الأديب العربي الكبير الدكتور
مصطفى محمود
لـمجلة "الأدب الإسلامي"
سماح أحمد
الأعمال الأدبية التي فيها إلحاد أو إغراء بالجنس إسفاف وانحلال
الأديب والمفكر العربي الكبير الدكتور مصطفى محمود الحائز على جائزة الدولة التقديرية لإبداعاته الفكرية والأدبية في الرواية والمسرحية والقصة... بلغ رصيده الفكري أربعة وثمانين كتابًا حول مختلف الإبداعات الفكرية والثقافية والدينية.
التقينا معه وتطرق الحوار لعدد من القضايا ذات الصلة بالأدب وبخاصة بالأدب الإسلامي، والموقف من المعارضين له وقضايا أخرى.
*بداية: إذا قدمنا الدكتور والأديب العربي الكبير مصطفى محمود للقارئ والأديب العربي عن النشأة والأفكار القديمة والحديثة.. فما الذي تقوله في ذلك؟
أقول لهم إنه لا يمكن الحديث عن النشأة والأفكار في سطور، وإنما كل شيء عن حياتي، ونشأتي، وأفكاري، ورواياتي، ومسرحياتي موجودة في كتبي الأربعة والثمانين، فمن أراد أن يعرف كل شيء عني فليقرأ أفكاري التي سجلتها في كتبي ومقالاتي في الصحف المختلفة.
فما ذنبي أنهم لا يقرؤون، لأنه من الصعوبة تلخيص أفكاري وتاريخي، لأن تلخيص تاريخي الفكري والأدبي أمر صعب، ولا يتأتى ذلك إلا بالقراءة، ومن خلال القراءة يتأكد لهم أنني لم أتراجع عن مبدأ أو قول أو فكر أو رأي في أي قضية تحدثت فيها في بداياتي أو في أواخر حياتي فكل ما كتبته هو مسؤوليتي حتى لو كان فيه أخطاء، ففي النهاية أنا بشر أصيب وأخطئ، وأي عمل بشري معرض أن يكون فيه أخطاء.
هناك إبداع

*هل ترى وسط هبوط المستوى الأدبي والإبداعي في الأمة والعالم.. أن هناك إبداعًا حقيقيًا بين أبناء الأمة العربية والإسلامية؟
نعم هناك إبداع، وهناك مبدعون حقيقيون في الأمة العربية والإسلامية، وهناك عناصر إيجابية جيدة يجب أن تدعم وتساند وتشجع من خلال الهيئات والمؤسسات الأدبية والثقافية في العالم العربي والإسلامي، وهناك تجاوزات وإبداع فاسد، ومخل، ومنحرف لا يمت للإبداع والأدب في شيء، وهذا هو ما يجب مواجهته ووقفه بكل السبل.
*هل ترى أن المؤسسات الثقافية والأدبية في الأمة تحمي وترعى الأدباء النافعين لأوطانهم، والذين يدعون إلى الفضيلة في أعمالهم الإبداعية؟
لا يمكن أن نجد مؤسسة ثقافية أو أدبية في العالم العربي تحمي ((الإنحلال)) في الأدب لأنه لا يتصور أن دولة عربية أو إسلامية تحمي الانحلال والخروج عن الآداب، والذين يختارون هذا الطريق المعوج في الأدب لا يلومون إلا أنفسهم لأن التاريخ لن يذكرهم إلا بكل سوء.
رابطة الأدب الإسلامي

* ما تقويمكم لأداء رابطة الأدب الإسلامي التي لها تسعة مكاتب في عدد من الدول في العالم العربي والإسلامي هي: مصر، والسعودية، والأردن، والمغرب، والسودان، والهند، وباكستان، وبنجلاديش، وتركيا؟
وجود رابطة تضم الأدباء الذين لهم كتابات ذات الطابع أو التصور الإسلامي شيء عظيم وجميل أيضًا، ونرحب بكل ماهو إسلامي ينفع الأمة العربية والإسلامية شريطة أن يؤدي هذا العمل تقدمًا وازدهارًا ونفعًا للعرب والمسلمين، ولا يعقل أن يعارض عاقل أدبًا مثل الأدب الإسلامي الذي هو رفيع المستوى وله مكانته في التاريخ.
توظيف الأعمال الأدبية

*في تصوركم كيف نوظف الأعمال والفنون الأدبية والإبداعية من رواية وقصة ونثر وشعر ومسرحية في خدمة قضايا الأمة والدفاع عنها؟
نعم، يمكن أن نوظف الأعمال الإبداعية والأدبية المختلفة لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية مثل قضية فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وغيرها من القضايا المهمة، وقد فعلت ذلك في معظم أعمالي الأدبية ومسرحياتي المختلفة، فالأدب بألوانه وأشكاله المختلفة يجب أن يساهم برؤيته في التعبير عن هموم وواقع وآمال وطموحات الأمة العربية والإسلامية وشعوبها، وإذا لم يفعل الأدب ذلك فيكون دوره غائبًا.
المذاهب الأدبية الدخيلة

*المذاهب الأدبية العالمية الدخيلة، والمخالفة لمنهج ومذهب الأدب الإسلامي تذهب إلى الجنس، والإلحاد في الشعر وكافة الفنون الأدبية هو إبداع وحرية في الأدب فما تقويمكم لذلك؟ فهل يعد الإلحاد والإغراء بالجنس إبداعًا في الرؤية الأدبية الإسلامية؟!
أولاً يجب أن نعترف أن المذاهب الأدبية العالمية أو الأيديولوجيات والفلسفات العالمية في الأدب فيها إيجابيات، وليست كلها سلبيات، وقد اتفقنا أننا نأخذ ما فيها من إيجابيات، ونرفض ما فيها من سلبيات.
أما الأعمال الأدبية التي تعتمد على الإلحاد والإغراء بالجنس، أو الانحطاط في القول والعَرْض، فهذا ليس إبداعًا وإنما هو إسفاف وتطاول، وكلها مرفوضة، وليست أدبًا أو إبداعًا، لأن كل ما يخالف أخلاقنا وثوابتنا الإسلامية في الأدب، والشعر، والقصة، والرواية، فهو مرفوض، ولا يعد أدبًا أو إبداعًا.
وهذا الاتجاه المنحل الذي يدعو للإباحية، والانحلال، والإلحاد يوجد في مختلف دول العالم، ولا نعترف بكل هذه الأعمال، لأنها أعمال لا تضيف إلى الأدب والإبداع شيئًا، غير أنها تسيء إليه، فميزان الإبداع هو النفع، فإذا لم يتحقق النفع للإنسان والأمة والوطن فلا يعد العمل إبداعًا.
أسلمة الأدب

*ما تصوركم للدور الذي يمكن أن يلعبه الأدب الإسلامي في النهوض بواقع وقضايا الأمة العربية والإٍسلامية؟ وهل توافق على مصطلح أسلمة الأدب، أم أن الأدب أدب، ولا يجوز أن نطلق عليه صفة أو ننسبه إلى دين؟
الحقيقة أن الأدب أدب، الآداب الإسلامية وغير الإسلامية كلها موجودة على الساحة، فيجب أن نأخذ منها ما ينفعنا في حياتنا، وعلينا أن ننتقي من الأدب الموجود ما يصلح شؤوننا كأسرة وكأمة، وكوطن، وكدين وعقيدة وهوية، فعلينا أن نستفيد من الآداب العالمية أو المحلية أو الإقليمية، ونأخذ منها إيجابيتها ونتجنب سلبياتها مما لا يتفق مع الفطرة أو الهوية أو العقيدة أو غير ذلك، لأنه لا يمكن أن ننكر الآداب الغربية برمتها، ونقول: إنها لا تصلح لنا، وإنما يجب أن نأخذ من إيجابيات هذه الآداب والفنون والإبداعات ما يناسبنا، ونرفض ما يخالف حضارتنا وعقيدتنا، فالحضارة الغربية فيها إيجابيات كما أن فيها سلبيات، ولا يمنع أنها هي السائدة الآن والرائدة فالعقل يوجب أن نأخذ منها النافع ونرفض الضار لنا.
المعارضون للأدب الإسلامي

*ما رأيكم فيمن يعارضون الأدب الإسلامي في الساحة الأدبية العالمية والمحلية.. وما تقويمكم لهؤلاء المعارضين؟
الذي يعارض الأدب الإسلامي "رجل قصير النظر" إذ كيف يعارض شيئًا عظيمًا مثل الأدب الإسلامي؟! فهو منسوب إلى الإسلام، فمن يعارض الأدب الإسلامي كمن يعارض الإسلام! لأنني أعلم أن الأدب الإسلامي يستمد هديه ويستقي من القرآن الكريم والذين يعارضون هذا الأدب ويعرفون أنه يستمد قوته وهديه من القرآن فهم متخلفون منحرفون ولا يمكن وصفهم بالأدباء.
*ما هو في تصوركم الدور العربي الذي يمكن القيام به في ظل الأحداث الراهنة في الأمة ومواجهة السيطرة والهيمنة العالمية الطاغية؟
لا بد أن نقر ونعترف أن العرب ليس بمقدورهم وإمكانياتهم مواجهة القوة العظمى في العالم، فإلى جانب فروق القوة العسكرية هناك فروق كبيرة في العلم الذي يمكن الجانب الآخر من التزود بأضخم وأحدث الأجهزة العسكرية والقنابل الذرية والأسلحة الفتاكة المتطورة.
فالعرب أمام قوة انفردت بالقوة العسكرية، والعلمية، والتكنولوجيا المتطورة، ولا نعلم كيف سيسير التاريخ؟ وهل ستظهر قوة أخرى جديدة؟! هذا ما ستجيب عنه الأيام والأعوام القادمة.
وإلى أن تأتي هذه القوة وهذا العصر، لا بد للعرب والمسلمين أن يتوحدوا في كلمتهم ورأيهم حول مختلف القضايا السياسية والدينية، وأن يعرفوا الله تعالى حق معرفته، وأن يخلصوا لله سبحانه وتعالى في التوبة والعبادة والتوكل، حينئذ يأتي الفرج والنصر.
*نريد كلمة أخيرة للأدباء الإسلاميين أو الأدباء الذين يدعون إلى الفضائل في الأعمال والأقوال والسلوك؟
أقول لكل أديب أو مبدع في الأمة العربية والإسلامية أو العالم، وهم كثير: عليهم أن يقرؤوا التاريخ كله لأن الأدب هو قراءة وعلم، وأن يستفيدوا من علم الآخرين كما يستفيدون من الأخطاء ومن الإيجابيات.
مجلة الأدب الإسلامي/العدد 50/1427هـ-2006م، ص30

المصدر

د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com