هو مقال نشرته جريدة القدس العربي اليوم في موقعها الالكتروني اليوم لرئيس تحريرها عبد الباري عطوان الذي احيي فيه غيرته على هاته الامة بل احيانا كثيرة تغلب فيه عاطفته موضوعيته و هو شرف اراه له على كل حال
13/07/2006
عبد الباري عطوان
لا نفهم هذه المطالبات المتكررة من قبل الكثيرين، وبعضهم عرب، لحزب الله اللبناني للافراج عن الجنديين الاسرائيليين اللذين تم اسرهما في عملية عسكرية نوعية جري تنفيذها يوم امس الا علي انها مطالبات عنصرية ومنحازة بطريقة عمياء للعدوان الاسرائيلي.
فالسيد كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة، الذي كان من ابرز الموجهين لهذه المطالبات لم يتحدث بكلمة واحدة عن آلاف الاسري العرب في سجون الاحتلال، ولم يتلفظ بأي مطالبة للإفراج عنهم في الماضي او الحاضر، ولا نتوقع منه ان يفعل ذلك في المستقبل.
القوات الاسرائيلية خطفت تسعة وزراء فلسطينيين واكثر من خمسة وعشرين نائبا تشريعيا منتخبا، وقتلت مئات الابرياء في غارات وحشية، ومع ذلك لم نسمع من هؤلاء الذين يطالبون بالافراج عن الجنود الاسرائيليين الأسري اي كلمة ادانة لمثل هذه القرصنة والبلطجة الاسرائيليتين.
تبادل الأسري الذي يطالب به رجال المقاومة في لبنان وفلسطين ليس اختراعا عربيا او اسلاميا، وانما هو مسألة متعارف عليها منذ قيام الخليقة، تمارسها كل الشعوب المتحضرة منها والهمجية، وكفلتها المواثيق الدولية، بل وتأسست منظمات عالمية للإشراف عليها وتسهيلها مثل منظمة الصليب الاحمر، فلماذا يتم تجاهل هذه الحقائق عندما يتعلق الأمر بأسر جنود اسرائيليين علي ايدي رجال المقاومة العربية والاسلامية؟
القوات الاسرائيلية تقتل مدنيين، وخاصة الاطفال منهم، وتنسف محطات الماء والكهرباء والجسور في ابشع ممارسة للعقوبات الجماعية، وتخطف قيادات سياسية منتخبة، بينما يركز رجال المقاومة في عملياتهم علي اهداف عسكرية، ويأسرون جنودا، الامر الذي يظهر الفارق الاخلاقي الكبير بين الجانبين.
عملية حزب الله مشروعة، وتجسد التلاحم العربي الاسلامي في انصع صورة، ولهذا تناسي الفلسطينيون في الاراضي المحتلة معاناتهم تحت الحصار، ووزعوا الحلوي احتفالا.
فعندما يتساءل الفلسطينيون في ذروة معاناتهم ويأسهم عن العرب، ويناشدونهم التدخل، فهم لا يقصدون عرب الانظمة، ولا وعاظ السلاطين، وانما الشعوب العربية والقوي الحية فيها، وها هم مجاهدو حزب الله يلبون النداء، وينفذون هذه العملية الفدائية النوعية التي تستمد اهميتها من عدة نقاط نوجزها كالتالي:
اولا: هزت هذه العملية صورة الجيش الاسرائيلي الذي يعتبر رابع اقوي جيش في العالم من حيث التسليح والتدريب، فأن يصل رجال المقاومة الي قلب ثكناته، ويخترقوا كل دفاعاته، ويملكوا المعلومات الاستخبارية الدقيقة عنه، فهذا انتصار نوعي كبير لم يتحقق لأي من الجيوش العربية منذ ثلاثين عاما، خاصة ان جميع من نفذوها عادوا سالمين.
ثانيا: ستضع هذه العملية جميع الانظمة العربية في حرج كبير، هذا اذا افترضنا انها تشعر بالحرج، لانها التزمت الصمت المطبق تجاه العدوان الاسرائيلي الحالي في قطاع غزة والضفة الغربية، وما ينتج عنه من مجازر في حق الاطفال والمدنيين. فلم يبادر اي من هذه الانظمة بأي تحرك سياسي، ناهيك عن العسكري، مثل الاحتجاج او طرد السفراء الاسرائيليين من عواصمها، وذهب بعضها، وخاصة النظام المصري، الي درجة التوسط للافراج عن الجندي الاسرائيلي الاسير في غزة دون مقابل او ضمانات حقيقية بالافراج عن اسري فلسطينيين في سجون الاحتلال، وكأن سلامة الجندي الاسرائيلي الأسير اثمن وأغلي بالنسبة اليه من آلاف العرب، وبعض المصريين الأسري في سجون الاحتلال.
ثالثا: ستعيد هذه العملية التركيز علي القضية الفلسطينية كقضية محورية اساسية في العالمين العربي والاسلامي، وتؤكد ان كل المحاولات الامريكية التي تريد طمسها لحساب تصعيد قضايا اخري مثل العراق للتغطية عليها، محكوم عليها بالفشل.
رابعا: توجه هذه العملية التي نفذها حزب الله العربي الشيعي صفعة قوية للفصائل العراقية التي رفعت وترفع راية الاسلام وتتعاون مع الاحتلال الامريكي، وتنخرط في حرب طائفية دموية، وتستهدف بعض ابناء الجالية الفلسطينية في العراق. ففي الوقت الذي ينسق حزب الله مع الفصائل الفلسطينية، ويضع القضية الفلسطينية علي قمة اولوياته يعتبر البعض في العراق الفلسطينيين اعداء، ويقدمون علي ذبحهم في وضح النهار.
خامسا: جعلت هذه العملية، والفلسطينية التي سبقتها (كرم سالم) العام الحالي عام الأسري فعلا، وقدمت البديل الوطني الحقيقي لوثيقة الأسري التي كادت ان تفجر حربا اهلية دموية في الوسط الفلسطيني بفضل بعض الذين ارادوا استخدامها كقميص عثمان لضرب المقاومة وفصائلها، واسقاط الحكومة الفلسطينية المنتخبة، والالتفاف علي الاجماع الفلسطيني لانتزاع تفويض، عبر استفتاء ملغوم، للعودة الي طاولة المفاوضات وفق الشروط الامريكية والاسرائيلية.
الحكومة الاسرائيلية ظلت طوال يوم امس في اجتماعات متواصلة للبحث عن مخرج من مأزقها المزدوج في جنوب لبنان وقطاع غزة، وربما تلجأ الي ضربات جوية تستهدف بني تحتية لبنانية او سورية، لاستعادة هيبة جيشها المنهارة، ولكن مثل هذه العمليات الانتقامية ان حدثت ستعطي نتائج عكسية تماما.
فأي هجمات اسرائيلية انتقامية ربما تؤدي الي احداث حالة من الفوضي في لبنان وسورية، واعادة فتح جبهة جنوب لبنان واحياء نوع جديد من المقاومة، علي غرار ما يحدث في العراق وفلسطين.
ستفيد العمليات الانتقامية حكومة اولمرت علي المدي القصير، ولكنها ستؤدي الي نتائج كارثية علي المدي المتوسط والبعيد، لانها ستفجر حال الاحتقان الراهن في المنطقة، وستخلق مصاعب كبيرة للأنظمة الحالية المعتدلة التي وقعت اتفاقات سلام مع الدولة العبرية، وحافظت علي سلامة حدودها طوال العقود الثلاثة الماضية.
اسرائيل هي التي تتحمل مسؤولية هذا الانهيار الامني الخطير الذي تواجهه سواء علي حدودها الشمالية مع لبنان، او حدودها الجنوبية مع قطاع غزة، لانها استهانت بالأمة العربية وقدرات شعوبها، واعتقدت ان ارهابها للأنظمة بفضل قوتها العسكرية الجبارة، يمكن ان يرهب الشعوب، وها هي تكتشف كم هي مخطئة.
الفلسطينيون اتهموا دائما بانهم لم يدعوا فرصة لإضاعة فرص السلام، ويمكن رد الاتهام نفسه الي الاسرائيليين، والقول بانهم اضاعوا فرصة تاريخية للسلام مع العرب بعد قبول القيادة الفلسطينية وللمرة الاولي تقديم تنازلات كبيرة من اجل السلام من خلال قبولهم باتفاقات اوسلو، حيث اعماهم غرور القوة عن قراءة المستقبل قراءة صحيحة.
المنطقة الآن تتجه نحو العودة الي المربع الاول مربع المقاومة وخلط الاوراق، حيث سيكتشف العالم، وامريكا بالذات، مدي ثقل العبء الاسرائيلي وخطورته علي الامن والاستقرار الدوليين، وخدمة جماعات التطرف الاسلامية وغير الاسلامية.


المصدر
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fn...ام%20العربيfff