لسائل الدمع عن بغداد أخبار
فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا
فما بذاك الحمى والدار ديار


د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام -فرنسا

ماذا بقي من حمرة الخجل في وجوه القادة العرب، وماذا بقي من ماء وجوههم ، بعد تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس صدام حسين من قبل مغول العصر، مجرمي الحرب الأمريكيين وأزلامهم في بغداد.
ماذا سيقول هؤلاء القادة لشعوبهم، وكيف سيذكر التاريخ هذه الجريمة، وماذا سيقول عن زعمائنا وقادتنا الذين شهدوا حكم الإعدام فما أبهوا ولا اهتزت مشاعرهم. بل ماذا سيقول الحكام العرب لأبنائهم إذا سألوا من الشهيد ومن الذي قتل ولماذا قتل.

ليس فقط حكامنا، بل نحن ماذا نقول لأولادنا وبناتنا، وكيف تستطيع أن نجيب على تلك الأسئلة؟ وكيف نرفع رؤوسنا بعد اليوم؟ كيف نصيح بأننا مسلمون وعرب. وقد تفرجنا على التتار وهم يحتلون بغداد ويسقطونها مرة أخرى، ثم يقتلون زعيمها.

بل" وكيف تنام الطير في وكناتها" بعد هذا الحدث الجلل، الذي يعكس، بما لا يدع مجالاً للشك، جبناً وذلاً وانهزاماً ما سبقنا إليه أحد على مر التاريخ، وما نافستنا به أمّة مهما صغر شأنها أو قل أفرادها. أو أصبح خبر إعدام الرئيس الشرعي لدولة عربية، ومن قبل المحتل الغاشم أمراً عادياً يمر مرور الكرام، ولا يشكل أكثر من مادة صحفية يتسابق المخبرون الإعلاميون إلى معرفة زمانها ومكانها. كيف لم يزلزل حكامنا وشعوبنا العراق تحت أقدام الغزاة، وكيف يمر هذا الخطب كأن شيئاً لم يكن. وتأبى أمريكا إلا أن تختار يوم العيد عند المسلمين لتعدم صداماً، إمعاناً في إهانة كل مسلم، لأنهم يكرهوننا ويكرهون عيدنا، أبوا إلا أن يفعلوا هذه الجريمة يوم عيد. ونسي الحمقى أن هذا من فضل الله علينا، فلن تنسى الأمة الإسلامية، أن أمريكا سوّدت يوم عيدنا "فلقد نصبوا مناراً من دم يوحي إلى جيل الغد البغضاء". لن تنسى الأمة كلها أن أمريكا اختارت يوم فرح المسلمين لتجعله يوماً حزيناً، لأنها تكره كل المسلمين وتستمع في الانتقام منهم. فكيف يمكن للمسلمين أن ينسوا هذا، وستكون هذه الجريمة وبالاً على أمريكا في العراق وثبوراً لهم وإذلالاً سيتجرعون طعمه على أيدي المقاومة العراقية الباسلة.

صدام وإن مات، فقد استشهد كريماً عزيزاً، عرض عليه أن يعيش في روسيا حراً طليقاً، ولا يدخل الحرب ضد أمريكا من أصله، فرفض مصراً على الحياة والموت في بلاد الرافدين. وعرض عليه الاحتلال الأمريكي أن يطلب من أتباعه التوقف عن قتال الأمريكيين مقابل خروجه من السجن فرفض أيضاً. هو رجل في زمن الذل، حيث يقل الرجال، وهو السيف في زمن أغمدت فيه السيوف، فلله درك أيها الرجل حياً وميتاً.

صدام لا بأس عليه في لحده، فقد تمسك طيلة عمره بالعداء لأمريكا والصهاينة، ما اعترف بذلك الكيان المسخ يوماً، وما قدم التنازلات لقطاع الطرق وشذاذ الأرض. وعرضوا عليه ألف مرة أن يعترف بمولودهم المشوه مقابل علاقات وثيقة ومساعدات دائمة لكن كرامة صدام أبت عليه كل ذلك.

فأنت يا صدام الحي، ونحن الموتى، وأنت الحر الطليق، ونحن العبيد والخدم، وأنت العزيز ونحن الأذلة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المغول سرقوا مكتبة بغداد ونهبوا ذهبها، ومغول العصر سرقوا مكتبة بغداد ونهبوا ذهبها، والمغول أعدموا الخليفة المستعصم بالله، وهؤلاء أعدموا حاكم العراق. والمغول قتلوا ولدي المستعصم، وكذلك فعلت أمريكا فقتلت ولدي صدام رحمها الله. والمغول قتلت أفراداً عدة من عائلة المستعصم، كما فعلت أمريكا بالضبط مع أقارب صدام. وكذلك اعتمد ت المغول على ابن العلقمي لإسقاط بغداد، وفعلت أمريكا الأمر نفسه فتعاونت مع أحفاد ابن العلقمي للسيطرة على بغداد. وقاد المغول رجل سفاك دماء، كما قاد الأمريكيين رجل لا يستطيع العيش دون سفك الدماء. وكما ظهرت في عهد المغول فتاوى تطلب من أهل العراق الاستسلام لهولاكو وفتاوى أخرى تطالب بالتعجيل في قتل المستعصم، ظهرت في هذه العصر فتاوى تؤيد الأمريكان وتحرم الجهاد ضدهم وتدعو لهم بطول العمر والبقاء "فهم أولياء الأمر الشرعيين في العراق".هكذا يعيد التاريخ نفسه، خطوة خطوة، وويل لأمتنا هذه التي لا تتعلم من التاريخ، بل لا تقرأ التاريخ من أصله. أرجو من الله أن يكون الرئيس العراقي صدام حسين قد قضى العيد في الجنة، بينما نقضيه نحن في أكل لحوم الأضاحي والدعاء لولي الأمر بطول العمر والبقاء سيداً فوق رؤوسنا المُهانة، ومرة أخرى لا حول ولا قوة إلا بالله.

هنيئاً لصدام حسين الذي ذكرنا بالشهيد عمر المختار، الذي أعدمته القوات الإيطالية بجرم الدفاع عن بلده لا أكثر. فما خسر يا سيادة الرئيس من سار على نهج عمر المختار، وما خسر من سار على نهج المجاهدين الذين اعتلوا أعواد المشانق في دنشواي، أو أولئك الذين تسابقوا عليها في فلسطين، عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي. هذا هو حال الأبطال المدافعين عن بلادهم المتمسكين بثوا بتهم.

7


ويا سيادة الرئيس لا تخش على العرق، ففيه ألف ألف صدام، حرموا أمريكا الراحة، جعلوا ليلها نهاراً وفرحتها تعاسة، ما انفكت أيديهم على الزناد ترعب أعداء الحضارة. فباستشهادك، ولد ألف ألف مستعد للشهادة، ولقد بدأ نجم أمريكا في الأفول، واقترب موعد رحيلها خائبة خاسرة لا غانمة ولا رابحة وسيأتيك بالأخبار من لم تزود.

عن مجلة صدى المرابطين العراقية : http://www.4shared.com/file/8446650/..._1_online.html