وقفة صفاء تستهوي الروح لتضبط خفقة الصدر !!...

جبين السماء يتفصد بالظلام , ويرسل خيوطا تتندى من دنيا زينة المصابيح بنور يشع ضياؤه من قلب الإيمان , ونفس الصدق ...

مع هذه المعاني السامية أحس وكأنني لابد من السير وراء خيوط هذا الضياء الساكن, لأفرغ هذا التصوير الأثري في إناء الحقيقة لهذا القلب الهائم المتألم !!...

كل ماحولي الآن يوحي بقطعة مناجاة ارتعدت فرائصها من خشية الله , وما رأيت إلا أن استهل حلاوة هذا الإيمان الفطري , وأخطّه بلسان الطفولة البريئة , وهي تتهادى مع جمال الطبيعة, وتشدو مع أنغام الطيور...

يا لها من لحظة رهيبة !!...
ما إن تسكن الروح حتى تستبدّ وتستحوذ على بعضها بعضا ...
تنضج من قلب معانيها منزلة الأصول والضوابط التي لا يمكن أن تفيض إلاّ من نبض الأخلاق , وحلاوة الإيمان , ليعقد على لسان القلب منزلة الأصول والضوابط لقواعد الحياة , وهو يأمل أن يحيا في رحاب ظلال وارف جمال صفاء رونق روحها ...
أحسّ وكأنني طفلة ترنو أن تعود إلى أحضان أمها , وتسترد العطف والحنان من صدر حبها...
وإذ بالأفكار النيرة تعدو مسرعة إلى القلب , فيسترسل منها قوة الخلق والإبداع , ويدير الإنشاء من بلاغة صفاء النفس, وصدق الكلم!!...
كل علوم الوحي تدور من ملكة الفطرة , طالما وجدت فيها مصنع سحر يستهوي طبيعة الروح , ويضبط نسبة خفقة الصدر...

تنتشر أنفاس العمر مابين نجم الليل, وبكرة الفجر, ولم أرَ في القلب سوى كتاب صدق متلهف يأمل أن يملأ صفحاته من نور الإيمان , وصفاء الصدق...

العين تجهش بالبكاء لتسفح دمعتها على الأرض وتُخرج من شطئها نجوى روح بدأت تشعر بأنها قد ازدادت رونقا وضياء مع هذا الطهر السماوي الذي لن يقابله الله إلا بالجود , والإحسان , والكرم ...

مع كل ليلة أسأل الله أن أحيا مع سبحات التضرع, والتذلل , والتوسل إلى من هو أرحم من في الخلق , وتأمل الروح أن لا تجفّ دمعة الصدق , وتفقد مابين جنبيها حين طلوع الفجر ...

الروح تتصفّح عقل قلبها , وهي تأمل أن تصل إلى منزلة تقوى وصفاء الأنبياء , فلا تجد سوى ضعف قلب يرفع صوت روحه , ودعوة تضرعه واستغاثته بأن يكشف الله عن حدة بلائه, ويزيده من الفهم , والعلم , والتدّبر...

روح صافية تود أن يعود إليها الطهر, والضياء , والصفاء بعودتها إلى الأصل الصادق للفطرة التي فطرها عليها رب الخلق !!...

روح مؤمنة على يقين أنها بعودتها إلى الفطرة الكامنة في أعماقها - ودعواها أن يتولاها الله بسعة رحمته , وعفو قدرته , ورجاء مغفرته – بأنّ الله لن يدعها , ولن يردها خائبة منكسرة عما هي في حال دنيا هذا القلب المنكسر !!...

روح تواقة ترجو أن يرعاها الله ويأخذ بيديها , ويحميها من مراتع الذنب والإثم, ويصلح من فساد القلب ملكوت السماوات والأرض !!...

روح ذليلة أمام الله تسأله أن يمهد لها طريق الصواب والحق , ويبعد عن هامشها زيغ البصر , ويلهمها حقيقة ما يجري في الصدر!!...

روح حالمة مع ملكوت الخلق , وتدعوه أن يقف بجانبها, ويشّد من أزرها , ويعينها على ثبات الإيمان في القلب!!!...

روح تصحو من الحلم وكأنها مع الحقيقة الإلهية التي تنبض بالعطاء والإحسان , ولا تجد بين جنبيها إلا روحا بشرية نقية الصفاء, والإيمان , والطهر!!...

روح كريمة أكرمها الله وخلقها في أحسن تقويم ,فلا تجد إلا قولا واحدا يجري على لسان القلب ...
رحماك يا الله !!! ..
رحماك !!!..
رحماك يا الله !!..
رحماك يا الله من هذا الصراع الذي لازال يسكن في القلب!!...
الليل أدبر , والنهار أقبل مع صحوة هذا الحلم , لتعود النفس مرة أخرى إلى ما هي عليه من حال الألم والعذاب مع خفقة الصدر .....
إنسانية القلب بكل ما فيها من معاني رفيعة ,وقيم عالية لا تود أن تجتث أصول قواعدها من الصدر ...
أمر عسير أصيبت به النفس , أحاول أن أكسوه بألفاظ القيم , وأملأه نغما من حروف مبادئ الأخلاق ليسيل المداد على قلب الصفحة من رقرقة سيلان مجرى دمع الألم ...
أسئلة جمة تراود النفس , ويحسن لها السكوت عند الجواب ..
أجل!!...
لم أجد معها إلاّ تسامحا ينبجس من القلب , ودمعاً جارياً يأمل أن يغسل أدران الإثم لتصعد الروح بطهرها , وجروح عاطفتها , وتسترسل طريق الدعاء , والتضرع عسى الله أن يتدارك إنسانية القلب برحمته , وعفو مغفرته...

جهاد شاقّ يدور حول دائرة النفس , وعذاب صامت لا زال جاثماً في الصدر , وألم عميق يجيش في الأعماق , كل ّهذا لا ينطوي إلا عن ضعف طبيعة هذا المخلوق البشري ...
عنصر حياة قضت الضرورة أن يُحمل في النفس ,
سواء كانت كارهة أم راضية ..
يمتزج ما بين الخطأ والصواب لتبقى الكلمة الصريحة الواضحة
ما وراء حجاب هذا العمر .....
إنه بكلّ معنى من معاني الحياة إنسانٌ أرضيّ , ترفعه الملائكة إلى آفاق السماء فينثر أوراق روحه الطيّبة , وفطرته العطرة ليتنّزه بدعوته إلى الله عن دنايا الأرض , وملاذها من خلال إحساسه العميق بصحة الإيمان , وقوّة النفس , وبرّ الصدق...

وتارة أخرى يرسل نظرة إلى الأرض ويعتريه شوقا إلى لقاء آمال دنياه , وإذ بروحه مقبلة تنساب منها معاني اللذة , ومتعة شهوة حبّ الحياة على ظهر الأرض ...
حركة من حركات القدر المكتوبة إذا ما حاولت أن تقف عن مسيرة متعة الحياة , فلابد من أن تفتح لها قبرا على مفرق الطرق...

النفس في أكثر معانيها تتألّم وتتلوى ما بين عظمة , وصغر هوى القلب , وتطرح في لجّة العذاب والألم ...
قلب والله إنساني متألم .. يتلقى حكمة عالية من طلعة الوحي , ولا يعدو إلا أن ينهل غذاءه من مشرب جمال , وفتنة الأرض...
مابين الحقيقة والوهم يستقبل شمس الفجر , ليست هذه فلتة عارضة , بل حكمة كامنة في عالم الغيب..

القوّة والضعف تمر بمواقف عصيبة , وأزمات عنيفة لتضطرب أمورها حينا , وتستقيم حينا آخر ..
تردعها من هنا , لتفسد من هناك...
تدفعها بلين إلى الفطرة السليمة , لتردها بقسوة إلى فساد القيم....
تتطاول فروعها وتتشابك مع قسوة ظرفها , وتحاول أن تغالب الآفات قبل أن ترتكس في حمأة الشهوات والملذات ...

حائرة مسكينة تلك النفس..
حائرة من أمر إنسانيتها , وفطرة ذاتها , وشقوة روحها..

ليس أمامها إلاّ أن تقف أمام ثقة بارئ الكون , وتستقي تعاليمها من منهج الخلق , وتدعو الله أن لا يكسرها , ولا يحطّمها , وأن يكشف لها قوام الطريق الحق..
يا الله !!..
مشيئتك مطلقة , وإرادتك مدبرة فارحمني برحمتك , وخذ بناصيتي , وأسباب علتي , وإنسانية قلبي , وقوّة ضعف نفسي ......
يا الله !!..
أسألك أن تقبل مني دعوة صدق الروح والقلب , وأن تبعد عني
ما أنا فيه من الضعف...

تلك هي حقيقة خالصة قد صنعت من ثقل الحياة وآلامها, واختلطت
ما بين الحياة والموت , لتخوض معركتها مع إنسان الأرض , وتلتقي معه بروح الجزع والخوف والاطمئنان , وأنفاس الراحة والنصب ,ونفحة الهدوء والضجر ثم تصب في بوتقة الصدر عاطفة هائجة لتكون متميّزة في حبّها , ووفاء صدق قلبها ....





بقلم : ابنة الشهباء