صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 12 من 13

الموضوع: كهوف لونغمن

  1. #1 كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    كهوف لونغمن
    الكهوف الحجرية تعني كهوفا أو محاريب حفرت على الجدران أو الأجرف الحجرية. يسمى أكبرها بالمعبد. ومن أشهرها في الصين ثلاثة، هي: كهوف (موقاو) في دونهوانغ بمقاطعة قانسو، وكهوف (يونقانغ) في داتونغ بمقاطعة شانشي ، وكهوف (لونغمن) في لويانغ بمقاطعة خنان.

    في نهاية عام 2000، وافقت منظمة اليونسكو للأمم المتحدة على إدراج كهوف لونغمن في قائمة (التراث الثقافي والطبيعي العالمي). هيا لنتمتع معا بالتماثيل الفنية فيها والتي يرجع تاريخها الى 1500 سنة.

    لونغمن في الخريف محاريب بوذا في كهف (لاولونغ) (التنين العجوز) معبد (فنغشيان) : الملك السماوي (الى اليمين) و محاربه.

    يجري نهر (ييشوي) الصافي متجها الى الشمال ببطء. وعندما يصل مجراه الى مكان يبعد 13 كيلومترا عن مدينة لويانغ ، يمكنك أن ترى مئات الآلاف من التماثيل الحجرية لبوذا، قائمة في كهوف الجبال الممتدة لكيلومتر واحد على جانبي النهر، وهيئاتها مختلفة من واحد الى آخر .. هي كهوف لونغمن.
    بدئ بحفر هذه الكهوف في عام 493 م ، وتوسع حجم المشروع في 400 سنة تلت . الكهف الكبير يتسع لتمثال بوذا بطول عشرات الأمتار ، والصغير لا يتسع إلا لتمثال بحجم الإصبع. تتكون كهوف لونغمن من 2345 كهفا بوذيا و70 باغودة مرتفعة ومنخفضة و2800 نصب منحوت. تتوزع الكهوف على الجبال مترصصة طبقة فوق طبقة ، أشبه بكوات مطلة على النهر ، لتشكل منظرا رائعا. تحافظ هذه الكهوف على كمية كبيرة من المعلومات الحية حول الفن والموسيقى والخطوط والملابس والعمران والطب والعقاقير، فيمكن القول إنها متحف ضخم للمنحوتات الحجرية.


    من أشهر هذه الكهوف الكثيفة مثل خلايا النحل ، كهوف (قويانغ) و(بينيانغ) و(ليانهوا) التي يعود تاريخها الى عهد أسرة (وي) الشمالية قبل 1500 سنة ، ومعابد (تشيانشي) و(وانفوه) و(فنغشيان) و(كانجينغ) التي ترجع الى عهد أسرة تانغ قبل 1100 سنة.

    معبد (فنغشيان) واسع ، تم بناؤه عام 675م بما تبرعت به (وو تسه تيان) الإمبراطورة الوحيدة في تاريخ الصين من الأموال التي حاولت شراء المساحيق بها سلفا . بلغ المعبد ذروة فنية تاريخية سواء في ناحية التصميم أم في النحت . وضع فيه تمثال بوذا باسم (لوسانا)، قوي الجسم ومعتدل المزاج ولطيف المحيا وجميل التقاطيع . ارتفاع رأسه متر واحد وطول جسمه 17 مترا وطول أذنه 1.9 متر . ويقف على جانبيه تلاميذه احتراما مثل النجوم التي تحيط بالقمر ليبرز أستاذهم عظمته.

    في كهف (ليانهوا) صفوف من تماثيل بوذا المتربعة في المحاريب داخل الجدار الجنوبي ، أحجامها صغيرة يصل ارتفاع كل منها 2 سم فقط ، والمهارة في نحتها دقيقة . وفي سقف الكهف زهرة لوطس منحوتة كبيرة وجميلة.

    بوذا الجالس في كهف ليانهوا ، حجمه صغير ، ارتفاعه عدة سنتيمترات فقط . الاهة الرحمة ، هيئتها متناسقة التكوين ، نابضة بالحياة . كهوف لونغمن ، أنجز مشروعها عام 680م ، وفيها 15 ألف تمثال بوذي كبير وصغير.

    بوذا في معبد (فنغشيان)، معتدل المزاج . وعلى يمينه، تلميذه اللطيف والخاشع . أكبر كهف أو معبد في لونغمن ، أنجز بناؤه عام 675م . جزء من تمثال بوذا المسمى (لوسانا) كهف (قويانغ) أقدم تاريخا وأوفر مضمونا . التماثيل فيه أنيقة التشكيل ، والزخارف جميلة ومتغيرة ، والعبارات البوذية المنحوتة رائعة ، ولكل ذلك أهمية لدراسة فنون النحت والرسم والعمران قبل 1500 عام .

    الزخارف في كهف (بينيانغ) فاخرة . تتعلق في أعلاه ستائر وحبال مخرمة . وعلى الأرضية أزهار لوطس منحوتة تزيينية . وعلى الجدران الداخلية صورتان ضخمتان نحتتا بالنفر ، إحداهما (الإمبراطور يقدس بوذا) والأخرى (الإمبراطورة تقدس بوذا )، وهما من المعلومات القيمة في دراسة الطقوس البلاطية وأزياء العائلة الإمبراطورية وقتذاك.

    على جدران جانبي مدخل كهف (ياوفانغ)، نحوت تمثل وصفات طبية لعلاج أكثر من 140 داء منها ألم القلب وضعف المعدة والعطش الشديد . لها أهمية في دراسة الطب والعقاقير في أوائل عهد أسرة تانغ (618 – 907).

    غابة الأنصاب المنحوتة ، هي الأولى في البلاد . سجلت في العبارات المنحوتة على الأنصاب الحجرية ، عمليات حفر الكهوف . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، تمثل المنحوتات مستوى وأسلوب ذلك العهد لفن الخط وفن النحت .
    تنتمي كهوف لونغمن الى الفن البوذي . ومع ذلك يتواجد فيها تماثيل لشخصيات صنعها النحاتون النوابغ استقاء من الحياة الواقعية وبعد التخلص من القيود الدينية . وبذلك قدموا لدراسة فن النحت البوذي معلومات حية .


    تشكل مياه النهر والجبال الخضراء وعيون الماء الثابتة الحرارة والمخلفات الحضارية وفنون النحت في الكهوف ، معالم حافلة بالفتنة في المنطقة . أسست منذ عام 1953 هيئة تختص بحماية كهوف لونغمن . وفي عام 1961، أعلن مجلس الدولة أنه أدرج كهوف لونغمن في (الوحدات المحمية الرئيسية الوطنية للذخائر الثقافية). ورصدت الدولة مبالغ طائلة لصيانتها والمحافظة عليها وإكمال الأجهزة السياحية وتوفير التسهيلات للسواح . وفي العشرة أعوام الأخيرة ، وضعت كيفية وقاية الكهوف من التجوية موضع الاعتبار والاهتمام
     

  2. #2 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    لوحات الحبر الصينيةلوحات الحبر الصينية التقليدية ليست شيئا جديدا لمن يألفون الثقافة الصينية، ومن ذلك لوحة الحصان الراكض لأستاذ الحبر شو بي هونغ. الرسم التقليدي بالحبر يستند إلى أعمدة ثقافية قديمة مثل الشعر وفن الخط والختم، ويكون عادة وصفيا. على العكس من هذا، الرسم بالحبر الحديث متأثر أكثر بالفن الغربي الحديث، فيبدوا مشابها للوحات التأثيرية مثل أعمال ده كونينغ (رسام تأثيري أمريكي هولندي 1904-1997) وأعمال بولوك (بولوك جاكسون، رسام أمريكي، وهو الشخصية الرائدة لحركة التأثيرية 1912- 1956). وتكون اللوحات عادة أبيض وأسود وغير وصفية. الحضرية المتغيرة.

    لوحة الحبر، كمصطلح فني، تجمع العديد من الأشكال، ومنها الرسم الوطني (قوه هوا)، رسم المثقفين، الحبر المجرد، لوحات الحبر للمثقفين الجدد، الحبر التجريبي والحبر الحديث والتصوري. كل نمط منها يعبر عن الفن الذي يُمارس منذ ألف عام والذي أثار جدالات ضارية حول قضايا اجتماعية/ ثقافية مثل الأصالة، النزعة الوطنية الشرقية والغربية والاستعمار، الخ. ا

    في بدايات القرن العشرين انتقد مثقفون تقدميون، مثل كانغ يو وي (أحد مشاهير الإصلاحيين الصينيين، عمل على استقدام النظام الغربي الحديث إلى الصين)، لوحات رسم الحبر للمثقفين، على أنها راكدة وفاسدة وغير علمية وليس بها شيء له علاقة بالواقع، ودعا هؤلاء إلى ثورة فنية استنادا إلى الفن الواقعي الغربي. وقد عملت أجهزة الدعاية الشيوعية خلال فترة الثورة على الترويج بقوة لرسم الحبر بالأسلوب الواقعي. وخلال السنوات العشر الأولى بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية تم تبني الرسم بالحبر كأداة لإبراز الرؤية الجديدة للصين الاشتراكية. وقد اُعتبرت لوحات المثقفين التقليدية " قمامة إقطاعية". بعد فترة طويلة نسبيا من دمج أسلوب الحبر مع المنهج الواقعي الغربي، بات الرسم الوطني الجديد (شين قوه هوا) الأكثر حيوية خلال ثمانينات القرن الماضي، والفن الأكثر أهمية على الساحة الفنية الرسمية. ونتيجة لعلاقته المتوارثة مع الحركة السياسية الاشتراكية أصبح شين قوه هوا تدريجيا شكلا فنيا دعائيا رسميا حادا. ومع تدفق الأفكار الفنية الغربية إلى الصين في الثمانينات، تمرد الفنانون الشبان على قوه هوا الراكد الرسمي ومالوا إلى لغة الفن التعبيري والتصوري الغربي مما قوض التلاعب السياسي بلوحات الحبر (قوه هوا)، في مسعى للتوصل إلى حل للجمع بين أسلوب الفن التقليدي مع الفن الغربي الحديث. هذه التجربة تُسمى بأعمال الحبر والماء الحديثة (شيان داي شوي مو)، وقد انخرط العديد من ممارسيها في الموجة الجديدة في منتصف الثمانينات. الحضرية المتغيرة.

    في عام 1985، وتأسيسا على رؤيته للوضع المتخلف لقوه هوا، نشر لي شياو شان، وهو فنان شاب، كان آنذاك طالبا بمعهد نانجينغ للفنون، نشر مقالة شائكة بمجلة الفن المتجدد، معلنا أن قوه هوا (الرسم الوطني) في الطريق إلى الزوال. اللغة الحادة التي استخدمها لي أفرزت جدلا واسعا ومتواصلا حول مصير قوه هوا. وقد أجبر هذا الجدل بعض الفنانين على مراجعة رؤاهم للفن وعلاقته بالتقاليد والواقع وتأثير الغرب. الحضرية المتغيرة.

    في بواكير التسعينات، ومسايرة للفن الصيني الجديد الممثل رئيسيا في البوب السياسي والواقعية الساخرة- التي اكتسبت شهرة واسعة خارج الصين، روجت المؤسسة الرسمية في الداخل لرسم الحبر الوطني. في منتصف الثمانينات ساد ما سُمي "رسم المثقفين الجديد" الذي يجمع الأسلوب التقليدي والمشاعر الخاصة، والذي رؤي على أنه طبعة جديدة من تقاليد مجيدة، في مسعى لإعاقة تدفق الفن الغربي الحديث إلى عالم الفن الصيني. في أواخر التسعينات، ومع تخفف السيطرة الأيدلوجية قليلا وتنامي المشاعر الوطنية كانت لوحات الرسم بالحبر الحديثة موجودة بشكل دائم في الأماكن الفنية الرسمية. وشجعت السلطات المعارض المشتركة والمناقشات العلمية حول رسم الحبر التجريبي. جذور رسم الحبر الثقافية الواضحة المباشرة ومسعاه لتطوير لغة جديدة تناسب الوضع الحالي للإصلاح في الصين، ولكن المثير للسخرية، أن أجهزة الإعلام اعتبرت أن ممارسة رسم الحبر التقليدي رمزا للفساد البيروقراطي. الحضرية المتغيرة.

    إنه لمن الصعب أن نجد في عالم الفن الصيني المعاصر مُناظرا تاريخيا وجغرافيا للمغزى المعقد لرسم الحبر. وتعتبر المؤسسة الفنية القديمة قوه هوا أداة ممكنة للحفاظ على نقاء ثقافتها مثلما يحافظ البعض على أوبرا بكين على أنها (الأوبرا الوطنية) لتعظيم تراثها التقليدي. بعض العلماء يودون أن يروا رسم الحبر التجريبي وسيطا محتملا يشمل التقاليد الصينية وتشكيلة منفتحة، مما قد يتواصل مع مجتمع الفن العالمي وكذلك البحث عن هوية في الفن الصيني المعاصر. إن الفنانين يودون أن يستعيروا من/ أو يرجعوا إلى لوحات الحبر لتشكيل تصورهم وأدائهم، مثل لوحة فصل اللغة الإنجليزية الجديد لشو بينغ، وأداء الكتابة في الموقع لقو ون دا في بينالي كوانغجون. ورسم الحبر، بالنسبة لكثيرين، جزء لا يتجزأ من إطار الثقافة التقليدية، التي تمنح الفنان فضاء هائلا للاستكشاف. ويعتقد ممارسو رسم الحبر التجريبي في بر الصين الرئيسي أنه مع تطور الاقتصاد الصيني والوعي الثقافي فإن الأشكال الفنية التي تميل إلى التقليدية، مثل رسم الحبر سوف يتم تجديدها، غير أن دعاوى سلبية ومتشككة تظهر من حين لآخر تزعم أن معضلة رسم الحبر أن طبيعته المرنة لا تستطيع أن تعكس المشاعر المعاصرة وأنه عادة يميل إلى الأفكار الميتافيزيقية، أكثر من تطوير وسيلة فعالة وطريقة سرد جديدة تربط ممارسة رسم الحبر بالحياة المعاصرة. والواقع أن الوضع المتأخر لرسم الحبر أكثر خطورة مما يتوقع أي فرد، وبخاصة عندما يتحدث المدافعون عنه عن مستقبل الرسم بمغزى ثقافي مثقل. الحضرية المتغيرة.

    وبرغم كل شيء يظل رسم الحبر أكثر الأشكال الفنية ممارسة في الصين، يمارسه ملايين من الفنانين المتخصصين والهواة. ولكن رسم الحبر التجريبي يمثل جزءا هامشيا من هذا المجتمع الفني. ويزعم العديد من الفنانين والنقاد أن رسم الحبر التجريبي سيلعب دروا حيويا في عملية تأسيس هوية ثقافية جديدة. الفنانون الجادون يعتبرون أن الاستكشاف المتواصل للعلاقة بين الوسيط القديم وعالم معاصر تسوده العولمة يجب أن يكون أحد شروط أي فن جديد. الحضرية المتغيرة.

    ويمكن تصنيف ممارسة رسم الحبر التجريبي إلى أربعة أقسام؛ رسم الحبر المجرد، فن الخط الحديث، رسم الحبر الحضري، والحبر كوسيط توضيح وفعل. الحضرية

    ممارسو رسم الحبر التجريدي عادة ينقون لغة الحبر، ويتجاهلون وظيفته الوصفية، بالإشارة إلى اللغة التعبيرية المجردة. الحضرية المتغيرة.

    وممارسو فن الخط الحديث هم الخطاطون الراغبون في تطوير شكل جديد من الرؤية معتمدا على تدريباتهم التقليدية على فن الخط. أعمالهم أكثر شبها برسم الحبر المجرد، مع بعض الومضات من فن الخط مثل مقاطع الكتابة الواضحة، وليس النصوص المقروءة المعتمدة على فن الخط. الحضرية المتغيرة.

    يطور رسم الحبر الحضري بعض النقاد والفنانين ذوي النظر البعيد الذين ينتجون لوحات الحبر الحضرية، وهم غالبا من كليات الفنون، ويمتلكون قدرة قوية على الرسم. وقد طور هؤلاء لغة حبر شخصية من خلال مشاعرهم الحقيقية إلى العالم المادي والطبيعة الروحية في البيئة الحضرية المتغيرة. الحضرية المتغيرة.

    الفعل والتوضيح ذو العلاقة برسم الحبر. هذه الأعمال تظهر عادة في المعارض الفنية الشاملة المعاصرة التي تكون كبيرة، ويعتقد مسئولو المعارض أنها جزء لا يتجزأ من عالم الفن المعاصر. الحضرية
     

  3. #3 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فنون روسيا و سحر الواقعية

    لروسيا تراث كبير من الفن التشكيلي, ولكنه تراث مليء بالهواجس والتقلبات. بدءاً من هاجس الالتحاق بالغرب إلى الذوبان في تيار الواقعية الاشتراكية.



    رغم أن روسيا هي أكبر الأمم الأوربية قاطبة, فقد بقيت متخلفة عن اللحاق بركب التطور الأوربي الغربي قرونا عدة, ويجمع المؤرخون على أن مرحلة القيصر بطرس الأكبر (1682-1725) هي البداية الفعلية لانفتاح روسيا على العالم الأوربي, وانخراطها في حركة التطور والإصلاح, فقد دخل بطرس الأكبر التاريخ بوصفه مصلحاً عظيماً, إذ تمّ في عهده إنشاء أول جيش, وأول أسطول نظاميين, وتطوير صناعتي تشغيل الحديد وصهر النحاس في الأورال, وتعديل لغة الكتابة, وتغيير التقويم, وإصدار أول صحيفة في روسيا, وتأسيس أكاديمية العلوم, وافتتاح جملة من المدارس والمعاهد المختلفة.



    وينسب إلى بطرس الأكبر جملة من الأعمال المهمة في إطار تطوير الثقافة والفنون, فهو الذي بنى مدينة سان بطرسبورج على ضفاف نهر النيفا, وازدحمت قصورها بلوحات الفنانين الذين قصدوها من مختلف أرجاء أوربا, ويُروى أن بطرس الأكبر كان يستأجر لصوصاً محترفين لسرقة الأعمال الفنية, والقطع الأثرية النادرة من مختلف مناطق أوربا والمشرق حينما كان يعجز عن اقتنائها بوسائط أخرى, ولكن الثمار الفعلية لما غرسه بطرس الأكبر نضجت في عهد كاترينا الثانية التي أرادت أن تتابع مسيرة بطرس في البناء والإصلاح.



    وعلى الرغم من وفرة الأعمال التشكيلية الروسية التي ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, فلا تزال تنزوي خارج الدائرة المعرفية العامة في مناطق مختلفة من العالم (غير السلافي), ولا يقف عندها تاريخ الفن المتاح للقارئ العربي غير المتخصص, وكأنها لم تكن موجودة قبل مطلع القرن العشرين, حين ارتبط ظهور المدرسة التجريدية باسم الروسي كاندينسكي, وهناك من يرجع أسباب انزواء الفن التشكيلي الروسي خلال القرنين المشار إليهما في الظلال إلى فقر التجربة التشكيلية الروسية بالمبدعين الأفذاذ الذين تتمتع أعمالهم بملامحها الذاتية الفارقة, وإلى فقر التجربة التشكيلية الروسية بالتنوع الأسلوبي, فكان الجميع - وفق هذا الرأي - يرسم مثل الجميع, واللوحة الواحدة رغم كل ما فيها من إتقان ندر مثيله لم تكن تستطيع أن تبرز في ثناياها شخصية الفنان الفرد, فكان في روسيا أسلوب روسي, ولم يكن هناك فنانون روس مميزون. ولكن يجب ألاّ يغيب عن الأذهان أن مصادرنا العربية لتاريخ الفن هي مصادر أوربية غربية على وجه العموم, فما لم يحفل به علماء الجمال والنقاد التشكيليون في غرب أوربا بدا أنه الأقل قيمة, أو بدا غير موجود, وفاقم هذه المسألة أن المرحلة السوفييتية في تاريخ روسيا سعت صراحة إلى التقليل من شأن ما كان قبلها.



    كانت الانطلاقات الأولى للرسم الروسي من خلال الموضوعات الدينية, ورسم صور الشخصيات المشهورة في الكتاب المقدس, والصور النصفية للملائكة والقدّيسين, حيث كان ذلك استمراراً للفن البيزنطي الذي مازه رسم الصور النصفية, وتعمّد الابتعاد عن فكرة التجسيم, وإغفال البعد الثالث, فكان ذلك أساسا لفن الأيقونة الروسي الذي تسرّبت إليه تأثيرات مغولية أثناء الغزو التتري والمغولي لروسيا, مع التذكير بأن الأيقونة الروسية تحتل مكانة مرموقة على الصعيد العالمي, لا يضاهيها في ذلك فن أي شعب آخر.



    توزّعت موضوعات الفن التشكيلي الروسي على مثيلاتها في تاريخ الفن الأوربي, فيحتلّ رسم الصور الشخصية للنبلاء وذوي النفوذ ورجال البلاط مساحة كبيرة, بالإضافة إلى رسم الموضوعات التقليدية المستوحاة من الكتاب المقدس, وكذلك تصوير وقائع الأحداث الكبرى في تاريخ روسيا, والمعارك ووقائع الانتفاضات والحركات الشعبية ضد الاستبداد القيصري, كانتفاضة الديسمبريين, وعمليات اعتقال المعارضين, ومحاكماتهم, وعمليات الإعدام, كما في لوحة (الإضراب) لنيقولاي كاساتين, ولوحة (اعتقال مروّج الدعاية) لإيليا ريبين, على سبيل المثال.



    هاجس اللحاق بالغرب



    ظل هاجس اللحاق بالغرب الأوربي ماثلاً في أذهان النخب الروسية على مختلف المستويات والأصعدة, ولم يغب هذا الهاجس عن مجمل الأدبيات والطروحات النظرية التي أنتجتها الحركات الثورية الروسية, بما في ذلك الثورة البلشفية الكبرى عام (1917), ولكن ذلك لم يمنع الفن الروسي من أن يختط لنفسه نهجاً خاصّاً, يحافظ على خصوصيته من غير أن يعزله عمّا يجري في العالم الأوربي المتقدّم. وقد برز في هذا الصدد تيّاران: (الأول: قومي أصولي مسيحي, يعتبر أن التحديث كان يجب أن يتم دون قطيعة مع التراث الروسي القديم, حفاظاً على روسيا (الشرق - غربية), والثاني: علماني منفتح شمولي يرى في الأوربة التي سعى إليها بطرس الأكبر إنقاذاً لروسيا من التخلّف عن الركب الحضاري العالمي).



    وقد تجلّت الخصوصية الروسية في معظم التيارات والمذاهب الفنية, فالرومانسية الروسية استغرقها شغف خاص بالمنظر الطبيعي الساحر الذي تنطوي عليه سهول روسيا ذات الاتساع المذهل, كما في أعمال الأكاديمي والفنان الروسي الكبير نستروف الذي وُصف المنظر الطبيعي لديه بأنه (يمسّ قلب كلّ من لديه قلب). بالإضافة إلى انحياز الرومانسيين الروس إلى الموضوعات المستمدّة من واقع الحياة البائسة المشقية التي عاشها القطاع الأعظم من الشعب الروسي, ونجد ذلك حتى في اللوحات ذات الموضوع الديني, كما في لوحة (تجلّي المسيح للشعب) لإيفانوف, التي تضم حشداً كبيراً من الفقراء البائسين الذين يشغلون النسبة العظمى من مساحة اللوحة, بينما لم يترك الفنان لتجلّي المسيح سوى مساحة شديدة الضآلة, بحيث صار الحشد البشري البائس هو الموضوع الأساس في اللوحة. وكما نجد أيضاً لدى كيبرنسكي الذي انصرف عن رسم الصور ذات الطابع الكلاسيكي الجليل (إلى تكوينات مختلفة للمسيح محاطاً بأطفال, وإلى رسم رءوس حلوة لفلاحات وغجريات صغيرات غرزن في شعورهن ورداً).



    والانطباعيون الروس ميّزهم عن الانطباعيين الفرنسيين (ميلهم للمؤثّرات الريفية, وخاصّة مناظر الريف الروسي بسهوله الرحبة وغاباته الكثيفة). وحتّى كاندينسكي الذي يعدّ المؤسس الأبرز للمدرسة التجريدية, على الصعيد العالمي, استمالته الأشكال البدائية للفن الشعبي الروسي, وكانت منطلقه في طمس البعد الثالث, وتحطيم الصلات الشكلية مع عناصر الواقع, أو الإيحاء بكل ما له صلة بالشكل الواقعي.



    تأثير التيارات الفرنسية



    حظيت الثقافة الفرنسية بمكانة مرموقة في روسيا القيصرية, لم تبلغها أي ثقافة أوربية أخرى, فقد كان تعلّم الفرنسية ملمحاً بارزاً في حياة الأرستقراطية الروسية, وتبلغ التأثيرات الفرنسية فيما يسمّى الفن الطليعي الروسي, أو المدرسة الشكلانية الروسية (الأفنغارد) ذروة مهمة في مطلع القرن العشرين, وتعدّ (جماعة علم الفن في بطرسبورج همزة الوصل بين روسيا وفرنسا), وكان من أنشطتها إقامة معرض الصالون الخريفي عام 1906, الذي ضم (750) عملاً فنياً فرنسياً وروسياً. ولم تقتصر العلاقة التشكيلية مع فرنسا على نشاط هذه الجماعة, بل تجاوزه إلى آفاق أخرى يتصدّرها قدوم الفنانين الروس إلى فرنسا للدراسة, ودور بعض جامعي اللوحات الروس, ورحلة ماتيس إلى روسيا, ثم المعارض التي أقامتها جماعة الوردة الزرقاء بين عامي (1907 و1909).



    وترى د.زينات بيطار أن الطليعيين الروس لم يكتفوا بتلقّي التأثيرات الفرنسية, وإنما كانت التأثيرات متبادلة (إذ بدأت الطليعة الروسية استقلالها منذ عام 1913, وبدأت تفرض نفسها على الوسط الفرنسي, حين أصدر لاريونف كتابه (الشعاعية) مع غنشاروفا, وماليفتش). مع الإشارة إلى أن الحركة الطليعية الروسية في مطلع القرن العشرين توزّعتها تيارات واتجاهات مختلفة, فكان هناك التكعيبيون أمثال أكستر, والشكلانيون أمثال فربل, وسيروف, وباريسوف, وموساتوف, والرمزيون من جماعة الوردة الزرقاء أمثال كوزنتسوف, وبتروف - فودكين, والتجريديون أمثال كاندينسكي, وماليفتش, وتاثلين, والواقعيون أمثال ماليافين, وشيبتسوف, وبافل كورين, وغيرهم.



    الواقعية الاشتراكية



    يرى بعض النقاد أن مصطلح (الواقعية) هو من أكثر المصطلحات النقدية تضليلاً بسبب استعصائه على الضبط والتحديد المفهومي, وضرورة استتباعه بتقييدات مختلفة قارب عددها الثلاثين في (معجم مصطلحات الأدب) لمجدي وهبة, ك(الواقعية الطبيعية, والانتقادية, والسحرية, والاشتراكية,.. إلخ) ويكمن جوهر مفهوم (الواقعية الاشتراكية) في جعل فكرة (الاشتراكية) غاية يجب أن يستهدفها أي عمل فني جدير بالانضواء تحت عنوان (الواقعية الاشتراكية) بحيث يؤدّي ذلك إلى جعل وظيفة العمل الفني تحتلّ موقع الصدارة بدلاً من طبيعته.



    ومع سيطرة الستالينية في ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته, سيطر التبسيط والتسطّح على مجمل مناحي الحياة الثقافية الروسية, وأصبح ما أطلق عليه (الالتزام بقضايا البروليتاريا) هو المعيار المعتمد رسمياً لقبول الأعمال الفنية, وتمكينها من التمتّع برعاية الدولة, وفرص العرض والانتشار, وهذا ما أدّى إلى أن تقبع الاتجاهات التحديثية الروسية في الفن التشكيلي عدّة عقود في الظلال, مقابل تطوّر ملحوظ لفن الإعلان السياسي الذي بلغ شأواً مميّزاً في فترة الحرب العالمية الثانية, وفترة ما سمّي بالحرب الباردة, بالإضافة إلى النجاحات الخاصّة التي أحرزها الفنانون السوفييت في تصميم (الميدالية) وتميّزهم بإشادة التماثيل والنصب التذكارية ذات القياسات الضخمة, وأعمال الحفر الجداري بشقّيه الغائر والنافر.



    أما الاتجاه الواقعي, فكان قد ماز التجربة التشكيلية الروسية منذ بواكيرها الأولى, سواء كانت تلك الواقعية موظّفة في خدمة التوجّهات السياسية الرسمية للدولة السوفييتية, أم كانت إخلاصاً فنّياً مارسه الفنان على قماش اللوحة وفق رؤاه الجمالية وقناعاته الفكرية, فالفنان الروسي ماليافين أبدع أعماله قبل وصول البلاشفة إلى الحكم, وقد كانت الحياة الفلاحية الروسية موضوعه الأثير, إذ رسم حشداً من صور الفلاحات الروسيات بوجوههنّ الطافحة (السمينة) وعيونهنّ الضيّقة, وثيابهنّ الطويلة بألوانها القوية الحمراء والخضراء, والخاضعة لما يسمّى بالذوق الفلاّحي, ومع ذلك استطاع من خلال هذا الذوق الفلاحي أن ينشئ مهرجاناً فذّاً من البذخ اللوني, والحفاوة الاستثنائية يجعل الألوان تقيم تجادلاتها الحادة فيما بينها, من أجل تحريك المشهد, وضخّ كميّة كبيرة من البهجة والفرح والمشاعر القوية في جميع أرجاء اللوحة.



    ولم تتراجع الحرفية التشكيلية للفن الواقعي بكل اتجاهاته في ظلّ الستالينية, رغم التوجيهات الصارمة بضرورة الالتزام بقضايا الجماهير والقضية الوطنية العظمى في مواجهة الاجتياح النازي للاتحاد السوفييتي. ورغم ما تتمتع به الاتجاهات التحديثية على الصعيد العالمي من غواية خاصة, وجاذبية عالية باتجاه التجريب والتحديث الذي لا يقف عند أي حدّ, يظل للواقعية سحرها الخاص, وقدرتها على الفعل الجمالي, والتأثير العالي في المتلقّي, من غير أن يغيب عن الأذهان اتهامها بأنها صارت تكتفي بفعل ما تفعله آلة التصوير من محاكاة سلبية للواقع, وأنّ موضوعات البؤس البشري, وحياة الطبقات الفقيرة التي درجت الواقعية الاشتراكية على تناولها موضوعات تخلو من المناحي الجمالية, وتعجز عن طرح القيم الفنية المهمة.



    ويمكن أن نجد في لوحة الفنان السوفييتي ألكسندر لاكيتوف (رسالة من الجبهة) قدراً من دحض هذه الاتهامات, فقد عالج الفنان القضيتين الوطنية والاجتماعية في هذه اللوحة, جاعلا من تدفق ضوء الصباح إلى شرفة المنزل الريفي وأرضيته الخشبية المتشققة المهترئة تجسيدا رفيع المستوى لأخبار الانتصارات التي أرسلها من الجبهة جندي محتفظ بحياته مع جندي جريح لأسرة الجندي الذي مازال في جبهة القتال, وتتحلق الأسرة حول طفل يقرأ الرسالة بجديّة طفولية عالية, لم تستطع أن تكبح ملامح الحماس والابتهاج على وجهه المغمور بالضوء, وفي الجهة المقابلة له تقف شقيقته الصغرى في ثياب المدرسة, وإلى يمينه شقيقته الكبرى تتابع ما يقرأ, متّكئة على حاجز الشرفة الذي ذهبت منه بعض عوارضه الخشبية, وكأنها تنتظر فراغ شقيقها من قراءة الرسالة لتذهب إلى عملها, والأم التي تحتل الحيّز الأكبر من اللوحة تتكئ على صدغ الباب وهي في ثياب المنزل البسيطة, تحمل في يدها ظرف الرسالة الفارغ ونظّارتها الطبية, حيث بدت أنها انتهت منذ لحظة من قراءة الرسالة, ثم أعطتها إلى ابنها ليقرأها بصوت مسموع للآخرين.



    ويحسن التنويه بالتفات الفنان إلى تفاصيل مهمة على المستويين الفني والفكري, فإظهار حالة الفقر تعني أن الفقراء, أو الأكثر فقراً هم الذين كانوا وقود الحرب الوطنية العظمى التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرين مليون نسمة من الاتحاد السوفييتي وحده, ولم يغفل الفنان عن أن تنتمي لوحته إلى التراث التشكيلي الروسي العريق في إطار الحفاوة المذهلة بدقائق التفاصيل, فالجندي الجريح ذو قسمات حادة, ووجه حليق تكاد تظهر على خده آثار الحلاقة وهو ينفث دخان التبغ, وعلى ثيابه العسكرية بعض الأوسمة, والطفلة تظهر منها أدق تفاصيل ملابسها وزينتها وطريقة تسريح شعرها رغم وقوفها عكس اتجاه الآخرين وفي الظل الكامل, والوالدة تظهر عروق قدمها اليسرى, ووجهها يطفح بالبشر والبهجة, ورغم أن الوجه شبه مخفيّ, بسبب وضعية وقوفها والتفاتتها إلى ابنها, فقد تمكن الفنان من استنطاق كمية البهجة التي ارتسمت عليه, فزوجها كان لا يزال محتفظا بحياته في تلك الحرب التي لم ينجُ من رحاها إلا القليل.



    لم تستطع عناصر التسطيح الفكري والسذاجة الجمالية, والرقابة الصارمة في المرحلة الستالينية أن تدحر روح الإبداع والتألّق الجمالي لدى الفنانين التشكيليين الكبار, مع ضرورة الاعتراف بعبء تناول التجربة التشكيلية الروسية عبر هذه العجالة التي تقتضيها محدودية الحيز المتاح, ولكن حسبنا أننا نسعى إلى محاولة لفت الانتباه.
     

  4. #4 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فن الرسم الياباني
    في واحدة من رسائله الكثيرة إلى شقيقه ثيو كتب الرسام الكبير فان جوخ عن الرسم الياباني يقول :إني أجد في الرسم الياباني الكثير من الطفولة والعفوية وأجد فيه أيضا دليل أصالة إبداعية .
    ولشدة ارتباط اليابانيين بفن الرسم يرددون مثلا قديما بما معناه :القصيدة الشعرية ليست سوي لوحة تشكيلية أضيف إليها الصوت ، واللوحة الفنية ليست غير قصيدة بلا صوت .

    بلاد الشمس الساطعة

    هذا هو الاسم المرادف للتعريف باليابان في كتب الأدب ودواوين الشعر وهذا البلد الذي يتميز بشمسه الساطعة يتشكل أيضا من مجموعة من الجزر ذات الطبيعة الثائرة فبينما نري الربيع هناك وقد ملأ أرجاء تلك الجزربالعطور والألوان فنظن عند ذلك أن الحياة طابت واطمأنت ، إذ بها تمتلئ بالرهبة والفزع نتيجة ثورات البراكين والزلازل التي لا تخمد لها حركة مما جعل من فن الرسم هناك مزيجا من الجمال البديع والجمال الرهيب .

    الألوان اليابانية

    إذا ما أتتيح للرائي مشاهدة لوحة تشكيلية يابانية فانه سوف تتسرب إلى مشاعره الأحاسيس المنعشة بسبب قوة الألوان وهيمنتها السحرية عليه تماما كما يحدث له عند مطالعة الأدب الياباني .

    ففي لوحة الفنان : ( لاوقا ياماتو) تمثل عربة يابانية يسحبها ثور سوف يلمس المشاهد بسهولة ذاك الشعور الانطباعي الذي يخلقه الأديب الياباني : ( سي شاناغو) الذي يصف عربة مماثلة علي هذا النحو: لم يكن لعربتنا ستائر وكان ضوء القمر يغور عميقا في الداخل حتى ليسمح لأي ناظر أن يري السيدة الجالسة فيها وهي ترتدي ثمانية فساتين فوق بعضها منها ذلك البنفسجي الخفيف ومن القرمزي إلى الأبيض وفوق هذا كله معطف بنفسجي يلمع تحت أشعة القمر والي جانبها إلى جانب هذه المخلوقة الباهرة الجمال كان سائق العربة بسرواله القصبي ذي اللون النبيذي .

    المنابع الفنية

    يتحلى الفنان الياباني بالمرونة والمثابرة والرغبة الصادقة في تحقيق حسن الأداء وهو إلى جانب ذلك مدفوع إلى حب الجمال وتقديره وتطبيق مظاهره علي مختلف أعماله الفنية .

    واليابانيون والفنان ابن بيئته - يضعون علامات ترشدهم إلى احسن المناطق التي يمكنهم أن ينعموا فيها بمناظر الطبيعة الجذابة ، ففي فصل الربيع يقيمون الكثير من أعيادهم فتري الأمهات وقد حملن أطفالهن إلى المتنزهات العامة لتغذية الأرواح برؤية أزهار الكرز والمشمش فينشأ الطفل فنانا وقد نالت روحه في مرحلة مبكرة من حياته حب الجمال والطبيعة .

    السمات العامة

    استنبط الفنان الياباني أسلوبا من الرسم يقوم علي أساس من ورقة طويلة بطول ياردتين تقريبا وبعرض قدم واحد يسعى من خلالها إلى سرد مقاطع من قصة تعبيرية أغني من النثر وأكثر منه إيحاء بالرشاقة الادائية تساعده شفافية ألوانه المائية التي تتطلب قدرة تقنية عالية ودقة متناهية يستطيع بهما هذا الفنان أن يتجاوز السقوط في الأخطاء الجزئية والتي لا يمكن التغاضي عنها ولا يمكن تصحيحها وان أي تردد أو ارتباك في يده سيبدو شديد الوضوح ومهما كانت العلة بسيطة وصغيرة، وتحقيق مستوي أدائي رفيع وإيجاد القدرة علي المزج اللوني وإبراز اعلي الدرجات يفترض ذلك توفر الوعي الفني الشامل والكامل بأصول التركيب والتأسيس الخاصين بهذا الفن ومعرفة بكيفية تجاوز البحث عن التفاصيل المتماثلة ما بين الشيء في اللوحة للوصول لا إلى رسم الأشكال كما هي في الطبيعة أو تقليد كياناتها بل إلى الإيحاء بوجودها .

    والفنان الياباني لا يمعن نظره في وجوه شخوصه لاكتشاف أسرار ومعاني كينونتهم إنما يفعل ذلك ليدرك حقيقتهم الكلية الممتزجة بكل خفايا الطبيعة وهذا ما يضفي علي التشكيل الياباني مثل هذا الحس الشاعري .

    الفنان المتميز

    رغم زخم الحركة التشكيلية اليابانية يعد الرسام ( سس شو 1420 1507) من اعظم فناني اليابان لما تميزت به أعماله من بساطة قوية وحيوية خارقة وشفافية غنية بتراكم تموجاتها .

    وخلاصة هذا الفضاء أن الرسم الياباني لا يقتصر فقط علي أساليبه الكلاسيكية التي عُرف بها أو أنه لم يسهم بدوره في التحولات والتقنيات المعاصرة التي شملت العالم بأسره إنما يعتبر الفنان الياباني مثله مثل اليابان الحديث ككل قد تعامل مع التحديث وتفوق فيه وحافظ في ذات الوقت علي طابعه التراثي الذي صار رمزا لأصالته بين فنون العالم .
     

  5. #5 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    دلالات الرمز في الفنون التشكيلية الفلسطينية 1
    الفنون التشكيلية الفلسطينية مفطورة ابتكارًا ومنتجًا ودلالات مفاهيمية على قيم الرمز ومكوناته وتعبيراته شكلياً وخطيا ولونياً وبناءً فنيًا تشكيلياً. فالرمز جزء لا يتجزأ من تاريخ وتراث وحضارة وجماليات الشعب العربي الفلسطيني في كافة مناقبه الحياتية اليومية والمهنية والثقافية والدينية والاعتقادية يلازمه في كافة حقبه التاريخية والزمانية والمكانية. سواء أكانت في عصوره المغرقة بالقدم أو الحديثة أو المعاصرة،ومدى ارتباطه الوثيق بمحيطه العربي كوحدة قومية وهوية عربية نضالية ودلالة كفاحية مستمرة في التاريخ العربي المعاصر وحدوث نكبة فلسطين عام 1948 بفعل الغزوات الاستعمارية الغربية الأوربية التي رافقت بدايات القرن العشرين لاسيما بعد احتضان وولادة الحركة الصهيونية في مؤتمر بال عام 1897 وعقد اتفاقيات سايكس – بيكو عام 1916 ، والتي أمست المشكلة الفلسطينية منذ ذلك التاريخ بمثابة القضية المركزية للأمة العربية الناهضة في أنظمتها الوطنية ضد أشكال الاستعمار القديم والحديث. وأصبحت تحتل مساحة من الوجدان العربي ونبض الشارع ومقياساً تضامنياً لحقيقة العواطف والأحاسيس والهم الوجودي المشترك في معركة الوجود للشعب العربي مع الكيان الصهيوني،وما شكلته هذه القضية المصيرية والحيوية من محمولات دلالية ورمزية وترميزية في كل المسالك والدروب وأنماط التفاعل الإنساني وبكل الاتجاهات والميادين.
    نكبة فلسطين عام 1948 التي قسمت الشعب العربي الفلسطيني إلى قسمين مؤلمين. واقع الاحتلال والقمع والسطوة الصهيونية الاستيطانية.وواقع التشرد وفقدان الأرض والوطن في أماكن اللجوء العربية والدولية،وما تعرض له هذا الشعب المُقسم من مؤامرات عربية وأوربية وغربية وأمريكية متكررة لإنهاء وجوده كشعب وهوية قومية عربية وإنسانية وحضارية وجمالية.وما شكله الرمز في سياقه المفاهيمي الواسع في كافة منابت الإبداع من مكانة فاعلة في صيرورة التصدي لحلقات المؤامرة على هذا الشعب العربي الفلسطيني المكافح إلى "يوم الدين".وقد كان للرمز في مساحة الإبداع الفني التشكيلي الفلسطيني الأهمية البارزة والتواجد الدائم في كافة أعمال الفنانين التشكيليين الفلسطينيين والعرب والمكافحين العالميين في نصرة وعدالة القضية العربية الفلسطينية لوحة وملصقة وحفرية ونصباً نحتيًا وسواها من أشكال التعبير الفني التشكيلي.
    الرمز في المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني المعاصر مرتبط مباشرة بواقع الاحتلال الصهيوني،ومنخرط في الحدث الفلسطيني الكفاحي عِبر قنواته النضالية المتاحة.حيث وقف الفنان التشكيلي الفلسطيني في الخندق الدفاعي الأول عن الحقوق الوطنية والقومية والتاريخية والحضارية والجمالية للشعب العربي الفلسطيني في فلسطين ومن خارجها والمتفاعل مع مسألة الصراع العربي – الصهيوني وتفاعلات اللحظة الآنية والمعايشة اليومية لدروب الآلام الفلسطينية. تُقحم الفنان التشكيلي الفلسطيني بالتعاطي مع الرموز التعبيرية تواصلا كفاحياً مشروعاً في أخذ زمام المبادرة التحريضية والدعائية لأشكال النضال الفلسطيني وبكل مستوياته وآلياته وأدواته،ربطا مباشرا ودلالياً لهدف منشود من وراء كل عمل فني تشكيلي منفذة بأساليب تقنية متعددة المفردات والعناصر الفنية التشكيلية الرصفية لبنائية التكوين وتوصيل أفكاره ومحموله الفكري والنضالي والسياسي والجمالي،بحيث يُشكل المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني المعادل الموضوعي لمجمل طرق النضال الفلسطيني في المعابر الإبداعية الأُخرى الموازية والمندمجة في سياق تكاملي وشمولي مع ماهية وكينونة الفنون الجميلة التعبيرية. سواء أكان هذا الرمز الدلالي عنصراً متفرداً ومتكرراً في أبعاد العمل الفني أو مُتشكل من مجموعة عناصر فنية متجانسة ومتكاملة خطياً ولوناً وفكرة تعبيرية ومواقف مشهدية. حيث تُشكل ثلاثية الأبعاد الشكلية (الخط،اللون،بناء التكوين) مجالاً حيوياً لإيصال الفكرة القصدية في شكل رسالة جمالية إنسانية حضارية وكفاحية معبرة عن واقع وحياة الشعب العربي الفلسطيني وتاريخ أمة،وتظهر تجليات الفكرة التصويرية في مدخلاتها الدلالية الرمزية البصرية المرئية في توليفات التكوين بالعمل الفني تقنيًا وفكرياً مقولة الفنان الوجودية والتعبيرية والدور الوظيفي والكفاحي كجزء لا يتجزأ من مخرجات العملية النضالية في مجملها الكفاحي.

    إن أية نظرة موضوعية عامة سبرية أو مسحية أو متفحصة ومتبصرة في عموم المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني داخل فلسين وفي مناطق الاغتراب العربية والعالمية التي واكبت حركة النضال الوطني والقومي الفلسطيني منذ بداية القرن العشرين وتواصلت مع انطلاقة النضال الفلسطيني المسلح في الفاتح من كانون الثاني عام 1965 وحتى اللحظة الآنية المعايشة وما تلاها من خطوات إقدام وإحجام ملتصقة بهموم الوطن الفلسطيني ومسيرته النضالية وبالمواطن والهويّة والانتماء،وعوامل النكوص والإحباط والانسلاخ والتشظي في تداعيات القطرية العربية والانحياز للوطن القطري الضيق والتخلي عن مركزية القضية الفلسطينية في مساحة الفعل العربي الرسمي.وقنوات الأمل والتفاؤل المشوبة بدماء الشهداء والتضحيات العربية والعالمية والفلسطينية،وإلى ما هنالك من تعبيرات وصفية أدبية ورمزية التي أوجدت للفنان التشكيلي الفلسطيني وسواه من المناضلين فسحة رحبة لدور نضالي مميز،ليجد الفنانين ذواتهم الابتكارية والإنسانية داخل الحدث جنودا مجهولين في تشكيل لحمة إضافية لتوثيق عرى التواصل النضالي مع القضية الفلسطينية كتفًا بكتف مع المقاتلين في مواقع الصمود والتحدي وحروب الوجود.

    ارتبط الرمز في أشكاله الخطية واللونية والفكرية عِبر عناصر ومكونات فنية شكلية مثل (البندقية، الفدائي، الشمس، القمر، الغزال، الخراف، الديوك، الكوفيات، الأسماك، الماء، الأشجار، الأيقونات، الأساطير، الزخارف النباتية والهندسية والحيوانية،المهن اليدوية،العادات والتقاليد، الأزياء،الهلال ورماة الحجارة) وغيرها من رموز ودلالات مفاهيمية وفكرية مستحضرة ومنشودة من مِخيال الذاكرة الشعبية والموروث الحضاري والجمالي والحكايات والأشعار والمقولات والأهازيج والأغاني والذات الفنية المبتكرة والمتضافرة مع روحية الذات النضالية والوجودية في معركة البقاء. مشغولة في اللوحات التصويرية في أناقة تعبيرية مناسبة لمدلول اللون في الذاكرة لتشكل الدائرة اللونية الأساسية(الأحمر،الأصفر،الأزرق) والمساعدة المتممة(الأبيض والأسود) وتدرجاتها اللونية الاشتقاقية بروداً وحرارة وحِدة لونية، ووحدة عضوية متكاملة لمعزوفة الوطن والنضال الوطني الفلسطيني في إيقاعات بصرية فنية تشكيلية. وليمة بصرية حاشدة لكل الرموز والدلالات المعبرة

    والموحية.تبعاً لذات الفنان الابتكارية وقدراته في امتلاك أدواته ومفرداته الوصفية والتقنية والمتوافقة مع اتساع مساحة التأليف الرمزي لتجليات الأفكار والحدس والابتكار.اللون "الأحمر" كمدلول معبر عن الثورة والحركة المقاومية وتدفق شلال الدماء في شرايين الثوار المكافحين الذين يقدمون أرواحهم قرابين حب ووفاء وولاء على مذبح الحرية ومسالك العودة إلى فلسطين أعراساً وشهداء في قافلة الأجيال.بينما "الأخضر" كمدلول رمزي للطبيعة والخير والعطاء وازدهار الحياة وتألقها واستمرار جذوة الكفاح.أما "الأزرق" بدلالاته متعدد الخصائص والسمات وإحالاته الإلهية والكونية، والمعبر عن الحرية ونبض الحياة والانعتاق وسمو النفس البشرية وحالات التصوف والهيام في مساحات الوطن وأماني أبنائه في تحقيق الأهداف النضالية الكبرى في مسيرة الآلام الفلسطينية عِبر قرن من الزمن،وغيرها من الملونات المجتمعة في حضرة الوطن وفضاء القضية الفلسطينية في سياق فنون تشكيلية أصيلة معبرة عن الذات والوجود وموقعنا في خارطة الصراع.أنهاراً جمالية متدفقة تصب في واحة الوطن العربي الفلسطيني وأماني العودة ودروب التحرير متعددة المسالك والأشكال.
     

  6. #6 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    دلالات الرمز في الفنون التشكيلية الفلسطينية 2في أزمنة الانهيارات الكبرى والهزائم تتعلق الشعوب بقشة محاولة واعتقادا منها بأنها بيت الخلاص،ودفعاً قسرياً انفعالياً في استمرارية نبض ووهج الحياة. وبالتالي التنكر لواقع مفضوح ورفض هذا الواقع المأزوم والمنكوب والمهزوم.والحال هذه عقب هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران 1965 أمست حركة المقاومة الفلسطينية الناهضة، والفدائي الفلسطيني – الرمز دلالة نضالية وهويّة قومية عربية وجسد بحركته الدينامية والاستشهادية في لحظة يعربية تلك "القشة" الرمز والمُعطى والمرجعية الكفاحية في رفض الواقع الرسمي العربي المهزوم.

    تنوعت المصادر الإبداعية باختلاف الوسائط التعبيرية. في السياسة والأدب والفنون الجميلة من مسرح وموسيقى وسينما وأغاني ورقص وتشكيل. ممجدة ذلك الفدائي الفلسطيني "الرمز" في كل مفاصل الحياة العربية اليومية،ولعب الفن التشكيلي العربي الفلسطيني على قدم المساواة في التعبير عن هذه الحالة الكفاحية الاستثنائية في حركة النضال القومي العربي المعاصر. فكانت الأعمال الفنية التشكيلية تنطق في أسلوبيتها ومعالجتها التقنية لزخم الموضوعات والتجليات الابتكارية للفنانين والحدسية التفاعلية مع الرؤى والتوصيفات المشهدية البصرية المجازي والمعبرة عن هذه الطاقة الإنسانية الخلاقة "الفدائي" المندفعة نحو الأرض والوطن مؤمنة بالأهداف التي رسمتها قوافل الشهداء الأولى في رحلة التحرير والعودة ومعركة الوجود،ورصد للواقع ومجموع الأماني والأحلام المتفاعلة مع ذكريات "المخيم" وأماكن اللجوء متعددة الأسماء والأماكن، حيث ولد الفدائي"الرمز" في أحشاء البؤس والتشرد والقهر الإنساني والمعاناة.حاملاً معه أوجاعه وآمال شعبه وأمته وآلامه. عنواناً لقضية عادلة وتكريساً فاعلاً لهويّة نضالية تحتل فلسطين فيها موقع القلب المدمى للأمة العربية.وكانت مادة حية حافلة بالمواضيع الاستلهامية ودفق الحياة وصخب قنوات التعبير الفني التشكيلي الخطي واللوني المتفاعلة مع الأحاسيس الإنسانية الصادقة في توليفات ومفردات تشكيلية تحدد مقولة كل فنان تشكيلي فلسطيني ومدى تواصله مع دوره النضالي وقضيته شكلانياً وتعبيرياً وتقنياً وتوصيفاً مشهدياً وفاء لدماء الشهداء، وهم يعتمرون كوفياتهم المزركشة تُلثم تفاصيل الوجوه وعيون يقظة متفائلة بالعودة وغناء معزوفة التحرير منارات مضيئة على الطريق. يتمنطقون ثيابهم "الخاكية أو المرقطة الملونة"من كل الفئات العمرية. فتية ، شباباً، رجالاً، كهولاً ونساء. قوافل عابرة إلى فلسطين جسوراً أزلية لا تنتهي في حدود الجراح والاعتقال والداء والشهداء. هذا الفدائي سواء أكان ذكراً أم أنثى احتل مساحة من الوجدان العربي وأضاء الذاكرة الثقافية والنضالية والبصرية كأفراد وكشعوب، ولنا في كل المواقع النضالية مآثر جميلة وبيارق وتذكارات وشواهد، لا سيما بعد هزيمة حزيران 1967 حيث غدا الفدائي"الرمز" الأنموذج الأمثل للتضحية وتعبيراً عن نضال الأمة العربية مجتمعة،ومساراً واضحاً للصمود والتحدي وشرطاً موضوعياً ملازماً لمقولة"إزالة أثار العدوان". وحافزا مثيرا لدافعية الشبان للانخراط في صفوف الثورة الفلسطينية من كل الجنسيات العربية والعالمية. والتغني بأفعاله في مواقع البطولة والاستشهاد.

    الفدائي"الرمز" الذي احتضنته اللوحة والمنحوتة والملصقة الفنية التشكيلية كدلالة معرفية ووجدانية معبرة عن هويّة وجودية وكفاحية،معتمدة على التكوين الشكلاني في صياغة واقعية للحالة المرصودة.أي المواءمة ما بين الشكل والمضمون والمعالجة الأسلوبية والتقنية في تحميل اللحظة التوصيفية أشكالاً تعبيرية تحريضية تثويرية،وإدخال الفن التشكيلي في مجالاته الوظيفية في المجتمع وكل أنماط السلوك الاجتماعي والحياة.وتنوعت الموضوعات بتلون الحالة الرصدية وتفاعلات الفنان التشكيلي وصدقه التعبيري والفكري والجمالي وقدراته المهنية والتقنية والأكاديمية في توصيل الغاية المنشودة من منتجه الفني وتأثره بالثقافات الفنية التشكيلية السائدة من مدارس واتجاهات موزعة ما بين المدارس "الواقعية،التعبيرية، الرمزية،السوريالية،الرومانسية، والتجريدية". معتمدة في غالبية الأعمال الفنية في سياقها الإبداعي التأليفي على المعايشة اليومية للحالة الانفعالية المتفاعلة مع مجريات الحدث الكفاحي.قائمة على النمط البنائي التحفيزي للصورة البصرية المقصودة والتي يتموضع فيها مفردة وهيئة الفدائي "الرمز" كمكون أساسي في مساحات العمل الفني واندماجه الكامل مع بقية العناصر والمفردات التشكيلية الأخرى المتممة لجمالية التأليف البصري وأنساق التوصيف الدلالي والجمالي من "خط،لون، كتل بنائية، مساحات، ورموز متوازنة الصياغة ومتجانسة مع روحية الفكرة التعبيرية والمنفذة بأساليب وتقنيات عابقة بخصوصية كل فنان بذاته الإبداعية المستقلة عن الآخرين، والتي تشكل مع الأخر الإبداعي لوحة تكاملية لأهزوجة الفدائي"الرمز". تصوغها الأيدي الماهرة ما بين اللوحة التصويرية الزيتية والمائية والباستيلية. أو المنحوتة المنفذة بخامات متنوعة في أوضاع حركية ثلاثية الأبعاد بأعمال "نصبية أو بارليف جداري ملحمي". أو الملصقات الإعلانية التحريضية (الملصق السياسي) باعتبارها من أكثر الأدوات الإعلامية بروزاً في كافة فصائل حركة المقاومة الفلسطينية لأهمية دورها الوظيفي التحريضي كقيم بصرية مباشرة سواء أكانت هذه الغائية للذات التنظيمية أو الهويّة النضالية باعتبارها أكثر يسراً وتدولاً حيث يستحضر الفنان التشكيلي صورة الفدائي "الرمز" في تعبيرات خطية ولونية وجمالية تُفصح عن كينونتها الأيديولوجية وتجليات الحالة التواصلية مع هذا الرمز في ضمير وأدوات ومفردات الفنانين التشكيليين ومؤثراتها في الشارع العربي المقاوم.

    لقد اتخذ الفنانون التشكيليون عموما من أوضاع الحركية للفدائي بواقعيته التشخيصية في مواقف قتالية متنوعة ومتوازية مع الخلفيات الشكلانية المناسبة وقصدية الفكرة التأليفية المعبرة، وهو يرتدي لباسه القتالي الميداني المدجج بالسلاح كأسلحة فردية معهودة ومدلولات استعداده التام والمعقلن لخوض معركة الفداء والاستشهاد ضد لعدو الصهيوني. أو رافعاً يده بإشارة النصر الطقسية. أو إظهاراً للتعبيرات الحسية في ملامح الوجوه الملثمة والعيون المشعة والمشبعة بالتفاؤل والقدرة على التضحية بالنفس والاستشهاد. أو إظهار حالات الاشتباك مع قوات العدو الصهيوني في أشكال ملحمية حيث تغدو التكوينات الفنية التعبيرية والموضوعية تفسح عن المباشرة الشكلية والواقعية الوصفية لحقيقة المواقف البصرية والمشهدية. والتي تأخذ في بعض الأحوال قسوة الخطوط وصراحة الملونات التناقضية فوق سطوح الخامات محددة لماهية التكوينات ومقولاتها الدلالية وكينونة اللحظة الحدسية والتفاعلية لخيال الفنان، والتي تجد في حركيتها عنفوان اللحظة وجودة التوصيف والتقاط ومضات الاندهاش الأولى في عين المتلقي كامتداد طبيعي لجمالية الفكرة والتي تأخذ هيئة الفدائي"الرمز" بعض المبالغات الشكلية لدى بعض الفنانين لتشكل في مجموع الأعمال الفنية التشكيلية الفلسطينية معزوفة قومية عربية صادحة بكل ملونات الفداء والبقاء والصمود، وأهمية الفدائي المقاوم في مساحة الوجدان وتشكيل الذاكرة البصرية والكفاحية للشعب العربي الفلسطيني المناضل.
     

  7. #7 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية.تعتبر الستينيات الميلادية بداية فعلية لحركة الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية, فمع بداياتها انطلقت البعثات لدراسة الفن والتربية الفنية خارج البلاد, ومع منتصفها بدأت حركة العروض الفردية في بعض مدن المملكة.

    كان ابتعاث عبدالحليم رضوي وعبدالرشيد سلطان ومحمد عبدالحميد محبت وجميل مرزا واحمد عائش الدشاس, وآخرين منطلقا لبعثات اخرى خلال الستينيات او السبعينيات الى الولايات المتحدة الامريكية وايطاليا, مثل محمد الصقعي وبكر شيخون وعلي الرزيزاء ومحمد الشليم وضياء عزيز وخالد العبدان وكمال المعلم وجميعهم درسوا في ايطاليا كما درس فؤاد مغربل ومحمد الرصيص في مصر, وعبدالحميد البقشي وعبدالله المرزوق وحمزة باجودة ويوسف العمود وناصر الرفاعي في الولايات المتحدة الامريكية وابتعث فيصل السمرة الى فرنسا ودرست منيرة موصلي في مصر ونبيلة البسام في الولايات المتحدة الامريكية, وواصل عبدالستار الموسى دراسته الفنية خارج المملكة على حسابه الخاص, مثل نبيلة ومنيرة, كما تلقت صفية بن زقر دراسات حرة في مصر وبريطانيا.

    يعتبر عبدالحليم رضوي 1939م صاحب اول معرض فردي يقيمه بعد عودته الى المملكة مباشرة في العام 1964م, في مدينة جدة, واقام عبدالرشيد سلطان معرضه الاول في جدة عام 1965م واقام عبدالعزيز الحماد معرضه الاول في نفس العام, واقام محمد السليم اول معارضه الفردية عام 1967 في الرياض, وبعد عام اقامت (صفية بن زقر ومنيرة موصلي) معرضا مشتركا في مدينة جدة كما اقيم في مدينة الرياض معرض جماعي كبير عام 1969 نظمته المديرية العامة لرعاية الشباب, وانطلقت خلال السبعينيات معارض عديدة في مختلف مدن المملكة العربية السعودية.

    في العروض الأولى كانت الأعمال الفنية تلامس المظاهر البيئية والاجتماعية كان الفنان عبدالحليم رضوي قد عاد بعيدا, بعض الشيء, عن المحاكاة والتمثيل, الا ان ردة الفعل كانت قوية حيث العزوف عن حضور معرضه وهو ما وقع مع الفنان عبدالعزيز الحماد في معارضه الأولى في الدمام.

    كانت اعمال رضوي, فيما بعد, بتعبيرية استفاد منها من معالجات (فان جوخ) وحرارة تلويناته, وقد وظف, رضوي, المنازل الشعبية والكتابات, والطيور, والشخوص, تحتشد للتعبير عما سمّاه بالتموجات الفكرية والشحنات الانفعالية, وقدّم مؤلفا في هذا الصدد ولعلها دلالة على حيوية هذا الفنان الذي اندفع الى الساحة بقوة نشاط الشباب, وقابل هذا النشاط المتقد لرضوي اسم مهم في حركة الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية, وهو محمد موسى السليم 1938 ــ 1997م الذي اصبح ورضوي خلال سنوات قطبي النشاط التشكيلي, باقامة العروض الفردية, ولقد عمل السليم لترسيخ بعض المفاهيم لتأكيد اهمية انتماء العمل الفني الى بيئة محلية كانت مصادره فيها المحيط البيئي والطبيعي في الصحراء, والارياف فرسم النباتات والمخططات الجديدة, والمتغيرات, كما رسم مواضيع الأمومة والفلاحة وغيرها, وميز اعماله صدقها الفني واصالتها. لقد كانت تبقيعاته المتأثرة بأعمال بعض الانطباعيين مستهلا لخوض غمار تجارب متصلة انتهت بما اسماه (الافاقية) في اشارة الى امتداد معالجاته, اللونية وتلخيصاته الشكلية وايحاءاته لمفردات وعناصر محلية بينها الخيمة,والجمل, والبيوت الطينية والاشجار والحروف, وغيرها.

    يعتبر عبدالجبار اليحيا 1931م من الرعيل الاول وان بدا حضوره متأخرا, لقداسهم في اواخر الستينيات بالنشر في احدى الصحف المحلية عن الفن التشكيلي, واقام اول معارضه الفردية عام 1973م, وان رسم وعرض في اطار ضيق, محيط عمله الوظيفي, واعمال هذا الفنان بدأت بمحاكاة الطبيعة, والمظاهر الحياتية خاصة في الرياض, الا ان اهم المتغيرات في اعماله كانت تناوله لمواضيع تمس المرأة وتربطها ببعض العناصر كالنخلة, او المنازل الطينية او حتى الرجل حينما رسم احدى اروع لوحاته (البناء) التي تجسدت فيها البساطة والاختزال وكثافة الفكرة.

    ومنذ اعمالها المبكرة انشغلت صفية بنت زقر 1940م بتسجيل المظاهر الحياتية في منطقة الحجاز عامة, ومكة المكرمة على وجه الخصوص. وثقت للعادات والتقاليد الاجتماعية, وغاصت في اعماقها, رسمت بعفوية وبساطة مظاهر الاعراس وحركة الاسواق وجلسات النساء, والرجال, وقد نشطت (صفية) في نقل اعمالها للعرض خارج المملكة مبكرا.

    وسجّل سعد العبيد 1944م مظاهر اجتماعية منذ بداياته وحتى فترة قريبة, كما رسم الصحراء, والاطفال, وكبار السن, والمواضيع الانسانية, المستوحاة من المحيط في دلالات رمزية احيانا, ومباشرة غالبا مستفيدا الى حد ما من معالجات الانطباعيين التنقيطية, ويلتقى مع اهتماماته محمد الصندل 1944م الذي رسم المظاهر الاجتماعية في مدينته الاحساء.

    رسم مظاهرها الريفية (الفلاحون والبائعات, والمزارع) كما رسم بعض المظاهر الاجتماعية, ويلفت في اعماله انحيازه الى مواضيع معينة مثل (البناء, الخباز, الحناء, المرفاعة), وغيرها, والتقى معه في هذا الاتجاه نحو المحيط وعلى تنوع المواضيع, واختلاف المعالجة عبدالرحمن الحافظ 1953 واحمد المغلوت 1950م وعلي الصفّار 1953 الذي استفاد من بعض معالجات الانطباعيين في ضربة لونية تعبيرية, وكذلك منير الحجي الذي لون بانطباعية غنائية, المزارع, واهتم برسم المراكب والمنازل القديمة.

    مظاهر اجتماعية

    وظهر الاهتمام بالمظاهر الاجتماعية في اعمال العديد من الفنانين التشكيليين السعوديين مثل ابراهيم الزيكان الذي رسم المزارع والمنازل الشعبية, وفوزية عبداللطيف التي نقلت باحساسها الفطري حيوية الحارة الشعبية وجلسات وعادات النساء, وعبدالرحمن الحواس الذي زخرف ولوّن بمبالغة, وبحرفية منازله الطينية النجدية بتأثير اعمال الفنان علي الرزيزاء 1944م ويعتبر الفنان عبدالله الشلتي واحدا من ابرز الانطباعيين السعوديين ذلك ان للبيئة التي عاش فيها الفنان تأثيرا في حلوله الفنية التي منحت لوحته تأثيرها. رسم الشلتي الطبيعة العسيرية, بمزارعها وجبالها المخضرة, ومنازلها التي يميزها نمطها المعماري, ولقد ترك هذا اثره في عدد من الفنانين مثل عبدالله شاهر وحسن عسيري وسعود القحطاني وفايع الالمعي خلال فترة من حياتهم الفنية وآخرين, وجميعهم من ابناء منطقة هذا الفنان.

    ونوّع محمد المنيف 1953 على مواضيع استلهمها من بيئته وبدرجة من الرهافة وهو يوظف الالوان المائية.

    وجاءت اعمال الامير خالد الفيصل دافئة وشاعرية في تناوله للطبيعة البرية بكل ما تحمله من جمال ربيعي, موحيا بعلاقة شعرية, وصفية, في لوحته, وباشر ضياء عزيز في تناول مواضيع اجتماعية شعبية يستوحيها من الحارة او من العادات اليومية للنساء في منازلهن, كما رسم مواضيع نسائية اخرى ابرزها كان عن القضية الفلسطينية.

    وتطرح اعمال بعض الفنانين التشكيليين السعوديين, على تأثرها بتيار فني حديث ـ اهتماما بالبيئة وبالمحيط الاجتماعي.

    فنجد حلولا تستفيد من اعمال التكعيبيين, واخرى من السيرياليين او التجريديين ففؤاد مغربل رسم بداية محاكيا للمظاهر المعمارية في المدينة المنورة الا ان هذه المحاكاة اتصلت فيما بعد بتقطيعات جزئية في لوحته وكأنه يسعى لتحليل مساحات, وإحالتها الى منشور تنعكس فيه درجات عديدة للون واحد, الا ان محمد عبدالرحمن سيام, تناول مواضيع اخرى اقرب الى اعمال التكعيبيين المركبة التي تتألف فيها المساحات وتنبسط العناصر للتعبير عن فكرة عامة, اهتم فيها بمجموعات لونية يحاول من خلالها ايصال افكاره, اما على حسن هويدي فقد كانت منطلقاته محاكية ومباشرة برسم مواضيع قريبة للنساء والاطفال, والاسواق, وغيرها وقد تراوحت اهتماماته بين المباشرة احيانا, وبين اضفاء غلالة من المساحات الهندسية التي تشف الشكل وتتلون معه المساحات قريبا من الاختيار العام, بحيث ان رهافة الفنان وحساسيته تجعله يبقى على حال اللون, دونما اشغاله او الاضافة اليه من مجموعة اخرى. وقد عبرت بعض اعمال هويدي المبكرة عن قدرة تركيبية تمثلت في مجموعة من الاعمال حملت عناصر ومفردات مستوحاة من الابنية, والشواهد او الرموز المعمارية الاسلامية حققت للفنان مكانة وتأثيرا مبكرين.

    ويستفيد محمد الرصيعي من اعمال وحلول التكعيبيين في احالتهم عناصرهم الى حدودها الهندسية, محافظا على الهيئة العامة للموضوع وموظفا ألوانه بحيوية, وطرح سعدون السعدون اعمالا بتأثير التكعيبية تناول فيها مواضيع محددّة واخرى جمالية كانت اكثر تعبيرية بمعالجاته اللونية.

    وتبرز في تجارب الفنانين التشكيليين السعوديين اعمال عبدالحميد البقشي الذي اطلق منتصف السبعينيات اعماله التي تأثرت بصياغات وافكار السيرياليين, الا ان الفنان البقشي كان يوظف عناصر محلية منحت عمله بعدها الاجتماعي, وقد تركت هذه الاعمال بمهارات الفنان وقدراته الفنية, وبتلويناته وغرائبية عناصره تأثيرها في اعمال بعض الفنانين, وسواء كان هذا بالالتقاء به او الابتعاد عن حلوله, الا ان هذا التأثير بدا وضحا في اعمال عبدالعظيم شلي وسامي الحسين, وفنانين آخرين من الناشئين وكانت اعمال خالد الامير على علاقة بتأثيرات سيريالية وهو يتناول مواضيع مختلفة بينها ما يعبر عن قدرات ومهارات هذا الفنان وصدقه, كما كانت اعمال خليل حسن خليل بكل ما تحمله من محاولة للتعبير عما هو اجتماعي او تاريخي يسقطه على حاضره, وحملت اعمال صالح خطاب حلولها الخاصة, ورموزها ودلالاتها في تعبير عن الانسان والحياة والموت, كما كانت اعمال حميدة السنان التي تأثرت بالاجتماعي او التاريخي.

    التوجه نحو الموروث

    يعتبر التراث منهلا ومرجعا مهما في تجربة العديد من الفنانين التشكيليين السعوديين, وعلى ان عددا منهم قد حاكاه في مظاهره المعمارية او الحياتية والاجتماعية موثقا ما اصبح في حال من المتغيرات او لم يبق من اثره الا القليل, فان صوتا اخر ظهر مبكرا في استلهام هذا التراث, وبعثه في صورة تأليفية تباشر احيانا, وتوفق احيانا وتسعى ان تجدد وتغاير في حالات اخرى.

    فقد شكّل التوجه نحو الموروث المحلي خاصة والعربي والاسلامي عامة تيارا قويا وبارزا منذ وقت مبكر, وقد شهد ذلك العروض التي حاول بعض الفنانين بعث هذا الأثر في صور متعددة, وهي عروض مبكرة اختلطت فيها المحاولات, واتيحت للمشاركة فيها الفرصة للفنانين والهواة فمثلت لوحة عبدالحليم رضوى وفي صيغ تأليفية, تركيبية وحداتها وعناصرها في بعث لعناصر محلبة اراد لها (عصرنة) واحالة جديدة على خلاف المشاهد المباشرة وهي الصيغة التي دافع عنها ايضا, وباختلاف بيّن, الفنان محمد السليم الذي استوحى من الخيمة, والصحراء ليصيغ موضوعا مختلفا من منطلقات تراثية شعبية كان يتعامل معها بحميمية, ولقد توجه ذات المنحى سمير الدهام 1954 الذي لخص عناصره ومنحها بعدها او دلالاتها الرمزية, وتعامل مع تلوينات دافئة خاصة من البني والاصفر, فرسم الاسواق الشعبية والرقصات, والتقط مواضيع شعبية ميّزت تجربته الفنية مبكرا, كما كانت اعمال علي الرزيزاء الذي عاد الى المعمار الشعبي في نجد, عاد الى الرسوم الجدرانية والنقوش ليستوحي منها متعاملا مع المعاجين والالوان النحاسية والذهبية لعمل فني يحمل نفسا متميزا ومختلفا ترك اثره في بعض تلامذته الفنانين الشباب.

    واستوحى عبدالله الشيخ 1936 من المعمار التقليدي العراقي وموظفا عناصر لوحته لتقديم موضوع ذي ابعاد شعبية بتوظيفاته اللونية الحميمة واشكاله لواجهات المنازل والنوافذ والابواب. وهو ما وظفه عبدالله المرزوق في صياغات تجريدية هندسية لخص معها الشكل, واختار ألوانا محدودة قرّبت فكرته الفنية, ومنحت لوحته عمقها ودلالتها, وجاءت لوحة طه صبان لتبعث فيها الرموز والعناصر المحلية, والمواضيع العامة للحارة وللبحر ولحركة يومية جرّد معها الاشكال في اثر تجريدي مميز, وكانت اعمال ابراهيم بوقس تستوحي من الشعبي, المحلي, في تلوينات زاهية وعناصر بينها الهندسي والعضوي, والكتابي, وكانت اعمال سليمان باجبع تكرس لصيغة شعبية لها رموزها وعناصرها بينها الوجوه الأدمية والطيور والخيول والكتابات وعلى نحو تبسيطي يستفيد من تسطيح الفنون الاسلامية والشعبية, ويلتقى معه احمد السبت على اختلاف تلوينات (السبت) الشفافة التي عبّرت عن شخصيته الفنية وعلى ان فنانا نحاتا مثل علي الطمسي قد تعامل مع خامة صعبة هي الرخام الا ان مواضيع هذا الفنان انحازت الى ما هو تراثي في تبسيط لبعض العناصر المحلية, والكتابات, وانحازت الى ما هو تراثي في تبسيط لبعض العناصر المحلية, والكتابات, وقد تجاوز الفنان هذه العناصر ـ المواضيع الى تشكيلات جمالية عبّرت او اوحت بالأمومة في معظم الاحيان.

    الحرف العربي

    منذ السبعينيات كان الحرف العربي يحضر في اعمال بعض الفنانين التشكيليين السعوديين, الا ان هذا الحضور كان ثانويا وكان ـ كما يبدو ــ بتأثير التيار القوي الذي ظهر عند بعض الفنانين العرب, واستقبلته الساحة العربية بمعرض (البعد الواحد).

    من بين من تأثر بالتيار الحروفي محمد الصقجي الذي تناوله مباشراً ومكتوباً على شكل آية قرآنية كريمة او قول مأثور او غيره الا ان هذا الحرف اتخذ منحى مغايرا فيما بعد في محاولة للاستفادة من طواعيته, ومعطياته الجمالية, الا ان فنانا اخر هو محمد السليم كان الحرف لديه صيغة مجرّدة تتجرد وسط الارتدادات المسطحة التي تنبعث في لوحته الفنية, ومعها يوجد الحرف وسط امتداداته اللونية الطاغية في اللوحة.

    محالا من حالته المباشرة الى تشكيلات تتآلف وعناصر او موحيات اخرى. الا ان الفنان سعى فيما بعد الى تناول مباشر للحروف فكتب بخطوط حرّة آيات وادعية واقوال مأثورة وقدّم بكرشيخون الحرف كاضافة او اشغال لمساحاته وتكويناته الفنية مستوحيا ـ كما يبدو ـ هذه الكتابات من الحشوات والزخارف الاسلامية, وجاورت الكتابات في بعض اعمال علي الرزيزاء, الاشكال الزخرفية وكتبها عبدالحليم رضوي لايصال وتكثيف فكرته عندما كتب القدس تناديكم او اين الضمير, او الشهادتين, وغيرها, وحملت لوحات ناصر الموسى شخصيتها الحروفية منذ 1983 عندما تناول الحرف بكثافة ظهر معها معرضه الشخصي الذي يعتبر اول معرض فردي اختص بالحرف العربي, وفيه كانت المعالجات دافئة وعفوية منحت التجربة ـ في بداياتها ـ دفئها واهميتها, ويواصل الفنان تناول الحرف العربي في معظم اعماله الفنية حتى التي تنشر هالة باستمرار (مجلة التوباد) الدورية, كمخرج فني لها.

    حضر الحرف في تجربة عبدالعزيز عاشور في مباشرة اهتم معها باللون والتصميم الذي تنبثق معه الحروف من مركز واحد, وتعود اليه, خلاف يوسف احمد جاها الذي توازعت حروفه مساحات اللوحة, كما ظهرت بتقطيعاتها وتجزيئاتها كمن يبحث في علاقات ما بينها, وحضرت الحروف ايضا في اعمال لحمزة باجودة يباشر بوجودها بينما جاءت عند فهد الربيق لتقدم رؤيته الفنية المتأثرة بالتونسي نجا المهداوي, وهي تجربة استمرت اعواما قليلة عاد بعدها الفنان الى صياغاته الحلمية الخاصة والتي ظهر منها على حروفه شفافية التلوين ورهافة المعالجة, بينما كان الحرف العربي عند سليمان الحلوة شاعريا والصياغة على درجة من الرهافة والرومانسية, وقد تناول الحرف العربي عدد من الفنانين التشكيليين السعوديين تباينت حلولهم واختلفت نتائجهم وسنجد أهمها عند تركي الدوسري ويحيى شريفي وعلي عيسى الدوسري ورضا وارس واحمد منشي واحمد السبت واحمد الاعرج, وآخرين, وقد يكون لبعض الفنانين العرب الاثر الواضح في تجارب بعض التشكيليين السعوديين الحروفية, كما كان الاثر ايضا للمشاريع الخاصة بالمطارات الكبرى الثلاثة والتي استهلت في بداية الثمانينيات في مطار الملك عبدالعزيز بجدة وشارك فيه العديد من الفنانين العرب مثل ضياء العزاوي ووجيه نحله واحمد شبرين ومزيد بلكاهية ومحمد المليجي ونجا مهداوي, والقائمة طويلة.

    جاءت اعمال فيصل السمرة 1954 لتعبر عن حداثة جديدة للوحة التشكيلية السعودية, فالفنان منذ عودته من فرنسا ــ بعد اكمال دراسته الفنية ـ خاض تجارب تنوعت معها الصيغ والخدمات وانتهت باستخدامه في اخر معارضه بجدة الاسلاك والصفائح المعدنية او الحديد, ورابطا بين علاقة انسانية, وحالة من العودة الى ما يحقق معادلة جماليات, وحداثة اللوحة ـ العمل الفني, بينما وظفت منيرة موصلي الخامات والاصباع والتلوينات الشعبية لتلعبير عن هوية محلية لعملها الفني الذي تناولت عناصره بشكل فطري وفق استخدام الخامات كانت اعمال تحديثية لسعر الخليوي وصديق واصل ومهدي الجريبي ومحمد الفاوري وحمدان محارب وهاشم سلطان, وآخرين.

    لقد عبّرت العديد من الاسماء التشكيلية في الساحة السعودية عن توجهات سعت مبكرا من عمر تجاربها الى بحث, وسعي عن صيغة مميزة, وسنجد مثل ذلك في اعمال عثمان الخزيم وزمان محمد جاسم ومحمد المصلي ومحمد الحمد وعبدالعزيز الماجد وعبدالله ادريس ونايل ملا وعبدالله حماس وعبدالله نواوي وسعد المسعري وابراهيم النغيثر وعبدالوهاب عطيف وخالد العويس ورائدة عاشور وشادية عالم وبدرية الناصر واضواء بنت يزيد وشريفة السريري وصالح النقيدان ومفرح عسيري وعبدالعظيم الضامن ونوال مصلي وكمال المعلم واحمد فلمبان.. واخرين.

    لقد بدأت عدة قنوات حكومية وخاصة في رفد الساحة التشكيلية بالمملكة بالمعارض التي شجعت الفنانين والفنانات منذ قيام الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون 1973 ثم افتتاحها لعدة فروع تزيد حتى الان على العشرة, والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي تكثف بقيامها وانشاء ادارة الشئون الثقافية, قسم الفنون التشكيلية المعارض الجماعية التي خصصت لها الجوائز المادية واتسمت هذه المعارض (المعرض العام للمقتنيات, والمعرض العام لمناطق المملكة, ومعرض الفن السعودي المعاصر, والمعرض العام للمراسم) بجانب معارض اخرى واقامة معارض سعودية في الخارج واستضافت معارض عربية او دولية لفنانين عرب واجانب, ونظم الحرس الوطني السعودي معرضا جماعيا للفنانين السعوديين بشكل سنوي منذ 1985م من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة, وتنظم الخطوط الجوية العربية السعودية مسابقة منذ 1993م تحت مسمى مسابقة (ملون السعودية) تمنح جوائز مادية للفائزين فيها, وتقوم عدة صالات عرض خاصة بتنظيم معارض شخصية ومشتركة وجماعية للفنانين من داخل السعودية, ومن خارجها, وبرزت بين المؤسسات الفنية (المنصورية للثقافة والابداع) التي اخذت على عاتقها شكلا رياديا تنظيميا اهتمت منه بالفنانين.

    وتبنت عروضهم داخل المملكة العربية السعودية وخارجها, وقد قامت في السعودية بعض الجماعات التشكيلية من ابرزها كجماعة فناني المدينة المنورة, وجماعة درب النجا, وجماعة الفنون التشكيلية بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف في المنطقة الشرقية, وجماعة الاصدقاء الخمسة, وغيرها
     

  8. #8 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الفن التشكيلي في العراقتكتسب تجارب الرواد في فترة الحرب الأولي أهمية تأريخ بوصفها نموذجا لفن الرسم في ظل ظروف اجتماعية معينة أصبح بعدها هذا الرعيل واضحا بفكره وثقافته واهتماماته.
    فقد أرسل أول مبعوث في الفن للدارسة خارج البلاد على نفقة الحكومة العراقية عام ( 1930 ) وأقيم أول معرض فني زراعي صناعي ببغداد ضم بعض اللوحات الفنية وكان لهذه الأحداث بالنسبة لمحبي الفن وقع في النفوس بقدر ما لدخول العراق عام ( 1932 ) في عصبة الأمم من أهمية سياسية .. وفي عام (1935 ) صدر كتاب ( قواعد الرسم على الطبيعة للفنان عاصم حافظ ) وفي عام (1936) أقام الفنان حافظ الدروبي أول معرض شخصي في بغداد . . وفي عام (1938) عاد الفنان فائق حسن إلى العراق من باريس نشاطاً فنياً مع زملائه.
    وفي عام (1939) سافر جواد سليم إلى فرنسا للدارسة الفنية .. وفي الثالث من أيلول عام (1939) اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية بينما كان الفنانون التشكيليون يجرون في دار الفنان ( فائق حسن ) لقاءات لمناقشة بعض القيم الفنية نتج عنها تحقيق فكرة فتح فرع للرسم في معهد الفنون الجميلة عام (1939).
    وفي بداية عام (1940) تشكلت جمعية أصدقاء الفن بمبادرة من الفنان أكرم شكري وكريم مجيد وعطا صبري وشوكت سليمان.
    وفي عام (1941) أقامت هذه الجمعية أول معرض لها شارك فيه فنانون هواة . . وكانت أعمالهم محتشدة باتجاهات أسلوبية مختلفة بعضها ناشئ عن التوتر الذاتي والمجتمعي في آن واحد وبعضها مثل الاتجاه التقليدي الذي طبعته الأساليب العديدة التي تحاكي الواقع في أعمالها ، ليسوا طبيعيين في إنتاجهم وليسو نمطيين في اتجاه ذلك الإنتاج حتى يصعب أحيانا التمييز بين الاختلاطات الأسلوبية وبين توقعات المستقبل إذا ما أخذنا الجانب التقني للأعمال الفنية وليس العامل الاجتماعي وحده.
    كانت بعض الأعمال الفنية تعبر عن الموقف الاجتماعي ولم تبتعد في تعبر عن الموقف الاجتماعي ولم تبتعد في تعبيرها عن المساهمة الأساسية في الكفاح السياسي ضد التخلف والتأخر وكانت هناك علاقات واضحة بين ما يطرحه الفنان وبين الظروف المحيطة وخاصة ما يشير إلى النزعات المتقدمة في رفض الاغتراب عن مشاكل وقضايا الشعب أو عند وقوع أحداث قومية ووطنية ، اقتصادية أو سياسية خطيرة في الوطن العربي وفي العراق بالذات بما فيها الانتفاضات والوثبات الشعبية وتبلور الشعور القومي بعد تهديد الصهيونية العالمية بادعاءاتها القائمة على العنصرية في أرض فلسطين العربية قبل حرب سنة 1948 والتنادي بتحقيق مقرراتهم في مؤتمر ( بازل ) الصهيوني عام (1897).
    وفي جانب آخر استهدف الفنانون اكتشاف أنفسهم ، ساعين إلى مطابقة الطبيعة وإجراء تجارب عليها بالألوان كما فعل الانطباعيون الفرنسيون وكانت هذه الاعتمادات الفسيولوجية هي القضية الملحة الأخرى في ظل ظروفهم الخاصة ، وبدأت الحياة الفنية في العقد الرابع تنبض بالحيوية وبالقدرة على احتدام الصراع في المجتمع وقد تبلورت هذا المفاهيم في أوساط المثقفين عموماً.
    في عام (1942) افتتح الفنان حافظ الدروبي مرسماً حراً ، كان من المقرر له أن يكون نواة المشغل فني كبير إلا أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح بسبب تكوين العلاقات الاجتماعية وطبيعتها اليومية فالمرسم الحر يلزم الفنان بالعمل داخله في جو أكثر صرامة وضغطاً على حريته في حين كان ميل الفنانين وقتذاك نحو الخروج إلى ضواحي المدن في الحقول والأرياف والمرتفعات والجبال .. و " هكذا فأنها بمقدار ما كانت تبدو فيه ( صديً ) للتجمعات الفنية الأوربية (كجماعة الأنبياء) الفرنسية مثلاً في نهاية القرن التاسع عشر ، كانت أيضاً ضرورة تاريخية اقتضاها نضوج الوعي الفني لدي الفنان العراقي إلى الحد الذي أخذ فيه يتحمس للممارسة الفنية بصورة غير فردية ، كما كانت ضرورة اجتماعية وفكرية اقتضاها نمو الجمهور الحديث في مطلع نشأته ، إذ هو يستكمل جميع أبعاد وجوده الإنساني ".
    وهكذا بدأت أولي العلاقات المضيئة في ارتباط البدايات الفنية بالفكر العالمي تدريجياً عن طريق اهتمام الفنان العراقي بالاتجاهات والأساليب الفنية في أوربا والشعور العميق بأهمية التقنية الشكلية التي تنضج من الأسلوب باتجاه وضوح المضمون تبلورت المفاهيم القومية والإنسانية المتقدمة في أوساط الفنانين التشكيليين وبلغت نضجها في العقد الخامس من هذا القرن وبأت من المؤكد القول أنه عقد التنوير أو العقد العظيم في تاريخ النهضة الثقافية الحديثة في العراق .. وقد شكلت خلالها الجماعات الفنية وبدأت ترتبط عن طريق اهتمام الفنانين أنفسهم بالأساليب الفنية في أوربا..
    أن الحاجة إلى ظهور جماعات تلتقي عبر ملاحظات جوهرية اجتماعية وفكرية أعلنت عن نفسها للتعبير عن ظاهرة تجعل من الفن وسيلة عمل إبداعي لا يكون بمعزل عن المناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ، وهكذا ظهرت جماعة ( الرواد ) عام 1950 " لتلزم أعضائها بالبحث عن المناخ الفني خارج إطار المرسم الشخي مثلما تلزمهم بتذوق الموسيق أو حمل أدوات الرسم والسفر الى ضواحي بغداد لرسم المنظر الطبيعي " كما أصبحت النزعة الاجتماعية واضحة في كيان " جماعة بغداد للفن الحديث " التي تشكلت عام ( 1951 ) تعبيراً سنمعني الالتزام الحضاري المحلي والإنساني معاً كذلك تشكلت ( جماعة الفنانين الانطباعيين ) عام 1953 وهى في الحقيقة ما كانت تعني بالبحث عن ( طرح الانطباعيين الفرنسيين ) ذاته ، إنما هي مجرد تسمية أدبية في إطارها العام ، وكانت التزاماً تقنياً في أحيان قليلة جداً دون التوصل إلى رؤية جديدة في الفن شأنها في ذلك وبشكل أوضح شأن الجماعات الفنية التي ظهرت في الستينات التي اعتمدت التقنية ، والشكل كجماعة ( المعاصرين ) عام 1965 و ( جماعة المجددين ) 1965 و ( جماعة الجنوب للفنون التشكيلية و (جماعة 14 تموز) و ( جماعة حواء وأدم ) و ( جماعة المدرسة العراقية الحديثة ) عام 1966 ثم ظهرت جماعة الزاوية و ( جماعة الحدث القائم ) و (جماعة تموز) في عام 1967 كما ظهرت ( جماعة البصرة ) و ( جماعة البداية ) عام 1968 وكذلك ( جماعة الفنانين الشباب ) و ( الفن المعاصر ) والرؤية الجديدة عام 1969 .. وفي مطلع عام 1970 ظهرت جماعات كثيرة منها جماعة " نينوي للفن الحديث " وجماعة " السبعين " وجماعة المثلث و " الدائرة " و " الظل " وجماعة فناني السليمانية وجسم سة باء وجماعة النجف .. ولكن هذه ( الجماعات ) لم تستمر في عطائها.
    لقد كان الهدف من تشكيل جمعية الفنانين العراقيين عام 1956 هو جمع شمل أعضاء الجماعات الفنية وتنظيم أعمالهم والمساهمة في البحث عن قيمة جديدة لملامح الفن المعاصر في العراق ، كذلك ظهرت نقابة الفنانين لتكوين مركزاً حيوياً لكافة الاتجاهات الفنية الحسية والبصرية .. لتأجيج مفهوم الالتزام الجماعي بعد التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق التي أعقبت قيام ثورة 17 تموز القومية والاشتراكية عام 1968 .
    وفي عام 1971 ظهرت جماعة " الأكاديميين " وجماعة الواقعية الحديثة وتجمع البعد الواحد التي استهلمت الحرف العربي في أعمال أعضائها.
    كذلك برزت ظاهرة جديدة هي " تأسيس " صالات العرض الفنية ابتداء من " كاليري الواسطي " عام 1965 وقاعة " أيا " وكاليري (تاله) عام 1967 وكاليري 3و4 ، ولم يكتب لهذه الفكرة الاستمرار ، على الرغم من أن الحركة الفنية في العراق في حيوية وأتساع متواصل.
    أن واقع الحركات الفنية في الوطن العربي ذو صلة رحمية بالاتجاهات والأساليب الأوربية من الناحية الأسلوبية ، وخاصة تلك التي جاءت نتيجة جهود فردية على مستوي البحث عن أسلوب حياة وتجارب إبداع في تحرير معني العمل الفني.
    لهذا بات من الضروري النظر إلى ( العملية الإبداعية الفردية ) في الفن على أنها دلالة في تفسيرنا للأشياء والعلل وسببية الظواهر ، والفنان الحقيقي هو الذي يرتبط بالشروط الموضوعية والحالات التاريخية ، ولابد أن يسعى لتحرير هذا المعني بالتغيير واتخاذ الوسائل المتقدمة لكي يكون فعل التعبير (ضرورة) لا يمكن لبعض اتجاهات الحياة الاجتماعية والنفسية أن تفسر بدونها طالما لا يمكن أن تتم عملية ( التوصيل ) بغيرها ولا يمكن للأسلوب عداها أن يثير الحواس لخلق حوافز المشاركة في تغيير الأشياء والأنماط والاتجاهات السائدة نحو مرحلة جديدة ، ومتى ما عكس العمل الفني ، الحس الاجتماعي وتمثل صراعات الأمة جماليا حققت تلك ( الأفعال – الضرورة – التجربة ) خصائصها ، وتأتي بعض التجارب وهي تبعث على الحيرة والتردد دون أن تتسم بالغموض والغرابة والشبحية في خلق ( الأفعال – الضرورة ) – أو إلقاء الضوء على المنطقة الداكنة من بقاع الذات الأنسابى ، وما بين فردية الفنان – كذات – وتقنياته – كوسائل فردية تظهر علامات يتقرر في ضوئها وضوح المضمون والشكل باتجاه وضوح الأسلوب وهذا ما فعله فنان مثل ( بول سيزان – 1839 – 1906) من حيث بناء اللوحة واختيار الألوان التي خضعت إلى التجزيء في ألوان الطيف الشمسي المرتبط بدرجات الضوء وحساسية المادة.
    وفقا للكثير من الأساليب والاتجاهات الفنية التي سادت أوربا فقد تأثر الفنانون العرب خلال دراساتهم في المعاهد والأكاديميات الغربية وعادوا محملين بتقنياتها وأساليبها يحكم التفاعل والتأثير والتلقين ، وكان ينبغي إلا يتوقفوا عند التفاعل والتلقين وهم يحددون الأطر التي يتحركون داخلها.
    علة الظاهرة أننا – بعد ازدهار حضاري عظيم – عشنا في فترة مظلمة خلال ستة قرون توقف العقل العربي خلالها عن الإبداع والتغيير والتقدم ومرت بفترات سلبية وأن اختلفت أثارها الثقافية على مظاهرها ، فهي بالنتيجة متلقية ساكنة لثقافة استعمارية تفاوتت في تأثيراتها وتغلغلها في حركات الفنون التشكيلية ، وبحكم انهيار الدولة العثمانية العجوز ثم تقسيم مناطق النفوذ بين فرنس وإنكلترا وما نتج عن ذلك من ظواهر متردية وعلل اجتماعية وتخريبية ومحاولة إلغاء الوجود القومي للامة العربية كان للفن التشكيلي نصيبه من تلك النتائج ، وأخطرها الفكر التجزيئى المرتبط بثقافة وفكر القوي الغازية الاستعمارية وشيوع ظاهرة التوسل بتقنياتها واتجاهاتها الفنية ، ( والفن المسندي ) من تلك الوسائل التي استخدمت في هذا الغزو الثقافي على الرغم من أهمية الفترة التي ساد فيها ذلك النوع من الفن في أوربا قرابة الأربعمائة عام باعتباره نتيجة لمظهر من مظاهر عصر النهضة ، فأنه بعيد عن قيم وتقاليد وروح الفنان العربي وبعيد عن مفرداته الأساسية في تعامله مع الحياة ، ومهما تحمل من أراء مضادة له فأنه مظهر بارز في وسائل التعبير الفني في العالم ، ومازالت هذه الظاهرة قائمة وستظل وليس فيها ( خطر كبير ) على واقع الحركة التشكيلية العربية المعاصرة اذا استطاع الفنان العربي أن يتفاعل ويميز طريقه فيبدع ويضيف.
    ترتبط هذه الملاحظات بطبيعة الظروف التي نشأ فيها الفن التشكيلي الحديث في الوطن العربي وتحولاته ، وفي المرحلة المتأخرة عند بواكير الخمسينات طرح عدد من الشباب العربي أفكارا جديدة ودعوات قومية وإنسانية إلى تحدي الذات وتحريك الذهن باتجاه العصر الراهن للتفاعل والتمثيل والبحث عن الهواية العربية في الفن ولم تكن تلك الدعوة إلى تحدي الذات العربية وحالاتها الملقاة بالماضي مرتكزة إلى فهم عميق للتاريخ والى تفسير موضوعي لحركته ، بل كانت عواطف صادقة لم ترتكز إلى فكر علمي قائد او حركة موحدة ثم سرعان ما تحول هذا النداء إلى مسألة وموقف (مثاليين) وفي حدود (كلامية الحضارة) لان نظرة ذلك (الجيل المتحمس) إلى التاريخ لم تتجاوز نفسها وسكونيتها ولم تحدد تصورا موضوعيا للزمن والصيرورة التاريخية وأولت اهتمامها للأشكال دون المضامين.
    الفنانون التشكيليون العرب جزء من شرائح أمتهم ولهم عنها مواقف إزاء تفسير ظواهر التاريخ المستمر في ذاكرتهم على الدوام ، وهذا يفسر غياب المنطق الأيديولوجي الذي يحكم مسيرة أمتهم ويحلل مرحلتها صراعاتها وينظم تصوراتها وطموحها ويؤشر أهدافها ويعمل على دمج ذهنية أبنائها بطبيعة العصر وتقنياته ويبلور خطط وأهداف مؤسساته المستقبلية ، من هنا نتواجه مع ذهنية الفنان التشكيلي وازدواجيته ، بين ارتماء سلفي في أحضان التاريخ وبين طبيعة عصر يواجهه كل لحظة ويتحداه بشروطه العلمية والتكنوذرية.
    ومن هنا يتجسد بشكل اكثر حدة ، التناقض بين عنصر المكان وعنصر الزمان الحضاريين إلا أن المسافة التي تتطاول بسرعة هائلة تكمن في عنصر الزمان الحضاري الذي نعاني منه ألان في محاولة تكيفنا مع المرحلة التاريخية المحددة التي نسعى إلى تجاوزها.
     

  9. #9 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    نشأة الفن المعاصر المغربي (1/2).
    طوني مرايني
    لقد ظهر قبل الاستقلال بعامين في المغرب كتاب صغير الحجم بعنوان " ميلاد الرسم الإسلامي بالمغرب". تعرض مؤلفه "سانت - إينيان" في فصل من فصوله إلى بعض الرسامين الشباب المسلمين الذين اكتشفوا انفتاح العالم التشكيلي في وجوهم". فلقد قسمهم إلى نوعين، رسامين درسوا الرسم وآخرين عصاميين، في الصنف الأول، ذكر أسماء عبدالسلام الفاسي وحسن الكلاوي ومريم مزيان وعمر مشماشة وفريد بلكاهية، وفي الصنف الثاني ذكر أسماء محمد بن علال وأحمد بن إدريس اليعقوبي ومولاي أحمد الإدريسي والحمري. وبما أن هذا المؤلف أشاد بالاستعمار الثقافي، فإنه نسب فضل نهضة الرسم المغربي إلى ما قامت به الحماية من أعمال. غير أن تحليلنا الموثق لهذه المرحلة يناقض ما أثبته هذا المؤلف. فعند قراءتنا لكتابه، نخرج منه بانطباع أن المؤلف عوض أن يبحث عن بداية تاريخ الرسم المغربي في فترة الاستقلال، حاول أن يردها إلى فترة الاستعمار، وكان ذلك مفاجأة غير منتظرة على أنه إبان فترة الاستقلال، أنجز رسامون آخرون عبر أبحاثهم أعمالا متنوعة وخصبة، فرضت نفسها على أنها ظاهرة مغاربة، الشيء الذي جعل البورجوازية تتذوقه ومثلها المثقفون والإيديولوجيون أيضا، كل فئة تعكس عليه رغباتها وآمالها وغاياتها. ولدى اكتشاف الغرب لصحوة العالم الثالث، قبلت المعارض الدولية الكبرى عرض بعض النماذج لرسامين منتمين إلى البلدان الحديثة العهد بالاستقلال، (ومنها المغرب) تلك التى رأت في الرسم نوعا من الخطوة، في حين أن الرسامين أنفسهم خم وحدهم الذين تحملوا عبْ هذه المهمة الشاقة في هذه المرحلة التاريخية.
    وحين نتحدث عن البداية لا ينبغي نسيان المخاض الطويل الذي تفرضه كل ولادة. فالرسم ليس طفلا، إنه سيرورة حية. هكذا كانت بداية الرسم المعاصر في المغرب عميقة الجذور في حقبة تمتد على مدى طول النصف الأول من القرن العشرين. بداية أساسها في رسم يعزى إلى حقبة الاستقلال، رسم أكد نفسه بعد ذلك باعتباره باعثا على استيقاظ الوعي النظري ابتداء من السنوات الستين.
    أما اللحظة الحاسمة لهذه السيرورة التاريخية، فقد تحققت حين اعترف للرسم في المغرب بأنه ظاهرة ثقافية تتسع للأحلام وللرؤي وللمواهب، وتجعل الأسلوب والكيفية يختلفان من فنان إلى آخر، غير أن المهم يبدو في أن الرسم مطالب به على أنه تعبير فردي وعلى أنه نوع من اللغة يدخل في نطاق مشروع ثقافة معربية معاصرة. هكذا بدأ حضور محتشم لبعض رسامين مغاربة ابتداء من سنة 1951 في صالونات رسامين أوروبيين في المغرب. وفي سنة 1952، في صالون الشتاء بمراكش، عرض فريد بلكاهية، وعمر مشماشة، والطيب لحلو، وحسن ا لكلاوي، ومولاي أحمد الإدريسي، ومحمد الحمري، ومحمد بن علال. واقيم أيضا بين نهاية السنوات الأربعين وسنة الاستقلال، بعض أوائل المعارض الفردية (الحمرى، ومريم مزيان، (أول رسامة مسلمة في المغرب) وفريد بلكاهية مثلا) ثم إن معارض شخصية دشنت في الخارج، (الجلاوي والإدريسي وأحرضان والبايز واليعقوبي) وبعد الاستقلال أي في السنوات الخمسين، أقيمت في المغرب معارض فردية، من بينها معارض المكي مورسيا والمكي مغارة والجيلالي الغرباوي وكريم بناني ومحمد المليحي ومحمد عطا الله وسعد السفاج وأحمد الشرقاوي. وأقيم على الخصوص عدد من المعارض الجماعية، مما ساهم في إعطاء نظرة أولى عامة عن الرسم المغربي لهذه الحقبة. وبين المعارض التي أقيمت في الخارج يمكن ذكر مساهمة المغرب في بينالي الأسكندرية الثاني سنة 1957،(شارك فيه بالإضافة إلى الرسامين الذين ذكروا، بل من حسداي الموزنينو وبنهاييم ومريس أراما وحسين) وفي معرض الفنانين المغاربة في سان فرانسيسكو ميزيوم أوف ارت سنة 1957، وفي رواق المغرب في المعرض الدولي ببروكسيل سنة 1958، أو في واشنطن D.C ولندن وفيينا إلخ.
    وأخيرا ففي سنة 1959 شارك المغرب في أول بينالي للشباب في باريس، حيث وقع الاختيار على الغرباوي وكريم بناني وبلكاهية وحسين والمليحي والباز كان باريس لهذه الفترة مركزا للفن المعاصر في أوروبا. على أن هذه المشاركة لم تكن لتمر في خفاء. فمن بين زائري هذا البينالي فينتوري الذي كتب في المجلة إيطالية إكسريسو "بأن الاكتشاف الحقيقي بالنسبة إليه كان في باريس حيث السحر اللامنظر للرسم المغربي ثمارا معترفا بها خارج حدوده، وفي هذه الأثناء فإن مصالح الفنون الجميلة والمتاحف المغربية (التي تولت إدارتها نعيمة الخطيب) نظمت في المغرب عدة معارض جماعية متجولة، أصبح معها الرسم المغربي الوليد ذا وجود شعبي حقيقي. وابتداء من سنة 1960، نشر غاستون ديبل في إطار المركز الثقافي سلسلة كتيبات صغيرة مزينة عبارة عن دراسات عن كل من الغرباوي والإدريسي واليعقوبي وأحرضان والشرقاوي وبن علال وبلكاهية.
    فهل كل هذا كاف ليدل على أن الرسم حصل في المغرب على جميع احتياجاته ومطامحه؟ لا. ذلك أنه بمناسبة معرض "رسامي مدرسة باريس والرسامين المغاربة" الذي دشن في الرباط سنة 1962، فإن الناقد الفرنسي ميشيل راغون الذي أعجب بتنوع وحيوية شباب الرسامين الأهالي (سماهم أيضا رسامين شبابا مغاربة حقيقيين) فكتب :"الرسامون الشباب المغاربة الحقيقيون هم اليوم أبعد من أن ينالوا نجاحهم ، فهم مدينون بالتعريف بهم إلى كل من غاستون دييل ونعيمممة الخطيب مديرة المتاحف المغربية."(بستان الفنون رقم 114، ص 29) وعندما استعمل راغون صيغة الرسامون الشباب المغاربة الحقيقيون"، كان لفظة حقيقيين تعني قياسا إلى بعض الرسامين الأجانب المقيمين في المغرب، (فبركة لوحات بشكل آلي من أجل تصديرها، جمال ونخيل ورقصة البطن إلخ). هؤلاء الرسامون الذين لم يجرؤ أي غاليري في باريس على عرض أعمالهم، كانوا طيلة أيام الحماية متصدرين ولايزالون. إن أعمالهم بالنسبة إلى بعض بورجوازيي المغرب(..)المنبهرين بالحكاية، هي الرسم المغربي الحقيقي"، وفعلا، فإنه بالرغم من المساعي المحمودة التي قام بها أولئك الذين دعموا الرسم المغربي الوليد،فإن الوضع عراه التباس تجاري وثقافي وأخذ على أنه رسم مغربي حقيقي. ولطمأنة الجميع، فإن المعارض الجماعية الجوالة انتهت بالحصول على مواد مرسومة من كل نوع. وبدون أي عمل يراهن على الكيف، وبدون تحدي أصول تاريخية ثقافية، وبدون تعمق في النظرية وفي الفكر، فإن الخطر تبدى في الوصول إلى الباب المسدود. وازدادت خطورة هذا الالتباس بتأكيد بعض الملاحظين الأجانب ومنهم سانت - إينيان أن الرسامين المغاربة انطلقوا من فراغ ثقافي عوضوه بالمثاقفة. حتى ميشيل راغون روج لهذه الفكرة حين أكد:"إن الرسامين الأهالي يبنغي أن ينطلقوا من صفر، لأن رسمهم التقليدي كان ليس غير سم تزييني، ولذا كانوا عالة على الرسم الأوروبي.(نفس المصدر ص 26) إنا نعرف أنه ماعدا بعض المقلدين وأمثالهم في كل مكان، فإن الرسامين الأوائل المغاربة لم يأخذوا دروسهم في مدارس الرسم التي لم يستطيعوا حتى حدود السنوات الخمسين) الالتحاق بها، ولكنهم أخذوها فيما هو أكثر فائدة، وهو ما يمكن أن نسمييه روح العصر. ومن جانب آخر، فإن إرادة القطيعة والميل إلى التعبير الذاتي عند الرسامين المغاربة، مصدرهما هو القلق الناتج عن توجه نحو الأحلام والخرافات والألوان والعلامات والرموز، تلك التي يزخر بها عالم جواني مرتبط بتاريخهم نفسه، إن حالات اليعقوبي والإدريسي وأحرضان دليل على ذلك، ويمكن سرد أسماء أخرى. إن الرسم الشعبي والثقافة التقليدية لم يكونا فراغت تزيينيا، وحتى الرسم المعاصر ذلك المفرق منه في التجريدية غير عاكس لحركة البحث عن ألصول، وهذا ما تمركزت حوله المعايير الثقافية في السنوات الستين.
    وفي سنة 1962، أكد راغون تقسيم اتجاهات الرسم المغربي إلى اربعة رئيسية : الاتجاه الذي يستلهم الفولكلور، (يعني بذلك الفنون الشعبية) والاتجاه الغرائبي (السحري) والاتجاه التجريدي والاتجاه الفطري، غير أننا أخذنا برأي سانت - غينيان، فاختصرنا هذه الاتجاهات في اثنين رئيسيين فقط. وبعد أقل من عامين، لم يكن البحث ليعثر على غير هذين الاتجاهين .. والتزاما للدقة، ففي سنة 1964، أشار بيير جوديبير (في كتابه : الرسم المغاربي) على عدد من اتجاهات التجريد المعاصر في أقطار المغرب، ومنها المغرب (الانطباعية والهندسية واللاشكلية والغنائية) توازي هذه تشخيصية حلمية مؤسلبة فطرية أو انطباعية وبعيدا من أي تأثير أكاديمي رسمي أو أي مدرسة أسلوبية، فإن الرسم المغربي انعكست عليه عدد من الاتجاهات والشخصيات والعوالم الرؤيوية . وعبر السنين وقع الانصراف إلى البحث عن منابع تتوخى استرجاع الذاكرة وهي تنحو في نفس الوقت نحو الأزمنة المعاصرة. لقد عبر الشاعر الجزائري م. عبدون عن هذا التصور بعبارة قريبة من عبارة أطلقها م. خيرالدين، وهي :" الذاكرة المستقبلية"(أنفاس 10-8-1968، ص 13). على هذا الحد، فنحن لا نزال في السنوات الستين، أي في عمق فعل جمعوي وفي نقاش مستقل اتخذ موقفا إشكاليا حتى بالنسبة إلى حقبة البداية. وبعد انصرام حقبة الغبطة بصحوة العالم الثالث، كان على الرسامين أن يواجهوا كثيرا من الصعوبات المتعلقة بعرض أعمالهم في جو من احترام المتطلبات المعنية والفنية، من أجل الحصول على تغطية صحفية ملائمة، ومن أجل متابعة أبحاثهم متحررين من أغلال بلاغة فولكلورية حكائية وتماثلية. وأيضا ،أصبح عسيرا عليهم اقتحام المجال الدولي الذي أصبح منذ الآن فصاعدا سوقا لا يروج فيه غير رسم كله غربي. هذا وإن التفكير والنقاش اللذين دارا حول أبحاث هؤلاء الرسامين وفي مدة عشر سنوات، كانت الوضعية الدولية قد تغيرت كثيرا ووجد لهذا التغير صدى في المغرب، مما دفع بعجلة سنوات البداية إلى تطور وتجديد جذريين.
    لنعد إذن إلى السنوات الخمسين أي إلى المرحلة التي سبقت الاستقلال ثم تلته، أي مرحلة بداية الرسم المعاصر في المغرب، فهي كما يقال مرحلة الربط المعقدة الهجينة. فلقد مرت حقبة الحماية وفتح أما الرسامين عهد جديد. ذلك أن الذين سبق لهم أن أنتجوا أعمالا في سنوات الاستعمار شاركوا في العرض رسامين شبابا ولدوا في عهد الحماية وطرقوا مجالات أخرى. فإن أعمالا تشخيصية أو فطرية عايشت أعمالا تجريدية. وكان هنا رسامون مختلفون لكل سوقه وجمهوره أو رسامون لا جمهور لهم ولا مستهلك لأعمالهم، اتخذوا كممثلين للرسم المغربي الوليد. ولأنه في دوامة الغبطة بالبحث عن الإنقاذ والشرعية حيث يتعذر وجود التصنيف، فإن المعارض ضمت بين رحابتها كل من حمل في يده فرشاة وزعم أنه رسام. وحين يقارن بين الرؤي التجارب تسترجع فقرات من تاريخ تمت معرفته بشكل سيء عبر أعمال معروضة سيئة البناء، يقدم كل ذلك على أنه من الرسم الوطني. ومن الشمال إلى الجنوب كان على الرسامين أنفسهم وعلى الجمهور بصفة أكثر، أن يجدوا فعلا في هذا الرسم وجودهم المتبادل. إن الرسم المعاصر في المغرب بحث عن روحه وعن سبب وجوده وعن وحدته المادية. أما حماسة الرسامين والجمهور فلقد كانت بمثابة تقريظ له، فماذا يعني هذا الرسم؟ إن هذه الخطوات الأولى ضرورية لفتح حوار ومحاولة الإجابة عن هذا السؤال. إن الأجيال الشابة الراهنة لا تقدر صعوبة وضعية الرسم المغربي في حقبة البدايات البعيدة. فغالبا ما ينسون ما أحدثه الاستعمار من تأثير في المهمة التي قام بها من أجل بناء ثقافة تشكيلية وطنية. الصحافة والنقاد وغاليرات العرض والمشترون والجمهور والمجلات الثقافية والعلاقة بين المؤسسات والرسامين ومعرفة الماضي واستعادة الميراث التشكيلي الوطني، كل ذلك بدا كما لو أنه إشكالية يجب أن تحل بأي ثمن كان ولو بفراغ بنيوي كبير، لعل هذه الأجيال عرفت كم كان صعبا ودراميا معنى أن يصبح الإنسان رساما يمتلك الأدوات الضرورية، ويفتح نافذة على العالم، ويقطع الصلة مع زمن مضى. كانت الاستعدادات كثيرة، ولكن حظوظ التكوين الفني البعيد عن مجال العصامية بل حتى حظوظ الدراسة نفسها كانت جد محدودة. على أن الاحتكاك بالرسامين الأجانب الذي سهل إمكانية استعمال أدوات الرسم والتردد على ورشاتهم كان حاسما بالنسبة إلى بعض الرسامين المغاربة(بن علال واليعقوبي والأدريسي مثلا) وإذا عرف شمال المغرب مدرسة تطوان تلك التي كونت رسامين مغاربة في السنوات الأربعين، فإن بقية المغرب كما ذكر سانت - إينيان كانت قد عرفت سنة 1954، ندوات خاصة بالتدريب على التخطيط الفني وعلى الرسم استفاد منها الشبان المسلمون من الجنسين. هذه الندوات أنشأتها مصلحة الشباب والرياضة.
    وبهذه المناسبة، يجب أن نشير إلى الدور الخاص الذي لعبته جاكلين بروتسكيس، تلك التى نشطت أحد معامل هذه المصلحة في الرباط حيث رعت موهبة كل من الأبيض ميلود والجزولي. ولقد قامت بعض العائلات بتضحيات كبيرة حين أرسلت أبناءها إلى الخارج للتكوين في معاهد الرسم ومن هؤلاء في هذه الحقبة من أصبح علامة بارزة ذات ذات شأن في الرسم المغربي(المليحي والشرقاوي وشبعة وكريم بناني والغرباوي) وكان أيضا أمام هؤلاء الرسامين الشباب إمكانية الاستفادة من بعض المنح للدراسة في بلاد أجنبية مختلفة. مما كان سببا في تنوع التجارب التي حصل عليها هؤلاء الرسامين المغاربة( في أسبانيا وإيطاليا وفي بلدان أوروبا الشرقية وفي فرنسا وفي الولايات المتحدة الخ) تنوع التجارب هذا ساهم في إثراء مجالات الأبحاث الفردية. لكن ن فإذا كان شباب الرسامين المغاربة اليوم يملكون في الغرب علامات مرجعية فإن الرسامين المنتمين إلى مرحلة البداية خاضوا في ميدان مجهول. لذلك، فليس سرا أن نذكر الجمهور بهذه المسائل المتعلقة بمغرب تغير اليوم جذريا، إن كل ما يدعو إلى تحريك الذاكرة لا يكون إلا مفيدا.
    وأخيرا فيمكن عند مواجهة رسامي هذه الحقبة ألا ندرك اليوم إدراكا حقيقيا فائدة بعض التجارب المتعلقة بالمواد والرموز والعلامات والصور. إن الأعمال الهشة في الزمن وفي القاعدة المادية، تحدثنا عن شئ خارجي في تصورية متخيلة. أما ما يبقى من طور فني على مقاس سيرورة حية، فهو ما أقحم في هذه الرغبة. إن التجارب إن كانت في لحظة ما هادفة إلى التجديد، لمن الممكن أن تفقد جدتها الأصلية إن وقع الاقتصار فيها على لوحات قليلة. غير أنها إذا انتهجت طريق التنويع : كتعبيد طريق واكتشاف شكل وتدقيق رمز، فإن المكتسبات من خلالها تبقى راسخة في المحصول التاريخي، وبعكس ذلك فإن حكم التاريخ سيقحم عنصرا زائدا في عملية إدراك الحقبة......
     

  10. #10 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    نشأة الفن المعاصر المغربي (2/2).ينبغي أن ننظر بعين التقدير الكبير إلى المجهود الضخم الذي قام به هذا الجيل الذي انطلقت به أولى بوادر التشكيل المغربي، (1955-1965) ذلك أنه عانى كثيرا من العوائق والإحباطات. تجلت العوائق في انعدام ثقافة بصرية لدى المغاربة آنذاك (إلا ما كان خاصا بالفسيفساء والزليج والقيشاني)، وفي وقوف التقاليد دينية أو عرفية في وجه كل محاولة يقصد منها إدماج البصري في التذوق الجمالي. وتجلت الإحباطات في أن مستهلك التشكيل المغربي أجنبي وليس محليا، ولذلك، كان استغلال الإمكانيات التشكيلية المحلية يكاد أن يكون ضعيفا. يضاف كل هذا إلى أن جيل الانطلاقة عانى من سلطة الآباء الواقعين تحت تأثير فكرة حرمة التصوير التي جهر بها الفقهاء وأشاعوها في الناس، فكان أن منع الآباء أبناءهم من ممارسة الرسم تعلما وتعليما وهواية واحترافا. ولم يصمد في وجه هذه الفكرة إلا الرسامون الذين ذهبت بهم الجرأة إلى أبعد مدى، أو الذين كان لهم آباء متنورون، وحتى العامة، ما كانوا يرون في الرسام سوى إنسان يشغل وقته بما لا يليق به.
    في هذا المناخ المضطرب، مارس جيل الانطلاقة التشكيل الذي كان آنذاك عبارة عن اتجاهين رئيسين هما التشخيصية على اتجاهين هما الانطباعية والفطرية، بينما اشتملت اللاتشخيصية أي التجريدية على الغنائية والمفارقية والعلامية والإلصاقية والهندسية والسوريالية والتلفيقية.
    ويلاحظ أن التشخيصية الفطرية قامت على العصامية، والتشخيصية الانطباعية على الدرس الأكاديمي، على حين امتازت اللا تشخيصية بكون أغلب ممثليها تخرجوا من كبريات المدارس الفنية الغربية. يستثني منهم أحمد اليعقوبي، فلقد كان عصاميا شجعه على الرسم رسامون غربيون أقاموا في طنجة في السنوات الخمسين.
    التشخيصية الإنطباعية
    يمثل جيل التشخيصية الانطباعية كل من محمد السرغيني وحسن الكلاوي ومريم أمزيان، ويجمع بين هؤلاء جميعا أنهم اتخذوا لرسوماتهم موضوعا خاصا بكل واحد منهم، فالمكان للسرغيني والفرس للكلاوي والمرأة لأمزيان ، كما جمع بينهم وفاؤهم للأساليب الأكاديمية ولعكس أعمالهم على مظاهر مغربية. محمد السرغيني والمكان
    لقد انفرد محمد السرغيني (1923) في تشخيصيته بدراسة المكان على أساس الحالة أو المعمار أو التاريخ، المكان باعتباره فضاء للوحة. إن الأبواب المتمركزة في بعض لوحاته لتعكس أول ما تعكس تراثا طاله الإهمال، يؤكد ذلك أن الألوان والخطوط والمسافة التي تنجز بها هذه الأبواب تكتسب تعبيريتها من إقصاء الآلي لصالح توحيش بسيط. وفي إطار المعمار تنصب كل رؤية الرسام على تحديد هيكل مزدحم لمنازل تتجاور على رأس ربوة في إطار فضاء يشكل حدود المساحة المرسومة، كما هو الشان في تلك اللوحات التي تشخص بعض أحياء تطوان هناك طراز قوطي أندلسي من حيث شكل هذه المنازل، وهناك طراز محلي تطواني يدل على بياض الجير وسطيح قرميدية حمراء هي ميراث أندلسي؟ وفي إطار التاريخ يبدو المكان المرسوم بمحتويات في لوحات الأبواب والمنازل عبارة عن شهادة مزدوجة أولها نشوء وآخرها أيلولة، ويعني هذا تسجيلا لأوضاع كانت على غير ماهي عليه حاضرا. وهذا ما يؤكد أن سيرورة التاريخ في مخيلة الرسام عكسية إذ تنطلق من الكمال وتؤول للنقصان، إنها رؤية إدانة. وعليه، فالمكان عند الرسام طبيعة ميتة حينا وحينا آخر موضوعة Le theme وحينا ثالثا تعبير لوني ذو نكهة مغربية شمالية، وحينا رابعا توحيش شفاف. أمن الخطوط والإيقاع والحيز والمسافة فلكها ذاتية لانطلاقها من هاجس مغربة التشكيل. حسن الكلاوي والفرس
    قامت تشخيصية الرسام حسن الكلاوي (1924) على مقولة الفرس في أوضاعه المختلفة، فهو كينونة وهو في نفس الوقت كائن. هو كائن من حيث أنه موضوع خصب للتحليل التشكيلي، وهو كينونة من حيث إظهار نبله واقفا وكبريائه متأودا ونفوره مسرعا.
    الكائن مادة والكينونة حركة. وهنا يمكن أن نتساءل، هل هذه الكينونة لا تتكامل إلا باجتماع صفاتها المختلفة الموزعة على لوحات، أو أنها يمكن أن تلتقط كلها في لوحة واحدة، وتكون في اللوحات الأخرى تنويعات على الأصل ؟ الجواب أن هذه الصفات موزعة على ماهو أكثر من لوحة، مما يعني أن مقولة الفرس هذه تتدرج تصاعديا من لوحة إلى أخرى. وهناك تساؤل آخر، وهو هل تشخيص كينونة الفرس بهذا الشكل تشيييء له؟ لعل الأمر لا يعدو أن يكون وسيلة لتدريب اليد على نقل ما تشاهده العين اللاقطة من تقاطيع جسده المختلفة الدقيقة.
    رأى الرسام في الفرس كائنا تشريحياً وجمالياً وفروسياً. فهو كائن تشريحي من خلال بروز تقاطيع جسده في حالة وقوف أو سباق أو جموح أو استعراض، وهو كائن جمالى من خلال تناسق هذه التقاطيع، وهو كائن فروسي من خلال حركات فانطازيا مغربية. كل ذلك بتشفيف الألوان في الجسد، وتعتيمها في فضاء اللوحة حتى ليكاد الفضاء أن يصبح ظلا للمرسوم فيه. ولا تأخذ الخطوط منحى تجريديا بل منحى عاديا لأن غايتها أن تعبر بالحقيقة لا بالمجاز. وإذا كان الإيقاع في لوحات الرسام أكثر بروزا فلأنه الوسيلة الوحيدة لتصوير الواقع حرفيا، وما لمسافة إلا فضاء فيه يتحرك هذا الايقاع. إن توقف الرسام عند الفرس في أغلب أعماله، لا ينافي أن بعض أعماله الأخرى شخصت المادة كطبيعة ميتة، والإنسان كحياة وكأوضاع نفسية مختلفة. مما دل على وفرة المرجعيات التي استقى منها الرسام تأثيراته التشكيلية. مريم أمزيان والمرأة
    أوقفت الرسامة مريم أمزيان (1930) أغلب أعمالها على تحليل المظهر الخارجي للمرأة في الجنوب المغربي، لما تتيحه للنظر من تماوج ألوان في أزيائها بما ينعكس عليها بهذه الأزياء من ظلال شمس الغروب وصفاء زرقة السماء. على أن بعضا من أعمالها الأخرى إن كانت تعكس نفس الحنين إلى المنابع المغربية الأولى، فإن انطباعيتها لم تهمل بقايا الأشياء التي يتكون منها هذا الجنوب، ذلك أنها تقتنص كل ما هو نموذجي فيه كالمعمار البدائي القائم على عنصر الطين المتمز بقصوره وقبابه. أما في خصوص المرأة الجنوبية فقد رسمت لها الرسامة صورة جانبية لوجهها (Portrait) كما لو كانت تلح على إبراز خصوصياتها في الزي وفي الزينة وفي صفاء الملامح وفي خشونة البشرة، كما رسمتها في حالة حركة جماعية وهي تؤدي رقصة أحيدوس، كما اهتمت بتصوير المظهر الخارجي للعرائس وهن يتحلين بأنواع الزهور وفي آذانهن الحلي الفضية الأمازيغية.
    إن لوحاتها التي ينتقل فيها اللون الواحد بتدرج عبر ما يتناسل منه ألوان، لتعكس قدرتها على استيلاد الألوان إما بالمزج الكامل وإما بالجزئي، وعلى تبسيط التعبير من حيث المعطي الصوري وتكثيفه من حيث الدلالة اللونية، ذلك أن هذا التدرج المنجز بعناية تنتظم فيه التلوينات التي تبلور الموضوعة في أوضاع مختلفة، كما تجعل الشكل مصاحبا لهذه الأوضاع. ولعل اللون الأزرق الغامق الذي يتشكل منه نقاب النساء الجنوبيات هو ما يلفت نظر الرسامة، يجد للأزرق الغامق في النقاب نوعا من الهرمنة مع زرقة سماء الجنوب وسطوع شمسه. وهنا نتساءل: هل ما في لوحات الرسامة من محلي باعثه الانتماء والحنين إلى الانتماء، أو أنه بحث عن الغرائبى ؟ الحق أن هناك فرقا بين رؤية سياحية وأخرى تأصيلية، إذ أن شمس الجنوب وزرقة سمائه لاتسير غورهما إلا رؤية جنوبية حقيقية. التشخيصية الفطرية
    تمثل التشخيصية الفطرية اتجاهات خمسة : عجائبية مع محمد الحمرى، وطفولية مع احمد الأدريسي ، وحكائية مع أحمد الورديغي، وحدسية مع محمد بن علال، ومشهدية مع الطيب لحلو.
    على أن الجامع بين هذه الاتجاهات الفطرية الأربعة، هو أنها انطلقت من محلية مغربية فضاؤها هو المدينة أو القرية الجنوبية أو بعض المناطق البحرية، كما اتفقت في توزيع ألوان لا يهيمن أحدها على الآخر، وفي تشغيل فضاء اللوحة كله، فلا فراغ فيه، وفي الاستفادة من التراب الفني التقليدي المغربي. محمد الحمري والعجائبية
    تبدو فطرية الرسام محمد الحمري (1932) عجائبية، لأنها تستمد نسغها من الوهمي حينا ومن الخارق للعادة حينا ثانيا، على أنها في كلتا الحالتين تتخذ من اليومي موضوعا لها، تعريه من مظهره المنطقي الواقعي، وتزج به في إطار العجيب والمدهش، حتى لكأن الحقيقي وهو والعادي رتيب، مما يجعلها تقترح على المشاهد عالما جوانيا ساخرا توحيشيا تتكوم فيه المرئيات والمحسوسات. وتتوسل هذه العجائبية إلى ذلك باستعمال الألوان المضيئة المصممة تصميما دقيقا لكي تعبر عن المحلي في المدينة أو القرية الجبلية. المدينة عبارة عن قباب خضراء تشير إلى عالم الولاية والأولياء، والقرية وهدة أو منبسط من الارض ليست ذات كثافة سكانية.
    ولعل ما رسمه من هذه المشاهد واقع تحت تأثير المكتسب مما تعلمه الرسام من مجتمع الأجانب في طنجة، ولذلك فاليومي عنده متحرك وموسمي، متحرك بما فيه الشخوص، وموسمي بما فيه من انبهار هذه الشخوص بالإجتماع في محيط واسع من المدينة. والحق أن شخوصه واقعية أو غير واقعية، كالعرائس التي يلح على ربطها بموضوعة اللوحة، في علاقة متخيلة بينها وبين البشري. أما طريقة الرسام في إنجاز رسوماته فمعتمدة على الألوان الفاتحة إن تعلق الأمر بالشخوص الحية أو المتخيلة، وعلى الألوان الغامقة إن تعلق الأمر بتحديد فضائية المكان. وتلعب الفرشاة دورا أساسيا في خلق نتوءات في أرضية اللوحة لتدل بذلك على أن مرحلة اللون الخام لا تزال مستمرة عند الرسام ولم تصل بعد إلى تعبيريتها النهائية. أحمد الإدريسي والطفولية
    وتقوم فطرية الرسام أحمد الإدريسي (1923-1973) على الاغتراف من عالم الطفولة الذي هو المتخيل البديل عن العالم الراهن الذي ليس سوى معاناة مريرة. وعذا ذلك، فهذا العالم المتخيل الطفولي تتقاطع فيه الأعمار، رجال برانسهم تخفي وجوهم، رجال محاطون بأشجار يابسة أشكالها غير طبيعية، رجال مصحوبون بحيوانات كالحمير والخيول، كأن الماضي الطفل هذا محدود ومقصور على هذه المخلوقات. كل ذلك في إطار فضاء محفوف بمشاهد تحددها خطوط لا تشي بما بين هذه المشاهد من تقارب، مما يبرر اغتراف الرسام من لا وعيه الذي يقوم مقام الذاكرة.
    إن مضمون هذا التصور الطفولي الذي هو رسالة الرسام المبثوثة في اللوحة، توازيه رمزية لا تغيب عن ذهن الناظر المتفحص، رمزية تتدرج فيها الألوان إلى مقاماتها المختلفة، وكلما وصل اللون إلى آخر مدى من مقاماته، توصل إلى طريقة بها يسهل مهمة سطوع لون آخر عليه، إلى أن يتقلب هو الآخر في مقاماته. هذا والوشيحة التي تجعل الارتباط بين لون وآخر هي انبثاق اللونين معا من نفس الفصيلة. ولذلك تخصبت ا لرمزية التعبيرية للألوان حتى أصبح البني رمزا لتراب الأرض ورمالها، والأخضر رمزا للخصوبة المتجلية في استمرار الحياة، والأصفر رمزا لغياب الحوار وحضور العنف، والأحمر رمزا للدم السائل الذي هو نذير الموت. ومهما يكن الأمر فما عاناه الرسام من إحباط في طفولته أصبح مثار تأمل في يفاعته وشيخوخته. أحمد الورديغي والخرافية
    وتقوم فطرية الرسام أحمد الورديغي (1928-1974) على الحكي الذي يمرر الرسام من خلاله خرافات جلها مستوحى من أجواء ألف ليلة وليلة. أما مواضيع هذه الخرافات التي تتراوح أهدافها بين الأخلاقية والوعظية والتزهدية الجامعة بين الفرحة والمحكي والمشخص فمستوحاة من تقاليد شعبية مغربية (الفداوي). ومن عجيب الأمر أن فضاء اللوحة يتسع لكل هذه العناصر حتى وإن كان متوسط الحجم.(للرسام لوحات كثيرة من الحجم الكبير). إن إزدحام لوحات الرسام بكل ما يتطلبه الحكي من شخوص وحركات وتداولية زمان واختلاف مكان، جعل كثيرا من مستهلكي اعماله ينبهرون بما فيها من تزيينية تلتقي فيها قباب المساجد بنوافذ القصور المنيفة التي صمم لها الرسام معمارا خرافيا حين جعلها أفقيا وعموديا تلتقي بشكل عشوائي، ولأن الحكي يستلزم وجود شخوص فإنها هي الأخرى خزافية النموذج مبثوثة كيفما اتفق لها في فضاء اللوحة، متساكنة مع أنماط من الحيوانات التي تكاد أن تكون أسطورية، مما دل على مخيلة خصبة. ولولا حضور تقاليد شفوية واحتفالية في أعماله، لأمكن القول بأنه يستلهمها من عالم صمم هو بنفسه جغرافيته المتخيلة. محمد بن علال والحدسية
    وتقوم فطرية الرسام محمد بن علال 11924 على احتفاء كبير برؤية الحاضر الراهن في صيغة أشكال صورية تحدث ولا تعاش أي تتخيل محدوسة. وكان من المنتظر من فطري مثله أن يرتكز أساسا على الذاكرة التي تميز بين مجرد حاضر راهن وبين آخر. هو قيد الواقع. ولما لم يتحقق ذلك، صح أن يقال : إن هذه الأشكال الصورية تقيم بين هذا الواقع وبين فهمه حاجزا، فالرسام بهذه الأشكال لا يلتقط غير ظل الصورة. هكذا يبدو الواقع الراهن كما لو أنه مشاهد وهمية - وربما هلامية - حيث إنها مكدسة في لوحاته بشكل بعيد عن الانسجام. هذه هي الصيغة المحدوسة اللائقة بالعالم المثالي المنشود كما تصوره هذا الرسام. إن شخوص الرسام بشرية (الفران والمعلم والمرأة العاملة) دالة على احتفائه بالعنصر المهم في هذا الحاضر حاضره، وما اختلافها من حيث وظائفها إلا دلالة على أن الواقع ذو وجوه مختلفة لولا اختلافها لأمكن أن تكون الرتابة هي ما يعكس التشكيل. على أن هذه الشخوص تكاد تكون مستوحاة من المنمنمات الفارسية، في دقة الخطوط وتداول الألوان وازدحام الفضاء بها كل هذا لم يمنع الرسام من تأثيث بعض رسومه بطير الحباري ونبات خبازي، وذلك حين تعلق الأمر بلوحات فضاؤها هو الجنوب المغربي، مما قرب هذه اللوحات إلى تزيين جغرافي منها إلى فضاء مؤهل لاستقبال نماذج مرسومة عليه.
    والذي جعل من رؤية الرسام للحاضر الراهن رؤية ساخرة هو توحيشه لبعض مظاهر الحياة اليومية توحيشيا لا يتورع عن المبالغة في استعمال اللونين الصلصالي والبنفسجي تلوينا لنموذج أو تعميرا لفضاء أو تفصيلا لمجمل في اللوحة. الطيب لحلو والمشهدية
    ارتبط الرسام الطيب لحلو (1919) برسم مشاهد من الجنوب المغربي، لكنه كان شديد التعلق بالضوء الناصع الممزوج بظل وارف واضح وهو يضع التصميم البنائي لهذه المشاهد بصيغة تركيبات أفقية منفصل بعضها عن بعض بجبال أو بربوات، تركيبات قائمة على أساس من اللون الصلصالي الذي يغشي جدران القصبات الجنوبية.
    هذا ولا تقتصر مشاهده على الشكل الثابت للأبنية، بل تتجاوزه إلى رسم شخوص يتحركون في فضاء اللوحة. إنهم رجال في حالة عمل، ونساء متبرجات بخمر وبحلى ذات ألوان حية، عبر الرسام عن إيقاع حركاتهن الراقصة بالألوان الغامقة. هذه الحركية هي ما يكسر رتابة المشاهد البنائية الثابتة في مقارها، وهي ما يؤكد هيمنة التقاليد العريقة التي هي النسيج البكر لكل لوحات الرسام، ذلك أن المشهد عنده بتوازي فيه المتحرك والراكد بشكل يوحي بقيام هذا الفضاء على أساس المفارقة.
    إن الميزة الأولى التي تلاحظ في أعماله محاولته إغداق الدفء على ألوان مندمجة في إيقاع محكم منشرح، حيث يهيمن الأحمر والأزرق والرمادي، وحيث تحدث هذه الألوان مجتمعة نوعا من التناغم والثراء التعبيريين يتجددان من لوحة إلى أخرى.
    اللاتشخيصية واتجاهاتها
    لا يمكن الجزم بأن الاتجاهات التي سنشير إليها فيما يلي هي اتجاهات غالبة على أصحابها ممن يمثلون جيل الانطلاقة، ذلك أنهم لم ينطلقوا منها منذ أول عهدهم بمغامرة الرسم، بل انتهوا إليها بعد أن قاموا بجولات في مختلف الاتجاهات التي سادت التشكيل المعاصر ابتداء من الانطباعية والوحشية والتكعيبية، وحين حطوا رحالهم على عالم التجريد الفسيح انبهروا بثرائه الذهني وقدرته على استبصار المرئيات متحركة أو جامدة، وتوغله في عالم اللا وعي المفسر لكثير من الغوامض. كان التجريد في عرفهم طريقة انتماء إلى المعاصرة، والبحث عن مناطق نفوذ عذراء بحثا عن التفرد والخصوصية. إنه تخصيب الظاهر بالباطن.
    وهكذا فهناك تجريدية غنائية مع الغرباوي، وتجريبية مع بلكاهية، ومفارقية مع كريم بناني، وعلامية مع الشرقاوي، وإلصاقية مع المكي مغارة، وهندسية الأشكال مع المليحي، وهندسية المفاهيم مع شبعة، وسوريالية مع أحرضان، وتلفيقية مع اليعقوبي. الغنائية
    تبدو التجريدية الغنائية عند الرسام الجيلالي الغرباوي (1930-1971) في الضوء الذي يهب المادة حركية ونصاعة وفي اللون الواحد منسدلا على ألوان أخرى، وفي الإيقاع الذي يموضع المرسوم في فضاء اللوحة موازيا للضوء واللون وللألوان المتصاقبة. وبالطبع، فهذه الغنائية أكثر تعبيرية من الانسجام، لأنها هي التي تجعل موقعه في اللوحة مريحا. وتلعب الخطوط المتشابكة في بؤرة اللوحة والمنفرجة في أطرافها دوراً أساسيا في هذه الغنائية. اللون في فضاء اللوحة بكر وليس خاما، لأن الخام في حاجة إلى المزج على حين أن البكر يولد جاهزا للتعبير التشكيلي.
    هذا وتعرب الحركة من خلال هذه الغنائية عن وجدان الرسام الذي يتفاءل مع رسومه باعتبارها وسيلته المعربة عن كوامنه. والذين عرفوا الرسام كثيرا ما أشادوا بما بينه وبين رسوماته وحالاته النفسية. لكن هذه الحركة التي تميز أكثر أعماله لا شكلية، بسبب من أنه يشعرنها إذ يمنحها دلالة جوانية لا تعكس غير القلق والميل إلى الوحدة، فعن طريقها يعلن ولاءه إلى عالم يفهمه وينفر منه في نفس الآن. التجريبية
    إن الرسام فريد بلكاهية (1934) لم يصل إلى التجريدية التجريبية إلا بعد أن جرب أساليب عديدة لرسامين غربيين معاصرين. كانت هذه الأساليب كلها تستقي وحيها من موضوعة الإنسان. وما تخلص من ذلك حتى انصرف إلى تجريدية تجريبية كان مدفوعا إليها بسبب من تهافت زملائه في جيل الانطلاقة عليها. تتميز هذه التجريدية من حيث اللون بالميل إلى الغامق وتهميش الناصع، وهذا ما حذا بالرسام أولا إلى اللجوء إلى الأقنعة التي تخفي الوجوه وراءها، رامزا بذلك إلى ما يخالجه من الشك في صفاء السرائر لدى الإنسان الساعي إلى إخفاء هويته. ثم مر من الأقنعة إلى استغلال ما في النحاس من قابلية تشكيلية أساسها التجسيم. وكان في ذلك عالة على الصناعة التقليدية المغربية التي لم يستطع النفاذ إلى جوهرها، كما لم يستطع تطويعها إلى المعطيات التشكيلية المعاصرة، ثم انساق إلى التجريب في مادة الجلد، وبما أن هذا له محيط من نفسه، فإن الرسام لم يكن ليضع له إطارا، كأنه رسم جداري وليس لوحة. وفي كل من النحاس والجلد كانت الموتيفات تقوم مقام الشخوص، وكان النقش في الأول والوشم في الثاني هو ما فيهمها من أثر تشكيلي. وفي إطار الألوان عمد إلى استغلال صفرة الزعفران وحمرة الحناء وسواد الصمغ لرسم الأيدي المنتصبة، كل ذلك من أجل اكتساب هوية خاصة. ولعله استفاد - في إطار التجريب ايضا - من علم الفلك الإسلامي حين اصطنع في بعض رسوماته الأبراج وفضاء المزولة. المفارقية
    إن الرسام كريم بناني (1938) في بدايته وقبل أن يستقر على التجريدية المفارقية قضى وقتا يسير في رسم الوجوه البشرية ذكورا وإناثا رسما يخفي في طياته نزوعا حكائيا نفذه بألوان مكثفة، وبعد ذلك انصرف إلى الاهتمام بالخط العربي مستغلا ما فيه من إمكانيات زخرفية وهندسية، وكان ينجزه بخطوط كثيفة تشي بما في هذا الخط من رمزية أصلية، كل ذلك بأسلوب النتوء والنقش على الخشب، ثم بعد ذلك انصرف إلى الزرابي حين اكتشف زخرفيتها الخالصة. من هنا ابتدأ اهتمامه بملاحظة المفارقة في المرئيات من الأشياء ومدى ما يمكن أن تسهم به في صقل عدسة العين المجردة، وفي تزويد الحساسية بالقساوة اللازمة.
    وتميزت هذه التجريدية من حيص المضمون بانعدام الموضوعة وبالبحث عن صلة الماضي بالحاضر بحثا انتهى بأن قطع الرسام صلته بالفنون التقليدية مغترفا من ينابيع تعبير تشكيلي حداثي. أما من حيث الشكل، فقد التمس الرسام بالمفارقة الجمع بين الجامد والمتحرك من أجل إعطاء الحركة بعدا آخر لا يقوم إلا على أساس خداع العين، من ذلك كان إلحاحه على تحميل اللون صورة ضده بما يفيئه عليه من تغميق بالمزج، ومن ذلك أيضا تطعيم المادة حية بما يوحي بموتها والعكس بالعكس. وكان الرسام في كل هذا المنعطف واقعا تحت تأثير كثير من الإتجاهات التجريدية التي سبقه إليها كل من الغرباوي والشرقاوي.
    العلامية : ومن البداية، اتخذت تجريدية الرسام أحمد الشرقاوي (4391-7691) طريق البحث عن العلامة في الخط العربي وفي الفن التقليدي البريدي. وحين عمق بحثه فيها، أصر بشكل حاسم على عرضها في لوحاته بمهارة دلت على تمكنه من النفاذ إلى عمقها بحساسية تصل بين الماضي والحاضر. وكان أن انصرف بدافع تعلقه بالعلامة هذه إلى البحث عنها في مجال آخر هو مجال الوشم على بشرة المرأة. ولعله بذلك كان مفتونا بالبحث عن الأصول الأسطورية للوشم، تلك الأصول الراجعة إلى ماض سحيق اجتمعت فيه الجمالية بالطقوس الدينية، موائمة بين الدنيوي والديني، فأصبح لها بذلك مدلالوت متشابكة باعتبارها عنصرا تزيينيا. وسع الرسام بحثه عنها في الفخار وفي الحلي وفي الزرابي وفي الجلد وفي بشرة الإنسان، فجردها من مظهرها القار ووهب لها حركية محكمة دلت على حضورها الشامل في حياة الانسان الاجتماعية.
    ولقد عرض الرسام العلامة هذه عبر وسائل تشكيلية بأسلوب شصي لم يجاره فيه أحد من الرسامين المغاربة الذين اهتموا بها. عرضها عبر بروز ألوان أعطتها بعدا جديدا انعكست عليه تأملاته وروحيته وإحكامه للخطاب التشكيلي المعاصر. ولعل نظر الفنان فيه قاده إليه ما عرفت هذه في أميريكا من تحليل على يد بيرس، قبل أن تصبح عنصرا مهما عناصر السيميولوجيا، ولذا فموقف الرسام منها أنها لغة بالإشارة أولا وبالحروف ثانيا، هي تاريخ فعلي وأسطوري، وهي تزيين فوق ذلك. الإلصاقية
    ابتدأ الرسام المكي مغارة (1932) يرسم المشاهد المختلفة التي تساعد حاسة الرؤية على دقة الالتقاط وقدرة اليد على مجاراتها، وتلت هذه المرحلة مرحلة رسم الوجوه البشرية رسما يكاد يكون آليا، الشيء الذي دل على أنه استطاع أن يطوع العين لليد واليد للعين. ولعله كان في هذه المرحلة شديد الالتصاق بالأسلوب الأكاديمي الذي هو أول الطريق. تلت هذه مرحلة التعبير التشكيلي الذي إن دل على غنائية عامة فإنه مال إلى إقصاء الأشكال من اللوحة، والاستعاضة عنها بالموتيفات التي تحيل عليها ذاكرته، وهي موتيفات في أغلبها شبحية غير كاملة التكوين، وهذا ما جعله يستغل قماش الخيش الذي بث فيه لواعج رسام دائم الترحال. وتم له ذلك عبر الصمغ وعبر ألوان يهيمن عليها الأزرق والأحمر والأبيض المشهب، مما يعطي انعكاسا لمظهر التهابات من جهة، ولنتواءات من جهة ثانية. وكان هذا هو مفهومه للشفافية.
    بعد هذه المرحلة اتخذت اللوحة عنده في الغالب فضاء مقسما إلى جزئين جزء هو الأيمن منجز بشكل عادي ، وجزء أيسر جعله في الغالب كذلك مرتعا لأطياف شخوص أو لبعض أعضاء بشرية مكبرة بشكل مسخي. وكذا هذا ما قربه من عملية الإلصاق التي أدخلت إلى اللوحة عناصر غير تشكيلية من المواد الجامدة المختلفة، كالخيوط والخرق وقطع اللدائن أو الحديد، وكان هدفه من ذلك مزدوج الغاية، فهو يريد خرق العادة بخروجه عن المألوف، وهو في نفس الوقت يؤكد أن كل ما في الكون صالح لأن يستغل تشكيليا. هندسية (الأشكال)
    ظهر الرسام محمد المليحي (1936) أول ما ظهر في الساحة التشكيلية المغربية تجريديا هندسيا واستمر على ذلك إلى الآن، فدل اختياره المبكر هذا على أنه لم يقم في المرحلة الأكاديمية إلا مدة يسيرة. ومحصل تجريديته أنه يستغل الأشكال الهندسية لا بقصد توأمتها بشكل زخرفي، بل بأشكال متنوعة هي خلاصة قراءته لقدرتها التعبيرية. هذا ولكي يبعد عنها النمط الزخرفي الرتيب فقد اختار لها أوضاع ليست لها في الغالب : قارن المثلث بالمستطيل والأفقي بالعمودي والدوائر بالخطوط المائلة، وقدم كل ذلك في إطار ألوان أبكار تعبيرها أكثر إشعاعا مما لو كانت ممتزجة. وكان أول ما اهتدى إليه الرسام أن غير سمات الخطوط الأفقية والعمودية والمائلة فجعلها متمرجة أكسبها تعبيرية هندسية متناسقة وهي منضدة أو متراكبة أو متوازية. وكان أن اتخذ من هذا التموج شعارا خاصا بأعماله أحادي اللون. شعارا أصبح فيما بعد وسيلة لانبثاق عدة نظريات مجازية تقرأ اللوحة من خلالها على أنها فقرة متراصة حركتها لا تنقطع. هندسة (المفاهيم)
    كذلك، كان الرسام محمد شبعة (1935) مثل زميله المليحي منطلقا من آخر ما توصل إليه بحثه في اللغة التشكيلية، حيث حط الرحال منذ بدئه على تجريدية هندسية تتعيى المفاهيم دون الأشكال، وملخص هذا الاتجاه أنه يتحرى تحقيق حركية غنائية يسودها اللون الأسود والأبيض، هي طريق الرسام المعبد الرامي إلى تأسيس مفاهيم للغة التشكيلية، مفاهيم لا تهمل المكتسب الغربي، كما لا تفرط في الاثيل التقليدي، مفاهيم تحدد مجال الهوية الخاصة بالرسام جامعة بين الأصالة والمعاصرة المنبثقة من ثقافتين، وذلك عبر صفاء اللون وتوزيع الضوء توزيعا نسبيا وتحييدية المادة وهندسية أرضية اللوحة وحضور الإيقاع الذي يحدث توازنا بين الممتلىء والفارغ.
    والرسام فوق ذلك يستلهم الهندسة العربية القديمة فقد قدم منها أشكالا وخطوطاً وتعاريج إلا أنه لم يسقط في فخ الزخرفية، بل كان قصد إلى استنطاقها وتحليلها لا إلى محاكاتها. لقد طوعها لمتخيله بطريقة دلت على رؤية صقليه تسعى إلى تحقيق تواصل مع الماضي انطلاقا من إعادة صياغة المادة في قالب هندسي.
    لم تكن كل أعمال الرسام تصب في الاتجاه الهندسي المفاهيمي، بل إن صاحبها بين الحين والآخر جال في آفاق تجريدية أخرى جمعت بين الممكن واللا ممكن، بين الحلم اليقظ والحلم النائم، ولكنه سرعان ما يعود إلى اختياره الأول لأنه ملاذه الأول والأخير. أما ابتعاده عنه فليس إلا ظرفيا أي استجماما يفرضه على المبدع إدمانه الاتجاه الواحد. السوريالية
    يختفي الرسام المحجوبي أحرضان (1924) وراء تجريدية سوريالية ذات تعبيرية تشكيلية ملتبسة، يطغى عليها الحدسي، حتى ليجعل منها عالم حلم يحرر الرسام من سلطة هواجسه. إنه بهذه المواراة خلق عالما غاصا بالنزوات، عالما إذا كان لا يشبه عالمه المعيش الواقعي، فإنه مع ذلك ترك فيه شيئا من جوهره، جوهر الباحث عن هوية في مزدحم يعج بالهويات المختلفة.
    إن السوريالية في هذه التجريدية تتكىء على مجالي الطبيعة حيث يجري الماء من اللا بداية ويركض نحو اللانهائية، وحيث الحيوانات ذات التكوينات العجيبة، والنباتات المتشابكة الأغصان كما لو أنها نباتات أدغال، وحيث الغنائية اللونية والضوئية تشير إلى لطخات فرشاتية شعثاء، وحيث الشخوص ذوو ملامح غريبة ومحاصرون لا صلة لهم بالعالم الخارجي إلى من خلال كوي ضيقة، مما تصبح معه الرؤيا الواضحة على جانب كبير من القساوة. هذه السوريالية في لوحات الرسام الأخيرة دالة على نظرته الثاقبة الذكية العميقة التي هي رؤيا شاعر أكثر مما هي لرسام. ولأن هذه السوريالية على هذا النمط، فإنها لم تستق من دالي الاعتماد على الحدس واللاداعي، وينقصها ما امتاز به هذا الإسباني الفذ من ثقافة شاملة. التلفيقية
    تعكس لوحات الرسام أحمد اليعقوبي (1932-1987) تجريدية مستوحاة من أهم اتجاهات التشكيل المعاصر الذي عرفه الغرب منذ السنوات الثلاثين فتجد لفي لوحاته ملامح انطباعية مرة وتقويرات تكعيبية مرة أخرى، وأثرا توحيشيا مرة ثالثة. ولكن ما يميز أعماله الأخيرة أنه مال إلى تجريد تلفيقي Eclectrique استفاد من كل ما ذكر، وقام على ثراء المخيلة التي تضخم الحجم الصغير وتقلص الحجم الكبير إما للتعرية وإما للمسخ، وذلك بحثا عن جمالية غير مألوفة، كما قام على الخرافي من الأحداث مستمدا إياها من الذاكرة ومن الطفولة ومن الحلم صياغة ورؤية ومعيشا. والحق أن المخيلة والخرافي والذاكرة والطفولية تعاونت على ابتكار هاجس يؤرق ذهنية الرسام، ودليل ذلك أن كل هذه العناصر حاضرة في أعماله كلها بنسبة تقل أو تكثر، يقدم الرسام كل هذه العناصر بطريقتين : طريقة الشخوص وطريقة الموتيفات : شخوصه الحيوانية أسطورية، وموتيفاته مستفادة من مشاهداته التي خصبت ملاحظاته. هاتان الطريقتان عرضتا عبر مزج لوني محكم، غير أن الرسام إذا آثر فضاء اللوحة بالعتمة وكانت ربتات الفرشاة فيه صريحة، فإنه بربتات لونية ناتئة، أفاء على الشخوص والموتيفات نصاعة كأنه جعلها المقصودة بالذات، إذ لا يهم هذا الفضاء بالقياس إلى أهمية الشخوص والموتيفات. إن هذا دليل آخر على عصامية الرسام التي لا ترى التصويرية والتشكيلية إلا على هذا المنوال.
     

  11. #11 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    المدرسة التكعيبية
    حين شرع براك، في نهاية عام 1907، يدير ظهره للوحوشيه كان هدفه تقليل قوة اللون من اجل زيادة قوة الشكل، لا لتأكيد الخط وحسب بل الحجم أيضا، رسم بعد بضعة شهور في "الايستاك" مناظر طبيعية كان كل شيء فيها جسما صلدا مختزلا إلي شكل هندسي، حيث لا تقل النبتة صلابة ورقة عن صلابة جذور الأشجار وحيطان البيوت. كتب لويس فولسيل عن هذه الأعمال يقول:
    "السيد براك اختزل كل شيء المواقع والأشخاص والبيوت، وجعلها تخطيطات هندسية… فمكعبات !" هنا، بالذات، سن الكلمة الدالة التي قدر لها أن تصف الاتجاه الجديد.."التكعيبية".
    الواضح أن المسألة كانت بالنسبة إلي براك والي بيكاسو الذي كان يعمل وفق الاتجاه ذاته، اكثر من مكعبات! وعلى الرغم من أن المصطلح يمكن أن ينطبق، مع بعض التبرير، على أعمال هذين الفنانين التي رسماها قبل عام 1910، إلا انه لا يصح إطلاقه على كل الأعمال التي أنتجاها بعد هذا التاريخ لقد تحررا بعده من تأثير سيزان والفن البدائي الذي احتوي عناصر شكلية في أسلوبيها حتى ذلك الحين، وبرزت التكعيبية اكثر الحركات ثورية في مجال الرسم الشكلاني منذ القرن الخامس عشر والحق، أنها تخلت عن كل مفاهيم الواقعية البصرية وأهملت كلياً المنظور "التقليدي"، والنمذجة، والتأثيرات المحتملة الخفيفة لا بسبب موقفها المغاير تجاه الأشياء، بل لأنها أرادت أن تحللها بصورة اقرب، وحاولت أن تقدم لها تمثيلاً اكثر شمولاً. كان التكعيبيون أول من أدرك تماما بأنه: باختيار زاوية نظر مفردة فان عصر النهضة طبق في الصورة نظاماً معيناً وأدان نفسه في الوقت ذاته بإعطاء الأشياء منظراً جزئياً وحسب، وهو الجانب الذي يراه الناظر في لحظة سكون، أما اليوم فالإنسان المعاصر يتحرك من مكان إلى آخر بسرعة مطردة، والصورة التي يتلقاها عن العالم معقدة. هذا التعقيد هو ما سعى التكعيبيون إلى نقله على قماشة اللوحة بوضع ظواهر الشيء المتعددة إلى جنب على السطح المستوي ذاته، بحيث يتعذر على العين أن تري الأشياء في وقت واحد، بينما في مقدور الذهن أن يوجدها من جديد.
    ليست هناك فائدة من الادعاء بأن الأعمال التكعيبية يمكن تفسيرها بتفصيلاتها كلها بهذا الاهتمام وإعطاء الواقع تأويلا جديدا، فالواضع أن الفنانين استمتعوا أيضا بتغيير الأشكال الطبيعية، بل بتجاهلها أحيانا، أو التعويض بأشكال خيالية عنها، يقول براك:"أن الرسام لا يحاول أن يعيد تمثيل وضع ما، إنما يحاول أن يبني حقيقة صورية." فموضوعاته، مثل تلك التي لبيكاسو، كانت عادية جداً. كان ميلهما المحبذ نحو الحياة الساكنة(Still-life) التي تجمع في الغالب قنينة وقدحاً وغليوناً وصحفية وغيتاراً أو كماناً معا. وحين كانا يقرران أن يرسما إنسانا، فانهما ينتزعان منه هيبته ووقاره وأهميته. لم يكن لعلم النفس موطئ في هذا الفن، سوي أن مبتكريه يضعان نفسيهما تماما بدل الشخوص الماثلة أمامهما عند الرسم.
    وفي العديد من أعمال الفترة 1910-1912 عمد براك وبيكاسو إلى تجزئة الأشياء حدا انتهى بتناثرها و أبادتها. لقد بلغا مشارف الفن التجريدي، لكنهما لم يتجاوزا الحدود إليه وفي تطورهما المنسق حتى اندلاع الحرب في عام 1914، قاما بمحاولة لإعادة تأسيس القيم الصورية للأشياء وجعلها اكثر بروزا للعين. لقد قللا من تشطيرها وزادا من تحديدها، دون اللجوء إلى الأساليب الطبيعية أو الواقعية وفي الفترة ذاتها، شرعا ادخل الحروف المطبعية في أعمالهما منضدة في كلمات مثل(Bal) و(Le Torero) و (ma Jolie)، ألتي مثلت فكرة "موتيفاً" زخرفية و أقحمت قرائنها الذهبية في الصورة، بل ذهبا إلى ابعد من ذلك، فابتكرا الأوراق الملصقة(قطعاً من الجرائد، وورقاً مطلياً وورق تغليف) والصقاها رأسا على القماش، وقاماً أحيانا بوضع لمسات من اللون عليها، بهذا وضعت الحقيقة (المحولة) جوار الحقيقة (الخام) التافهة، لتتحول الثانية فتكتسب قيمة صورية وأهمية دلالية. إضافة إلى ذلك ساعدت هذه الملصقات الورقية براك وبيكاسو على التطور من المرحلة التحليلية إلى المرحلة التركيبية للتكعيبية، وقادتهما إلي خلق إثارات فضائية باستعمال اكثر الوسائل أولية (شريطين من الورق، مثلاً، بلونين مختلفين) كما ساعدتهما هذه الملصقات الورقية في النهاية على إعادة اكتشاف اللون. فاستيعابهما الكلى لمشكلة الشك جعل التكعيبيين زهاداً في اللون يختارون من الأصباغ اقلها، وقيام الفنان بتسليط الضوء بعشوائية على مساحة الصورة، أدى إلي تدرج حاذق في تنغيم الألوان الرصاصية والبنية والصفراء الأوكرية. وفي حوالي عام 1913، هجرا هذه الصورة أحادية اللون ونوعا الألوان، وجعلاها اقوي من قبل أيضا.
    لعب اللون فعلاً دوراً مهماً في تجارب اثنين آخرين من الرسامين الذين كانوا على صلة بالتكعيبية: ديلوني وليجيه، فمنذ أوائل عام 1910 أعلن ديلوني بأن براك وبيكاسو "يرسمان بنسيج العنكبوت!" وكرد فعل، استعمل مندرجاً حراً من الألوان الدافئة، بينما عمد ليجيه إلى استخدام الأزرق والأحمر الخالصين منذ عام 1912 وما بعده.لم تكن هذه هي النقطة الوحيدة التي اختلفا فيها مع زملائهم الفنانين، فقد تأثرا كذلك بسيزان لكن تأثيره كان مغايراً عمدا إلي هندسة الشكل دون تشطيره أو تجزئته ولم ينغلقا على نفسيهما في محترفيهما يرسمان الأشكال المتواضعة الموجودة علي المائدة وحسب فقد استمد ديلوني مثلاً الإلهام من "برج أيفل" ورسم ليجيه "عبور السكة" و"منظر باريس من النافذة". وكلاهما كان على وعي شديد بالإيقاع السريع في الحياة الحديثة والإثارات الجديدة المفاجئة التي ولدتها التكنولوجيا في العالم حولهما.
    وعلى الرغم من أن براك وبيكاسو وديلوني وليجيه جاءوا بأفكار التكعيبية الثورية غير انهم لم يكونوا وحدهم في الحركة، فقد أيدهم فنانون آخرون مناصرون، لكن الخصائص المميزة لكل منهم بقيت واضحة بين هذا الفنان وذاك.
    أن تجارب خوان غريس ولويس ماركوسيس واميلو بيتوروتي ذات صلة ولو بدرجة معنية،ببراك وبيكاسو كان جاك فيون، واخوة مارسيل دوشامب في الاخصالأخصعين بالحركة، بينما اعتبر البرت كليز وجان ميتزنغر وروجر دي لافريسني واندرية لوت التكعيبية نظاماً منضبطاً، وسيلة لتبسيط الشكل، وتقوية التكوين، ومنح التقليد حياة جديدة.
    كان للتكعيبيين تأثير واسع في كل مكان، وفي إمكاننا أن نعثر على رسامين تأثروا بالتكعيبية في بقاع العالم المختلفة، إضافة إلي ذلك، أن نشاطهم لم يكن محدداً بالرسم، بل شمل الملصق والإطاعة والديكور المسرحي والنحت والعمارة.
     

  12. #12 رد : كهوف لونغمن 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    النحت في العصر الحديثرغم الصلة الواضحة القائمة بين فن النحت من جهة وفن التصوير والفنون الترسيمية (الجرافيك) من جهة أخرى إلا أن تاريخ كل منهما مختلف إلى حد ما عن الآخر، كما أن كلا منهما يخدم أغراضا تختلف بوجه عام عن تلك التي يخدمها الآخر.
    وفي الوقت الذي أصبحنا نشهد فيه. وبالذات في القرن العشرين. إقبالا متزايدا على اقتناء اللوحات الزيتية. فيما عدا بعض الأعمال ذات الأحجام الضخمة. لسهولة توفير الأماكن المناسبة لتعليقها داخل بيوت الأشخاص حتى العاديين منهم. لكنهم أغنياء بطبيعة الحال. نجد الأمر على غير ذلك تماما بالنسبة إلى النحت الذي يواجه مشكلة رئيسية هنا وهي صعوبة توفير المكان الملائم لوضع الأعمال النحتية داخل البيوت. ويزد الأمر سوءا أن البيوت نفسها أصبحت تميل إلى الصغر والضيق. ويعود ذلك إلى أن العمل النحتي بطبيعته يفرض وجوده الكلي على المشاهد ويدفعه بقوة إلى تأمل العمل بأكمله. بمعنى أنه يمكن لنا أن نتجاهل لوحة معلقة على جدار أو أن نكتفي بنظرة عابرة تجاهها. لكن التمثال يستلزم منا التوقف والتأمل ثم الالتفاف حوله. بل وحتى الارتفاع فوقه لأمكن ذلك. ولذلك كان من الطبيعي أن يكون المكان الأمثل لإقامة المنحوتات هو الميادين والساحات العامة والمتاحف دون البيوت العادية التي لا يتوفر بها عادة مثل هذه المساحات.
    تقليدياً، لعب النحت دور الرديف لفن العمارة، لأن وظيفته كانت إضفاء اللمسات الجمالية على التصميم بحيث تسهم في تحسين الصورة العامة للمبنى وبالتالي فقد كان يعتبر جزءاً من المبنى إلى حد ما. وضمن هذا الإطار الوظيفي صورة في أعمال مايكل انجلو التي نفذها في مقابر آل مديتشي في فلورنسا وأيضا في أعمال برنيني في كنيسة سان بيتر في روما لو أردنا مثالا يوضح هذا المفهوم. لكن الأمر أخذ في التغير مع حلول أواسط القرن التاسع عشر حيث اخذ النحت يقتصر على افاريز المباني والعمارات باعتباره عنصرا زخرفيا أكثر منه عنصرا أساسيا له دور رئيسي في إبراز الفكرة المعمارية في التصميم. ورغم ذلك فقد احتفظت تلك العناصر بقدرتها على شد الانتباه وظلت قادرة على فرض وجودها الكلي لتستوقف المشاهد لتأملها والتمعن فيها. وأخذت المسارح والمنتزهات والقاعات والميادين تضم الكثير من المنحوتات باعتبارها ضرورة جمالية يصعب الاستغناء عنها.
    أما في العصر الحديث فقد تغير الأمر تماما فأصبح النحت يعتمد إلى حد بعيد . خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة للتصوير على تلبية رغبات واحتياجات الغير ويمكن القول أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر فنادرا ما تم تنفيذ عمل نحتي لغرض خلاف ذلك. ولعل الاستثناء الوحيد يتمثل في تلك الدراسات لبعض الأعمال الكبرى أو الأعمال التي تنجز لتعرض كنماذج تغري البعض للتوصية على عمل منحوتة على نمطها. وكان من نتيجة ذلك أن أصبح النحاتون. أكثر من الرسامين. مرغمين على العمل لتلبية مطالب وتواصي الأشخاص أو المؤسسات الراغبة في المنحوتات ويكون ذلك وفقاً للمعايير والمفاهيم الفنية لتلك الجهات وليس وفقا لرؤية الفنان أو مفاهيمه الفنية الخاصة. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن (على الأغلب) اتسمت تلك الطلبات والاحتياجات باتجاهها إلى الأعمال المنفذة بأسلوب يغلب عليه الاتجاه الكلاسيكي بشكل أو بآخر. وعليه فإن من السهل علينا أن نستنتج السباب التي جعلت النحت ينحو نحو الاتجاه المحافظ.
    ولئن كان من الصعب على الرسامين التأثيريين الاستمرار آنئذ في رسم صور زيتية بأساليب ثورية وفي نفس الوقت لا يقبل أحد على شرائها، فالأمر كان أكثر صعوبة بالنسبة للنحاتين. ومع ذلك فقد شهدت أواخر القرن التاسع عشر ثورة في النحت لا تقل في أهميتها وتأثيرها عن تلك التي أطلقها التأثيريون في مجال التصوير الزيتي.
    والمفجر الحقيقي لتلك الثورة كان رجل واحد. ولكنه واحد من اعظم النحاتين في تاريخ الفن الغربي بعد دوناتيللو ومايكل انجلو وبرنيني. ونعني بذلك النحات العظيم رودان (1840-1917) وسيكون أمرا طبيعيا أن تقارن تأثير رودان كنحات بأثر التأثيريين في التصوير مع أنه بروحه لم يكن تأثيريا على الإطلاق، ولكنه اتفق معهم في نظرتهم إلى الفن آنئذ من انه اصبح هزيلا. خاصة الفن الرسمي العادي. وان النحت بالذات قد اعتراه والذبول كونه أصبح يقوم على تكرار الأعمال الممجوجة لعصر النهضة ويدور في فلك أفكارها.
    وحين كان منكبا على إنجاز أحد أشهر أعماله وهو تمثال "مواطنو مدينة كالاس" كتب إلى عمدة المدينة معلقا على التمثال قائلا أنه سيتضمن ما يمكن أن يكون حسيناً وتطويرا نحو الأفضل، لأن التماثيل والنصب المقامة في مختلف المدن تكاد تكون هي نفسها باستثناء بعض الاختلافات بالزيادة أو النقصان في بعض التفاصيل. ونخرج من ذلك أنه كان يرفض النمطية في الأعمال الفارغة التي ينفذها معاصروه من الأكاديميين المتأثرين بالنحاتين التاريخيين، باعتبارهم أساتذتهم ومعلميهم، رغم أنه نفسه كان متأثرا جدا بنفس أولئك الأساتذة حيث لا مجال للشك بأن جذوره الفنية كانت ضاربة في روائع النحت اليوناني ونحت عصر النهضة.
    ورغم أن رودان لم يلتحق بمدرسة رسمية للفنون. وتلقى تدريباته الأولية في مدرسة للصنا يع والحروف وهي مدرسة "بتايت" إلا أن سر تميزه كمدرسة قائمة بذاتها يكمن في قدرته المهلة على التشكيل كنحات مشكل، والمعرف إن هناك أسلوبان أساسيان في النحت بصورته التقليدية وهما الحفر والتشكيل. فبالحفر يعالج الفنان خامته من الحجر أو الخشب أو غيره عن طريق إزالة الأجزاء الزائدة من الخامة. فالصورة بالنسبة إليه موجودة داخل كتلة الخامة وهو يراها طيلة الوقت بعين خياله ودوره أن يعمل على إظهارها وإطلاقها من معقلها. فهي واضحة في ذهن من يباشر العمل. ومن هنا فعمله لا يحتمل أي خطأ جسيم يمكن أن يشوه تلك الصورة. أما النحت بأسلوب التشكيل فأمره عكس ذلك تماما إذ نرى المثال هنا يبني ويضيف ليصل إلى الشكل المطلوب عن طريق خامات طيعة مرنة هي في العادة الصلصال أو الشمع. وخلال كل مراحل العمل يكون التمثال قابلا للتعديل أو التغيير، وليس هناك أخطاء جسيمة لأن أي جزء يمكن إزالته وإعادة تشكيله، ولذلك فإنه بالنسبة للمشكل (مثال الطين). فالفكرة يمكن أن تتبلور أثناء العمل. لأن الخامة تستجيب فورا للمسات الفنان ويداه التي تعتبر أكثر أدواته حساسية تعمل مباشرة لتجسدها ما في ذهنه.
    وما من شك بأن رودان واحد من أعظم ، وبعضهم يقول بل هو الأعظم. المثالين في تاريخ النحت. فالطين بالنسبة له يعتبر امتداد للتصور القائم في ذهنه. وكانت لمسته واثقة إلى حد أن الشكل النابض بالحياة كان يبدو وكأنه يتدفق من ذهنه منسابا عبر أصابعه التي تعالج الطين. ورغم إن هذه الميزة والقدرة فيه كانت كافية لتصنيفه في مصاف العظام إلا أن إسهامه في وضع مفاهيم الجمال الحديث يحتل منزلة أكثر عظمة وأهمية.
    فلقد كانت الدارج آنذاك لا يخرج عن كونه أعمالا إيضاحية تمثل نماذج معروفة ومتعارف عليها وميادين المدن وساحاتها كانت مليئة بمجسمات ذات أوضاع بطولية كلها متماثلة وعلى نفس الوتيرة. فجاء رودان واستطاع بقدرة مذهلة أن يضفي على تماثيله واقعية شديدة الإقناع. وعمله الضخم الأول " عصر البرونز" آثار اعــتقادا بأنه قد صبه على نموذج حي . وهذه الواقعية استكملت عظمتها في الاختيار المناسب لاسم العمل وهو "عصر البرونز" لأن الرمزية فيه كانت واضحة تماما وتوحي بيقظة الإنسانية في ثوب الشباب الكامل.
    ورغم ذلك فلم يكن رودان مجرد نحات واقعي فقط بل حاول أيضا أن يعبر عن المضمون العاطفي مستخدما الشكل البشري لإبراز الأمل والألم لدى الإنسان محدثا ثورة في تغيير أسس المفاهيم الجمالية في النحت الحديث. وفي تمثاليه "مواطنو مدينة كالاس" و "بلزاك" اللذين ربما كانا أعظم أعماله يقدم نماذج غير عادية لما يجب أن تكون عليه تماثل الميادين العامة إذ أرسى من خلالها قواعد جديدة في كيفية التفكير بالعمل النحتي.
    أما معاصره ادوار ديما (1834-1917) فقد عرف بأنه أحد رسامي مدرسة ما بعد التأثرية ولكنه قام بعدة منحوتات في وقت لاحق من حياته ومنها تمثال "الراقصة الشابة" الذي نفذه عام 1879 بواقعية مذهلة ولكنها تميزت باختراق سيكولوجي ظاهر تجلى في تعبير تلك الصبية الشريدة ذات الأربعة عشر عاما يسكنها الخوف وتبحث عن الأمان جعل العمل شديد التأثير العاطفي ويتجاوز كونه قطعة فنية للمشاهدة فقط. وكل دراسات ديا على مواضيعه المفضلة الراقصات، النساء المستحمات، الخيول، تظهر بوضوح براعته الفائقة في التشكيل الذي يتدعم بتعاطفه وتفهمه الواضح لتلك المواضيع.
    وهناك معاصر آخر لرودان هو"ميداردو روس" (1858-1938) وهو إيطالي عمل في باريس خلال ثمانينات القرن الماضي تميز بالاتجاه التأثيري أكثر من رودان كان نحاتا مشكلا مستخدما الشمع في غالب الأحيان. استلهم مواضيعه من الصور الحياتية اليومية التي توحي بالشكل أكثر مما تخلقه.
    سطوح تشكيلاته لم تكن مستوية فبدا وكأنه يحاول أن يشكل الضوء ذاته. وأهميته تكمن في أنه يوحي بتفكيك أو تحليل عناصر الأجسام. وهو أسلوب جديد يتيح حرية أكبر في معالجة الشكل إلا انه يعتمد على الملاحظة الشديدة.
    كان هناك العديد من النحاتين الذين انتهجوا نهج الحركات الجديدة للفن الحديث في أوائل هذا القرن.وأحيانا ما كانوا هو أنفسهم رواد هذه الحركات وغالبا ما كانوا نحاتين ورسامين معا.
    فبوتشيني مثلا كان أشهر المبدعين في حركة "المستقبلية". وعملاه "أشكال فريدة في الفضاء و"تطور زجاجة في الفضاء" تعتبر من أهم الأعمال في الحركة إن لم تكن ضمن اعظم منحوتات القرن. ونذكر أيضا بيكاسو وماتيس اللذين عملا منحوتات مهمة جدا. حتى النحاتين الذين لم يتقيدوا بمدرسة معينة إلا أن يكون الأمر استجابة لحالات مزاجية خاصة كان منهم بعض البارزين الذين رغم انفصالهم تماما عن أي من المدارس المتسمة بالمعاصرة إلا انهم أسهموا بشكل كبير في خلق المفاهيم الجمالية الحديثة.
    في ذلك الوقت. كما هو الأمر في الوقت الحاضر أيضا.كانت الحاجة مازالت قائمة لتخليد الشخصيات البارزة من سياسيين وجنود أدباء.. الخ بأعمال نحتية. لكن هذا النوع من النحت رغم أنه موجود في كل العصور إلا انه لا يحتل موقعا مهما في التاريخ العام للفن الحديث لأنه نشاط عام ولا يعتد به في دراسة تطور النحت.
    كان لوردان تلميذ بدا وكأنه تابع مخلص لمنهج أستاذه وأنه سيكمل رسالته موصلا إياها إلى آفاق أرحب ومجالات أوسع إلا انه لم يحتفظ بذلك الاتجاه بل مال عنه بتأثير الاغراءات المادية التي وفرتها له الطلبات الخاصة والتي كانت كلها وفقاً للمنهج الأكاديمي كان ذلك الفنان هو اميل انطوان بورديللي (1861-1929). أما ميلول(1861-1949) فهو أيضا أحد تلاميذ رودان الذي بدأ حياته الفنية كرسام منتم إلى الحركة النابية ثم اتجه إلى النحت حين شارف على الأربعين من عمره عقب عملية جراحية أجراها لإحدى عينيه. وفي هذا المجال استقر على أسلوب واحد وموضوع قلما تغير وهو الإناث العاريات في أشكال مبسطة وأوضاع محددة بانحناءات واستدارات جميلة رشيقة تذكرنا بموديلات رينوا. ويمكن القول أن كل أعماله الفنية تندرج ضمن هذا القالب : أشكال مبسطة وأوضاع محددة متفقة غالبا في الإيماءات مع تباين طفيف، كل ذلك من خلال تأثر واضح بالنحت اليوناني. إلا أن بصمته كانت واضحة في أيجاد أسلوب في النحت خلا من الرشاقة والإثارة الدرامية المميزة لأسلوب رودان فبدا وكأنه كلاسيكية حديثة احتفظت بمقوماتها الكلاسيكية وعنصر الحداثة فيها هو الإحساس الكامن بها.
    وهناك أيضا المثال رايموند دوتشامب (1876-1918) ذو الموهبة الفنية والذي سرعان ما تحول من المدرسة الأكاديمية إلى الأشكال المبسطة التي توحي بالتحليل التكعيبي. وقد تميزت مجموعة أعماله النحتية الموسومة" الحصان" بأنها جمعت بين قوة الحيوان وقوة الآلة.
    أما الإيطالي اميديو مودلياني (1884-1920) فكان ذا موهبة نادرة، كان رساما ونحاتا متميزا بأسلوب متفرد. ولكنه كان يوهيميا في حياته منغمسا في الملذات رغم إصابته بالسل.
    وكان وسيم الشكل وزئر نساء ومدمن مكيفات. وكثيرا ما ردد بأنه سيظل يشرب حتى الموت وحقق ذلك فعلا. اعتبر نفسه أفضل فناني إيطاليا. وكان يقول بأنه نحات في المقام الأول رغم أن لوحاته الزيتية. وخاصة تلك التي تناول فيها النساء العاريات. تأتي في مقدمة أعماله التي اشتهر بها. وقد بدأ واضحاً أنه تأثر بفنون نحت العصور الوسطى وعصر النهضة وكذلك بالفن الأفريقي. ذلك رغم أن الرؤوس المبسطة والاستطالات التي هي عليها لا توحي بارتباطها بعصر محدد بقدر ما هي ضاربة في أعماق التصورات البدائية الموغلة في القدم.
    وصداقته مع برانكوزي (1876-1957) وهو فنان روماني كان يقيم في باريس. أثارت شكوكا بأنه في بداياته قد تأثر ببرانكوزي فهناك بالفعل صور من التشابه قائمة. وقد تطور برانكوزي ليصبح أحد أهم شخصيات النحت في القرن العشرين، والمؤثر الأساسي في أحد اتجاهاته المميزة وهو الاتجاه المستمر نحو التجريد. وقد اختلفت الآراء فيما يخص التجريد. إذ رأى البعض أن ليس هناك ما يسمى بفن تجريدي حقيقي. وأن ما يمكن أن يقال في أعمال برانكوزي أنها تنتمي بشكل رئيسي إلى التجريد أكثر من كونها تجريد حقيقي صرف.
    ومع ذلك فهو يصقل الأشكال ويهذبها ويحورها برؤية تجريدية مع احتفاظها بكل العلاقات المرتبطة بالموضوع الأصلي. وفي منحوتته " السمك" و"طائر في الفضاء" نرى أن الروح والإحساس والفكرة قد تم اختصارها جميعا وتقليصها إلى شكل موحد بسيط. هذا الاهتمام باستبعاد وإزالة كل العناصر الخارجة عن جوهر الموضوع مع الإصرار على رفض استخدام أي منها كرمز هو أكثر ما يميز برانكوزي عن رودان الذي كثيرا ما أبدى إعجابه الواضح بقدرات ومواهب برانكوزي وحاول كثيرا أن يلحقه به كمساعد له ولكنه لم يوفق إلى ذلك بسبب ميل برانكوزي الشديد إلى الاستقلالية والتفكير الفردي الطليق. وفي سعيه فقد المتواصل لتحقيق الكمال في السطوح فقد استعان بالكثير من التكنولوجيا مع الكثير من الجهد الشاق.
    فكان لا يكف عن العمل ويستخدم وسائل تكنولوجية كي يصل إلى الشكل والملمس المطلوبين وقد قال جاك ليتش النحات التكعيبي المعروف الذي كان مرسمه ملاصقاً لمرسم برانكوزي بأنه قادراً على سماع الصوت الناتج عن عملية الصقل بشكل يكاد يكون مستمراً. وعملية الصقل هذه يرى برانكوزي أنها ضرورة أساسية تستلزمها الأشكال المطلقة في حالة استخدام خامات معينة. وهذا الإغراق في اللجوء إلى الصقل والملمس في النعومة حتى ليبدو في العمل في النهاية وكأنه صنع آلة، يوحي بأن هناك شكل نهائي مطلق يسعى الفنان دون كلل للتوصل إليه من خلال عملية التقليص والصقل وهي وجهة نظر تشكل إحدى السمات الجمالية للنحت في القرن العشرين. وهذا يعني أن الأمر ليس مجرد إزالة أو تخلص من بعض المظاهر الزائدة ولكنها إيمان مسبق بالصورة النهائية البسيطة كهدف بحد ذاته يبعث التوصل إليه في نفس الفنان مقدارا من الراحة أكثر بكثير مما يبدو لنا. فالبيضة يمكن أن نرى فيها معنى يشير إلى بداية العالم أو إلى الأمومة أو الحياة التي لم تتحقق بعد أو أي معنى آخر من هذه المعاني المتضاربة وهي فلسفة عبر عنها أحدهم ببساطة تبدو وكأنها لغز حين قال "كلما قل ازداد"، وأصبحت هذه الفلسفة عقيدة وقناعة تفصح عن نفسها من خلال أعمال لا شيء واضح فيها سوى اسمها حتى الغرف التي توضع فيها تكون خالية من أي شيء ولا يملؤها إلا الفراغ.
    وبطبيعة الحال فهذا لا ينطبق على برانكوزي. بل إن الأمر معه على عكس ذلك تماما. فعملية الصقل لديه المثيرة للعواطف والأحاسيس مقصودة وتستهدف والإيضاح وإبراز الجانب المناقض للغموض والغرابة. واختياره للخامات المستخدمة يعتمد على مدى ملاءمتها للموضوع والصورة النهائية التي يحرص على الإبقاء على ارتباطها الوثيق بالشكل الأصلي للموضوع. ذلك رغم أنه في بعض الأحيان يلجأ إلى تكرار الموضوع بخامات مختلفة.
    ومكانة برانكوزي في تطور النحت الحديث ليست موضع نقاش أو جدل. وعقب وفاته عام 1957 اتخذ النحت مساراً جديداً حيث اتجه إلى التجريدية المبسطة ذات الفراغات الزخرفية. وهناك أيضا النحات السويسري المولد "البرتو جياكوميتي" (1901-1966) الذي اتخذ من باريس مقراً لعمله منذ عام 1927 وبقي فيها حتى وفاته. تميز هذا الفنان بأسلوب شديد التفرد وحظي بشهرة واسعة. اتجه إلى السريالية في مرحلتها المبكرة ثم هجرها إلى أسلوب آخر يتميز بتقليص الأشكال إلى حد جعلها تبدو كالعصا بسطوح خشنة نافرة ولكنها تنضخ بأحاسيس طاغية بالعزلة الإنسانية الشديدة.
    ورغم أنه في أشكاله يبقى فقط على العناصر الأساسية للموضوع حتى ليذكرنا بأسلوب برانكوزي إلا أنه يختلف عنه في خشونة سطح الأعمال وافتقارها إلى الشكل الصريح المحدد. ولكنها في النهاية تثير في النفس الكثير من الأحاسيس والشجون. وأعماله النحتية في جملتها تتضمن تكراراً يبدو وكأنه تكرار قسري يفرض نفسه. عليه مما يجعل تأثيرها الكلي أقل من ذلك الذي تشيعه رسوماته ولوحاته التي تنطوي على الكثير من العناصر المثيرة لمشاعر الرثاء والشفقة والقوة معاً.
    وإذا ما تطرقنا إلى النحت عند ماتيس نجد أنه بدأ في ممارسة هذا الفن منذ عام 1900 تقريبا. وإذا كان من الممتع حقا أن نتأمل في أعمال ماتيس النحتية كامتداد للمدرسة الوحشية في التوصيل التي كان رائدها. فإن هذا الأمر على ما يحمل من صدق إلا أنه يمكن القول أيضا أن تأثره الأساسي في البدء كان بالفنان رودان.
    وتمثاله الأول "الصبر" الذي يصور رجلا واقفا عاريا يشير بوضوح إلى علاقته بتماثيل رودان "الرجل الماشي" و"البابا يوحنا" وبأحد الشخوص في تمثال "مواطنو مدينة كالاس" رغم أن مثل هذه العلاقة لا نرى لها أثراً في المراحل التالية حيث مال إلى التجريد ولكن على نهج مغاير لما كان عليه نهج برانكوزي وجياكوميتي.
    وأثر ماتيس في التطوير يبدو واضحا من خلال التماثيل البرونزية الأربعة التي أنجزها خلال الفترة من عام 1909 وحتى عان 1930. وهى تمثل ظهر فتاة عارية بتفاصيل شديدة الوضوح والبروز والتمثال الأول من هذه السلسلة يشير إلى إن في ذلك الوقت كان لا زال متأثرا برودان. وتميز التمثالان الثاني والثالث بتداخلات تحليلية في الأشكال أظهرت بوضوح مدى فهمه واستيعابه الكامل للمذهب التكعيبي رغم أنه لم يكن تكعيبيا على الإطلاق. أما العمل الرابع والأخير فقد كان مزيجاً متناغماً ومؤتلفا من البساطة والضخامة معا، في تشكيلات مترابطة تقدم لنا نموذجا لما يجب أن يكون عليه فن النحت في المقام الأول. ولا شك بأن امتلاك مثل هذه القدرة وهذا التمكن الكثير من الكفاح الصادق والعمل المتواصل. وربما كان ماتيس قد توقع الأسلوب الذي سيأخذه النحت على يده عندما قابل رودان لأول مرة غير أنه في المراحل التالية نرك التفاصيل التي تهدف إلى الشرح ومال إلى أسلوب الدمج الذي ينبض بالحياة والإيحاء.
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •