يحدث إلا في حمص وبرلين :

الجمل ـ سعاد جروس : أهل الاختصاص من أرباب تأليف النكات الحمصية خمنوا أن يكون هتلر منحدراً من أصل حمصي، وجاءت هذه التوقعات على خلفية إقامة نصب تذكاري لضحايا النازية من اليهود وسط المدينة، وهذا ليس نكتة حمصية، وإنما صورا متطابقة إلى حد الإدهاش،ففي الآونة الأخيرة وضمن برنامج تحديث وتطوير المدينة تم بناء الدوارات


والساحات بتصاميم فنية جديدة، فتحسن وجه المدينة التي أمضت حياتها تمشي الحيط الحيط وتطلب الستر تكفي الحكومة شرها وخيرها، فهي تعلم كغيرها أن لا حياة لمن تنادي، وان موجة التغيير إن وصلت إليها فلن تتجاوز الأرصفة والساحات و بسطات الفقراء في سوق الحشيش، وبناء عليه تم إعاة بناء عدة ساحات، ومن ضمنها الدوار قرب الملعب البلدي، الذي يكتظ بالمشجعين الشباب مع كل مباراة للنسر الحمصي الأزرق فريق الكرامة ، ودوناً عن سائر الدوارات أثار الشكل الفني للدوار دهشة الحماصنة الدائمي الإندهاش، لأنه جاء كنموذج مصغر عن النصب التذكاري لتمجيد ذكرى الهولوكست المقام في برلين في منطقة السفارات، والذي تم افتتاحه العام الماضي، و هو عبارة عن مكعبات من الخرسانة بمثابة أضرحة لليهود الذين قتلهم النازيون الألمان.الحماصنة بداية ظنوا أن عيونهم لا تساعدهم بالرؤية، وقد يكون هناك تشابه من نوع ما، لكن بعد العودة الى المواقع الكثيرة للنصب التذكاري الموجودة على الانترنيت (berlin holocaust memorial) ومطابقة صوره مع صور الساحة تبين أن عيون الحماصنة ترى عشرة على عشرة، لكن ثمة من يريد لها العمى ولألسنتهم القطع ، فمن غير المنطقي أن يتورط أي مهندس أو متبرع بالمال أو مسؤول معني بمنح رخص البناء والموافقة على المواصفات والتصاميم أن يورط نفسه بهكذا فضيحة، إلا إذا كان جده هتلر ويريد التكفير عن ذنوبه تجاه اليهود. أو أن الذين ابتدعت مخليتهم الفنية هذا الشكل والذين رخصوا له وكذلك الذين أغدقوا المال عليه ، اجتهدوا للرد ، عملياً لا كلامياً على المدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف الذي كتب مقال في 8/10 الجاري بعنوان "العرب والهولوكست " أدان فيه إنكار العرب للهولوكست ، واعتبر ذلك دليلاً على لا علمية ولا إنسانية العرب. وهكذا فإن الرد الأنجع والذي لا تخطئه العين إقامة نصب تذكاري مصغر ومستنسخ عن ذلك الذي أقيم في برلين ، بعد جدل طويل في مجلس النواب الألمان ، لأن فكرة النصب التذكاري استغرقت ستة عشر عاماً من الأخذ والرد الألماني والأوروبي لتصبح واقعاً، أما في حمص وتأكيداً على الإنسانية والعلمية لم يستغرق الأمر شهورا ، فمن أكثر إنسانية الحماصنة أم ساتلوف أم أحفاد النازيين التائبيين ؟ !!.


قد نعذر لساتلوف إدانته للعرب فهو لا يعرف ولا يريد أن يعترف أن العرب ليس لهم في العير ولا في النفير في الهولوكست، ومع ذلك تم اختيارهم دون سائر شعوب العالم ليكفروا عن خطايا أوروبا والنازيين الألمان، فاقتطعت فلسطين من بلاد الشام ووهبت لليهود بدلا عن وطن مفقود غير موجود من قبل التاريخ، وكذلك لغسل ذنوب هتلر وشركاه في سائر انحاء أوروبا، كما لا يمكن أن نلوم ساتلوف على إدانته للعرب كثيراً ، فهو أمريكي، ليس فقط غير معني بالهولوكستات التي ارتكبتها وترتكبها بدأب إسرائيل "اليهودية" بحق العرب في فلسطين ولبنان والأراضي العربية المحتلة، وإنما هو معني بشكل مباشر بتأييد وشرعنة حق إسرائيل بالوجود على أرض تزرعها بمقابر شهدائنا من الشباب والنساء والأطفال ..
إن عدم اعتراف أو بمعنى أدق عدم مقاربة العرب لموضوع الهولوكست ، لا يعني على أرض الواقع شيئاً لأن النتيجة واحدة، وهي دفع الثمن من الأرض والأرواح النقية. وبالنسبة لأوروبا وأمريكا فالاعتراف ضروري أولاً للمصالحة مع الشعوب المتأنسنة على كَبَر، وثانياً لمنح غطاء إنساني للمشاريع اللا إنسانية التي يطلقونها على أراضي العرب .
تجاه ذلك ألا يجدر السؤال عن الأسباب التي أعمت بصيرة القائمين على تصميم وبناء الدوارات في مدننا قاطبة وليس حمص المبتلية وحدها، هل هو جهل بالسياسية أم جهل بالهندسة والتاريخ حتى يتم سرقة أو استلهام تصاميم غربية بشكل أعمى ـ حتى لا نقول غبي ونتهم بالتشهير وفق قانون المقموعات ـ وكأن التصاميم الفنية العالمية مثل التصاميم الحديثة لدينا ليست سوى كتل خرسانية مجردة لا معنى لها ، وكأن المشرفين على هذا الدوار لا ينتمون لسوريا مهد الحضارات، وأرض القلاع من حصن حمص الى مرقب طرطوس وأوغاريت اللاذقية و حتى حلب القلعة والبيمارستانات والخانات ودمشق الأموي والجسور والساحات، سوريا بلاد الهندسة المعمارية في بصرى وتدمروجبلة والرقة ...
سنفترض حسن النية ولن نعزوا ذلك لأي سبب كان سوى الجهل ، فالجهل كالجنون لا ينطبق عليه حكم القانون، لكن تنطبق عليه أحكام الفضيحة وما حدث في حمص فضيحة لا تستحقها المدينة المحافظة المتمسكة بتاريخها وعروبتها وقضاياها وفي مقدمتها قضية فلسطين، والجولان وحق المقاومة في لبنان . اللهم إلا إذا أرتأى القيمون على حمص مساواتها بالعواصم الكبرى كبرلين ..!!
ويبقى الرجاء أن يتم لفلفة هذه الفضيحة بتصحيح الخطأ لا التغطية عليه بخطأ أكبر كما تجري العادة .






الجمل