سلام الله عليك أخي الكريم
زاهر
ورحمته تعالى وبركاته
وبعد...
لك مني في البدء جزيل الشكر على المبادرة إلى طرق باب هذا اللقاء الحواري المفتوح لجميع أهل المربد الأزاهر، ولك منتهى التقدير على كريم المتابعة، وجميل الإهتمام...
من البديع المفيد أن تخلص مداخلتك حول السؤال الأول إلى السؤال التالي:
ماذا فعل علماؤنا اليوم أمام هذا الكم الهائل والثري من التراث؟
لا أخفيك أخي زاهر مدى ألمي الشديد عندما أرى أبناء البلاد العربية الإسلامية - إلا من رحم الله وهداه إلى سواء السبيل - ينظرون شزرا إلى اللسان العربي، ولا يقدرونه حق قدره، فلا يسعني إلا أن أقول، والحال على ما هي اليوم عليه من حال: يا حسرة على أكثر أبناء العرب المسلمين.
تراهم يتهافتون بنهم على الحرف الأجنبي الدخيل، ويجهدون أنفسهم منتهى الإجهاد في سبيل النطق به سليم المخرج، في حين تجدهم قد هجروا الحرف العربي، فلا يقيمون له وزنا، بل ويعيبونه ويحقرونه بجهل أو عن قصد، وذلك للأسف مبلغهم من العلم...
ألم يعلموا بأنهم يعيبون لسانهم العربي، والعيب فيهم، وما للسانهم عيب سواهم؟
أما عن علماء اللغة العربية المحدثين، فما زال أمامهم الكثير الكثير مما يجب فعله للوفاء بحقوق اللسان العربي المبين، الذي أنزل الله جل وعلا به القرآن الكريم، ويكفي أن نستحضر في هذا المقام ابن منظور الأفريقي ومعجمه الجوهرة "لسان العرب"، وابن جني في مصنفه اللؤلؤة "الخصائص"...
يكفي أن نعلم أن ثمة الكثير من المصنفات في موضوع اللغة العربية لا تزال مخطوطة غير محققة ومطبوعة إلى يومنا هذا، وأرى أن أهل العلم المهتمين باللسان العربي، في الظرف المعاصر، هم في حاجة إلى العمل بروح هذين البيتين الشعريين لأبي الطيب المتنبي، إذ يقول:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم*
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها*
وتصغر في عين العظيم العظائم
وبالمناسبة أرى أن أهديك في هذا المقام منتهى ما أراه من رأي في هذا الباب، وذلك من خلال أبيات شعرية لحافظ إبراهيم رحمه الله تعالى في قصيدته الشهيرة عن اللغة العربية، إذ قال على لسان لغة الضاد:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي*
وناديت قومي فاحتسبت حياتي

رموني بعقم في الشباب وليتني*
عقمت فلم أجزع لقول عداتي

وَلَـدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِـدْ لِعَـرَائِسِـي*
رِجَـالاً وَأَكْـفَـاءً وَأَدْتُ بَنَـاتِـي

وسعت كتاب الله لفظا وغاية*
وما ضقت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة*
وتنسيق أسماء لمخترعات

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني*
ومنكم وإن عز الرفيق أساتي

أنا البحر في أحشائه الدر كامن*
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟

فـلاَ تَـكِلُـونِي للـزَّمَـانِ فَـإِنَّنِي*
أَخَـافُ عَلَيْكُـمْ أَنْ تَـحِيْنَ وَفَـاتِي

أَرَى لِرِجَـالِ الغَـرْبِ عِـزّاً وَمِنْعَـةً*
وَكَـمْ عَـزَّ أَقْـوَامٌ بِـعِـزِّ لُغَـاتِ

أَتَـوا أَهْلَـهُمْ بِـالمُعْجِـزَاتِ تَفَنُّنـاً*
فَيَـا لَيْتَكُـمْ تَـأْتُـونَ بِالكَلِمَـاتِ

أَيَطْرِبُكُـمْ مِنْ جَانِبِ الغَـرْبِ نَاعِبٌ*
يُنَـادِي بِـوَأدِي فِي رَبِيعِ حَيَـاتِي

وَلَوْ تَزْجِـرُونَ الطَّيْـرَ يَوْماً عَلِمْتُـمْ*
بِمَـا تَحْتَـهُ مِـنْ عَثْـرَةٍ وَشَـتَاتِ

سَقَـى اللهُ فِي بَطْنِ الجَـزِيرَةِ أَعْظُـماً*
يَعِـزُّ عَـلَيْـهَا أَنْ تَـلِيْـنَ قَنَـاتِي

حَـفَظْـنَ وَدَادِي فِــي البِـلَـى*
وَحَفِظْتُـهُ لَهُنَّ بِقَلْبٍ دَائِمِ الحَسْـرَاتِ

وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ وَالشَّرْقِ مُطْـرقٌ*
حَيَـاءً بِتِـلْكَ الأَعْظُـمِ النَّخِـرَاتِ
وأنتهي بدوري إلى السؤال التالي:
ترى هل خلص العلماء العرب المحدثون، ونحن في مستهل القرن الواحد والعشرين، اللغة العربية من هذا الأذى، ودفعوا عنها هذا الحيف؟
حياك الله

د. أبو شامة المغربي