أثنار يطالب المسلمين بالاعتذار عن "احتلال" أسبانيا!





خوسيه ماريا أثنار طالب رئيس الوزراء الأسباني السابق، خوسي ماريا أثنار، المسلمين بالاعتذار عن "احتلالهم" أسبانيا لثمانية قرون؛ ردا على مطالبة المسلمين لبابا الفاتيكان بالاعتذار عن محاضرته المسيئة للعقيدة الإٍسلامية. واعتبر أن الإسلام والغرب حاليا "في حالة حرب".

وأثارت دعوة أثنار دهشة كبيرة في الأوساط الإسلامية والإعلامية في أسبانيا، واعتبرها البعض دلالة على معاداة للإسلام تستهدف توتير العلاقات الأسبانية - الإسلامية.

فخلال محاضرة ألقاها بمؤسسة هودسون، المعروفة بطابعها المحافظ المناوئ للإسلام، في واشنطن، تساءل أثنار: "ما السبب الذي يجعل الغرب فقط هو الذي يقدم الاعتذار بينما هم (المسلمون) لا. هم احتلوا أسبانيا لمدة ثمانية قرون، وفي الوقت الذي أسمع دعوات للبابا لتقديم اعتذاره عن تصريحاته حول الإسلام، فإني لا أسمع أي مسلم يعتذر عن احتلال أسبانيا لمدة ثمانية قرون".

وأضاف أثنار الجمعة 22-9-2006، خلال محاضرته التي نقلت صحيفة "إلموندو" الأسبانية مقتطفات منها: "يجب أن أقول إنني من أنصار الملكة إيزابيلا والملك فيرديناند"، وهما الملكان اللذان قادا الحملة ضد آخر معاقل المسلمين الأندلسيين، وتزعما محاكم التفتيش التي طاردت المسلمين وصادرت أملاكهم وهجرت الملايين منهم إلى ما وراء البحار وأحرقت الآلاف منهم أحياء، حسب شهادات متطابقة لمؤرخين بينهم أسبان وأوروبيون. واعتبر أثنار أن "الغرب والإسلام حاليا في حالة حرب، فإما نحن أو هم".

"تثير الأحقاد"

تصريحات أثنار واجهت انتقادات شديدة من الأوساط الإسلامية. وقال مولاي علي الريسوني، رئيس جمعية الدعوة الإسلامية والأمين العام للجنة دعم تحالف الحضارات: إنها "خطيرة وتدل على مستوى أفكار الذين كانوا يحكمون أسبانيا إلى وقت قريب، كما أنها دليل على المنهاج الذي كان يسير عليه عندما كان يسير دفة الحكم بأسبانيا" قبل أربع سنوات من جانب الحزب الشعبي اليميني.

، شدد الريسوني، وهو أحد أحفاد القائد الغرناطي ابن الرشيد الذي استقر بمدينة شفشاون شمال المغرب بعد سقوط غرناطة عام 1492، على أن "هذه التصريحات تثير الأحقاد التي ليس من مصلحة أحد أن يبعثها من القبور. كلام أثنار يدل بوضوح على روحه الصليبية وتطرفه وتعصبه ضد الإسلام الذي كان دوما رسالة حب وسلام، وأعطى للبشرية الحضارة والمدنية".

لم يكن غزوا



لوحة تظهر شحن المسلمين في مراكب لطردهم من الأندلس وأكد الريسوني أن مطالبة أثنار للمسلمين بتقديم اعتذار عما أسماه احتلال الأندلس لا يقوم على أي أساس لأن دخول المسلمين الأندلس لم يكن غزوا أو استعمارا.

ومضى موضحا: دخول المسلمين الأندلس "كان دفعا كبيرا للحضارة الإنسانية وتواصلا بشريا رفيعا، وهو ما تدل عليه بوضوح تلك الآثار الخالدة التي تركها المسلمون في الأندلس".

ولفت إلى أن "الحضارة الأندلسية في إشبيلية وقرطبة وغرناطة وغيرها من المدن الأندلسية هي التي أوصلت العلم والحضارة إلى أوروبا والغرب بصفة عامة".

وأبدى الريسوني اندهاشه من أن تأتي محاضرة أثنار بينما تستعد نخبة من المفكرين الأسبان والعرب في جامعة قادس لتخليد ذكرى مرور 1300 سنة على الفتح الإسلامي للأندلس.

ويرتقب تنظيم احتفال عالمي ضخم عام 2011، احتفاء بمرور 13 قرنا على دخول المسلمين شبه الجزيرة الأيبيرية وعبورهم منها إلى أوروبا. ويرى مؤرخون غربيون عديدون في الفتح الإسلامي للأندلس "هبة إسلامية لأوروبا".

ويقدر عدد الأندلسيين المغاربة بحوالي 5 ملايين، يعيش أغلبهم بشمال البلاد حيث استقر أجدادهم بعد طردهم من الأندلس.

كما استقر أندلسيون آخرون بالجزائر وتونس والبعض الآخر في ليبيا وعدد من البلدان الأوروبية وفلسطين والشام عموما، فيما يقول مؤرخون إن الآلاف منهم توجهوا نحو القارة الأمريكية بعد اكتشافها في نفس العام الذي سقطت فيه غرناطة.

توتير العلاقات

من جانبهم رأى محللون أن عودة أثنار إلى الساحة من باب التهجم على الإسلام تستهدف توتير العلاقات الأسبانية - الإسلامية.

كما اعتبروا أنه يستهدف التقليل من عمل لجنة "تحالف الحضارات" التي اقترحها ويدافع عنها رئيس الحكومة الاشتراكي الحالي خوسيه لويس رودريجيز ثاباتيرو، خاصة أنه يبقى على الانتخابات التشريعية حوالي العام.

صحيفة "دياريو ليون" الأسبانية علقت قائلة: "أثنار عاد للساحة السياسية عبر هجوم قاس على القرون الثمانية للحكم الإسلامي لأسبانيا".

ولفتت إلى تزامن هجوم أثنار على المسلمين وعلى تحالف الحضارات مع إلقاء وزير الخارجية الأسباني، ميجيل أنجيل موراتينوس، لخطاب أمام الدورة الـ 61 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال فيه: إن لجنة تحالف الحضارات- التي ترعاها المنظمة الدولية- ستقدم تقريرها النهائي في ديسمبر المقبل إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

وقال أثنار في محاضرته: إن فكرة "تحالف الحضارات" بين الغرب والمسلمين "فكرة غبية"، معتبرا أن العلاقة بين المسلمين تتدهور كل يوم.

وتزعم أثنار لسنوات "الحزب الشعبي" اليميني الذي حكم البلاد بين 1996 و2004، وعرفت الأيام الأخيرة لولايته تفجير محطات قطارات بمدريد اتهمت خلية تابعة لتنظيم "القاعدة" بتدبيره عقابا على مساندة حكومته للغزو الأنجلو أمريكي للعراق في مارس 2003.

دعم البابا

موقف آخر متقارب مع ما ذهب إليه أثنار أظهره جوزيه مانويل دوراو باروزو، رئيس اللجنة الأوروبية، السبت 23-9-2006، حينما قال إنه كان يتعين أن يعلن عدد أكبر من الزعماء الأوروبيين دعمهم لبابا الفاتيكان بعد تصريحات المثيرة للجدل.

ونقلت صحيفة "فيلت إم زونتاج" الألمانية عن باروزو قوله: "أصبت بخيبة أمل لعدم وجود مزيد من الزعماء الأوروبيين الذين قالوا: من حق البابا بشكل طبيعي أن يعرب عن آرائه الشخصية".

ومضى قائلا: إن "المشكلة ليس في تصريحات البابا ولكن في رد فعل المتطرفين".

وفي سياق الإساءة للإسلام، نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية الأسبوع الماضي مقالا تعرض بالسب والذم لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم.

وزعم كاتب المقال، روبير ريديكير، أن القرآن الكريم يروج للعنف والحقد، كما استهزأ بشعائر الحج عند المسلمين. وقد أعرب بيار روسلان، نائب رئيس تحرير الصحيفة، عن أسفه لنشر المقال.

وكان بابا الفاتيكان قد أشار الأسبوع الماضي خلال محاضرة ألقاها أمام أكاديميين بجامعة ريجنسبيرج في ألمانيا عن الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية، إلى حوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف فارسي حول دور نبي الإسلام.

وفي هذا الحوار قال الإمبراطور للمثقف: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما طالب البابا في محاضرته المسلمين بوقف الجهاد.

وكرر بابا الفاتيكان الإعراب عن أسفه لهذه التصريحات قائلا إنها فهمت بشكل خاطئ. لكن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اعتبر أن هذا لا يعد اعتذارا، وطالب البابا بسحب عبارات الإساءة من نص محاضرته.

ومع رفض البابا حذف هذه العبارات أعلن اتحاد العلماء عن توقف الحوار مع الفاتيكان، ودعا المسلمين إلى التعبير عن غضبهم من هذه التصريحات بالطرق السلمية