هل ثمة من علاقة جوهرية عميقة بين تشكيل القصيدة العربية ومحتواها؟
أبو شامة المغربي
بالتأكيد هناك علاقة بين مضمون القصيدة وتشكيلها، فمضمون أي قصيدة يحتاج لشكل خاص به، لكي يعبر عما هو مطلوب منها، ويندرج تحت ذلك مناسبة الألفاظ والتراكيب لغرض الشاعر، ولبيئة القصيدة، فمثلاً: قصائد الصحراء تختلف عن قصائد البساتين، وكذا قصائد المدن تختلف عن قصائد الأرياف، فمدلولات النص غالباً تكون بنت البيئة.
وأما الوزن، فهو يتغير من غرض لآخر، فقصائد الفخر والحماسة تختلف عن قصائد الغزل والمديح، وكذا قصائد الهجاء.
ففي حين تستخدم الأوزان السريعة بفاعلية أكبر في أغراض الفخر والحماسة، فإن الأوزان الطويلة الهادئة تكون أكثر مناسبة في قصائد الوصف والغزل، وبالتالي:
فلكل قصيدة تشكيل خاص بها يكون أكثر جمالاً وكمالاً عندما بناسب هدفها وبيئتها، وهنا سأسوق هذين المثالين من أشعاري لعل فيهما الفائدة:
الأول:
قصيدة في الذب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، نظمتها أثناء الحملة الشرسة، التي شنها الغرب الكافر في الإساءة لرسول الهدى بالصور المقيتة، وشاركت بها في أكثر من محفل، وقد فازت بأكثر من جائزة، وتم ترشيحها لكي تكون في كتاب مركز البابطين الخاص بالدفاع عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي كما ترون، سريعة غاضبة، لكي تناسب غرضي منها عنوانها:
محمد خير البشر
للمصطفى اِنشقَّ القمرْ
ولصوته حنَّ الشجرْ
يا سيدي، يا سيدي
وهواكَ قلبي قدْ فطرْ
باللهِ، ثُمَّ، مُحمدٍ
في القلبِ إيمانٌ وقرْ
ملكَ الرسولُ حُشاشتي
في الروحِ أوغلَ واِستقرْ
فهو النبيُّ مؤيدٌ
باللهِ مَنْ وثقَ إِنتصرْ
وهو الشفيعُ لِمَنْ على
دينِ الأمينِ قدْ اِنْحشرْ
أهداهُ ربِّي رحمةً
للناسِ أَندى مِنْ مَطرْ
للعالمينَ مُحرِّراً
جادتْ بهِ كفُّ القدرْ
هبةُ الرحيمِ، و دُرَّةٌ
بشرٌ، و ليس كما البشرْ
ملكَ القلوبَ محبَّةً
والماء مِنْ يدهِ إنْفجرْ
دانتْ لهُ أيامُنا
بالأمْنِ مِنْ بعدِ الخطرْ
والمعجزاتُ تَسخَّرتْ
لقدومِهِ لمَّا حَضرْ
قُرآنُهُ إعجازُ مَنْ
سخروا ومَنْ قالوا: (ابتكرْ)
في الغارِ يعبدُ ربَّهُ
والوحيُ يهْبطُ بالدُّررْ
ناداهُ ربُّ الذَّاريا
ت، على بُراقٍ في السَّحرْ
وبِسَدْرَةٍ في المُنْتهى:
أبشرْ، فربُّكَ قَدْ غَفَرْ
يا خاتمَ الرُّسل الذي
دحرَ الظلامَ وما اندحرْ
نفديكَ أنتَ مؤيدٌ
واللهُ أَقسمَ أنْ يَبَرْ
وعَدَ الإِلَهُ بِنُصْرَةٍ
وبأنَّ شانئكَ اِنْبترْ
يا ربَّ أنت حسيبُهمْ
أَوغادُ غربٍ قدْ كَفَرْ
هزؤوا بنورِ مُحمدٍ
خيرِ البرايا والبشرْ
حاشاهُ أنْ يَهزا بهِ
حقدُ الرُّسومِ أو الصُّورْ
لكَ سيدي مِنْ أُمَّةِ ال
إسلامِ قَوسٌ قَدْ وَتَرْ
وفداؤكَ الأرواح غض
بى و اللَّهيبُ قَد اِستَعَرْ
مّنْ يَخْذلونَكَ وَيحهمْ
يومَ القيامةِ في سقرْ
يا ربُّ مَنْ هزؤوا بهِ
لا تُبْقِ مِنْهُمْ أو تذرْ
مَكروا وربُّكَ شاهدٌ
واللهُ أَكبرُ مَنْ مَكَرْ
والثانية:
قصيدة كتبتها حزناً على حالنا، وما آلت إليه أوضاعنا، وهي موزونة على بحر جديد (ليس من بحور الخليل)، وستجدون أن وزنها البطيء وبحرها الطويل يناسب غرض الحزن والحسرة:
كانتْ صدورُ مجالسِ الأيامِ موضعَنا
والناسُ تعرفنا، إذا ما جلجلَ الفكرُ
والسيفُ قبضتُنا ونحو الحقِّ غايتُنا
واللهُ أكرمنا بإسلامٍ بهِ النصرُ
دانتْ لنا أممٌ على مرِّ الزمانِ فلا
بطشُ لنا ظُلماً، ولا طبعٌ لنا الغدرُ
بالعلمِ نهضتُنا وبالرحمنِ إيمانٌ
والدينُ وحَّدنا، وفي قرآنِنا الطهرُ
حتى تناسيناه لما صارَت الدنيا
حظَّاً لأنفسِنا لهُ نسعى وننْجَرُّ
والناسُ قدْ طمعتْ بنا والكلُّ مُنشغِلٌ
بالحلمِ والآمالِ والأهواءِ يجْتَرُّ
والغزوُ أنهكنا فلمْ يسطعْ لنا نجمٌ
منْ بعد فرقتنا ولم يبزغْ لنا فجرُ
والخيرُ في أرضِ العروبةِ بات محتبساً
والدوحُ بعد زهورهِ قد ضرَّهُ القفرَ
كَرْمٌ زرعناهَ زهتْ فيهِ عناقيدٌ
والحبُّ بعدَ نضوجِهِ قد راقَهُ العصرُ
حتى عصرناهُ فصارتْ منهَُ خمرتُنا
خِلْنا بها نلهو، وكمْ لعبتْ بنا الخمرُ
دارتْ بنا الدنيا فهلْ للذلِّ مسكنُنا؟؟
للذلِّ بعدَ القمةِ الشماءَ؟؟ يا نسرُ!!
الدكتور
هزاع