صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 12 من 20

الموضوع: كيف قتل المستعصم

  1. #1 كيف قتل المستعصم 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    كيفية قتل المستعصم :

    يذكر الطقطقي أن المستعصم استشهد في رابع صفر سنة ست وخمسين وستمائة (السبت 16/شباط/1258 م).
    و العصامي في ( سمت النجوم في ابناء الأوائل و التوالي) يذكر أن هولاكو استبقى المستعصم أياما الى أن استصفى أمواله و خزائنه و ذخائره، ثم رمى رقاب أولاده و ذويه و أتباعه، و أمر أن يوضع الخليفة في غرارة، و يرفس بالأرجل حتى يموت.
    و يذكر العصامي أيضا رواية ، دون أن ينسبها لأحد، عن خروج المستعصم الى هولاكو قبل وقوع شئ.
    أما الدميري في (حياة الحيوان الكبرى) يذكر أن المستعصم قد أُخذ فخلع و وضع في جوالق و ضرب بالمرازب و قيل بمداق الجص الى أن مات.
    و أما النويري فيذكر في (نهاية الأرب) أنه لما ملك هولاكو بغداد أحضر الخليفة المستعصم بالله و أمر أن يجعل في عدل و يداس بأرجل الخيل حتى يموت، ففعل به ذلك. و من عادة التتار أن لايسفكوا دماء الملوك و الأكابر. و سبي كل من احتواه القصر من الحريم، واستولى على ذخائر الخلفاء، و نهبت بغداد، و بذلوا السيف فيها سبعة أيام متوالية ثم رفع في اليوم الثامن.
    أما الذهبي فيذكر في (العبر في خبر من غبر) أن التتار دخلوا بغداد و بذلوا السيف و استمر القتل و السبي نيفا و ثلاثين يوما. فقل من نجا.
    و أما أبو الفداء فيقول في (المختصر من أخبار البشر) انهم قتلوا الخليفة، و لم يقع الإطلاع على كيفية قتله، فقيل خُنق، و قيل وُضِع في عدل و رفسوه حتى مات، و قيل غرق في دجلة، و الله أعلم بحقيقة ذلك. و أن القتل و النهب دام نحو أربعين يوما.
    و في قتل المستعصم يذكر أيضا إبن الكتبي في (فوات الوفيات) فيقول: و اختلفوا كيف كان قتله، قيل أن هولاكو لما ملك بغداد أمر بخنقه، و قيل رفس الى أن مات ، و قيل غرق، و قيل لف في بساط و خنق، والله أعلم بحقيقة الحال.

    عدد القتلى
    يقول الذهبي، في العبر، أن هولاكو أمر بعدِّ القتلى فبلغوا ألف ألف و ثمان مئة ألف و كسر. فعند ذلك نادوا بالأمان.
    أما إبن خلدون فيذكر في تاريخه إن الذي أحصي في بغداد من القتلى ألف ألف و ثلاثمائة ألف. و استولوا من قصور الخلافة و ذخائرها على ما لا يحصره العدد و الضبط و ألقيت كتب العلم التي كانت في خزائنهم بدجلة معاملة، بزعمهم، لما فعله المسلمون بكتب الفرس عند فتح المدائن. و اعتزم هولاكو على إضرام بيوتها نارا فلم يوافقه أهل مملكته.
    أما السيوطي فيذكر أن القتال استمر في بغداد نحو أربعين يوماً فبلغ القتلى أكثر من ألف ألف نسمة ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة، وقتل الخليفة رفساً.
    و ذكر العصامي ان التتر قتلوا في ثلاثة أيام ما ينوف على ثلاثمائة ألف وسبعين ألفاً، وسبوا النساء و الأطفال، ونهبوا الخزائن والأموال، وأخذ هولاكو جميع النقود، وأمر بحرق الباقي، ورمى كتب مدارس
    بغداد في دجلة، وكانت لكثرتها جسراً يمرون عليها ركبانَاً ومشاة، وتغير لون الماء بحبرها إلى السواد.
    و لم يذكر العصامي الوقت الذي بقي هذا "الجسر" على حاله، يمرون عليه الركبان و المشاة، و هل أن هؤلاء الراكبين و المشاة هم ممن تبقى من أهل بغداد، أم هم من المغول؟
    و إبن الأثير يذكر أيضا إختلاف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين ، فيقول : قيل ثمانمائة ألف و قيل ألف ألف و ثمانمائة ألف، و قيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : كيف قتل المستعصم 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    بعد المجزرة:
    يقول إبن كثير ان بغداد بقيت خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس و القتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم و أنتنت من جيفهم البلد، و تغير الهواء فحصل بسبب ذلك الوباء الشديد حتى تعدى و سرى في الهواء الى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو و ساد الريح فاجتمع على الناس الغلاء و الوباء و الفناء و الطعن و الطاعون.
    و هنا يذكر إبن كثير إحدى الطرق في إنتقال العدوى.


    استفتاء هولاكو لرجال الدين عن من هو الأفضل : العادل الكافر أم المسلم الجائر
    يذكر إبن الطقطقي أنه لما فتح هولاكو بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة أمر أن يستفتى العلماء أيهما أفضل: السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر؟ ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك، فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب، وكان رضي الدين علي بن طاووس حاضراً هذا المجلس، وكان مقدماً محترماً، فلما رأى إحجامهم تناول الفتيا ووضع خطه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده.


    في نهاية الحديث عن المستعصم: غرائب و عجائب

    *يذكر الطقطقي في (الفخري في الآداب السلطانية): ها هنا حكاية طريفة عجيبة: حدثني صفي الدين عبد المؤمن بن فاخر الأرموي، قال : حدثني مجاهد الدين الدويدار الصغير قال : خرجنا مرة في خدمة الخليفة المستعصم الى الصيد، و ضربنا حلقة قريبا من الجلهمة، و هي قرية بين بغداد و الحلة، ثم تضايقت الحلقة حتى صار الفارس منا يصيد الحيوان باليد. فخرج في جملة حمر الوحش حمار كبير عليه وسـمٌ فقرأناه و إذا هو وسـم المعتصم. قال: فلما رآه المستعصم و سمه بوسمه و أطلقه، و كان بين المعتصم و بين المستعصم حدود خمسمائة سنة.
    *و يذكر العصامي أنه من غريب الاتفاق ما رواه بعضهم قال: لما استولت التتار على بغداد، وقتلوا الخليفة المستعصم، كان ببغداد رجل من ذوي اليسار معروف فلما سمع بقرب التتار من بغداد، جعل في قاع داره مخبأ تحت الأرض، ووضع فيه صناديقه وأمتعته، وسائر ما يعز عليه من أموال وغيرها، ثم جعل على فم ذلك الموضع هيئة فم الخرابة، وجعل تسرب مائها إلى موضع آخر؛ ليخفي أمر ذلك الموضع عن الناظرين. وقال في نفسه: إذا دخلت التتار بغداد خرجت إلى الصحراء، فإذا خرجوا عدت إلى داري ومالي. فلما فرغ من إحكام ذلك وجد في ذخائره ستاً من اللآلئ الكبار النفيسة، كبارَاً جداً، فقال في باله: فتح هذه المطمورة أمر عظيم، وفكر في حفظ تلك اللؤلؤات، فلم يجد لها موضعاً أحسن من عش عصافير كان بسقف تلك الدار قريباً من المخبأ المذكور ،فاستدعى بسلم فوضعها في ذلك العش، وجلس في دهليز تلك الدار، وعليه زي الفقراء.

    فلما دخلت التتار بغداد خرج إلى موضع استتر فيه، فأمسك بعض عساكر التتار رجلا من أهل بغداد، وألزموه أن يريهم دور أهل اليسار من أهل بغداد، ليجد فيها ما يأخذه، فأتى ذلك الرجل بذلك البعض إلى هذه الدار المذكورة فطافا فيها فلم يجدا شيئاً، فغضب التترى فربطه وقال: أتهزأ بي؟ وجعل يضربه ويعذبه، والرجل يحلف له أن صاحب هذه الدار من مياسير

    أهل بغداد، وما هزأت بك. فبينما هو يضربه إذ زرق عليه عصفور من ذلك العش الذي فيه اللؤلؤات فأصاب الزرق وجهه، فازداد غيظه فضرب ذلك العش فوقع العش، وسقطت تلك اللؤلؤات منه، فتدحرجت منه ثلاث، فوقعن في ثقب تلك الخربة فأخذ التتري تلك الثلاث لؤلؤات، وألزم الرجل بخراب تلك الخرابة لإخراج اللؤلؤات الأخرى، فلما شرع في تخريبها وأزال وجهها، وجد سلالم تنتهي إلى الموضع الذي فيه الأموال والذخائر والصناديق، فأخذ التتري جميع ما هناك وأطلق الرجل وأعطاه ما تيسر.


    محيي هادي
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : كيف قتل المستعصم 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    من المعروف أن من أهم أسباب انهيار الحضارة الإسلامية و انتقالها للغرب هو سقوط دار العلم بغداد بيد المنغول. هذا السقوط لم يكن ممكناً لولا مساعدة الصفويين للمنغول.

    و لا يخفى على من له أدنى وعي تاريخي دور الوزير ابن العلقمي الخياني في سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك ، وما جره على المسلمين من القتل والخراب والذل والهوان بالاتصال بهولاكو وإغرائه بغزو العراق وهيأ له من الأمور ما يمكنه من السيطرة والاستيلاء .

    وقد سلك ابن العلقمي في التخطيط لذلك الأمر بأن أشار على الخليقة المستعصم بتسريح أكبر عدد ممكن لتخفيف الأعباء المالية على الميزانية العامة فوافقه الخليفة على ذلك ولم يكن يعلم الخليفة بأن اقتراح الوزير ما هو إلى إضعاف جيش الخلافة في مواجهة الغزاة التتار حتى أن الجنود تدهورت حالتهم الاجتماعية والمالية مما اضطرهم إلى الاستخدام في حمل القاذورات.

    ولكي نلم ببعض جوانب تلك الخيانة العلقمية نورد بعض أقوال المؤرخين في بيان حقيقة ابن العلقمي وما قام به من المساهمة في سقوط الخلافة الإسلامية:

    جلال الدين السيوطي:
    إن ابن العلقمي كاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد

    أبو شامة شهاب الدين بن عبد الرحمن بن إسماعيل:
    إن التتار استولوا على بغداد بمكيدة دبرت مع وزير الخليفة

    قطب الدين اليونيني البعلبكي
    وكاتب الوزير ابن العلقمي التتر وأطمعهم في البلاد ، وأرسل إليهم غلامه وسهل عليهم ملك العراق ، وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد ، فوعدوه بذلك ، وأخذوا في التجهيز لقصد العراق ، وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أن يسير إليهم ما يطلبونه من آلات الحرب ، فسير إليهم ذلك ولما تحقق قصدهم علم أنهم إن ملكوا العراق لا يبقون عليه فكاتب الخليفة سراً في التحذير منهم ، وأنه يعد لحربهم فكان الوزير لا يوصل رسله إلى الخليفة ومن وصل إليه الخليفة منهم بغير علم الوزير اطلع الخليفة وزيره على أمره ..

    ويتابع البعلبكي في وصف جيوش التتار الزاحفة عل ى بغداد وبعد أن تمكنوا هزيمة الحامية الهزيلة في صد الغزو فيقول ؛ فحينئذ أشار بن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته وسأله أن يخرج إليه في تقرير زواج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم لا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك فتجيبه إلى هذا فإنه فيه حقن دماء المسلمين ، ويمكن بعد ذلك أن يفعل ما تريد فحسن له الخروج إليه فخرج في جمع من أكابر أصحابه فأنزل في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح فيما أظهره فخرجوا فقتلوا وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة

    شمس الدين الذهبي
    وأما بغداد فضعف دست الخلافة وقطعوا أخبار الجند الذين استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق، كل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي جهد في أن يزيل دولة بني العباس ويقيم علويا وأخذ يكاتب التتار ويراسلونه والخليفة غافل لا يطلع على الأمور ولا له حرص على المصلين

    ابن شاكر الكتبي
    وأخذ يكاتب التتار إلى أن جرأ هولاكو وجره على أخذ بغداد

    عبد الوهاب ابن تقي الدين السبكي
    وكان شيعيا رافضياً في قلبه غل للإسلام وأهله وحبب إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر فصار الجند يطلبون من يستخدمهم في حمل القاذورات ومنهم من يكاري على فرسه ليصلوا إلى ما يتقوتون به

    ثم يصف لنا السبكي مؤامرة ابن العلقمي في قتل الخليقة والعلماء والفقهاء واستباحة بغداد وإراقة الخمور في بيوت الله تعالى فيقول:
    وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي ثم إنه ضرب سوار على عسكرة وأحاط ببغداد فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال؛ أخرج أنا إليهم في تقرير الصلح، فخرج وتوثق لنفسه من التتار ورجع إلى المعتصم وقال؛ إن السلطان يا مولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية ، ونصرف عنك بجيوشه فمولانا أمير المؤمنين يفعل هذا فان فيه حقن دماء المسلمين وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد والرأي أن تخرج إليه . فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان إلى باب الطاغية هولاكو ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.


    فأنزل الخليفة في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم ثم طلب حاشية الخليفة فضرب أعناق الجميع ثم طلب أولاده فضرب أعناقهم، و أما الخليفة فقيل أنه طلبه ليلا وسأله عن أشياء ثم أمر به ليقتل. فقيل لهولاكو: إن هذا إن أريق دمه تظلم الدنيا و يكون سبب خراب ديارك فإنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة الله في أرضه فقام الشيطان المبين الحكم نصير الدين الطوسي وقال يقتل ولا يراق دمه وكان النصير من أشد الناس على المسلمين، فقيل إن الخليفة غم في بساط و قيل رفسوه حتى مات.

    و لما جاءوا ليقتلوه صاح صيحة عظيمة، و قتلوا أمرائه عن أخرهم، ثم مدوا الجسر وبذلوا السيف ببغداد و استمر القتل ببغداد بضعاً وثلاثين يوماً و لم ينجوا إلى من اختفى و قيل إن هولاكو أمر بعد ذلك بعدّ القتلى فكانوا ألف ألف وثمانمائة ألف النصف من ذلك تسعمائة ألف غير من لم يعد و من غرق ثم نودي بعد ذلك بالأمان فخرج من كان مختبئ وقد مات الكثير منهم تحت الأرض بأنواع من البلايا والذين خرجوا ذاقوا أنواع الهوان والذل ثم حفرت الدور وأخذت الدفائن والأموال التي لا تعد ولا تحصى وكانوا يدخلون الدار فيجدون الخبيئة فيها وصاحب الدار يحلف أن له السنين العديدة فيها ما علم أن بها خبيئة، ثم طلبت النصارى أن يقع الجهر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أن يفعل معهم المسلمون ذلك في شهر

    رمضان، فألزم المسلمون بالفطر في رمضان و أكل الخنزير و شرب الخمر، و دخل هولاكو إلى دار الخليفة راكباً لعنه الله و استمر على فرسه إلى أن جاء سدة الخليفة و هي التي تتضاءل عندها الأسود و يتناوله سعد السعود كالمستهزئ بها و انتهك الحرم من بيت و غيره، و أعطى دار الخليفة لشخص من النصارى و أريقت الخمور في المساجد و الجوامع و منع المسلمون من الإعلان بالأذان فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذه بغداد لم تكن دار كفر قط و جرى عليها هذا الذي لم يقع قط من منذ قامت الدنيا مثله، و قتل الخليفة و إن كان وقع في الدنيا أعظم منه إلا أنه أضيف له هوان الدين و البلاء الذي لم يختص بل عم سائر المسلمين.
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 05/01/2007 الساعة 10:32 AM
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد : كيف قتل المستعصم 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    ويقول الأستاذ حسن السوداني- معاصر:
    لقد اتفق ابن العلقمي والطوسي مع ملة الكفر ضد الخلافة الإسلامية بحجة الدفاع عن أنصار الإمام علي رضي الله عنه وشيعته . ومعرف أن الطوسي يسمى أستاذ البشر والعقل الحادي عشر ، و سلطان المحققين وأستاذ الحكماء والمتكلمين و أصله من طوس وهي من توابع مدينة قم ، و يعتبر الطوسي فخر الحكماء ومؤيد الفضلاء ونصير الملة ، ولا ندري هل كان هولاكو من هؤلاء الفضلاء الذين أيدهم الطوسي ؟ وهل كان المغول هي الملة التي نصرها الطوسي على المسلمين فهتكت الأعراض وخربت مركز الحضارة الإسلامية ؟ لقد كان الطوسي وابن العلقمي من حاشية هولاكو وهو يخرب ضريح الإمام موسى الكاظم فلم يبد منهما ما ينم عن اعتراض!


    تجمع المصادر التي وصفت الساعات الأخيرة من حياة الخلافة العباسية الإسلامية على أن هولاكو قد استشار أحد المنجمين قبل أن يبدأ غزوته و كان المنجم الفلكي حسام الدين مسلما غيورا على المسلمين و حياتهم فقرأ له ما يلي: إن كل من تجاسر على التصدي للخلافة و الزحف بالجيش إلى بغداد لم يبق له العرش و لا الحياة ، و إذا أبى الملك أن يستمع إلى نصحه و تمسك برأيه فسينتج عنه ست مهالك: تموت الخيل ، و يمرض الجند ، لن تطلع الشمس و لم ينزل المطر ثم يموت الخان الأعظم.

    لكن مستشاري هولاكو قالوا بغزو بغداد وعدم الاستماع لرأي المنجم ، فاستدعى هولاكو العلامة نصير الدين الطوسي الذي نفا ما قاله حسام الدين و طمأن هولاكو بأنه لا توجد موانع شرعية تحول دون إقدامه على الغزو و لم يقف الطوسي عند هذا الحد بل أصدر فتوى يؤيد فيها وجهة نظره بالأدلة العقلية و النقلية وأعطى أمثلة على أن كثيرا من أصحاب الرسول قتلوا ولم تقع الكارثة، و غزا هولاكو بغداد بفتوى الطوسي وبمعلومات ابن العلقمي وهما وزيراه الفارسيان ، و لم يستسلم المستعصم فقد أشار عليه البعض بأن ينزل بالسفينة إلى البصرة ويقيم في إحدى الجزر حتى تسنح الفرصة ويأتيه نصر الله لكن وزيره ابن العلقمي خدعه بأن الأمور ستسير على ما يرام لو التقى بهولاكو.

    فخرج المستعصم ومعه 1200 شخصية من قضاة ووجهاء وعلماء فقتلهم هولاكو مرة واحدة، و وضع المستعصم في صرة من القماش و داسته سنابك الخيل وكان قتلى بغداد كما تقول المصادر المعتدلة 800 ألف مسلم ومسلمة كانوا هم ضحايا ابن العلقمي و الطوسي و الأخير كان قد أصدر فتوى بجواز قتل المستعصم حين تردد هولاكو عن قتله ،،،فافهمه الطوسي أن من هو خير منه قد قتل و لم تمطر الدنيا دماً، و قد استبيحت بغداد في اليوم العاشر من شباط عام 1258 و لم يكن ذلك اليوم آخر نكبة حلت بالأمة على يد الوزراء الفرس و لابسي العمامة الفارسية المجوسية.
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد : كيف قتل المستعصم 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    2,180
    معدل تقييم المستوى
    20
    أعانك الله وحفظكَ أخي طارق


    والله إنها لمواضيع رائعة تأتينا بها , وندعو الله أن تصحو أمتنا من بعد سبات وغفوة
    ولتعود إلى التاريخ النزيه وتعلم من الذي كان يعين العدو على قتل المسلمين بالأمس واليوم



    لعن الله أبناء العلقمي اليوم , وأخزاهم ودمّرهم وخسف الأرض من تحتهم

    يارب إنهم بغوا وطغوا , وسبوا النساء , وهتكوا الحرمات
    وقتلوا النساء والشيوخ والأطفال ووو......
    يارب لا تدعهم يمرون دون عقاب
    أنت حسبنا وكافينا يا الله
    أمينة أحمد خشفة
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد : كيف قتل المستعصم 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الشهباء
    أعانك الله وحفظكَ أخي طارق




    والله إنها لمواضيع رائعة تأتينا بها , وندعو الله أن تصحو أمتنا من بعد سبات وغفوة
    ولتعود إلى التاريخ النزيه وتعلم من الذي كان يعين العدو على قتل المسلمين بالأمس واليوم



    لعن الله أبناء العلقمي اليوم , وأخزاهم ودمّرهم وخسف الأرض من تحتهم

    يارب إنهم بغوا وطغوا , وسبوا النساء , وهتكوا الحرمات
    وقتلوا النساء والشيوخ والأطفال ووو......
    يارب لا تدعهم يمرون دون عقاب
    أنت حسبنا وكافينا يا الله



    سلام الله عليك

    لنعلم أن هذه الدينا هي دار فناء
    والابتلاء فيها متجدد متكرر متلون

    فيجب على ابن ادم الحذر من متغيرات الفتن
    و في التاريخ خير معين للاستزادة

    تحياتي لك
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: كيف قتل المستعصم 
    غير مسجل
    زائر
    جزاكم الله كل خير على هذه المعلومات القيمة التى قدمت فى ثياب من المتعة التى لا تدع للقارىء مللا يمنعه استئناف القراءة
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد: كيف قتل المستعصم 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    6
    معدل تقييم المستوى
    0
    شكرا جزيلا _اخي
    رد مع اقتباس  
     

  9. #9 رد: كيف قتل المستعصم 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    الدولة
    سوريا
    العمر
    36
    المشاركات
    29
    معدل تقييم المستوى
    0
    مواضيعك أستاذي دائما تستحق التقدير لغناها بالمعلومات الثمينة
    وما أشبه اليوم بالأمس ,وكم لأبن العلقمي من أحفاد ساعدو مغول اليوم(أمريكا)لحتلال بغداد وحرق كتبها واغتيال علمائها.
    رد مع اقتباس  
     

  10. #10 رد: كيف قتل المستعصم 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية الح همس نين
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    4
    معدل تقييم المستوى
    0
    مقال أكثر من رائع استمتعت بالتنقل بين سطوره
    ما أجمل أن نعود للتاريخ
    فهو ذلك الماضي الذي يعطينا دروسا للحاضر
    ويكشف زيف تملق الادعياء المنتسبين للاسلام
    نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم

    جزيت خيراً على ما تنقله من فائدة
    رد مع اقتباس  
     

  11. #11 جمهورية مصر العربية 
    غير مسجل
    زائر
    ليس دفاعا .. عن هولاكو

    د. أحمد صبحى منصور





    1 ـ من بين عشرات السفاحين الذين أهلكوا الحرث و النسل يتمتع هولاكو بمكانة خاصة فى التاريخ الاسلامي والعربي ، فهو السفاح الذى اطاح بالدولة العباسبة والذى قتل فى بغداد سنة 656 هـ ما يقرب من 2 مليون نسمة. انه سجل دموي يستحق عليه هولاكو – بلا شك- كل اللعنات ، ولكن المسئولية لا يتحملها هولاكو وحده .. !



    2 ـ اللوم ينبغى أولا ان يوجه الى امير المؤمنين المستعصم بالله العباسي الذى حمل أمانة المسلمين ففرط فيها، والذى مازال بعضنا يذرف الدموع حزنا عليه وعلى الخلافة العباسية التى تمثل حتى الآن حلما من أحلام اليقظة لدى بعض الناس فى عصرنا.

    وقد وصفه المؤرخ ابن طباطبا بقوله : "كان مستضعف الرأى ضعيف البطش قليل الخبرة بالمملكة مطموعا فيه ، وكان زمانه ينقضي فى سماع الأغاني و التفرج على المساخر.. وكان اصحابه مستولين عليه ، وكلهم جهال من أراذل العوام".

    وقد يقال : ان المؤرخ ابن طباطبا كان شيعى المذهب ، يتحامل على الخليفة المستعصم المشهور بتعصبه لأهل السنة ، إلا أن مؤرخا سنيا موثوقا فيه مثل ابن كثير يتفق مع ابن طباطبا فى رأيه، يقول عن الخليفة المستعصم بالله : " كان محبا لجمع المال ، ومن ذلك أنه استحل الوديعة التى استودعها اياه الناصر داود المعظم ، وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار ، فاستقبح هذا من مثل الخليفة". أى أن الخليفة مع كل ما يملك من أموال خان الأمانة المالية التى استحفظه عليها الناصر داود الأيوبى، فأخذها لنفسه.

    وأدى نهم الخليفة بالمال وحرصه عليه الى ان عرض الخلافة للخطر حين هددها المغول ، اذ انه قطع عن الجنود ارزاقهم فى وقت هو احوج ما يكون اليهم فيه؛ يقول ابن كثير انه " صرف الجيوش ومنع عنهم ارزاقهم حتى كانوا يتسولون على ابواب المساجد وفى الاسواق وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الاسلام وأهله ".



    3 ـ على ان شح الخليفة المستعصم بالاموال على الجند فى وقت حاجته لهم يقابله فى الناحية الاخرى اسرافه الشديد فى الانفاق على خدمه واتباعه من الظلمة الذين يأكلون أموال الناس ، وكان أولئك الخدم من الجهال واراذل العامة و المماليك الذين صعد بهم الزمن الردئ ، فى عصر انحلال الدولة العباسية ، فاحتكروا الثروة بينما عاش العلماء والاشراف يتضورون جوعا. ولنضرب أمثلة تاريخية على ما جرى فى اواخر الدولة العباسية ، حين أغدقت الأموال على الخدم فأصبحوا أعجوبة فى الثراء ، ومنهم :

    *- علاء الدين الطيبرسي الظاهرى ، كان دخله من أملاكه نحو 300 ألف دينار، وكانت له دار لم يكن ببغداد مثلها ، وحين تزوج دفع صداقا قدره 20 الف دينار .. ووهب له الخليفة المستنصر ليلة زفافه 100 الف دينار، وألحقه بأكابر الدولة ، ومنحه ضيعة كانت تدر له دخلا يزيد على 200 الف دينار سنويا.

    **- مجاهد الدويدار ، قيل عن أملاكه : إنها كانت "مما يتعذر ضبطه على الحساب".. وفى ليلة زفافه حصل على هدايامن الجواهر والذهب ما يزيد على 300 الف دينار ، وكان ايراده السنوي من مزارعه وأملاكه اكثر من 500 الف دينار، وكان ايراده السنوي من مزارعه اكثر من 500 الف دينار.

    ***- عبد الغني بن فاخر ، شيخ الفراشين فى قصر الخلافة ، كانت داره تشمل عدة حجرات ، وفى كل حجرة جارية وخادمة وخادم، ثم رتب لكل جارية عملا ، فواحدة لطعامه ، واخرى لشرابه ، واخرى لفراشه ، واخرى غسالة واخرى طباخة..



    4 ـ وفى المقابل كان أعظم العلماء وقتها لا يتقاضى احدهم اكثر من 12 دينار شهريا فحسب، وذلك هو المرتب الذى كان يأخذه علماء المدرسة المستنصرية ـ أعظم المعاهد العلمية فى ذلك العصر ـ وابن الفوطى وابن الساعي اشهر مؤرخى هذا العصر كان كلاهما يأخذ راتبا شهريا قدره عشرة دنانير !! فأين اولئك من شيخ الفراشين فى قصر الخلافة؟!

    وفى ذلك الوضع المقلوب لابد ان تكتمل الصورة الفاسدة المقيتة لأى امبراطورية فارسية أو بيزنطية أو رومانية او عباسية ، لابد ان تتفشى الرشوة وتكثر مصادرة الاموال وتتفاقم الاضطرابات الداخلية مع الانحلال الخلقى والانشغال بالتوافه عن الخطر الذى يدق الابواب.

    يقول الغساني صاحب كتاب "العسجد المسبوك" يصف السلطة العباسية فى أواخر أيامها (واهتموا بالاقطاعات و المكاسب ، وأهملوا النظر فى المصالح الكلية ، واشتغلوا بما لا يجوز من الأمور الدنيوية ، واشتد ظلم العمال – اى الولاة - واشتغلوا بتحصيل الاموال . و الملك قد يدوم مع الكفر ، ولكن لا يدوم مع الظلم).

    صدقت ياغساني : (الملك قد يدوم مع الكفر لكن لا يدوم مع الظلم)، فالقاعدة الالهية تقول "واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا" (سورة 17 / 16).أى أمرناهم بالعدل فردوا بالفسق والظلم والعصيان فنزلت بهم العقوبة الالهية بالتدمير، فلا يمكن ان يحل التدمير الا اذا استشرى الظلم، يقول تعالى ( وماكان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون) (11/ 117) . ولكن أمير المؤمنين المستعصم العباسي لم يستوعب الدرس ، ولم يعرف أن عقوبة الفساد مستمرة ، وإن تنوعت اساليبها..



    5 ـ وقد رأى الخليفة المستعصم بنفسه طرفا من ذلك قبل ان يقتله المغول رفسا بأقدامهم. يقول الهمذاني فى كتابه : "جامع التواريخ" ان هولاكو بعد ان اقتحم بغداد دخل قصر الخلافة وأشار باحضار الخليفة المستعصم فلما جىء به اليه قال له هولاكو متندرا: "أنت مضيف ونحن الضيوف فهيا احضر ما يليق بنا" فأحضر الخليفة المستعصم بالله وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس ، فلم يلتفت اليها هولاكو، ومنحها للحاضرين وقال للخليفة: "إن الأموال التى تملكها على وجه الأرض ظاهرة ، وهى ملك لعبيدنا ، لكن اذكر ما تملكة من الدفائن ما هى وأين توجد ؟"فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه ، وكان مليئا بسبائك من الذهب الاحمر تزن الواحدة مائة مثقال" . واستحق الخليفة المستعصم بالله احتقار هولاكو السفاح الدموى ، اذ تعجب هولاكو كيف يكون للخليفة كل هذه الكنور ثم يبخل على الجنود بأرزاقهم وهو فى أشد الحاجة لهم ؟!! ولم ينس هولاكو ان يذكر ذلك فى منشوره الذى ارسله الى حاكم دمشق ينذره بالتسليم ويخوفه من مصير الخليفة العباسي وماحدث لبغداد ، ويقول فيه بكل احتقار عن الخليفة المستعصم : "واستحضرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب ، فواقعه الندم ، و استوجب منا العدم ، وكان قد جمع ذخائر نفيسة وكانت نفسه خسيسة ، فجمع المال ولم يعبأ بالرجال .."

    وقد أورد المؤرخ المقريزي خطاب هولاكو بالتفصيل ..

    ونعود الى الهمذاني وهو يروى ذلك اللقاء بين هولاكو و الخليفة المستعصم فى قصر الخلافة فيقول :"إن هولاكو أمر باحصاء نساء الخليفة فبلغن سبعمائة زوجة وسرية و ألف خادمة.. وتضرع له الخليفة قائلا : منّ علىّ بأهل حرمي اللائي لم تطلع عليهن الشمس و القمر .."أى تضرع له أن يترك له نساءه اللواتى حبسهن فى قصوره بحيث لم تكن تراهن الشمس ولا يراهن القمر. وبالطبع فقد فرقهن هولاكو على جنده وقادته، بعد ان أمر جنوده بقتل الخليفة المستعصم رفسا بالأقدام لأنه عندهم أحقر من أن يقتلوه بالسيف كما يقتلون الرجال.



    6 ـ المضحك أن هذا الخليفة المستعصم كان قد اعترض قبل عشر سنوات على تولى شجرة الدر السلطنة فى مصر. كانت شجرة الدر ـ بعد موت زوجها الصالح أيوب ـ قد أخفت موته، وتعاونت مع المماليك البحرية والمماليك السلطانية فى مواجهة الحملة الفرنسية التى كان يقودها الملك ( القديس ) لويس التاسع. ومات السلطان الأيوبى الصالح أيوب فجأة أثناء استيلاء لويس التاسع على دمياط وزحفه جنوبا متجها الى القاهرة. أقيم معسكر لمواجهته عند مدينة المنصورة الحالية. أنتصر المماليك بقيادة شجرة الدر وأقطاى وأيبك وبيبرس وقطز على الحملة الفرنسية ، وأسروا لوبس التاسع وأبادوا جيشه، وبعثت شجرة الدر الى توران شاه تستقدمه الى مصر ليتولى عرش أبيه فجاء، ولكنه لم يحفظ الجميل لشجرة الدر والمماليك ، وبدأ يتآمر عليهم فقتلوه، وأتفق المماليك على تولية شجرة الدر اعترافا بمقدرتها السياسية قبل وبعد موت زوجها السلطان الصالح أيوب. وبويعت كأول وآخر سلطانة فى تاريخ المسلمين. تم لها الأمر إلا أن الخليفة المستعصم العباسى بعث لهم مستنكرا أن يولوا أمرهم إمرأة، وقال لهم ساخرا : إن لم يكن عندكم رجال فلنرسل لكم رجالا من عندنا. الخليفة الأحمق المأفون لم ير فى حياته سوى تلك المئات من النساء الحريم اللواتى لم تطلع عليهن شمس و لا قمر. حبسهن لمتعته الخاصة. ثم عجز عن حمايتهن وحماية ملكه وأسرته وخلافته ودولته وشعبه فمات رفسا بالأقدام ورحل غير مأسوف عليه الى مزبلة التاريخ العربى التى تتسع كل يوم حتى عصرنا السعيد. هذا بينما استطاعت شجرة الدر أن تحافظ على ملك زوجها وأن تنقذ شعبها وأن ترفع رأس قومها. والمحاربون المماليك الأبطال هم الذين عرفوا قدرها فجعلوها سلطانة عليهم ،ليس بالوراثة ولكن بالاستحقاق والجدارة. هذه الجدارة لم تكن فى ميدان الحرب فقط بل فى المفاوضات التى أجروها مع الملك الفرنسى الأسير والذى استنفدوا منه كل ما يستطيعون لاطلاق سراحه، كما يفعل كل منتصر صاحب حق. أما الخليفة العباسى الاحمق الذى جمع المال فما أغنى عنه ماله وما كسب.

    يقول الهمذاني : "وقصاري القول أن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون ، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل".أى إن المال السحت الذى سلبه الخلفاء العباسيون ظلما وعدوانا ـ وكان يسمونه عدة الخلافة ـ قد ورثه المغول أكواما وأطنانا من الذهب والجواهر. وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنور الذهبيةالتى ورثها هولاكو من الخليفة العباسي ، فإنه صهرها جميعا فى سبائك وأقام لها قلعة محكمة فى أذربيجان.



    7 ـ لقد كان هولاكو – ذلك الهمجي السفاح- يعتقد أن الله تعالى قد بعثه عقابا الاهيا للخلافة العباسية وأعوانهم من الحكام الظلمة فى المنطقة ، وحرص هولاكوعلى ابراز هذا المعني فى رسائله الى أولئك الحكام ، يقول فى رسالته الى حاكم دمشق : "إنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى ، وقتلنا فرسانها ، وهدمنا بنيانها ، وأسرنا سكانها.." ويقول فى رسالته الى السطان قطز فى مصر:" يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها..إنا نحن جند الله فى أرضه ، خلقنا من سخطه ، وسلطنا على من حل به غضبه..فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن كلام ، وخنتم العهود والايمان ، وفشا فيكم العقوق و العصيان، وقد ثبت عندكم انا نحن الكفرة ، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة". وربما استفاد قطز من هذه الرسالة ، فكفّ المماليك عن الظلم وتحلّى بالورع وهو يحارب المغول فى معركةعين جالوت. وحين أوشك جنوده على الفرار صرخ فيهم قطز:"وا اسلاماه" و ألقى بخوذته ونزل للمعركة بنفسه فاندفعوا وراءه، وكان الانتصار.



    8 ـ أساس انهيار الدول يبدأ من الداخل ، وقد يأتي تدخل خارجي ليعجل بالسقوط ولكن يظل الانهيار الداخلى هو الأساس.ويأتى الانهيار الداخلى حين تتكون طبقة مترفة تتحكم فى الثروة وفى السلطة فتنشر الظلم والفساد والانحلال وتحيل حياة الأكثرية الى جحيم تهون فيه الحياة، ويتضاءل معه الفوارق بين الموت والحياة.

    والقرآن الكريم يضع العلاج فى تشريعاته الاقتصادية التى تمنع تركز المال فى يد فئةقليلة ويأمر فى الوقت نفسه بالانفاق فى سبيل الله،بل يأتي الأمر أحيانا فى صورة التهديد كقوله تعالى : "وانفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين" (2/ 195) ومعناه انه اذا لم يكن هناك انفاق في سبيل الله فالتهلكة هى المصير. الانفاق فى سبيل الله يمنع تركز المال فى طبقة قليلة العدد يتحول ثراؤها الى ترف. ووجود المترفين فى أمة ما هو دائما قرين باهلاكها.الانفاق فى سبيل الله يذيب الفوارق بين الطبقات ويدعم الطبقة الوسطى ؛الفقير عنصر مستهلك بطبعه، يسارع بالشراء ليطفىء حاجته الى الطعام والضروريات، لذا يروج الشراء بوجود المال القليل فى أيدى ملايين الفقراء المحتاجين ،فيدور المال سريعا ليعود إلى المنتجين الأغنياء محملا بالأرباح، فإذا قام أولئك الأغنياء بتوزيع جزء آخرمن أرباحهم صدقات تاليةعلى المحتاجين فستتم سريعا دورة أخرى لرأس المال ، وهكذا تدور أسرع عجلة الانتاج ويتزايد الربح والتوظيف للعاطلين ويتحول المسكين الى فقير ويتحول الفقير الى قادر على الكسب وعلى شراء المزيد ،ويتحول القادر على الكسب الى وافد جديد على الطبقة المتوسطة فتنتعش ويعتدل بها ميزان المجتمع وأمنه ويستعيد بها عافيته. كل ذلك يتحقق بإعطاء الفقراء (حقوقهم)التى نصّ عليها القرآن الكريم.إنها (حقوق ) وليست تفضلا أو منّة أو تعطفا.وبهذه الحقوق يضمن المجتمع سلامته،ويأمن من تولد المترفين. فاذا سلب المجتمع حقوق الفقراء فإن المال يصبح (دولة بين الأغنياء ) بالتعبير القرآنى ( 59 / 7 ) أى يتداولونه بينهم فقط فتتركز فيهم الثروة والسلطة وتتضاءل أعدادهم وتتعاظم ثرواتهم وفسادهم وتسلطهم وتبذيرهم، بينما تتسع دائرة الفقروتتعاظم الفجوة بين قلة مترفة وأغلبية ساحقة جائعة محرومة . هنا لا مناص من أن ينهار المجتمع من الداخل . وقد تتشجع قوة خارجية بنذر الانهيار القادم فتأتى غازية لتنال نصيبا من خراب المجتمع الآيل للسقوط، فتعم الكارثة. هذا ما حذر منه القرآن الكريم وحدث كثيرا قبل الخلافة العباسية وبعدها ، وحدث فى العراق و فى غير العراق، ، ولكن لا يعتبر المسلمون.!!



    9 ـ إن الله تعالى قد هدد المسلمين فى عصر الرسول فقال لهم: "هأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " (47/ 38).

    إذا كان هذا خطابا مهددا للمسلمين فى عهد النبوة فكيف بالمسلمين فى عصرنا؟

    واذا كانت تلك هى نهاية المسعتصم العباسى فماهى نهاية أمثاله فى عصرنا؟

    وهل يصح بعدها أن نظل نلعن (هولاكو) وحده ؟!!
    رد مع اقتباس  
     

  12. #12 مصر 
    غير مسجل
    زائر
    ليس دفاعا .. عن هولاكو

    د. أحمد صبحى منصور





    1 ـ من بين عشرات السفاحين الذين أهلكوا الحرث و النسل يتمتع هولاكو بمكانة خاصة فى التاريخ الاسلامي والعربي ، فهو السفاح الذى اطاح بالدولة العباسبة والذى قتل فى بغداد سنة 656 هـ ما يقرب من 2 مليون نسمة. انه سجل دموي يستحق عليه هولاكو – بلا شك- كل اللعنات ، ولكن المسئولية لا يتحملها هولاكو وحده .. !



    2 ـ اللوم ينبغى أولا ان يوجه الى امير المؤمنين المستعصم بالله العباسي الذى حمل أمانة المسلمين ففرط فيها، والذى مازال بعضنا يذرف الدموع حزنا عليه وعلى الخلافة العباسية التى تمثل حتى الآن حلما من أحلام اليقظة لدى بعض الناس فى عصرنا.

    وقد وصفه المؤرخ ابن طباطبا بقوله : "كان مستضعف الرأى ضعيف البطش قليل الخبرة بالمملكة مطموعا فيه ، وكان زمانه ينقضي فى سماع الأغاني و التفرج على المساخر.. وكان اصحابه مستولين عليه ، وكلهم جهال من أراذل العوام".

    وقد يقال : ان المؤرخ ابن طباطبا كان شيعى المذهب ، يتحامل على الخليفة المستعصم المشهور بتعصبه لأهل السنة ، إلا أن مؤرخا سنيا موثوقا فيه مثل ابن كثير يتفق مع ابن طباطبا فى رأيه، يقول عن الخليفة المستعصم بالله : " كان محبا لجمع المال ، ومن ذلك أنه استحل الوديعة التى استودعها اياه الناصر داود المعظم ، وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار ، فاستقبح هذا من مثل الخليفة". أى أن الخليفة مع كل ما يملك من أموال خان الأمانة المالية التى استحفظه عليها الناصر داود الأيوبى، فأخذها لنفسه.

    وأدى نهم الخليفة بالمال وحرصه عليه الى ان عرض الخلافة للخطر حين هددها المغول ، اذ انه قطع عن الجنود ارزاقهم فى وقت هو احوج ما يكون اليهم فيه؛ يقول ابن كثير انه " صرف الجيوش ومنع عنهم ارزاقهم حتى كانوا يتسولون على ابواب المساجد وفى الاسواق وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الاسلام وأهله ".



    3 ـ على ان شح الخليفة المستعصم بالاموال على الجند فى وقت حاجته لهم يقابله فى الناحية الاخرى اسرافه الشديد فى الانفاق على خدمه واتباعه من الظلمة الذين يأكلون أموال الناس ، وكان أولئك الخدم من الجهال واراذل العامة و المماليك الذين صعد بهم الزمن الردئ ، فى عصر انحلال الدولة العباسية ، فاحتكروا الثروة بينما عاش العلماء والاشراف يتضورون جوعا. ولنضرب أمثلة تاريخية على ما جرى فى اواخر الدولة العباسية ، حين أغدقت الأموال على الخدم فأصبحوا أعجوبة فى الثراء ، ومنهم :

    *- علاء الدين الطيبرسي الظاهرى ، كان دخله من أملاكه نحو 300 ألف دينار، وكانت له دار لم يكن ببغداد مثلها ، وحين تزوج دفع صداقا قدره 20 الف دينار .. ووهب له الخليفة المستنصر ليلة زفافه 100 الف دينار، وألحقه بأكابر الدولة ، ومنحه ضيعة كانت تدر له دخلا يزيد على 200 الف دينار سنويا.

    **- مجاهد الدويدار ، قيل عن أملاكه : إنها كانت "مما يتعذر ضبطه على الحساب".. وفى ليلة زفافه حصل على هدايامن الجواهر والذهب ما يزيد على 300 الف دينار ، وكان ايراده السنوي من مزارعه وأملاكه اكثر من 500 الف دينار، وكان ايراده السنوي من مزارعه اكثر من 500 الف دينار.

    ***- عبد الغني بن فاخر ، شيخ الفراشين فى قصر الخلافة ، كانت داره تشمل عدة حجرات ، وفى كل حجرة جارية وخادمة وخادم، ثم رتب لكل جارية عملا ، فواحدة لطعامه ، واخرى لشرابه ، واخرى لفراشه ، واخرى غسالة واخرى طباخة..



    4 ـ وفى المقابل كان أعظم العلماء وقتها لا يتقاضى احدهم اكثر من 12 دينار شهريا فحسب، وذلك هو المرتب الذى كان يأخذه علماء المدرسة المستنصرية ـ أعظم المعاهد العلمية فى ذلك العصر ـ وابن الفوطى وابن الساعي اشهر مؤرخى هذا العصر كان كلاهما يأخذ راتبا شهريا قدره عشرة دنانير !! فأين اولئك من شيخ الفراشين فى قصر الخلافة؟!

    وفى ذلك الوضع المقلوب لابد ان تكتمل الصورة الفاسدة المقيتة لأى امبراطورية فارسية أو بيزنطية أو رومانية او عباسية ، لابد ان تتفشى الرشوة وتكثر مصادرة الاموال وتتفاقم الاضطرابات الداخلية مع الانحلال الخلقى والانشغال بالتوافه عن الخطر الذى يدق الابواب.

    يقول الغساني صاحب كتاب "العسجد المسبوك" يصف السلطة العباسية فى أواخر أيامها (واهتموا بالاقطاعات و المكاسب ، وأهملوا النظر فى المصالح الكلية ، واشتغلوا بما لا يجوز من الأمور الدنيوية ، واشتد ظلم العمال – اى الولاة - واشتغلوا بتحصيل الاموال . و الملك قد يدوم مع الكفر ، ولكن لا يدوم مع الظلم).

    صدقت ياغساني : (الملك قد يدوم مع الكفر لكن لا يدوم مع الظلم)، فالقاعدة الالهية تقول "واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا" (سورة 17 / 16).أى أمرناهم بالعدل فردوا بالفسق والظلم والعصيان فنزلت بهم العقوبة الالهية بالتدمير، فلا يمكن ان يحل التدمير الا اذا استشرى الظلم، يقول تعالى ( وماكان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون) (11/ 117) . ولكن أمير المؤمنين المستعصم العباسي لم يستوعب الدرس ، ولم يعرف أن عقوبة الفساد مستمرة ، وإن تنوعت اساليبها..



    5 ـ وقد رأى الخليفة المستعصم بنفسه طرفا من ذلك قبل ان يقتله المغول رفسا بأقدامهم. يقول الهمذاني فى كتابه : "جامع التواريخ" ان هولاكو بعد ان اقتحم بغداد دخل قصر الخلافة وأشار باحضار الخليفة المستعصم فلما جىء به اليه قال له هولاكو متندرا: "أنت مضيف ونحن الضيوف فهيا احضر ما يليق بنا" فأحضر الخليفة المستعصم بالله وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس ، فلم يلتفت اليها هولاكو، ومنحها للحاضرين وقال للخليفة: "إن الأموال التى تملكها على وجه الأرض ظاهرة ، وهى ملك لعبيدنا ، لكن اذكر ما تملكة من الدفائن ما هى وأين توجد ؟"فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه ، وكان مليئا بسبائك من الذهب الاحمر تزن الواحدة مائة مثقال" . واستحق الخليفة المستعصم بالله احتقار هولاكو السفاح الدموى ، اذ تعجب هولاكو كيف يكون للخليفة كل هذه الكنور ثم يبخل على الجنود بأرزاقهم وهو فى أشد الحاجة لهم ؟!! ولم ينس هولاكو ان يذكر ذلك فى منشوره الذى ارسله الى حاكم دمشق ينذره بالتسليم ويخوفه من مصير الخليفة العباسي وماحدث لبغداد ، ويقول فيه بكل احتقار عن الخليفة المستعصم : "واستحضرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب ، فواقعه الندم ، و استوجب منا العدم ، وكان قد جمع ذخائر نفيسة وكانت نفسه خسيسة ، فجمع المال ولم يعبأ بالرجال .."

    وقد أورد المؤرخ المقريزي خطاب هولاكو بالتفصيل ..

    ونعود الى الهمذاني وهو يروى ذلك اللقاء بين هولاكو و الخليفة المستعصم فى قصر الخلافة فيقول :"إن هولاكو أمر باحصاء نساء الخليفة فبلغن سبعمائة زوجة وسرية و ألف خادمة.. وتضرع له الخليفة قائلا : منّ علىّ بأهل حرمي اللائي لم تطلع عليهن الشمس و القمر .."أى تضرع له أن يترك له نساءه اللواتى حبسهن فى قصوره بحيث لم تكن تراهن الشمس ولا يراهن القمر. وبالطبع فقد فرقهن هولاكو على جنده وقادته، بعد ان أمر جنوده بقتل الخليفة المستعصم رفسا بالأقدام لأنه عندهم أحقر من أن يقتلوه بالسيف كما يقتلون الرجال.



    6 ـ المضحك أن هذا الخليفة المستعصم كان قد اعترض قبل عشر سنوات على تولى شجرة الدر السلطنة فى مصر. كانت شجرة الدر ـ بعد موت زوجها الصالح أيوب ـ قد أخفت موته، وتعاونت مع المماليك البحرية والمماليك السلطانية فى مواجهة الحملة الفرنسية التى كان يقودها الملك ( القديس ) لويس التاسع. ومات السلطان الأيوبى الصالح أيوب فجأة أثناء استيلاء لويس التاسع على دمياط وزحفه جنوبا متجها الى القاهرة. أقيم معسكر لمواجهته عند مدينة المنصورة الحالية. أنتصر المماليك بقيادة شجرة الدر وأقطاى وأيبك وبيبرس وقطز على الحملة الفرنسية ، وأسروا لوبس التاسع وأبادوا جيشه، وبعثت شجرة الدر الى توران شاه تستقدمه الى مصر ليتولى عرش أبيه فجاء، ولكنه لم يحفظ الجميل لشجرة الدر والمماليك ، وبدأ يتآمر عليهم فقتلوه، وأتفق المماليك على تولية شجرة الدر اعترافا بمقدرتها السياسية قبل وبعد موت زوجها السلطان الصالح أيوب. وبويعت كأول وآخر سلطانة فى تاريخ المسلمين. تم لها الأمر إلا أن الخليفة المستعصم العباسى بعث لهم مستنكرا أن يولوا أمرهم إمرأة، وقال لهم ساخرا : إن لم يكن عندكم رجال فلنرسل لكم رجالا من عندنا. الخليفة الأحمق المأفون لم ير فى حياته سوى تلك المئات من النساء الحريم اللواتى لم تطلع عليهن شمس و لا قمر. حبسهن لمتعته الخاصة. ثم عجز عن حمايتهن وحماية ملكه وأسرته وخلافته ودولته وشعبه فمات رفسا بالأقدام ورحل غير مأسوف عليه الى مزبلة التاريخ العربى التى تتسع كل يوم حتى عصرنا السعيد. هذا بينما استطاعت شجرة الدر أن تحافظ على ملك زوجها وأن تنقذ شعبها وأن ترفع رأس قومها. والمحاربون المماليك الأبطال هم الذين عرفوا قدرها فجعلوها سلطانة عليهم ،ليس بالوراثة ولكن بالاستحقاق والجدارة. هذه الجدارة لم تكن فى ميدان الحرب فقط بل فى المفاوضات التى أجروها مع الملك الفرنسى الأسير والذى استنفدوا منه كل ما يستطيعون لاطلاق سراحه، كما يفعل كل منتصر صاحب حق. أما الخليفة العباسى الاحمق الذى جمع المال فما أغنى عنه ماله وما كسب.

    يقول الهمذاني : "وقصاري القول أن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون ، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل".أى إن المال السحت الذى سلبه الخلفاء العباسيون ظلما وعدوانا ـ وكان يسمونه عدة الخلافة ـ قد ورثه المغول أكواما وأطنانا من الذهب والجواهر. وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنور الذهبيةالتى ورثها هولاكو من الخليفة العباسي ، فإنه صهرها جميعا فى سبائك وأقام لها قلعة محكمة فى أذربيجان.



    7 ـ لقد كان هولاكو – ذلك الهمجي السفاح- يعتقد أن الله تعالى قد بعثه عقابا الاهيا للخلافة العباسية وأعوانهم من الحكام الظلمة فى المنطقة ، وحرص هولاكوعلى ابراز هذا المعني فى رسائله الى أولئك الحكام ، يقول فى رسالته الى حاكم دمشق : "إنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى ، وقتلنا فرسانها ، وهدمنا بنيانها ، وأسرنا سكانها.." ويقول فى رسالته الى السطان قطز فى مصر:" يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها..إنا نحن جند الله فى أرضه ، خلقنا من سخطه ، وسلطنا على من حل به غضبه..فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن كلام ، وخنتم العهود والايمان ، وفشا فيكم العقوق و العصيان، وقد ثبت عندكم انا نحن الكفرة ، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة". وربما استفاد قطز من هذه الرسالة ، فكفّ المماليك عن الظلم وتحلّى بالورع وهو يحارب المغول فى معركةعين جالوت. وحين أوشك جنوده على الفرار صرخ فيهم قطز:"وا اسلاماه" و ألقى بخوذته ونزل للمعركة بنفسه فاندفعوا وراءه، وكان الانتصار.



    8 ـ أساس انهيار الدول يبدأ من الداخل ، وقد يأتي تدخل خارجي ليعجل بالسقوط ولكن يظل الانهيار الداخلى هو الأساس.ويأتى الانهيار الداخلى حين تتكون طبقة مترفة تتحكم فى الثروة وفى السلطة فتنشر الظلم والفساد والانحلال وتحيل حياة الأكثرية الى جحيم تهون فيه الحياة، ويتضاءل معه الفوارق بين الموت والحياة.

    والقرآن الكريم يضع العلاج فى تشريعاته الاقتصادية التى تمنع تركز المال فى يد فئةقليلة ويأمر فى الوقت نفسه بالانفاق فى سبيل الله،بل يأتي الأمر أحيانا فى صورة التهديد كقوله تعالى : "وانفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين" (2/ 195) ومعناه انه اذا لم يكن هناك انفاق في سبيل الله فالتهلكة هى المصير. الانفاق فى سبيل الله يمنع تركز المال فى طبقة قليلة العدد يتحول ثراؤها الى ترف. ووجود المترفين فى أمة ما هو دائما قرين باهلاكها.الانفاق فى سبيل الله يذيب الفوارق بين الطبقات ويدعم الطبقة الوسطى ؛الفقير عنصر مستهلك بطبعه، يسارع بالشراء ليطفىء حاجته الى الطعام والضروريات، لذا يروج الشراء بوجود المال القليل فى أيدى ملايين الفقراء المحتاجين ،فيدور المال سريعا ليعود إلى المنتجين الأغنياء محملا بالأرباح، فإذا قام أولئك الأغنياء بتوزيع جزء آخرمن أرباحهم صدقات تاليةعلى المحتاجين فستتم سريعا دورة أخرى لرأس المال ، وهكذا تدور أسرع عجلة الانتاج ويتزايد الربح والتوظيف للعاطلين ويتحول المسكين الى فقير ويتحول الفقير الى قادر على الكسب وعلى شراء المزيد ،ويتحول القادر على الكسب الى وافد جديد على الطبقة المتوسطة فتنتعش ويعتدل بها ميزان المجتمع وأمنه ويستعيد بها عافيته. كل ذلك يتحقق بإعطاء الفقراء (حقوقهم)التى نصّ عليها القرآن الكريم.إنها (حقوق ) وليست تفضلا أو منّة أو تعطفا.وبهذه الحقوق يضمن المجتمع سلامته،ويأمن من تولد المترفين. فاذا سلب المجتمع حقوق الفقراء فإن المال يصبح (دولة بين الأغنياء ) بالتعبير القرآنى ( 59 / 7 ) أى يتداولونه بينهم فقط فتتركز فيهم الثروة والسلطة وتتضاءل أعدادهم وتتعاظم ثرواتهم وفسادهم وتسلطهم وتبذيرهم، بينما تتسع دائرة الفقروتتعاظم الفجوة بين قلة مترفة وأغلبية ساحقة جائعة محرومة . هنا لا مناص من أن ينهار المجتمع من الداخل . وقد تتشجع قوة خارجية بنذر الانهيار القادم فتأتى غازية لتنال نصيبا من خراب المجتمع الآيل للسقوط، فتعم الكارثة. هذا ما حذر منه القرآن الكريم وحدث كثيرا قبل الخلافة العباسية وبعدها ، وحدث فى العراق و فى غير العراق، ، ولكن لا يعتبر المسلمون.!!



    9 ـ إن الله تعالى قد هدد المسلمين فى عصر الرسول فقال لهم: "هأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " (47/ 38).

    إذا كان هذا خطابا مهددا للمسلمين فى عهد النبوة فكيف بالمسلمين فى عصرنا؟

    واذا كانت تلك هى نهاية المسعتصم العباسى فماهى نهاية أمثاله فى عصرنا؟

    وهل يصح بعدها أن نظل نلعن (هولاكو) وحده ؟!!



    للتعليق على الموضوع
    رد مع اقتباس  
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •