرك، هما في حاجة إلى تنظيم محكم ونهج سبيل يجب أن يعتمد بصرامة؟

علامة استفهامي السابعة

كيف ترى اليوم حال الفن القصصي، وأساليب القصاصين، وكيف تجد حال النقد القصصي، وأساليب نقاد فن القصة في البلاد العربية الإسلامية؟

علامة استفهامي الثامنة

ما الذي يعنيه أدب القصة القديمة بالنسبة إليك، ثم هل استطاع الأدباء والنقاد المحدثون أن يأتوا في هذا الباب بما لم يأت به الأولون؟

علامة استفهامي التاسعة

هل ثمة من رابط قوي وعميق بين ما خلفه القدماء من أعمال قصصية عتيقة، وفي مقدمته أدب المقامات، وما شهده العصر الحديث من أدب ونقد قصصين؟

علامة استفهامي العاشرة

ما هو في اعتقادك حظ الخيال ونصيب الواقع مما يقصه نثرا القصاصون العرب المعاصرون، ثم أمن حقنا أن نتحدث عن القصة الشعرية، وعن نقد الفن القصصي الشعري في الظرف الراهن؟

علامة استفهامي الحادية عشرة

ترى هل لسيرة القصاصين الذاتية من أصوات وأصداء تسكن قلب ما يبدعون من قصص؟

هذه جملة من علامات الإستفهام الحوارية، اصطفيتها لك زهورا في مزهرية، وكل ما أقصد إليه، هو أن تكون حروفها جسرا لبلوغ الذوق الأدبي الرفيع، وأن تعثر في قلبها على حظ، ولو يسير، مما كنت تستشرف انبعاث نبضه من بعيد أو تترقب بزوغ خفقات هلاله عن قريب.

أما أخوك أبو شامة المغربي، فسيظل يترقب بشوق - أخي الكريم خليد - رفقة أهل المربد الأزاهر إجاباتك المرصعة بجواهر أنفاسك القصصية.

حياك الله

د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com

[أبو شامة المغربي]

سلام الله عليك مجددا أخي الكريم
خليد
ورحمته جل وعلا وبركاته
وبعد..
دائما في انتظار إجاباتك الحوارية، وترقب أولى حروفك في هذا اللقاء الحواري
حياك الله


د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com

[خليد خريبش]

أخي العزيز أبو شامة المغربي في القريب العاجل ستكون إجاباتي الحوارية جاهزة.

[خليد خريبش]

رماد مخيلتي
منذ أيام وأنا أفكر في الإجابة عن أسئلة اللقاء الحواري وقلت في نفسي:لن أكرر ما قلته في اللقاء الحواري الأول وسأحاول أن أجمع الأجوبة في هذا النص أستدرك فيه ما فاتني في اللقاء الأول ،وخلال هذه الأيام يطفح من حين لآخر الشيخ عبد السلام ياسين والكاتبين محمد شكري ومحمد زفزاف في مخيلتي،أما الشيخ فلن أنسى أسلوبه،تعابير كلماته،خطابه الروحي،الذي يرن في مسامعي من حين لآخر، لقد نهل من البيان القرآني،خضب كلماته بعرفان الأوائل،خطاب الروح،مشترك بين جميع الناس في كل مكان،في كل زمان،تصيح الروح باحثة عن الآمان،في لحظات معدودة من العمر،وتغيب صورة الشيخ بجلبابه الأبيض،وطاقيته البيضاء المشبكة،وبشرته البيضاء ونظرته الثاقبة، لقد درسني العرفان واللغة العربية في أحلامي بعض الأحيان،وينبعث زفز اف انبعاث العنقاء من الرماد ،محلقا في الفضاء يلوي كوفيته الفلسطينية على عنقه ،تتبعه السلاحف وحيدا في عالم غريب، يعيش مع الكلمات والعبارات والغرباء والتعساء والمهمشين والسكارى والحفاة العراة ،يتلمس اللحية القصيرة المسنونة،يتأمل بعيدا،ترى عما كان يبحث،أعتقد أنه كان يبحث عن الكمال أو الخلود،وأنى له ذلك،أما شكري فالعري تام ،لا يهمه شيء ،أتصوره عريانا يجري في الشوارع يصيح اوريكا اوريكا،والأطفال يتبعونه،ساقول كل شيءن لن أخاف أحدا قل كلمتك تصل أو لا تصل،المهم أن تقولها،الفحش، القبح، الكلمات القوية،حيث الموتى الذين مر عليهم هو وأبوه وأمه وهم راحلون من جبال الريف إلى طنجة زمن القحط في الربعينات،عباراته:"أتبول على الحائط"المضاجعة،يبدو الزمن المغربي على ملامحه القاسية،ترجمت كلماته الفاحشة إلى تسع وثلاثين لغة،ينبعث شكري وزفزاف في مخيلتي ويكتبون في مخيلتي كلمات،وأنوب عنهم في الكتابة لتستمر الهلوسة،هلوستهم وهلوستي ،كانت فكرة جهنم والخوف من جهنم تلازمني ،لابد أن شكري وزفزاف سيحاسبون على ما فعلوا وعما كتبوا،ترى كيف كانت حشرجات موتهم،حينئد كتبت موت أحد المهلوسين،حضرت شخصياتهم لتخنقهم خنقا،لتحاسبهم كما ستحاسبني،ستحاسبنا الحروف وستنطق ذات اليمين شاهدة علينا،ستتحول الحروف إلى سياط من نار،أو أفاعي ملتوية كبيرة كالتي ذكرت في كتاب أهوال القبور،على ظهره تبدو أفاعي كبيرة الحجم،تخرج من فمها النيران،تخيف الأطفال والمراهقين،سنحاسب على ضعفنا ،قد يكون الأدب ضعفا في مواجهة الحياة،قد ينطبق التعريف على نفسي فقط.
وتتوهج الحروف يا ابن أمي
تتراءى في الأفق
تتلاطم الحروف يا ابن أمي
في مخيلتي
آلمتني الحروف كما آلمني ثقل محفظتي
يوم الاثنين
في الشهر الحزين
زمن الأحلام
يا أيتها الحروف الطائرة
السابحة في الهواء
ياأطياف أحلامي
أطيعيني
لاتنفلتي كلما حاولت التقاطك
تماما كما حاولت الإمساك بالفراش في طفولتي
تتوهجين في بعض الأحيان
تنسجين فتاة جميلة من الأضواء المشعة
ابتسمت لها وفرحت وخدعتني يا ابن أمي
وتلاشت في السماء
حاولت الاختناق
حاولت الانتحار
مخافة هجري قل هجراني

[طارق شفيق حقي]

قرأت هذه الهلوسة فوصلت أنك عصابي بامتياز

حين نقدت البشير الأزمي وقلت أنه عصابي نفيت عنه ذلك

لكني اليوم أقول هنا أنك عصابي بامتياز ومهلوس من الدرجة الأولى


خليد خريبش

من هو

تخترق أفكاره ولطالما تخترقها أساليب شيخه

فنرى الدقة ...العزم على الوصول .. وربما ضياع نفسه في الوصول إلى المثال ومن من ليس ضائعاً
ومن منا ليس عصابياً

يقول أحد النقاد كل الكتاب يعيشون حالة عصابية فالأديب عصابي بفكره لكن حرفه ينتصر على عصابيته
ومن لم ينتصر يهزم أمام أول عصاب

كل الكتاب عصابين لكن ليسوا كلهم مهلوسين

ربما يتمع بهذا الهلوسة خليد خريبش بامتياز


رغم أنه كذلك لكننا لازلنا نفترق على طريق النقد
ربما نلتقي أحيانا عند تقاطعات الطرق

لكن كل الطرق تؤدي إلى المربد

تحياتي للجميع

[خليد خريبش]

اعلم أن كل شيء ينتهي بالبكاء ، يولد الإنسان ، يعيش ، يفرح ، يسعد ، يشقى ، قد يتعذب قبل الموت ، المرض العضال ، السرطان، ويموت ، والنساء يولولن ، ويتذكرن أفعاله ، نبكي الإنسان ،نرثيه ، والنهاية الدرامية في الغالب،ونسترها، ونعطيها التفاسير،لذلك قلت لك أن كل قصصي تتنتهي بالمأساة، لذلك قلت لك أن الأشياء تخلد بالدراما ، الأشياء تنطق لتتعذب ، لتشارك الأحياء في الألم، وقلت كذلك أن الأشياء القوية والعميقة والخطيرة أيضا تنتهي نهايات مهولة ومرعبة ، ليست كنهاية المهلوس،عندما حلت شخصياته عند موته ، حلوا جميعا ، حتى المتشردة التي أشار إليها في إحدى رواياته ، نساء ورجالا ،أما الاشياء فسامحته ، لكنها حضرت كشهود،ترى وتسمع ، كان وجهه يبدو للناس معتصرا، عيناه مصفرتان ، لون وجهه مزرورق ،في تلك اللحظة، كانت الشخصيات تحاكم المهلوس ، تبدو أمام عينيه بوضوح،يغمض عينيه ، يفتحهما ، لكنها لا تفارقه، المهلوس يقول : أنتم أشخاص خياليون لا وجود لكم في الواقع .
حضرت إليه عندما صار يصيح ويبكي ويقول: إني أخاف جهنم ، إني أخافها يا أمي إني لا أريد أن أموت ، إني أخاف الموت ، أنا لم أقصد ذلك يا أمي، إني كنت أبحث عن ذاتي، أنا لم أقصد ذلك ، فسامحني يا أمي أمي أمي ....

[خليد خريبش]

علامة استفهامي الأولى
ما الذي يعنيه فن القص والحكي بالنسبة إليك، ثم ما الذي يدل عليه حسب اعتقادك؟
أبو شامة المغربي
أعتقد أن الحكي الحقيقي هو الذي تشدك شخصياته وأحداثه وأحوالها، ثم ينعكس ذلك في مرآة الذات، ويتيه في عوالمها الحاضر والغائب، وتتحسر وتطمح وتتمنى لتنسى ميكانيكية القواعد والأنماط والقوانين، تعيش الحرية في خيالك يتحرك الليبيدو،يفر العقل للاستراحة مستهزئا من العاطفة وأكاذيب الخيال، ونتعلق بالحروف، نركبها لنحلق في فضاء خيالنا كما حلق السندباد في قبضة مخالب الطائر الضخم من بلاد إلى بلاد، وتبدو الكائنات والأشياء صغيرة، متناهية في الصغر، دومي، دومي، يا لحظات الهيام، كي نترك الأشياء في سلام، وننعم بملائكيتنا الوهمية، نتعلق بالحروف ننسجها بألوان جميلة، نبدو مثل كائنات نورانية، وأنى لها الدوام، نتلذذ بعذاب الذات حتى نفر إلى عالمنا الحقيقي.
خليد خريبش