جائزة الملك فيصل العالمية لسنة
2007 ميلادية
منح محمد عبد الله العُمَرِي المغربي الجنسية جائزة الملك فيصل العالمية لعام 2007 مناصفة مع المصري مصطفى عبده ناصف، وذلك لجهوده العلمية المتميزة في دراسة البلاغة العربية وما يتصل بمفهوم النص ودراسته، ووظائف البلاغة والخطابة العربيتين قديمًا وحديثاً، مفيدا من الدراسات اللغوية والأسلوبية المعاصرة، وقد استطاع من خلال معرفته العميقة بالتراث البلاغي العربي أن يقدم نموذجاً جديداً لدراسة البلاغة العربية وفق منهج محكم وعرض دقيق.
أما مصطفى عبده ناصف فقد مُنح الجائزة لما تتميَّز به دراساته البلاغية من قراءة جديدة تتسم بالشمول والتنوع والأصالة، مع ربط تلك الدراسات بالبيئات التي استمدت منها أصولها أو التي تداخلت معها تداخلاً وثيقا، كما أن دراساته تنم عن وعي جيد بالتطور الذي أحاط بالبلاغة في العصر الحديث.

وعبر الفائزان بالجائزة في مجال اللغة العربية والأدب عن تقديرهما للجائزة وللقائمين عليها، واعتبراها تشرف أي باحث عربي، لما تحمله من سمعة طيبة، وهي تأتي برأيهما تتويجا لجهد من كرّس حياته في العلم والبحث.
وقال محمد عبد الله العمري الفائز بجائزة اللغة العربية والأدب: أنا سعيد بحصولي على هذه الجائزة التي تشرف أي باحث عربي، وذلك نظراً للسمعة الطيبة، التي ما فتئت هذه الجائزة تؤكدها، حيث اقتنع كل من يتابعها بنزاهتها وبعدها عن الاعتبارات غير العلمية
ولي خصوصية في هذه الجائزة وهي علاقتي الوطيدة بالجامعة السعودية والباحثين السعوديين، حيث اتصلت بهم عن كثب من طريق التدريس في جامعة الملك سعود،
وعن القيمة الأدبية التي تضيفها الجائزة إلى جهوده قال العمري: أعتبر هذه الجائزة تتويجاً لجهد بذلته مخلصاً لله ثم للعلم وحب اللغة العربية طوال أربعة وثلاثين عاماً، مترجماً ومحققاً ومؤرخاً.
وتحدث العمري عن جهوده في علم البلاغة قائلاً: عملي في البلاغة بصفة عامة اتجه اتجاهين: اتجاه قراءة البلاغة العربية القديمة، واتجاه توطيد النظرية الحديثة من خلال الترجمة على وجه الخصوص، ففي مجال البلاغة العربية القديمة بدأت محققاً، ثم اتجهت إلى بناء نظرية لتحليل الخطاب الشعري من خلال مجموعة من الكتب أصدرتها في هذا المجال، واتجاه التأريخ للبلاغة العربية الذي توجته بكتاب البلاغة العربية: أصولها وامتداداتها، ويبدو أن هذا الكتاب كان له الفضل في الحصول على هذه الجائزة، وأكد العالم اللغوي المصري الحائز على جائزة اللغة العربية والأدب - مناصفة مع العمري- مصطفى عبده ناصف اعتزازه بنيل جائزة الملك فيصل العالمية.
وقال: سررت كثيراً بهذه الجائزة لأنها جائزة يعتد بها وهي علمية دقيقة ولا يمكن التهوين من شأنها ولا من شأن الغبطة وكما أن جائزة نوبل تتويج للثقافة الغربية فإن جائزة الملك فيصل تتويج للثقافة العربية ومن حقنا أن ننظر إليها من باب الانتماء العربي.
وحول رؤيته للثقافة العربية قال ناصف: إن الثقافة العربية صورة من الإنسان العربي، فالإنسان العربي يعاني من أشياء كثيرة ينبغي أن نعترف بها، وننظر إليها ببعض الحزن وبعض الأمل، لأن الحزن وحده مهلك، والأمل الذي لا يحدوه عمل مستمر نوع من التزوير في الظرف الحالي، ولا ينبغي أن نبخل على أنفسنا بالحزن ومحاسبة النفس، أما مسألة الهجوم على اللغة فهي من باب المجاز، وهي حقيقة ومجاز، فلماذا نتصور أننا نستطيع أن نهاجم اللغة، ونبرئ أنفسنا في الوقت نفسه؟
لا نستطيع أن نتصور الأدب بمعزل عن بقية فروع الثقافة العربية، فهي متلاحمة يأخذ بعضها برقاب بعض، ولا يمكن أن نتحدث عن اللغة والأدب بعيدا عن الثقافة.
أما عن رؤيته لعمل المجامع اللغوية ومنها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، قال ناصف إن المجمع هيئة لها وقارها ولها احترامها ولها آدابها وقدراتها، فهو لا يستطيع أن يحيي شيئاً من عدم، ولا يمكن أن نطلب منه كل شيء وله تقاليده وأسسه وقدراته وإنما اللغة لا تنهض من كبوتها بجهد المجمعيين وحدهم، يجب أن ينظر لجهد المجمع نظرة معتدلة، فلا يعقل أن مجموعة من الناس يؤدون كل شيء، مشيراً إلى أن هناك أزمة أو أزمات في الإحساس اللغوي، وأزمة في تعليم اللغة، وأزمات تراجع غريبة يجب الاعتراف بها الآن، فأي لغة هذه التي تريد أن تتحدث عنها، هناك أشياء كثيرة تنافس اللغة وتحطمها في داخل عقولنا، الأغاني التي يسمعها الناس تنافس اللغة، وهي أحب إلى كثير من الناس من اللغة الفصحى، فاللغة محاصرة والناس لا يؤمنون باللغة، وهناك لغة غريبة تسود بين الناس، فمثلاً هات من الآخر معناها لا تتكلم، هذه كلها أشياء غريبة، وهذا ليس زمن الكلام، ولكن زمن الصمت، فاللغة ضائعة بين الوجيعة وفقد الكرامة، هناك ما يشبه المزاحمة والتكاثر على اللغة العربية، وهو أمر غريب في هذا الزمان، فالأصل في اللغات الأجنبية أن تدعم الإحساس بالعربية لا أن تزاحمها هذا الإحساس.
إنما الحاصل غير ذلك، فالذين يتعلمون اللغات لا يعمقون إحساسهم بلغتهم ولا ينضرون وجهها، فالخطر أن تتعلم لغة على حساب لغة، وأن تتعلم إحساساً على حساب إحساس، ونمطاً من التفكير على حساب نمط آخر، وللأسف العرب الآن لا يتقنون لغتهم ولا يعلمون إن كانوا خادمين لها أو مدمرين لها.
أما عن منهجه الذي رسمه لنفسه بعدم الدخول في المعارك، فقال: أنا رجل يناضل في الظلام، أحب النضال في الظلام، ولا أقتنع بمسألة الضربة الموجعة، أنا رجل أحتال في النضال ولا الصراحة الموجعة، فاللغة يسر لا عسر كلمة قالها طه حسين، والعنف عسر لا يسر، ونحن نتحدث لكي نذيب ما بيننا من عسر، وليس من رجل جعل لنفسه دراسة اللغة أن يسلك عسراً، فالعسر عنف ليس لغة، والعنف صراع والعنف إرهاب وهو نوع من الاعتراف بأشياء ضد اللغة، صراخ وقتل والهجوم، والمعركة هنا تعبير مجازي لا يقصد بها الإشعال، وإنما يقصد بها التصفية والتجلية.
وأوضح ناصف أنه كان وما زال يكتب في مسائل البلاغة من نواح مختلفة، وقال: أحب أن أبتعد لأقترب وأبتعد عما يقوله الناس في الأحاديث لأقترب، ولا أحب القرب الشديد أو البعد الشديد فليست المسألة أن تقول شيئاً مثيرا أو جديدا ولكن أن تتصور الأشياء تصورا جديا حينما تتناولها.
مصدر الخبر

د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com