قاضي البيت الأبيض جحا

( قصة وجيهة )





أسرع جحا مستعجلا ، قادته عجلته إلى مقهى أسفل حي القصبة ، مقهى يلبد فيه الوعدودي ــ 1 ــ منتظرا زبناءه ، ابتاع منه معجون الحشيش ، ثم قفل راجعا وقد طعمه .

ابتدأ يمشي مخالفا سيرته الأولى ، فرمله الحشيش عند الثواني الأولى لتناوله ، ولما كان عند عقبة الكومير ضاع له رقيبه ، نام فص مخه حيث ناصيته .

تسكع يركبه حتى وقف عند باب أمه بالجبل الكبير، وقف متسمرا يهم بطرقه ولا يفعل. وهو سابح في عالم دوار يركب صورا كتلك التي تحدثها أجسام تستقل الخضار يف ؛ همس لنفسه قائلا :

" أمي امرأة عجوز تتحرك بصعوبة ، غلبتها الشيخوخة وأقعدتها العلل ، فإن أنا طرقت بابها لا تفتحه إلا بعدما تنهض من سريرها في نصف ساعة , وبعدما تضيء اللمبات في ربع ساعة ، وعندما تصل إلى مصراع الباب تكون قد مضت على حركتها ساعة كاملة ، هذا فضلا عن إزعاجها وربما إغضابها ، لا ، لا أطرق الباب وأزعج أمي المسكينة، سأتركها تنام وأذهب إلى أختي بدار البارود وليتحمل زوجها ، وليغضب علي إن شاء ، المهم إلى دار البارود " .

تمر عليه سويعات يقضيها واقفا مع حارس يسامره ، أو قرب كلب يناجيه ، أو عند قط يشهد عراكه مع دخيل على منطقته أسود أشهب ، هكذا حتى يقف على عتبة دار أخته فيتسمر كسارية الإنارة ويدخل عالما مخضرفا ويشرع في الحديث إلى نفسه قائلا :

" الوقت متأخر جدا ، وأختي نائمة ، وطرق بابها يزعج زوجها وربما غضب عليها وخاصمها ، أفأ كون أنا السبب ؟ هل أتسبب في خلق مشاكل لأختي ؟ كلا ، لست إذن صاحب مروءة ، وإذن أمي أمي ، فإذا أغضبتها سامحتني ، أذهب إليها " .

ظل جحا طول ليله في ذهاب وإياب حتى جلدته الشمس فاستدفأ لها وعيه وعادت القيادة إلى ناصيته فأـبصر نفسه عند بساط يطوي تحته أطلانطس ، انحنى على سطحه ، ثم أدخل فمه في الماء ونادى على دلفين معمر شهد رحلات ورحلات للمنتقمين ..

ركبه وقصد أمريكا الشمالية . اقتحم مكتب الرئيس ، وجده فرحا مرحا يريد أن يتسلى جدا ، ويجد هزلا ، فقال له : " ما رأيك في أن تمثل دور الحيوان ، فقد مسخ نصفك ، ويقوم ممثلا معك بلير وألمرت ، بلير يمثل دور الذئب ، وألمرت يمثل دور الثعلب ، وأنت تمثل دورالأسد ؛ وإن كان نصفك المتبقي سيستحيل إلى كلب هو الآخر " فرد عليه :

ــ كيف ؟

ــ تتحولون من آدميتكم إلى حيوانات استجابة لطبيعة خستكم، ثم تذهبون جميعا إلى غابة كينيا للصيد ، جدوا في رصد جحش سمين ، ثم استقدموه إلي .

انحرفوا إلى غابات أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال فصادوا حمارا معمرا، ثم قدموا به إلى جحا وكان قد نصب نفسه حاكما بعدما نوم البرلمانيين ونوم الشعب فقرر حكم البلاد بأهل نيام ،عندما وقفوا بين يديه يجرون صيدهم قال لهم : " والآن اقتسموا حماركم بينكم وليبدأ بالقسمة الذئب " .

اقتسم الذئب الفريسة إلى ثلاثة حصص، قدم حصة للثعلب ، ودفع بحصته جانبا، ثم تقدم إلى الأسد بحصته، ولما اقترب منه صفعه صفعة أحدثت في وجهه أخاديد بعدد أظافره أنسته نفسه فما وجد لها غير الفرار سبيلا ، فقال الأسد : " ليقتسم الآن الثعلب " .

تقدم الثعلب إلى حصة الذئب ودفع بها إلى الأسد قائلا : " حصة الذئب حصتك أيا الأسد " ثم تناول حصته وتقدم بها قائلا : " وحصة الثعلب حصتك أيها الأسد " ثم جمع الفريسة ولم يبق تالفا منها ذيل أو حافر، ضم ما تفرق منها إلى بعضه ودفع به قائلا : حصتك أيها الأسد هي حصتك وهي كل الفريسة " ، فقال له الأسد وهو يضحك من الغبطة : " أين تعلمت القسمة والحساب ؟ " فقال : " تعلمت الحساب وأتقنت القسمة في وجه الذئب " .

استأثر الأسد بكل الحصص ونسي جحا ، فقال له بعدما شرع يجر فريسته : " إلى أين ؟

ــ إلى حيث أريد بحصتي.

لم يبال ، تقدم إلى جحا يظنه حيوانا مثله ، ولما هم بوضع يده عليه ضغط جحا على عنقه فخنقه حتى انطلق رذاذ من عينيه كما لو كان حبـة عنب مضغوطة بإبهـام وسبابة ، ثم أرسله قائلا : " لا تزال مغرورا ، تظن نفسك أسدا ، وما أنت إلا كلب ، هذا أوان محاسبتك على لصوصيتك ، على ظلمك وطغيانك ، أما الأسد فهو أنا ، أنا قاضيك .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ



ــ 1 ــ الوعدودي اسم حقيقي في الحكاية الأولى ، والقصتان مقتبستان من حكايتين شعبيتين تتداو لهما ذاكرة طنجة الشعبية . الأولى واقعية حصلت في سبعينيات القرن الماضي وقد باتت حكاية شعبية، أما الثانية فقد وردت كالتالي:

زعموا أن ثعلبا وذئبا وأسدا اتفقوا على صيد مشترك يقتسمونه بينهم ، فخرجوا إلى الصيد ، طاردوا حميرا وحشيا حتى تمكنوا من جحش سمين وقع بين أظافرهم ، جروه إلى عرين الأسد وأخذوا راحتهم ، ثم أمر الأسد الذئب والثعلب بتقسيم الفريسة بينهم .

قسم الذئب الفريسة إلى ثلاثة حصص ، فتقدم بحصة الثعلب ودفع بها إليه ، ثم نحى حصته جانبا ، وتقدم بحصة الأسد ، ولما اقترب منه صفعه صفعة أصمته حتى استنفرت لها دوافع طاقته فهرب يصيح مسمعا الذئاب ، ثم أشار الأسد إلى الثعلب وطالبه بتقسيم الصيد ، فتقدم الثعلب وأخذ حصة الذئب ودفع بها إلى الأسد قائلا : " حصة الذئب حصتك سيدي الأسد ، وتناول حصته ودفع بها إليه قائلا : وحصتي حصتك سيدي ، وجمع أجزاء الفريسة وضمها جميعا إلى نصيب واحد وقال : وحصتك سيدي هي هذه " ضحك الأسد من الغبــطة وسأله : " أين تعلمـت القسمة والحسـاب ؟ " . فرد عليه : " تعلمت ذلك في وجـه الذئب " .



ملاحظة:

الحكايتان مرويتان باللهجة العامية بأساليب مختلفة وصيغ متباينة ولكنها جميعا تدور حور معنى واحد، وتروى بلهجة من العربية محرفة نطقا ، وأنا هنا لم أكتبهما باللهجة المروية بها محاولة مني تجاوز ذلك مادام الأمر غير متعلق بالتوثيق كما هو الشأن في قصة وجيهة أخرى نشرت بمنتدى القصة العربية بعنوان : عند الرحمن المجذوب في غوانتانامو .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ



محمد محمد البقاش

طنجة في :

13ــ 09 ــ 2007