النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: خطط استلاب تراثنا الفلسطيني ومؤسساته»

  1. #1 خطط استلاب تراثنا الفلسطيني ومؤسساته» 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10






    «خطط استلاب تراثنا الفلسطيني ومؤسساته»

    بقلم : الدكتور شوقي شعث


    استقطبت فلسطين (أرض كنعان) الكثير من الباحثين الغربيين باكراً, منذ نهاية القرن الماضي, إن لم يكن قبل ذلك, وزاد ذلك الاستقطاب وتطور في مطلع هذا القرن ومرد ذلك أسباب باتت معروفة, وقد يكون من أهم تلك الأسباب: أن أرض فلسطين شهدت كثيراً من الأحداث التي ورد ذكرها في الكتب السماوية مثل التوراة والإنجيل وحتى القرآن الكريم. من طلائع أولئك الباحثين رحالة ومستكشفون منهم علماء ورجال دين وعسكر وأطباء وغيرهم مما كتبوا وصفاً لرحلاتهم وتحدثوا عن الأرض التي زاروها وعن الناس الذين كانوا يسكنون فيها, هذا بالإضافة إلى طبيعة الأرض وأنواع نباتاتها وحيواناتها وطيورها... الخ, فبات الناس نتيجة لذلك في شوق لمعرفة المزيد عن الأرض المقدسة وتبرعوا بأموالهم كما ساعدوا المؤسسات الرسمية في القيام بأعمالها هناك, وظهر فريق من أولئك الباحثين راغباً في التحقق من الحوادث التاريخية التي وردت في الكتب الدينية والمدونات التاريخية الأخرى, وأخذوا يتساءلون عن مدى دقتها.

    نظمت هذه الجهود بشكل ملحوظ بعد قيام صندوق استكشاف فلسطين عام 1860م (palestine exploration fund) فقد رعى هذا الصندوق وموّل كثيراً من أعمال المسح والتنقيب والدراسة بفلسطين كما أصدر مجلة إخبارية وأخرى علمية لنشر المعلومات والدراسات التي يكتبها الباحثون الذين استخدمهم لتلك الغاية وتبع ذلك عام 1870 قيام الجمعية الأمريكية لاستكشاف فلسطين ونهجت هذه الجمعية نهج صندوق الاستكشافات في عملها, وليس نجاف على أحد, أن هاتين المؤسستين قامتا بجهد كبير, من وجهة نظرنا, في تخريب التراث الحضاري الفلسطيني, كما ساعدتا على تسريبه وتغريبه ليودع في متاحف بلدانها خاصة المتاحف الإنجليزية والأمريكية مثل المتحف البريطاني بلندن ومتحف الأشموليان بأوكسفورد ومتحف جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة, كما نجد كذلك مؤسسات أخرى عملت نفس العمل كالجمعية الألمانية الفلسطينية والمؤسسات الفرنسية والدانمركية والإيطاليةوالإسبانية بمتاحف تلك الدول اليوم آثار هامة مصدرها أرض فلسكين.

    وإذا أرنا أن نتتبع المواقع الأثرية التي أجرت فيها تلك المؤسسات التنقيب الأثري نجدها كثيرة جداً تفوق تصورنا النظري ولكن عندما يطلع المرء على الأعداد الكبيرة يتأكد من أن الأبحاث الأثرية بفلسطين إنما جرت لغايات وأهداف دينية محضة في بادية الأمر وإن كان هناك فريق من الباحثين كان يطمع في توظيف تلك الأبحاث لأغراض سياسية كما سنرى فيما بعد.

    تعاونت دائرة الآثار الفلسطينية, إبان الانتداب البريطاني مع المؤسسات البحثية التي تحدثنا عنها أعلاه (تعاوناً وثيقاً) وشجعتها وقدمت لها التسهيلات لتنفيذ مآربها وتحقيق أغراضها, وبلغ ذلك التعاون ذروته عندما تأسست مدارس للبحث الأثري بفلسطين كالمدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية, والمدرسة البريطانية للآثار بالقدس, والمدرسة الفرنسية للآثار, والمدرسة التوراتية الأثرية والمعهد الألماني للآثار وغيرها, وقد قامت تلك المدارس والمعاهد متعاونة وباذلة جهوداً كبيرة في تفسير نتائج أعمالها تفسيراً خاطئاً في بعض الأحيان كما أدى ذلك التعاون إلى تسريب كثير من الآثار الفلسطينية خارج فلسطين, فنتائج الاستكشافات والتنقيبات الأثرية, من تماثيل وفسيفساء ووثائق وطنية مكوية وأختام أسطوانية ومسطحة وغيرها الكثير قد أخذت طريقها إلى متاحف أوروبا وأمريكا كما ألمحنا سابقاً ومن الضروري حصر تلك الآثار والمطالبة بها.

    وعندما اغتصبت الصهيونية العالمية جزءاً من أرض فلسطين عام 1947 وأقامت عليه الكيان اليهودي (دولة إسرائيل) برز تشكيل رسمي توجه جديد في مجال النظر إلى التراث الوطني الفلسطيني (الممتلكات الثقافية الفلسطينية) يقوم ذلك التوجه, بعد أن كان متوارياً خلف الأهداف الدينية والعلمية إبان الانتداب البريطاني, على مفاهيم مستمدة من الطبيعة العنصرية للصهيونية العالمية التي لا تتعايش مع الثقافات الأخرى حيث أن التراث هو إحدى ركائز العمل السياسي الصهيوني فلا بد من:

    - استلاب الممتلكات الثقافية الفلسطينية.

    - سرقة الممتلكات الثقافية الفلسطينية.

    - تخريب الممتلكات الثقافية الفلسطينية.

    - تغريب الممتلكات الثقافية الفلسطينية.

    ففي المجال الأول:

    ركزت السلطة الإسرائيلية على البحث في التراث الحضاري بفلسطين على اعتبار أنه تراث يهودي, فقامت بالتنقيب عن المعابد اليهودية (الكنس) والقصور والبقايا المعمارية عموماً واللقى الأثرية مستخدمة إياها في إثبات دعواها التاريخية التي تقول إن فلسطين هي أرض الآباء والأجداد وأنها الأرض التي وعد بها الرب بني إسرائيل لتكون لهم وطناً قومياً حسب ادعائهم!!, وهنا هم بحاجة إلى تراث حضاري يثبت وجودهم القديم, وعندما عجزوا نسبوا كل الآثار في فترة معينة لهم وقدموها بأنها آثار يهودية, وفي ذلك خدعة كبرى انطلت على كثير من الباحثين.

    وفي المجال الثاني:

    قامت السلطات الإسرائيلية بأخذ نتائج التنقيبات الأثرية المادية وأودعتها متاحفها وإذا أردنا أن نعدد التنقيبات الأثرية التي قامت بها نجدها كثيرة جداً منها تنقيبات قديمة ومنها تنقيبات حديثة, نذكر بعضها على سبيل المثال:

    تل أبو حوّام, تل عراد, تل الشيخ أحمد العريني, تل الأساور, أسدود, دير البلح, عزه, عسقلان, عتليت, تل بئر السبع, تل بيت مرسيم, خربة الكرك (جنوب طبرية), قيسارية, تل دان, تل عنقه, تل تمنه, خربة الدير, تل أفشار, أريحا, القدس, العيسوية, مسعدة, خربة النبي, تل الفصيلة, تل القدح (حازور), تل جزر, ...وغيرها الكثير. وهي مواقع مدن وقرى فلسطينية قديمة انتعشت فيها الحضارة قبل قدوم اليهود القدماء إلى فلسطين وبعدهم.

    وفي المجال الثالث:

    قامت بعثات التنقيب اليهودية بالتخلص من طبقات أثرية تضم ممتلكات ثقافية عربية إسلامية, وذلك بجرفها من سطح التلول الأثرية ولا يخفى على أحد يعمل بالآثار أو مطلع على طبيعة العمل الأثري بأن العمل بالجرافات الميكانيكية (البلدوزر) يسبب تخريباً وتدميراً للطبقات الأثرية بمحتوياتها الحضارية, وقد حدث هذا في عدة مواقع وتلول فلسطينية بحجة أن هذه الطبقات لا تهم تخصص المنقب أو أنها باتت معروفة على حد ادعائه, فإذا جاز الاستغناء عن الطبقات الأثرية لأنها معروفة في أمكنة أخرى مثلاً فهل يجوز الاستغناء على ما تضمنه من مقتنيات ثقافية هامة؟!!, ناهيك عن تركها لتخريب القائمين على المشروعات الحديثة كإقامة الطرق والسدود والمباني وغيرها.

    وقد تعجز السلطات الإسرائيلية عن استلاب بعض الآثار أو سلبها أو تخريبها لسبب أو لآخر, فتلجأ إلى طريقة للتخلص منها بتصديرها إلى خارج وطنها وبيعها على أنها آثار غير معروفة الهوية فيقتنيها الهواة ومحبو الآثار وبعض المتاحف باذلين في ذلك الأموال الطائلة وفي هذا كسب مادي كبير لبعض المسؤولين الإسرائيليين وتجار العاديات وبهذا يتحقق هدفان: هدف إبعادها والتشكيك بمصادرها وهدف الثراء المادي.

    إذا أردنا أن نبين تلك المؤسسات التي تعمل في إطار الفكر الصهيوني العنصري في حقل التراث الحضاري نجد منها:

    - الجمعية اليهودية للاستكشافات.

    - الجمعية الإسرائيلية للاستكشافات.

    - دائرة الآثار والمتاحف الإسرائيلية وهي تتبع لوزارة التربية والثقافة.

    - كعهد الآثار التابع للجامعة العربية بالقدس.

    - معهد الآثار التابع لجامعة "بار إيلاق" بالقرب من تل أبيب.

    - كلية الآثار بجامعة ابن غوريون بمدينة بئر السبع.

    - مركز الدراسات الفولكلورية.

    - مركز الدراسات ما قبل التاريخ.

    - المتاحف المستقلة.

    - المتاحف البلدية.

    وغيرها الكثير, فلا تكاد تجد مدينة أو بلدة أو قرية أو مستوطنة, إلا وتجد فيها لجنة محلية تعنى بشؤون التراث, ووظيفة تلك اللجنة بالطبع, كما يدعون للمحافظة على تراث الشعب الإسرائيلي – اليهودي ولإبرازه, ولكن وظيفتها الحقيقية هي تدمير كل تراث لا يخص ذلك الشعب وعلى رأس ذلك تراث الشعب العربي الفلسطيني, أو تغييبه في أحسن الأحوال ولن يمر وقت طويل, حسب ادعائهم, إلا وينسى التاريخ شعباً اسمه الشعب الفلسطيني بعد تغييب تراثه بطريقة أو بأخرى.

    ومن أجل ذلك جيّش العدو جيشاً كبيراً من الباحثين الذين دربوا على تطبيق النهج الصهيوني التراثي والذي يقوم على مقولة طالما رددتها غولدا مئير في إحدى زياراتها إلى "ريغان يادين" عندما كان يعمل في تنقيبات تل القدح (حازور) بفلسطين, ونفهم من هذه المقولة عدم التساهل مع أي تراث يمكن أن يشكل خطراً أو مشاركة لتراثهم, ومن الطبيعي أن يكون ذلك التراث هو تراث الشعب الفلسطيني الثقافي صاحب الأرض الشرعي, وبهذا يبلغ المسؤولون الإسرائيليون قمة عدائهم للشعب الفلسطيني وذروة عنصريتهم ولتكريس ذلك ونقله إلى الآخرين في صورة علمية قامت تلك المؤسسات الملمح إليها أعلاه بإصدار عدد من المطبوعات من أهمها:

    1- موسوعة التنقيبات الأثرية بالأرض المقدسة (encyclopedia of archaeological excavation inthe holy land).

    2- مجلة جمعية الاستكشافات الإسرائيلية (IEJ= israel exploration journal ).

    3- حولية جمعية الاستكشافات الإسرائيلية (BIES= bulletin of the israel explorationsociety).

    4- سلسلة التنقيبات والمسوح الأثرية في إسرائيل صدر منها حتى عام 1986 ستة مجلدات (surveys andexcavations in israel 1 – 6).

    5- نشرة متحف القدس.

    6- الكتاب السنوي التذكاري الذي صدر سنوياً لإحياء ذكرى أحد الباحثين أو العلماء الصهاينة.

    7- مجلات كليات وأقسام الآثار في الجامعات الإسرائيلية.

    8- مجلتا دائرة المعارف والمتاحف الإسرائيلية (علون Alon, عتيقوت Atiqot).

    9- حولية جمعية الاستكشافات اليهودية لفلسطين (BJPES= bulletin of the jewish palestineexploration society).

    هذا بالإضافة إلى عدة نشرات وإلى ما تنشره الموسوعات والمجلات الأخرى بفلسطين المحتلة وخارجها في البلاد الأوروبية والأمريكية.



    وإذا أردنا التعرف على أساليب استيلاء الصهاينة على التراث الفلسطيني في الأرض المحتلة, نجد أنفسنا أمام حوادث كثيرة يصعب السيطرة عليها, لكثرتها أولاً ولغياب التوثيق لدى الجانب الفلسطيني ثانياً خاصة في المؤسسات العلمية على الرغم من أن هناك بعض الجامعات في الوطن المحتل قد حاولت ذلك وقدمت نتائج هامة إلا أنها تعثرت لجملة أسباب لا مجال إلى الحديث عنها هنا, ومهما يكن من أمر فإننا إذا سألنا أنفسنا وسألنا الآخرين نصل ببساطة إلى أن نتائج التنقيبات الأثرية التي أجرتها وتجريها السلطات الإسرائيلية والبعثات الأثرية الأجنبية التي تعمل بإشرافها بفلسطين قد ذهبت إلى المتاحف الإسرائيلية لتزين قاعاتها, شارحة وعارضة إياها على هواها, وإذا تصفحنا موسوعة التنقيبات الأثرية التي ألمحنا إليها وهي أربعة مجلدات, والتقارير السنوية التي تنشرها البعثات الأثرية الإسرائيلية في المجلات والنشرات المختلفة, نقف على خطورة الوضع في الأراضي المحتلة, فالسرقة تتعدى الأثر نفسه إلى سرقة هويته وانتمائه أي بلد منشأه.

    هذا في مجال التنقيبات الأثرية في التلال والمواقع الأثرية, أما في مجال المتاحف فالأمر لا يختلف كثيراً فلقد قامت السلطات الإسرائيلية بالاستيلاء على موجودات المتاحف الفلسطينية, خاصة المتحف الوطني الفلسطيني (المعروف بمتحف روكفلر), عند اغتصابها القدس عام 1967 فقد استولت على كثير من المقتنيات ونقلتها إلى المتحف الإسرائيلي الموجود بالقدس الغربية المحتلة منذ عام 1947, ومن تلك الموجودات مخطوطات البحر الميت Dead Sea Scrolls الهامة جداً والتي سعت إسرائيل بشتى السبل للحصول عليها قبل الاحتلال ولم تفلح, كما نقلت كثيراً من الأواني الفخارية والمدى والتماثيل والنقود التي اعتقد الإسرائيليون أنها من المناسب أن تعرض هناك في المتحف الإسرائيلي هذا إلى جانب الاستيلاء على البناء نفسه أي بناء المتحف ومكتبته والمخطوطات التي يضمها واستخدامه كدائرة آثار ومتاحف لكيانهم استخدمت قاعاته وأبهاؤه للعروض الدائمة والمؤقتة للمخلفات والتقاليد الإسرائيلية على حد قولهم, كما أقدمت على تغيير شروح الآثار المتبقية فيه وبالتالي تغيير العصور التاريخية الفلسطينية سعياً لإبراز دورهم الحضاري؟! وتحجيم دور الآخرين.

    أما بشأن المتحف الإسلامي بالقدس الشريف الذي يقع بالزاوية الجنوبية الغربية من الحرم الشريف والذي يضم مقتنيات فريدة في أهميتها فقد أُهمل وتركت بعض موجوداته تتآكل وتتخرب وعندما صعب على السلطات الإسرائيلية سرقة كنوز المتحف, افتعلت حادثة سرقة كان من نتيجتها أن خسر المتحف كثيراً من المقتنيات المعدنية والمخطوطات والوثائق النفيسة قدرتها الصحافة في حين بقيمة ثلاثة ملايين دولار على أقل تقدير وبكل تأكيد كان الحادث مدبراً للاستيلاء على بعض الممتلكات الثقافية الفلسطينية.

    ومن أساليب الاستيلاء على الممتلكات الثقافية بفلسطين هو ما يقوم به كبار المسؤولين الإسرائيليين من إجراء تنقيبات أثرية سرية, دون موافقة خطية ولكنها قد تكون بعلم السلطات الإسرائيلية, وذلك للحصول على بعض الممتلكات الثقافية للمتاجرة بها, ومن هؤلاء كان وزير الدفاع السابق موشي ديان هذا بالإضافة إلى شراء الممتلكات الثقافية من تجار الآثار والفلاحين لتصديرها إلى الخارج وحرمان البلاد منها, وقد تعدى ذلك الجشع إلى استحواذ أو شراء الآثار من البلاد العربية المجاورة خاصة من لبنان فهناك كثير من الآثار العربية اللبنانية, خاصة في منطقة صور والجنوب, وجدت طريقها بصورة غير مشروعة إلى إسرائيل ومن ثم انتقل بعضها إلى البلدان الأوروبية.

    وتعدى الاستيلاء على الممتلكات الثقافية بفلسطين المحتلة نتائج التنقيبات الأثرية وتنقيبات المتاحف والمتاجرة العبثية بالآثار التي تستهدف الربح المادي إلى الاستيلاء على المعالم التاريخية (المباني الأثرية) والتراث الشعبي والصنعات التقليدية الوطنية والمخطوطات والوثائق (وثائق المحكمة الشرعية مثلاً) وحتى في بعض الأحيان على المآكل الشعبية والأزياء والعادات والتقاليد.

    فالتعديات على المعالم التاريخية غالباً ما يتم بأسلوبين: استيلاء تدريجي يتم بعد إهمال ومنع المالكين أو المستأجرين من الترميم والإصلاح وعندما يصل الأمر إلى حد التوهن.

    فتصدر السلطات البلدية أمراً بهدم العقار الأثري, وقد يأتي هذا الإهمال في بعض الأحيان بصورة طبيعية فعندما طرد العرب الفلسطينيون من ديارهم تركت منازلهم ومدارسهم وجوامعهم ومبانيهم العامة, فقامت السلطات الإسرائيلية بأشغالها في مدن يافا وعكا وحيفا والقدس والمجدل وغيرها, خاصة المساكن, لأنها بحاجة أي إسرائيل إلى إسكان القادمين الجدد من اليهود, أما المساجد فترك بعضها ليتخرب تدريجياً لتهدم بعد ذلك أو لتتحول إلى نوادٍ ليلية (جامع حسن بك بيافا مثلاً) أو متاحف (جامع بئر السبع مثلاً) وهناك استيلاء على مبانٍ تاريخية بقصد استخدامها في أغراض لا تتناسب ووظيفتها الأصلية, أو حل حارات بأكملها لأسباب تنظيمية بلدية على حد قولها, وقد حدث هذا في حالة حارة المغاربة بالقدس, كما جرى الاستيلاء على حارة الشرف وحي سوق الحصر وحي باب السلسلة في القدس أيضاً لأغراض إسرائيلية بحتة, وهنا نذكر أن تلك الحارات كانت تضم مبانٍ تاريخية جرى هدم بعضها وإقامة مبانٍ حديثة مكانها واستخدام بعضها الآخر, فقد هدمت حارة المغاربة بما تضمه من ممتلكات ثقافية لإيجاد ساحة لوقوف السيارات ولتوسيع الساحة الموجودة أمام حائط البراق (حائط المبكى عند الإسرائيليين). ناهيك عما جرى لمدينة القدس ويافا وحيفا وعكا, فبحجة التطوير ذهبت كثير من المعالم التاريخية ومعالم النسيج العمراني, ولم تتوقف السلطات المحتلة بالقدس عند هذا الحد فقد قامت بوضع مخططات من أجل تطويق الحرم الشريف وتفريغ ما حوله من عقارات حضارية وسكنية ودينية وتجارية وإجلاء سكانها العرب بحجج كثيرة منها إصلاح المجاري العامة القديمة التي يعود تاريخ إنشائها إلى العهود الإسلامية وتوهن الأبنية, علماً بأن السبب الحقيقي لذلك التوهن والتصدع هو التنقيبات الأثرية الإسرائيلية تحت أساساتها أي أساسات الأبنية التاريخية, إن كل عقار أو حارة من تلك العقارات أو الحارات يعتبر جزء من الممتلكات الثقافية للشعب الفلسطيني وبالتالي جزء من تاريخه وتاريخ المدينة المقدسة المعماري والعمراني والثقافي.

    أما في مجال التراث الشعبي والصناعات التقليدية فقد اتخذت السلطات الإسرائيلية عدة إجراءات للوقوف أمام انتشارها, من بين تلك الإجراءات الحد من صناعة المواد الأولية التي تصنع منها الألبسة الشعبية والأحذية الشعبية والصناعات الخشبية والصناعات الصدفية وأعمال التطريز وغيرها وذلك بفرض ضرائب باهظة عليها وعلى تصديرها وتوزيعها وصولاً في النهاية إلى إيقاف تلك الصناعات ليتحول أصحابها إلى صناعات إسرائيلية أو إلى صناعات لا تخدم حماية الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني, هذا وتلجأ السلطات الإسرائيلية أحياناً كثيرة إلى نسبتها إلى الإسرائيليين وترويجها على أنها تراث شعبي إسرائيلي وأنها صناعات إسرائيلية وذلك لاستخدامها في أغراض الترويج السياحي.

    هناك أيضاً الأسماء الجغرافية وتنميطها وأسماء الشوارع والأزقة والحارات والمواقع الجغرافية وغيرها, فقد عمدت السلطات المحتلة إلى تغيير أسماء المدن والقرى والمواقع العربية الفلسطينية بأسماء عبرية حارمة بذلك كثيراً من القرى والمواقع من أسمائها التاريخية وبالتالي من أهميتها الثقافية, ويتصور الباحث أنه لن يمر زمن طويل إلا ويجد الأسماء العربية لتلك المدن والقرى والمواقع التي ارتبطت بالهوية والتاريخ الفلسطيني قد ذهبت لأن العدو قطع شوطاً طويلاً في ذلك متعاوناً مع الهيئات الدولية ودور نشر الأطالس والكتب الجغرافية, كما أنه عمد إلى تغيير أسماء الحارات والأزقة والتي تسمى عادة بالأحداث التاريخية الهامة أو بأعلام الشعب الفلسطيني الذين ضيعوا تاريخه وبالتالي وجوده, باختصار إن السلطات الإسرائيلية بعد أن سلبت الشعب الفلسطيني أرضه تحاول اليوم بإصرار سلب هويته وتاريخه ليسهل عليها مع الزمن دمج قسم منه في محيطها السكاني وتهجير البعض الآخر.

    مما سبق عرضه تبين لنا أن السلطات المحتلة قامت بالاستيلاء على اللقى الأثرية التي أنتجتها التنقيبات الأثرية التي قامت بها تلك السلطات كما قامت بالاستيلاء على كثير من الموجودات الأثرية من المتاحف الفلسطينية. كما سهلت تصدير بعضها إلى خارج البلاد مع المخلفات الشعبية, هذا إلى جانب استيلائها على بعض العقارات الأثرية لاستخدامها في أغراض غير مناسبة لوظيفتها الأساسية أو هدمها لإشادة أبنية حديثة عليها, فقد حولت كما رأينا بعض الجوامع والمباني التاريخية إلى نوادٍ ليلية (مثل جامع حسن بك) ليمارس فيها الفسق والفجور, كما حولت جامع بئر سبع إلى متحف للمدينة وقلعة القدس إلى متحف لمدينة القدس حسب تصورهم, إن هذه الأعمال تعد استهانة بتراث الشعب الفلسطيني تجاوزاً لتاريخه وماضيه ولدوره في بناء الحضارة الإنسانية العالمية, ونذكّر هنا أيضاً بالتراث الفلسطيني الذي تسرب إلى خارج فلسطين إبان الحكم العثماني أو إبان الانتداب البريطاني والذي يقبع اليوم في قاعات المتاحف وصالات العرض.

    وللمرء أن يتساءل ما هو دور الشعب الفلسطيني ودور المنظمات الدولية والعربية أمام تلك الحالات من الاستيلاء والتعدي والتدمير للممتلكات الثقافية الفلسطينية في الأرض المحتلة؟ للإجابة على هذا السؤال نذكّر بالجهود الكبيرة التي يقوم بها أبناء شعبنا في الداخل لصيانة تراثهم من أجل الظروف السيئة التي يعيشون فيها, ومن الجدير ذكره أن هناك كثيراً من المؤسسات والهيئات الفلسطينية التي تعمل على صياغة التراث الفلسطيني أو أنها أقيمت من أجل ذلك ولكن ظروفاً تقف في وجهها أو أنها لا تنشط على نحو كاف.

    لقد اتخذت الكثير من الإجراءات لحماية التراث الفلسطيني وجرى تعيين قيم دولي على الممتلكات الثقافية الفلسطينية ليسهر على تفقدها باستمرار وتعدى ذلك إلى تقديم المساعدات الفنية والمادية لترميم بعض الممتلكات الثقافية وجرى تنشيط استخدامها كي يستطيع أهلها الوقوف أمام تحديات العدو الإسرائيلي ولكن بقي كل ذلك دون الحد الأدنى المطلوب.

    خلاصة نقول, إن الممتلكات الثقافية الفلسطينية تعرضت للنهب من قبل البعثات الأثرية قبل الانتداب البريطاني وإبانه وتعرضت لنهب السلطات الإسرائيلية بأشكال مختلفة أتينا على ذكر بعضها, ولا تزال, فما هو السبيل لاسترداد تلك الممتلكات؟

    لعله من المهم إجراء حصر لتلك الممتلكات المتواجدة خارج فلسطين للتعرف عليها والاتصال بمقتنيها في إطار لجنة عربية دولية كما يمكن أن تتوسط الهيئات الدولية لدى إسرائيل للحفاظ على تراث الشعب الفلسطيني وإن كانت التجارب قد أثبتت عدم تقيد العدو الإسرائيلي بالشرائع الدولية في هذا المجال وغيره من المجالات ومن المهم أيضاً أن يشجع الأهل بالأراضي المحتلة عبر البلديات ومجالس القرى والمنظمات الشعبية كاتحاد المهندسين واتحاد الكتاب وغيرهم لوضع هذه المسألة موضعها الصحيح, هذا بالإضافة إلى أنه من الضروري أن تعمد البلديات في هذه المرحلة النضالية إلى تخصيص قاعات لتحفظ فيها الآثار المكتشفة صدفة أو التي يمكن شراؤها, لا شك بأن هذه المقترحات قد لا تكون سهلة التطبيق ولكن لا بد من القيام بها, فالمحافظة على التراث الثقافي هو جزء لا يتجزأ من المحافظة على الهوية الوطنية الفلسطينية التي من أجلها يقوم الأهل اليوم بالوطن المحتل بانتفاضتهم الباسلة التي لا بد أن تأخذ في حسبانها صيانة وحفظ الممتلكات الثقافية لشعبنا التي تتعرض يوماً للنهب والسلب.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (المراجع):

    - دراسات في تاريخ وآثار فلسطين, ثلاثة مجلدات, تحرير الدكتور شوقي شعث وهي عبارة عن وقائع الندوة العالمية الأولى للآثار الفلسطينية التي أقامتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع جامعة حلب ومركز الآثار الفلسطيني عام 1981, مطبعة جامعة حلب 1981 – 1988.

    - القدس بين احتلالين: الدكتور شوقي شعث, مجلة الوحدة العربية, العدد 44 – 1988.

    -القدس الشريف: تأليف الدكتور شوقي شعث, إصدار المنظمة الإسلامية للتربية والعلم والثقافة, الرباط 1988.

    - القدس الشريف: تأليف المهندس رائف نجم, خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي ما بين 1967 – 1987.

    - الموسوعة الفلسطينية: المجلد الأول مادة "آثار" الطبعة الأولى, 1984.

    - التراث الثقافي الفلسطيني والتعديات الإسرائيلية, الدكتور شوقي شعث, بحث ألقي في الندوة التي نظمها المجلس القومي للثقافة العربية في أثينا بمناسبة يوم الأرض عام 1985 ونشر في مجلة الوحدة التي يصدرها المجلس نفسه, في حينه.

    - كنوز القدس الشريف: تأليف المهندس رائف نجم وآخرون, إصدار منظمة المدن العربية, طـ 1983.

    - القدس في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي: روحي الخطيب, شؤون عربية, عدد خاص عن القدس (العدد 40 كانون الأول 1984).

    - القدس دراسة قانونية: سمو الأمير الحسن بن طلال ولي عهد المملكة الأردنية, عمان 1980.



    -The art and architecture of ancient palestine D.baramki PLO research center1969.

    -Theats faciny jerusalem,Shawqi Shaath arts, the islamic world vol 4 NO 3,1987.

    Excavations and Surveys in Israel 1 – 5 / 1982-1986.-

    Encyclopedea of Archaeological Excvatians in the holy land 4 vols 1975.-





    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: خطط استلاب تراثنا الفلسطيني ومؤسساته» 
    كاتب مربدي الصورة الرمزية وائل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    المشاركات
    347
    معدل تقييم المستوى
    20
    الاخ طارق بوركت على هذا الموضوع الهام جدا . فعلا اخي طارق ان الصهاينه واثناء تنقيبهم عن معبدهم المزعوم هيكل سليمان تحت قبة المسجد الاقصى لم يجدوا اي دليل على ان هيكل سليمان موجود تحت باخات المسجد الاقصى وكل ما وجدوه من اثار ما هي الا اثار اسلاميه معظمها من العصر الماموني . ولو ان الصهاينه فعلا اكتشفوا اي اثار لهم تحت باحات المسجد الاقصى لصرحوا بها ولنشروها على العالم اجمع لكي يثبتوا بان هبكلهم المزعوم موجود تحت ساحات الاقصى المبارك .
    وكذلك واثناء شقهم للعديد من الشوارع في مدينة القدس فكانوا يجدوا اثارا معظمها اما مسيحيه من العهد البزنطي او اسلاميه وهذا ما رايته بام عيني . حيث ان الصهاينه واثناء اجراء حفريات في شارع قريب لبيتي لانشاء سكة حديد لقطار كهربائي لنقل الركاب وجدوا ثارا كثيره فاغلقوا المنطقه وبدئوا التنقيب وادعوا بانهم وجدوا قريه لليهود هناك ولكن ادعائهم كان كاذبا حيث ان الاثار هناك ما هي الا لبيوت وقرى عربيه قديمه .
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ان الشهادة من طبع الفلسطيني / الحاج لطفي الياسيني
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06/06/2010, 09:52 AM
  2. استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق
    بواسطة عبد المنعم جبر عيسي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25/11/2009, 08:20 PM
  3. مجزرة غزة .. لن يركع الشعب الفلسطيني
    بواسطة ناجي حسين في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31/12/2008, 01:29 AM
  4. بغداد للشاعر الفلسطيني موسى حسن
    بواسطة صلاح الحسن في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 19/07/2008, 07:04 PM
  5. من ذاكرة التاريخ الفلسطيني
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16/05/2006, 12:42 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •